بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
النور الثالث

بأمر واهب السيادة سيد المرسلين يبشر
بسيادة سيدا شباب أهل الجنة ومراتبها

تذكرة :

أحاديث بشارة الله وملائكة لنبيه وآله بالسيادة تعرف إمامتهم :

يا طيب : عرفت إن السيادة في الدين هي مقام من رب العلمين وسيد السادة وواهب السيادة لمن يشاء ، وليس مقام اجتماعي أو وراثي صرف كما هو لشيخ عشيرة أو ملك قوم أو تحول سلطان وملك إنسان وغناه ونفوذه المادي والاجتماعي فقط ، بل هو اختيار من السيد الصمد والواحد الأحد لأكرم عباده وأفضلهم وأخلصهم وأكملهم ، فيجعلهم أئمة وسادة وولاة أمر المؤمنين ، ويجب الرجوع إليهم لتعلم هدى الدين ، وما يؤيد مقام السيادة لنبينا وآله معاني الآيات والأحاديث في معارف الإمامة والولاية ، وما عرفته في صحيفة سادة الوجود في الجزء الأول وغيره ، وهنا نذكر أحاديث شريفة تعرفنا أن سيادة سبطي نبي الرحمة هو بأمر الله ، وأنه عرفهم بالسيادة بوحي يوحى ، وهذا أساس كريم لمعرفة قادة المؤمنين في الدنيا والآخرة وضرورة طاعتهم و الاقتداء بهم  .

ويا طيب : إن بيان سيادة النبي وآله ليس في حديث واحد أو اثنان ، ولا في موقف واحد بل له كثير من المواقف والمشاهد ، ومتنوع بالأوقات والأحوال ، وفي كل مرة الله سبحانه يبشر نبيه بكل خير ويتحفه بمقام كريم لما يراه من إخلاصه في تبليغ الرسالة فيرفع حزنه وما يعانيه ويسره بما أعد له من الثواب الجزيل عنده ، وكان نبي الرحمة يأنس بما يرى من كرامة الله له في تفضيل آله معه ، وجعلهم بعده خلفاء وأئمة وسادة للمسلمين وأن من يحبهم ويتبعهم من المؤمنين يكون معهم ، وكان صلى الله عليه وآله كثير ما يُحدث بفضل الله عليه بل أمره لله بذلك فقال له : وأما بنعمة ربك فحدث ، فيذكر فضلهم.

وهذه يا طيب : مشارق نور تعرفنا أحاديث سيادتهم بأمر الله وما يبلغه عنه .

 


الإشراق الأول :

البشارة من الله لسيد المرسلين بسيادة السبطين قبل الولادة:

يا طيب : إن الله سبحانه وتعالى كما أتقن الخلق وأحسن الصنع ، كذلك أحكم التدبير وتجلى بعظمة الربوبية والقيومية ، ولم يهمل شيء خلقه ، بل رباه ورعاه بما يوصله لأحسن غايته وبأفضل صراط مستقيم ولنعيم تام يستحقه في نهايته، وبالخصوص غاية الخلقة والمفضل فيها ، وهو الإنسان الذي كرمه بنعم لا تحصى وأفضلها وأعلاها نعمة الهداية التكوينية والهداية التشريعية فيها لكل فرد بما يصلح حاله في الوجود ومع أبناء جنسه ، ومع الله سبحانه فيقيم شكره وعبوديته بأفضل هدى ودين ليتم نعمته عليه .

وإن الله سبحانه وتعالى : بعلمه وحكمته وقدرته وربوبيته ، قد أعد للعباد أفضل خلقه وأكرمهم وأفضلهم طاعة وإخلاص له ، وأعلاهم ظهور وتجلي بعبوديته وتعليم هداه ، وهذا الإعداد لسادة العباد وأئمة هداه جاري في جميع مراتب التكوين ، و بالخصوص لأكمل هدى حين تم استعداد البشر لتقبله، فيهدي بهم الخلق المفضل فيعبده ، ويتمدن حتى يقبل أعلى معارف يمكن أن يتحققها ليقيم أعلى طاعة له سبحانه.

فكان الله سبحانه : قد ختار لخاتم الأديان خاتم الأنبياء والمرسلين وسيدهم وهو نبينا محمد صلى الله عليه وآله ، ثم آله الطيبين الطاهرين بعده ، فوهبهم أعلى ما يمكن أن يظهر به بشر من معارف الدين ، ويتجلوا بكل وجودهم في تطبيقه وتعلميه ، وبأعلى طاقة يمكن أن يطيقها البشر ومخلصين له الدين فيقتدى بهم المؤمن ويتأسى ويتعلم منهم .

ولذا يا طيب : سترى أحاديث كثيرة عن سيد المرسلين يعرف آله صلى الله عليهم بالسيادة ، وفي جميع مراتب الوجود في الدنيا وقبلها والآخرة ، وسنعرف أحاديث خاصة في البشارة من الله بالسيادة لسبطي نبي الرحمة وسيدي شباب أهل الجنة ، بل وفي أغلبها تكون البشارة لآلهم المختارين المصطفين من المقربين له وأصفياءه كلهم ، وكلا له شأن يناسبه من الولاية والهداية للعباد كما عرفت ، فتابع وتدبر الأحاديث يا مولي .

 فالآن يا طيب : نتعرف على أحاديث شريفة تؤكد هذا المعنى ، وتعرفنا بأن السيادة لنبينا وآله من قبل الخلق في عالم الدنيا ، وإن الله خصهم بكرامات ذاتية وصفاتية وخلقية وعلمية وعملية من قبل الولادة ، وقد عرفنا هذا المعنى في الأجزاء الأولى ، وهنا نذكر بعض الأحاديث التي فيها ذكر لسيادتهما من قبل الولادة ، وما خصهم الله من المناقب والفضائل لعلمه بعزمهم وهمتهم ، وقوتهم على الظهور بكل ما يوجب السيادة من العلم والتقى حتى الشهادة ، وبأحسن صورة ممكنة لعبد ، ومن الأحاديث :

 

عن الحسين بن زيد بن علي قال : سألت أبا عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليهما السلام ، عن جدنا علي بن الحسين عليهما السلام ، فقال :

أخبرني : أبي عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام ، قال :

كنت أمشي في بعض طرقات المدينة في العام الذي قبض فيه عمي الحسن عليه السلام ، و أنا يومئذ غلام لم أراهق أو كدت ، فلقيهما : جابر بن عبد الله و أنس بن مالك الأنصاريان في جماعة من قريش و الأنصار ، فما تمالك جابر بن عبد الله حتى أكب على أيديهما و أرجلهما يقبلهما .

