المجلس الثاني نور تجلي سيادة الإمام الحسين في عبادته ودعائه ومعجزاته / سفينة النجاة / الجزء الخامس صحيفة نور الإمام الحسين

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العلمين وصلى الله على نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين
موسـوعة صحف الطيبين في      أصول الدين وسيرة المعصومين

صحيفة
نور الإمام الحسين عليه السلام الجزء الخامس

المجلس الثاني

تجلي سيادة الإمام في عبادته ودعائه ومعجزاته

الذكر الأول

أحاديث وقصص عن عبادة الإمام الحسين عليه السلام

يا طيب : بعد أن عرفنا أصول كريمة في الجود والكرم والعفة والحياء ، والتواضع وحب الخير ، والحسن في كل تصرف وسيرة وخلق وأخلاق ، ذاتا وباطنا ، وظاهرا وصفات ، وتجملا وزينة ، لسيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين ، وبعناية الله وبما وهبه سبحانه ومكنه من نوره ، وبما رباه ووهبه جده رسوله الله وما علمه ، حتى كان يشبهه خلقا وخلاقا وسيرة وسلوكا ، ومن ثم والديه وأخيه صلى الله عليهم وسلم .

فلنتعرف يا طيب : على جانب آخر من حياة الإمام الحسين عليه السلام ، وهو أيضا من أسس السيادة والجود بالوجود فضلا عن الصفات والأعمال ، وهو ظهور عليه السلام : بالتقى وعلوم الدين في العبادة والعبودية والإخلاص لرب العلمين .

فنرى هنا : أحاديث كريمة عن إخلاصه لله وخوفه ورجاءه له ، ومعارف قيمة في التقوى وحدود التوجه لله تعالى والإخلاص له ، ونرى عظيم حبه للصلاة والتحقق بها في أصعب الظروف وكل حياته ، وتلاوة كتاب الله سبحانه ، وخشوعه وخضوعه في قنوته ودعاءه وتوسله بالله سبحانه ، وكيفية حجه ماشيا وصومه ، وأمورا عبادية أخرى تعرفنا حقائق عن سيد حق يجود بالنفس في سبيل الله ، وبالعلم والتقى علما وبعبودية مخلصة لله سبحانه لا يرجو غيره .

ويا طيب : فكما عرفت وصفه بصفات ذاتية وجودية وفي صفاته الظاهرية تزينا ، وعرفنا أفعاله في العفة والجود والكرم عمل.

 هنا نعرف : تحققه بالصلاة وزكاته وتلاوة كتاب الله والحج وبالعبادة فعلا ، فنراه مظهرا لولايته بأعلى معاني السيادة والإمامة ، ثم يأتي في مجلس بعده معاني علمية وأقوال بليغة في الحكمة والموعظة الحسنة، وباقي سيرته وسلوكه.

 


 

الإشراق الأول :

أحاديث ومعارف للإمام الحسين في الإيمان والعبودية المخلصة لله :

يا طيب : السيادة والإمامة لأل محمد عليهم السلام عرفت إنه لها حقائق علمية وعملية ويراد بها الله سبحانه بكل إخلاص ، وهي ظهور وتجلي بأعلى معاني البذل في سبيل الله وبكل تقى بهداه علما وعملا ، وإن الإيمان الحق هو كما جاء :

عن أبناء الحسين عن الإمام الحسين بن علي : عن علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليهم وسلم :

الإيمان : معرفة بالقلب ، و إقرار باللسان ، و عمل بالأركان [1] .

ويا طيب : ظهور معاني الإيمان وحقائقه علما وعملا تراه في كل أحول وأقوال وأفعال أل محمد عليهم السلام ، ويتجلى من الإمام الحسين هنا في هذا الذكر في أعلى معانيه ، ويكفي لمعرفته به ما خصهم الله من معارف الكتاب والحكمة ، حتى طهرهم من كل شرك وشك ، وصدقهم بكل ما ظهر منهم ، فأمر بمودتهم ليكون لنا أحسن الأجر حين متابعتهم ، ولمعرفة معاني ظهور الإيمان من الإمام الحسين عليه السلام علما وعملا بكل تقى وبكل أركانه ، نذكر بعض أحاديثه ثم ندخل في سيرته العملية .

 


الإمام الحسين يعرفنا معاني خشية الله وخوفه ورجاءه :

قال في المناقب : و من زهد الإمام الحسين عليه السلام  :

أنه قيل له :ما أعظم خوفك من ربك ؟

فقال عليه السلام : لا يأمن يوم القيامة ، إلا من خاف الله في الدنيا[2].

والخوف الصادق : هو ما يوجب البكاء من خشية الله سبحانه كما ذكر:

عن الإمام الحسين بن علي عليه السلام أنه قال :

البكاء : من خشية الله ، نجاة من النار .

 وقال الإمام الحسين عليه السلام :

بكاء العيون ، و خشية القلوب ، رحمة من الله [3].

نعم : فإنه التوفيق لإقامة العبودية من الله من رحمة الله تعالى ، وسيأتي حاله عليه السلام عملا وبكائه في حالة من أحوال عبوديته حين تلاوة دعاء عرفة والذي منه :

اللهم : اجعلني أخشاك كأني أراك.

و أسعدني :بتقواك‏ ، و لا تشقني بمعصيتك ، و خر لي في قضائك .

و بارك لي في قدرك : حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ، و لا تأخير ما عجلت .

اللهم : اجعل غناي في نفسي ، و اليقين في قلبي.

و الإخلاص : في عملي ، و النور في بصري ، و البصيرة في ديني ...[4].

 

 


الإمام الحسين يعرفنا خشية عملية لوالده ويفسرها :

و قال الإمام الحسين عليه السلام :

 ما دخلتعلى أبي قط ، إلا وجدته باكيا .

و قال الإمام الحسين عليه السلام :

إن النبي صلى الله عليه وآله بكى حين وصل في قراءته :

{ فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيداً (41) } النساء.

فانظروا : إلى الشاهد كيف يبكي ، و المشهود عليهم يضحكون .

و الله : لو لا الجهل ما ضحكت سن .

فكيف يضحك : من يصبح و يمسي، و لا يملك لنفسه .

و لا يدري : ما يحدث عليه من سلب نعمة ، أو نزول نقمة ، أو مفاجاة ميتة ؟

و أمامه : يوم يجعل الولدان شيبا .

يشيب : الصغار ، و يسكر : الكبار ، و توضع : ذوات الأحمال .

و مقداره : في عظم هوله ، خمسون ألف سنة .

 فإنا لله و إنا إليه راجعون [5].

 


الإمام الحسين يحكي معاني الرضا بالقضاء والقدر :

ويروى : أنه قيل للحسين عليه السلام : إن أبا ذر ، يقول:

الفقر : أحب إلي من الغنى ، والسقم : أحب إلي من العافية .

 فقال عليه السلام : رحم الله أبا ذر.

 أما أنا فأقول : من أتكل على حسن اختيار الله له .

 لم يتمن : أنه في غير الحالة التي اختاره الله له   [6].

