بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
موسـوعة صحف الطيبين في      أصول الدين وسيرة المعصومين

صحيفة
نور الإمام الحسين عليه السلام الجزء الخامس
سيادته وخلقه وأخلاقه وعبادته ودعائه ومعجزاته وحكمه وشعره

مصباح الهدى
أنوار سيادة الإمام الحسن والحسين عليهم السلام
شرح حديث : الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة

النور الأول

معرفة عامة في بيان معنى السيادة وملاكها

يا طيب : لما كان البحث في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام في الجزء السابق في بابها الثاني ، في بيان أدلة إمامة وولاية الإمام الحسين عليه السلام مع أخيه الأكبر الحسن المجتبى عليه السلام ، لأن خصائصهما ومناقبهما واحدة ، سواء بكرامة الله أو ببيان رسول الله ، وإن الأحاديث المتكلمة عنهما في زمان رسول الله وأبيهما وبعده تجمعهم دائما ، وذلك لما لهم من المناقب والكرامات الواحدة ، وأن تجلت بكل منهما بخصوصه في آخر حياته وفي أدوار إمامته ، وإنه لما وصل البحث في معنى الحديث :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، و بحثنا بقسم من معناه رأينا بعين اليقين ، أنه من أهم أدلة الولاية والإمامة لآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، و عرفنا كرامته وسعته وجميل مفهومه وقوة مضمونه ، وما له من الدلالة العظمى في بيان الولاية والإمامة ، فأخذنا في البحث في معنى السيادة بصورة عامة وخاصة في الوجود حتى صار سبب لتأليف موسوعة في السيادة وأجزاء متعددة في بيانها في التدوين والتكوين ، واتحاد كتاب الله سيد الكتب وسيد سوره وآياته بأل محمد صلى الله عليهم وسلم .

حتى كان معنى السيادة : موازيا لمعنى الولاية والإمامة ،  ولكرامة معناها وشأنها العظيم في تعريف أهم خصائص ولاية وإمامة وسيادة الإمام الحسين وآله كلهم صلى الله عليهم ، ولسعة معناه الذي زادت صفحاته حتى لم يمكن جعله مع الجزء السابق لأنه يجعله كبيرا ، فقررنا جعله مصباح نور لبيان حياة الإمام الحسين عليه السلام في سيرته في هذا الجزء ، فنتكلم هنا عن أهم معنى السيادة وشرح الحديث، وتجليه من الإمام الحسين عليه السلام وظهوره به ، ومن يطلب التوسعة في معرفة معنى السيادة وتفصيلها عليه مراجعته في صحيفة السيادة في الوجود من موسوعة صحف الطيبين.

 


 

 

الإشراق الأول :

المعنى العام للسيادة في اللغة والعرف وإنه لكل شيء سيد :

يا طيب : عرفت أنه في صحيفة سادة الوجود كان تفصيل البحث في معنى السيادة ، ويمكن مراجعته في موقع موسوعة صحف الطيبين ، ولكن نذكر هنا مجملا من معنى كلمة سيد وتصريفها وما يماثلها وشمولها بنحو مختصر :

الإشعاع الأول : المعنى اللغوي لكلمة سيد :

السيد : هو من يكون فيه خصائص يتفضل بها على غيره من بني نوعه .

وسيأتي بيان بعض المعنى حين الكلام عن ملاك السيادة .

وأما المعنى اللغوي : فقد ذكر بن منظور في لسان العرب :

السيد : يطلق على الرب ، والمالك ، والشريف ، والفاضل ، والكريم ، والحليم ، ومحتمل أذى قومه ، والزوج ، والرئيس ، والمقدم .

وأصله من ساد : يسود ، فهو سيود ، فقلبت الواو ياء لأجل الياء الساكنة قبلها ثم أدغمت .

وفي الحديث : لا تقولوا للمنافق سيدا ، فهو إن كان سيدكم وهو منافق ، فحالكم دون حاله ، والله لا يرضى لكم ذلك .

ويا طيب : قد فصلنا القول في المعنى اللغوي والتاريخي لمعنى كلمة سيد في صحيفة السيادة وبنقل كل كلامه الطويل في معناه ، والذي خلاصته هو إن كل إنسان شريف وفاضل ورفيع يقال له سيد ، أو سيد القوم ، وأنه يقصد لكي يتولى أمور قومه ويفصل بينهم وليقودهم لما فيه خيرهم وصلاحهم ، ولذا كان روح معنى لفظ السيد وملاكه : داخلا في كل الكلمات الكريمة التي تطلق على رؤساء الأقوام وكبرائهم ، سواء قبل الإسلام أو بعده ، و مما قد عرفنا فأنه يراد بالسيد :

الرب ، والمالك ، والشريف ، والفاضل ، والكريم ، والحليم ، والرئيس ، والمقدم ، والواجب الطاعة في قومه ، وعظيمهم الذي يهاب لمكارمه ، ومن له السؤدد والفضائل في نفسه وفعاله ، وأمير القوم وملكهم ، وسلطان الناس والحاكم لهم .

 وإن سيد كل شيء : وسيد السادة : هو الرفيع السامي في خصاله الذاتية والصفاتية والفعلية على كل بني نوعه أو وغيرهم ، ومن يأتي منه الخير التام وله الكمال العالي ، والواجب التحبب له والتعطف له ليُنال بره .

 فالسيد الحق بالمعنى العالي : هو الإمام للقوم وولي أمرهم سواء حسب العرف الاجتماعي أو الديني ، ويتلوه الوصي له والخليفة والعاقب ومن يعقبه حسب علمه أو ونسبه بالإضافة لعلمه ومحله لدى أهل ملته .