 فقال رجل : من قريش كان نسيبا لمروان ، أ تصنع هذا يا أبا عبد الله ، و أنت في سنك هذا ، و موضعك من صحبة رسول الله ، و كان جابر قد شهد بدرا .

 فقال له : إليك عني ، فلو علمت يا أخا قريش من فضلهما و مكانهما ما أعلم ، لقبلت ما تحت أقدامهما من التراب .

 ثم أقبل جابر : على أنس بن مالك ، فقال : يا أبا حمزة ، أخبرني: رسول الله صلى الله عليه و آله فيهما بأمر، ما ظننته أنه يكون في بشر.

قال له أنس : و بما ذا أخبرك ، يا أبا عبد الله .

قال علي بن الحسين : فانطلق الحسن و الحسين عليهما السلام ، و وقفت أنا أسمع محاورة القوم ، فأنشأ جابر يحدث ، فقال :

بينا رسول الله صلى الله عليه وآله : ذات يوم في المسجد، و قد خف من حوله.

 إذ قال لي : يا جابر ، ادع لي حسنا و حسينا ، و كان صلى الله عليه و آله شديد الكلف بهما .

 فانطلقت : فدعوتهم، و أقبلت أحمل هذا مرة ، و هذا أخرى ، حتى جئته بهما.

فقال لي صلى الله عليه وآله وسلم : و أنا أعرف السرور في وجهه ، لما رأى من محبتي لهما و تكريمي إياهما ، أ تحبهما يا جابر ؟

فقلت : و ما يمنعني من ذلك فداك أبي و أمي ، و أنا أعرف مكانهما منك ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : أ فلا أخبرك عن فضلهما ؟

قلت : بلى بأبي أنت و أمي .

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

إن الله تعالى : لما أحب أن يخلقني ، خلقني نطفة بيضاء طيبة .

فأودعه : صلب أبي آدم عليه السلام ، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح و إبراهيم عليهما السلام.

 ثم كذلك : إلى عبد المطلب ، فلم يصبني من دنس الجاهلية .

 ثم افترقت : تلك النطفة شطرين إلى عبد الله و أبي طالب .

 فولدني أبي : فختم الله بي النبوة ، و ولد علي فختمت به الوصية .

 ثم اجتمعت النطفتان : مني و من علي .

فولدنا : الجهر و الجهير الحسنين .

فختم الله بهما أسباط النبوة ، و جعل ذريتي منهما .

 و الذي يفتح : مدينة أو قال مدائن الكفر ، فمن ذرية هذا .

 و أشار : إلى الحسين عليه السلام .

 رجل : يخرج في آخر الزمان ، يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا .

فهما طاهران مطهران .

و هما سيدا شباب أهل الجنة .

 طوبى لمن أحبهما و أباهما و أمهما ، و ويل لمن حاربهم و أبغضهم [38].

ويا طيب : بعد المعرفة بطهارتهم وسيادتهم الذاتية ، وهي امتداد لسيادة سيد المرسلين وسيد الوصيين وباختيار رب العلمين ، نتعرف على حديث آخر يرينا سيادتهم ، من قبل ولادتهم ، بل حين ولادة أمهم الزهراء عليه السلام :

وفي حديث ولادة فاطمة الزهراء عليها السلام قال سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم  :

 يا خديجة : هذا جبرائيل يبشرني أنها أنثى ، و أنها النسلة الطاهرة الميمونة ، و أن الله تبارك و تعالى سيجعل نسلي منها .

و سيجعل من نسلها أئمة : و يجعلهم خلفاءه في أرضه بعد انقضاء وحيه .

ثم استنطقته : فنطقت فاطمة بالشهادتين ، و قالت :

أشهد أن لا إله إلا الله ، و أن أبي رسول الله سيد الأنبياء

و أن بعلي سيد الأوصياء

و ولدي سادة الأسباط

و قالت النسوة :

 خذيها : يا خديجة ، طاهرة مطهرة زكية ميمونة .

بورك : فيها ، و في نسله [39].

يا طيب: هذه السيادة الذاتية تجلت منها سيادة علمية وعملية بكل تقى بسيرتهم فتابع.

 

 

 


 

الإشراق الثاني:

 الله يسلم على النبي ويبشره بسيادة الحسنين حين زواج أبويهما :

يا طيب : في هذا الإشراق من هذا النور نذكر حديث يحكي عن بشارة من الله سبحانه وتعالى إلى نبي الرحمة بسيادة آله وبالخصوص سيدا شباب أهل الجنة ، وإلا الأحاديث كثيرة من الله يبشر بها نبي الرحمة بالمقام العالي والكريم لآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، فضلا عما له من المقام المحمود والأحاديث الخاصة به في كل مراتب النور والكرامة والفضل الذي لا يدانيه أحده ، بل سترى في صحيفة سادة الوجود أن لأبيهم وأمهم مقامات عالية تخصهم وتعرف شأنهم بخصوصهم ، وقد عرفت في الجزء السابق كثير من الأحاديث الخاصة بالإمامين الكريمين والسيدين الفاضلين بغير لفظ السيادة ، أو هم مع آلهم في ذكر مناقب كريمة لهم ، كما وأن من يحبهم بصدق فيقتدي بهم ويعبد الله سبحانه بهداهم يكون معهم فيعلو شأنه :

وأما الأحاديث المعرفة لسيادتهم فهي :

في مسند زيد بن علي عن آبائه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أتاني ملك فقال : يا محمد إن الله عز وجل :

يقرئك السلام ، ويقول :

 قد زوجت فاطمة من علي : فزوجها منه . وأمرت شجرة طوبى أن تحمل الدر والمرجان واليواقيت ، وإن أهل السماء قد فرحوا بذلك .