 


الإمام الحسين يعظ الحسن البصري :

ووقف الحسين بن علي عليه السلام: بالحسن البصري، والحسن لا يعرفه .

 فقال له الحسين : يا شيخ هل ترضى لنفسك يوم بعثك ؟ قال: لا!

قال: فتحدث نفسك ، بترك ما لا ترضاه لنفسك ، من نفسك يوم بعثك؟

 قال: نعم ، بلا حقيقة.

قال عليه السلام : فمن أغش لنفسه منك ، يوم بعثك .

 وأنت : لا تحدث نفسك ، بترك ما لا ترضاه لنفسك بحقيقة .

 ثم مضى الحسين ، فقال الحسن البصري : من هذا ؟

فقيل له : الحسين بن علي .

 فقال: سهلتم علي [7].

يا طيب : لعله كان الإمام في حالة من اللباس أو واقف خلفه فلم يعرفه .

 


معرفة اللإمام  بعظمة الله سبحانه وحلمه :

وروي عن الحسين عليه السلام :أخبرنا إبراهيم بن رياح الموصلي قال :

يروي أن رجل : ادعى على الحسين بن علي مالا ، وقدمه إلى القاضي .

فقال الحسين : ليحلف على ما ادعى ، ويأخذه .

فقال الرجل: والله الذي لا إله إلا هو .

فقال قل: والله والله والله ، إن هذا الذي تدعيه لك قبلي .

ففعل الرجل : وقام ، فاختلف رجلاه وسقط ميتاً .

فقيل : للحسين في ذلك .

فقال :كرهت أن يمجد الله ، فيحلم عنه [8].

 


خطبة للإمام في التفكر بما يوجب خشية الله والتذكير بالآخرة :

 قال الإمام الحسين عليه السلام :

 يا ابن آدم تفكر : و قل أين ملوك الدنيا و أربابها ، الذين عمروا و احتفروا أنهارها ، و غرسوا أشجارها ، و مدنوا مدائنها .

فارقوها : و هم كارهون ، و ورثها قوم آخرون ، و نحن بهم عما قليل لاحقون .

يا ابن آدم : أذكر مصرعك ، و في قبرك مضجعك ، و موقفك بين يدي الله ، تشهد جوارحك عليك يوم تزل فيه الأقدام ، و تبلغ القلوب الحناجر .

و تبيض وجوه : و تسود وجوه ، و تبدو السرائر ، و يوضع الميزان القسط .

يا ابن آدم : اذكر مصارع آبائك و أبنائك ،  كيف كانوا ، و حيث حلوا ، و كأنك عن قليل قد حللت محلهم ، و صرت عبرة للمعتبر .

 و أنشد شعر[9] :

أين الملوك التي عن حفظها غفلت    حتى سقاها بكأس الموت ساقيها

تلك  المدائن  في   الآفاق  خالية    عادت خرابا و ذاق الموت بانيها

أموالنا   لذوي   الوراث   نجمعها    و  دورنا  لخراب   الدهر  نبنيها

و قال الإمام الحسين عليه السلام :

يا ابن آدم : إنما أنت أيام ، كلما مضى يوم ، ذهب بعضك [10].

 

 


كلمات للإمام الحسين في إخلاص العبودية لله والمراقبة:

قال الحسين بن علي عليه السلام :

من عبد الله : حق عبادته ، آتاه الله فوق أمانيه ، و كفايته[11].

 

وقال الإمام الرضا عن آبائه عليهم السلام :

عن الحسين بن علي عليه السلام قال :

إن أعمال هذه الأمة : ما من صباح ، إلا و تعرض على الله تعالى [12] .

يا طيب : إن الأعمال كلها تعرض آنا على الله سبحانه وتعالى ، ولكن يراد أنه يبت فيها وفي ثوابها وعقابها ، لأن بعض الأعمال تؤجل حتى يثبت الإخلاص وعدم الرياء ، وبعض السيئات تؤجل لا تكتب حتى لا يستغفر العبد ولا يتوب فتكتب عليه ، ولذا أن بات العبد مصمم على فعله : ففي الصباح تكتب له تامة حسب نيته .

وقال في الإستيعاب : وكان الحسين فاضلاً ديناً.

 كثير : الصيام ، والصلاة ، والحج   [13].

فتابع يا طيب : حقائق من عبوديته وإخلاصه لله سبحانه .

 


 

 

الإشراق الثاني :

شدة حب الإمام للصلاة والدعاء وتلاوة القرآن :

يا طيب : الصلاة عمود الدين ، وهي أفضل ما يتقرب به العباد إلى ربهم ، و أحب ذلك إلى الله عز و جل ، ولا شيء بعد المعرفة أفضل من هذه الصلاة .

وما عرفت : هو نص في فضل الصلاة عن الإمام الصادق عليه السلام وقال :

إذا قام المصلي : إلى الصلاة ، نزلت عليه الرحمة من أعنان السماء إلى أعنان الأرض، وحفت به الملائكة، وناداه ملك لو يعلم هذا المصلي ما في الصلاة ما أنفتل[14].

ومن صلى ركعتين: يعلم ما يقول فيهم ، انصرف و ليس بينه و بين الله ذنب[15].

ويا طيب : الصلاة عن علم هي أس الصلاة ولا يتم تعلم الصلاة إلا ممن علمه الله كيفية إقامتها وزكاهم بإقامتها ، فبين سيادتهم وإمامتهم وأوجب التعلم منهم كل حدودها ، و قد مر بحث موسع ومفصل في شرح آية النور وما يتبعها من الآيات في تعريف أولياء الله سبحانه في الجزء الأول من أنوار صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وعرفنا نزول الآيات في حقهم ، ومنها قوله تعالى :

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ الله أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36)

رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ   عَنْ ذِكْرِ الله    وَإِقَامِ الصلاة    وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ

يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) } النور .

يا طيب : الصلاة قربان كل تقي ، و الإمام الحسين هو قربان الصلاة ، وضحى بكل شيء يملكه بل بنفسه وآله لكي تقام الصلاة بحدودها ،  فمن يحب الصلاة لابد أن يرجع لهدى الإمام الحسين وآله وبما علمهم الله و رسول الله فيتعلم منهم.

فتدبر يا طيب :صلاته وتلاوته لكتاب الله ، وإقامة العبودية لله سبحانه عملا .

 


 

الإشعاع الأول :

الإمام الحسين يشهد الله أنه يحب الصلاة والدعاء ليلة كربلاء :

قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد :

لما جاء الأمر : من أبن زياد بقتل الحسين وآله ، أو يسلم له ، في عصر اليوم التاسع من المحرم ، نادى عمر بن سعد : يا خيل الله اركبي و أبشري .

 فركب الناس : ثم زحف نحوهم بعد العصر .

و الحسين عليه السلام : جالس أمام بيته . فنهض ثم قال :

 يا عباس : اركب بنفسي أنت يا أخي ، حتى تلقاهم .

و تقول لهم : ما لكم ، و ما بدا لكم ، و تسألهم عما جاء بهم .

فأتاهم العباس : في نحو من عشرين فارسا ، فيهم زهير بن القين و حبيب بن مظاهر .

