بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
موسـوعة صحف الطيبين في      أصول الدين وسيرة المعصومين

صحيفة
نور الإمام الحسين عليه السلام الجزء الخامس
سيادته وخلقه وأخلاقه وعبادته ودعائه ومعجزاته وحكمه وشعره

سفينة نجاة

وفيها مجلس ذكر : تعرفنا صفات ومواصفات الإمام الحسين وخلقه وأخلاقه وعبادته ودعائه وحكمه ومواعظه وشعره ومعجزاته  .

المجلس الأول

تجلي سيادته في خلقه وصفاته ومكارم أخلاقه

الذكر الثاني

خلق وأخلاق الإمام الحسين الذاتية وحلمه وتواضعه وعفته وكرمه

 

يا طيب : مر في الذكر السابق بيان كريم عن مواصفات الإمام الحسين الذاتية وشبهه برسول الله بعد أخيه الإمام الحسن صلى الله عليهم وسلم ، وكيف أنه عليه السلام كان يتتبع أخلاق وشمائل رسول الله وأوصافه ليتشبه به  في كل شيء من خصاله، فحب أن يكون مثله فيما يعرف من هداه بصورته وهيئته ولباسه وهندامه وبكل تصرف له ، فضلا عن شكله وصورته مما وهبه الله من جمال المنظر والطلعة البهية كجده رسول الله.

فالإمام الحسين عليه السلام : فضلا عما وهبه الله من الجمال كجده في شمائل تكوين وجوده وصورته النورانية ، وأخلاقه في أفعاله ، رأيناه كان في تجمله وتزينه وبكل أحواله يهتم بأمور لابد للإنسان منها في مظهره الخارجي ، وقد عرفنا اهتمامه بخاتمه ونقشه ، وخضابه ولونه ، وعمامته وجبته ، ولباسه وفرشه ، فيجعلها بما يناسب شأن إمام الدين وسيد المؤمنين حقا في الدارين .

وهنا يا طيب : بعد أن عرفنا شيئا عن أقرب أحواله الذاتية التي وهبه الله له من صفاته النورانية الوجودية ، وشأنه الكريم في تجمله و لباسه وتزينه وأثاثه .

 فالآن في هذا الذكر : نتعرف على بعض أحوال الإمام الحسين عليه السلام الأخرى من حيث معرفة تواضعه وعفته وكرمه عليه السلام وهباته لمن هو محتاج له ، فتراه عليه السلام يهب بعلم ويتصدق بدراية وفهم ، و يعتق لشكر المنعم ، ويعطي بكل كرم لمن يتصرف بتصرف كريم يناسب هدى الدين، وقد عرفت للقمة أعتقد عبده ، بل وعرفت في مصباح الهدى وهب لصافي بستانه ، بل لجواب سؤال يهدي فوق الدية ، ومكارم أخلاق أخرى لإمامنا وسيدنا الحسين عليه السلام فتراه سيد المؤمنين حقا وفي أجمل سيرة وسلوك عرفه البشر .

 


 

الإشراق الأول :

طهارة الإمام الحسين عليه السلام وصدقه وعفته :

يا طيب : يكفي لمعرفة الشأن الكريم العالي للإمام الحسين عليه السلام ، هو ما نزل في شأنه مع آله الطيبين الطاهرين ، من آية التطهير ، فإنها آية كريمة عرفت حديثا عنها حين الكلام عن كسائه ، وإن الله أكرمه مع جده سيد المرسلين وأبيه سيد الوصيين وأمه سيدة نساء العلمين وأخيه ، بالسيادة لأهل الجنة بعدهم ، وأكرمه بالتطهير الذاتي الوجودي النوراني ، وبما يناسب ولايتهم وإمامتهم وسيادتهم لكل ما خلق في الوجود في جميع المراتب في الدنيا وقبلها وبعدها فضلا عن المؤمنين .

ويا طيب : كما تكلمنا عن خلقته النورانية الطيبة الطاهرة ، نتكلم عما خصهم الله من التطهير الذاتي الذي يرينا بحق سيادته وشأن إمامته وولايته ، وليس شأننا هنا نذكر كل الروايات في تطهيره وتطهير آله ومن مصادر متعددة ، بل نحكي أمر مسلم ونتبرك بذكر بعض الأحاديث لنعرف سيد من سادة التكوين يدعو لأخلاق فاضلة وآداب عالية وبتوفيق الله وتأييده له ولآله الكرام عليهم السلام :

 


 

الإشعاع الأول :

في طهارة الإمام الحسين الذاتية وتطهير الله له مع آله الكرام :

عن هلال أبو أيوب الصيرفي قال : سمعت عطية العوفي يذكر :

 أنه سأل : أبا سعيد الخدري ، عن قول الله تعالى :

{إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

 وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِير (33)} الأحزاب .

فأخبره أنها نزلت : في رسول الله ، و علي ، و فاطمة ، و الحسن ، و الحسين[127] .

وعن علي بن الحسين عليه السلام : عن أم سلمة ، قالت : نزلت هذه الآية في بيتي و في يومي ، كان رسول الله صلى الله عليه و آله عندي .

فدعا : عليا و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام  ، و جاء جبرائيل عليه السلام فمد عليهم كساء فدكيا ، ثم قال :

 اللهم : هؤلاء أهل بيتي ، اللهم أذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا .

قال جبرائيل عليه السلام : و أنا منكم يا محمد .

فقال النبي صلى الله عليه و آله : و أنت منا يا جبرائيل .

 قالت أم سلمة فقلت : يا رسول الله ، و أنا من أهل بيتك ، و جئت لأدخل معهم .

 فقال : كوني مكانك يا أم سلمة ، إنك إلى خير ، أنت من أزواج نبي الله .

 فقال جبرائيل : اقرأ يا محمد ، {إِنَّما يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً } في النبي و علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام [128] .

ويا طيب : عرفت في الحديث السابق عن الكساء أنها دخلت بعد تمام الدعاء ونزول الآية ،  وهكذا نبي الرحمة أخذ يعرف ويبلغ نزول آية التطهير في آله الكرام الطيبين الطاهرين عليهم السلام :

فعن نفيع أبي داود، عن أبي الحمراء ، قال :

شهدت النبي صلى الله عليه و آله: أربعين صباحا ، يجيء إلى باب علي و فاطمة عليهما السلام ، فيأخذ بعضادتي الباب ، ثم يقول السلام عليكم أهل البيت و رحمة الله و بركاته ، الصلاة يرحمكم الله : { إِنَّما يُرِيدُ الله

لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَأَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً (33)}الأحزاب[129] .

يا طيب : الأحاديث في معرفة طهارة الإمام الحسين عليه السلام مع آله الكرام نص إلهي ، وذكرها كل من فسر آية التطهير وشأن نزولها ، وهذا بيان لحقيقتهم النورانية وسيادتهم الربانية وما خصهم الله من الشأن العظيم الكريم بالظهور بهداه بأعلى تقى .

 


 

الإشعاع الثاني :

في صدق الإمام الحسين وتصديق الله له مع آله الكرام :

يا طيب : صدق أهل البيت عليهم السلام مسلم لكل مؤمن يعرف شأن الله في اصطفاء واختيار أئمة الدين وأنه كما اعتنى بخلق التكوين ، جعل أئمة وهداة وولاة وسادة يقودون المؤمنين لهداه الحق ، ولم يترك دينه وما يعرف عظمته وهداه لكل أحد يفتي بما يحب ويفكر من غير تأييد منه ، ولكن عرفت نذكر هنا ما يعرفنا صدق الإمام الحسين كآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، وبعد أن عرفنا طهارته .

