بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
موسـوعة صحف الطيبين في      أصول الدين وسيرة المعصومين

صحيفة
نور الإمام الحسين عليه السلام الجزء الخامس
سيادته وخلقه وأخلاقه وعبادته ودعائه ومعجزاته وحكمه وشعره

المجلس الأول

تجلي سيادته في خلقه وصفاته ومكارم أخلاقه

الذكر الثاني

خلق وأخلاق الإمام الحسين الذاتية وحلمه وتواضعه وعفته وكرمه


الإشراق الخامس  :

سعي الإمام لقضاء حوائج المسلمين وحب المساكين وتسهيل أمورهم :

قد عرفت يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام قال :

اعلموا : أن حوائج الناس إليكم ، من نعم الله عليكم .

فلا تملوا : النعم ، فتتحول إلى غيركم ، و اعلموا أن المعروف مكسب حمدا ...[166].

ومن النعم : التي يستحب للمؤمن مباشرتها هي قضاء حوائج الأخوان ،  وإدخال السرور عليهم ، وترى هنا قصص كريمة عن الإمام الحسين فيها يقضي حوائج مسلمين ويدخل عليهم السرور ، وقبل ذكرها نذكر بعض الأحاديث في ثواب هذا المعنى :

عن معمر بن خلاد قال : سمعت أبا الحسن عليه السلام يقول :

إن لله : عبادا في الأرض :

يسعون : في حوائج الناس ، هم الآمنون يوم القيامة .

و من أدخل: على مؤمن سرورا ، فرح الله قلبه يوم القيامة[167].

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :أيما رجل من شيعتنا :

 أتى رجل : من إخوانه ، فاستعان به في حاجته ، فلم يعنه و هو يقدر .

إلا ابتلاه الله : بأن يقضي حوائج غيره من أعدائنا  يعذبه الله عليها يوم القيامة[168].

وعن جابر عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال :

تبسم الرجل في وجه أخيه حسنة ، و صرف القذى عنه حسنة .

و ما عبد الله بشي‏ء : أحب إلى الله من إدخال السرور على المؤمن[169] .

 


 

الإشعاع الأول :

الإمام الحسين يسعى لتزوج قيس من لبنى :

يا طيب : هذه قصة لطيفة ، فيها سعي الإمام الحسين لقضاء حاجة مؤمنين ، وإدخالهم في أحسن السرور وأجمل الفرح :

قال في الأغاني : أخبرنا بخبر قيس ولبنى امرأته جماعةٌ من مشايخنا في قصص متصلة ومنقطة وأخبار منثورة ومنظومةٍ ، فألفت ذلك أجمع ليتسق حديثه ، إلا ما جاء مفرداً وعسر إخراجه عن جملة النظم فذكرته على حدة .

 فذكر يا طيب : عدة أسانيد لهذه القصة ، ثم قال : قالوا جميعاً :

 كان منزل قوم قيس : في ظاهر المدينة ، وكان هو وأبوه من حاضرة المدينة .

 وذكر خالد بن كلثوم : أن منزله كان بسرف ، واحتج بقوله :

الحمد لله قد أمست مجاورةً      أهل العقيق وأمسينا على سرف

قالوا : فمر قيس لبعض حاجته بخيام بني كعب بن خزاعة ، فوقف على خيمة منها ، والحي خلوف أي خرج الرجال للبر وبقيت النساء.

 والخيمة : خيمة لبنى بنت الحباب الكعبية ، فاستسقى ماءً ، فسقته وخرجت إليه به ، وكانت امرأةً مديدة القامة شهلاء حلوة المنظر والكلام .

 فلما رآه : وقعت في نفسه ، وشرب الماء .

فقالت له : أتنزل فتتبرد عندنا ؟

قال : نعم ، فنزل بهم ، وجاء أبوها فنحر له وأكرمه .

فانصرف قيس : وفي قلبه من لبنى حرٌ لا يطفأ ، فجعل ينطق بالشعر فيها حتى شاع وروي .

 ثم أتاها يوماً آخر : وقد اشتد وجده بها ، فسلم ، فظهرت له وردت سلامه وتحفت به ؛ فشكا إليها ما يجد بها وما يلقى من حبها ، وشكت إليه مثل ذلك فأطالت ؛ وعرف كل واحد منهما ما له عند صاحبه .