وسيولد لهما ولدان :

 سيدا شباب أهل الجنة .

 وبهما تزين أهل الجنة

فابشر يا محمد : فأنت خير الأولين والآخرين[40].

 

 


 

 

الإشراق الثالث :

 جبرائيل يبشر النبي بسيادتهم فيسجد شكرا لله :

يا طيب : الحديث السابق يعرف سيادة السبطين والإمامين الكريمين بالسيادة قبل الولادة ، وهذا حديث آخر يجدد الله به العهد مع نبيه ، ويعرفه سيادتهم بعد الولادة .

عن أبو عبد الرحمن عن جعفر بن محمد عليه السلام قال :

بينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر .

 إذ نزل : فسجد خمس سجدات ، فلما ركب .

 قال له بعض أصحابه : رأيناك يا رسول الله صنعت ما لم تكن تصنعه ؟

 قال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم أتاني جبرائيل عليه السلام :

 فبشرني : أن عليا في الجنة ، فسجدت شكرا لله تعالى .

 فلما رفعت رأسي ، قال : و فاطمة في الجنة ، فسجدت شكرا لله تعالى .

فلما رفعت رأسي ، قال :

و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

 فسجدت شكرا لله تعالى .

 فلما رفعت رأسي قال : ومن يحبهم في الجنة ، فسجدت لله تعالى شكرا .

فلما رفعت رأسي قال : ومن يحب من يحبهم في الجنة .

فسجدت : شكرا لله تعالى[41] .

اللهم : اشهد إني أحبهم وأحب من يحبهم ، وأحب بكل وجودي أن تحشرني ومن يحبهم معهم في الدنيا والآخرة ، وأنت سبحانك ربي ولي التوفيق وأرحم الراحمين ، وفقنا لحبهم وأتباعهم وطاعتهم وتعلم هداهم وعبوديتك به بكل إخلاص ، إنك أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العلمين .

 

 


 

 

الإشراق الرابع :

 يسر النبي ويضحك حين يبشره جبرائيل عن الله بالسيادة له ولآله:

يا طيب : عرفت في أول البحث عن السيادة ، بأنها منصب إلهي وهبه منه سبحانه بما فيها من الملاك والمناط والقدرة على الظهور والسخاء والجود بأفضل العلم والتقى ، و هي لأكرم العباد ، وذلك لكي يظهروا بالكمال التام في كل تصرف لهم ، فيكونوا قدوة بحق وولاة لأمره واقعا ، ولهذا كان النبي الأكرم يعرف شأنهم الكريم بكل مناسبة ممكنة لكي يقتدى بهم ويتعلم هداه منهم ، ويعرف حقهم في الولاية للمؤمنين والخلافة له بعده ، لا كل من دب وهب وتسلط يمكن أن يكون ولي وإمام للمسلمين ويدعي الخلافة له والسيادة على المسلمين بعده، ولذا خصه الله بالنبي ثم آله بعده ولذا جاء :

عن أبي سعيد الخدري قال : بينا رسول الله صلى الله عليه وآله : ذات يوم جالسا، ونحن حوله : إذ ضحك .

فقال له الناس : ما الذي أضحكك يا رسول الله ؟ زادك الله سرورا .

قال : إن جبرائيل  أتاني ، فبشرني ببشارة لم يبشرني بمثلها فيما مضى ؟

أخبرني : أن منا من بني هاشم سبعة : لم يخلق الله مثلهم فيما مضى ولن يخلق مثلهم فيما بقي.

أنا محمد رسول الله : سيد النبيين .

وعلي ابن عمي : سيد الوصيين .

وحمزة عمي : سيد الشهداء .

وجعفر ابن عمي : الطيار في الجنة .

وابني الحسن والحسين

 سيدا شباب أهل الجنة .

ومنا القائم : الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم .

ثم هو : من ذرية ابني الحسين [42].

وعن عيثم بن أشيم عن معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم : و هو مستبشر يضحك سرورا.

 فقال له الناس : أضحك الله سنك يا رسول الله و زادك سرورا .

 فقال رسول الله : إنه ليس من يوم و لا ليلة ، إلا و لي فيهما تحفة من الله ، ألا و إن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى .

 إن جبرائيل أتاني : فأقرئني من ربي السلام ، و قال : يا محمد إن الله عز و جل اختار من بني هاشم سبعة ، لم يخلق مثلهم فيمن مضى ، و لا يخلق مثلهم فيمن بقي .

أنت يا رسول الله : سيد النبيين .

و علي بن أبي طالب : وصيك سيد الوصيين .

و الحسن و الحسين سبطاك : سيدا الأسباط .

و حمزة عمك : سيد الشهداء.

و جعفر : ابن عمك الطيار في الجنة يطير مع الملائكة حيث يشاء.

و منكم القائـم : يصلي عيسى ابن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض .

من ذريـة : علي و فاطمة ، من ولد الحسين  [43].

يا طيب : هذا التعريف الجمعي بالسيادة لأل محمد صلى الله عليه وآله ، هو بيان الله لمحل هداه ، ولكي لا يتشتت الناس فيتبع كل من يدعي الوصاية والخلافة والولاية من الله ، وهذه السنة من الله سبحانه كانت جارية في ذرية الأنبياء واختيار خلفاءهم وأوصيائهم من آلهم على طول الزمان ، ويوفقهم لمعرفة دينه والظهور به بكل سخاء وإخلاص وتقى ، وبهذه السنة يحفظ الدين ويعرف محله ومن أين يجب أن يستقى بحق .