ولذا السيد : صار معناه واسع ، و يكون روح وحقيقة كل لفظ  فيه معنى الرفعة والعظمة والمجد والكرامة والخير والفضائل والعزة ، وكل معاني معالي الشأن مما يوصف به إنسان في قومه أو عند بني نوعه ، ولذا ترى يدخل معناه في روح كل أكرم وأعلى الألفاظ التي يوصف بها رؤساء الأقوام وكبرائهم ، فنذكرها هنا بلفظها فقط ، وقد مر شرحها في صحيفة السيادة مفصلا فلتراجع هناك ، وهي مثل :

اليعسوب ، الصنتيت ، الصنديد ، الملاث ، الشريف ، السمح ، الحليم ، الجحجاح ، الصندد ، الصمد ، العميد ، الخنذيذ ، الزفر ، العبقري ، العصفور ، الكابر ، المكثور ، الكوثر ، القدموس ، القلموس ، القومس ، البزيع ، السميدع ، القريع ، المقروع ، الغطريف ، الصلقم ، الأثعل ، الحجل ، الجحفل ، المجلجل ، الحلاحل ، النوفل ، الجثامة ، الحمام ، الهمام ، الحمحام ، الخظم ، الدعامة ، الشهم ، الصيهم ، الصهميم ، المضخم ، المعمم ، القثم ، المنقدم ، القرم ، القمقام ، القيم ، الهلقام ،  الوحى ، وغيرها .

فمعنى السيد : يدخل في حقيقة و روح كل معنى يطلق على رئيس القوم وسيدهم المطاع والكريم الخيّر المحبوب فيهم ، وذلك حين تراجع معاني الألفاظ أعلاه ، يقال: إن هذا الفظ معناه السيد مع خصوصية كذا ، ويراد بلفظ السيد في معانيها المدح بالجميل والثناء لما له من الصفات العالية التي يتحلى بها كبير كل قوم ، فيعرف بالخير الواسع والفضل العالي فيكون معناه السيد  بخصوصية كذا منقبة وفضيلة.

 وإن السيد : لا يطلق على من لا خير فيه وبركة ، ولا مجد له ولا شهامة ، ولا على بخيل وسفيه فضلا عن ظالم و جائر ، ولا طاغية وضال ولا فاسق ومنافق ولا كفار ومشرك إلا مجازا وللسخرية به ، أو لاتقاء شره وطلب دنيا منه وبضد المعنى لا على الحقيقة بحيث يكون ظاهره ليس كباطنه.

ولذا صار لكلمة سيد : معنى واسع الاستعمال فشملت من له شأن اجتماعي و علمي ومالي ولرئيس القوم والدولة والعسكريين والمتنفذين، بل الأشخاص العاديين وذلك في مجمل التخاطب بين الناس والمؤتمرات والاحتفالات ، وفي كل مرة يراد بها التجليل للمخاطب وبيان الاحترام له ، وهذا ما عرفه الناس بينهم لبيان تقديرهم للآخرين وتعريف اهتمامهم بهم وحسن ظنهم بهم ، حتى كانت من أسس المجاملة والمدارات المحببة بين الناس في جميع أنواع التخاطب في العرف الاجتماعي استخدام كلمت سيد والنداء بها لمن يحب جلب انتباهه مع التقدير ، وكلا حسب شأنه يطلق كلمة سيد على من يحب وحسب غرضه ، سواء بصورة حقيقية أو ارتجالية أو لطلب الود وحسن المجاملة .

ولكنه يعرف شأن ورتبة المخاطب بالسيادة: من القرائن الاجتماع والكلام هل هو عام أم خاص، وهل الشخص حقا كبير القوم ورئيسهم أم لاحترامه وجلب وده و تنبيهه لأهمية الموضوع الملقى عليه، ولذا صارت كلمة السيد محببة عند كل الناس، وفي كل اللغات لهم كلمة مرادفة لكلمة سيد وسيداتي وسادتي مثل مستر ومسسز وأقا وغيرها.

وإنه كلمة سيد : حسب الإطلاق والمناسبة وشأن المخاطب والمتكلم ، يعرف العلو المراد ، والحقيقة التي تتجلى بها معاني كلمة سيد على من يتحقق بها وتطلق عليه .

وإنه أعلى معنى لكلمة سيد : ويقصد بها قمة الكمال والمجد والثناء ، هو حين إطلاق كلمة سيد على الله سبحانه وتعالى ، وكما نقول سيدي ومولاي : أي يا سيدي لك كل الكمال المطلق وتتجلى بنوره لمن تحب ، فتولاني و وتفضل عليّ ، فإني قصدتك وصمدت إليك فاهتم بأمري وأنجز ما وعدتني لأني من المتعرضين لمسألتك وكرمك .

وأن الله تعالى هو السيد الحق : و سيد السادات ، وواهب السيادة لمن يشاء من خلقه على الحقيقة ، وبالخصوص تجليه في السيادة للمرسلين والأنبياء وأوصيائهم وحوارييهم ، وسيدهم نبينا الأكرم محمد وعلى آله الكرام سادة المتقين عليهم السلام .

ولذا كان سيد المرسلين : في كثير من الأحاديث يطلق ويعرف نفسه وآله بالسيادة والسيد ، وهو لا ينطق عن الهوى ، بل بتأييد وحي يوحى ، ويريد بها أعلى هذه المعاني للفظ السيد وأكرمها وأجملها وأوسعها ، وأعظمها التي بها يُحلى ويرقى معنى السيد بكل بهاء وبأعظم تجلي لنور الهدى والدين ، ويعلوا ويحسن ويعظم معناه بتحققه وظهورا لهم ومنهم ، ويتكون له أكرم وأفضل حقائقه ، فيكون فيه كل حقائق معاني الولاية والإمامة والرئاسة والسيادة لكل لقوم ، و بهم بعد الله يكون له كل مراتب الكرامة والشرف والمجد والنور وفي كل مراتب الوجود ، وهذا ما عرفته بل و ستراه حين يقول سيد الكونين والأنبياء والمرسلين ويطلقه على أحد من آله الطيبين الطاهرين ، فيقول :

أنا سيد البشر ولا فخر ، أو علي سيد العرب ، الأوصياء ، الوصيين ، المسلمين ، وفاطمة سيدة نساء العلمين ، والحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وفي كثير من الأحاديث التي تُعرف فضلهما والتي سترى بعضها فيما يخص إمامي الهدى الحسن والحسين عليهما السلام في الأنوار الآتية ، فنعرف إنه كان يعرف سبطيه بالسيادة للمؤمنين حقا، وهو تعبير وبيان وشرح كريم لإمامتهم وولايتهم ويوجب الطاعة لهم والانقياد لأمرهم ، لا تعبير عابر وحاشاه ، فهو لا ينطق عن الهوى أبدا .