 فانصرف إلى أبيه : وأعلمه حاله ، وسأله أن يزوجه إياها ، فأبى عليه .

وقال: يا بني ، عليك بإحدى بنات عمك ، فهن أحق بك ، وكان ذريح كثير المال موسراً ، فأحب ألا يخرج ابنه إلى غريبة ، فانصرف قيس وقد ساءه ما خاطبه أبوه به ، فأتى أمه فشكا ذلك إليها واستعان بها على أبيه ، فلم يجد عندها ما يحب .

فأتى : الحسين بن علي بن أبي طالب ، وابن أبي عتيق ، فشكا إليهما ما به وما رد عليه أبوه .

 فقال له الحسين : أنا أكفيك .

فمشى معه إلى أبي لبنى : فلما بصر به ، أعظمه ووثب إليه .

وقال له  : يا بن رسول الله ، ما جاء بك ؟ ألا بعثت إلي فأتيتك !

قال : إن الذي جئت فيه يوجب قصدك .

 وقد جئتك : خاطباً ابنتك لبنى ، لقيس بن ذريح .

 فقال : يا بن رسول الله ، ما كنا لنعصي لك أمراً ، وما بنا عن الفتى رغبة ، ولكن أحب الأمر إلينا أن يخطبها ذريح أبوه علينا ، وأن يكون ذلك عن أمره ، فإنا نخاف إن لم يسع أبوه في هذا أن يكون عاراً وسبةً علينا .

فأتى الحسين رضي الله عنه ذريحا ً: وقومه وهم مجتمعون ، فقاموا إليه إعظاماً له .

وقالوا له : مثل قول الخزاعيين .

فقال لذريح : أقسمت عليك إلا خطبت لبنى لابنك قيس .

قال : السمع والطاعة لأمرك ، فخرج معه في وجوه من قومه حتى أتوا لبنى ، فخطبها ذريحٌ على ابنه إلى أبيها فزوجه إياها ، وزفت إليه بعد ذلك[170].

يا طيب : القصة طويلة بعد ذلك تحكي حياتهم ، وفيها شعر كثير لا علاقة له بما نحن فيه من ذكر قصص كرم الإمام الحسين عليه السلام وجوده فتركناها .

 


 

 

 

الإشعاع الثاني :

قصص لإدخال السرور على المؤمنين وحبه للمساكين وأدب المجالسة :

يا طيب : هنا نذكر عدة قصص قصيرة في إدخال الإمام الحسين عليه السلام السرور على المؤمنين ، وتفريح عباد الله المستضعفين ، وحبه للمساكين ودعوتهم ، وأدب المجالسة ، ولطيفة له مع أشعب ، فتابعها :

 


الإمام بكرمه يدخل سرورا على مسلم ويسلم يهودي وامرأته :

يا طيب : روي عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال :

صح عندي : قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

أفضل الأعمال : بعد الصلاة .

 إدخال السرور : في قلب المؤمن ، بما لا إثم فيه .

فإني رأيت : غلاما يؤاكل كلبا ، فقلت له : في ذلك .

فقال : يا ابن رسول الله ، إني مغموم .

أطلب : سرورا بسروره ، لأن صاحبي يهودي أريد أفارقه .

فأتى الحسين عليه السلام : إلى صاحبه بمائتي دينار ثمنا له .

فقال اليهودي : الغلام فدى لخطاك ، و هذا البستان له ، و رددت عليك المال .

فقال عليه السلام : و أنا قد وهبت لك المال .

فقال : قبلت المال و وهبته للغلام .

فقال الحسين : أعتقت الغلام و وهبته له جميعا .

فقالت امرأته : قد أسلمت ، و وهبت زوجي مهري .

فقال اليهودي : و أنا أيضا أسلمت ، و أعطيتها هذه الدار [171].

 


الإمام يجيب دعوة مساكين ويجالسهم ويدعوهم لبيته :

عن مسعدة بن صدقة قال : مر الحسين بن علي عليه السلام بمساكين .

قد بسطوا  :كساء لهم ، فألقوا عليه كسرا .

فقالوا : هلم يا ابن رسول الله .

فثنى وركه : فأكل معهم ، ثم تلا :

 { إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23)} النحل .

ثم قال : قد أجبتكم فأجيبوني .

