بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام

مجالس ذكر الحسين للأولين أسوة وقدوة وبيان لشأنه الكريم

وحقائق نهضته وأسبابها والظروف المحيطة بها

ومسيره المبارك من المدينة المنورة حتى ليلة العاشر من المحرم في كربلاء

مصباح هدى

أسباب نهضة الإمام الحسين عليه السلام

وإن مجالس ذكره للأولين أسوة وقدوة وبيان لشأنه الكريم

 

النور الأول

الجواب على سبب قيام الإمام الحسين مع قلة الناصر والمعين

الإشراق الأول :

 قام الإمام الحسين عليه السلام بثورته لإحياء سنة الدين بأمر الله:

يا طيب : إن شأن الإمام كريم ومنصب الإمامة مقام عالي عظيم كريم ، وهو بأمر الله سبحانه وبتأييده وبوحيه وبإيحائه لولاة أمره في عبادة يتحققون به ، فيؤيدوا بروح القدس ونور الله الذي به يكون الإمام معلما لعباد الله كل ما يحتاجون له من أمر دينهم ، وقد عرفنا سبحانه شأن الإمامة وأهميتها في الوجود الكوني فضلا عن الإنساني ، وبالخصوص بعد ختم النبوة ، وإنه لا يستغني عنها البشر ، لأنه قاطع للخلاف بين المسلمين ، فلا يكونوا مذاهب مختلفة وكلهم لهم الحجة عند الله سبحانه .

لأنه : من يختلف عن الإمام الحق لم يصب الهدى الإلهي المراد لله في عباده ، ومن يدعي الإمامة ليس بحق ويفتي بما يراه مخالف للإمام الحق أو وافقه ولم يكن معترف بإمامة الإمام الحق ، يكون إمام ضلال أو يكون تابع لطاغية ، لأنه يصرف الناس عن معرفة الحق وأهله ، ويكون فتنة لعباد الله ومفتيا برأيه أو قياسه أو استحسانه ، وذلك لأن الله سبحانه أتقن دينه وهداه كما أتقن خلق التكوين وكائناته ، ولم يرضى بالاختلاف بجزء من هداه فضلا إن يكون في أغلبه أو كله وبالخصوص في معرفة عظمته وبما يعبد به ، ولذا جعل لهم إمام حق وولي دين واحدا في كل زمان يجب طاعته وإتباعه.

وإنه قد عرفنا : أدلة إمامة الإمام الحسين عليه السلام في جزء سابق ، وبتفصيل جميل وواضح كريم ، كما وعرفنا إن الله يختبر عباده ويمتحنهم بعد أن يعرفهم الحق وأهله كما مر في الجزء الأول ، وإنه سبحانه لم يجبر أحد على دينه بل جعلهم يختارون ما يشاءون بنعمته ، وبقدرة منه مكنهم على ما يعملون ويختارون وإن كان خلاف هداه الحق ، فإنه لم يكرههم على عمل معين ، وإنما الجزاء بثواب الجنة لمن يختار العمل وفق هداه ، والعقاب بالنار لمن يختار ما نهى عنه .

وإنه سبحانه : بيّن صراط الحق والمنعم عليهم بهداه ، وكل خير يُصلهم لعبوديته بحق واقع ، ووفق تعاليم مصطفين أخيار أختارهم على علم على الناس وجعلهم ولاة أمره وأئمة للمؤمنين ، وعرفهم كل خير يوصلهم لرضاه والجنة فأمرهم به ، وكل شر يمنع عن الشأن الكريم للإنسان وما به كرامته فحرمه عليهم .

فلذا وجبت : إطاعة الإمام الحق ، ولا يحق لأحد مخالفته ، كما وإنه لا يحق لمسلم أو غيره أن يتبع سلطان ظالم مخالفا للإمام المفترض الطاعة بأمر الله ، ومقرا له بظلمه وراضيا بفعله قلبا وأيمانا مهما كان ، وإنه من أهم معارف الدين هو الأمر بالمعروف وإقامة العدل والإصلاح والنهي عن المنكر والظلم والفساد .

فلذا كان لم يسع الإمام الحسين عليه السلام : إلا رفض الظلم ومقاومته ، والدعوة لطلب الإصلاح وإقامة العدل والهدى والصلاح في عباد الله ، وحتى لو كان يستوجب الأمر شهادته وآله كلهم معه ، فيكون منتصرا حين سفك دمه ، وحين يرى الناس شدة الظلم بأن يقتل أبن بنت رسول الله ويسبى آل رسول الله ، ولا يمكن لأحد أن يعترض على الحاكم المتسلط ، فيعرف المسلمون خطورة الأمر الذي حل بالمسلمين عن بصيرة ، فيعرف الحق والهدى من يطلبه على الطول التأريخ بأنه عند الحسين وآله عليهم السلام ، ولم يقنع بما حال إليه الأمر من تولية متجاهر بالفسق والفجور والظلم والعدوان ، بل ويرفض من رضا به ممن سبقه من الحكام ، فلا يأخذ دينه وسنة رسول الله وتفسير كتاب الله ممن كان على بلاطه أو تابع له ولا من تابع لتابع له ولا حتى من كان تابعا لمن سلطه على طول التأريخ ، بل يتبع آل البيت وأصحابهم عليهم السلام ويجعلهم قدوة له فيتعلم منهم دين الله الحق ويقيم به العبودية لله .

وهذا هو الحق : بما أقدم عليه الإمام الحسين عليه السلام من التضحية بنفسه وآله وماله وكل ما يملكه من أجل تعريف الحق وهدى الله عنده وعند آله ومن تبعهم ، وإن الله به عصم المسلمين من الاختلاف في معرفة الحق ، وبفضل الإمام الحسين عليه السلام ونهضته صار هذا واضحا بينا لكل عاقل يطلب الدين عن بصيرة وبدليل محكم ومعرفة حقه ، فيعرف أن من تخلف عن منهجه عليه السلام أو عانده ، لم تكن له حجة عند الله مهما أفتعل أو خلقوا له ممن سبقه من أئمته المخالفين لأهل البيت من أعذار علما وعملا ، ومهما برروا من عمل يزيد ومن سبقه بالفضل والصلاح ومن أفتى وعلم وهو مقر لمن غصب مقام أهل البيت ، أو قاتل تحت راية يزيد ومن سبقه ممن قاتل آل البيت عليهم السلام ، أو ممن منعهم من تعريف هدى الله الحق سبحانه حين غصب خلافة رسول الله منهم ، وأجلسوهم في بيوتهم لا يحلون ولا يربطون ولا يحق لهم أن يعينوا الولاة ولا أئمة المساجد ، ولا تعليم الناس بشكل واسع ، ولذا يكون من تبع من غصب الخلافة من أئمة الحق ، قد تنكر للحسين وآله وصحبه وأتباعه علما وعملا ، فلم يأخذ تعاليمه منهم ولم يقتدي بهم ولا تبع هداهم واقعا ،فيكون واقعا مخالف للدين الحق .

وإن الإمام الحسين عليه السلام : لو لم يقم بواجبه في التضحية لما عرف قوة وعمق ضلال من خالف أهل البيت عليهم السلام ، وفسادهم وأنهم لم يراعوا حرمة رسول الله ، و لكانت تعاليم أئمة الضلال حق والمنكر معروف لأنه عمل به حكام الزمان الأول للمسلمين ولا مُنكر لهم .

ويا طيب : بعد أن عرفنا هذه المقدمة ، نذكر هنا بعض ما أشكله بعض معاندي الحسين عليه السلام وبقي على مذهب يزيد ومن سبقه أو من تبعه وتابعي تابعيه ، ثم نجيب عليها بصورة مجملة ومفصلة ، وسترى في فيما يأتي من تفاصيل هذه الصحيفة المباركة معارف من الهدى الحق التي تبين أن الحق مع آل محمد الحسين وآله وتابعيه صلى الله عليهم وسلم ، وإن خلافهم خلاف الحق وهو الضلال عن الهدى ، ومهما كان لمخالفيهم من المناصب أو استشكلوا ليبرروا عمل أئمتهم وولاة أمرهم ممن سبق .

وإذا عرفنا هذا البيان الوجداني العقلي لأهمية ثورة الإمام الحسين ونهضته ، فلندخل في بيان قرآني من كلام الله وبعده من كلام رسوله وآله الطيبين الطاهرين .


 

الإشراق الثاني :

أدلة قرآنية في تعريف شأن الأئمة والمصطفين الأخيار :

يا طيب : عرفت شأن الإمامة وأهميتها في جزء سابق ، وهنا نبين مختصرا في الإمامة ، وأنها من اختيار الله واصطفائه ، وإنه لابد للإنسان من إمام وولي دين حق :

قال الله تعالى في بيان اختياره واصطفائه لأوليائه وأئمة الحق :

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ

مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ

سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)

وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69) } القصص .

فالله سبحانه هو الذي يختار ولي الدين والإمام : ولا يحق لأحد أن يختار وينصب إمام له ، ولا أن يقلد ولي دين يختاره بهواه أو تقليدا لآبائه ، بل يجب أن يبحث عن إمام الحق وولي الدين المختار لله سبحانه في عباده ، فإن الله سبحانه كما عرف الإنسان بفطرته وبتدبره في الخلق وبتعقله إنه له إله وخالق ورب معتني به ويمده بنعيم التكوين والهدى ، فطلب دينه وعرف رسوله ، فلابد أن يعرف من الصادق في تعريف دين الله بعد رسول الله ، ومن هو ولي أمره ودينه في زمانه ، لأنه الله سبحانه هو الذي يصطفي من يشاء ، كما عرفت وكما قال الله سبحانه :

{ اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (75)

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (76) } الحج .

فإن الله عالم بحقائق الناس فيصطفي سبحانه : مَن يعلم أنه أخلصهم له في تعلم دينه ، فيجعله منعم عليه بتعليم هداه ، وإمام حق وولي دين صادق ، فيخلف رسول الله بأمر الله ، فيُنجي عباده من الاختلاف ولا يتبعون كل مدعي للإمامة والولاية ، بل جعل لهم إمام حق بعد رسول الله ، ومن خالفه يكون إمام باطل ، كما قال سبحانه :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

 فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

وإمام الحق : هو الهادي للمؤمنين الصادقين بعد إنذار رسول الله ، وكل قوم لهم إمام وهادي في زمانهم ، ولا يخلو زمان منه كما عرفت أنه لكل قوم على طول تأريخ البشري إمام حق وهو الهادي لهم كما قال سبحانه :

{ وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْلا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ

إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ (7) } الرعد .

وإذا عرفنا : أن الله هو الذي يختار ويصطفي إمام حق هادي وولي دين ، فلابد أن نبحث عنه ونتبعه ، ولا يحق لنا مخالفته فضلا من أن نتبع مقاتليه ومخالفيه ، وإذا عرفنا هذا فلنذكر بعض الآيات التي تعرف إمامة أهل البيت عليهم السلام بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

 

وأما الآيات التي تعرف :

 أن إمام الحق : والهادي وصاحب الصراط المستقيم المنعم عليه بتبليغ هدى رسول الله بعده ، هو من آل نبينا الأكرم وقرباه عليهم السلام ، هو كما قال تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى

فأجر تبليغ الرسالة : مناسب لها في تعليم الهدى ، وهو أن نود القربى الذين يكون بإتباعهم يتحقق علمنا بهدى الدين القيم ، والإيمان الحق بمعرفة عظمة الله منهم ، وبالإقتداء بهم يتم العمل الصالح ، وبإتباعهم تُقترف وتكرف الحسنات، لأنه يكون وفق هدى الله سبحانه ، لأنه مودة القربى هو الإقتداء بهم والتعلم منهم ، وبهذا يكون الله غفور شكور لعباده لإتباعهم أئمة الحق وأولياء دينه بصدق .

وهذه حجة الله : تامة في آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وعرفها سبحانه بكل سبيل حتى قال سبحانه فيمن يعاندهم ويخالفهم أنه محجوج كاذب ملعون :

 { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

فَقُلْ تَعَالَوْاْ

نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ

وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

والإمام الحسين عليه السلام : هو أحد الخمسة الذين جاء بهم النبي الأكرم بأمر الله لكي يباهل بهم من يخالف تعاليمه ولا يرضى بهداه ، سواء في معارف التوحيد أو غيرها من تعاليمه ، فإنه جاء النبي بالحسين محتضننا له وبيده اليمنى الإمام الحسن وهما بمثابة أبناءنا الصادقين كما في الآية ، وخلفه فاطمة بنته وهي أم الحسنين زوجة وصيه الإمام علي عليه السلام بمثابة أزواجنا كما أمره الله في الآية ، وخلفها الإمام علي الذين هو نفس رسول الله ، وذكر هذا كل من ذكر هذه الآية المباركة في تفسيره ،  أو ذكر سيرة رسول الله وتأريخ حياته وجهاده ، وبالخصوص من ذكر هذا اليوم المبارك .

