بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
النور الثاني

بيان معاني أحاديث السيادة للحسن والحسين وآلهم ومراتبها

يا طيب : إن حديث الحسن والحسين سيدا شباب أهل ا لجنة ، هو حديث شريف ، عظيم المعنى كريم المنحى قوي البيان بليغ المنطوق فصيح الأسلوب ، سهل على اللسان كثير في الميزان ، ويعرفنا أهل الجنة وأتباعهم ممن يسير على منهجهم ، وأعدائهم من أهل العذاب عند الموت ويوم القيامة وفي النار والجحيم ، وذلك لأنه لا منطقة وسطى ما بين الجنة والنار ، بل عباد الله إما مع سادة أهل الجنة وقادة الأمم وأئمة الحق وولاة أمر الله المشرقون بنور هداه ودينه ، وهم ممن قد عرفوا حقائق إمامتهم وأحبوهم ، ثم تعلموا منهم وعبدو الله مخلصين له الدين بما عرفوه منهم من هدى الله الحق ، فكانوا معهم في النعيم دائما دنيا وآخرة ، أو لا مع أئمة وسادة الباطل والضلال والكفر والنفاق من مخالفي وأعداء أئمة الحق والعياذ بالله فيكون له نار لا تبيد وعذاب الجحيم ، وإن دين الله واحد لا خلاف فيه ، وفي المقامين مراتب ودرجات كرامة للمؤمنين جعلنا الله في أعلاها ، ودركات ذل للمنحرفين عنهم أبعدنا الله عنهم .

ويا طيب : إن الحديث الشريف كما أنه يبين المقام السامي للحسن والحسين في الجنة ، فإنه يعرفنا أنهم أفضل خلق الله بعد أبيهما وجدهما في الدنيا ، وإن آل البيت كلهم لهم هذا المقام الشريف حسب مراتب تجلي نورهم في الوجود وإن شيعتهم معهم.

فحديث السيادة : هو حديث ولاية ورئاسة ، وبيانا آخرا لإمامة الحسن والحسين و ضرورة حبهم والكون معهم في الدارين ، وهو بيان لضرورة الاقتداء بهم والسير على نهجهم في هذه الدنيا لكي نكون معهم هناك ، وضرورة تولي هدى الله منهم عن حب وإيمان علمي وعملي ، وليس حديث عابر يعبر عن حُكم عادي مستحب يمكن أن يتجاوزه الإنسان، لا لأنه من لم يكن معهم وخالفهم يكون قد خالف دين الله، فتابع.

 

 


 

الإشراق الأول :

إن حديث السيادة بيان لمرتبة الإمامة والقيادة لهما :

 يا طيب : إن حديث السيادة للإمامين الهمامين الحسن والحسين بعد جدهم وأبيهم ، لهو بيان قوي يعرفنا بلفظه هنا عدة معاني ، منها أنهم مع عمرهما اليافع ، قد عبر عنهما بأنهما سيدا شباب أهل الجنة ، ليعرف أن من كان أكبر منهم من آلهم هو سيد أقدم منهما في وجوده ، وفي مرتبته في الجنة بل قبل الدنيا ، وفي كل مراتب الوجود ، وقد عرفة إن أول ما خلق الله نور نبينا ثم نور الإمام علي ثم نور فاطمة ثم نور الحسن و الحسين عليهم السلام، ثم نور أبناء الحسين، ثم شيعتهم ومن يحف بهم كلا حسب نوره.

ثم إن وإن كان هناك سادة في الجنة من الأنبياء : فالأوصياء بعدهم في المرتبة ، وقد يكونوا في مقام مشابه يحفون بهم ، ومن ثم معهم من كان معهم ممن كان على ملتهم ، حتى زمان نسخها وإتمامها بشريعة جديدة .

 فيكون الأنبياء سادة : لأمهم ، وهكذا أوصيائهم ، ولهم شيعة وأولياء .