 قالوا : نعم يا ابن رسول الله ، و نعمى عين ، فقاموا معه حتى أتوا منزله .

فقال للرباب : أخرجي ما كنت تدخرين[172] .

وقال في المناقب: ذكر القصة وقال :

ثم قال : قوموا إلى منزلي .

 فأطعمهم : و كساهم ، و أمر لهم بدراهم [173] .

 


يجالس مسلم ويتأدب أشعب وأدب فراق المجلس :

قال المدائني: دخل أشعب على الحسين بن علي رضي الله عنهما .

وعنده أعرابي :قبيح المنظر، مختلف الخلقة.

 فسبح أشعب : حين رآه .

وقال للحسين : بأبي أنت وأمي ، أتأذن لي أن أسلح عليه ؟

فقال: إن شئت .

ومع الأعرابي : قوس وكنانة ، ففوق نحوه سهماً .

وقال : والله لئن فعلت ، لتكونن آخر سلحة سلحتها .

فقال أشعب للحسين : جعلت فداك، أخذني القولنج[174] .

يا طيب : عمل أشعب أمام الإعرابي عند الإمام غير مناسب وليس من الأدب ، ولكنه لما طلب أن يسلح على الإعرابي ليهزأ به حين يشهر سلاحه عليه بعد أن سبح منتقصا منه غير مراعي لأدب المجلس .

أجازه الإمام عليه السلام : لمعرفته بصاحبه الإعرابي ، وما عنده من الهمة والشهامة والفتوة والعزة ، في عدم تجويز لأحد أن يسخر به ، ويشهر سلاحه عليه .

 فحين الإجازة لأشعب : عرف الإعرابي إشارة من الإمام حين تجويزه لأشعب ، وأن له جائز أن يسلح هو أيضا ،  كما يسلح أشعب عليه ، وبأنه أيضا يحق له أن يشهر سلاحه على أشعب ، فبادر الإعرابي مسرعا بأشهر سلاحه مما خاف أشعب جدا ، وقال الإعرابي كلمته التي تبين قوة همته وشهامته : بأنه يكون أخر حركة له في حياته إن أسلح عليه ، فرد كيد الكايد في نحره بل وبطنه ، ورجع أشعب منتقصا لنفسه ومبينا لقلة همته وعدم استطاعته العمل بقوله وأخذه القولنج ، وكان البادي أظلم .

 


وأما الحديث الثاني : فهو في أدب المجالسة

وجلس رجل إلى الحسين بن علي عليهما السلام.

 فقال له الحسين: إنك جلست إلينا ، ونحن نريد القيام ، أفتأذن ؟ [175] .

وهذا الأدب يا طيب : نحتاجه حين يصادفنا مثله ، فنستأذن ونقوم بلا إحراج.

 


 

 

الإشراق السادس :

تواضع الإمام الحسين مع رفعته وعلو شأنه :

يا طيب : التواضع من أسس أخلاق المؤمنين وآداب تعاليم رب العلمين ، وسنرى في هذا الإشراق بعض ما روي عن تواضع الإمام الحسين عليه السلام ، فإنه كان يحمل الطعام إلى الفقراء حتى وجد على ظهره أثره حين شهادته ، وأنه كان يعفو عمن جاء لظلمه ويسقيه الماء ، وما عرفت من مجالسته للمساكين وللإعرابي ، ومن عتقه لجاني وجاريته ، فكلها وإن كانت تحكي عن كرمه وجوده ، فهي بيان لتواضعه مع ما له من الشأن الكريم والمقام العالي والسيادة التامة الحقة .

ويا طيب : إن تواضع الإمام هو من حقائق بيان سيادته عليه السلام ، لأنه يهب بكل تصرف له العلم مع التقى ، ومن التقى التواضع لله سبحانه وعدم التكبر ويحب للغير ما يحب لنفسه ، وقبل أن ندخل بقصص الموضوع نذكر بعض الأحاديث :

وعن الحسن بن الجهم قال : قلت للرضا عليه السلام : ما حد التواضع الذي إذا فعله العبد كان متواضعا ؟  فقال : التواضع درجات :

 منها : أن يعرف المرء قدر نفسه فينزلها منزلتها بقلب سليم .