 وإن الإمام الحسين عليه السلام : ما قام به لهو الحجة على كل من سمع بتضحيته وبأهداف ثورته ، وعليه أن يتبعه ويتبع أنصاره ويقتدي به ، ويعرف سيرته وسلوكه وكل تفاصيل حياته وهداه وما علمه وما طلب من إقامة الدين من أولياءه ، و بهذا يتخذه إمام وولي حق ، وهذا تصديقه في الآية السابقة بأنه لم يكذب ، بل له عليه السلام الحجة على كل مدعي للإمامة غيره وغير آله عليهم السلام على طول التأريخ .

وهذه أمانة الله فصلها في كتابه حتى قال سبحانه وتعالى :

{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ

إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ

وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ

فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) } النساء .

فإن الحسين هو الولي الحق الذي يجب إطاعته : بعد آباءه الكرام ، وله الحجة على كل من علم بولايته وإمامته وقرابته ، وأن الله أختارهم كأجر للرسالة وعرفهم بكل سبيل ، بأنهم هم المنعم عليهم بهداه ، والذين نسأل الله أن يهدينا لمعرفتهم في سورة الفاتحة أهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم ، ولا نعم أعلى وأكرم من معرفة الهداية والهداة وأئمة الحق ، فالحسين وآله صلوات الله عليهم هم من كان مطهر بأية التطهير  وكما عرفته في آية المودة للقربى والمباهلة ، وهو كوثر الخير وبالبركة وغيرها من آيات الولاية والعلم الذي خصه الله بمن اصطفاهم وأختارهم من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

وهذه ولاية الله كما في الآية أعلاه : أمانة في أعناقنا ، ويجب أن تبع ونطيع من أختارهم الله واصطفاهم ، وحين نقرأ تأريخ الإسلام يجب أن نعرف أئمة الحق ونطلب هداهم من خلال تصرفهم وسيرتهم وسلوكهم وتعاليمهم لنقتدي بهم ، ولا يحق لإنسان أن يتبع ولاية وإمامة مخالف لهم أو تابع لمخالف لهم مهما كان ، لأنه يكون من حزب مخالف لحزب الله الذين صدقهم الله وأمر بإتباعهم كما قال سبحانه :

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ

وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)

وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ

فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56) } المائدة .

ومن تصدق بالصلاة راكعا : هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ومن بعده لابد أن يكون ولي الأمر للمسلمين هم آله الكرام آل رسول الله الحسن ثم الحسين ثم المعصومين من ذرية الحسين إلى يوم القيامة ، ولهم يرد الأمر كما قال الله سبحانه ، وهو الإمام الذي ندعى به يوم القيامة والهادي بعد إنذار رسول الله كما عرفت ، وقد قال الله سبحانه وتعالى :

{ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ

 وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ

لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ

وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83)

 فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ

وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ

وَاللّهُ أَشَدُّ بَأْسًا وَأَشَدُّ تَنكِيلاً (84) } النساء .

وولي الأمر الذي يرد له الأمر حين الاختلاف بين المسلمين : لابد أن يكون مصطفى مختار من الله وقد عرفه الله ورسوله ، وهو الذي أمرنا الله أن نرجع له حين الاختلاف وهو الذي عنده علم الكتاب والراسخ بعلمه ووارث معرفته ، ويكون قوله الفصل ولا يجوز لإنسان أن يتبع من يخالفه مهما كان ، وما بينه وسار به هو بأمر الله الذي خصه به في ليلة القدر وتأييده بالروح ، وما يفرق فيها من كل أمر حكيم ، وهي مختصة بإمام العصر وولي الأمر في كل زمان ، إمام بعد إمام ، وبحيث يدعى به كل قوم يوم القيامة  كانوا في زمانه ، فيصدقهم أنهم من أتباعه ، وإلا يكون تابع لإمام ضال.

والإمام الحسين عليه السلام : كان مكلف بأمر الله سبحانه أن يقوم بنهضته ، وأن يقاتل أئمة الكفر والضلال والمنحرفين عن الدين ، ولو كلف الأمر حياته وحياة أعزائه من أولاده وآله وصحبه الكرام ، بل أن يُأسر آل محمد وعترة النبي الأكرم الطاهرين ، فضلا عن بذل ماله وكل ما يملك .

وبهذا إذا عرفنا : إن الإمام الحسين عليه السلام ، قاتل بما يرى من المصلحة الحتمية في شهادته وشهادة آله ، وإنه به كان البيان الكريم الدائم لصراط الله المستقيم عنده وعند آله ، وإنه لم يمحى ذكره ، بل في مجالسه تعرف كل تعاليم الله وعظمته وهداه ، وبه عرفنا أن الحق معه ومع آله عليهم السلام  .

ولا يمكن أن يقال :ما هي فائدة ثورته وإنه بلي وآله ببلاء عظيم ومصاب جليل؟!

 فإنه يقال : لو لم يثور ولم ينهض ولم يستشهد ، لكان هناك شرعية لحاكم زمانه في ضلاله وشربه للخمر وفي تسلطه بدون رضا أئمة الدين ، ولا تعرف الإمامة ولا ولاية الله في أرضه ، وكان لا يتميز معرفة هدى الله عند الحسين وآله صلاة الله وسلامه عليهم .

وآيات الإمامة والولاية كثيرة : تجدها في كل من فسر كتاب الله كتفسير الميزان للسيد العلامة الطباطبائي ، أو في كتاب إحقاق الحق ، أو المراجعات وغيرها ، بل راجع صحيفة الثقلين وصحيفة سادة الوجود من موسوعة صحف الطيبين أو غيرها مما كتب في الإمامة ، بل راجع الأجزاء السابقة من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، ترى نصوص كريمة تعرف إمامته بنص كتاب الله ، وعن رسول الله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم ،  ومر الكثير منها ، وسيأتي قسما آخر إن شاء الله .

ولقد عرفنا : رسول الله أنه عرف أن لابد للحسين من الشهادة ، وفي أحاديث كثيرة عرفنا أنه سيستشهد في كربلاء ، وبشهادته تحفظ تعاليم الدين وسترى كثيرا منها .

وإذا عرفنا هذا : وآمنا بأن الإمامة أمر إلهي لا يمكن لإنسان أن يشكل على ثورة الحسين أو على صلح الإمام الحسن عليه السلام ، فإنه لكل زمان ظروفه ، ولو حارب الإمام علي عليه السلام بعد وفاة رسول الله حين أول غصب للخلافة لمحق الدين ولم يعتنوا به ولا يجاملوا حتى في نشره ، فإنهم منعوا من كتابة الحديث ولم تكتب أحاديث رسول الله ، إلا بعد مائة وخمسون سنة كالبخاري وغيره ، ولم ينشروا كتاب الله وإن أدعوا أنهم عندهم كتاب الله ، فلم يكن مكتوبا عندهم ، ولولا الإمام علي ودفاعه ، وقد بينا هذا في محاضرات منشورة على موقع موسوعة صحف الطيبين في محاضرات شهر رمضان سنة ألف ومائة وثمانية وعشرون ، وعرفنا جهاد الإمام وبيان حقه ونشره لتعاليم الله هو وتلاميذه وأصحابه المخلصون فراجع .

كما أنه الإمام الحسن عليه السلام : لم يكن له أنصار وإن معاوية خدع رؤساء جيشه وأرادوا أن يسلموه له مكتوفا وقد طعنوه بخنجر في فخذه ، والناس كانوا حديثي عهد بالإسلام ، كما كانوا في زمان أبيه ، ولم يعرفوا أمر الإمام بالشكل المفصل الواضح ، وكان أكثر المسلمين لا يهمهم أمر الحكومة ومن يكون فيها ، فلم ينصروا الإمام الحق بل خذلوه ، فلهذا صالح بأمر الله ولم يقاوم الإمام علي عليه السلام ، وذلك حتى يتضح للناس أمر الإمامة وأهمية الإمام الحق والولي العادل بأمر الله , فيكون له أنصار .

 ولذا لما بان بشكل مفصل أمر الإمامة : في زمن الإمام الحسين عليه السلام كما سيأتي , وبان أيضا فساد الحكام وعدم عنايتهم بأمر الدين وتعاليمه ، بل كانوا حكام فاسدين ظالمين ، وأنه بموت معاوية كسرت شيء من قوتهم ، فتغيرت الظروف ، أقدم الإمام الحسين عليه السلام بثورته ، وبتضحيته أتم أعظم حجة وبيان لتبيين محل هدى الله عنده وعند آله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، وكان مسيره وسيره وسيرته وسلوكه تكملة لمسير آله جده رسول الله وأبيه الإمام علي وأخيه الحسن عليهم الصلاة والسلام .

وسنذكر يا طيب : في الإشعاع الآتي بعض البيان، فتدبر الأحاديث الكريمة لآل محمد عليهم السلام ، يتضح لكم أن عملهم وسيرهم وسيرتهم كلها بأمر الله سبحانه ، وأنهم يقدمون أو يحجمون بما به المصلحة الحتمية للمؤمنين و لمعرفة الحق والدين بحيث تقام الحجة على كل المسلمين في كل زمان .

 


 

الإشراق الثالث :

أحاديث شريفة تبين أن ثورة الإمام الحسين كانت بأمر الله :

يا طيب : بعد إن عرفنا عقلا وقرآنا إن الله يختار ويصطفي من يراه أخلص عباده في تبليغ هداه فضلا عن العلم والعمل به ، نذكر بيانا كريما يعرفنا إن أئمة الحق عليهم السلام كلهم عملوا في كل تصرف لهم كان بأمر الله سبحانه وتعالى ، وبما شرحه وبينه لهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، وإنه هذا مكتوبا عندهم في صحف ، فضلا عن كونه يصلهم بما خصهم الله سبحانه من إلهامهم بعلمه في ليلة القدر التي يفرق بها كل أمر حكيم ، وبما خصهم من تأييدهم بنوره المرافق لهم من الروح الذي يبلغهم أمر الله مما يجب عليهم علمه وتعليمه وتبليغه وعمله في كل آن وزمان هم فيه ، كل إمام في زمانه .

وبما نعرف : من هذه الأحاديث الكريمة الشريفة ، نعرف بعض التفاصيل عن كون ما قام به أئمة الحق من النهضة والثورة أو السكوت والتبليغ ، هو بأمر الله سبحانه وبتعليم رسوله صلى الله عليه وآله ، وبما خصهم الله من علمه ، وأما الأحاديث فهي :

ذكر في الكافي وبحار الأنوار : وغيرها من كتب الحديث الشريفة المختصة بإمامة أهل البيت عليهم السلام ، بابا بأن الأئمة لم يفعلوا شيئا ولا يفعلون إلا بعهد من الله عز وجل وأمر منه لا يتجاوزونه ، فقد ذكر :

في الكافي : عَنْ مُعَاذِ بْنِ كَثِيرٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ :

إِنَّ الْوَصِيَّةَ : نَزَلَتْ مِنَ السَّمَاءِ عَلَى مُحَمَّدٍ كِتَاباً ، لَمْ يُنْزَلْ عَلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وآله وسلم كِتَابٌ مَخْتُومٌ إِلَّا الْوَصِيَّةُ .

فَقَالَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام : يَا مُحَمَّدُ ، هَذِهِ وَصِيَّتُكَ فِي أُمَّتِكَ عِنْدَ أَهْلِ بَيْتِكَ .

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم : أَيُّ أَهْلِ بَيْتِي يَا جَبْرَئِيلُ .

قَالَ : نَجِيبُ اللَّهِ مِنْهُمْ وَ ذُرِّيَّتُهُ ، لِيَرِثَكَ عِلْمَ النُّبُوَّةِ ، كَمَا وَرَّثَهُ إِبْرَاهِيمُ عليه السلام ،  وَ مِيرَاثُهُ لِعَلِيٍّ عليه السلام وَ ذُرِّيَّتِكَ مِنْ صُلْبِهِ .

قَالَ عليه السلام : وَ كَانَ عَلَيْهَا خَوَاتِيمُ .

فَفَتَحَ عَلِيٌّ عليه السلام : الْخَاتَمَ الْأَوَّلَ ، وَ مَضَى لِمَا فِيهَا .

ثُمَّ فَتَحَ الْحَسَنُ عليه السلام : الْخَاتَمَ الثَّانِيَ ، وَ مَضَى لِمَا أُمِرَ بِهِ فِيهَا .

فَلَمَّا تُوُفِّيَ : الْحَسَنُ وَ مَضَى .

فَتَحَ الحسين عليه السلام : الْخَاتَمَ الثَّالِثَ .