نذكر صدق حقيقته : وظهوره بتوفيق لله بنور حقائق الإيمان وسيرة المتقين وخلق الأخيار بكل تصرف و سيرة وسلوك له ، فضلا عن كلامه وإنه من هدى الدين ، ويبين ولايته وسيادته ، وما يجب على إمام المسلمين أن يتصرف به وفق هدى الله الحق واقعا :

والله سبحانه صدق : نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين بكثير من الآيات ومنها آية المباهلة الكريمة ، حيث جعل الله سبحانه لعنته على من يكذبهم ، وذلك لصدقهم ، وإن النبي الأكرم جاء بهم ليعرف صدقهم وحقيقة طهارتهم وشأنه الكريم عند الله ، فضلا عن إفحام نصارى نجران وبيان كذبهم وكذب من يخالفهم ، ونذكر رواية مختصرة تعرفنا بعضا مهم من شأن قصة المباهلة وما تعرف من صدق الحسين وآله عليهم السلام :

عن أبي رافع قال : قدم صهيب مع أهل نجران ، فذكر لرسول الله صلى الله عليه وآله ما خاصموه به من أمر عيسى ابن مريم عليه السلام ، و إنهم دعوه ولدا لله تعالى.

فدعاهم رسول الله : فخاصمهم و خاصموه ، فقال :

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ العلم

فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : عليا فأخذ بيده فتوكأ عليه .

و معه ابناه : الحسن و الحسين ، و فاطمة خلفهم .

فلما رأى النصارى ذلك‏ : أشار عليهم رجل منهم .

فقال : ما أرى لكم أن تلاعنوه ، فإن كان نبيا هلكتم ، و لكن صالحوه ، قال : فصالحوه ، قال قال‏ رسول الله : لو لاعنوني ما وجد لهم أهل و لا ولد و لا مال [130].

يا طيب : وذكر نزول هذه الآية مفصلا أو مختصرا كل من فسرها أو كتب في سيرة النبي الأكرم وتأريخ الإسلام الكريم ، ولها تفاصيل وما ذكرنا إلا حديثا مختصرا يعرفنا صدق الإمام الحسين عليه السلام وتصديق الله له وجعله سيد من سادة الصادقين بالوجود.

ولذا أمرنا الله سبحانه بأن نكون مع الصادقين أي معه ونقتدي به بقوله :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُو الله وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)} التوبة .

عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل { اتقو الله و كونوا مع الصادقين } .

 قال عليه السلام : إيانا عنى .

وعن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز و جل { يا أيها الذين آمنوا اتقو الله و كونوا مع الصادقين } ؟

 قال عليه السلام : الصادقون هم الأئمة ، و الصديقون بطاعتهم[131].

يا طيب: نذكر سيرة الإمام وحكمة هنا لنتعرف على سيرة صديق طاهر .

ويأتي في شرح خطبة شقيقة الحسين عليه السلام تفصيل معنى الصدق والصادقين في الجزء الثامن ، وقد قال الإمام الحسين عليه السلام لمن لاقاه من أهل الكوفة في مسيره إلى كربلاء :

قال عليه السلام : أما و الله يا أخا أهل الكوفة ، لو لقيتك بالمدينة لأريتك أثر جبرائيل عليه السلام من دارنا ، و نزوله بالوحي على جدي .يا أخا أهل الكوفة :

أ فمستقى الناس : العلم من عندنا ، فعلموا ، و جهلنا ، هذا ما لا يكون[132].

 


 

الإشعاع الثالث :

تصرف كريم للإمام الحسن والحسين يعرفنا عفتهم وحيائهم :

يا طيب : من المروءة عدم الابتذال بما لا يناسب شأن المؤمن ، والإمام الحسن والحسين عليهم السلام ، بتصرف لهم يعرفونا شأنهم الكريم في بيان سيادتهم في العفة والحتشام ، وتعليم العباد شأن من شؤون أئمة الدين ، وقبل ما نذكر قصة لطيفة في عفة وحياء الإمام الحسين عليه السلام ، نذكر بعض الأحاديث التي تجعل الحياء والعفة من جنود العقل ، وتصدق تصرف سادة العقلاء في آدابهم عليهم السلام :

عن الأصبغ بن نباتة عن الإمام علي عليه السلام قال :

 هبط جبرائيل: على آدم عليه السلام ، فقال:

 يا آدم : إني أمرت أن أخيرك واحدة من ثلاث ، فاخترها و دع اثنتين .

فقال له آدم : يا جبرائيل ، و ما الثلاث ؟

فقال : العقل و الحياء و الدين ؟فقال آدم : إني قد اخترت العقل .

فقال جبرائيل : للحياء و الدين ، انصرفا و دعاه .فقالا : يا جبرائيل إنا أمرنا أن نكون مع العقل حيث كان . قال : فشأنكما و عرج .

وجاء في جنود العقل والجهل :

إن العفة : من جنود العقل ، وضدها التهتك وهو من جنود الجهل[133] .

وأما قصة عفة الإمامين : فعن أبي الجارود عن أبي سعيد عقيصا التيمي قال :

مررت : بالحسن و الحسين عليهما السلام.

 و هما : في الفرات مستنقعان في إزارين .

فقلت لهما : يا ابني رسول الله صلى الله عليكما ، أفسدتما الإزارين ؟

فقالا لي : يا أبا سعيد ، فسادنا للإزارين .

 أحب إلينا : من فساد الدين ، إن للماء أهلا ، و سكانا كسكان الأرض .

ثم قالا : إلى أين تريد ؟ فقلت : إلى هذا الماء . فقال : و ما هذا الماء ؟

فقلت : أريد دواءه أشرب من هذا الماء المر ، لعلة بي ، أرجو أن يخف له الجسد ، ويسهل البطن .

فقالا : ما نحسب أن الله جل و عز جعل في شي‏ء ، قد لعنه ، شفاء .

قلت : و لم ذاك ؟

فقالا : لأن الله تبارك و تعالى لما آسفه قوم نوح عليه السلام ، فتح السماء بماء منهمر ، و أوحى إلى الأرض فاستعصت عليه عيون منها ، فلعنها وجعلها ملحا أجاجا.

و في رواية حمدان بن سليمان : أنهما عليهما السلام قالا :

يا أبا سعيد : تأتي ماء ينكر ولايتنا في كل يوم ثلاث مرات ، إن الله عز و جل عرض ولايتنا على المياه ، فما قبل ولايتنا عذب و طاب ، و ما جحد ولايتنا جعله الله عز و جل مرا أو ملحا أجاجا[134] .

يا طيب : الحديث يعرفنا عفته وطهارته واحتشامهم حتى في الماء ، وتبيين ولايتهم .

 أنظر قصة المرأة : التي جاءت للإمام علي عليه السلام وقالت له طهرني ، فأقرت على نفسه عدة مرات ثم تركها حتى وضعت ، ثم جاءت فطهرها ، ولم يحضر تطهيرها إلا الإمام علي عليه السلام والحسن والحسين عليهم السلام ، وذكرها في الكافي فراجعها[135] .

 


 

الإشراق الثاني :

أحاديث الإمام الحسين في الآداب والكرم والمعروف :

يا طيب : بعد أن عرفنا تطهير الله للإمام الحسين وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم وتصديقه لهم ، جعلهم ينطقون بحقائق العلم وبغرر الحكم وواقع الهدى ، وبتصرف يعرف نص الإيمان ، ويحكي واقع اليقين عندهم ، وحتى جعل نور سيادتهم يسري في كل وجودهم وبكل سيرة وتصرف لهم ، وإن من الأمور الصعبة على الناس هي إخراج المال وبذله والجود والكرم به .