ويا طيب : إن السيد هو الله سبحانه قد تجلى في الوجود ، وجعل لكل شيء سيد مناسب له ، وفي لكل نوع في الكائنات سيد يتفضل على بني نوعه بخصائص خصها به ، ولذا كان للسيد ملاك وحقيقة عالية في كل مراتب التكوين وأنواعه ، ولكي نتعرف على هذه الحقيقة نتدبر الإشعاع الآتي :

 


 

الإشعاع الثاني :

لكل شيء في التكوين والتدوين سيد :

يا طيب : قد عرفنا في أحاديث كثيرة مع الشرح في صحيفة سادة الوجود :

أن لكل شيء في التكوين والتدوين ، سيد : يتفضل على نوعه بما فضله الله به .

فنذكر بعض الأحاديث المعرفة أن لكل شيء سيد مختصرا :

عن عمرو بن أبي المقدام قال سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول : خرجت أنا و أبي حتى إذا كنا بين القبر و المنبر إذا هو بأناس من الشيعة ، فسلم عليهم ثم قال: إني والله لأحب رياحكم وأرواحكم فأعينوني على ذلك بورع و اجتهاد  ...

و لقد قال أمير المؤمنين عليه السلام لقنبر: يا قنبر أبشر وبشر واستبشر، فو الله لقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله : و هو على أمته ساخط إلا الشيعة .

 ألا و إن : لكل شيء عزا و عز الإسلام الشيعة ، ألا و إن : لكل شيء دعامة و دعامة الإسلام الشيعة . ألا و إن : لكل شيء ذروة ، و ذروة الإسلام الشيعة ،  ألا و إن : لكل شيء شرفا و شرف الإسلام الشيعة . ألا و إن :

لِكُلِّ شَيْءٍ سَيِّد

 وَ سَيِّدُ الْمَجَالِسِ مَجَالِسُ الشِّيعَةِ

أَلَا وَ إِنَّ : لِكُلِّ شَيْءٍ إِمَاماً ، وَ إِمَامُ الْأَرْضِ أَرْضٌ تَسْكُنُهَا الشِّيعَةُ ...[1].

 

وروى : أبو جعفر محمد الكراجكي في كتابه كنز الفوائد حديثا مسندا يرفعه إلى سلمان الفارسي قال : كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده :

 إذ جاء أعرابي : فسأله عن مسائل في الحج و غيره ، فلما أجابه .

قال له : يا رسول الله إن حجيج قومي ممن شهد ذلك معك ، أخبرنا أنك قمت بعلي بن أبي طالب بعد قفولك من الحج ، و وقفته بالشجرات من خم ، فافترضت على المسلمين طاعته و محبته ، و أوجبت عليهم جميعا ولايته ، و قد أكثروا علينا من ذلك .

 فبين لنا يا رسول الله : أ ذلك فريضة علينا من الأرض لما أدنته الرحم و الصهر منك ، أم من الله افترضه علينا و أوجبه من السماء ؟

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : بل الله افترضه و أوجبه من السماء ، و افترض ولايته على أهل السماوات و أهل الأرض جميعا .

يا أعرابي : إن جبرائيل عليه السلام ، هبط عليّ يوم الأحزاب ، و قال :

 إن ربك يقرئك السلام ، و يقول لك :

إني قد افترضت : حب علي بن أبي طالب و مودته على أهل السماوات و أهل الأرض ، فلم أعذر في محبته أحدا ، فمر أمتك بحبه ، فمن أحبه ، فبحبي و حبك أحبه ، و من أبغضه فببغضي و بغضك أبغضه ، أما إنه :

مَا أَنْزَلَ الله تعالى كِتَاباً

وَ لَا خَلَـقَ خَلْقاً

إِلَّا وَ جَعَلَ لَهُ سَـيِّد

فَالْقُرْآنُ : سَيِّدُ الْكُتُبِ الْمُنْزَلَةِ .

وَ شَهْرُ رَمَضَانَ : سَيِّدُ الشُّهُورِ .

وَ لَيْلَةُ الْقَدْرِ : سَيِّدَةُ اللَّيَالِي .

وَ الْفِرْدَوْسُ : سَيِّدُ الْجِنَانِ .

وَ بَيْتُ الله الْحَرَامِ : سَيِّدُ الْبِقَاعِ .

وَ جَبْرَائِيلُ : سَيِّدُ الْمَلَائِكَةِ .

وَ أَنَا : سَيِّدُ الْأَنْبِيَاءِ .

وَ عَلِيٌّ : سَيِّدُ الْأَوْصِيَاءِ .

وَ الحسن وَ الحسين : سيدا شباب أهل الجنة .

وَ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْ عَمَلِهِ : سَـيِّدٌ .

وَ حُبِّي وَ حُبُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ:  سَـيِّدُ الْأَعْمَالِ .

وَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ الْمُتَقَرِّبُونَ مِنْ طَاعَةِ رَبِّهِمْ .

 يا أعرابي : إذا كان يوم القيامة ، نصب لإبراهيم منبر عن يمين العرش ، و نصب لي منبر عن شمال العرش ، ثم يدعى بكرسي عال يزهر نورا ، فينصب بين المنبرين ، فيكون إبراهيم على منبره ، و أنا على منبري .

ويكون أخي: علي على ذلك الكرسي ، فما رأيت أحسن منه حبيبا بين خليلين .

يا أعرابي : ما هبط علي جبرائيل إلا و سألني عن علي ، و لا عرج إلا و قال : اقرأ على علي مني السلام [2].

يا طيب : بعد أن عرفنا بأحاديث جامعة أنه لكل شيء سيد ، وتوجد أحاديث كثيرة في صحيفة السيادة تعرف هذا المعنى و تفصيل لسيادة كثير من الأنواع في السماوات والأرض والملائكة والنبات وغيره ، وبها نعرف أنه للسيد فضائل وملاك وخصائص كريمة بها يتفضل على غيره من أفراد نوعه ، ويكون سيد له حسب شأنه في الوجود ، فيكون بما فضله الله يفيض من جود سيادته بما ينفع غيره ممن يحيط به ، وإنه بنفسه بما خصه الله أكثر من غيره بكرمه وبخصائص جميلة يكون بها سيد لغيره، وبعد هذه المعرفة المختصرة بأنه لكل شيء سيد ، وعرفنا أن أل محمد هم سادة الوجود وحبهم سيد الأعمال في نفس الأحاديث ، نتدبر مختصر لملاك السيادة وسببها ممن يهبها لعباده.