 

 


 

 

الإشراق الخامس :

 ملك لم يهبط من قبل يبشر النبي بسيادة الحسنين :

يا طيب : إن حذيفة من خلص الصحابة وكرامهم رحمه الله ، وكان يفتخر بالتحديث عن النبي الأكرم ، وبالخصوص حديث البشارة بالسيادة لآل النبي الأكرم من الله سبحانه لنبي الرحمة بتوسط ملائكته ، وكان نزول الملائكة مفاخرة لهم ، وبيان حبهم له ، وأن تشرفهم بالتبريك والتسليم على النبي الأكرم فضيلة ومنقبة لهم ، وبالخصوص بنزولهم بذكر فضله وفضل آله وكرامته على الله ، سواء بينهم أو في تبشيرهم للنبي وذكر فضائله له ، وتجد إتحافهم النبي بأحاديث الكرامة عن الله في أحاديث كثيرة ، ولذا تراه تعدد النزول من الملائكة فمنهم جبرائيل ، وملك المطر ، وملائكة آخرين .

ومنهم ملك : لم ينزل قبل هذا للأرض لمقامة العالي في الملكوت ، ولكنه لما سمع بمقام السيادة لآل النبي الكرام ، حب أن ينزل ويبشر النبي ويسلم عليه ويذكر فضله ومقامه وآله معه ليفرح رسول الله وينال مقام شرف إدخال السرور على أكرم الخلق، وقد مر قسم من نزل الملائكة في ذكر البشارة بولادة السبطين عليهم السلام في الجزء السابق.

وإن التبشير بالسيادة : عرفت هو بيان كريم لتعريف مقام آل النبي وذريته وسبطاه وعترته  ليكونوا خلفاءه ، ولولا كون مقام السيادة مقام عالي يبين شأن الإمامة والولاية لما تسابقت الملائكة في التذكير به وتعريفه للنبي مع علمه به من قبل بتوسط جبرائيل ، ولما تفاخر به النبي وأصر على تبليغه بصور متنوعة وبيانات متكررة ، ولو كان تبليغ عادي لما توجه له الصحابة وتفاخروا بنقله وبيانه كمنقبة وكرامة وعلو شأن لهم بمعرفة هذه المنقبة .

ولكي نتعرف : على ما تحدث به حذيفة وما كرمه الله من رؤية الملائكة كما كانوا يرى الصحابة جبرائيل بصورة دحية الكلبي ، فهو يرى ويسلم على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، ويتعلم ويعلم حديث شريف ، فيذكره بعدة صيغ حسب مقام التذكير وحال السامع من طول الحديث واختصاره ، ولكثير من الصحابة وبصيغة وأنواع متشابه المضمون ، وأن تفاوتت الألفاظ لتنوع أسلوبه ، وهو كما :

عن زر بن حبيش عن حذيفة اليماني قال : سألتني أمي متى عهدك برسول الله صلى الله عليه وآله ، ولم أكن رأيته قبل ذلك بأيام ، فأخبرتها .

ثم قالت : امض إليه واسأله أن يستغفر لك ولي .

فأتيته : فصليت معه صلاة المغرب ، ثم أنفتل .

 فقام : فصلى حتى صلى العشاء الآخرة . ثم خرج ، فتبعته لأسأله ذلك .

 فعرض له رجل : فوقف معه طويلا ، ووقفت حتى انصرف عنه ، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فاتبعته ، فأحس بوقع قدمي ، فأنفتل .

فقال : من هذا ؟  فقلت : حذيفة .

فقال : ما تريد ؟ فأخبرته بخبري .

 قال : أرأيت الرجل الذي وقف معي ؟ قلت : نعم .

قال : إنه ملك من الملائكة استأذن في زيارتي ، فأذن له .

 ولم يكن هبط إلى الأرض قبل هذه الساعة .

فسلم علي وبشرني :

أن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة .

قال : وأخبرته بما كان بيني وبين أمي .

فقال : غفر الله لك ولامك ، يا حذيفة [44].

وعن المنهال عن حذيفة بن اليمان قال :

سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول :

 أتاني ملك لم يهبط إلى الأرض قبل وقته ، فعرفني أنه استأذن الله عز و جل في السلام علي ، فأذن له ، فسلم علي ، و بشرني :

أن ابنتي فاطمة : سيدة نساء أهل الجنة .

و أن الحسن و الحسين

سيدا شباب أهل الجنة[45].

 

وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن ملكا استأذن الله عز و جل في زيارتي .

 فبشرني بما بشرني ، و أخبرني بما أخبرني .

أن فاطمة سيدة نساء أمتي .

و أن الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة [46].

يا طيب : وتوجد روايات أخرى بأسانيد أخرى ، نكتفي بهذا لأنها متقاربة الألفاظ.

 

 

 


 

الإشراق السادس :

سيد المرسلين يبشر بسيادة سيد الأوصياء وسيدا شباب أهل الجنة:

يا طيب : عرفت إن الله سبحانه وتعالى أمر النبي الأكرم بأن يحدث عن فضائل آله الكرام وفضائل الله عليه ، بل فضائلهم فضائله وفضائله ومناقبه فضائلهم ومناقبهم ، بل هي كرامة لنا لنعرف أولياء أمورنا وأئمتنا وقادتنا وسادتنا الواجب طاعتهم ، لنجعلهم ويكونوا بكل علمهم وعملهم وسيرتهم أسوة وقدوة لنا ، فأمر الله سبحانه لنبيه للتحديث عن فضائله ورفع ذكره وعلو مقامه ليسره ولعلمنا ولاة أمر الله فينا بعده .

وهو كما قال سبحانه  : { وَرَفَعْنَا  لَكَ ذِكْرَكَ (4) } الشرح ، وقوله تعالى :

{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) } الضحى .

وقد عرفت : إن النبي يتكلم عن خصائص آله وعترته الكريمة وفضائلهم العظيمة ومناقبهم الشريفة ، لكي يعرف المؤمنين سيدهم وأميرهم وقائدهم للمستقبل ، وإلا لا تكون فضائل ولا مناقب ويوجد من يكون سيد لهم من غيرهم،  أو إمام يتقدمهم بعده ، أو هناك خليفة له ليس من آله .