فَوَجَدَ فِيهَا أَنْ قَاتِلْ فَاقْتُلْ وَ تُقْتَلُ

وَ اخْرُجْ بِأَقْوَامٍ لِلشَّهَادَةِ ، لَا شَهَادَةَ لَهُمْ إِلَّا مَعَكَ

قَالَ : فَفَعَلَ عليه السلام

فَلَمَّا مَضَى : دَفَعَهَا إِلَى عَلِيِّ بْنِ الحسين عليه السلام قَبْلَ ذَلِكَ .

 فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الرَّابِعَ ، فَوَجَدَ فِيهَا أَنِ اصْمُتْ وَ أَطْرِقْ لِمَا حُجِبَ الْعِلْمُ .

فَلَمَّا تُوُفِّيَ : وَ مَضَى دَفَعَهَا إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عليه السلام ،  فَفَتَحَ الْخَاتَمَ الْخَامِسَ فَوَجَدَ فِيهَا أَنْ فَسِّرْ كِتَابَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَ صَدِّقْ أَبَاكَ ، وَ وَرِّثِ ابْنَكَ ، وَ اصْطَنِعِ الْأُمَّةَ ، وَ قُمْ بِحَقِّ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ قُلِ الْحَقَّ فِي الْخَوْفِ وَ الْأَمْنِ ، وَ لَا تَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ، فَفَعَلَ .

ثُمَّ دَفَعَهَ : إِلَى الَّذِي يَلِيهِ . قَالَ قُلْتُ لَهُ : جُعِلْتُ فِدَاكَ ، فَأَنْتَ هُوَ ؟

قَالَ فَقَالَ : مَا بِي إِلَّا أَنْ تَذْهَبَ يَا مُعَاذُ فَتَرْوِيَ عَلَيَّ ؟

قَالَ فَقُلْتُ : أَسْأَلُ اللَّهَ الَّذِي رَزَقَكَ مِنْ آبَائِكَ هَذِهِ الْمَنْزِلَةَ ، أَنْ يَرْزُقَكَ مِنْ عَقِبِكَ مِثْلَهَا قَبْلَ الْمَمَاتِ . قَالَ عليه السلام : قَدْ فَعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ يَا مُعَاذُ .

قَالَ فَقُلْتُ : فَمَنْ هُوَ جُعِلْتُ فِدَاكَ ؟

قَالَ : هَذَا الرَّاقِدُ وَ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَ هُوَ رَاقِدٌ.

أي أشار لموسى أبنه عليه السلام ، وفي رواية ثانية أخرها :

وَ كَذَلِكَ يَدْفَعُهُ مُوسَى إِلَى الَّذِي بَعْدَهُ .

ثُمَّ كَذَلِكَ إِلَى قِيَامِ الْمَهْدِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ [1].

وكما توجد : روايات أخرى كثيرة ، وبعضها تفصل ما يجري في حياة كل إمام من أئمة الحق عليهم السلام ، وما يجب عليه أن يعمله من الجهاد أو السكوت والصبر ، والله خص الإمام الحسين بالشهادة مع علمه بعدم النصر الظاهري ، ولكنه كان منصورا على طول التأريخ بتعليم الدين في مجالس ذكره عليه السلام ونشر هدى الله ، ونجاة من تعلم من سيرته وسلوكه وعلمه وعمله ، فيكون في طاعة الله وعبوديته بحق .

 

كما أن في مصحف فاطمة عليها السلام :

بيان كريم : بأنهم كانوا يعلمون ما يجري من تغير أحوال الحكومات في هذه الأرض ، فضلا عما يجري عليهم  ، وبالتدبر بها وبمثلها نعرف أن إقدام الإمام الحسين عليه السلام هو بأمر الله سبحانه وبتعليم رسوله ، ويتأكد الأمر بما تفصله روايات مصحف فاطمة عليها السلام والتي منها : عَنِ ابْنِ رِئَابٍ عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ :

 سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام بَعْضُ أَصْحَابِنَا عَنِ الْجَفْرِ ؟

فَقَالَ عليه السلام : هُوَ جِلْدُ ثَوْرٍ مَمْلُوءٌ عِلْماً .

فقَالَ لَهُ : فَالْجَامِعَةُ ؟   قَالَ عليه السلام : تِلْكَ صَحِيفَةٌ طُولُهَا سَبْعُونَ ذِرَاعاً فِي عَرْضِ الْأَدِيمِ ، مِثْلُ فَخِذِ الْفَالِجِ ، فِيهَا كُلُّ مَا يَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ ، وَ لَيْسَ مِنْ قَضِيَّةٍ إِلَّا وَ هِيَ فِيهَا حَتَّى أَرْشُ الْخَدْشِ .

قَالَ : فَمُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام ؟

 قَالَ : فَسَكَتَ طَوِيلًا ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّكُمْ لَتَبْحَثُونَ عَمَّا تُرِيدُونَ وَ عَمَّا لَا تُرِيدُونَ .

 إِنَّ فَاطِمَةَ مَكَثَتْ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ص خَمْسَةً وَ سَبْعِينَ يَوْماً . وَ كَانَ : دَخَلَهَا حُزْنٌ شَدِيدٌ عَلَى أَبِيهَا ، وَ كَانَ جَبْرَئِيلُ عليه السلام يَأْتِيهَا فَيُحْسِنُ عَزَاءَهَا عَلَى أَبِيهَا ، وَ يُطَيِّبُ نَفْسَهَا ، وَ يُخْبِرُهَا عَنْ أَبِيهَا وَ مَكَانِهِ ، وَ يُخْبِرُهَا بِمَا يَكُونُ بَعْدَهَا فِي ذُرِّيَّتِهَا .

وَ كَانَ عَلِيٌّ عليه السلام يَكْتُبُ ذَلِكَ ، فَهَذَا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليها السلام [2].

وفي الإرشاد والاحتجاج‏ : كَانَ الصَّادِقُ عليه السلام يَقُولُ :

عِلْمُنَا : غَابِرٌ ، وَ مَزْبُورٌ ، وَ نَكْتٌ فِي الْقُلُوبِ ، وَ نَقْرٌ فِي الْأَسْمَاعِ ، وَ إِنَّ عِنْدَنَا الْجَفْرَ الْأَحْمَرَ ، وَ الْجَفْرَ الْأَبْيَضَ ، وَ مُصْحَفَ فَاطِمَةَ عليها السلام ، وَ عِنْدَنَا الْجَامِعَةَ فِيهَا جَمِيعُ مَا تَحْتَاجُ النَّاسُ إِلَيْهِ .

فَسُئِلَ عَنْ تَفْسِيرِ هَذَا الْكَلَامِ ؟

فَقَالَ عليه السلام : أَمَّا الْغَابِرُ : فَالْعِلْمُ بِمَا يَكُونُ . وَ أَمَّا الْمَزْبُورُ : فَالْعِلْمُ بِمَا كَانَ .

وَ أَمَّا النَّكْتُ فِي الْقُلُوبِ : فَهُوَ الْإِلْهَامُ . وَ أَمَّا النَّقْرُ فِي الْأَسْمَاعِ : فَحَدِيثُ الْمَلَائِكَةِ عليه السلام ، نَسْمَعُ كَلَامَهُمْ ، وَ لَا نَرَى أَشْخَاصَهُمْ .

وَ أَمَّا الْجَفْرُ الْأَحْمَرُ : فَوِعَاءٌ فِيهِ سِلَاحُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله ، وَ لَنْ يَخْرُجَ حَتَّى يَقُومَ قَائِمُنَا أَهْلَ الْبَيْتِ .

 وَ أَمَّا الْجَفْرُ الْأَبْيَضُ : فَوِعَاءٌ فِيهِ ، تَوْرَاةُ مُوسَى ، وَ إِنْجِيلُ عِيسَى ، وَ زَبُورُ دَاوُدَ ، وَ كُتُبُ اللَّهِ الْأُولَى .

وَ أَمَّا مُصْحَفُ فَاطِمَةَ عليه السلام :

فَفِيهِ مَا يَكُونُ مِنْ حَادِثٍ

وَ أَسْمَاءُ مَنْ يَمْلِكُ إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ

وَ أَمَّا الْجَامِعَةُ : فَهُوَ كِتَابٌ طُولُهُ سَبْعُونَ ذِرَاعاً ، إِمْلَاءُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله مِنْ فَلْقِ فِيهِ ، وَ خَطُّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام بِيَدِهِ .

 فِيهِ وَ اللَّهِ جَمِيعُ مَا تَحْتَاجُ إِلَيْهِ النَّاسُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .

 حَتَّى إِنَّ فِيهِ أَرْشَ الْخَدْشِ وَ الْجَلْدَةِ وَ نِصْفِ الْجَلْدَةِ [3].

في علم الأئمة وإنهم يعملون بأمر الله: الآيات والروايات كثيرة ، يكفي منها : ومن عنده علم الكتاب، والراسخون بالعلم، وورثة الكتاب ، وأهل الذكر ، وليلة القدر ، والكتاب والحكمة ، وأنهم شهداء، والأحاديث كثيرة تفصيلها في بحوث الإمامة .

 


 

 

 

 

 

الإشراق الرابع :

أحاديث شريفة في سبب سكوت آل محمد وحربهم في زمن إمامتهم :

الإشعاع الأول :

 بأمر الله يحدثنا النبي الأكرم فيما يجري لآله بعده :

ذكر المجلسي : في بحار الأنوار بابا في علّة قعود الإمام عليه السلام عن قتال من تأمّر عليه من الأوّلين ، و قيامه إلى قتال من بغى عليه من الناكثين و القاسطين و المارقين ، و علّة إمهال اللّه من تقدّم عليه ، و فيه علّة قيام من قام من سائر الأئمّة و قعود من قعد منهم عليهم السلام :

 منها ما عن الأمالي للصدوق‏ :  عَنِ الْمُفَضَّلِ بْنِ عُمَرَ ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الصَّادِقِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عليهم السلام قَالَ :

 بَلَغَ أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صلى الله عيه وآله ، أَنَّ مَوْلًى لَهَا يَتَنَقَّصُ عَلِيّاً عليه السلام وَ يَتَنَاوَلُهُ .

فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ : فَلَمَّا أَنْ صَارَ إِلَيْهَا ، قَالَتْ لَهُ :

يَا بُنَيَّ : بَلَغَنِي أَنَّكَ تَتَنَقَّصُ عَلِيّاً وَ تَتَنَاوَلُهُ . قَالَ لَهَا : نَعَمْ يَا أُمَّاهْ .

قَالَتْ : اقْعُدْ ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ ، حَتَّى أُحَدِّثَكَ بِحَدِيثٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم ، ثُمَّ اخْتَرْ لِنَفْسِكَ ، إِنَّا كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ : تِسْعَ نِسْوَةٍ ، وَ كَانَتْ لَيْلَتِي وَ يَوْمِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ،  فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم وَ هُوَ مُتَهَلِّلٌ ، أَصَابِعُهُ فِي أَصَابِعِ عَلِيٍّ ، وَاضِعاً يَدَهُ عَلَيْهِ .

فَقَالَ : يَا أُمَّ سَلَمَةَ اخْرُجِي مِنَ الْبَيْتِ وَ أَخْلِيهِ لَنَا ، فَخَرَجْتُ وَ أَقْبَلَا يَتَنَاجَيَانِ ، أَسْمَعُ الْكَلَامَ وَ مَا أَدْرِي مَا يَقُولَانِ ، حَتَّى إِذَا قُمْتُ فَأَتَيْتُ الْبَابَ ، فَقُلْتُ : أَدْخُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَتْ : فَكَبَوْتُ كَبْوَةً شَدِيدَةً ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونَ رَدَّنِي مِنْ سَخَطِهِ ، أَوْ نَزَلَ فِيَّ شَيْ‏ءٌ مِنَ السَّمَاءِ .

ثُمَّ لَمْ أَلْبَثْ : أَنْ أَتَيْتُ الْبَابَ الثَّانِيَةَ ، فَقُلْتُ : أَدْخُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ فَقَالَ : لا ، فَكَبَوْتُ كَبْوَةً أَشَدَّ مِنَ الْأُولَى .

ثُمَّ لَمْ أَلْبَثْ : حَتَّى أَتَيْتُ الْبَابَ الثَّالِثَةَ ، فَقُلْتُ : أَدْخُلُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟

فَقَالَ صلى الله عليه وآله : ادْخُلِي يَا أُمَّ سَلَمَةَ ، فَدَخَلْتُ .

وَ عَلِيٌّ : جَاثٍ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَ هُوَ يَقُولُ :

 فِدَاكَ أَبِي وَ أُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِذَا كَانَ كَذَا وَ كَذَا ، فَمَا تَأْمُرُنِي .