 وإن مواقف يوم القيامة كثيرة : وتوصف بمعاني كريمة و فيه مقامات متعدد وكثيرة ولكل منها شأنه وحالة تخصه ، منها بأن الأنبياء يحفون بالنبي الأكرم محمد سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم  ثم الأوصياء ، وهناك موقف هو وآله و شيعتهم وبيان علو مقامهم لكل الأمم ، ثم مواقف الشهادة و الحساب وتطاير الكتب والشفاعة وغيرها ، ولكل حاله وحال وموقف ومقام خاص بشأن أصحابه ، ثم مواقف ومقام في القيامة والجنة يكون فيه كل إمام مع أهل أمته ويدعون به ويكون هو قائد وشافع لهم ، وله شأنه معهم ، ولنبينا وآله أعلى مقام ويحف بهم شيعتهم كلا حسب حبه وتوليه لهم ومن ثم الظهور بنورهم علما وعملا ، وملك الله عظيم لا يحده شيء ، و لمعرفة أحوال القيامة ، راجع ما ذكرنا في اسم الله الأعظم واللطيف والشافي في شرح صحيفة الأسماء الحسنى .

فيا طيب : لما كان الإسلام فيه أعلى التعاليم ، كان لأهله أعلى مرتبة من نور الله ، وإن سادة الوجود فيه هم في أعلى مقام في مراتب خلق التكوين بدأ وعودا ، وقد عرفت هذه المعارف في الأجزاء السابقة من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام .

فإن الحسن والحسين : سيدا شباب أهل الجنة ، من ناحية المرتبة بعد أبيهم وجدهم ، وأنه بعدهم توجد مرتبة لمن يكون بعدهما في نور الوجود الكريم ، وهم الأئمة المعصومين من ذرية الحسين ثم شيعتهم الذين يحفون بهم كلا حسب مرتبته .

وإن ما يفسر للمقام والمرتبة بالجنة : لسيدي شباب أهل الجنة عليهما السلام ، ويؤول بمعارف عامة ، ولم يفسر بالمرتبة النورانية والدرجة للمقام العظيم المحمود في مواقف القيامة والجنة لهما بعد رسول الله وأبيهما ، لم يتفطن لهذا المعنى في بيان الدرجات في تجلي وظهور نور الله تعالى في أكرم الخلق ومراتب تحليهم به ، وهذا هو ما تشرحه الأحاديث لو تدبرتها ، بل حتى المعنى اللغوي كما عرفت .

 حيث يسمى : كبير القوم سيدهم .

وإذا كان له ابن شاب : يكون سيد شباب قومه لأرثه المقام من أبيه ، ولكن فرق في معنى السيد حقيقة نورانية ولها مرتبة، وبين مقام اعتباري تناسلي اجتماعي فقط .

فإن مقام الحسن والحسين : وإن كان بعد رسول الله وأبيهم ، لكنه حقيقة نورانية وجودية ، ومقام كرامة رباني عظيم يفوق كل مقام لموجود مهما كان إلا أبيهم وجدهم الأكرم صلى الله عليهم وسلم ، وهذا بالإضافة لما عرفت من الاعتبار الاجتماعي لهما في السيادة و الذي يفهمه عامة الناس، فإنه حتى هذا المقام أيضا كان لهما حتى ولو لم يستلما حكومة دنيوية وغصبت خلافتهما ، وذلك لما عرفت لم يكن في شأنهم وشرفهم أحد من المسلمين ولا يقاس بهم أحد مهما كان ، ولذا كانت لهم الإمامة والولاية بعد أبيهما ورسول الله في الدنيا والآخرة ، وإن الحديث هو بيان ولاية وشرح إمامة ومقام خلافة لرسوله الله ، وحقيقية لهما بعد أبيهما سيد الأوصياء وجدهم خير المرسلين لأنهم خيرا منهما ، وإنهما إمامان قاما أو قعدا ، فإن نور الله الأعلى لهما بعد النبي والوصي.