فإن بيان مقامهم : هو بيان لولاية أمر الله في العباد ، والهداية لسبيل الرشاد ، وبيان للعروة الوثقى التي يجب أن يتمسك بها المؤمنون ، وإن تحديث رسول لله لأمير المؤمنين أو لأحد الصحابة ، يكون أغلبه أمام جمع كثير أو في حفل عام أو في اجتماعه بهم كصلاة يومية أو جمعة أو قبل أو بعد غزوة وفتح وغيرها من الأمور والأوقات المهمة.

ولذا وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم : يوجه الكلام لأحدهم ويخصه ، وبالخصوص أمير المؤمنين كما في هذه الأحاديث ، لكنها أحاديث عامة شاملة يجب معرفتها من الكل وينقلها لمن لم يكن حاضر حينها ، لتتم الحجة على الجميع ويعرف الحق المؤمنون حقا فيتبعوه ، فهذه أحاديث : تعرفنا سيادة أل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وبالخصوص الإمام الحسين والحسين سيدا شباب أهل الجنة والدنيا والآخرة بعد أبيهما سيد الأوصياء ، وجدهم سيد المرسلين عليهم صلاة الله وسلامه أجمعين .

عن الأصبغ بن نباتة قال : سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

 أفضل الكلام قول : لا إله إلا الله .

وأفضل الخلق أول من قال : لا إله إلا الله .

فقيل : يا رسول الله ومن أول من قال : لا إله إلا الله ؟

 قال : أنا ، وأنا نــور بين يدي الله جل جلاله :

 أوحـده وأسـبحه وأكـبره وأقدسـه وأمجـده .

ويتلـوني نــور شــاهد مـــني .

 فقيل : يا رسول الله : ومن الشاهد منك ؟

 فقال : علي بن أبي طالب أخـي وصفيي ، ووزيري وخليفي ووصيي ، وإمام أمتي ، وصاحب حوضي ، وحــامـل لــوائي .

 فقيل له : يا رسول الله فمن يتلوه ؟

فقال : الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

 ثم الأئمة من ولد الحسين إلى يوم القيامة [47].

يا طيب : هذا الحديث من أكرم الأحاديث في تعريف سبب السيادة ، وهو بيان أن سيد الكلام لا إله إلا الله وأول من تحقق به نبينا وآله ونشروها لنا ومنهم تعلمناه :

و لا إله إلا الله: سيد القول والكلام، وقد مر بحثه في الجزء الأول ، وفي الجزء الثاني في شرح سيد الآيات آية الكرسي ، وعرفنا كيف نشرها نبينا وآله وأنهم عرفوا كل العباد دين الله بحق كما يحب أن يعبد به سبحانه ، كما أن الحديث لو تتدبره أصل لبيان حقيقتهم النورانية و مراتبهم قبل الإشراق الأول من هذا النور ، فتدبره يا منصف.

يا طيب : إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان يعرف آله بالسيادة في كثير من الأوقات والأحوال المهمة ليعرف المؤمنين بما يجب من حق الطاعة لهم ، وأنه يجب الاقتداء بهم بعده ، ولذا كثرة الأحاديث التي يحدث بها نبي الرحمة بهذا المعنى ، سواء مصدرها عن آل البيت أو عن الصحابة ، وقد جاء في أحاديث تبشير أمير المؤمنين :

عن  محمد بن زياد ، عن زيد بن أرقم قال :

 سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعلي عليه السلام :

أنت الإمام والخليفة بعدي .

وابناك سبطاي
وهما سيدا شباب أهل الجنة .

وتسعة من صلب الحسين أئمة معصومون ، ومنهم قائمنا أهل البيت .

ثم قال : يا علي ، ليس في القيامة راكب غيرنا ، ونحن أربعة .

فقام إليه رجل من الأنصار فقال : فداك أبي وأمي يا رسول الله ومن هم ؟

قال : أنا على دابة الله البراق ، وأخي صالح على ناقته التي عقرت ، وعمي حمزة على ناقتي الغضباء ، وأخي علي على ناقة من نوق الجنة .

وبيده لواء الحمد ، ينادي : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .

فيقول الآدميون : ما هذا إلا ملك مقرب ، أو نبي مرسل ، أو حامل عرش ؟

فيجيبهم ملك من بطنان العرش : يا معشر الآدميين ، ليس هذا ملك مقرب ، ولا نبي مرسل ، ولا حامل عرش ، هذا الصديق الأكبر علي بن أبي طالب [48].

وعن زيد بن أرقم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

لعلي بن أبي طالب عليه السلام :

أنت ســيد الأوصياء .

و ابناك سيدا شباب أهل الجنة .

و من صلب الحسين يخرج الله عز و جل الأئمة التسعة .

فإذا مت : ظهرت لك ضغائن في صدور قوم، يتمالئون عليك و يمنعونك حقك[49].

ومر في سيدة النساء في الدنيا والآخرة عن  محمد بن عبيد الله عن أبيه عن جده أبي رافع قال قال :

ثم قال : أما ترض يا علي ، أنك أخي في الدنيا والآخرة .

 وأنك خير أمتي في الدنيا والآخرة .

وأن امرأتك خير نساء أمتي في الدنيا والآخرة .

وأن ابنيك سيدا شباب أهل الجنة من أمتي في الدنيا والآخرة .

وأنك أخي : ووزيري ووارثي ، انصرف فلا يصلح ما هناك إلا أنا وأنت [50].

ويا طيب : بشارة النبي الأكرم لسيد الأوصياء كثيرة ، وفي أغلبها يذكر فضائله ويبين إمامته وولايته ، ويعرفنا سيادته في أغلب الأحاديث التي يذكر فيها مناقبه ويعرف كرامته عند الله وما له من الشأن العظيم عنده ، وإنه سيأتي في صحيفة سيادة الإمام علي عليه السلام أحاديث كثيرة تعرفه بالسيادة لنفسه مثل قول صلى الله عليه وآله :

يا فاطمة زوجتك سيدا في الدنيا وانه في الآخرة لمن الصالحين .

قوله : أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة ،  من احبك فقد أحبني ، ومن أحبني فقد أحب الله ، ومن أبغضك فقد ابغضني ، ومن ابغضني فقد ابغض الله . وغيرها الكثير، وهنا نذكر من الأحاديث ما فيها سيادة الحسنين عليهما السلام بالخصوص.