ولذا مدح الجواد والكريم واستحسن فعله ، وذم البخل وقبح أهله .

وإن التعبير : عن حقائق اليقين الوجودية في النفس المؤمنة ، هو كلام ينطق بغرر الحكم وفصل الكلم ، حتى يعرف أن صاحبه مؤيد بتوفيق الله وتسديده وفي أعلى مرتبة له ، فيجرى هدى القول الفصل من حكمه على لسانه .

وللإمام الحسين عليه السلام: كلمات في الكرم والجود والمعروف والبذل والعطاء والحسن ، تفوق كلام المخلوقين ودون كلام الخالق ، بل هي بإلهام منه وتسديد لولي المؤمنين وسيد المتقين ، ولو كتبت بالذهب وعرض على جميع الخلق ، لعرف المنصفون فضلا عن المسلمين والمؤمنين ، شرف وسؤدد وفضيلة قائلها ، وإنه من أئمة الخلق وسادتهم وولاة أمر الله سبحانه فيهم ، ولكي لا أطيل عليك يا طيب نذكرها هنا من غير شرح بل تشرحها سيرة الإمام الحسين عليه السلام ، وما ينقل عن جوده وكرمه وإحسانه فتدبر فيها ، فإنها من حقائق العلم الرباني و أنوار من نور أهل الهدى الإيماني .

 

 

 


 

 

الإشعاع الأول :

جوامع الكلام للإمام الحسين عليه السلام في المعروف والكرم :

 

غرر الكلام في المعروف والكرم للإمام الحسين عليه السلام :

قال عند الإمام الحسين عليه السلام رجل :

إن المعروف : إذا أسدى إلى غير أهله ضاع .

فقال الإمام الحسين عليه السلام : ليس كذلك.

ولكن تكون الصنيعة : مثل وابل المطر ، تصيب البر والفاجر [136].

يا طيب : سيأتي إن الإمام سيعطي بأجود كرم لمن يسأله ، ولكنه يتثبت بكرمه على من يجود عليه ويجعل المعروف على قدر المعرفة ، ولكن قد تخرج حكمة عند غير أهلها فتكرم الحكمة وإن خرجت من غير حكيم ، وربما ناقل فقه لمن هو أفقه منه ، و قائل حكمة لمن هو أدرى بها فتذكره بشأنها وشأنه فيكرم لأجلها وإن لم يكن من أهلها.

 

ومن كلام الحسين بن علي عليه السلام :

 خير المعروف : ما لم يتقدمه مطل ، ولم يتبعه من .

 الوحشة من الناس: على قدر الفطنة بهم .

 النعمة محنة : فإن شكرت كانت كنز ، وإن كفرت صارت نقمة[137].

يا طيب : من أسس المعروف ، والكرم أن لا يكون فيه مماطلة وتسويف ووعد ووعيد وبعد التي واللتيا يخرج شيء من ماله ، ثم يجب أن لا يتبعه منّة ، بل الكرم فوري والجود آني ، والمعروف بقدر المعرفة لأهله .

ولذا يأنس المؤمن : بالكريم الحكيم ، وبالجواد المحسن ، وبالتقي العلم ، وبالخير الفاضل ، وينفر : من اللئيم الخبيث ، ومن السفيه المجادل يغير حق ، ومن البخيل الشحيح ، ومن المخادع الماكر . وهذا التصرف : هو من باب شكر المنعم .

وقد قال سبحانه : {  لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ (7) } إبراهيم .

 وروي : من لم يشكر المخلوق لم يشكر الخالق .

و قال الإمام الحسين عليه السلام :

مالك : إن يكن لك كنت له منفقا ، فلا تبقه بعدك ، فيكن ذخيرة لغيرك ، و تكون أنت المطالب به المأخوذ بحسابه .

و اعلم : أنك لا تبقى له ، و لا يبقى عليك ، فكله قبل أن يأكلك [138].

يا طيب : المال ذاهب والإنسان يذهب ليوم في حلاله حساب وفي حرامه عقاب ، فلو أحب أن يأكل مله بما لا ملامة فيه ، فعليه ببذله على من هو أحق به من نفسه وأهله وأهل الحاجة من ملته ، ويجعله بما فيه صلاح الإسلام والإيمان وأهله ، وإلا يطالب به ويؤخذ أخذا شديدا ، إن جعله سبب لمن يصرفه في غير سبيل الله ، و تدبر كلام الإمام فإنه إمام الكلام .

 

قال الإمام الحسين عليه السلام :

صاحب الحاجة: لم يكرم وجهه عن سؤالك ، فأكرم وجهك عن رده[139] .

ويشرح كلام الإمام : ما قال عليه السلام :

من قبل عطاءك : فقد أعانك على الكرم[140].

يا طيب : السؤال من غير حاجة تذلل مكروه ، فمن يرتكبه ويأتيك فقد مكنك من العلو والرفعة ، وأوجد لك مجال للجود والكرم والإنفاق في سبيل الله تعالى على خلقه ، ويبين كلام الإمام الحسين عليه السلام قوله :

عن الحسين بن علي عليه السلام :  أن سائلا : كان يسأل يوما .

فقال عليه السلام : أ تدرون ما يقول ؟ قالوا : لا ، يا ابن رسول الله .

قال عليه السلام يقول : أنا رسولكم ، إن أعطيتموني شيئا ، أخذته و حملته إلى هناك ، و إلا أرد إليه و كفي صفر[141] .

 


 

 

وقال عليه السلام في الصبر والزهد والعز:

قال الإمام الحسين بن علي عليهما السلام:

 اصبر : على ما تكره فيما يلزمك الحق.

 واصبر: عما تحب مما يدعوك إليه الهوى[142].

قال الحسين بن علي عليهما السلام :

إذا وردت : على العاقل ملمة .

قمع : الحزن بالحزم . وقرع : العقل للإحتيال[143].

قيل للحسين بن علي عليه السلام : من أعظم الناس قدرا ؟

قال عليه السلام : من لم يبال الدنيا في يدي من كانت[144] .

و عن الحسين بن علي عليه السلام قال :

إن العز و الغنى : خرجا يجولان ، فلقيا التوكل ، فاستوطنا[145].

يا طيب: هذه قسم من أقوال الإمام والأخرى تأتي في ذكر كلماته الغرر مفصلا فتابع ، سترى أفضل كلام في التكوين بعد كلام الله وآبائه في مكارم الأخلاق والآداب .

 


 

الإشعاع الثاني :

خطبة للإمام الحسين في معالي مكارم الأخلاق وأشرف محاسن الآداب :

يا طيب : إليكم أعلى كلام في مكارم الأخلاق الإلهية وظهورها في التكوين، وأفضل بيان لحقائق تجلي الطهارة الوجودية عند المؤمنين ، وظهور صدق الأنوار الربانية ، بكلمات إيمانية ، تفوق كل كلام في الحسن والإنسانية ، فإنها كلام فصل في تعليم الآداب الرحمانية والظهور بالحقائق القرآنية ، بصيغ كلام بليغ ، وأسلوب رائع رقيق ، يستحق لمن يحب محاسن الآداب ، وليتربى على معالي الأخلاق ، أن يحفظه ثم يتحقق به نورا مبينا ، ويتجلى به بقدر الاستطاعة على المسلمين بل على البشر أجمعين ، فإنه يكون عندها نبيل شريف في قومه ، وسيدا مطاع وفاضل عالم عند أهل ملته .