 

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

حقائق معنى السيد وملاكه وأهم حقائقه وأفراد مصاديقه :

 

الإشعاع الأول :

 الله هو السيد الحق :

يا طيب : إن أعلى وأكرم وأفضل وأعظم معنى للسيادة هو حين يطلق على الله سبحانه وتعالى ، وبه يعرف سعة معناه وقوته ، ونقدمه ليكون مُعرف لملاك السيادة الحقة التي يتفضل بها على من يشاء سبحانه ، بأن يهبه أعلى ملاك لها ، وقد شرحنا معنى السيد بكونه من الأسماء الحسنى لله سبحانه في صحيفة شرح الأسماء الحسنى بالرقم اثنين وأربعين لأنه جاء في حديث : أن لله سبحانه تسعة وتسعون أسما من أحصها دخل الجنة ، وكذا تم بيانه بمعنى واسع في صحيفة السيادة ، ومعنى السيد كما عرفنا يكون روح معنى الرب والصمد وغيرها من الأسماء كالحليم والكريم والغني وغيرها ، وهذا حديث يعرفنا أن معنى كلمة السيد هو روح وحقيقة معنى الصمد :

عَنْ دَاوُدَ بْنِ الْقَاسِمِ الْجَعْفَرِيِّ قَالَ : قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ الثَّانِي عليه السلام :

جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا الصَّمَدُ ؟  قَالَ عليه السلام :

السيد : الْمَصْمُودُ إِلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَ الْكَثِيرِ [3].

عن الإمام الْبَاقِرُ عليه السلام قال :

الصَّمَدُ : السيد ، الْمُطَاعُ ، الَّذِي لَيْسَ فَوْقَهُ آمِرٌ وَ نَاهٍ [4].

و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ـ أي التوحيد ـ قَالُوا : مَا الصَّمَدُ ؟

قَالَ صلى الله عليه وآله وسلم : هُوَ السيد : الَّذِي يُصْمَدُ إِلَيْهِ فِي الْحَوَائِجِ [5] .

وبهذا المعنى نعرف الله بالسيد : بأنه سبحانه يقصد بكل مهم ، ويطلب منه كل عافية وغنى وعلم ، ورفع حاجة وسد كل منقصه ، وفي كل قليل وكثير مع الإقرار بوجوب الطاعة له سبحانه ، فنعرف أن الله هو السيد المتولي لمن يتوكل عليه .

ويا طيب : كثر مناداة الله سبحانه بالسيد ويا سيدي في الأدعية ، كما في دعاء كميل ، وأبو حمزة وغيرها بل بأكثرها نناديه سبحانه ونطلب منه ونتوجه له ونتوسل إليه ، بأن نقوله له : يا سيدي ، يا سيد السادات ، يا سيدي ومولاي ، فنعرفه بالمجد الكامل والفضل التام والقدرة العظيمة والعلم الواسع ، والقادر على أن يهبنا كل ما نحتاجه ويجود علينا بما يغنينا ، ويرفع عنا كل نقص وحاجة ، وأنه لا يخيب من دعاه وتوجه له وطلب منه ، و كما قولنا في الدعاء عن الصَّدُوقُ فِي الْأَمَالِي : عَنِ الْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ فِي سُجُودِهِ :

أُنَاجِيكَ يَا سَيِّدِي ، كَمَا يُنَاجِي الْعَبْدُ الذَّلِيلُ مَوْلَاهُ .

 وَ أَطْلُبُ إِلَيْكَ طَلَبَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّكَ تُعْطِي وَ لَا يَنْقُصُ مِمَّا عِنْدَكَ شَيْءٌ .

 وَ أَسْتَغْفِرُكَ اسْتِغْفَارَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ.

 وَ أَتَوَكَّلُ عَلَيْكَ تَوَكُّلَ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [6].

ونرى يا طيب : أن الإمام يخاطبه ويطلب من الله السيد الرزق والبركة لأنه خالق كل شيء ورازقه ، ويقدم أن الله السيد عالم به ، وإنه سبحانه يبذل رزقه لمن يطلب منه ، وبهذا نرى أكثر الأدعية التي نخاطب الله سبحانه ، فنقر بعلمه بنا وأنه محيط بنا ، وإنه مالك كل شيء والذي يوصل عباده بالخيرات والبركات حين التوجه له والطلب منه ، فهو الجواد الغفور السمح الكريم ، فنرى في الأدعية الكريمة معنى السيد مشروحا ، وفيها تعريف وبيان لحقائق معنى السيد ، ومبينة لروح معناه بأحسن توضيح ، كما في الحديث السابق وما فيه من الدعاء ، وأنظر الحديث الآتي وهو :

من أدعية شهر رمضان في اليوم التاسع والعشرين منه :

أَنْتَ السيد : الْمَوْلَى ، وَ أَنَا الْعَبْدُ .

وَ أَنْتَ : العلم وَ أَنَا الْجَاهِلُ .

عَصَيْتُكَ بِجَهْلِي : وَ ارْتَكَبْتُ الذُّنُوبَ بِجَهْلِي لِفَسَادِ عَقْلِي ، وَ الهتْنِي الدُّنْيَا لِسُوءِ عَمَلِي وَ اغْتَرَرْتُ بِزِينَتِهَا بِجَهْلِي ، وَ سَهَوْتُ عَنْ ذِكْرِكَ .

فَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ : أَنْتَ أَرْحَمُ لِي مِنْ نَفْسِي ، وَ أَرْحَمُ بِي مِنِّي بِنَفْسِي ، وَ أَنْتَ أَنْظَرُ لِي مِنِّي لِنَفْسِي ، فَانْظُرْ لِي مِنْهَا ، فَاغْفِرْ وَ ارْحَمْ وَ تَجَاوَزْ عَمَّا تَعْلَمُ ....

اللَّهُمَّ : رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ ، وَ مَا أَظَلَّتْ ، وَ مَا فِيهِنَّ ، وَ مَا بَيْنَهُنَّ .....

وَ العالم : بِكُلِّ شَيْءٍ ، وَ الْقَاهِرُ لِكُلِّ شَيْءٍ .