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

 أحاديث تعرف المراتب النورانية لأل محمد وسيادتهم :

ولمعرفة هذا المقام: لسيدي شباب أهل الجنة ، قبل الدنيا وفيها وبعدها ، فلنتابع البحث مختصرا هنا في هذه المراتب ، وإن كان البحث المفصل تجده في صحيفة سادة الوجود ، وهنا نذكر بعض الأحاديث لتعريف هذه المراتب الكريمة لهم وما يعرفنا شرفهم ودرجاتهم في الملكوت وفي الدنيا ويوم القيامة  .

عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

أفضل الكلام قول : لا إله إلا الله ، وأفضل الخلق أول من قال : لا إله إلا الله .

فقيل : يا رسول الله ، و من أول من قال : لا إله إلا الله ؟

قال : أنا ، و أنا نور بين يدي الله جل جلاله ، و أوحده ، و أسبحه ، و أكبره ، و أقدسه ، و أمجده ، و يتلوني نور شاهد مني .

فقيل : يا رسول الله ، و من الشاهد منك ؟

فقال : علي بن أبي طالب ، أخي ، و صفيي ، و وزيري ، و خليفتي ، و وصيي.

 و إمام أمتي : و صاحب حوضي ، و حامل لوائي .

فقيل له : يا رسول الله،  فمن يتلوه ؟

فقال : الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

ثم الأئمة : من ولد الحسين إلى يوم القيامة [22].

وعن عبد الله بن أبي أوفى عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال :

لما خلق الله : إبراهيم الخليل عليه السلام ، كشف الله عن بصره .

 فنظر إلى جانب العرش : فرأى نورا ، فقال : إلهي وسيدي ما هذا النور ؟

قال : يا إبراهيم هذا محمد صفيي. فقال : إلهي وسيدي أرى إلى جانبه نورا آخر؟

فقال : يا إبراهيم هذا علي ناصر ديني .

فقال : إلهي وسيدي أرى إلى جانبهما نورا ثالثا ؟

قال : يا إبراهيم هذه فاطمة تلي أباها وبعلها فطمت محبيها من النار .

قال : إلهي وسيدي أرى نورين يليان الثلاثة الأنوار ؟

قال : يا إبراهيم هذان الحسن والحسين ، يليان أباهما وجدهما وأمهما .

فقال : إلهي وسيدي أرى تسعة أنوار أحدقوا بالخمسة الأنوار ؟

قال : يا إبراهيم هؤلاء الأئمة من ولدهم .

فقال : إلهي وسيدي فبمن يعرفون ؟

قال : يا إبراهيم أولهم علي بن الحسين ، ومحمد ولد علي ، وجعفر ولد محمد ، وموسى ولد جعفر ، وعلي ولد موسى ، ومحمد ولد علي ، وعلي ولد محمد ، والحسن ولد علي ، ومحمد ولد الحسن القائم المهدي .

 قال : إلهي وسيدي ، أرى عدة أنوار حولهم ، لا يحصي عدتهم إلا أنت ؟

قال : يا إبراهيم هؤلاء شيعتهم ومحبوهم. قال : إلهي وبما يعرفون شيعتهم ومحبيهم ؟

قال : بصلاة الإحدى والخمسين ، والجهر ببسم الله الرحمان الرحيم ، والقنوت قبل الركوع ، و سجدة الشكر ، والتختم باليمين .

قال إبراهيم : اللهم اجعلني من شيعتهم ومحبيهم .

قال : قد جعلتك ، فأنزل الله فيه :  { وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِ لَإِبْرَاهِيمَ (83) إِذْ جَاء رَبَّهُ  بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (84) } الصافات . قال المفضل بن عمر : إن أبا حنيفة لما أحس بالموت روى هذا الخبر وسجد ،  فقبض في سجدته [23].