 فلو أمكن لعبد : أن ينقشها في القلب حقيقة إيمانية ، ويتجلى بها صفات وأعمال إنسانية ، لأدخلت الجنة صاحبها بأسرع سرعة حينية وآنية ، لأنه يخرج بها من حقوق الأخوان ، ويدخل بها مراحل المتقين وأهل الإيمان ، ويكون مع سادة الشبان.

فإنه كلام الحسين : سيد شاب أهل الجنة بن علي بن أبي طالب سيد الأوصياء ، وابن فاطمة الزهراء سيدة النساء ، بنت سيد المرسلين نبي الله ، فتدبره بل أحفظه إن استطعت ، بل حفظه من تحب أن يفلح وينجح ، ويخرج من ذل الشح ومنقصة البخل في العلم والعمل ،  ويدخل في حقائق الإيمان بالعبودية لله وبإخلاص .

يا طيب : لا أعرف ما أقول في شرح هذه الخطبة التي بين يديك ، لأنها مع كونها من جوامع الكلم ترشح نفسها بغرر الحكم ، ولا أتمكن من بيان حسنها لأنها أجمل ما سمعت وقرأت في الجود والكرم ، وكلها وفق حقائق هدى الدين وبيان أعلى آداب للمسلمين ، فإنها كلمات سيد سادت المتقين بعد آله الطيبين ، فضعها في قلبك إيمان ، وتجلى بها ما استطعت إحسان ، فإنها نور من أنوار سادة المتقين وأهل الإيمان :

قال الإمام الحسين عليه السلام في خطبة له :

أيها الناس : نافسوا في المكارم.

 و سارعوا : في المغانم ، و لا تحتسبوا بمعروف لم تعجلوا .

و اكسبوا الحمد : بالنجح ، و لا تكتسبوا بالمطل ذما .

فمهما يكن : لأحد عند أحد صنيعة له ، رأى أنه لا يقوم بشكرها .

 فالله له : بمكافاته ، فإنه أجزل عطاء ، و أعظم أجرا .

و اعلموا : أن حوائج الناس إليكم ، من نعم الله عليكم .

فلا تملوا النعم ، فتحور نقما .

و اعلمو : أن المعروف مكسب حمدا ، و معقب أجرا .

فلو رأيتم المعروف : رجلا ، رأيتموه حسنا جميلا يسر الناظرين ، ويفوق العلمين .

و لو رأيتم اللؤم : رأيتموه سمجا مشوها ، تنفر منه القلوب ، وتغض دونه الأبصار.

أيها الناس : من جاد ساد ، و من بخل رذل .

و إن أجود الناس : من أعطى من لا يرجوه .

و إن أعفى الناس : من عفا عن قدرة .

و إن أوصل الناس : من وصل من‏ قطعه .

و الأصول : على مغارسها بفروعها تسمو .

فمن تعجل لأخيه خير : وجده إذا قدم عليه غدا .

و من أراد الله تبارك و تعالى : بالصنيعة إلى أخيه .

كافأه به : في وقت حاجته ، و صرف عنه من بلاء الدنيا ما هو أكثر منه .

و من نفس كربة مؤمن : فرج الله عنه كرب الدنيا و الآخرة .

و من أحسن : أحسن الله إليه ، و الله يحب المحسنين‏ [146].

وقال الأربلي في كشف الغمة بعد نقل هذا الكلام : قلت هذا الفصل من كلامه عليه السلام ، و إن كان دالا على فصاحته ، ومبينا عن بلاغته ، فإنه دال على كرمه و سماحته وجوده وهبته ، مخبر عن شرف أخلاقه وسيرته وحسن نيته وسريرته ، شاهد بعفوه و حلمه و طريقته ، فإن هذا الفصل قد جمع مكارم أخلاق لكل صفة من صفات الخير فيها نصيب ، و أشتمل على مناقب عجيبة ، و ما اجتماعها في مثله بعجيب ، انتهى.

يا طيب : فإنها خطبة كريمة من سيد جليل ، فيها طلب المنافسة في الخيرات وتعجلها ليكون معروف ، فنغنم حسنه وبركاته ، ونحسب من أهله ، لأن الله سبحانه هو المثيب المكافئ ، ولا نتوقع من أحد غير الله الجزاء ليكون في سبيله ، فننال كل خير ساقه الله لنا حين بذلنا لما نقدر عليه من علم ومال وشأن ، فإن المعروف جميل بهي ، و راجع علينا بكل خير دنيا وآخرة ، وموجب للسيادة والكون مع سادة أهل التكوين بكل صفاء الإيمان وتجلي نور الحسن .

ويا طيب : كل إنسان يكون عنده ما يجود به ويمكن بذله للمؤمنين فينال الحسنى ، علم أو شأن أو مال أو كلمة طيبة أو سلام مبتدأ ، ويجب أن لا يكون كرم لمن يطلب بعد مطل وتسويف ثم منة ، بل نتقدم لذوي الحاجة وللمؤمن بما يسره قدر الإمكان ولو من غير توقع ، وإعطاء قبل السؤال لمن نراه أهلا ويستحق ويحتاج ما نقدر عليه .

يا طيب : التحقق بمكارم الأخلاق من أصول الإيمان ، والظهور بمعالي الآداب ينبع من أصول في ذات الإنسان ، يغرسها المسلم ويتجلى بها ، فيحسن وجوده وتعلو في المعروف صفاته ، وتسود في الأقران سيرته وأفعاله ، ويكسب حمدا وجمالا يغبط عليه ، ويصرف عنه البلاء ويذهب عنه مذمة الأعداء فضلا عن الأصدقاء ، فتدبر كلام الإمام يا طيب تتعلم منه أحسن وأعلى وأجمل وأفضل معالي الأخلاق ، وبعد أن عرفنا شيئا من علوم معالي أدب الدين ، فلنتدبر بتحققها وكيف تجلت من الإمام بسيرته وسلوكه .

يا طيب : هذا قسم من أحاديث مكارم الأخلاق والقسم الآخر في ذكر غرر حكمه عليه السلام ، وذكرنها هنا لنعرف أنه سيدا قولا وعملا وإيمانا وفعلا .

 


 

لإشراق الثالث :

حلم الإمام الحسين عليه السلام وعفو وصفحه:

يا طيب : جاءت أحاديث كثيرة في بيان فضيلة الحلم والعفو والصفح ، وهنا نذكر بعض الأحاديث فيها ، لنتعرف على خصائص وصفات تعرفنا شيء من شأن سيادة الإمام الحسين وآله صلى الله عليهم وسلم :

عن الإمام الحسين عن أبيه عن جده صلى الله عليهم وسلم قال :

أعطينا : أهل البيت سبعة ، لم يعطهن أحد قبلنا ، و لا يعطاها أحد بعدنا :

الصباحة : والفصاحة ، والسماحة ، والشجاعة .

والحلم : والعلم ، والمحبة من النساء .

وقال عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 حسب الرجل : دينه ، و مروته عقله ، و حلمه سروره ، و كرمه تقواه [147].

وعن جابر عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :

إن الله عز و جل : يحب الحيي الحليم‏ .

وقال عليه السلام  قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن الله : يحب الحيي الحليم ، العفيف المتعفف .

وعن سعيد بن يسار عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 إذا وقع بين رجلين منازعة : نزل ملكان ، فيقولان للسفيه منهما : قلت و قلت ، و أنت أهل لما قلت ، ستجزى بما قلت .

و يقولان للحليم منهم : صبرت و حلمت ، سيغفر الله لك إن أتممت ذلك .

قال : فإن رد الحليم عليه ارتفع الملكان[148].