 فقال لهم العباس : ما بدا لكم و ما تريدون .

قالوا : جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم ، أن تنزلوا على حكمه أو نناجزكم .

قال : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله ، فأعرض عليه ما ذكرتم .

فوقفوا و قالوا : ألقه ، فأعلمه ، ثم القنا بما يقول لك .

فانصرف العباس : راجعا يركض إلى الحسين ،  يخبره الخبر .

 و وقف أصحابه : يخاطبون القوم ، و يعظونهم و يكفونهم عن قتال الحسين .

فجاء العباس : إلى الحسين فأخبره بما قال القوم .

 فقال عليه السلام : ارجع إليهم ، فإن استطعت أن تؤخرهم إلى الغدوة ، و تدفعهم عنا العشية ، لعلنا :

نصلي لربنا الليلة

و ندعوه

و نستغفره

فهو يعلم :

أني قد أحب

الصلاة له

و تلاوة كتابه

و الدعاء

و الاستغفار .

فمضى العباس إلى القوم : و رجع من عندهم ، و معه رسول من قبل عمر بن سعد ، يقول : إنا قد أجلناكم إلى غد ، فإن استسلمتم سرحناكم إلى أميرنا عبيد الله بن زياد ، و إن أبيتم فلسنا تاركيكم ، و انصرف[16] .

 

 


 

الإشعاع الثاني :

عبادة علمية وعملية في الليلة العاشرة للإمام الحسين ولآله وصحبه :

قال الشيخ المفيد رحمه الله :

فجمع الحسين عليه السلام : أصحابه عند قرب المساء .

قال علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام : فدنوت منه لأسمع ما يقول لهم ، و أنا إذ ذاك مريض ، فسمعت أبي يقول لأصحابه :

أثني على الله أحسن الثناء : و أحمده على السراء و الضراء .

اللهم : إني أحمدك على أن أكرمتنا بالنبوة .

و علمتنا القرآن

و فقهتنا في الدين

و جعلت لنا : أسماعا و أبصارا و أفئدة ، فاجعلنا من الشاكرين .

أما بعد : فإني لا أعلم أصحابا أوفى ، و لا خيرا من أصحابي .

و لا أهل بيت : أبر و لا أوصل من أهل بيتي ، فجزاكم الله عني خيرا .

ألا و إني : لأظن أنه آخر يوم لنا من هؤلاء ، ألا و إني قد أذنت لكم فانطلقوا جميعا في حل ، ليس عليكم مني ذمام ، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا .

فقال له : إخوته و أبناؤه و بنو أخيه و ابنا عبد الله بن جعفر ، لم نفعل ذلك لنبقى بعدك ، لا أرانا الله ذلك أبدا .....

ثم خرج عليه السلام إلى أصحابه : فأمرهم أن يقرب بعضهم بيوتهم من بعض ، و أن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض ، و أن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد ، و البيوت من ورائهم و عن أيمانهم و عن شمائلهم ، قد حفت بهم إلا الوجه الذي يأتيهم منه عدوهم .

 

و رجع عليه السلام : إلى مكانه :

فقام عليه السلام : الليل كله :

يصلي

و يستغفر

و يدعو

و يتضرع

و قام أصحابه كذلك :

يصلون : و يدعون ، و يستغفرون [17].

 


 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسين يقيم الصلاة يوم كربلاء :

يا طيب : سيأتي أن الإمام الحسين وأصحابه باتوا تلك الليلة وهم يتلون كتاب الله ويدعون ويصلون ، ولكن نذكر صلاة الإمام الحسين عليه السلام ، وهم يقولون له لا تقبل منك ، وتقبل ممن يقاتله ، فأعرف كيف ضل الناس ممن يدعي الإسلام وتبعوا أئمة الضلال ، وقد عرفت إن الله قد زكاهم في آيات النور والبيوت المرفوعة بذكر رجالها وصلاتهم ، وإنها نزلت في أل محمد وأنه أشار رسول الله لبيت فاطمة وقال هذا البيت :

قال أبو مخنف :حدثنى سليمان بن أبى راشد عن حميد بن مسلم قال : ..

 فلا يزال الرجل : من أصحاب الحسين قد قتل ، فإذا قتل منهم الرجل والرجلان ، تبين فيهم ، وأولئك كثير لا يتبين فيهم ما يقتل منهم.

 قال :

فلما رأى ذلك : أبو ثمامة عمرو ابن عبد الله الصائدى ، قال للحسين :

يا أبا عبد الله : نفسي لك الفداء ، إني أرى هؤلاء قد اقتربوا منك ، ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك إن شاء الله .

 وأحب أن ألقى ربي : وقد صليت هذه الصلاة التي قد دنا وقتها .

قال : فرفع الحسين رأسه ، ثم قال :

ذكرت الصلاة : جعلك الله من المصلين الذاكرين .

نعم : هذا أول وقتها ، ثم قال :

سلوهم أن يكفوا عنا : حتى نصلي .

فقال لهم : الحصين بن تميم،  إنها لا تقبل .

فقال له حبيب بن مظاهر : لا تقبل ، زعمت الصلاة من آل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقبل ، وتقبل منك يا حمار ...[18].

وقال في الملهوف على

 قتلى الطفوف :

فقال الحسين : لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله ، تقدما أمامي :

حتى أصلي الظهر:

 فتقدما أمامه :في نحو من نصف أصحابه ، حتى صلى بهم صلاة الخوف .

وروي : أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين.

 فاستهدف لهم : يرمونه بالنبل كلما أخذ الحسين عليه السلام يمينا وشمالا ، قام بين يديه، فما زال يرمى به حتى سقط إلى الأرض وهو يقول :

 اللهم: العنهم لعن عاد وثمود ، اللهم أبلغ نبيك السلام عني ، وأبلغه ما لقيت من ألم الجراح، فإني أردت بذلك نصرة ذرية نبيك ، ثم مات رضوان الله عليه، فوجد به ثلاثة عشر سهما سوى ما به من ضرب السيوف وطعن الرماح[19].

يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام ، كان سيد مطاع من أصحاب عباد ، وقد عرفت أنهم قاموا يتلون كتاب الله ويصلون يستغفرون ويعبدون الله بكل وجودهم .

وهنا بما قال أبو ثمامة الصائدي : في تعريف وقت الصلاة ، عرفنا مراقبتهم للصلاة في أول وقتها وحبهم لها، ولو كان الإمام القائل لما عرفنا حبهم وشوقهم للصلاة.

 وهنا أتحد حب الإمام مع أصحابه للصلاة : فقد عرفت حبهم في تأجيلهم ليلة العاشر ، وهم هنا يظهرون حبا للصلاة يفوق العشق ، لأنهم يستشهدون بين يديه سيدهم في أصعب ظرف وتمكين من إقامة الصلاة ، وفي صلاة تسمى بصلاة الخوف ، و طريقتها بأن يصلي الإمام بنصف أصحابه ركعة ثم ينتظر فيصلون ركعة ثانية ، وتأتي الطائف المدافعة فتصلي معه ركعة أخرى ويتم الصلاة بهم ، وكان صلاتهم للظهر ركعتان ، لأنها صلاة خوف وصلاة مسافر .