قَالَ صلى الله عليه وآله : آمُرُكَ بِالصَّبْرِ .

ثُمَّ أَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ الثَّانِيَةَ : فَأَمَرَهُ بِالصَّبْرِ .

 فَأَعَادَ عَلَيْهِ الْقَوْلَ الثَّالِثَةَ ، فَقَالَ لَهُ :

يَا عَلِيُّ : يَا أَخِي ، إِذَا كَانَ ذَاكَ مِنْهُمْ ، فَسُلَّ سَيْفَكَ وَ ضَعْهُ عَلَى عَاتِقِكَ ، وَ اضْرِبْ بِهِ قُدُماً حَتَّى تَلْقَانِي ، وَ سَيْفُكَ شَاهِرٌ يَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ .

ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَيَّ فَقَالَ لِي : وَ اللَّهِ مَا هَذِهِ الْكَأْبَةُ ، يَا أُمَ‏ سَلَمَةَ .

 قُلْتُ : لِلَّذِي كَانَ مِنْ رَدِّكَ لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ .

 فَقَالَ لِي : وَ اللَّهِ مَا رَدَدْتُكِ مِنْ مَوْجِدَةٍ ، وَ إِنَّكِ لَعَلَى خَيْرٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ .

 وَ لَكِنْ أَتَيْتِنِي : وَ جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِي ، وَ عَلِيٌّ عَنْ يَسَارِي .

 وَ جَبْرَئِيلُ يُخْبِرُنِي بِالْأَحْدَاثِ الَّتِي تَكُونُ مِنْ بَعْدِي .

وَ أَمَرَنِي أَنْ أُوصِيَ بِذَلِكِ عَلِيّاً .

يَا أُمَّ سَلَمَةَ : اسْمَعِي وَ اشْهَدِي :

هَذَا : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، أَخِي فِي الدُّنْيَا وَ أَخِي فِي الْآخِرَةِ .

يَا أُمَّ سَلَمَةَ : اسْمَعِي وَ اشْهَدِي :  هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَزِيرِي فِي الدُّنْيَا ، وَ وَزِيرِي فِي الْآخِرَةِ .

 يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَ اشْهَدِي :

هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: حَامِلُ لِوَائِي فِي الدُّنْيَا، وَحَامِلُ لِوَائِي غَداً فِي الْقِيَامَةِ .

يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَ اشْهَدِي : هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، وَصِيِّي وَ خَلِيفَتِي مِنْ بَعْدِي . وَ قَاضِي عِدَاتِي ، وَ الذَّائِدُ عَنْ حَوْضِي .

يَا أُمَّ سَلَمَةَ اسْمَعِي وَ اشْهَدِي : هَذَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ ، سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ ، وَ إِمَامُ الْمُتَّقِينَ ، وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ ، وَ قَاتِلُ النَّاكِثِينَ وَ الْقَاسِطِينَ وَ الْمَارِقِينَ .

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنِ النَّاكِثُونَ ؟

 قَالَ: الَّذِينَ يُبَايِعُونَهُ بِالْمَدِينَةِ وَ يَنْكُثُونَ بِالْبَصْرَةِ .

قُلْتُ : مَنِ الْقَاسِطُونَ ؟ قَالَ : مُعَاوِيَةُ وَ أَصْحَابُهُ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ .

قُلْتُ : مَنِ الْمَارِقُونَ ؟ قَالَ : أَصْحَابُ النَّهْرَوَانِ .

فَقَالَ مَوْلَى أُمِّ سَلَمَةَ : فَرَّجْتِ عَنِّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكِ ، وَ اللَّهِ لَا سَبَبْتُ عَلِيّاً أَبَداً [4].

هذا الحديث : وتوجد أحاديث كثيرة مثله ، تعرفنا بأن النبي الأكرم بأمر الله أمر الإمام علي بل آله كلهم بما يجب عليهم من العمل في حياتهم وبالخصوص في زمان إمامتهم ، والحديث أعلاه يعرفنا إن النبي الأكرم أمر الإمام علي عليه السلام وما يجب عليه بعد وفاته بالصبر في أول أمره لكي لا يرتد الناس كلهم ، ثم يجاهدهم حين يبايعوه وتكون له قوة بمن يحاربه ، والحق معه في كلا الحالين ، ولكن بعضهم لم يعرف أهمية الإمامة ، ولا مقام الإمام ، ومن يجب أن يكون خليفة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وما له من المقام الكريم عند الله عز وجل وأنه يعمل بأمره سبحانه ، ولذا من لم يفهم هذا الكلام ، فليتابع الإشعاع الآتي ليجيبهم الإمام علي عليه السلام بكلام يناسب كل إنسان يفهمهم أمره وحاله وما يجب عليهم عمله بشواهد من كتاب الله :

فقال عليه السلام : تدبر ما يأتي :


 

الإشعاع الثاني :

الإمام علي عليه السلام يعرف سبب عدم حربه للأوائل وحربه للأواخر:

يا طيب : إن للإمام علي عليه السلام كلام كثير يبين حقه وفضله ، وله كثير من البيان والمناشدات تعرف أنه أولى الناس بالإمامة والولاية والخلافة لرسول الله ، وإن الله سبحانه أيده وعرفه في كتابه بكثير من الآيات الكريمة التي تعرف ولايته وإمامته وشأنه الكريم ، حتى لا تقرأ بيان سيرة للمسلمين أو تأريخ ما فتح الله عليهم وأيدهم، إلا وعلي بن أبي طالب هو سيد المسلمين فيها وأميرهم ، حتى قالوا ما من آية في كتاب الله يا أيها المؤمنون إلا وعلي عليه السلام أميرهم فيها ، فضلا عن آيات العلم والقرابة والولاية والإمامة له ولآله الكرام ، وقد بيّن رسول الله فضله بما لا مجال له لإنكار فضله أو عدم العمل به إلا أن يخرج من حق المعرفة بفضل الله وكرامته لأوليائه والبعد عنه ، ولمعرفة تفاصيل حياته راجع ما كتب من الموسوعات في فضله وسيرته وسلوكه ، وكتب الفضائل قسمها الأكبر يختص به ، وراجع صحيفة موسوعة صحف الطيبين صحيفة ذكر علي عليه السلام عبادة أو راجع كتاب الغدير وإحقاق الحق ، وما نذكره هنا مختصر ويسير من أحاديثه بما يفي بالمطلوب ، وبه تعرف أن يوجد مثلها الكثير في مناشداته وخطبه ، ومن يحب المزيد فليراجع بحار الأنوار وغيره من الكتب الواسعة البيان :

 عن محمد بن احمد بن موسى الطائي عن أبيه عن ابن مسعود قال :

 احتجوا في مسجد الكوفة فقالوا : ما بال أمير المؤمنين عليه السلام لم ينازع الثلاثة ، كما نازع طلحة والزبير وعائشة ومعاوية ؟

فبلغ ذلك عليا عليه السلام : فأمر أن ينادي بالصلاة جامعة .

 فلما اجتمعوا : صعد المنبر ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

معاشر الناس : أنه بلغني عنكم كذا وكذا .

 قالوا : صدق أمير المؤمنين ، قد قلنا ذلك .

 قال عليه السلام : فإن لي بسنة الأنبياء أسوة فيما فعلت ، قال الله عز وجل في كتابه :  { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُـــولِ اللَّهِ أُسْـــوَةٌ حَسَنَةٌ

لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرً (21) } الأحزاب .

 قالوا : ومن هم يا أمير المؤمنين ؟ .

قال عليه السلام : أولهم إبراهيم عليه السلام إذ قال لقومه : { وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ (48)} مريم . فإن قلتم : إن إبراهيم اعتزل قومه لغير مكروه أصابه منهم ، فقد كفرتم ، وان قلتم : اعتزلهم لمكروه رآه منهم ، فالوصي اعذر .

ولي بابن خالته لوط أسوة : إذ قال لقومه : { قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) } هود ، فإن قلتم : إن لوطا كانت له بهم قوة فقد كفرتم ، وان قلتم : لم يكن له قوة ، فالوصي اعذر .

 ولي بيوسف عليه السلام : أسوة ، إذ قال : { قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ (33) }يوسف ، فإن قلتم : إن يوسف دعا ربه وسأله السجن لسخط ربه فقد كفرتم ، وإن قلتم : إنه أراد بذلك لئلا يسخط ربه عليه ، فاختار السجن ، فالوصي أعذر .

ولي بموسى عليه السلام : أسوة إذ قال : { فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ } الشعراء21 ، فإن قلتم : إن موسى فر من قومه بلا خوف كان له منهم فقد كفرتم ، وإن قلتم : أن موسى خاف منهم ، فالوصي اعذر .

 ولي بأخي هارون عليه السلام : أسوة إذ قال لأخيه : { قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي (150) } الأعراف ، فإن قلتم : لم يستضعفوه ولم يشرفوا على قتله فقد كفرتم ، وإن قلتم : استضعفوه واشرفوا على قتله فلذلك سكت عنهم ، فالوصي اعذر .

ولي بمحمد صلى الله عليه وآله : أسوة حين فر من قومه ولحق بالغار من خوفهم وأنامني على فراشه ، فإن قلتم : فر من قومه لغير خوف منهم فقد كفرتم، وان قلتم : خافهم وأنامني على فراشه ولحق هو بالغار من خوفهم ، فالوصي اعذر [5].

 والأحاديث : كثيرة من الإمام علي عليه السلام في بيان ظلم القوم له حكاما وأتباع ، وإنه لم يطاع ، وإنه صبر أو نهض بالأمر حسب أمر الله في كل ظرف تتم الحجة له على القوم ، ويكفي أن تراجع خطبة الوسيلة في الكافي جزء ثمانية صفحة سبعة وعشرون ، وهي خطبة مفصلة كريمة يبين بها حقه ، فمن أحب التفصيل فعليه أن يراجعها ، ويكفي من كلامه أعلاه ، ما نذكر فقرة من خطبته المعروفة :

 بالشقشقية : و تشتمل على الشكوى من أمر الخلافة ، ثم ترجيح صبره فيها ، ثم مبايعة الناس له قال عليه السلام :

أَمَا وَ اللَّهِ : لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ ، وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى ، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ ، فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً ، وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ .

 أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ،  يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ .

فَرَأَيْتُ : أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى ، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا، أَرَى تُرَاثِي نَهْب، حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى فُلَانٍ بَعْدَهُ ...[6].

وراجع تفاصيل الخطبة : في نهج البلاغة فإنها تعرفنا سبب سكوته مع الأوائل و الأواخر ، وتوجد له أحاديث كثيرة تعرفنا أنه سكت وصبر بأمر الله ورسوله ، كما أن الظروف كانت هي القاهرة له وما طغى به الناس وحكامهم كان بيان لصدق ما وعده الله ورسوله وعرفه من تسلط حكام زمانه القاهر ، وهذا كان تصرفه بأمر الله سبحانه وهكذا كان بعده تصرف الإمام الحسن والإمام الحسين وآلهم ، وللمزيد راجع البحار .


 

 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسن يعرفنا سبب صلحه مع طاغية زمانه :

يا طيب : قد يقال : لماذا صالح الإمام الحسن عليه السلام مع كون له جيش معد ، وثار الإمام الحسين وضحى بكل شيء ولم يكن معه جيش?

 فإنه يقال : قد عرفنا إن الإمام يعمل بأمر الله سبحانه وتعالى ، وبما علمه رسول الله وبينه له عن الله سبحانه وتعالى ، ويعلم ويعمل بما به المصلحة التامة للمسلمين على طول التأريخ ، والله أعلم بما به يتم الإخلاص له ممن يطلبه بحق لا عن تقليد ، والله يختبر عباده فيحب من يطلبه بجد ويجاهد بمعرفته وبمعرفة الصراط المستقيم للمنعم عليهم بهداه سواء ملكوا الدنيا أو كانوا مستضعفين ، ولا يطالبهم بما لهم من الدنيا حين يحكموا فقط ، بل يجب على المؤمن الطالب لهدى الله أن يطلب المخلصين له من أولياءه الذين أختارهم لدينه أئمة وولاة لأمره فيهم ، واصطفاهم لتبليغ رسالته بكل حال .