 

 


 

 

الإشراق السابع :

سيد المرسلين يبشر سيدة النساء بسيدي شباب أهل الجنة :

يا طيب : إن رسول الله يسر بمعرفة فضائله وفضائل آله الكرام وما خصهم  الله سبحانه ، أو حين ينقلها للمؤمنين وبالخصوص لآله الكرام ، ليرفع ما بهم من الخصاصة وما تجريه عليهم الأيام من المصاعب ، أو حسد الناس وكنايتهم للوضع من شأنهم وللانتقاص من كرامات الله عليهم ، وكذالك إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، سواء للتعليم ولنشر دين الله الحق ، أو لتعريف ولاة الأمر وسادة العباد بعده فيذكر فضائلهم ومناقبهم، ويستغل أي فرصة وكل مناسبة ممكنة ليعرف العباد فضل الله عليهم، وما يجب عليهم من معرفة أئمة البشر وسادة المؤمنين ليقتدوا بهم بعده ويطيعوهم ، ومن الأحاديث بعد تبشير أمير المؤمنين كما بشر الله رسوله، يبشر رسول الله فاطمة الزهراء بما لها ولآلها من المقام عند الله صلى الله عليهم وسلم فتدبر فضل الله لهم ولنا لنعرفهم حقا:

 

في كشف الغمة : قلت من مناقب الخوارزمي : عن بريدة قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

قم بنا يا بريدة نعود فاطمة ، فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها دمعت عيناها .

قال صلى الله عليه وآله وسلم : ما يبكيك يا ابنتي ؟

قالت : قلة الطعم ، و كثرة الهم ، و شدة السقم .

قال له : أما و الله ما عند الله خير مما ترغبين إليه يا فاطمة .

أ ما ترضين أني زوجتك خير أمتي ، أقدمهم سلما ، و أكثرهم علما و أفضلهم حلما .

و الله إن ابنيك

سيدا شباب أهل الجنة [51].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي ذر :

 إنها ( فاطمة ) بضعة مني ، فمن آذاها فقد آذاني .

إلا أنها سيدة نساء العلمين .

و بعلها سيد الوصيين .

و ابنيها الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

وإنهم إمامان إن قاما أو قعدا ، و أبوهما خير منهما .

 و سوف يخرج من صلب الحسين تسعة من الأئمة معصومون قوامون بالقسط .

قال قلت : يا رسول الله فكم الأئمة بعدك ؟

 قال : عدد نقباء بني إسرائيل[52] .

 

وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة قال:

حدثني سلمان الفارسي رضي الله عنه قال:

دخلت على رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ، فجلست بين يديه و سألته عما يجد ، و قمت لأخرج ، فقال لي :

اجلس يا سلمان : فسيشهدك الله عز و جل أمرا إنه لمن خير الأمور ، فجلست ، فبينا أنا كذلك إذ دخل رجال من أهل بيته و رجال من أصحابه .

و دخلت فاطمة عليه السلام : ابنته فيمن دخل .

 فلما رأت : ما برسول الله صلى الله عليه و آله وسلم من الضعف .

خنقتها العبرة : حتى فاض دمعها على خده .

 فأبصر ذلك : رسول الله صلى الله عليه و آله وسلم ، فقال :

ما يبكيك يا بنية : أقر الله عينك و لا أبكاها .

قالت عليه السلام : و كيف لا أبكي ، و أنا أرى ما بك من الضعف .

قال لها : يا فاطمة  توكلي على الله و اصبري ، كما صبر آباؤك من الأنبياء ، و أمهاتك من أزواجهم .

أ لا أبشرك : يا فاطمة؟

قالت : بلى يا نبي الله  ، أو قالت : يا أبت .

قال : أ ما علمت أن الله تعالى اختار أباك فجعله نبيا ، و بعثه إلى كافة الخلق رسولا ، ثم اختار عليا فأمرني فزوجتك إياه ، و اتخذته بأمر ربي وزيرا و وصيا .

يا فاطمة : إن عليا أعظم المسلمين على المسلمين بعدي حقا ، و أقدمهم سلما ، و أعلمهم علما ، و أحلمهم حلما ، و أثبتهم في الميزان قدرا .

 فاستبشرت : فاطمة عليها السلام .

 فأقبل عليها رسول الله صلى الله عليه و آله فقال : هل سررتك يا فاطمة ؟

قالت : نعم يا أبت . قال : أ فلا أزيدك في بعلك و ابن عمك من مزيد الخير و فواضله ؟ قالت : بلى يا نبي الله .

قال : إن عليا أول من آمن بالله عز و جل و رسوله من هذه الأمة ، هو و خديجة أمك ، و أول من و آزرني على ما جئت .

يا فاطمة : إن عليا أخي و صفيي و أبو ولدي .

إن عليا : أعطي خصالا من الخير لم يعطها أحد قبله ولا يعطاها أحد بعده .

 فأحسني عزاك : و اعلمي أن أباك لاحق بالله عز و جل .

قالت : يا أبتاه فرحتني و أحزنتني .

قال صلى الله عليه وآله وسلم : كذلك يا بنية أمور الدنيا ، يشوب سرورها حزنها ، و صفوها كدرها .

 أ فلا أزيدك يا بنية ؟ قالت : بلى يا رسول الله .

قال : إن الله تعالى خلق الخلق فجعلهم قسمين :

 فجعلني و عليا في خيرهما قسم.

وذلك قوله عز وجل : { وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ (27)} الواقعة.

ثم جعل القسمين قبائل : فجعلنا في خيرها قبيلة ، و ذلك قوله عز و جل :

{ وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ (13)} الحجرات.

ثم جعل القبائل بيوتا ، فجعلنا في خيرها بيتا ، في قوله سبحانه :

{ إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)}الأحزاب .

 ثم إن الله تعالى اختارني من أهل بيتي .

 و اختار عليا و الحسن و الحسين و أختارك .

فأنا سيد ولد آدم .

و علي سيد العرب .