 

 


 

الإشراق الثالث :

 الحسنين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهما خير منهما :

يا طيب : بعد أن عرفنا بعض الأحاديث النورانية لمعرفة سيادتهم ورتبها ودرجات تحققهم بها في عالم الملكوت الأعلى وهنا والجنة ، وأنهم بعد جدهم وأبيهم وأمهم ، ثم المعصومون من آلهم بعدهم ، ثم نحن وأنتم أن شاء الله بمتابعتنا وطاعتنا لهم .

 فلنذكر أحاديث شريفة : تعرفنا أن مرتبة الإمامين السيدين بعد أبيهما وجدهما في الرتبة الوجودية والمقام السامي عند الله ، وفي الخلافة والولاية والإمام والسيادة ، والحديث في عين أنه يعرفهما بالسيادة يعرف أبيهما بأنه خيرا منهم ، ويغني عن كل شرح وبيان في تعريف فضلهم ومراتبه ودرجات سيادتهم ، وبهذا تتم الحجة للحديث ومراتبه ، وإنه إن وجدت أحاديث كثيرة ومتواترة أخرى ذكرتهما بالسيادة لشباب أهل الجنة وكل شباب أهل الجنة ، وسكت عن أبيهما أو جدهما ، فإنهما لم يفوقاهما في الرتبة ، لأنه توجد أحاديث أخرى تشرح ما سكت عنه مطلق حديث سيادتهم ، وبهذه الأحاديث المفسرة ينقطع من يحاول الإشكال على أحاديث سيادتهما المطلقة الكثيرة جدا ، فلنتدبر ما :

عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

إن علي بن أبي طالب أفضل خلق الله تعالى غيري .

و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

و أبوهما خير منهما ، و إن فاطمة سيدة نساء العلمين .

و إن علي : خطبني ، و لو وجدت لفاطمة خيرا من علي ، لم أزوجها منه[24] .

وعن الحويرث . قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

وأبوهما خير منهم [25].

وفي صحيفة الإمام الرضا عليه السلام : بإسناده قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

سيدا شباب أهل الجنة الحسن و الحسين ، و أبوهما خير منهم [26].

وعن الإمام أبو جعفر الباقر قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وأبوهما خير منهم[27] .

 

و روى الدار قطني بالإسناد عن ابن عمر قال : قال صلى الله عليه وآله وسلم :

 أبناي هذان : سيدا شباب أهل الجنة ، و أبوهما خير منهما .

و رواه الخدري ، و ابن مسعود ، و جابر الأنصاري ، و أبو جحيفة ، و أبو هريرة ، و عمر بن الخطاب ، و حذيفة ، و عبد الله بن عمر ، و أم سلمة ، و مسلم بن يسار ، و الزبرقان بن أظلم الحميري ، و رواه الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله و في حلية الأولياء و اعتقاد أهل السنة [28].

وفي المناقب : سئل أبو عبد الله عليه السلام عن قوله صلى الله عليه وآله وسلم :

الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

فقال : هما و الله سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين .

و المشهور عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

أهل الجنة شباب كلهم [29].

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : علي سيد العرب .

فما ترك أن قيل له : فأنت ؟ قال : أنا سيد ولد آدم .

قال : وقال رسول الله : فاطمة سيدة نساء العلمين . فما ترك أن قيل له : فمريم وآسية ؟ فقال : تلك سيدة نساء عالمها وهذه سيدة نساء عالمها .

 وقال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

فما ترك أن قيل : فابنا هارون ؟

فقال : ذانك سيدا شباب عالمهما ، وهذان سيدا شباب عالمهم [30] .

وهذا الحديث كذالك يوجب طاعتهما كما كانت الولاية في ولد هارون بعد موسى.

وفي حديث حسن بن زياد العطار عن الإمام الصادق : قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام قول رسول الله : فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ، أ سيدة نساء عالمها ؟

قال : ذاك مريم ، و فاطمة سيدة نساء أهل الجنة من الأولين و الآخرين .