يا طيب : بعد أن عرفنا عفتهم وطهرهم في أول، فلنتعرف على شيء من حلمهم:

 


الإشعاع الأول :

حلم الإمام الحسين عليه السلام :

قال أبن عساكر في تأريخ دمشق : عن علي بن محمد أبو الحسن الحوطي : حدث بصيدا سنة خمس وسبعين وثلاثمائة  قال :

روي لنا أن عصام بن المصطلق قال : دخلت الكوفة فأتيت المسجد :

فرأيت : الحسين بن علي عليه السلام جالسا فيه ،  فأعجبني سمته ورؤاه .

فقلت : أنت ابن أبي طالب ؟

قال : أجل ، فأثار مني الحسد ما كنت أجنه له ولأبيه .

فقلت : فيك وبأبيك ، وبالغت في سبهما ، ولم أكنِ .

فنظر إلي نظر عاطف رءوف وقال : أمن أهل الشام أنت ؟

فقلت : أجل ، شنشنة أعرفها من أخزم ، فتبين فيّ الندم على ما فرط مني إليه .

فقال : لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم ، انبسط إلينا في حوائجك لدينا ، تجدنا عند حسن ظنك بنا .

فلم أبرح : وعلى وجه الأرض أحب إلي منه ومن أبيه .

وقلت :  الله أعلم حيث يجعل رسالته  . ثم أنشأت أقول[149] :

ألم  تر أن  الحلم   زين   لأهله      ولا سيما إن زان حلمك منصب

سليل  رسول  الله  يقتص هديه      عليه  خباء  المكرمات   مطنب

قريب من الحسنى بعيد من الخنا      صفوح  إذا  استتبعته فهو معتب

فقل لمسامي الشمس  أنى تنالها      تأمل سناها وانظرن  كيف تغرب

وقال في البحر المحيط :

وسب عصام بن المصطلق الشامي : الحسين بن علي رضي الله عنه سبًّا مبالغاً وأباه ، إذ كان مبغضاً لأبيه .

فقال الحسين بن علي : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .

بسم الله الرحمن الرحيم :

{  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (199)

وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (200)

 إِنَّ الَّذِينَ  اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ (201) } الأعراف .

ثم قال : خفض عليك ، أستغفر الله لي ولك ، ودعا له في حكاية فيها طول ، ظهر فيها من مكارم أخلاقه وسعة صدره ، وحوالة الأشياء على القدر ، ما صيّر عصاماً أشد الناس حبّاً له ولأبيه .

وذلك باستعماله :هذه الآية الكريمة ، وأخذ بها ، و { مبصرون } هنا من البصيرة لا من البصر[150] .

يا طيب : الرواية في البحر المحيط حكاه بن عساكر في تأريخ دمشق في الحديث السابق ، وذكر ما لم يذكره هنا ، وهما أحداهما تتم الأخرى ، فتعرفنا إن بن المصطلق لما يكنه للإمام في قلبه من حرب صفين تحامل عليه ، لكنه لما عرفه الإمام شيء من حقه رق ، وتحول من العداء إلى الموالاة ، وعرف أنه كان ظالم له في حربه له والآن .

وأما القدر : فإنه صحيح أن كل شيء بقضاء وقدر ، لكن للإنسان أن يختار ما يشاء ، فإن الله قضى على الإنسان أن يحمله ما يختاره ، وبعد أن مكنه منه ، وليس في كلام الإمام الحوالة على القدر مطلقا ، وإن كان في كلامه فهو يشير إن قدر له ما أختاره ، فالآن فهو في الاختيار أيضا ، فيمكنه أن يخرج من ذل طاعة الشيطان وحزبه ويرجع لأهل الإيمان وأهل ولاية الرحمن ، ويبصر الحق وأهله عند الحسين وآله .

ويا طيب : الظاهر من القصة ، إنه بمجرد رؤيته للحسين بدون تعمق في له البصر ، ثار له الحسد والغيظ الذي كان يكنه له ، ولكنه بمجرد الكلام معه والتعمق بطلعته البهية ونور الإيمان المتجلي منه ، تحول نظره له ، ولعله كان بذرة طيبة مخفية فيه فظهرت .

 


 

الإشعاع الثاني :

قصتان في عفو الإمام الحسين وصفحه وكرمه على غلمانه وجواريه :

يا طيب : لكي نتعرف على خصال أل محمد عليهم السلام ، فنتعلق بها ونحتسبها بأحسن التقييم وأجمل التقدير، ونعترف لهم بالعفو والفضيلة وكل الخصال الحميدة، نذكر حديث شريف يعرفنا بعض صفاتهم ، ثم نذكر قصة كريمة للإمام الحسين في بيان العفو :

عن ابن مسكان عن أبي عبد الله لصادق عليه السلام قال :

نحن أصل كل خير : و من فروعنا كل بر ، فمن البر :

التوحيد : و الصلاة ، و الصيام ، و كظم الغيظ .

و العفو : عن المسي‏ء ، ورحمة الفقير ، وتعهد الجار ، والإقرار بالفضل لأهله .

و عدونا أصل كل شر : و من فروعهم كل قبيح و فاحشة ، فمنهم :

الكذب : و البخل ، و النميمة ، و القطيعة ، و أكل الربا ، و أكل مال اليتيم بغير حقه ، و تعدي الحدود التي أمر الله ، و ركوب الفواحش ما ظهر منها و ما بطن ، و الزنا ، و السرقة ، و كل ما وافق ذلك من القبيح .

فكذب : من زعم أنه معنا ، و هو متعلق بفروع غيرنا[151] .

 


 

وأما عفو الإمام وكرمه على غلام له فقد روي عن الإمام الحسين عليه السلام:

جنى له غلام : جناية توجب العقاب عليه ، فأمر به أن يضرب .

فقال : يا مولاي ، وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ .

قال : أخلوا عنه .

فقال : يا مولاي ، وَ الْعافِينَ عَنِ النَّاسِ .

قال‏ : قد عفوت عنك .

قال : يا مولاي ، وَ اللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ .

قال : أنت حر لوجه الله ، و لك ضعف ما كنت أعطيك [152].

يا طيب : هذا كلام من نص كلام الله في كتابه وهو :

{ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ

 وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ  وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ  وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)

وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ   ذَكَرُوا اللَّهَ  فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ  وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ  وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135)

أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) } آل عمران .

وفيه معرفة : من غلام تربى عند الإمام الحسين عليه السلام ، بوجه الخلاص من التقصير بالتوبة والطلب من كريم بما كرمه الله من معارف الإيمان ، فعرف الإمام بالكرم فطلب منه كظم الغيظ ثم العفو ثم الإحسان ، والإمام لمعرفته بحقائق خصال الدين أكرمه.

 

وأما الكرم الآخر للإمام قال أنس : كنت عند الحسين عليه السلام :

 فدخلت : عليه جارية ، فحيته بطاقة ريحان .

فقال له : أنت حرة لوجه الله .

 فقلت : تحييك بطاقة ريحان لا خطر لها ، فتعتقها ؟

قال عليه السلام : كذا أدبنا الله ، قال الله تعالى :

{ وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86) } النساء .

و كان : أحسن منها عتقها[153] .

فإنه سيد المتقين : يقدر لكل فاضل فضله ، ولكل معروف شأنه ، فتدبر ما يأتي :

 


 

الإشراق الرابع :

كرم الإمام الحسين عليه السلام وجوده  :

يا طيب : الكرم يكون من كرام الناس ومن يكون طيب في ذاته وطاهر في نفسه ، لأنهم ينفقون بنية صافية ويطلبون رضا الله ، وليس فيه توقع مجازات من الغير ، ولا لهم به منة ولا تكبر على الغير ، وهذه لا يكون إلا في نفوس متعالية ولها أصول طيبة ، وأرواح طاهرة ، فتصدق فيما تفعل من الإحسان وطلب رضا الرحمن .