و أنت سيدة النساء .

و الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

و من ذريتكما المهدي .

يمل الله عز وجل به الأرض عدلا كما ملئت من قبله جورا [53].

يا طيب : هذا الحديث الكريم كما يعرف سيادة سيدة النساء وأبيها وزوجها وبنيها ، فإنه يعرفنا ملاك للسيادة ، وهو أن الله يعلم بأفضل خلقه وأكرهم ، ولذا اختارهم لقيادة عباده وجعلهم أئمة لهداه ، وسادة يجب على المؤمنين أن يتخذوهم قادة و الكون على صراطهم المستقيم ، لأنه الله نعمهم بنعمة الكتاب والحكمة ومعارف الدين القويم ، وبقدرة ذاتية قوية إيمانية خالصة في التجلي بكل حدود ما علمهم ، ووفقهم بأعلى ظهور به ، ولهذا أختارهم بعد أن علم صدقهم بالإخلاص له ، وهذا معنى خصائص هذه المناقب والاختيار من الله تعالى لهم، وهذا الحديث روي بعدة طرق مختصرة وطويلة منها :

في حديث طويل عن سلمان أيضا منه :

 أن رسول الله : في مرضه الذي توفي فيه ، أنه قال لفاطمة :

ثم اطلع : إلى الأرض إطلاعة ثالثة :

فاختارك : و أحد عشر رجلا من ولدك ، و ولد أخي بعلك منك .

فأنت : سـيـدة نساء أهل الجنة .

و ابناك الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

 و أنا و أخي و الأحد عشر إمام : أوصيائي إلى يوم القيامة .

كلهم هادون مهديون ، أول الأوصياء بعد أخي الحسن ، ثم الحسين .

 ثم تسعة من ولد الحسين ، في منزل واحد في الجنة ، و ليس منزل أقرب إلى الله من منزلي ، ثم منزل إبراهيم و آل إبراهيم . .....

 يا بنية : إنا أهل بيت أعطانا الله سبع خصال ، لم يعطها أحدا من الأولين ، و لا أحدا من الآخرين غيرنا :

أنا سـيـد الأنبيـاء و المرسلين و خيرهم .

و وصيي خير الوصيين و وزيري بعدي خير الوزراء .

و شهيدنا خير الشهداء أعني حمزة عمي .

 قالت : يا رسول الله سيد الشهداء الذين قتلوا معك ؟

 قال : لا بل سيد الشهداء من الأولين و الآخرين ما خلا الأنبياء و الأوصياء .

 و جعفر بن أبي طالب : ذو الهجرتين و ذو الجناحين المضرجين يطير بهما مع الملائكة في الجنة .

و ابناك الحسن و الحسين سبطا أمتي

و سيدا شباب أهل الجنة .

  و منا : و الذي نفسي بيده مهدي هذه الأمة ، الذي يمل الله به الأرض قسطا و عدلا ، كما ملئت ظلما و جورا .

قالت فاطمة عليه السلام : يا رسول الله ، فأي هؤلاء الذين سميت أفضل ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

أخي علي : أفضل أمتي ، و حمزة و جعفر هذان أفضل أمتي بعد علي و بعدك .

وبعد ابني : و سبطي الحسن و الحسين .

 وبعد الأوصياء : من ولد ابني هذا، و أشار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده إلى الحسين عليه السلام ، منهم المهدي .

إنا أهل بيت : اختار الله لنا الآخرة على الدنيا .

 ثم نظر : رسول الله صلى الله عليه وآله إليها و إلى بعلها و إلى ابنيها ، فقال :

يا سلمان : أشهد الله أني سلم لمن سالمهم ، و حرب لمن حاربهم .

أما إنهم معي في الجنة [54].

 

وعن عمار رحمه الله قال : لما حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوفاة ، دعا بعلي عليه السلام ، فساره طويلا ، ثم قال :

يا علي : أنت وصيي ووارثي قد أعطاك الله علمي وفهمي .

فإذا مت : ظهرت لك ضغائن في صدور قوم ، وغصب على حقد .

فبكت فاطمة عليه السلام ، وبكى الحسن والحسين .

فقال لفاطمة : يا سيدة النسوان مم بكاؤك ؟

 قالت : يا أبة أخشى الضيعة بعدك .

قال: أبشري يا فاطمة ، فانك أول من يلحقني من أهل بيتي، ولا تبكي ولا تحزني.

فإنك سيدة نساء أهل الجنة .

وأباك سيد الأنبياء .

وابن عمك خير الأوصياء .

وابناك سيدا شباب أهل الجنة .

ومن صلب الحسين يخرج الله الأئمة التسعة ، مطهرون معصومون .

ومنا مهدي هذه الأمة [55].

 

وعن علي بن هلال عن أبيه قال : دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و هو في الحالة التي قبض فيها ، فإذا فاطمة عند رأسه ، فبكت حتى ارتفع صوتها ، فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها رأسه ، و قال :

حبيبتي فاطمة : ما الذي يبكيك ؟ فقالت : أخشي الضيعة من بعدك .

فقال صلى الله عليه وآله : يا حبيبتي ، أ ما علمت أن الله عز و جل اطلع على أهل الأرض أطلاعة ، فاختار منها أباك ، فبعثه برسالته .

ثم اطلع اطلاعة : فاختار منها بعلك ، و أوحى إلى أن أنكحك إياه .

 يا فاطمة : و نحن أهل بيت ، قد أعطان الله عز و جل سبع خصال لم يعط أحدا قبلنا و لا يعطي أحدا بعدنا  :

 أنا خاتم النبيين : و أكرم النبيين على الله عز و جل ، و أحب المخلوقين إلى الله عز و جل ، و أنا أبوك .

و وصيي خير الأوصياء : و أحبهم إلى الله عز و جل ، و هو بعلك .

و شهيدنا خير الشهداء : و أحبهم إلى الله عز و جل ، و هو حمزة بن عبد المطلب عم أبيك و عم بعلك . و منا من له جناحان : يطير في الجنة مع الملائكة حيث يشاء ، و هو ابن عم أبيك ، و أخو بعلك .