لا يحب : أن يأتي إلى أحد ، إلا مثل ما يؤتى إليه . إن رأى سيئة : درأها بالحسنة . كاظم الغيظ ، عاف عن الناس ، و الله يحب المحسنين .

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  في خطبته :

أ لا أخبركم : بخير خلائق الدنيا و الآخرة :

العفو عمن ظلمك ، و تصل من قطعك .

 و الإحسان: إلى من أساء إليك ، و إعطاء من حرمك[176] .

يا طيب : لتعرف شرح الحديثين أعلاه وحقيقتهما ، تدبر القصة الآتي للإمام  :

 

 


 

الإشعاع الأول :

تواضع الإمام وسقي الماء بيده المباركة لمن جاء يقاتله :

قال المفيد في الإرشاد : في قصة مسير الإمام إلى كربلاء :

ثم سار الإمام الحسين عليه السلام :من بطن العقبة حتى نزل شراف ، فلما كان في السحر أمر فتيانه فاستقوا من الماء فأكثروا .

 ثم سار منها : حتى انتصف النهار ، فبينا هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه .

 فقال له الحسين عليه السلام الله أكبر لم كبرت ، قال : رأيت النخل .

فقال له جماعة من أصحابه : و الله إن هذا المكان ما رأينا به نخلة قط .

فقال الحسين عليه السلام : فما ترونه ؟ قالوا : نراه و الله آذان الخيل .

 قال : أنا و الله أرى ذلك ؟ ثم قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه فنجعله في ظهورنا و نستقبل القوم بوجه واحد ، فقلنا : بلى هذا ذو حسمى إلى جنبك ، تميل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد .

فأخذ إليه : ذات اليسار ، و ملنا معه ، فما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل ، فتبيناها و عدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا ، كان أسنتهم اليعاسيب ، و كأن راياتهم أجنحة الطير ، فاستبقنا إلى ذي حسمى فسبقناهم إليه .

و أمر الحسين عليه السلام : بأبنيته ، فضربت .

 و جاء القوم : زهاء ألف فارس مع الحر بن يزيد التميمي ، حتى وقف هو و خيله مقابل الحسين عليه السلام ، في حر الظهيرة .

و الحسين و أصحابه : معتمون ، متقلدو أسيافهم .

فقال الحسين عليه السلام : لفتيانه ، أسقوا القوم و أرووهم من الماء .

و رشفوا الخيل : ترشيفا ، ففعلوا ، و أقبلوا يملئون القصاع و الطساس من الماء ، ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا .

 عزلت عنه : و سقوا آخر ، حتى سقوها كلها .

فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه.

 فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي و بفرسي من العطش .

قال : أنخ الراوية ، و الراوية عندي السقاء .

ثم قال : يا ابن أخي أنخ الجمل ، فأنخته .

فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من السقاء .

فقال الحسين عليه السلام : اخنث السقاء ، أي اعطفه ، فلم أدر كيف أفعل .

فقام عليه السلام : فخنثه ، فشربت و سقيت فرسي[177] .

يا طيب : الإمام يقوم له ويسقيه بيده المباركة ، لكنهم بعد ذلك يمنعوه الماء وآله ، وهو يسقي خيلهم وهم يمنعون أطفاله وعائلته ، وتابع القصة المحزنة في الجزء السابع .

 


 

 

 

الإشعاع الثاني :

أصول أخلاق الإمام الحسين من جده وتواضعه للفقراء والمساكين :

يا طيب : أحاديث الإمام الحسين عن آله ، أو أبنائه الأئمة المعصومين عنه في آداب الدين وفي الحلم والكرم والجود والنجدة والتواضع والإحسان، كثيرة جدا ، ولكن نذكر ما يذكر له كتصرف مباشر ، أو حديث مباشر ينسب له أو يخصه بالخصوص لا من الأمور العامة في هدى الدين ، وقد عرفت أن الله كان هو المؤيد والمسدد لهم وهو سبحانه الذي طيبهم وطهرهم وصدقهم ، فجعلهم سادة الوجود وأئمة الدين وولاة أمر الله في المسلمين ، وترى علم و قدرة الله تعالى وتجلي كل أسمائه الحسنى بأعلى ما يمكن في الظهور في الوجود هو في نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين .

 فتراهم : اسم على مسمى ، وكما الله هو المحمود وجعل اسم نبينا محمد وهو العلي وجعل الإمام علي ، وكما هو الفاطر جعل فاطمة ، وهو المحسن وجعل الحسن ، وهو قديم الإحسان فتجلى بكل إحسان وفضل في الحسين ، فجعله يتصرف بكل ما يصدق اسمه الكريم الجميل عليه السلام .

 وهنا نذكر أصل آخر : من تحقق الإمام الحسين الذاتي بكل خير وجود بعلم وتقى يؤيد سيادته وإمامته ، هو كونه حقيقة من رسول الله وكما جاء ، حسين مني وأنا من حسين ، فهو قد وهبه ما يظهر به بكل مكارم الأخلاق وأحسن الآداب :

فقد جاء : عن  إبراهيم بن حسن بن علي الرافعي ، عن أبيه ، قال : حدثتني زينب بنت أبي رافع ، عن فاطمة بنت رسول الله ، صلى الله عليهم وسلم :

أنها أتت : أباها رسول الله صلى الله عليه وسلم :

بالحسن والحسين : في شكواه التي مات فيها .

فقالت : تورثهما يا رسول الله شيئا ؟ فقال :

أما الحسن : فله هيبتي ، وسؤددي .

 وأما الحسين : فله جرأتي ، وجودي [178] .

يا طيب : مر شح الحديث مفصلا في الجزء السابق ، وإن الجود من أصول السيادة والسؤدد أيضا ، والإقدام تسريع الخير ، وعرفت أن الجود بالنفس أقصى غاية الجود ، ففدى نفسه وكل شيء من أجل نشر هدى الله وإصلاح ما أفسده الطغاة كما سترى .

ويا طيب : إن ما عرفت من كرم الإمام الحسين عليه السلام وجوده ، هو لما وهبهم الله من حقوق الخمس والأنفال ، وما كان يصلهم المؤمنون بحقوقهم ، كما عرفت في حديث أنه جاءته صرة من العراق فوهبها لمحتاج ، وإنه عليه السلام له أوقاف كثيرة ورثها من أمه فاطمة وأبيه الإمام علي عليه السلام ، كما سيأتي ذكرهما في الجزء الآتي ، وما ترى من جوده ، فهو يحكي عملا حديث ورد عنه عن جده رسول الله حيث قال :

عن يعلى بن أبي يحيى : عن فاطمة بنت الحسين :

 عن أبيها الحسين بن علي عليه السلام ، قال:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

 للسائل حق : وإن جاء على فرس[179].

يا طيب : يعرف الإمام السائل وظروفه وما يحتاجه ، وإن معروفه كما عرفت على قدر المعرفة ، وكان مصداق آخر له على الحقيقة ، هو ما عرفته في الإشعاع السابق .

 


 

وقد جاء : عن الحسين بن علي عليه السلام :

 أنه ورث أرضا و أشياء ، فتصدق بها قبل أن يقبضه[180].

  و عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام أنه قال :

تصدق : الحسين بن علي عليه السلام بدار .

فقال له الحسن بن علي : تحول عنها[181] .

فهذا الكرم : وتعليم الأخ الأكبر ، كلها نور من أنوار معروفهم وجودهم بتقى ، وبيان لسيادتهم في العلم والمال وبكل الخصال ، وأنظر ما يأتي في العبودية والعلم وقصص أخرى في الجود في الذكر الآتي وما بعده وفي شعره وحكمه وكل تصرف له عليه السلام.

 


 

وعن شعيب بن عبد الرحمن الخزاعي قال :

وجد : على ظهر الحسين بن علي عليهم السلام :

 يوم الطف : أثر .

فسألوا : زين العابدين عليه السلام عن ذلك ؟

فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره .

إلى منازل : الأرامل ، و اليتامى ، و المساكين[182].

ويا طيب : هذا الظهر الشريف المتواضع لسيد من سادات الكون ، والذي يحمل قوت المساكين والفقراء ، أنظر في الهامش ما فعل به يوم كربلاء .


[166] أعلام ‏الدين ص298 .

[167] الكافي ج2ص197ح2 .

[168] الكافي ج2ص366ح2.

[169] الكافي ج2ص188ح2 .

[170] الأغاني ج3ص8 . الفرج بعد الشدة للتنوخي ج1ص351 ، وأضاف شعرا وأمور أخرى جرت بين قيس ولبنى.