ثم إن الناس كانوا : حديثي عهد بالإسلام ، وكانوا خاضوا حروب قد أتعبتهم ، وكانوا لا يرون فرقا بين أن يحكم بني هاشم أو بين أمية أو تيم أعدي أو غيرهم ، ولم يتكون لهم العلم التام بمعرفة تعاليم الإسلام بأن الإمام يجب أن يكون مختار مصطفى من الله سبحانه ، وبه يقام العدل والصلاح ، وفي كل مرة يثور المسلمين لتصليح ما يفسده الحكام كما بعد النبي حتى عثمان فقتلوه نتيجة لعدم عدله ، ولكن المنازعة بين الحق والباطل تامة باقية فقتل الإمام علي عليه السلام من قبل المنافقين والضالين لإخلاصه ولعدله و القسمة بالسوية بين المسلمين ، وفرق بين الطرفين .

وفي زمن الإمام الحسن عليه السلام : فإن معاوية كان حاكم على الشام بمدة عشرون سنة قبله من قبل الحكام السابقين ، وإنه كان له الأموال التي أغرى بها أهل الكوفة وما حولها وأشترى الناس ، وبهذا فرقهم عن الإمام الحسن عليه السلام ، وكان أغلب جيشه ظاهرهم معه ، ولكن قلوبهم وفكرهم مع مال معاوية ، وكل منهم بالخصوص كبرائهم يتمنى أن يتصل به معاوية فيوصله بمال كثير ، وقد اشترى معاوية قائد جيش الإمام الحسن بمأتي ألف دينار نصفها أعطاها له حاضرا ، فأصبح جيش الإمام الحسن عليه السلام وقائده عند معاوية وعلى بلاطه ، وتفرق جيشه قبل الحرب ، بل طعن عليه السلام بفخذه من قبل المنافقين ، وبعضهم بل كثير منهم اتصلوا بمعاوية يقولون له نسلمك الحسن بن علي على قليل من المال ، ولهذا عرف الإمام الحسن عليه السلام الخيانة من قومه ، فصالح معاوية على شروط بأن يرجع الخلافة له بعده ، وأن لا يعتدي على محبي الإمام علي عليه السلام ، وكثير من الشروط كانت في وثيقة الصلح ، ومعاوية لم يفي له ولم يفي لأهل الكوفة بل سخر منهم بعده .

 ولهذا كاتبوا : أهل الكوفة الإمام الحسين عليه السلام ، وطلبوا منه الإقدام لكي يقيم العدل ويصلح ما فسد منهم من فكرهم ودينهم وكل خيانتهم ، ولكنهم قسم منهم بل أغلبهم لم يفي للإمام الحسين ، وقسم كثير منهم اشتراهم حاكم يزيد على الكوفة حيث قسم بينهم الأموال وواعدهم على العطاء الكثير ، فتمت الخيانة الثانية .

 والإمام الحسين عليه السلام : لم يسعه الصلح لأنه بصلحه لابد أن يقر بالخلافة دائما لبني أمية ، ولا يحق لأحد أن ينازعهم خلافة الله على المسلمين حتى ولو كانوا مفسدين يحثون الناس على الغناء والخمر والزنا والفساد وكل شيء مخالف لدين الله .

 وكما كان فرق بين معاوية ويزيد : فإنه كان معاوية متستر بفساده وفسقه ، ويزيد كان مجاهرا يسخر بالإسلام وأهله ، ولذا كان على الإمام الحسين عليه السلام أن يثور حتى لو كلف الأمر حياته وآله وكل ما يملك ، ولذا أمره الله سبحانه والعالم بكل شيء أن ينهض ويثور ، وأمر الإمام الحسن أن يصالح حتى يعرف الناس ظلم الحكام من بني أمية فينهضوا مع أخيه فيه حينه .

ولمعرفة هذا المعنى : سواء أنه بعلم الله وتعليمه ، أو بما تؤيده الظروف وأحوال الناس والحكام في زمانهم ، نتدبر كلام الإمام الحسن عليه السلام ، نعرف أن كل ما يعمله أئمة الحق هو بأمر الله سبحانه ، وبما به صلاح الدين والمؤمنين إلى يوم الدين .

ذكر الطبرسي في الاحتجاج : وابن المطهر في العدد القوية :

عن سليم بن قيس قال : قام الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام على المنبر ، حين اجتمع مع معاوية ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

 أيها الناس : إن معاوية زعم أني رأيته للخلافة أهلا .

ولم أر نفسي لها أهلا ، وكذب معاوية .

أنا أولى الناس بالناس :

في كتاب الله وعلى لسان نبي الله .

فأقسم بالله ، لو أن الناس بايعوني وأطاعوني ونصروني .

لأعطتهم السماء قطرها والأرض بركته .

ولما طمعت فيها يا معاوية .

 وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

 ما ولت أمة أمرها رجلا قط وفيهم من هو أعلم منه .

 إلا لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتى يرجعوا إلى ملة عبدة العجل.

وقد ترك بنو إسرائيل هارون ، واعتكفوا على العجل ، وهم يعلمون أن هارون خليفة موسى .  

وقد تركت الأمة علي : وقد سمعوا رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي عليه السلام :

أنت مني بمنزلة هارون من موسى غير النبوة فلا نبي بعدي .

وقد هرب : رسول الله صلى الله عليه وآله من قومه وهو يدعوهم إلى الله ، حتى فر إلى الغار ، ولو وجد عليهم أعوانا ما هرب منهم .

ولو وجدت أعوانا ما بايعتك يا معاوية .

وقد جعل الله هارون : في سعة حين استضعفوه ، وكادوا يقتلونه ولم يجد عليهم أعوانا ، وقد جعل الله النبي في سعة حين فر من قومه لما لم يجد أعوانا عليهم .

وكذلك أنا وأبي :

في سعة من الله حين تركتنا الأمة ، وبايعت غيرنا ، ولم نجد أعوانا .

وإنما هي السنن والأمثال يتبع بعضها بعضا .

 أيها الناس : إنكم لو التمستم فيما بين المشرق والمغرب ، لم تجدوا رجلا من ولد النبي غيري ، وغير أخي  الحسين عليه السلام إمام ابن إمام أخو إمام أبو أئمة [7].

وبهذا يا طيب نعرف : إن مقام الإمام الحسن عليه السلام في الصلح كان لعدم الناصر وشرط أن يعطى الحكم له بعد معاوية ، ولكنه لم يفي له وخانه ، والإمام لم يكن له ناصر فصالح مع عدم الإقرار لمعاوية بالفضل ، ولمعرفة هذا تدبر قول آخر للإمام الحسن عليه السلام ، وقد وروى عنه أبو سعيد عقيصا قال :

قلت للحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام : يا ابن رسول الله لم داهنت معاوية و صالحته ، و قد علمت أن الحق لك دونه ، و أن معاوية ضال باغ ؟

فقال عليه السلام : يا أبا سعيد:

أ لست حجة الله على خلقه .

و إماما عليهم بعد أبي عليه السلام ؟

قلت : بلى .

قال : أ لست الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لي و لأخي :

هذان ولداي إمامان قاما أو قعد ؟ قلت : بلى .

قال : فأنا إذن إمام لو قمت .  و أنا إمام لو قعدت .

 يا أبا سعيد : علة مصالحتي لمعاوية ، علة مصالحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لبني ضمرة و بني أشجع و لأهل مكة حين انصرف من الحديبية ، أولئك كفار بالتنزيل ، و معاوية و أصحابه كفار بالتأويل .

يا أبا سعيد : إذا كنت إماما من قبل الله تعالى .

لم يجز أن يسفه رأيي فيما أتيته من مهادنة أو محاربة .

و إن كان وجه الحكمة فيما أتيته ملتبس .

 أ لا ترى الخضر عليه السلام : لما خرق السفينة و قتل الغلام و أقام الجدار ، سخط موسى عليه السلام فعله ، لاشتباه وجه الحكمة عليه حتى أخبره فرضي .

هكذا أنا : سخطتم علي بجهلكم بوجه الحكمة .

 ولولا ما أتيت لما ترك من شيعتنا على وجه الأرض أحد إلا قتل [8].

يا طيب إذا عرفنا : إن الإمام يعمل بأمر الله ويجب أن يطاع في كل حال ، فلا إشكال من منصف فضلا عن مؤمن ومسلم ، نعم حب المعرفة شيء والتعنت في السؤال أمرا أخر ، فإن لله في خلقه شؤون يختبرهم بها ، ولم يكن إبراهيم عليه السلام نبينا ثم إماما إلا بعد أن اختبره وابتلاه بعدت محن ، منها حتى ألقي في النار بل الأمر بذبح أبنه بعد أن كبر ، وبعد أن جعله في وادي غير ذي زرع ، ولكنه لإخلاصه وهبه الإمامة والولاية وجعله أبو الأنبياء بل أبو الأئمة إلى يوم الدين .

وأهل البيت عليهم السلام : وبما يخبر به النبي في حياته من مصائب آله كأنه ينظر إليها ، هو أنها من اختبار الله له ليعرف إخلاصه ولا يجبر الناس على إمامة آله ، بل يعرفهم لهم ، وعلى كل مؤمن أيطيعهم في كل حال تتغير به الأحوال .

فإن اختبار الله : وامتحانه لأهل البيت هو من تمام إمامتهم ، وبيان لإخلاصهم لكل العباد ، ويريهم حبهم له في كل حال .

وهذا بعينه اختبار لكل العباد: وللمؤمنين على طول الزمان، وإنه عليهم أن يبحثوا عن الحق ، وأن يطيعوا أئمة الهدى المصطفين الأخيار حقا ، وإذا عرفنا هذا فلنتدبر بشيء من سبب ثورة الإمام الحسين ، وإن كان الصحيفة كلها مختصة ببيان فضله .


الإشعاع الرابع :

الإمام الحسين عليه السلام يبين سبب نهضته :

يا طيب : إن تفاصيل ثورة الإمام الحسين عليه السلام كما عرفت إنها كانت وجرت بأمر الله سبحانه وتعالى ، وقد أيدت الظروف وتغير أحوال المسلمين وحكامهم ، وجوب ما أمر الله به الإمام الحسين عليه السلام من النهوض والثورة أمام الطغيان والظلم ، وهذا ما ستراه في هذه الصحيفة من البيان لسيرته وقيامه عليه السلام ، فتعرف إنه بأعلى إخلاص كان ومازال داعيا إلى العدل والإصلاح والمعروف ، وناهيا عن المنكر والفساد والطغيان .

وإن الله سبحانه وتعالى الخبير العالم : بما سيكون عليه البشر من عدم معرفة الهدى الحق من دينه وعبوديته وعدم صلاح عباده ، لو لم يقوم من اصطفاه وأختاره لتعريف عظمته وهداه بأعلى بيان ، بحيث يستشهد هو وآله وتسبى عياله ليعرف إخلاصه وفساد معانديه ، فيعرف كل متدبر في تأريخ الإسلام إن الدين والهدى والإخلاص هو عند الحسين وآله آل رسول الله الكرام على طول التأريخ الآتي ، بل في كل زمان رسول الله وبعده ، فهم نفس رسول الله ومنه وهو منهم في كل شيء كان ويكون بدن وروح ومعنى وماده وهدى ومقاما ، فهم ورثته نسبا وسببا وإيمانا بفضل الله .

 وحقا قد قام الحسين عليه السلام: بما أمره الله وبما لا مجال لأحد منصف وعنده ذرة من الضمير أن ينكره ويتنكر لما أمر الله به وليه من القيام بوجه الظلم والمنكر والفساد ، فيعرف البشر حين إقامة ذكره ما كرم الله سبحانه الإمام الحسين عليه السلام من الشهادة ، حتى جعلها بيانا تاما واقعا لمحل دينه الصادق وصراطه المستقيم عند المنعم عليهم بهداه وجنته ونعيمه ما دامت السماوات والأرض ، ويكون معه على هدى الله ويقيم عبودية الله كل من يقتدي به ويتعلم منه على طول التأريخ وفي أي زمان كان .

وهذه كرامة الله لعباده المخلصين : بحيث عرفهم الحق ودعاهم إليه بأعلى سبيل وأكرم طريق واضح الهدى , فإن الحسين سبط رسول الله وريحانته وخليفته في أمته بأمر الله ، حيث جعل الله ذرية الأنبياء بعضها من بعض وأولي الأرحام بعضهم أولى ببعض ، وإن من اصطفى سبحانه هم أهل الصلاح والتقى والدين والإخلاص له ، وإنهم هم حقا أئمة الدين وولاة أمر المؤمنين ، وإن من خالفهم حقا أئمة الظلم وولاة الضلال وأهل الفجور والفسوق والطغيان ، وهذا بعينه ما كان يعرفه كل المسلمون حين المقايسة بين آهل البيت آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبين آل أمية وحربهم لبني هاشم في الجاهلية والإسلام ، وبهم قسم الناس قسمين أهل حق وأهل باطل ، وهذا ما يعرفه الإمام الحسين عليه السلام ، وتفصيله في كل هذه الصحيفة من بيان سيرته عليه السلام ، وهنا نذكر مختصرا يعرفنا شيئا من سبب قيامه وثورته وتضحيته عليه السلام بأمر الله وما أيدته أحوال الناس الموجبة له من الثورة في وجه الطغيان :

قَالَ السَّيِّدُ في كتاب اللهوف :

كَتَبَ يَزِيدُ إِلَى الْوَلِيدِ يَأْمُرُهُ بِأَخْذِ الْبَيْعَةِ عَلَى أَهْلِهَا .