و منا سبطا هذه الأمة :

و هما ابناك الحسن و الحسين .

و هما سيدا شباب أهل الجنة .

و أبوهما و الذي بعثني بالحق خير منهما .

يا فاطمة : و الذي بعثني بالحق ، إن منهما مهدي هذه الأمة ، إذا صارت الدنيا هرجا و مرجا ، و تظاهرت الفتن ، و انقطعت السبل ، و أغار بعضهم على بعض ، فلا كبير يرحم صغيرا ، و لا صغير يوقر كبيرا ، فيبعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة ، و قلوبا غلفا ، يقوم بالدين في آخر الزمان ، كما قمت به في آخر الزمان ، و يملأ الأرض عدلا ، كما ملئت جورا .

يا فاطمة : لا تحزني و لا تبكي ، فإن الله عز و جل أرحم بك ، و أرأف عليك مني ، و ذلك لمكانك مني ، و موقعك من قلبي .

قد زوجك الله : زوجك ، و هو أعظمهم حسبا ، و أكرمهم منصبا ، و أرحمهم بالرعية ، و أعدلهم بالسوية ، و أبصرهم بالقضية .

 و قد سألت ربي عز و جل : أن تكوني أول من يلحقني من أهل بيتي [56].

ويا طيب: الأحاديث المختصة بسيدة النساء عليها السلام تجدها في صحيفتها ، وفي صحيفة سادة الوجود ، وما ذكرنا من الأحاديث هنا ما كانت البشارة لها بذكر الحسنين بالسيادة وما كرمهم الله به صلى الله عليهم وسلم .

ويا طيب : سيأتي بيان في النور بعد الآتي ، نذكر فيه بشارة النبي الأكرم للحسن والحسين عليهم السلام بالسيادة ، ونذكر في النور الآتي ، تبليغ الصحابة لسيادة أئمة الحق وولاة أمر الله وسادة العباد بعد أبيهم وجدهم ، ونبدأ بما بلغه وعرفه أمير المؤمنين عليه السلام .


[38] الأمالي ‏للطوسي  ص499م18ح 1095-2.

[39] الأمالي ‏للصدوق ص593م87ح1. دلائل ‏الإمامة ص 8 . الخرائج ‏والجرائح ج2ص524 . كشف‏ اليقين ص111م7.

[40] مسند زيد بن علي ص 461 . عيون أخبار الرضا ج1ص30ح12 . ج2ص27ب31ح1. البرهان في تفسير القرآن ج‏3ص259 سورة الرعد 28 ح5587 . بحار الأنوار ج43ص124ب5 .

[41] الأمالي للمفيد  ص21م3ح2 . بحار الأنوار ج65ص111ب18ح24 .

[42] مناقب أمير المؤمنين لمحمد بن سليمان الكوفي ج1ص 543 ح484 .

[43] الكافي ج8ص49ح10 . عقد الدرر في أخبار المنتظر للمقدسي الشافعي السلمي ج1ص35.

[44] شرح الأخبار القاضي النعمان المغربي ج 3 ص74ح995 . ومختصرا في الأمالي‏ للمفيد ص22  المجلس الثالث ح4 . المناقب ج3 ص394. فصل في معالي أمورهما . ورواه عنه في بحار الإنوارج43ص291ب12ح54 . بشارة المصطفى ص 276 . المسند الجامع ج5ص56 .السنن الكبرى للنسائي ج5ص95ح8365 ، 5645.  جامع الأحاديث ج34ص293ح37355 و44786. معرفة الصحابة لأبي نعيم الأصبهاني ج24ص137ح7264 . السنن الكبرى للنسائي ج5ص80ح8298. وأما صحيح ابن حبان ج28ص461ح7086 . ذكر نص السيادة لهما. مسند أحمد ج47ص310ح22241 .

[45] الأمالي ‏للطوسي  ص84م3ح 127-36 . ومر في سيدة النساء ذكر كثير من المصادر . مصنف ابن أبي شيبة ج6ص378ح 32177 . أخرجه الطبراني في المعجم الكبير ج3ص 38 رقم 2609 وفيهما بت عند رسول الله فرأيت عنده شخصا ...وعنه في جامع الأحاديث ج34ص281ح37326  وكنز العمال رقم 37698. وفي المعجم للطبراني ح 2606 عن زر بن حبيش عن حذيفة قال رسول الله : هذا ملك من الملائكة استأذن ربه ليسلم علي ويزورني لم يهبط إلى الأرض قبلها فبشرني أن حسنا و حسينا سيدا شباب أهل الجنة و ح2607 بسند آخر..

[46] كشف‏ اليقين ص305م19 . المعجم الكبير ج3ص36ح 2604 .

[47] كمال الدين وتمام النعمة للشيخ الصدوق  ص 669 ح14 .

[48] كفاية الأثر 10 .

[49] كفاية الأثر 101 . الصراط المستقيم ج 2ص116ف3 .

[50] مناقب أمير المؤمنين عليه السلام لمحمد بن سليمان الكوفي ج 1ص 333 ح260 . ورواه أيضا الحافظ ابن عساكر في الحديث " 842 " من ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام من تاريخ دمشق : ج 2 ص 329 ط 2 ، وقال محققه : ولكن أتباع بني أمية حذفوا متن الحديث من النسخة الظاهرية والتركية . وقد وجدنا الحديث عن عدة مصادر على ترجمة أمير المؤمنين عليه السلام في كتب التاريخ .

[51] كشف ‏الغمة ج1ص149 .

[52] كفاية الأثر ص36 .

[53] الأمالي ‏للطوسي ص606م28ح1254-2 .

[54] كتاب‏ سليم‏ بن‏ قيس ص565 ح1 .كمال ‏الدين ج1ص263ب24ح10 ، إرشاد القلوب ج2ص420. بحار الأنوار ج28ص52ب2ح21 .

[55] كفاية الأثر للخزاز القمي  ص 124 .

[56] كشف ‏الغمة ج2ص 468 . باب ذكر علامات قيام القائم عليه السلام .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com