وَ الْمُحِيطُ : بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْماً ، وَ الرَّازِقُ لِكُلِّ شَيْءٍ [7].

وهكذا : يجب أن يقصد السيد الحق سبحانه ، بالطاعة والمعرفة بكرمه مخلصين ، ليتولانا وليرعانا و ليهب لنا من كرمه وفضله ما يشاء مما نطلب وفيه مصلحتنا .

وبهذا أيضا نعرف : أن من يهبه الله السيادة يكون له شأن عظيم ، يجب أن يقصد ويتوسل به ليدعوا لنا ، أو يهب لنا مما فضله الله به وكرمه ، فجعله عالم بهداه قادر على تطبيقه ناشر له بكل سيرته وسلوكه وبكل قوة وإخلاص لله سبحانه ، فيكون ما يتجلى به من معارف وأحاديثه وبكل صفاته وخصاله قدوة وأسوة لكل عبد يحب أن يطيع الله ، فيتعلم منه ويتبع رشده فيكون من المطيعين الحقيقيين لله سبحانه ، وإلا من لم يطع من وهبه الله السيادة يكون مطيع للشيطان وسادة الباطل وأولياءهم ، وليس من أولياء الله سبحانه ولا من أحبائه ، بل من وهبهم الله السيادة هم حقا سادة الوجود ويجب أن يطاعوا ونقتدي بهم ، وبعد أن عرفنا نقصنا وتوجهنا لسيدنا ومولانا ، فلنتعرف على معنى السيادة التي يهبه الله لمن يشاء من عباده بعد معرفة ملاكها التام العالي .

 


 

 

الإشعاع الثاني :

 ملاك السيادة الحقة العلم والتقى :

يا طيب : إن السيد الحق واقعا ، وإن كان في نفسه له خصائص وفضائل كريمة وله شرف ومجد عالي بما فضله لله سبحانه وخصه بخصائص مناسبة لشأنه ، لكنه يجب أن تظهر منه هذه المعاني وتبين لتعرف سيادته ، أي يجب أن تظهر منه نعم الله وما فضله به لتعرف سيادته الذاتية ، فتظهر في صفاته وأفعاله فضلا عن كونها في نفسه وهي حقيقته ، ولذا يجب أن نتعرف على أهم صفات السيد الحق وما يوجب سيادته واقعا .

 وإن ما يوجب السيادة : هو البذل والسخاء والعطاء لما حباه وفضله به الله سبحانه ، ولذا قال الإمام علي عليه السلام :

سبب السيادة : السخاء .

من جاد : ساد .

لا سيادة ، لمن لا سخاء له [8].

وقال الإمام علي عليه السلام :

الغني : يسود غير السيد [9].

فالغني يسود بسخائه لأنه عرفنا في الحديث الأخير السابق أن لا سيادة لمن لا سخاء له ، وإن من السخاء هو كما قال أمير الإمام علي عليه السلام :

السيد : من تحمل المئونة ، و جاد بالمعونة [10].

السيد : من تحمل أثقال إخوانه ، و أحسن مجاورة جيرانه [11].

فإن من لم يسخو بما فضله الله لا يسود ، ويجب أن يكون السيد ورئيس القوم كريم النفس عادل ، ولا يتصف بصفات رذيلة تبعده عن الشأن الكريم للسيادة والتقدم على قومه بالفضائل ، ولذا جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام في السيد الحق :

السيد : من لا يصانع ، و لا يخادع ، و لا تغره المطامع [12].

وإلا إن ساد احد : وصارت له كلمة نافذة وترأس بالطمع والتطميع والخداع والمصانعة والكذب والدهاء والتخويف والحيلة والمكر فهو سيد الباطل كما عرفنا هذا في الجزء الأول من صحيفة السيادة مفصلا ولا نتعرض له هنا .

 

 وأما سيد الحق : فهو كما قال الإمام علي عليه السلام :

سادة أهل الجنة :

الأسخياء و المتقون .

سادة الناس

في الدنيا الأسخياء ، و في الآخرة الأتقياء [13].

  وبهذا عرفن : إن العلم : والسخي بعلمه مع التقى ، هو السيد الحقيقي في الدنيا والآخرة ، وهذه الحقيقة والمعرفة الواقعية والمعنى الحق لكلمة سيد حين تكون تعريف من الله ورسوله لسادة الوجود من أل محمد صلى الله عليهم وكما سيأتي .

 

ولذا : كان كل من ينتسب للنبي صلى الله عليه وآله بالهدى والدين ، أي يكون له علم بالدين مع التقى ، يكون له نصيب من السيادة ، ويقترب منها .

 ويا طيب : إن المعنى الأعلى والأول هو لمن وهبهم الله معارف الدين ، ونعيم الهدى للصراط المستقيم وتعريف الرشد الحق ، وإن من تبعهم يكون له شأن كريم في السيادة تبعا لهم ، وملخص معنى ملاك السيادة بالتدبر بما قال صلى الله عليه وآله :

 كن : عالما ، أو متعلما ، أو مستمعا ، أو محبا لهم ، و لا تكن الخامس فتهلك .

فإن أهل العلم : سادة .

و مصاحبتهم زيادة ، و مصافحتهم  عبادة  [14].

 

وعن يحيى بن الحسن بن الحسين العلوي : عن إسحاق بن موسى، عن أبيه، عن جده، عن محمد بن علي، عن علي بن الحسين ، عن الحسين بن علي ، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

الْمُتَّقُونَ سادة :

وَ الْفُقَهَاءُ : قَادَةٌ ، وَ الْجُلُوسُ إِلَيْهِمْ عِبَادَةٌ [15].

وإن سادة المتقين : كما تعرف هم نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم، ومن يتعلم منهم يكن منهم ويحشر معهم ، بشرط التقى.
 فالعلم والتقى هو أس السيادة والقيادة ، وهو الذي ظهر بكل سيرة وسلوك أل محمد صلى الله عليهم كما سترى.