فهذا حق الصلاة في أول وقتها ومعناه : من الإمام الحسين وصحبه الكرام حتى كان حقا لهم على جميع المؤمنين زيارتهم والإقرار لهم بفضلهم والسلام والصلاة عليهم .

 


 

الإشعاع الرابع :

الصلاة اليومية للإمام الحسين في أيام حياته :

يا طيب : الأحاديث في معارف الصلاة كثيرة ، ولكن ذكرنا ما يذكرنا علو وشرف معاني إقامة الصلاة في أصعب الأيام وفي أقل الإمكانات والتمكين من إقامتها .

وإقامة الصلاة : في كل حياة الإمام ، بحديث عالي المعاني في آخر هذا الإشراق ، حتى لأنه يوازي ما عرفت من إقامة الصلاة يوم عاشوراء بل أعلى .

وإن الإمام الحسين عليه السلام : كان ولي أمر الله في العباد وسيدهم بتطهير الله وتصديقه وأمره بوده ، فهو العالم المعلم للصلاة ، ورجل من رجال ذكر الله والمسبحون بكل إخلاص له كما عرفت ، وإنه لا تقبل صلاة إلا بالتعلم منه ومن آله ، وبما يعلمون منها يقيم العباد عبودية الله ، لأنهم ولاة أمر الله :

 وعن فضيل عن أبي جعفر عليه السلام قال : بني الإسلام : على خمس :

الصلاة : و الزكاة ، و الصوم ، و الحج ، و الولاية .

و لم يناد بشي‏ء: ما نودي بالولاية يوم الغدير[20].

وقد قال الله تعالى : في آيات الولاية ، والتي لا تنطبق إلا على أبي الحسين وآله :

{  إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا

الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)} المائدة .

فعرف الله سبحانه : أولياءه بالصلاة ، وقد عرفت صلاة الإمام الحسين ، وعرفته بالزكاة وأنه قدم كل شيء في سبيل الله حتى يعلم الصلاة وإقامتها في أصعب الظروف.

ويا طيب : إن صلاة الإمام الحسين صلاة عالم ، وتلاوته تلاوة عارف بتعريف الله سبحانه وإنفاقه إنفاق مخلص في سبيل الله وقد عرفت قصته في كربلاء ، وقال سبحانه :

{ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماءُ إِنَّ الله عَزِيزٌ غَفُورٌ (28)

 إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصلاة

وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ (29) } فاطر.

ويا طيب : وإنهم بالإضافة للعلم والإخلاص وإقامة الصلاة بكل خشية وحال ، فإنهم رجال صبروا من أجل إقامة الصلاة في سبيل طاعة الله بما لم يكن لمثلهم ، حتى لترى أن قول الله تعالى الأتي ينطبق عليهم بأعلى معانية :

{ وَالَّذِينَ صَبَرُوا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصلاة وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلانِيَةً وَيَدْرَءُونَ بِالحسنةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ (22)} الرعد .

ويا طيب : الحاكم الحق يقيم الصلاة في أرض الله أين ما حل ، وإن مكنه الله يعلمها لكل العباد ويدعوهم لطاعته ، وفي كل تمكين ممكن يقيم الصلاة ، وصلاة الإمام الحسين عليه السلام في كربلاء ، كانت بأقل ما يمكن من التمكين ، فأقامها عليه السلام ليعرف أهميتها لكل العباد ممن تمر عليهم قصته في يوم كربلاء إلى يوم القيامة ، وقال سبحانه وتعالى :

 { الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصلاة وَآتَوْا الزَّكَاةَ

 وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنْ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ (41)} الحج .

ويا طيب : بعد أن عرفت إن الإمام الحسين عليه السلام من رجال البيت الذين يقيمون الصلاة ويتجلون بنور الله ، وأنه ولي الله يقيم الصلاة بكل صبر وإخلاص وبأقل الإمكانات وأصعبها، وفي نفس الحال يؤتي الزكاة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر .

وكله بتوفيق الله سبحانه وتأييده له : وبما كان من تربية وتعليم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد عرفت أحاديث كثيرة في الجزء السابق في أن سيد المرسلين كان يلاطف الحسنين في الصلاة ، حتى لكانا يركبان على ظهره ، فيطيل الصلاة لكي لا ينحيهم ، ولا نغص عليهم أنسه معه شيء من ملاطفتهم ، مع علو عبادته لله تعالى .

وبهذه التربية الكريمة : تعلم المسلمون كيف يتصرفون مع أبنائهم ولا يغضبوا عليهم ، فحبب الصلاة للآباء وللأبناء ، لأن الطفل حين يرى حركات الصلاة يرى كان والديه أو المصلي يلاعبه ، والمصلي يطلب التوجه التام في صلاته ، فقد يتعكر صفوه مع الله ، فينحيه بشدة ، والتربية في الصغر كالنقش على الحجر فيفر الطفل من الصلاة للأخلاق السيئة للمصلين ، ولولا تصرف النبي الأكرم مع الحسنين ، فعرف آداب التقرب إلى الله في مثل هذه الحالات ، وكيف يمكن بالرفق زرع نور الصلاة في الأحبة ، ولمعرفة مثل هذه الحالات ، قد مر في الجزء السابق بعض منها ، ومر أخر الذكر السابق كيف كان يحمل الإمام الحسين على ظهره في الصلاة ، ونذكر بعض الأحاديث.

و روي عن ابن مسعود قال : كان النبي صلى الله عليه وآله : يصلي.

فجاءه الحسن و الحسين عليما السلام:فارتدفاه، (أي يركبا ظهره).

 فلما رفع رأسه : أخذهما أخذا رفيقا ، فلما عاد : عادا .

 فلما انصرف : أجلس هذا على فخذه وهذا على فخذه .

و قال : من أحبني فليحب هذين[21].

يا طيب : هذا في صغرهما وأنسهم في الصلاة .

وأما حين بدءا بالكلام : فأنظر ما يعرف الإمام الحسين عليه السلام عن جده لرسول الله وفهمه لمعاني الصلاة وكلامها .

وقيل للحسين : ما سمعت من رسول الله ؟

عقلت : عنه أنه يكبر فأكبر خلفه .

فإذا سمع تكبيري : أعاد التكبير حتى يكبر سبعاً .

وعلمني :  الصلوات الخمس 

[22].

 

وعن عبد الله بن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال :إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 كان في الصلاة : إلى جانبه الحسين بن علي ، فكبر رسول الله :

فلم يحر الحسين :التكبير .

 فلم يزل : رسول الله يكبر ، و يعالج الحسين التكبير فلم يحره .

حتى أكمل : سبع تكبيرات . فأحار الحسين : التكبير في السابعة .

فقال أبو عبد الله عليه السلام : و صارت سنة   [23].

وما أجملها : من سنة حسنة في الصلاة ومستحبة لمن يحب أن يتقرب إلى الله .