فقلت : فقول رسول الله صلى الله عليه وآله :

 الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة ؟

قال عليه السلام : هما و الله سيدا شباب أهل الجنة من الأولين و الآخرين [31].

وفي حديث آخر نظر رسول الله صلى الله عليه وآله إليهما يوما وقد أقبلا ، فقال :

هذان : والله ، سيدا شباب أهل الجنة .

 وأبوهما خير منهما .

إن خير الناس : عندي وأحبهم إلي وأكرمهم ، علي أبوكما ، ثم أمكما .

وليس عند الله أحد : أفضل مني ، وأخي ووزيري وخليفتي في أمتي

، وولي كل مؤمن بعدي : علي بن أبي طالب [32].

ويا طيب : قال زر بن حبيش عن حذيفة قال : رأينا في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم تباشير السرور ، فقلنا : يا رسول الله ، لقد رأينا اليوم في وجهك تباشير السرور ؟

فقال : ومالي لا أسر ، وقد أتاني جبريل فبشرني :

أن حسنا وحسينا سيدا شباب أهل الجنة .

وأبوهما أفضل منهم [33].

ويا طيب قال الشريف المرتضى: هل بين السيدين الحسن والحسين فرق في الفضل أم هما سواء ؟  الجواب : الصحيح تساويهما في الفضل ، ولا يفضل أحدهما على الآخر بلا دليل عليه ولا طريق ، فلا تعلق بذلك تكليف ، فينصب لنا دليل عليه [34].

يا طيب: يوجد للإمام الحسين عليه السلام حديث يأتي في الأجزاء الآتية يقول فيه : أخي خير مني ، وذلك حين خاطب العقيلة عليها السلام ، وتقدم الإمام الحسن عليه السلام بالإمامة أوجب طاعة أخيه إليه في حياته، فهم في الفضل سواء مع حفظ الرتبة.

وبما عرفنا : من أحاديث السيادة والنور في المرتبة العالية ، أو مطلق السيادة لأل محمد نعرف أن سيادتهم كسيادة جدهم وأبيهم ، وبأعلى معنى للسيادة ، وكما كانت لجدهم وأبيهم من قبل ، أي بمعنى الولاية والإمامة ، وهما بعدهم في الرتبة في كل مراتب الوجود ، وتعريفهما بسيدي الشباب الجنة ، لأنهما كانا في زمان جدهم ووالدهم فهما بعدهما ، وفي كل معاني السيادة ودرجاتها في مراتب التكوين في الدنيا وقبلها وبعدها.

 

 

 


 

الإشراق الرابع :

 شرح السيادة للحسن والحسين للأعلام :

يا طيب : إن الحديث الشريف يكون شرحه المفصل وبيان معانيه الجميلة وما ترينا من كرامة أل محمد عليهم السلام ومناقبهم مجموعين حتى يتم المعنى كاملا، أو ما يتعلق برد حديث السيادة للكهول في الجنة الموضوع وغيره من المباحث ، يكون في صحيفة سادة الوجود ، وبمراجعتها كلها يعرف المعنى بصورة مفصلة تامة واسعة حتى اليقين .

 ونذكر هنا: مختصرا يعرفنا معنى أنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وإن خلاصته:

 أنه لا يعرف مقام الإنسان في الجنة : إلا وأن يكون له مقام وشأن مناسب له هنا في هذه الدنيا ، ومن يكون سيد شباب أهل الجنة هناك ، لابد أنه كان سيد الشباب هنا في الدنيا ، وفي زمان كل إمام هم أعلم الناس مطلقا وأتقاهم وبكل تجلي.

 ولما كان المعرف والمبين والقائل : بالسيادة للحسن والحسين في الجنة ، هو سيد الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .

 فلابد : أن يكونا أعلم الناس وأتقاهم بعده وبعد سيد الوصيين ، وهذا هو أعلى مقام في الدنيا والآخرة بعد سيادة سيد الأنبياء والمرسلين وأبيهما سيد الوصيين .

 والحديث : هو بيان تام لمقام الإمامة والولاية ، ووجوب الطاعة لهما ، وضرورة الإقتداء بهما والتعلم لهدى الدين منهم ، وهو معنى النعمة الكبرى والصراط المستقيم ، والعروة الوثقى وأعلى العباد درجة ومقام ، ولا مقام يقاربه فضلا من أن يقارنه أو يوازيه .

وما يذكر في بيانه : كله يرجع لما ذكرنا من المعنى ، ولكل شرح وتفصيل حُسنه , ولكل أسلوب وبيان جماله ، ولكل كلام سامع يأنس به لأنه مناسب لذوقه ، وهذه بعض البيانات لكبار علماء الطائفة وغيرهم في تعريف سيادتهم ، نتدبر بعضها .

 

ذكر في مجمع البحرين وغيره : و في حديث الحسنين :

أنتما سيدا شباب أهل الجنة

أي أفضل من مات شابا في سبيل الله من أصحاب الجنة .

 و لم يرد به : سن الشباب ، لأنهما ماتا و قد كهلا .

 أو أنهما : سيدا شباب أهل الجنة ، فإن أهلها كلهم شباب [35].

 

وذكر في كتاب العمدة : قال يحيى بن الحسن أيده الله :

 اعلم : إن النبي صلى الله عليه وآله قد أبان سيادة الحسن و الحسين عليهما السلام على كافة خلق الله تعالى ، لأن سادة خلق الله أهل الجنة بلا خلاف ، لأن الله سبحانه وتعالى ما يختص بجنته إلا الأنبياء والأوصياء ، وأهل الإيمان من سائر أهل الملل ، وكلهم بلا خلاف فيه ، لا يدخلون الجنة إلا جردا مردا شبابا ، ولا يدخلها شيخ ولا عجوز ولا كهل ، وهذا لا خلاف فيه بين الأمة .

وإذا ثبت لهما السيادة على خيار خلق الله :

وهم أهل الجنة ، فيثبت أنهما خير الخليقة جميعا .

فان قال قائل : إن على ما أصلتموه تجب السيادة لهما على رسول الله صلى الله عليه وآله وعلى أبيهما عليه السلام ؟

 قلنا : التفضيل والسيادة :

لا يطلع على مقدارهم : وحقيقة استحقاهما ، إلا الله سبحانه وتعالى ، الذي يعلم الغيوب ، أو من يطلعه على ذلك علام الغيوب .

 لأن قولنا : فلان أفضل من فلان ، معناه أن ثوابه أكثر من ثوابه ، وانه أعظم قدرا عند الله تعالى من غيره ، ومقدار الثواب لا يطلع عليه إلا علام الغيوب سبحانه وتعالى .

وإذا أردنا معرفة ذلك : فلا طريق لنا إلا ما ورد النص به ، إما في آية أو في خبر صحيح من قبل النبي صلى الله عليه وآله ، لأن الله تعالى أطلعه على علم الغيب في ذلك ، ويدل على ذلك قوله سبحانه تعالى :

{ عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدً (26)

 إِلَّا مَنِ ارْتَضَى  مِن رَّسُولٍ (27) } الجن .

 وإذا كان المرجع في ذلك : إلى ما يرد من النصوص من قبل النبي صلى الله عليه وآله ، فقد قال النبي صلى الله عليه وآله مخبرا عن نفسه : أنا سيد ولد آدم .

 وقال : أنا سيد الأنبياء ، فقد خرج من هذا القسم بهذه الإخبار الواردة .

 

وأما أبوهما عليهم السلام : فقد خرج من هذا القسم بإخبار أخر ، وهى قوله صلى الله عليه وآله :

إنا سيد الأنبياء

 وعلى سيد الأوصياء .