وَ خَاصَّةً عَلَى الحسين عليه السلام ، وَ يَقُولُ :

إِنْ أَبَى عَلَيْكَ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ ، وَ ابْعَثْ إِلَيَّ بِرَأْسِهِ .

فَأَحْضَرَ الْوَلِيدُ : مَرْوَانَ وَ اسْتَشَارَهُ فِي أَمْرِ الْحُسَيْنِ .

فَقَالَ : إِنَّهُ لَا يَقْبَلُ وَ لَوْ كُنْتُ مَكَانَكَ ضَرَبْتُ عُنُقَهُ .

فَقَالَ الْوَلِيدُ : لَيْتَنِي لَمْ أَكُ شَيْئاً مَذْكُوراً .

 ثُمَّ بَعَثَ إِلَى الْحُسَيْنِ عليه السلام : فَجَاءَهُ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ وَ مَوَالِيهِ ، وَ سَاقَ الْكَلَامَ إِلَى أَنْ قَالَ لمروان الحاضر عند الوليد حين قال له أضرب عنقه قال : .....

فَغَضِبَ الحسين عليه السلام ، ثُمَّ قَالَ :

وَيْلِي عَلَيْكَ : يَا ابْنَ الزَّرْقَاءِ ، أَنْتَ تَأْمُرُ بِضَرْبِ عُنُقِي ، كَذَبْتَ وَ اللَّهِ وَ أَثِمْتَ .

ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْوَلِيدِ فَقَالَ : أَيُّهَا الْأَمِيرُ :

إِنَّا : أَهْلُ بَيْتِ النُّبُوَّةِ ، وَ مَعْدِنُ الرِّسَالَةِ ، وَ مُخْتَلَفُ الْمَلَائِكَةِ

وَ بِنَا : فَتَحَ اللَّهُ ، وَ بِنَا خَتَمَ اللَّهُ

وَ يَزِيدُ :

رَجُلٌ فَاسِقٌ ، شَارِبُ الْخَمْرِ

قَاتِلُ النَّفْسِ الْمُحَرَّمَةِ

مُعْلِنٌ بِالْفِسْقِ

وَ مِثْلِي لَا يُبَايِعُ مِثْلَهُ

وَ لَكِنْ نُصْبِحُ وَ تُصْبِحُونَ

وَ نَنْظُرُ وَ تَنْظُرُونَ

أَيُّنَا أَحَقُّ بِالْبَيْعَةِ وَ الْخِلَافَةِ ثُمَّ خَرَجَ عليه السلام  [9].

وبهذا نعرف أنه في زمان الإمام الحسين عليه السلام : تغيرت الظروف والحكام والناس بشكل سافر ، وعدم الحياء من العمل بالمنكر واضح جلي علني ، وكان السكوت عليه في زمانه سكوت على الظلم والفساد إلى أخر الدهر ، ويكون به محق الدين وضياع رسالة رب العالمين ، ولذا أمره الله بأن يقوم بالإصلاح مع قلت الناصر ، وأن يقدم كل شيء في سبيل نشر راية الهدى ، فيكون مصباح هدى وسفينة نجاة لكل من يطيعه ويتبعه إلى قيام يوم الدين .

وإنه كان على الحسين عليه السلام : أن لا يصالح طاغية زمانه وحتى لا يصانع ،  فضلا من أن يبايع ، وقد أوضح عليه السلام بكلامه حال حاكم زمانه وفساده بأعلى بيان وأن مثله لا يستحق حكومة المسلمين مع تجاهره بالظلم والفجور ، وإن الحسين عليه السلام هو من أهل بيت النبوة المختار لهداية العباد ، وصار الآن عليه واجب القيام في سبيل نشر دين الله وتعريفه حتى لو أستوجب الأمر شهادته عليه السلام .

وللإمام الحسين عليه السلام : كلمات كثير تبيين ظلم حاكم زمانه وفساده ، وستأتي في بحوث قادمة في خطبه وكلامه في طريقه لكربلاء بل قبلها وفيها ، ولكن نختار كلمته الجامعة في بيان أنه مستشهد وخارج لطلب الإصلاح والمعروف والنهي عن المنكر ، مع ما له من المقام بأنه خليفة رسول الله في أمته ، وإنه ما يقوم به هو الذي فيه الصلاح والهدى له ولعباد الله ، وبه يفتح الله قلوب العباد لمعرفة الحق جليا واضحا ، ويتعقل المنصفون فضله ومقامه وإخلاصه لله رب العالمين ، وإنه خليفته في عباده وولي أمر المؤمنين وإمامهم حقا .

 

قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ الْمُوسَوِيُّ :  لَمَّا وَرَدَ الْكِتَابُ عَلَى الْوَلِيدِ بِقَتْلِ الحسين عليه السلام ، عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِ ، ثُمَّ قَالَ :

وَ اللَّهِ لَا يَرَانِي اللَّهُ أَقْتُلُ ابْنَ نَبِيِّهِ ، وَ لَوْ جَعَلَ يَزِيدُ لِيَ الدُّنْيَا بِمَا فِيهَا .

....

قَالَ وَ خَرَجَ الْحُسَيْنُ عليه السلام مِنْ مَنْزِلِهِ ذَاتَ لَيْلَةٍ وَ أَقْبَلَ إِلَى قَبْرِ جَدِّهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَقَالَ :

السَّلَامُ عَلَيْكَ :

يَا رَسُولَ اللَّهُ : أَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ فَاطِمَةَ فَرْخُكَ وَ ابْنُ فَرْخَتِكَ .

وَ سِبْطُكَ : الذَّيِ خَلَّفْتَنِي فِي أُمَّتِكَ .

فَاشْهَدْ عَلَيْهِمْ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنَّهُمْ قَدْ خَذَلُونِي وَ ضَيَّعُونِي وَ لَمْ يَحْفَظُونِي.

 وَ هَذِهِ شَكْوَايَ إِلَيْكَ حَتَّى أَلْقَاكَ .

قَالَ : ثُمَّ قَامَ فَصَفَّ قَدَمَيْهِ فَلَمْ يَزَلْ رَاكِعاً سَاجِداً .

 

 قَالَ وَ تَهَيَّأَ الْحُسَيْنُ عليه السلام : لِلْخُرُوجِ مِنَ الْمَدِينَةِ وَ مَضَى فِي جَوْفِ اللَّيْلِ إِلَى قَبْرِ أُمِّهِ فَوَدَّعَهَا ، ثُمَّ مَضَى إِلَى قَبْرِ أَخِيهِ الْحَسَنِ فَفَعَلَ كَذَلِكَ .

ثُمَّ رَجَعَ : إِلَى مَنْزِلِهِ وَقْتَ الصُّبْحِ ، فَأَقْبَلَ إِلَيْهِ أَخُوهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ .

وَ قَالَ : يَا أَخِي أَنْتَ أَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَيَّ ، وَ أَعَزُّهُمْ عَلَيَّ ، وَ لَسْتُ وَ اللَّهِ أَدَّخِرُ النَّصِيحَةَ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ ، وَ لَيْسَ أَحَدٌ أَحَقَّ بِهَا مِنْكَ ، لِأَنَّكَ مِزَاجُ مَائِي وَ نَفْسِي وَ رُوحِي وَ بَصَرِي وَ كَبِيرُ أَهْلِ بَيْتِي ، وَ مَن وَجَبَ طَاعَتُهُ فِي عُنُقِي ، لِأَنَّ اللَّهَ قَد شَرَّفَكَ عَلَيَّ وَ جَعَلَكَ مِنْ سَادَاتِ أَهْلِ الجَنَّةِ ، إلَى أَنْ ....

قَالَ : تَخْرُجُ إلَى مَكَّةَ ، فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ بِكَ الدَّارُ بِهَا فَذَاكَ ، وَ إِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى خَرَجْتَ إلَى بِلَادِ الْيَمَنِ ، فَإِنَّهُمْ أَنْصَارُ جَدِّكَ وَ أَبِيكَ ، وَ هُمْ أَرْأَفُ النَّاسِ وَ أَرَقُّهُمْ قُلُوباً ، وَ أَوْسَعُ النَّاسِ بِلَاداً ، فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ بِكَ الدَّارُ وَ إِلَّا لَحِقْتَ بِالرِّمَالِ وَ شُعُوبِ الْجِبَالِ ، وَ جُزْتَ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ حَتَّى تَنْظُرَ مَا يَئُولُ إِلَيْهِ أَمْرُ النَّاسِ ، وَ يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا وَ بَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ .

 قَالَ فَقَالَ الْحُسَيْنُ عليه السلام :

 يَا أَخِي : وَ اللَّهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ مَلْجَأٌ ، وَ لَا مَأْوًى لَمَا بَايَعْتُ يَزِيدَ بْنَ مُعَاوِيَةَ .

 فَقَطَعَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ الْكَلَامَ وَ بَكَى ، فَبَكَى الحسين عليه السلام مَعَهُ سَاعَةً .

ثُمَّ قَالَ : يَا أَخِي ، جَزَاكَ اللَّهُ خَيْراً ، فَقَدْ نَصَحْتَ وَ أَشَرْتَ بِالصَّوَابِ .

 وَ أَنَا عَازِمٌ عَلَى الْخُرُوجِ إِلَى مَكَّةَ : وَ قَدْ تَهَيَّأْتُ لِذَلِكَ أَنَا وَ إِخْوَتِي ، وَ بَنُو أَخِي وَ شِيعَتِي ، وَ أَمْرُهُمْ أَمْرِي ، وَ رَأْيُهُمْ رَأْيِي ، وَ أَمَّا أَنْتَ يَا أَخِي فَلَا عَلَيْكَ أَنْ تُقِيمَ بِالْمَدِينَةِ ، فَتَكُونَ لِي عَيْناً لَا تُخْفِي عَنِّي شَيْئاً مِنْ أُمُورِهِمْ .

 ثُمَّ دَعَا الْحُسَيْنُ : بِدَوَاةٍ وَ بَيَاضٍ ، وَ كَتَبَ هَذِهِ الْوَصِيَّةَ لِأَخِيهِ مُحَمَّدٍ .

 بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ : هَذَا مَا أَوْصَى بِهِ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ الْمَعْرُوفِ بِابْنِ الْحَنَفِيَّةِ .

أَنَّ الْحُسَيْنَ :

 يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ

 وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ، جَاءَ بِالْحَقِّ مِنْ عِنْدِ الْحَقِّ

وَ أَنَّ الْجَنَّةَ وَ النَّارَ حَقٌّ ، وَ أَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها .

 وَ أَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ .

وَ أَنِّي :

لَمْ أَخْرُجْ أَشِراً وَ لَا بَطِراً ، وَ لَا مُفْسِداً وَ لَا ظَالِماً

وَإِنَّمَا خَرَجْتُ لِطَلَبِ الْإِصْلَاحِ فِي أُمَّةِ جَدِّي صلى الله عليه وآله وسلم

أُرِيدُ أَنْ آمُرَ بِالْمَعْرُوفِ

وَ أَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ

وَ أَسِيرَ بِسِيرَةِ جَدِّي وَ أَبِي‏ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ

فَمَنْ قَبِلَنِي : بِقَبُولِ الْحَقِّ

 فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْحَقِّ

وَ مَنْ : رَدَّ عَلَيَّ هَذَا

أَصْبِرُ : حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ بَيْنِي

وَ بَيْنَ الْقَوْمِ ، بِالْحَقِّ  وَهُوَ خَيْرُ الْحاكِمِينَ

وَهَذِهِ : وَصِيَّتِي يَا أَخِي إِلَيْكَ، وَ ما تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ ، عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَ إِلَيْهِ أُنِيبُ. قَالَ : ثُمَّ طَوَى الْحُسَيْنُ الْكِتَابَ وَ خَتَمَهُ بِخَاتَمِهِ ، وَ دَفَعَهُ إِلَى أَخِيهِ مُحَمَّدٍ ثُمَّ وَدَّعَهُ وَ خَرَجَ فِي جَوْفِ اللَّيْلِ [10].