 

وبهذا العمر المبارك : عقل ما لم يعقل أحد من حساب الصلاة على عم أبيه:

 و عن الحسين بن علي عليه السلام أنه قال :

رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أنه كبر على حمزة  خمس تكبيرات .

 و كبر على الشهداء بعد حمزة خمس تكبيرات ، فلحق حمزة سبعون تكبيرة[24].

حيث كان :  يجعل النبي الأكرم حمزة أمامهم وهم بعده .

 

ويا طيب : هذا الإمام الحسين عليه السلام في الصلاة في أول حياته وعلمه بها، وأنظر صلاته طول عمره الشريف المبارك وينقلها عنه سيد الساجدين وزين العابدين :

ذكر في فلاح السائل عن ابن عبد ربه في كتاب العقد :وقيل لعلي بن الحسين:

 ما أقل : ولد أبيك ؟

 قال: العجب كيف ولدت له :

إنه كان يصلي :

في اليوم والليلة ألف ركعة .

فمتى كان يفرغ للنساء ؟ [25] .

 


 

 

الإشراق الثالث :

تلاوة الإمام الحسين للقرآن كلام الله واهتمامه به ومعرفة حرمته :

يا طيب : الكلام في ثواب تلاوة القرآن وخصائص آياته ونزوله وتفسيره مختص بكتب التفسير ، ولكن نذكر هنا ما يخص الإمام الحسين عليه السلام ، ويعرفنا شأنه الكريم وحبه لسيد الكتب ، وعلاقة سيد العباد بعد أخيه وجده وأبيه مع سيد الكتب والكلام في كل زمان حتى يردا الحوض يوم القيامة مقترنين كما في حديث الثقلين ، بل القرآن كلام الله مطهر والإمام الحسين مطهر ، وهو من الذين وهبهم الله الكتاب والحكمة والرسوخ بعلمه وتفسيره والقول به بعلم قاطع ، ويحرم مخالفته .

ويا طيب : قبل أن نذكر أحاديث الإمام الحسين في ثواب وأهمية كتاب الله نذكر أحاديث يرويها عن أبيه عن جده رسول الله في حرمة كتاب الله وأهميته وثوابه ، ثم نذكر أحاديث حبه لتلاوة كتاب الله وبالخصوص ليلة ويوم كربلاء ، ونقدمها لنتيقن أنه من يكون في هذه الظروف وبهذه الحالة في أشد التعلق بكتاب الله فكيف به في باقي الأيام .

وفي أهمية التدبر : في كتاب الله ، وكيف يأنس به ويعرف معانية بما يقرب لله :

عن أبناء الإمام الحسين : عن الحسين بن علي عن أبيه أمير المؤمنين عن جد الحسين نبي الله وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

 أ لا أخبركم : بالفقيه كل الفقيه ؟

قالوا : بلى يا رسول الله .

 قال : من لم يقنط الناس عن رحمة الله ، و من لم يؤمنهم مكر الله.

 و من لم : يرخص لهم في معاصي الله .

و من لم يدع : القرآن ، رغبة إلى غيره .

لأنه لا خير : في علم لا تفهم فيه ، و لا عبادة : لا تفقه فيها .

و لا قراءة : لا تدبر فيها .

فإنه إذا كان : يوم القيامة ، نادى مناد من السماء :

 أيها الناس : إن أقربكم من الله تعالى مجلسا ، أشدكم له خوفا .

و إن أحبكم إلى الله : أحسنكم عملا ، و إن أعظمكم عنده نصيبا أعظمكم فيما عنده رغبة . ثم يقول عز و جل :

لا أجمع عليكم: اليوم خزي الدنيا و خزي الآخرة ، فيأمر لهم بكراسي فيجلسون عليها ، وأقبل عليهم الجبار بوجهه و هو راض عنهم ، و قد أحسن ثوابهم    [26] .

وبنفس الإسناد عن أبناء الحسين عن أبيه عن جده :

أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن قول الله تعالى :

وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلا (4) } المزمل .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : تثبته تثبيت ، لا تنثره نثر الرمل ، و لا تهذه هذ الشعر ، قفوا عند عجائبه ، حركوا به القلوب ، و لا يكن هم أحدكم آخر السورة [27].

وبنفس الإسناد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن منكم : من يقاتل على تأويل القرآن ، كما قاتلت على تنزيله .

و هو : علي بن أبي طالب[28].

يا طيب : لكي تعرف سيد الفقهاء والمتدبرون بكتاب الله والمتثبتون لمعانية وتعريفها ، والواقفون عند عجائبه ، وقد حركوا به قلوبهم وهم يرتلونه ترتيلا ، تدبر أحاديث تلاوة القرآن للإمام الحسين عليه السلام وصحبه يوم العاشر من المحرم وليلته ، وكيف يناشد القوم بحرمة القرآن ، ولكن من ختم الله على قلوبهم لم يستجيبوا له ولا تبعوا الطيبين الطاهرين ، بل ضلوا وأضلوا كثيرا ممن يدافع عنهم من همج الناس إلى يوم الدين .

 


 

 

الإشعاع الأول :

تلاوة الإمام الحسين عليه السلام للقرآن ليلة العاشر :

قال الضحاك بن عبد الله : وهو من الأصحاب ، ولم يستشهد وتأتي قصته :

ليلة العاشر :  مر بنا خيل لابن سعد يحرسنا .

و إن حسينا ليقرأ :

 { وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ

إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً وَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ

ما كانَ الله لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى‏ ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ

حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ (179) } آل عمران .

فسمعها : من تلك الخيل رجل ، يقال له : عبد الله بن سمير ، و كان مضحاكا ، و كان شجاعا بطلا فارسا فاتكأ شريفا ( بل جبانا إذ اختار الباطل وسافلا إذ نصر الضلال فاتكا بالحق إذ أختار أئمة الكفر ) .

 فقال :  نحن و رب الكعبة الطيبون ، ميزنا منكم .

فقال له برير بن خضير : يا فاسق ، أنت يجعلك الله من الطيبين ؟!

فقال له : من أنت ويلك ، قال : أنا برير بن خضير ، فتسابا .

و أصبح الحسين بن علي عليه السلام : فعبا أصحابه بعد صلاة الغداة ..[29]..

يا طيب : الأمر عجيب يقاتل الإمام الحسين عليه السلام ويدعي أنه طيب ، ولم يعرف أنه صار بعدائه لآل محمد من أخبث الناس في الوجود ، والآيات التي يتلوها الإمام الحسين عليه السلام تبين اختبار الله وابتلائه ، ولا يطغى إنسان بالكثرة من العدد والمال مع كونه على باطل وظالم ، فالله مع المؤمنون حقا وسادة المتقين وأولياء الدين في أي حال كانوا ، ولكن أعداء أل محمد طغوا فختم الله على قلوبهم ، وينطقون بغير علم .