وبقوله صلى الله عليه وآله : وأبوكما خير منكما  .

 فبقيت الإخبار : الناطقة بسيادتهما على شباب أهل الجنة ، وهي من الصحاح التي لا يمكن الطعن فيها على عمومها ، ولا يمكن التخصيص فيها إلا بنص ، مثل ما ورد عن نفسه وعن علي عليهما السلام.

 فمن أدعى : التخصيص في ذلك ، فعليه الدليل ، ولا دليل على ذلك .

وليس صـديقي  غـير  الحزين    ليوم الحسين وغير الأسوف

هو الغصن كان كمينا فهـب    لدى  كربـلا  بريح  عصوف

  وأنت وان  دافعـوك  الإمام    وكان  أبـوك   برغم  الأنوف[36]

 

يا طيب : بيان جميل في تخصيص الأخبار وحمل العموم على مقدار ما تخرجه ، وجعل مطلقها مقيد بما بعد رسول الله وأبيهما ، وبيانه رتبة السيادة للإمام الحسين في الدنيا والآخرة في الجنة ، وعرفت أنه بكل المراتب كانا لهم المقام والدرجة الرفيعة بعدهما .

ويا طيب : ذكروا بالإضافة لما عرفت عدة معاني تعرف هذا المعنى وتفسره ، وقد كثر الكلام في معناه ، وإن السيادة في الجنة هو مقام فيها ومرتبة ، وأن التعبير بسيدي شباب أهل الجنة تعريف لطيف وظريف ، بل فصيح بليغ جميل ، وهو تعرف كريم لشأنهم العظيم الكبير في كل المراتب ومنقبة لهم لم يحصل عليها من المسلمين غيرهما وآلهم  .

 

ويا طيب : قد رووا عن فهد بن سليمان قال : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا الحكم بن عبد الرحمن بن أبي نعم البجلي قال : حدثنا أبي ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة

إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى بن زكري

 قال أبو جعفر : فقال قائل : كيف تقبلون هذا عن رسول الله ، مع علمكم أن هذا القول كان منه ، والحسن والحسين يومئذ طفلان ليسا بشابين ، وإنما هذا القول إخبار أنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وليسا حينئذ من الشباب ؟ .

 فكذا جوابنا له في ذلك بتوفيق الله وعونه : أنهما قد كانا في الوقت الذي كان من رسول الله هذا القول فيهما ليسا بشابين ، كما ذكرت.

 ولكن بمعنى : أنهما سيكونان شابين سيدي شباب أهل الجنة .

وكان منه  : علما من أعلام نبوته ؛ لأنه أخبر : أنهما يكونان شابين في المستأنف ، وذلك لا يكون منه إلا بإعلام الله عز وجل إياه أنه سيكون ويكونان به كما قال .

ولولا ذلك : لما قال فيهما ذلك القول ، إذ كانا لولا ذلك القول قد يجوز عنده أن يموتا قبل أن يكونا شابين ، أو يموت أحدهما قبل ذلك ، ولما كان له صلى الله عليه وسلم أن يقول لهما ذلك القول ، فكان فيه حقيقة بلوغهما أن يكونا كما قال ، عقلنا أن ذلك إنما جاز له لإعلام الله عز وجل إياه أنه كائن فيهما .

 فأما قوله صلى الله عليه وسلم :  إلا ابني الخالة عيسى ابن مريم ويحيى ، فلاستثنائه إياهما يومئذ من شباب أهل الجنة بتحقيقه الشباب لهما ؛ لأنهما خرجا من الدنيا وهما كذلك ، والله نسأله التوفيق [37].