فالمعنى العالي : لكلمة سيد ، فهو لله سبحانه وتعالى ، وهو يهب من يشاء كل كرامة من الخلق والهدى والدين والطاعة والعبودية والإخلاص له ، ويجعله يتجلى بها بكل سيرته وسلوكه فيكون السيد الحق والإمام العدل والولي الصادق بفضله ، فيجب أن يقصد ويتعلم منه ويطاع ويقتدى به ، ليصل لإنسان بطاعته لهدى الله ، و ليتمكن من العبودية له بما تعلم من السيد والإمام الحق فيكون في رض الله ، وإلا يكون إمام من سادة الباطل أو تابع له وتحت ولاية الشيطان ولا يكون سيد حق ، لأن السيادة نوعان ، والسيادة من الله ورسوله وبتعريفه يكون السيد سيد حق وإلا سيد باطل، وللمزيد نتدبر :

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

السيادة بفضل الله لنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم :

يا طيب : إن الله سبحانه وتعالى إذا أخبرنا بلسان رسوله الأكرم بسيادة عبد من عباده فهو حقا سيد ، وله أعلى ملاك السيادة ، وله حق الطاعة ويجب أن يقتدى به ويتعلم منه ويستن برشده ، وإن نبينا الأكرم في أحاديث كثيرة جدا تجدها في صحيفة سادة الوجود ، تراه أنه قد عرف نفسه وآله الكرام بالسيادة ، وإنه صلى الله عليه وآله وسلم في أغلب أحاديثه التي يتحدث بها عن آله تراه بشكل واسع يعرفهم بأعلى معاني السيادة ، بل المختصر من الأحاديث في بعضها فقط يعرفهم بالسيادة ، وللمعرفة الواسعة راجع ما ذكرنا هناك وسيأتي قسم منها هنا ، ونذكر حديث واسع من الله سبحانه بلسان جبرائيل ليعمنا أن رسوله نبينا وآله هم السادة حقا ، وأنه لهم أعلى ملاك ممكن أن يتحقق به بشر ، وبذلك يعلمنا وجوب حق الطاعة لهم علينا ، وليرينا أنهم أعلى وأعلم وأتقى الناس أجمعين ، وأنه يجب أن يقتدى بهم لمعرفة هداه سبحانه وتعالى :

وبهذا جاء الحديث من الله سبحانه وتعالى سيد السادة وواهب السيادة لمن يشاء :

عن عيثم بن أشيم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

خَرَجَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ذَاتَ يَوْمٍ :

 وَ هُوَ : مُسْتَبْشِرٌ ، يَضْحَكُ سُرُوراً .

 فَقَالَ لَهُ النَّاسُ : أَضْحَكَ الله سِنَّكَ يَا رَسُولَ الله ، وَ زَادَكَ سُرُوراً .

 فَقَالَ رَسُولُ الله : إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ يَوْمٍ وَ لَا لَيْلَةٍ إِلَّا وَ لِيَ فِيهِمَا تُحْفَةٌ مِنَ الله ، أَلَا وَ إِنَّ رَبِّي أَتْحَفَنِي فِي يَوْمِي هَذَا بِتُحْفَةٍ لَمْ يُتْحِفْنِي بِمِثْلِهَا فِيمَا مَضَى .

 إِنَّ جَبْرَئِيلَ أَتَانِي : فَأَقْرَأَنِي مِنْ رَبِّيَ السَّلَامَ .

 وَ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ اخْتَارَ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ سَبْعَةً .

 لَمْ يَخْلُقْ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ مَضَى ، وَ لَا يَخْلُقُ مِثْلَهُمْ فِيمَنْ بَقِيَ .

 أَنْتَ يَا رَسُولَ الله : سَـيِّدُ النَّبِيِّينَ .

وَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَصِيُّكَ : سَـيِّدُ الْوَصِيِّينَ .

وَ الحسن وَ الحسين سِبْطَاكَ : سَـيِّدَا الْأَسْبَاطِ .

وَ حَمْزَةُ عَمُّكَ : سَـيِّدُ الشُّهَدَاءِ .

 وَ جَعْفَرٌ ابْنُ عَمِّكَ : الطَّيَّارُ فِي الْجَنَّةِ ، يَطِيرُ مَعَ الْمَلَائِكَةِ حَيْثُ يَشَاءُ.

وَ مِنْكُمُ الْقَائِـمُ : يُصَلِّي عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ خَلْفَهُ إِذَا أَهْبَطَهُ الله إِلَى الْأَرْضِ ، مِنْ ذُرِّيَّـةِ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ مِنْ وُلْدِ الحسين  [16].

ولذا كان سيد الأنبياء والمرسلين : يعتز بإطلاق كلمة سيد على نفسه وآله في كل مناسبة ، وفي كل فرصة تحين لتعريف مناقبهم وفضائلهم ، ولذا كان كثير ما يقول :

أنا : سـيد النبيين .

 و علي بن أبي طالب : سـيد الوصيين .

و الحسن و الحسين : سيدا شباب أهل الجنة .

و الأئمة بعدهما : سـادات المتقين .

 ولينا ولي الله . و عدونا عدو الله .

و طاعتنا طاعة الله ، و معصيتنا معصية الله عز و جل ، و حسبنا الله و نعم الوكيل[17].

ويا طيب : أما العلم لآخر الدهر مع التقى ، وهو نزول إذن الله بكل أمر لآل محمد صلى الله عليهم ، وكما في سورة إن أنزلناه التي شرحنها مفصلا في الجزء الأول من صحيفة سادة الوجود، كما قال الإمام الصَّادِقِ عليه السلام في حديث طويل : ..

وَ لِكُلِّ شَيْءٍ سَـيِّدٌ

وَ سَــيِّدُ العلم إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ[18].

 

 

 


 

الإشعاع الرابع :

حديث عن سيادة الإمام الحسين عليه السلام خاصة :

يا طيب : إن ظهور معاني السيادة من أل محمد كلهم صلى الله عليهم وسلم ، تجده متجلي بكل معانيها وأعلاه وبأحسن صورها ، حين تراجع سيرتهم وسلوكهم ، وترى نور أحاديثهم ، سواء في تعريف توحيد الله سبحانه وعدله أو في معاني الولاية والإمامة والمعاد وكل ما يحتاجه العباد من هدى الله سبحانه ، وهل يُعلم دين الله وتفسير كتاب الله سيد الكتب إلا منهم ، وإنهم بخلقهم وسيرتهم وسلوكهم تطبيق علمي وعملي لتجلي حقائق السيادة و ظهور للعلم والتقى حقا ، وإنهم هم السادة واقعا و بمعنى الكلمة وبأوسع معانيها ، فإن الله تعالى جعلهم راسخون بعلمه وقرناء كتابه ، وإنه في صحيفة سادة الوجود وفي المحاضرات الإسلامية عرّفنا هذا المعنى بشكل واسع ، ولمعرفة المزيد راجع موسوعة صحف الطيبين .