 


 

الإشعاع الثاني :

رفع الإمام الحسين للمصحف يوم كربلاء وتعريفه لنبذة الكتاب:

يا طيب : إن الله بالغ أمره ولا حول ولا قوة إلا بالله علي العظيم ، وأن الإمام الحسين عليه السلام ، عرفت أنه يعرف القوم وضلالهم وأنه سيقتلونه في هذا اليوم مع كل أصحابه ، وذلك لما شرب أعدائهم من حب أئمة الكفر والباطل ، واغترارهم بما وعدوهم من زينة الحياة الدنيا .

 ولكن الإمام عليه السلام : كان يعمل بما يجب عليه ، لكي يعرف الناس طغيان أئمة الباطل ودينهم وجورهم وانقلابهم بعد رسول الله على آله  ، وهجرهم بل إظهار العداء لهم ولكتاب الله ، فأقترن يوم كربلاء سيد الشهداء وشباب أهل الجنة ، مع سيد الكتب المطهر ، والشاهد لطهارة الإمام الحسين وآله ومصدقه ، فقرنه بنفسه وأخذه بيده ودعى القوم لنصرته والرجوع لهداه ، وترك الظالمين وضلالهم وجورهم وفسقهم وفجورهم لكنهم لم يستجيبوا له ، ولكي تعرف هذه الحقيقة الكريمة يوم كربلاء ، كيف ناشدهم وقال لهم كما رووا عنه عليه السلام : قال ابن الكثير في الكامل :

ركب الحسين : دابته :

ودعا بمصحف

فوضعه أمامه

 واقتتل : أصحابه بين يديه.

فرفع يديه ثم قال :

 اللهم : أنت ثقتي في كل كرب ، ورجائي في كل شدة .

 وأنت : لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة .

 كم من همٍ : يضعف فيه الفؤاد ، وتقل فيه الحيلة ، ويخذل فيه الصديق ، ويشمت به العدو.

 أنزلته بك : وشكوته إليك ، رغبةً إليك عمن سواك ، ففرجته وكشفته وكفيتنيه .

فأنت : ولي كل نعمة ، وصاحب كل حسنة ، ومنتهى كل رغبة[30].

يا طيب : لماذا لم يستجيبوا للإمام الحسين عليه السلام فيكفوا عنه كما كفوا عن حرب معاوية حين رفع المصاحف في صفين [31]، أنظر الهامش .

 وإن الإمام الحسين : أيضا رفع المصحف ولكنهم لم يقبلوا منه ، وإنما كانوا متهاونين لا يعترفون بالقرآن العظيم وما يدعوا إليه من حقه وولايته وسيادته وصدقه وتطهيره ، ولذا قال الإمام الحسين يوم كربلاء حين خاطب أهل الكوفة :

بعدا وسحق : لطواغيت هذه الأمة ، وبقية الأحزاب.

ونبذة الكتاب

ومطفئ السنن ، ومآخي المستهزئين .

الذين جعلوا القرآن عضين[32].

يا طيب : بعد الذي عرفت فهل يحق لمسلم أن يأخذ أحاديث رسول الله ودينه وهداه ممن قاتل الحسين وروى فكره دين واستحسانه في نصر الظالمين هدى ، وبقية حرب الخندق وأحزاب الكفر والنفاق ، ولم يعترفوا بحقه في القرآن حيث طهره وصدقه .


 

الإشعاع الثالث :

معارف القرآن المجيد عند الإمام الحسين وأهمية تفسيره:

يا طيب: إن الإمام الحسين السيد المطهر صاحب سيد الكتب بعد آله لم يستجاب له ولم يسمع منه هدى الله ولا حب الناس في زمانه أن يكونوا معه ولا أن يطيعوه في هداه ، وتبعهم ناس كثير إلى الآن ، لأن السلطة كانت بأيدي حكام معادون لمحمد وآله صلى الله عليهم وسلم ولدينه في الجاهلية وحين جاء الإسلام ، ومضوا لضلالهم وإن استسلموا لما غلبهم رسول الله في فتح مكة ، ولكنهم صاروا منافقين ، ظهر عدائهم حين تمكنوا بمكرهم وخدعهم الشيطانية من السيطرة على الحكومة الإسلامية .

فصار : من لم يعرف تأريخ الدين وكيف صار الرواة ومن يدعي الفقه أغلبهم في خدمة أعدا أعداء أل محمد ودينهم وهداهم ، ومن ألف كتب الحديث تبع وعاظ الظالمين وجعل أحاديثهم أسس ما يسميها بالصحيح والمسند عن أتباع وولاة أئمة الضلال ممن يجعل نفسه طيب وهو يقاتل الحسين ودينه ، ولم تجد في كتبهم من رواية الحديث عن الحسين وآله عليه السلام إلا نزر يسير جدا ، بل بعضها لم ترى فيها من تفسيره وحديثه عن رسول الله شيء ، وتبعهم الناس من غير دراية .

ولكن يا طيب : الحق أبلج وصبحه مسفر ، وذكر الإمام الحسين في كل مكان يناديهم ويعرفهم شأنه ، وما صار الناس إليه بعد رسول الله ، وقد أقام الإمام الحجة على كل البشر ، وليس فقط على من ضل بضلال الأولين ممن يدعي الإسلام بدون فهم .

وحجة الله تامة : ولا حجة لمن تبع أئمة الضلال وسادة الباطل ، ولم يتبع سيد شباب أهل الجنة وحبيب رسول الله ومن علمه التفسير والصلاة سيد المرسلين صلى عليه وآله وسلم ، وتدبر هنا يا طيب أحاديث كريمة عن الإمام الحسين عليه السلام ترى فيها العجب من تعريفه لأسس القرآن وما يجب من التدبر به ، وتبريه ممن يحرف القرآن وتفسيره ، وإنه في زمان كان الضلال منتشر وتبع أئمة الكفر ناس عادوه فصاروا حزبين:

ويا طيب : عرفت حب الإمام الحسين لتلاوة كتاب الله ، بل تلاوته للقرآن في آخر ليلة من حياته المباركة ، بل جادله خبيث يدعي أنه طيب حين تلاوته للقرآن كما عرفت في الإشعاع السابق ، بل عرفت أنه قال عليه السلام:

 إن الله : يعلم إني أحب تلاوة القرآن ، وأنه نشر المصحف أمامه وقاتل ، بل مر ويأتي حديث أنه نزل الوحي في بيوتهم بكتاب الله ، وكان رسول الله يعلمهم كل شيء ، وغيرها من الأمور المتعلقة بفضل كتاب الله ..

والآن يا طيب : تدبر هذا الحديث في معرفته بحقيقة القرآن وكيف يخاطب الله العباد حسب علمهم في كتاب معجز واحد ، فيفهمه الإمام بكل ما يراد من تفسيره وتأويله ، وإنه من الراسخون بعلمه ، ويجب الرجوع لهم لمعرفته ، من ليس له مثل حظهم :

قال الحسين بن علي صلوات الله عليهما :

كتاب الله عز و جل :

على أربعة أشياء :

على العبارة ، و الإشارة ، و اللطائف ، و الحقائق.

فالعبارة : للعوام .

و الإشارة : للخواص .

و اللطائف : للأولياء .

و الحقائق : للأنبياء .

 و قال الإمام الحسين عليه السلام :

 القرآن :

 ظاهره أنيق .