يا طيب : وهذا إقرار منه لهما بأنهما لهم مرتبة عالية تساوي النبوة والرسالة لولا ختمها ، لأن عيسى عليه السلام كان من أولي العزم ، فهم على رأيه بعدهما ، ولكن عرفت أن كل أناس يدعون بإمامهم ، ولكل أمة شأن وجمع وحشر مع أئمتهم وولاتهم وسادتهم فلا تعارض ولا استثناء لهما يرافق الحديث بحق ، بل إما أنه الحق منهم له ، وعلى فرض صحة الإلحاق حين حديث سيد المرسلين ، فهو بيان لشأن كريم لهم يساوي النبوة والرسالة ، فيوجب حق الطاعة والولاية لهم بعد أبيهم وجدهم حتما واجبا ، وعلى كل منصف يحب الإيمان الحق والعبودية لله بهدى صادق ، أن يأخذه من تعاليمهم دون غيرهم من أعدائهم، وبالخصوص ممن حاربهم في زمانهم أو في زمان أبيهم ووالى أعدائهم.

وأسأل الله سبحانه : أن يجعلنا وإياكم تحت ولايتهم وإمامتهم ، ونتخذهم سادة نلوذ بهم في الحياة الدنيا لمعرفة هدى الله ودينه ، ولنقيم به عبوديته بإخلاص بما يحب ويرضى ، و يجعلنا معهم في أعلى عليين في الآخرة ، إنه ولي التوفيق وعلى كل شيء قدير ، وإنه سبحانه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العلمين .

 


[22] كمال ‏الدين ج2ص669ب58ح14. بحار الأنوار ج36ص263ب41ح83 .

[23] الفضائل ص158 . بحار الأنوار ج36ص213ب40ح15 . تأويل‏ الآيات ‏الظاهرة ص485سورة الصافات . الروضةص33 و 34 الطرائف ص 43 .

[24] مئة منقبة ص18 م2 .

[25] شرح الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج1ص143ح77 . تاريخ جرجان ج1ص394ح662 .

[26] صحيفة الإمام الرضا عليه السلام  ص63ح102 . بحار الإنوارج43ص264ب12ح14.

[27] قرب الإسناد للحميري القمي ص111ح386 . ورواه الصدوق في عيون إخبار الرضا عليه السلام ج2ص33 ح 56 ،  والخطيب البغدادي في تاريخه ج1ص140 ، والحاكم النيسابوري في مستدرك الصحيحين ج3ص167 ، ونقله المجلسي في بحاره ج43ص263ح8 .

[28] المناقب ج3 ص394. فصل في معالي أمورهما . . بحار الإنوارج43ص291ب12ح54 . وروى الحديث في الأخبار للقاضي النعمان المغربي ج1ص432ح77 . وفي المناقب للكنجي ص341 .

[29] المناقب ج3 ص394. فصل في معالي أمورهما روضة الواعظين ج1ص157 مجلس في ذكر إمامة السبطين و مناقبهم. ورواه عنه في بحار الإنوارج43ص291ب12ح54 . . المعجم الكبير ج3ص35رقم 2598 عن شريح عن عمر بن الخطاب . ومر عن الباقين ويأتي قسما أخر فتابع .

[30] مناقب أمير المؤمنين  ج 2ص 513 ح1014 .

[31] الأمالي ‏للصدوق ص125م26ح7 . بحار الأنوار ج43ص21ح10 .

[32] كتاب سليم بن قيس تحقيق الأنصاري  ص 275.

[33] تاريخ بغداد ج10ص230ح5360 ورواه بسندين.المعجم الكبير للطبراني ج3ص37ح 2608 عن عاصم عن زر : عن حذيفة .

[34] رسائل المرتضى الشريف المرتضى ج 1ص 282 . المسألة عشرون.

[35] مجمع ‏البحرين ج 3ص71 .

[36] العمدة ابن البطريق  ص 406 ح840 . ولاحظ ديوان مهيار الديلمى الجزء الثاني ص 263 .

[37] مشكل الآثار للطحاوي ج4ص499ح1681 .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com