يا مولى : يا أبا عبد الله يا ليتني كنتم معكم فأفوز فوزا عظيما ، وأسأل الله أن يرزقني الثبات أبدا على هداكم الحق ، وأن أكون في خدمتكم ونشر هداكم بكل ما أملك وأستطيع ، فإن تعريف كل شيء يخصكم هو تعريف لفضل الله ودينه وكرامته لعباده ، وبأعلى تجلي وظهور في التكوين ، فاقبلني حقا وتولني صدقا .

وأسأل الله لي ولكل مؤمن : أن نكون على منهجك الكريم وسيرتك الصالحة ، فقد بلغت عن الله وأمرت بالمعروف بما أمرك الله ، وإنك سرت بسيرة جدك وأبيك صلوات الله عليهم ، وأن الله قد وفى لكم بنصره ، فجعل ذكركم من ذكره وطاعة له ، والحزن لمصابكم حزنا على الدين وما حل به ، وجعل البكاء عليكم عبرة تنعى الهدى وما صار إليه ، بل عبرة تعبر عن خشية الله والخضوع له في ما جرى به قضاءه على أولياءه ، وما خصهم من الكرامة والنعيم الأبدي المقيم غبطة للأهل الحق والكون معهم.

فيا مولاي : أسألك بحق الله عليك ، وبحق أمك الزهراء صلوا الله عليها ، وبحق أخيك الحسن المجتبى عليه السلام ، وبحق أبيك علي بن أبي طالب سيد الوصيين و ولي كل مؤمن وأمير المؤمنين ، وبحق جدك سيد الأنبياء والمرسلين حبيب رب العالمين ، أن تقبلني بقبول الحق ، فإن راضي بكم أئمة وسادة وولاة وقادة .

فيا إلهي أصدقني القول : وثبتني على هدى الحسين وآله صلاتك وسلامك عليهم ، فإنه لو أعلم أحد أحب إليك منهم لقدمته بين يدي لكي يشفع لي عندك ، ولكنك سبحانك رب العالمين والمصطفي والمختار لهم ، وقد عرفتهم بكل سبيل بأنهم هم أئمة الحق وولاة الهدى ، وبأوضح حجة عرفتهم لنا بأنهم قدوة وأسوة وسادة وولاة وأئمة ، فبحقك عليهم وبحقهم عليك والذي أو جبته لهم ، أن تجعلني معهم في الدنيا والآخرة ، ووفقني لطاعتك بهداهم مخلصا لك الدين حتى تجمعني معهم ، فإنك أرحم الراحمين ورب العالمين والخالق البارئ المصور وكل شيء بيدك ويرجع إليك .

وإني أشهد : أن الحسين وآله صلواتك وسلامك ورحمتك وبركاتك عليهم دائما أبد ، أنهم قاموا بكل ما أمرتهم به ، وإنا سمعنا منادينا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم ، فأمنا وصدقنا فاكتبنا من الأبرار ومعهم ، بحقك عليهم وبحقهم الذي أوجبته لهم عليك ، يا الله يا عليم يا عظيم سبحان تباركت وتعاليت رب العالمين يا رب الحق.

 

 وَ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ فِي كِتَابِ الرَّسَائِلِ ، عَنْ حَمْزَةَ بْنِ حُمْرَانَ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام قَالَ :  

ذَكَرْنَا خُرُوجَ الْحُسَيْنِ عليه السلام : وَ تَخَلُّفَ ابْنِ الْحَنَفِيَّةِ ، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام : يَا حَمْزَةُ إِنِّي سَأُخْبِرُكَ بِحَدِيثٍ لَا تَسْأَلُ عَنْهُ بَعْدَ مَجْلِسِكَ هَذَا ، إِنَّ الْحُسَيْنَ لَمَّا فَصَلَ مُتَوَجِّهاً دَعَا بِقِرْطَاسٍ ، وَ كَتَبَ فِيهِ :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ :

مِنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِلَى بَنِي هَاشِمٍ .

أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّهُ مَنْ لَحِقَ بِي مِنْكُمْ اسْتُشْهِدَ .

وَ مَنْ تَخَلَّفَ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ الْفَتْحِ ، وَ السَّلَامُ [11].

وهذا الفتح : الذي تم للإمام الحسين عليه السلام ، بأن يذكره شيعة آل محمد بل كل طيب يحب الخير والصلاح ، ويقتدي به وبتأسى به كل منصف يطلب العدل والفلاح ، وإنه عليه السلام فتح قلوب كل الطيبين ولمؤمنين المخلصين لطلب الحق والعدل والصلاح عنده وعند آله الكرام  ، وإن النعمة الكبرى لله في عباده هو الهدى وقد دل عليه الإمام الحسين عليه السلام بأبلغ كلام وعلم وعمل وسيرة وسلوك يمكن أن تكون في تأريخ الإنسانية والبشرية .

وإن مجالس ذكره : تعرف عظمة الله وحكمته في عباده ، وإنه دعاهم لدينه الحق بأوضح سبيل وأبلغ صراط مستقيم يوصلهم لنعم هداه وجنته ، حين الإقتداء بالحسين وآله صلى الله عليهم وسلم . وإن كلمته الأخيرة : يعرف أن فلاحه وفلاح المؤمنين لا يتم إلا بشهادته وبكل صحبه ، وبهذا يعرف ظلم الظالمين من الأولين والآخرين ، وصدقه وحبه للإصلاح لكل المؤمنين وطالبي الحق على طول الزمان .

 

وفي تحف العقول‏ : عَنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام  ، فِي قِصَارِ هَذِهِ الْمَعَانِي قَالَ عليه السلام فِي مَسِيرِهِ إِلَى كَرْبَلَاءَ :

إِنَّ هَذِهِ الدُّنْيَا : قَدْ تَغَيَّرَتْ وَ تَنَكَّرَتْ ، وَ أَدْبَرَ مَعْرُوفُهَا .

فَلَمْ يَبْقَ مِنْهَا إِلَّا صُبَابَةٌ كَصَبابَّةِ الْإِنَاءِ ، وَ خَسِيسُ عَيْشٍ كَالْمَرْعَى الْوَبِيلِ .

أَ لَا تَرَوْنَ : أَنَّ الْحَقَّ لَا يُعْمَلُ بِهِ ، وَ أَنَّ الْبَاطِلَ لَا يُنْتَهَى عَنْهُ .

لِيَرْغَبَ الْمُؤْمِنُ : فِي لِقَاءِ اللَّهِ مُحِقّاً .

فَإِنِّي : لَا أَرَى الْمَوْتَ إِلَّا الْحَيَاةَ .

وَ لَا الْحَيَاةَ مَعَ الظَّالِمِينَ إِلَّا بَرَماً .

إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا ، وَ الدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ .

يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ [12].

الإمام الحسين عليه السلام : يعرفنا أن الظروف قد تغيرت تغير شديد ، بعد تقدمه بالعمر المبارك الذي عانق السبعة والخمسون وأشهر ، ولم يبقى منه شيء ، وإنه يرى الباطل مستحكم ، وهجر الحق والمعروف فلم يعمل به ولا يتناهى عنه ، فحق له أن يرغب بالموت الذي فيه الحياة الأبدية برضا الرب ، وذلك حين يقدم فينهى عن المنكر والباطل ، ويدعو الناس للعدل والعمل بالحق والصلاح والهدى الإلهي ولو كلفه حياته عليه السلام ، لأنه الحياة مع ظالم لا يكف عن ظلمه وفساده لا قيمة له ، وبالخصوص حين يكون الناس قد تبعوا الظالمين من أجل الدنيا ولم يعتنوا بأمر الدين ، فنهض عليه السلام مستشهدا هو وآله وصحبه ، وقدم كل شيء من أجل تعريفهم أن الدنيا لا تسوى شيء مع الظلم ، وإن الحياة تكون كريمة حين طلب العدل والصلاح ، والإقدام في بيان وتعريف الحق وما به ينير للمؤمن الهدى والمعروف .

وأن الإمام الحسين : له دور كريم في نصر وتأييد والده وأخيه الإمام الحسن عليه السلام وكانوا أئمته ، وإنه أقر لهم بكل علم وعمل وسيرة وسلوك عملوا وساروا به وعلموه ، بل هو وهم امتداد حق لرسول الله وبما علمهم الله ورسوله ، وبيان واقعي لدينه وما يجب علمه وعمله وفق تعليم الله وشرحه كما عرفت ، ولا فرق بينه وبينهم فيما عملوا في طاعة الله، ولو كانوا في زمانه لعملوا ما عمل و لثاروا وقاموا كما قام ، وستأتي بيانات كثيرة للإمام في تعرف ما يوجب عليه من القيامة به من نهضته المباركة .


 

الإشراق الخامس :

بيان بعض أقوال علماء الطائفة المحقة في أسباب نهضة الإمام :

الإشعاع الأول :

جواب السيد المرتضى لسبب ثورة الإمام مع قلة الناصر :

يا طيب :

ذكر السيد لشريف المرتضى : أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي في كتابه الموسوم تنزيه‏ الأنبياء ، مسائل كريمة في بيان أهم أسببا نهضة الإمام الحسين و قيامه بمناضلة طاغية زمانه مع قلة الناصر وقوة العدو وأتباعه .

فنذكر ما قاله السيد رحمه الله : لما فيه من الفائدة القاطعة للجاجة لمن يخطر باله الإشكال ، أو محب يحب معرفة أهمية ثورة الإمام الحسين عليه السلام .

وهو : بيان كريم في تعريف أغلب ما يشكل على ثورة الإمام الحسين عليه السلام مع قلة الناصر ، ويكون حلا لمن لم يقبل ما ذكرنا آنفا ، ولم يعرف شأن الإمام ، وأنه لا يفعل إلا بما أمره الله سبحانه وتعالى وما أوصاه به نبيه ، فإنه قد بين رحمه الله إن سبب إقدامه هو لظنه بالنصر وإنه لما عرف قلة الناصر حب الانصراف ولكنه منع ، وكان في تسليمه ذلة للدين ولكل المسلمين أبدا .

وفرق بين الإمام الحسين : وبين أخيه الحسن عليهم السلام ، حيث شرط الإمام الحسن شروطا كثيرة على معاوية ولكنه غدر بها ، فقال قدس سره :

 

مسألة : فإن قيل :

 ما العذر : في خروجه عليه السلام من مكة بأهله وعياله إلى الكوفة ، والمستولى عليها أعداؤه ، والمتآمر فيها من قبل يزيد منبسط الأمر والنهي ، وقد رأى عليه السلام صنع أهل الكوفة بأبيه وأخيه ، وأنهم غدارون خوانون ؟

 وكيف خالف ظنه : ظن جميع أصحابه في الخروج ، وابن عباس يشير بالعدول عن الخروج ، ويقطع على العطب فيه .

وابن عمر لما ودعه يقول : استودعك الله من قتيل ، إلى غير ما ذكرناه ممن تكلم في هذا الباب .

 ثم لما علم : بقتل مسلم بن عقيل رضي الله عنه وقد أنفذه رائدا له ، كيف لم يرجع لما علم الغرور من القوم وتفطن بالحيلة والمكيدة ؟

ثم كيف : استجاز أن يحارب بنفر قليل ، لجموع عظيمة خلفها لها مواد كثيرة ؟

 ثم لما عرض عليه :ابن زياد الأمان وأن يبايع يزيد، كيف لم يستجب حقنا لدمه ودماء من معه من أهله وشيعته ومواليه؟

ولم ألقى : بيده إلى التهلكة ، وبدون هذا الخوف سلم أخوه الحسن عليه السلام الأمر إلى معاوية ؟

 فكيف يجمع بين فعليهما بالصحة ؟

 

قال رحمه الله الجواب :

قلنا : قد علم إن الإمام متى غلب في ظنه يصل إلى حقه ، والقيام بما فوض إليه بضرب من الفعل ، وجب عليه ذلك ، وإن كان فيه ضرب من المشقة يتحمل مثلها تحملها .

وسيدنا أبو عبد الله عليه السلام : لم يسر طالبا للكوفة ، إلا بعد توثق من القوم وعهود وعقود ، وبعد إن كاتبوه عليه السلام طائعين غير مكرهين ، ومبتدئين غير مجيبين ، وقد كانت المكاتبة من وجوه أهل الكوفة وإشرافها وقرائها ، تقدمت إليه في أيام معاوية وبعد الصلح الواقع بينه وبين الحسن عليه السلام، فدفعهم، وقال في الجواب ما وجب.

 ثم كاتبوه : بعد وفاة الحسن عليه السلام ، ومعاوية باق ، فوعدهم ومناهم ، وكانت أياما صعبة لا يطمع في مثلها .