 و باطنه عميق

[33].

وعميق معارف كتاب الله : وسيد الكتب هو ممن خص بها سادة العباد وأولياء أمر الله ، وهم ممن طلب الله من كل الناس أن يطلبوا لأن يهديهم لصراطهم المستقيم ، لأنهم هم المنعم عليهم بهداه ومعارفه ، ولذا من سدده الله نصر الحسين وآله ولا يتعلم إلا منهم فيسألهم، ونذكر هنا قسم من حديثه مع أهل البصرة مما يتعلق بمعرفة القرآن ويأتي تمامه:

عن جعفر بن محمد عن أبيه الباقر عن أبيه علي بن الحسين عليهم السلام :

أن أهل البصرة : كتبوا إلى الحسين بن علي عليه السلام ، يسألونه عن الصمد .

فكتب إليهم : بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد :

فلا تخوضوا في القرآن .

و لا تجادلوا فيه .

و لا تتكلموا فيه بغير علم .

فقد سمعت : جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، يقول :

من قال : في القرآن بغير علم .

فليتبوأ مقعده من النار [34].

ويا طيب : لكي تعرف أنه في زمانه في أول نشر دين الله ودخول الناس في الإسلام ، كان هناك منافقون ضالون كمن قاتله ، بل من غيرهم في بقاع الله التي فتحت عنوة الكثير ، ممن استسلم ولم يسلم ولم يدخل الإيمان في قلبه ، أخذ يعلم الكتاب ويفسر بفكره ، ولذا :

قيل للحسين بن علي عليه السلام :

إن فلانا:  زاد في القرآن ، و نقص منه .

فقال عليه السلام : أومن بما نقص ، و أكفر بما زاد   [35].

يا طيب : والإمام الحسين عليه السلام كفر بكل ما يخالف كتاب الله من تفسير وتحريف ، وإن الحق والإيمان ونص معارف التفسير والشرح يؤخذ منه ومن آله عليهم السلام وممن علموه ، وإلا من أخذ علومه من غير أل محمد عليهم السلام فقد أخذ من ليس بعالم يصدقه كتاب لله وغير طاهر في فكره لأنه مخالف لهم ، وليتبوء مقعده من النار كصاحبه الذي تعلم منه وهو مخالف لأل محمد فضلا عمن عاداهم .

 


الإشعاع الرابع :

فضل تعلم وتعليم القرآن عند الإمام الحسين وثواب تلاوته :

يا طيب : حب الإمام الحسين عليه السلام لكتاب الله قد عرفته ، وإن من يحب شيء يظهر في كل تصرف له ، وبالخصوص إن كان فيه تعاليم الله وما يجب أن يعبد به ، وإليكم حديث كريم عن الإمام الحسين يظهر به اهتمامه بتعلم وتعليم كتاب الله ، وحبه وتكريمه لمن يعلمه وتقديره لمن هم أهل المعروف ، وقد عرفت أن الإمام الحسين في كرمه يجعل المعروف بقدر المعرفة ، وإن قيمة كل امرأ ما يحسنه ، ومر بأحاديث الذكر السابق ، وكان يسأل من يسأله ، والآن أنظر كرمه لمعلم كتاب الله القرآن المجيد :

روي : إن عبد الرحمن السلمي:

علم : ولد الحسين ، الحمد .

فلما قرأها على أبيه .

أعطاه ألف دينار ، و ألف حلة .

و حشا فاه درا .

فقيل له : في ذلك ؟

قال عليه السلام : و أين يقع هذا من عطائه.

 يعني : تعليمه .

و أنشد الحسين عليه السلام[36]   :

إذا جادت الدنيا عليك فجد بها      على الناس طرا  قبل أن تتفلت‏

فلا الجود  يفنيها إذا هي أقبلت      و لا البخل يبقيها إذا ما تولت‏

يا طيب : لعله تقول لم يسأل أبو عبد الله السلمي وأكرمه هذا الكرم ، فأعرف أن أبو عبد الرحمن رحمه الله كان من أخلص تلاميذ الإمام علي عليه السلام ، وتعلم هو من الإمام علي كتاب الله وتلاوته ، والآن ما تسمع تلاوة حفص عن عاصم ، فهي عن أبو عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب ، ولذا أعتمده الإمام لتعليم ولده .

وإن هذا التكريم : الكثير الذي قد يصعب على بعض تصديقه ، لا يكون غريب لمن عرف أن الإمام أعطى ألف دينار لعدة أسأله ، فكيف لمن هو عارف بكتاب الله ومعلم له ، ويعرفه الإمام حق المعرفة ، وأراد بهذا أن يظهر قدره وفضله وتشريفه لعلمه بكتاب الله ، ويكرمه أعلى تكريم يسمع لأحد بما فضله الله تعالى بالعلم بكتاب الله .

يا طيب : بعد أن عرفنا أهمية كتاب الله عند الإمام وتعلمه ،  فأعرف فضل تلاوته عنده عليه السلام ، فقد روي عن جابر عن مسافر : عن بشر بن غالب الأسدي :

 عن الحسين بن علي عليه السلام قال :من قرأ آية : من كتاب الله عز و جل في صلاته قائما ، يكتب له بكل حرف مائة حسنة .

فإذا قرأها : في غير صلاة كتب الله له بكل حرف عشر حسنات .

و إن استمع القرآن : كتب الله له بكل حرف حسنة .

و إن ختم القرآن : ليلا ، صلت عليه الملائكة حتى يصبح .

و إن ختمه نهار : صلت عليه الحفظة حتى يمسي .

و كانت له : دعوة مجابة .و كان : خيرا له مما بين السماء إلى الأرض .

قلت : هذا لمن قرأ القرآن ، فمن لم يقرأ .

قال : يا أخا بني أسد ، إن الله جواد ماجد كريم .

 إذا قرأ : ما معه ، أعطاه الله ذلك [37].

وعن فايد مولى عبيد الله بن أبي رافع قال : حدثتني سكينة بنت الحسين بن علي : عن أبيها قال

: قال رسول الله صلى الله عليه وآله سلم :

 حملة القرآن : عرفاء أهل الجنة يوم القيامة [38].

ويا طيب : بعد أن عرفنا ثواب وفضل سيد الكتب عند سيد العباد ، سيأتي شعر في كتاب الله ونزوله في بيوتهم ، ومعارف أخرى من تفسيره فتابع سيدنا الحسين يا موالي.


 


[1]الخصال ج1ص178ح 239 ، 241 ، الأمالي ‏للصدوق ص268م45ح15 ، الأمالي ‏للطوسي ص448م16ح1002-8 ، بحار الأنوار ج66ص63ب30ح9 . الأمالي الشجرية ج1ص4 .

[2] المناقب ج4ص69 ، بحار الأنوار ج44ص192ب26ح5 .

[3] مستدرك ‏الوسائل ج11ص245ب15ح12881-35 .

[4] بحار الأنوار ج95ص219ب2 .

[5] إرشاد القلوب ج1ص97ب32 .

[6] آداب العلماء والمتعلمين ج1ص28.