ويا طيب : لا يكون الكرم كرم والإحسان إحسان ولا المعروف معروف إذا كان العطاء لمن يزيد شره ويصرفه في خبيث ويريد به السيئ من الأعمال ، وما عرفت أن المعروف يصيب البر والفاجر ، فهو قد يتظاهر إنسان أمامك بأنه خير أو بالمسكنة والصلاح ولكنه بعد حصوله على بر الناس ينكص على عقبه وينفقه فيما ليس فيه رضا الله سبحانه ، ولا ملامة على المعطي بعد أن عمل بالظاهر من الصلاح .

ولذا جاء عن مفضل بن عمر قال : قال أبو عبد الله عليه السلام : يا مفضل :

إذا أردت : أن تعلم إلى خير يصير الرجل أم إلى شر ، انظر أين يضع معروفه .

فإن كان : يضع معروفه عند أهله ، فاعلم أنه يصير إلى خير .

و إن كان : يضع معروفه عند غير أهله، فاعلم أنه ليس له في الآخرة من خلاق[154].

ولذا يا طيب : ترى إن الإمام الحسين عليه السلام مع حثه على المسابقة للخيرات وطلب المسارعة في عمل البر ، إلا أن يتثبت في معروف من لم تكن به معرفة سابقة ، فيعرف فضله ويجود عليه بقدر معرفته وكرامة وجوده ومعرفته بهدى الدين ومعارف رب العلمين ، ثم لما يعرف فضله يكرمه فوق ما يتوقعه منه ، وقد عرفت عفوه عليه السلام ولتلاوة آية ثم تكريمه بضعف ما كان ينفق عليه ، أو تحيته لمن حياه بما فيه حريته ، والآن نتدبر أحاديث في جوده وكرمه بما يعرفنا ، فضله وكرمه للمؤمنين وفق هدى الدين :

 


 

الإشعاع الأول :

المعروف على قدر المعرفة وكرمه لإعرابي عارف :

يا طيب : ترى أن من يتقدم للقرب من أهل البيت ويطلب حاجة منهم ، ترى فيهم بذرة طيبة من كرامة النفس ، فيعرفون ممن يطلبون وما يقولون ، وقد عرفت قصص كرمه فيما سبق في مصباح الهدى عن قصة صافي وجوده عليه ، أو أكل لقمة وجدها حين الكلام عن أكله وشربه عليه السلام ، وغيرها مما عرفت في مشارق هذا الذكر .

نذكر الآن : قصة لأعرابي عارف بمحل الكرم، وقاصد لأهل الجود والحسن ، وعن معرفة ودراية تدل على معالي العلم والإيمان ، والتولي لأولياء الرحمان ، وقصده لسيد الكون في زمانه ويطلب منه الإحسان.

فيكرمه : الإمام الحسين عليه السلام على قدر معرفته ، وقد حكيت القصة : في كثير من الكتب بأساليب متعددة ، وقد تكون نفسها قصص متعددة ، فلذا نذكر بعضها ، ونذكر ما لم يذكر فيما في القصة الأصل لإكرام وجودالإمام .

قال الفخر الرازي في تفسيره :

أعرابي قصد : الحسين بن علي رضي الله عنهم ، فسلم عليه ، وسأله حاجة .

وقال : سمعت جدك يقول :

إذا سألتم حاجة : فاسألوها من أحد أربعة :

إما عربي شريف ، أو مولى كريم .

 أو حامل القرآن ، أو صاحب وجه صبيح .

فأما العرب : فشرفت بجدك ، وأما الكرم : فدأبكم وسيرتكم ، وأما القرآن : ففي بيوتكم نزل ، وأما الوجه الصبيح : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : إذا أردتم أن تنظروا إليّ فانظروا إلى الحسن والحسين .

 فقال الحسين : ما حاجتك ؟ فكتبها : على الأرض .

فقال الحسين : سمعت أبي علياً يقول :

قيمة كل امرئ ما يحسنه .

وسمعت جدي يقول :

المعروف بقدر المعرفة .

فأسألك عن ثلاث مسائل : إن أحسنت في جواب واحدة فلك ثلث ما عندي ، وإن أجبت عن اثنتين فلك ثلثا ما عندي ، وإن أجبت عن الثلاث فلك كل ما عندي ، وقد حمل إليّ صرة مختومة من العراق .

فقال : سل ولا حول ولا قوة إلا بالله .

فقال : أي الأعمال أفضل ؟

قال الأعرابي : الإيمان بالله .

قال : فما نجاة العبد من الهلكة ؟

قال : الثقة بالله .

قال : فما يزين المرء ؟

 قال : علم معه حلم .

قال : فإن أخطأه ذلك ؟

قال : فمال معه كرم .

 قال : فإن أخطأه ذلك ؟

قال : ففقر معه صبر .

 قال : فإن أخطأه ذلك ؟

قال : فصاعقة تنزل من السماء فتحرقه .

فضحك الحسين : ورمى بالصرة إليه[155] .

ويا طيب : ذكر الزمخشري ، رمى الصرة إليه ، وفيها ألف دينا ، وأعطاه خاتمه وفيه فص قيمته مائة درهم .

 وقال : يا إعرابي أعط الذهب إلى غرمائك ، واصرف الخاتم في نفقتك ، فأخذ ذلك الإعرابي ، وقال : الله أعلم حيث يجعل رسالته .

 


 

الإشعاع الثاني :

إعرابي يقصد الإمام الحسين عليه السلام لدية عليه :

يا طيب : هذه القصة في الكرم لإعرابي عارف آخر تشابه القصة من حيث أن الإمام أعطى بعد سؤال عن معرفة ، لكنها فيها اختلاف كثير من حيث السؤال والجواب ، ومن ثم هنا أنه سأل قبل الإمام من سأل ثم قصده ، ثم أنه أعطاه الإمام الحسين عليه السلام ابتداء ما كان بيده ، وكان في تلك القصة أنه جاءه مال من العراق ، وليس في القصة الآتية لذكرها ، ثم أنه هنا أعطاه مائتين دينار ، وهناك صرة جاءت من العراق ، وهنا أعطاه فيما يأتي خاتمه وسيفه ، وهناك في القصة السابقة ليس لهما ذكر إلا الخاتم عند الخوارزمي .

وكل هذا يا طيب : يدل على أن هذه القصة غير القصة السابقة ، وأنه سؤال من عارف بأهل زمانه آخر غير الأول حتما ، فتدبر :

ذكر الزمخشري في مقتل الإمام الحسين عليه السلام روي :

أن أعرابيا : من البادية قصد الحسين عليه السلام فسلم عليه فرد عليه السلام .

 و قال : يا أعرابي فيم قصدتنا ؟ قال: قصدتك في دية مسلمة إلى أهلها .

 قال عليه السلام : أقصدت أحدا قبلي ؟

قال : عتبة بن أبي سفيان ، فأعطاني خمسين دينارا ، فرددتها عليه ، وقلت: لأقصدن من هو خير منك وأكرم ، فقال عتبة : ومن هو خير مني وأكرم لا ام لك ؟

 فقلت : إما الحسين بن علي ، وإما عبد الله بن جعفر .

 وقد أتيتك بدء : لتقيم بها عمود ظهري ، وتردني إلى أهلي .

فقال الحسين : والذي فلق الحبة ، وبرء النسمة ، وتجلى بالعظمة .

ما في ملك : ابن بنت نبيك ، إلا مائتا دينار ، فاعطه إياها يا غلام .

 واني أسألك : عن ثلاث خصال ، إن أنت أجبتني عنها أتممتها خمسمائة دينار .