 فلما مضى : معاوية ، وأعادوا المكاتبة ، بذلوا الطاعة ، وكرروا الطلب والرغبة ، ورأى عليه السلام من قوتهم على من كان يليهم في الحال من قبل يزيد ، وتشحنهم عليه وضعفه عنهم ، ما قوى في ظنه أن المسير هو الواجب ، تعين عليه ما فعله من الاجتهاد والتسبب ، ولم يكن في حسابه أن القوم يغدر بعضهم ، ويضعف أهل الحق عن نصرته ، ويتفق بما اتفق من الأمور الغريبة .

فإن مسلم بن عقيل رحمة الله عليه : لما دخل الكوفة أخذ البيعة على أكثر أهلها ، ولما وردها عبيد الله بن زياد وقد سمع بخبر مسلم ودخوله الكوفة وحصوله في دار هاني بن عروة المرادي رحمة الله عليه على ما شرح في السير ، وحصل شريك بن الأعور بها جاءه ابن زياد عائدا ، وقد كان شريك وافق مسلم بن عقيل على قتل ابن زياد عند حضوره لعيادة شريك ، وأمكنه ذلك وتيسر له ، فما فعل واعتذر بعد فوت الأمر إلى شريك بأن ذلك فتك .

 وأن النبي صلى الله عليه وآله قال : أن الإيمان قيد الفتك .

ولو كان فعل مسلم بن عقيل : من قتل ابن زياد ما تمكن منه ، ووافقه شريك عليه لبطل الأمر .

ودخل الحسين على السلام الكوفة : غير مدافع عنها ، وحسر كل أحد قناعه في نصرته ، واجتمع له من كان في قلبه نصرته وظاهره مع أعدائه .

 وقد كان مسلم بن عقيل : أيضا لما حبس ابن زياد هانيا سار إليه في جماعة من أهل الكوفة ، حتى حصره في قصره وأخذ بكظمه ، وأغلق ابن زياد الأبواب دونه خوفا وجبنا حتى بث الناس في كل وجه يرغبون الناس ويرهبونهم ويخذلونهم عن ابن عقيل ، فتقاعدوا عنه وتفرق أكثرهم ، حتى أمسى في شر ذمة، ثم انصرف وكان من أمره ما كان.

 وإنما أردنا بذكر هذه الجملة :

أن أسباب الظفر بالأعداء : كانت لائحة متوجهة ، وإن الاتفاق السيئ عكس الأمر وقلبه حتى تم فيه ما تم .

وقد هم سيدنا أبو عبد الله عليه السلام : لما عرف بقتل مسلم بن عقيل ، وأشير عليه بالعود فوثب إليه بنو عقيل ، وقالوا :

 والله لا ننصرف حتى ندرك ثأرنا ، أو نذوق ما ذاق أبونا .

فقال عليه السلام : لا خير في العيش بعد هؤلاء .

 ثم لحقه الحر بن يزيد : ومن معه من الرجال الذين أنفذهم ابن زياد ، ومنعه من الانصراف ، وسامه أن يقدمه على ابن زياد نازلا على حكمه ، فامتنع .

ولما رأى عليه السلام : أن لا سبيل له إلى العود ولا إلى دخول الكوفة ، سلك طريق الشام سائرا نحو يزيد بن معاوية لعلمه عليه السلام بأنه على ما به أرق من ابن زياد وأصحابه ، فسار عليه السلام حتى قدم عليه عمر بن سعد في العسكر العظيم ، وكان من أمره ما قد ذكر وسطر .

فكيف يقال : إنه ألقى بيده إلى التهلكة ؟

وقد روى : أنه صلوات الله وسلامه عليه وآله ، قال لعمر بن سعد :

 اختاروا منى : إما الرجوع إلى المكان الذي أقبلت منه .

 أو إن أضع يدي في يد يزيد ابن عمى ليرى في رأيه .

 وإما إن تسيروني إلى ثغر من ثغور المسلمين ، فأكون رجلا من أهله لي ماله وعلي ما عليه .

 وان عمر ( بن سعد ) كتب إلى عبيد الله بن زياد بما سئل فأبى عليه وكاتبه بالمناجزة وتمثل بالبيت المعروف وهو :

الآن علقت مخالبنا به   يرجو النجاة ولات حين مناص

فلما رأى عليه السلام : إقدام القوم عليه ، وان الدين منبوذ وراء ظهورهم ، وعلم أنه إن دخل تحت حكم ابن زياد تعجل الذل ، وآل أمره من بعد إلى القتل ، التجأ إلى المحاربة والمدافعة بنفسه وأهله ومن صبر من شيعته ، ووهب دمه ووقاه بنفسه .  وكان بين إحدى الحسنيين : إما الظفر فربما ظفر الضعيف القليل ، أو الشهادة والميتة الكريمة.

وأما مخالفة ظنه عليه السلام : لظن جميع من أشار عليه من النصحاء ، كابن عباس وغيره .

 فالظنون : إنما تغلب بحسب الأمارات ، وقد تقوى عند واحد وتضعف عند آخر ، لعل ابن عباس لم يقف على ما كوتب به من الكوفة ، وما تردد في ذلك من المكاتبات والمراسلات والعهود والمواثيق ، وهذه أمور تختلف أحوال الناس فيها ، ولا يمكن الإشارة إلا إلى جملتها دون تفصيلها .

 

فأما السبب في أنه عليه السلام : لم يعد بعد قتل مسلم بن عقيل .

فقد بينا وذكرن : أن الرواية وردت بأنه عليه السلام هم بذلك ، فمنع منه وحيل بينه وبينه .

 

فأما محاربة الكثير بالنفر القليل .

 فقد بينا : أن الضرورة دعت إليها ، وإن الدين والحزم ما اقتضى في تلك الحال إلا ما فعله ، ولم يبذل ابن زياد من الأمان ما يوثق بمثله ، وإنما أراد إذلاله والغض من قدره بالنزول تحت حكمه ، ثم يفضي الأمر بعد الذل إلى ما جرى من إتلاف النفس .

ولو أراد به : الخير على وجه لا يلحقه فيه تبعة من الطاغية يزيد ، لكان قد مكنه من التوجه نحوه ، استظهر عليه بمن ينفذه معه ؛ لكن التراث البدوية والأحقاد الوثنية ظهرت في هذه الأحوال ، وليس يمتنع أن يكون عليه السلام من تلك الأحوال مجوزا أن يفئ إليه قوم ممن بايعه وعاهده وقعد عنه ، ويحملهم ما يكون من صبره واستسلامه وقلة ناصره على الرجوع إلى الحق دينا أو حمية ، فقد فعل ذلك نفر منهم حتى قتلوا بين يديه شهداء ، ومثل هذا يطمع فيه ويتوقع في أحوال الشدة .

فأما الجمع بين فعله عليه السلام : وفعل أخيه الحسن فواضح صحيح .

 لأن أخاه : سلم كفا للفتنة ، وخوفا على نفسه وأهله وشيعته ، وإحساسا بالغدر من أصحابه ، وهذا لما قوي في ظنه النصرة ممن كاتبه وتوثق له ، ورأى من أسباب قوة أنصار الحق وضعف أنصار الباطل ما وجب عليه الطلب والخروج .

 فلما انعكس ذلك : وظهرت إمارات الغدر فيه ، وسوء الاتفاق رام الرجوع والمكافئة والتسليم كما فعل أخوه ، فمنع من ذلك وحيل بينه وبينه ، فالحالان متفقان.

إلا أن التسليم و المكافئة : عند ظهور أسباب الخوف لم يقبلا منه ، ولم يجب إلا إلى الموادعة ، وطلب نفسه عليه السلام فمنع منها بجهده حتى مضى كريما إلى جنة الله ورضوانه ، وهذا واضح لمن تأمله ، وإذا كنا قد بينا عذر أمير المؤمنين عليه السلام في الكف عن نزاع من استولى على ما هو مردود إليه من أمر الأمة ، وأن الحزم والصواب فيما فعله ، فذلك بعينه عذر لكل إمام من أبنائه عليهم السلام في الكف عن طلب حقوقهم من الإمامة ، فلا وجه لتكرار ذلك في كل إمام من الأئمة عليهم السلام ، والوجه أن نتكلم على ما لم يمض الكلام على مثله [13].

 

 

 

 

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

بيان الشيخ المفيد لأسباب ثورة الإمام الحسين عليه السلام :

قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد : فكانتْ إِمامةُ الحسين عليه السلام بعدَ وفاةِ أخيه بما قدّمناه ثابتةً ، وطاعتُه لجَميعِ الخلقِ لازمة ، وِإن لم يَدْعُ إِلى نفسِه عليهِ السّلامُ للتّقيّةِ الّتي كانَ عليها ، والهُدنةِ الحاصلة بينَه وبينَ معاوية بن أبي سفيانَ ، فالتزمَ الوفاءَ بها ، وجرى في ذلكَ مجرى أَبيهِ أميرِ المؤمنينَ عليهِ السّلامُ .

وثبوتِ إِمامتهِ : بعدَ النّبيِّ صلّى اللهً عليهِ وآلهِ معَ الصموتِ ، وِامامةِ أخيه الحسنِ عليهِ السّلامُ بعدَ الهُدنةِ معَ الكفِّ والسُّكوتِ .

وكانوا في ذلكَ : على سنَن نبيِّ اللّهِ صلّى اللهُّ عليهِ وآلهِ وهو في الشِّعب محصورٌ ، وعندَ خروجِه مهاجِرأ من مكّةَ مستخفِياً في الغار وهو من أعدائه مستورٌ .

فلمّا ماتَ معاويةُ : وانقضتْ مُدَّةُ الهُدنةِ الّتي كانتْ تمنعُ الحسينَ ابنَ عليِّ عليهما السّلامُ منَ الدّعوةِ إِلى نفسه ، أظهرَ أمرَه بحسب الإمكاَنِ ، وأبانَ عن حقه للجاهلينَ به حالاً بحالٍ ، إِلى أنِ اجتمع لهَ في الظاهر الأنصارُ .

فدعا عليهِ السّلامُ إِلى الجهادِ : وشمّرَ للقتالِ ، وتوجّه بولدِه وأهلِ بيتهِ من حرَمِ اللّهِ وحرَمِ رسولهِ نحوَ العراقِ ، للاستنصارِ بمن دعاه من شيعتهِ على الأعداءِ .

 وقدّمَ أمَامَهُ : ابنَ عمِّه مُسلِمَ بنَ عقيلٍ - رضيَ اللهُ عنه وأرضاه - للدّعوةِ إِلى اللهِّ والبيعةِ له على الجهادِ ، فبايَعه أهلُ الكوفةِ على ذلكَ وعاهدوه ، وضَمِنُوا له النصرةَ والنصّيحةَ ووَثَّقوا له في ذلكَ وعاقدوه .

 ثمّ لم تطُلِ المُدّةُ بهم : حتّى نكثوا بيعتَه وخذلوه وأسلموه ، فقُتِلَ بينهم ولم يمنعوه ، وخرجوا إِلى الحسين عليهِ السّلامُ فحصروه ومنعوه المسيرَ في بلادِ اللّهِ ، واضطرُّوه إِلى حيث لا يَجِدُ ناصراً ولا مَهْرباً منهم ، وحالوا بينَه وبينَ ماءِ الفُراتِ حتّى تمكَّنوا منه وقتلوه ، فمضى عليهِ السّلامُ ظَمآنَ مجاهداً صابراً [14].

 

 

 

 

 



[1] الكافي ج1ص280ح1ح2. الغيبة للنعماني ص52ب3 . بحار الأنوار ج36ص209ب40 .

[2] الكافي ج1ص242ح5 .

[3] بحار الأنوار ج26ص18ب1 .

[4] الأمالي‏ للصدوق ص380م60ح10 . الأمالي ‏للطوسي ص424م15ح 952-9 .   الاحتجاج ج1ص194 احتجاج الإمام علي في الاعتذار من قعوده . بشارة المصطفى ص 58 . بحار الأنوار ج29ص417ح1 ب13 .

[5] علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1ص149ح 7 . نهج ‏الحق ص328 .  بحار الأنوار ج29ص417ح13 . مستدرك ‏الوسائل ج11ص72ب28ح12459-1 .

[6] نهج‏ البلاغة ص48خ3. الطرائف ج2ص421 .

[7] كتاب سليم بن قيس تحقيق محمد باقر الأنصاري  ص 458 .

[8] الطرائف ج1ص196 .

[9] بحار الأنوار ج44ص324ب37 . اللهوف ص22 . مثير الأحزان ص24 .

[10] بحار الأنوار ج44ص328 .

[11] بحار الأنوار ج44ص330 .

[12] بحار الأنوار ج75ص116ح2ب20- مواعظ الحسين عليه السلام . تحف‏ العقول ص245 .

[13] تنزيه‏ الأنبياء للشريف المرتضى أبي القاسم علي بن الحسين الموسوي ص227ف16.

[14] الإرشاد 2 ص 30 .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com