وإنه يا طيب : يكفي لمعرفة معنى السيادة لهم الأحاديث السابقة عن سيد المرسلين وما سيأتي ، ولكن أحب هنا أن نتعرف وإياكم على حديث خاص عن الإمام الحسين عليه السلام في معنى السيادة له ، وإنه بتصرفه يعرفنا خلقه الكريم الذي يدل على علمه وما بذل من أجل عبدا شاكرا لله ، وبما وهب كان عالما بفضل الله وتقديره لمن يخلص له ، فهو تصرف في ماله يعرفنا تقاه وعلمه عليه السلام ، وإن كان عرفنا في الجزء السابق أن الجود بالنفس هو أقصى غاية الجود وأنه بذل بعلم كل شيء في سبيل الله ، و ضحى بنفسه وبأهل بيته وأولاده وأعز شيء عنده فضلا عن ماله من أجل إعلاء كلمة الله .

فالإمام الحسين عليه السلام : هو عين الجود والسخاء والبذل والعطاء ، وهو العلم والتقى حقا ، فحقا تعريفه بسيد شباب أهل الجنة مع أخوه الأكبر السبط المجتبى ، وإن هذا الحديث الذي عرفهم لكريم عالي المعنى ، عرفهم بالإمامة والقيادة ، لأنها حق السيد الذي يعرفه رسول الله ، وأنه يجب أن يطاع لا أن يقتل ، لكن كل إنسان على نفسه بصيرة وعليه أن يطيع أئمة الدين وولاة الهدى وسادة الحق ، فيحي من حيى عن بينة ويموت من يموت عن بينه ، ولله الحجة البالغة ، وهذا الحديث في سيادتهم يعرفه كل المسلمون ويقر لهم به كل المؤمنون حقا ، ولم يشك به فرد عرف الدين ، وسيأتي صيغه وبيانه بشكل واسع ، وبصورة أوسع ستراه في صحيفة سادة الوجود .

وهنا نتعرف على حديث : فيه تصرف للسيد الإمام الحق الحسين بن علي ابن أبي طالب عليه السلام ، لنعرف تجلي ملاك السيادة منه ، ونعرف له كمقدمة في هذا الجزء المختص بسيرته وسلوكه ، تصرف كريم ، فيعرفنا سخائه وبعض بذله وسيادته حقا :

قال في مجمع البحرين في مناقب السبطين عن الحسن البصري قال :

كَانَ الحسين عليه السلام : سَــــيِّــداً زَاهِـداً :

وَرِعاً صَالِحاً : نَاصِحاً ، حَسَنَ الْخُلُقِ ، فذهب ذات يوم مع أصحابه إلى بستان له ، و كان في ذلك البستان غلام يقال له : صافي ، فلما قرب من البستان :

 رأى الغلام : يرفع الرغيف فيرمي بنصفه إلى الكلب ، و يأكل نصفه .

فَتَعَجَّبَ الحسين عليه السلام : من فعل الغلام .

 فلما فرغ من الأكل ، قال : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ العلمينَ .

 اللَّهُمَّ : اغْفِرْ لِي وَ لِسَـــيِّــدِي .

 وَ بَارِكْ لَهُ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى أَبَوَيْهِ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

فقام الحسين عليه السلام : و نادى يا صافي ، فقام الغلام فزعا .

وَ قَالَ : يَا سَـيِّدِي وَ سَــيِّدَ الْمُؤْمِنِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

إني : ما رأيتك ، فاعف عني .  فَقَالَ الحسين عليه السلام : اجعلني في حل يا صافي ، دخلت بستانك بغير إذنك .

  فَقَالَ صَافِي : بِفَضْلِكَ وَ كَرَمِكَ وَ سُـــؤْدُدِكَ تَقُولُ هَذَا .

فَقَالَ الحسين عليه السلام : إِنِّي رَأَيْتُكَ تَرْمِي بِنِصْفِ الرَّغِيفِ إِلَى الْكَلْبِ وَ تَأْكُلُ نِصْفَهُ ، فَمَا مَعْنَى ذَلِكَ ؟

فَقَالَ الْغُلَامُ : يَا سَــيِّدِي ، إن الكلب ينظر إلي حين آكل ، فإني أستحيي منه لنظره إلي ، و هذا كلبك يحرس بستانك من الأعداء ، و أنا عبدك ، و هذا كلبك نأكل من رزقك معا .

 فَبَكَى : الحسين عليه السلام .

 ثُمَّ قَالَ : إِنْ كَانَ كَذَلِكَ ، فَأَنْتَ عَتِيقٌ لِلَّهِ ، وَ وَهَـبَ لَهُ أَلْفَ دِينَارٍ .

فقال الغلام : إن أعتقتني ، فإني أريد القيام ببستانك .

فَقَالَ الحسين عليه السلام: إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا تَكَلَّمَ بِكَلَامٍ يَنْبَغِي أَنْ يُصَدِّقَهُ بِالْفِعْلِ.

الْبُسْتَانُ أَيْضاً وَهَبْتُهُ لَكَ ، وَ إِنِّي لَمَّا دَخَلْتُ الْبُسْتَانَ ، قُلْتُ :

اجْعَلْنِي فِي حِلٍّ : فَإِنِّي قَدْ دَخَلْتُ بُسْتَانَكَ بِغَيْرِ إِذْنِكَ، كُنْتُ قَدْ وَهَبْتُ الْبُسْتَانَ بِمَا فِيهِ ، غَيْرَ أَنَّ هَؤُلَاءِ أَصْحَابِي لِأَكْلِهِمُ الثِّمَارَ وَ الرُّطَبَ ، فَاجْعَلْهُمْ أَضْيَافَكَ ، وَ أَكْرِمْهُمْ لِأَجْلِي أَكْرَمَكَ الله يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَ بَارَكَ لَكَ فِي حُسْنِ خُلُقِكَ وَ رَأْيِكَ .