[171] المناقب ج4ص75 . بحار الأنوار ج44ص194ب26ح7 .

[172] تفسير العياشي ج2ص257س16ح15 . وسائل ‏الشيعة ج24ص300ب28ح30603 . بحار الأنوار ج44ص189ب26ح1. بغية الطلب في تاريخ حلب ج3ص17 وفيه فجلس إليهم . وفي تاريخ دمشق ج14ص181 . أوله : عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال : مر الحسين بمساكين يأكلون في الصفة. فقالوا: الغداء فنزل. وقال: {إن الله لا يحب المتكبرين} فتغدى معهم .وذكرها مختصرا في الدر المنثور ج6ص127 ، تفسير الطبري ج17ص189 .العمدة لابن البطريق  ص 400 . أخرج عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، وعبد بن حميد وابن جرير، وابن أبي حاتم.

[173] المناقب ج4ص66. بحار الأنوار ج44ص190ب26ح3. ربيع الأبرار للزمخشري ج1ص165 .

[174] نهاية الأرب في فنون الأدب ج1ص393 .

[175] التذكرة الحمدونية ج1ص314 .

[176] الكافي ج2ص107ح1 .الكافي ج2ص123ح13.

[177] الإرشاد ج2ص76 . بحار الأنوار ج44ص376ب37 .

[178] معرفة الصحابة لأبي نعيم ج5ص338ح1692 .الجَرَاءة: الإقْدَام على الشيء والشجاعة.

[179] معرفة الصحابة لأبي نعيم ج2ص671ح1803 .

[180] دعائم ‏الإسلام ج2ص339ب5ح 1271 .مستدرك‏ الوسائل ج14ص50ب5ح16084-3 .

[181] دعائم‏ الإسلام ج2ص344ف5ح 1289. مستدرك ‏الوسائل ج14ص48ب2ح16077-4 .

[182] المناقب ج4ص66 . بحار الأنوار ج44ص190ب26ح3 .

 يا طيب: وهذا الظهر المبارك له قصتين فإنه لكونه تربية رسول الله فكان كما عرفت ، يحمل على ظهره للمساكين صدقاته ، وقصته مع النبي الأكرم :

وقال سليم بن قيس عن أبي سعيد الخدري :

 و كان الحسين عليه السلام : يجيء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و هو ساجد .

فيتخطى الصفوف : حتى يأتي النبي فيركب ظهره .

فيقوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : و قد وضع يده على ظهر الحسين عليه السلام، و يده الأخرى على ركبته حتى يفرغ من صلاته .

كتاب‏ سليم‏ بن ‏قيس ص732ح21 ، بحار الأنوار ج37ص86ب50ح54 .

وهذا العطف واللطف : من النبي ، وحب الحسين للنبي الأكرم حتى يصعد ظهره ، والنبي يضع يده على ظهر الحسين ، فيحمل للمساكين طعامهم بنفسه .

 يأتي أعداء الله ورسوله : فيطؤه بحوافر الخير يوم عاشوراء كربلاء .

ويوم الطف :بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام : ثم نادى عمر ابن سعد في أصحابه وقال :

من ينتدب للحسين : فيوطئ الخيل ظهره ، فانتدب منهم عشرة ...

فداسوا الحسين عليه السلام : بحوافر خيلهم ، حتى رضوا ظهره وصدره .

 قال : وجاء هؤلاء العشرة حتى وقفوا على ابن زياد ، فقال اسيد بن مالك أحد العشرة شعر :

نحن رضضنا الصدر بعد الظهر   بكل يعبوب شديد الاسر .

فقال ابن زياد : من أنتم ؟ فقالوا : نحن الذين وطئنا بخيولنا ظهر الحسين حتى طحنا جناجن صدره ، فأمر لهم بجائزة يسيرة ، قال أبو عمرو الزاهد : فنظرنا في هؤلاء العشرة فوجدنا هم جميعا أولاد زناء وهؤلاء : أخذهم المختار فشد أيديهم وأرجلهم بسكك الحديد ، وأوطأ الخيل ظهورهم حتى هلكوا  . اللهوف ص135م2 . مثير الأحزان ص78 .بحار الأنوار ج45ص59ب37 .

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com