فقال الأعرابي : أكل ذلك احتياجا إلى علمي .

أنتم : أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومختلف الملائكة .

 فقال الحسين عليه السلام : لا ، ولكن سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

أعطوا المعروف بقدر المعرفة .

 فقال الأعرابي : فسل ، ولاحول ولا قوة إلا بالله .

فقال الحسين : ما أنجى من الهلكة ؟

فقال : التوكل على الله .

فقال : ما اروح للمهم ؟

 قال : الثقة بالله .

فقال : أي شيء خير للعبد في حياته ؟

قال : عقل يزينه حلم .

 فقال : فإن خانه ذلك ؟

قال: مال يزينه سخاء وسعة .

فقال : فإن أخطأه ذلك ؟

قال : الموت و الفناء ، خير له من الحياة والبقاء .

 قال : فناوله الحسين خاتمه ، وقال : بعه بمائة دينار.

وناوله : سيفه ، وقال: بعه مائتي دينار .

واذهب : فقد أتممت لك خمسمائة دينار .

 فأنشأ الأعرابي يقول[156]:

قلقتُ  و ما هاجني مقلق      و ما بي سقام و لا موبق

و لكن طربت لآل الرسول     ففاجائني  الشعر و المنطق

فأنت الهمام و بدر الظلام     و معطي الأنام إذا  املقوا

أبوك الذي فاز بالمكرمات     فقصر  عن وصفه  السبق

وأنت سبقت إلى الطيبات     فأنت  الجواد و ما  تلحق

بكم فتح الله باب  الهدى     و باب الضلال بكم مغلق

 


 

 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسين يقضي حاجة رجل من الأنصار ويعلمه معرفة قيمة :

وروي أنه جاء الإمام الحسين :

رجل من الأنصار : يريد أن يسأله حاجة.

فقال عليه السلام :

يا أخا الأنصار: صن وجهك عن بذلة المسألة .

وارفع حاجتك : في رقعة ، فإني آت فيها ما سارك إن شاء الله .

فكتب : يا أبا عبد الله ، إن لفلان علي خمسمائة دينار .

 وقد ألح بي : فكلمه ينظرني إلى ميسرة .

 فلما قر أ: الحسين عليه السلام الرقعة دخل إلى منزله .

 فأخرج صرة : فيها ألف دينار .

وقال عليه السلام له :

أما خمسمائة : فاقض بها دينك .

وأما خمسمائة : فاستعن بها على دهرك .

ولا ترفع حاجتك إلا إلى أحد ثلاثة :

إلى ذي دين ، أو مروءة ، أو حسب .

 فأما ذو الدين : فيصون دينه .

وأما ذو المروءة : فإنه يستحيي لمروءته .

 وأما ذو الحسب : فيعلم أنك لم تكرم وجهك أن تبذله له في حاجتك .

 فهو : يصون وجهك أن يردك بغير قضاء حاجتك [157].

 


 

 

الإشعاع الرابع :

قصص عن كرم وتصدق الإمام  وإعطائه بعد السؤال فيعترف له بالعلم:

عن  يحيى بن يعلى  عن يونس بن خباب عن مجاهد قال :

 جاء رجل : إلى الحسن والحسين ، فسألهما .

فقالا : إن المسألة لا تصلح إلا لثلاثة :

 لحاجة : مجحفة ، أو لحمالة مثقلة ، أو دين فادح ، فأعطياه .

ثم أتى : ابن عمر فأعطاه ولم يسأله .

فقال له الرجل : أتيت ابني عمك فسألاني ، وأنت لم تسألني .فقال ابن عمر :

ابنا رسول الله :

 إنهما كانا يغران.

 بالعلم غرا

   [158].

الجحف : أمور من نوائب الدهر وحوداثه تأخذ الأموال فتجعل صاحبها محتاجا ، والحمالة : بفتح الحاء ما يتحمله الرجل عن قوم من الدية والغرامة ، مثل أن تقع حرب بين فريقين تسفك فيها الدماء ، فيدخل رجل بينهم فيتحمل ديات القتلى ليصلح بينهم الفادح: الثقيل الذي لا يتحمل ، يغران: أي كانا يلقمان العلم ويزقان كما تزق الأفراخ.

 


 

وأتاه رجل فسأله فقال عليه السلام :

إن المسألة : لا تصلح ، إلا في غرم فادح ، أو فقر مدقع ، أو حمالة مقطعة .

 فقال الرجل : ما جئت إلا في إحداهن .

فأمر له : بمائة دينار [159].

الغرم : أداء شيء لازم ، وما يلزم أداؤه ، والضرر والمشقة . والفادح : الصعب المثقل . والمدقع : الملصق بالتراب . والحمالة : الدية والغرامة والكفالة ، ومقطعة : أي تجعل الغريم أو الأحوال تطالبه بحقوقها بشدة حتى تقطعه عن أسباب العيش الكريم . 

 


 

 

الإشعاع الخامس  :

قصص في كرم بني هاشم وبالخصوص إمامي الهدى الحسن والحسين :

يا طيب : كان زيد يعد من بني هاشم لولائه ، ولكرمه استدان والإمام يقض دينه :

عن عمرو بن دينار قال : دخل الحسين عليه السلام:

على أسامة بن زيد : وهو مريض ، وهو يقول : وا غماه .

 فقال له الحسين عليه السلام : وما غمك يا أخي ؟

 قال : ديني وهو ستون ألف درهم .

 فقال الحسين : هو عليَّ .

قال : إني أخشى أن أموت .

فقال الحسين : لن تموت حتى أقضيها عنك ، قال : فقضاها قبل موته [160].

 


 

وقال في الجوهرة : وكان الحسن والحسين رضي الله عنهم : من أجواد الإسلام .

ولهما :ولعبد الله جعفر ولعبيد الله بن عباس ولسعيد بن العاصي ، أخبار مأثورة ، عزيزة الوجود في المبِّرزينَ في الجود[161] .

 


 

وقال البيهقي : وذكروا أن رجلين ، أحدهما من بني هاشم ، والآخر من بني أمية .

قال هذا : قومي أسمح ، وقال هذا : قومي أسمح .

 قال : فسل أنت عشرة من قومك ، وأنا أسأل عشرة من قومي .

فانطلق : صاحب بني أمية فسأل عشرة ، فأعطاه كل واحد منهم عشرة آلاف درهم .

وانطلق : صاحب بني هاشم إلى الحسن بن علي ، رضي الله عنه ، فأمر له بمائة وخمسين ألف درهم .

ثم أتى الحسين عليه السلام ، فقال : هل بدأت بأحد قبلي ؟

قال : بدأت بالحسن ، قال: ما كنت أستطيع أن أزيد على سيدي شيئاً ، فأعطاه مائة وخمسين ألفاً من الدراهم .

فجاء صاحب بني أمية : فحمل مائة ألف درهم من عشرة أنفس .

وجاء صاحب بني هاشم : فحمل ثلاثمائة ألف درهم من نفسين .

فغضب صاحب بني أمية : فردها عليهم ، فقبلوها .

وجاء صاحب بني هاشم : فردها عليهما ، فأبيا أن يقبلاها .

وقالا : ما كنا نبالي أخذتها أم ألقيتها في الطريق [162].

 


 

حدثني عباس بن هشام عن أبيه عن جده عن أبي صالح عن رجل من أهل المدينة :

قال : كنت عند الحسين بن علي، فأتاه رجل ، فقال له: من أين أقبلت؟

 قال : من عند عبد الله بن عباس ، فأطعم طعامه ، وأطيب كلامه .