[7] تاريخ اليعقوبي ج1ص207 .

[8] الأذكياء ج1ص10 .

[9] إرشاد القلوب ج1ص29ب4 .

[10] إرشاد القلوب ج1ص40ب7 .

[11] تفسير الإمام‏ العسكري ص327ح 179 . بحار الأنوار ج68ص184ب64 .

[12] عيون‏ أخبار الرضا عليه السلام ج2ص44ب31ح 156 ، صحيفة الرضا عليه السلام ص81ح 178 . الدعوات ص34ف2ح79 . بحار الأنوار ج70ص353ب137ح54 .

[13] الاستيعاب في معرفة الأصحاب ج1ص116 .

[14] الكافي ج3ص265ح5 ، 4 .

[15] الكافي ج3ص267ح13 .

[16] الإرشاد في معرفة حجج الله على العباد ج2ص89 .  بحار الأنوار ج44ص391ب37ح2 .

[17] الإرشاد ج2ص89 . بحار الأنوار ج44ص391ب37ح2 . تاريخ الطبري ج3ص317 .

[18] تاريخ الطبري ج4ص334 . بحار الأنوار ج45ص21 .

[19] بحار الأنوار ج45ص21 . مثيرالأحزان ص : 66 .

[20] الكافي ج2ص21ح8 .

[21] الإرشاد ج2ص28 .بحار الأنوار ج43ص275ب12ح43. والسنن الكبرى للنسائي ج5ص50ح8170، وفيه ذات يوم يصلى بالناس فاقبل الحسن والحسين رضى الله عنهما وهما غلامان فجعلا يتوثبان على ظهره إذا سجد والباقي نفسه ، ومسند ابن أبي شيبة ج1ص 642 ح397 . صحيح ابن خزيمة ج3ص438ح851 ، صحيح ابن حبان ج28ص481ح7096 ، مسند أبي يعلى الموصلي ج10ص273ح4887 . السنن الكبرى للبيهقي ج2ص263 .

[22] تاريخ اليعقوبي ج1ص207 .

[23] علل‏ الشرائع ج2ص331ب30ح1 . المناقب ج4ص73 . وسائل ‏الشيعة ج6ص20ب7ح 7238 ، باب افتتاح الصلاة بسبع تكبيرات . بحار الأنوار ج44ص194ب26ح7.

[24] عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج2ص45ب31ح 167. بحار الأنوار ج22ص273ب5ح18.

[25] فلاح ‏السائل ص269ف30، تاريخ اليعقوبي ج1ص207، اللهوف ص94م2, مجموعة ورام ج2ص201، بحار الأنوار ج44ص195ب26ح10وج79ص311ب4.العقد الفريد ج3ص126.

[26]الجعفريات ص238 .

[27]الجعفريات ص180 كتاب التفسير .

[28]الجعفريات ص198,

[29] الإرشاد ج2ص89 . بحار الأنوار ج44ص391ب37ح2 . تاريخ الطبري ج3ص317 .

[30] الكامل في التاريخ ج2ص170 . وذكره رفع المصحف في المنتظم لابن الجوزي ج2ص198 . تاريخ الطبري ج4ص321 .

[31]بحار الأنوار ج32ص532ب12ح449 . وقعة صفين لنصر بن مزاحم المنقري ص489 .

وفي قصة رفع المصاحف جاء :

 لما رفع أهل الشام : المصاحف على الرماح .

قال علي عليه السلام ، أيها الناس إني أحق من أجاب إلى كتاب الله ، و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و ابن أبي سرح و ابن مسلمة ، ليسو بأصحاب دين و لا قرآن ، إني أعرف بهم منكم ، صحبتهم صغارا و رجالا ، فكانوا شر صغار و شر رجال .

ويحكم : إنها كلمة حق يراد بها باطل ، إنهم ما رفعوها و إنهم يعرفونها و لا يعملون بها ، و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة ، أعيروني : سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة ، فقد بلغ الحق مقطعه ، و لم يبق إلا أن يقطع دابر الظالمين‏ .

فجاءه من أصحابه : زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد ، شاكي السلاح ، سيوفهم على عواتقهم ، و قد اسودت جباههم من السجود ، يتقدمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين ، و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد ، فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين ، قالوا :

يا علي : أجب القوم إلى كتاب الله ، إذا دعيت إليه ، و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان ، فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم .

فقال لهم علي عليه السلام : ويحكم ، أنا أول من دعا إلى كتاب الله ، و أول من أجاب إليه ، و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله ، إني إنما أقاتلهم ليدينوا بحكم القرآن ، فإنهم قد عصو الله فيما أمرهم ، و نقضوا عهده ، و نبذوا كتابه ، و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم ، و أنهم ليس العمل بالقرآن يريدون .

قالوا : فابعث إلى الأشتر ليأتيك ، و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير ، قد أشرف على عسكر معاوية ليدخله .....

وجاء أيضا في جملة تخاذلهم ودعوتهم إلى الدعة :

فقام الأشعث : مغضبا ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس ، و ليس آخر أمرنا كأوله ، و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام مني ، فأجب القوم إلى كتاب الله عز و جل ، فإنك أحق به منهم ، و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال.

فقال علي عليه السلام : هذا أمر ينظر فيه ، و نادى الناس من كل جانب الموادعة الموادعة  .

وعن أبي صالح الحنفي قال : رأيت علي بن أبي طالب :

آخذا بمصحف : فوضعه على رأسه ، حتى إني لأرى ورقه تتقعقع .

ثم قال : اللهم إنهم منعوني أن أقوم في الأمة بما فيه ، فأعطني ما فيه .

ثم قال : اللهم إني قد مللتهم وملوني ، وأبغضتهم وأبغضوني ، وحملوني على غير طبيعتي وخلقي ، وأخلاق لم تكن تعرف لي ، فأبدلني بهم خيرا منهم ، وأبدلهم بي شرا مني . اللهم : أمث قلوبهم ميث الملح في الماء ، قال إبراهيم يعني أهل الكوفة . تاريخ دمشق ج42ص534، مختصر تاريخ دمشق ج5ص440 . و المَثْمَثَةُ: التَّخلِيط؛ يقال: مَثْمَثَ أَمْرَهُم إِذا خَلَّطه.

[32] الاحتجاج ج2ص300، المناقب ج4ص110. بحار الأنوار ج45ص83ب37 .

[33] بحار الأنوار ج89ص20ب1ح18 . جامع ‏الأخبار ص41ف21 .

[34] معاني ‏الأخبار  ص6ح3. التوحيد ص90ب4ح3 ، المقام‏ الأسنى ص54 .

[35] متشابه‏ القرآن ج2ص77.

[36] المناقب ج4ص66 . بحار الأنوار ج44ص190ب26ح3 .

[37] الكافي ج2ص611ح3، الوسائل ج6ص187ب11ح7691 . عدة الداعي ص287ب6ح9 .

[38] المعجم الكبير ج3ص132ح2899 . تاريخ اليعقوبي ج1ص207 . تفسير ابن كثير ج1ص96.

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com