فقال الغلام : إن وهبت لي بستانك فإني قد سبلته لأصحابك[19].

وهذا الذي عرفت يا طيب : من معروف وسخاء أهل البيت عليهم السلام ، هو جود مع تقى  وكرم مع زهد  وتفضل مع خصاصة، ولهذا فضلهم الله على غيرهم حتى كانت الذرية الطيبة منهم سادة أهل الوجود عليهم السلام ، ولذا جاء في الأثر:

عن الحسين بن خالد : عن أبي الحسن علي بن موسى الرضا عن أبيه عن آبائه عن علي عليهم السلام قال :

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

من أحب أن يركب سفينة النجاة ، و يستمسك بالعروة الوثقى ، و يعتصم بحبل الله المتين ، فليوال عليا بعدي ، و ليعاد عدوه .

و ليأتم بالأئمة الهداة من ولده ، فإنهم : خلفائي ، و أوصيائي .

و حجج الله على الخلق بعدي .

و سادة أمـتـي :

و قـادة الأتـقـياء إلى الجنـة .

 حزبهم حزبي ، وحزبي حزب الله عز وجل . وحزب أعدائهم حزب الشيطان[20].

وقَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله في حديث طويل تجده في صحيفة السيادة:..

إن جبرائيل : هبط علي وقت الزوال فقال لي :

يَا مُحَمَّدُ : إِنَّ الله جَعَلَكَ سَيِّدَ الْأَنْبِيَاءِ .

وَ جَعَلَ عَلِيّاً سَيِّدَ الْأَوْصِيَاءِ وَ خَيْرَهُمْ .

وَ جَعَلَ الْأَئِمَّةَ مِنْ ذُرِّيَّتِكُمَا إِلَى أَنْ يَرِثَ الله الْأَرْضَ وَ مَنْ عَلَيْهَا ..[21].

ويا طيب : عرفت في الحديث الأول من هذا الإشعاع نوع من السخاء للإمام الحسين عليه السلام ،  و أن السخاء هو سخاء مادي وسخاء علم وسخاء نفس وسخاء خلق ومال وأهل ، وفي حياة الإمام الحسين عليه السلام سترى أنه سخي بأنواع السخاء عبادة وتقى وجود ، وسخاء بالنفس وبالأهل والمال وبكل ما يملك كان منه في يوم كربلاء ،ولذا أنتخبهم وأختارهم الله للسيادة وللإمامة والولاية ، وإلا لا معنى لأن يكون سيد في الجنة وليس له سيادة هنا في الدنيا ، فإنه لا تنال مراتب الجنة هناك إلا ويكون هنا صاحبها سيد الأتقياء والعلماء والأسخياء .

ويا طيب : ما عرفت في الحديث من سخاء الإمام الحسين عليه السلام المادي هو كان مع تقى وعلم بمعارف عظمة الله ، وعليه يكون كرمه ، وسيأتي في بحوث سفينة النجاة  ، بيان كريم لحقائق بذل الإمام الحسين وجوده بما يوازي المعرفة ، وعليه يكون شأن المعطى ، فبمقدار تقواه وعمله يكرمه الإمام .

وسترى أيضا يا طيب : حقائق كريمة عن خصائص الإمام الحسين التكوينية والصفاتية والأخلاقية والخلقية وكرمه وبذله بعلم وتقى ، حتى يعرفنا حتى اليقين أنه السيد الحق بما عرفه رسول الله ، وأنه لما ظهر منه من معاني السيادة وتجلى به من خصائصها كان يستحق أن يكون سيد شباب أهل الجنة ، وهكذا أيضا ترى هذا المعنى لصفات التقى والعلم في أخيه الإمام الحسن عليه السلام في صحيفة إن شاء الله .

ولهذا : جاءت الأحاديث في سيادتهم .

وبعد أن عرفنا : السيادة الحقة للأتقياء ، وبذلهم للخيرات وللمعروف بعلم .

فلنتدبر : أنوار تعرفنا معاني الحديث الكريم لسيادة السبطين الكريمين الحسن والحسين عليهما السلام ، وبشرح تفاصيل أسانيد أحاديث السيادة لهم وطرقه وتواتر لفظه ومعناه وبصيغه الكثيرة .


[1] الكافي ج8 ص212ح259.تفسير فرات ‏الكوفي ص549 وتمامه في صحيفة سادة الوجود.

[2] بحار الأنوار ج40ص54ب91 ح89 . تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة ج 829 سورة الإخلاص . كنز الفوائد ج2ص237  .

[3] الكافي ج1ص123ح1 .

[4] بحار الأنوار ج3ص223ب6 .

[5] بحار الأنوار ج3ص226ب6 .

[6] الأمالي ‏للصدوق  ص255. روضة الواعظين ج2ص326 . مستدرك‏ الوسائل .

[7] بحار الأنوار ج94ص308 . العدد القوية ص363 .

[8] غرر الحكم ص379ح 8555 . وح 8559 . ح 8560 .

[9] غرر الحكم ص369ف5ح 8358 .

[10] غرر الحكم ص375 ح 8439.

[11] غرر الحكم  ص420ح9621 .

[12] غرر الحكم ص341ف2ح 7794 .

[13] غرر الحكم ص379ح 8556 . وح 8557 .

[14] إرشاد القلوب ج1ص166ب49 .

[15] بحار الأنوار ج1ص201ب4ح9 .

[16] الكافي ج8ص49ح10 . بحار الأنوار ج51ص77ب1ح36 .

[17] الأمالي للصدوق ص652ح888 / 16وص558م82 بحار الأنوار ج36ص228ح6 .

[18] الجنة الواقية ص 588 . بحار الأنوار ج89ص327ب110ح10 .

[19] مقتل الخوارزمي ج1ص223ح29 ، مستدرك ‏الوسائل ج7ص192ب17ح8006-6 .

[20] عيون ‏أخبار الإمام الرضا عليه السلام ج1ص292ب28ح 43 . الأمالي ‏للصدوق ص18م5ح5 . كشف‏ الغمة ج2ص295 .

[21] الأمالي ‏للطوسي ص591م25ح1226-15 .بحار الأنوار ج36ص215ب40ح17 .

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com