 فقال الحسين : إن أباه كان سيد قريش غير مدافع .

 وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

 يا بني هاشم : أطعموا الطعام ، وأطيبوا الكلام.

 فأخذها والله : العباس وولده[163].

 


 

عن أبي عتاب الدلال عن عمرو بن ثابت عن حبيب بن أبي ثابت قال :

 صنعت امرأة من نساء الحسين: طعاما في بعض أرضه، فطعم ثم رفع الطعام .

فجاء مولى له : فدعا بالطعام .

فقال : يا أبا عبد الله لا أريده .

قال : لم ؟ قال : أكلنا قبيل عند عبيد الله بن عباس .فقال الحسين : إن أباه كان سيد قريش .

 إن رسول الله صلى الله عليه وآله سلم قال :

 يا بني عبد المطلب :أطعموا الطعام وأطيبوا الكلام [164].

 


 

وعن علي بن محمد النوفلي عن أبيه عن مشايخه قال : كانت بين الزبير بن العوام ، وبين عبد الله بن جعفر ضيعة بالقرب من المدينة ، فلما قتل الزبير ، سأل عبد الله بن الزبير ابن جعفر أن يقاسمه ، فأجابه إلى ذلك ، ووعده البكور معه إليها.

 ومضى ابن الزبير : إلى الحسن والحسين، وعبيد الله بن العباس وإلى جماعة من أبناء المهاجرين والأنصار ، فسألهم أن يحضروا ما بينه وبين ابن جعفر .

 فأجابوه : وغدوا لميعاده ، ووافاهم ابن جعفر .

وجاء : ابن الزبير معه بجزور ودقيقه ، وقال لوكيله : أنخ الجزور ناحية واستر أمرها ولا تحدثن فيها حدثا حتى آمرك ، فإني لا آمن انتقاض هذا الأمر بيني وبين ابن جعفر .

ثم سأل القوم : أن يسألوا عبد الله بن جعفر أخذ الغامر من الضيعة وتسليم العامر له ، فكلموه ، فأجابهم إلى ذلك .

 وجاع القوم : حتى تشاكوا الجوع .

 فقال الحسن بن علي : لو كانت البراذين تؤكل أطعمتكم برذوني .

وقال الحسين : لو كانت البغال تؤكل أطعمتكم بغلي .

 فقال عبيد الله بن العباس: لكن البخاتي تؤكل ، وكان تحته بختية قد ريضت فأنجبت فنهض إليها فكشط عنها رحلها ، وأخذ سيفه فوجأ به لبتها.

 ونهض الناس: إليها ، بكسر المرو والسكاكين وغير ذلك يسلخونها ، وأخذوا لحمها وأوقدوا سعف النخل[165] .


 


[127]الأمالي ‏للطوسي ص248ج9م9ح 438-30 .

[128]الأمالي ‏للطوسي ص368م13ح783-34 .

[129]الأمالي‏ للطوسي ص251م9ح 447-39 .

[130] تفسير فرات ‏الكوفي ص86 و من سورة آل عمران ح 86-  63 .

[131] الكافي ج1ص208ح1 ، ح2.

[132] الكافي ج1ص398ح2 .

[133]الكافي ج1ص100ح2 وص20 جنود العقل والجهل

[134] الكافي ج6ص389ح3 باب المياه المنهي عنها ، وسائل ‏الشيعة ج25ص269ب24ح31885 ، بحار الأنوار ج43ص320ب13ح3 ، ج63ص480ب4 . وقال المجلسي في البحار : و أقول : لما آسفه ، إشارة إلى قوله تعالى : { فَلَمَّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ } يقال : آسفه : أي أغضبه . { بِماءٍ مُنْهَمِرٍ } أي منصب بلا قطر ، و الخطاب إليها ، و عدم قبولها الولاية : إما بأن أودع الله فيها في تلك الحال ما تفهم به الخطاب ، أو استعارة تمثيلية لبيان عدم قابليتها لترتب خير عليها و رداءة أصلها ، فإن للأشياء الطيبة مناسبة واقعية بعضها لبعض ، و كذا الأشياء الخبيثة ، و قد مضى تحقيق ذلك في مجلدات الإمامة .

[135] الكافي ج7ص186ح1 .

[136] تحف ‏العقول ص246 . بحار الأنوار ج75ص117ب20ح2 . أسدى إليه : أحسن إليه . والوابل : المطر الشديد . 

[137] التذكرة الحمدونية ج1ص68 .

[138]أعلام‏ الدين ص298. بحار الأنوار ج75ص127ب20ح11,

[139]  كشف الغمة : ج 2 ص 207 و 208 ، بحار الأنوار  ج44ص195ب26ح9 .

[140] بحار الأنوار الجزء75ص126ب20ح9 عن الدرة الباهرة مخطوط .

[141] مستدرك ‏الوسائل ج7ص203ب20ح8035-  13 .

[142] التذكرة الحمدونية ج1ص95 .

[143] التذكرة الحمدونية ج1ص99 . يحتال بما فيه الصبر وكظم الغيظ وما يخرج من الغصة بالحلال الحق.

[144] مجموعة ورام ج2ص29 .

[145] مستدرك‏ الوسائل ج11ص218ب11ح12793-  15 .

[146] كشف‏ الغمة ج2ص29ف8 ، بحار الأنوار ج75ص121ب20ح4 ، أعلام‏الدين ص298. التذكرة الحمدونية ج1ص21 . وفيهما قسم من الخطبة وبدل تحور نقما ، تتحول إلى غيركم . وكلمة يفوق العالمين منه ، وبدل مشوها فيه مشئوما .

[147]الجعفريات ص182 .

[148] الكافي ج2ص112ح4 ، ح8 ، ح9 .

[149] تاريخ دمشق ج43ص224رقم 5078 . مختصر تاريخ دمشق ج5ص474 . والشنشنة : الطبيعة والسجية ، وهو أن رجل اسمه أخزم عق أبيه فعقه أبنائه ، فكانت طبيعة فيهم ورثوها منه .

[150] البحر المحيط ج6ص32 .

[151] الكافي ج8ص242ح336 .

[152] كشف‏ الغمة ج2ص31ف8 . نثر الدر ج1ص68  بحار الأنوار  ج44ص195ب26ح9 . التذكرة الحمدونية ج1ص189 .

[153] كشف‏ الغمة ج2ص31 ف8. المناقب ج4ص18 . بحار الأنوار ج44ص195ب26ح8 .

[154] الكافي ج4ص31ح2 .

[155] تفسير الرازي ج1ص479 . تفسير النيسابوري ج1ص169 . المقتل للخوارزمي ج1ص225 .

[156]مقتل الإمام الحسين للخوارزمي ج1ص224ح32 .

[157] تحف ‏العقول ص247 . بحار الأنوار ج75ص118ب20ح2 .

[158]  تاريخ دمشق ج14ص174.

[159] تحف ‏العقول ص246 . بحار الأنوار ج75ص118ب20ح2 . 

[160] مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 65 و 66 ، بحار الأنوار ج40ب26ص189ح2 .

[161] الجوهرة في نسب النبي وأصحابه العشرة ج1ص283 .

[162] المحاسن والمساوئ للبيهقي ج1ص25 . الفاضل ج1ص9 . الجليس الصالح والأنيس الناصح للنهرواني ج1ص55 .والقصة ذكرها متقاربه ذكرناها بأسلوبه في صحيفة الإمام الحسن عليه السلام .

[163] أنساب الأشراف ج1ص452.

[164] المعجم الكبير ج3ص135ح 2911 . المعجم الأوسط للطبراني ج4ص487ح2028.

[165] أنساب الأشراف ج1ص470 .

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com