بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام ..

مصباح هدى

مجالس ذكر الإمام الحسين للأولين أسوة وقدوة وبيان لشأنه الكريم ..

 

النور الثاني

الآيات المؤولة بالإمام الحسين عليه السلام وشهادته وثأره

 

يا طيب : قد عرفنا كرامة وشأن الإمام الحسين عليه السلام وآله بالمعرفة النورانية ، وإن مقامه السامي وعلو قدره عند الله في السماء قبل الأرض وفي الجنة بعد الدنيا ، وقد عرفنا في الجزء السابق كثر من شؤون حياته في مع آله الكرام في الأرض وما كرمه الله به من المناقب والفضائل بكثير من الأحاديث الكريمة ، وعرفنا هنا معنى كريم في أنه كل سيرته وسلوكه هو بأمر الله سبحانه وما علمه رسوله صلى الله عليه وآله ، وإنه سنرى في هذه الصحيفة بعض شؤون حياته الكريمة مما وصل بأيدينا ، لنعرف أنه كرامة الله عليه قد ظهرت في كل علمه وعمله وبكل شؤون حياته .

وقبل أن نذكر : أهم أحول سيرة الإمام الحسين عليه السلام وسلوكه وما ظهر من علمه وعمله ، نؤكد هذا المعنى من معرفة شأنه الكريم وفضله عند الله وما خصه سبحانه من انطباق آيات كريمة على حياته وعلى شهادته بل وعلى أنصاره ، بل كل الآيات الشاملة له ولآله كثرة في كتاب الله ونشير لبعضها هنا لنعرف قدره الكريم عند الله ورسوله ، وبهذا نؤكد معنى أن ما عمله هو بأمر الله وإنه قام بواجبه بأعلى إخلاص حتى جعله الله أبو الأئمة إلى يوم القيامة ، وجعل مجلس ذكره أهم ما يعرف فضل الله على عباده ودينه وصراطه المستقيم ، وإن كان قد ذكرنا آية النور في الجزء الأول وكثير من الآيات الكريمة في الأجزاء الأخرى مما تخصه وآله كمعنى عام يشمل الإمامة والولاية للحسين وآله ، وبالخصوص أمير المؤمنين أبيه وسيده من قبل ، ثم بعد نذكر سيرته في سفينة النجاة ومجالسها الكريمة ، فتابع البحث مشكورا وجزاك الله خيرا .

 


 

 

 

الإشراق الأول :

معنى الآيات العامة المنطبقة على الإمام الحسين عليه السلام :

يا طيب : إن كل آيات الاصطفاء والاختيار لله سبحانه من عباده لهداية البشر ، تشمل الحسين وآله أئمة الحق ، وبالخصوص آيات الإمامة والولاية العامة ويتخذ منكم شهداء  وغيرها مما عرفنا سابقا قسما منها ، تعرفنا أئمة الدين وولاة أمر الله سبحانه في المسلمين ، وإن محل ذكرها كما عرفت الكتب الخاصة بالإمامة العامة لأنها أصل من أصول الدين ويبحث فيها آيات الإمامة والروايات فضلا عن الأدلة العقلية المؤيدة لضرورة وجود الإمام في المسلمين ، وذلك لكي يعلمهم هدى الله الحق ولكي لا يختلفوا أحزابا وطوائف ، وإن دين الله واحد لا يمكن أن يكون مختلف الهدى والأحكام ، ولذا كان الله أتقن دينه بالإمام كما أتقن التكوين بالنظام ودقة الصنع وجماله بما لا يمكن أن يتصور أحسن منه ، وهكذا أمر الدين والهدى .

ولكن لنعرف شأن الإمام الحق : وإن من خالفه كانوا أئمة الضلال ، نشير في هذا الإشراق لبعض الآيات الكريمة ، وقد مر قسما وافرا منها في جزء سابق في تعريف إمام الإمام الحسين عليه السلام .

ولذا ما نذكره هنا : آيات كريمة بنصها ، و بذكر مختصرا أو على نحو الإشارة من البيان لها ، ودون ذكر الروايات المفسرة لها ولا الأقوال فيها ، ومن أراد التفصيل عليه أن يرجع كتب التفاسير كالميزان أو الأمثل أو البرهان ، أو غيرها من كتب الإمامة ككتب إحقاق الحق ، أو بحار الأنوار ، أو العبقات أو الغدير أو غيرها ، وهنا نذكر بعضها :

 

قال الله سبحانه وتعالى :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ

قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامً

قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي

قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) } البقرة .

فإنه في زمن الإمام الحسين عليه السلام : لا أحد يدعي وهو من ذرية إبراهيم عليه السلام الإمامة ، إلا الإمام الحسين عليه السلام ، ومن كل المسلمين من سبقه إلا آله الكرام ، ولم يدعي الإمام غيرهم سابقا ، فضلا عمن عاصره كيزيد والذي كان فاسقا و شاربا للخمر ومحلل للمحرمات ، وهذا ظلم لا يستحق به الإمامة ، وقد نفاها الله عنه وعن كل ظالم بنص الآية الكريمة أعلاه حيث قال لا ينال عهدي الظالمين ، ويؤيده قوله:

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) } الفرقان .

ولله سبحانه القادر على كل شيء : ليس قرة عين في المسلمين ولا في الدنيا أعلى وأكمل وأجمل وأفضل وأتم وأهدى من الحسن والحسين سيدا شاب أهل الجنة ، وهما قرة عين وبركة وخير لرسول الله وسيد الأنبياء والمرسلين ولأمير المؤمنين وسيد الوصيين وفاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، بل ولكل المسلمين المخلصين الدين لله تعالى إذ عرفوا هداه الحق منهم ، وقد قال نبينا الأكرم هما مني وأنا منهما وهما ريحانته في الدنيا وقرة عيني ، راجع الجزء إمامته ترى الأحاديث الكريمة من رسول الله فيهم ، حتى تتيقن بما تعرف أنه حين يدعى كل أناس بإمامهم ولم يدعى إنسان يدعي الإسلام بالحسين وآله فليس له حض في نعيم الله سبحانه ، وهو الذي قال :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

 فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

فمن أتخذ الحسين وآله عليهم السلام : منهج حياة وتعاليم هدى ودين بكل ما علموه فهو البصير المستبصر بدينه ، وإلا فهو أعمى ، ومن سلك سبيلهم فاز في الدنيا والآخرة فهم ذرية إبراهيم المباركين بالإمامة والولاية وقرة عين الرسول وآله ، وهذا هو عين الحق في هدى الله ومعرفته ، بحق سبيله وبواقع صراطه المستقيم ، وفهم النعمة التامة في تعليم محل الهدى الإلهي وأهله .

كما أن آيات القربى : تعرفنا الشأن الكريم والمقام العالي للإمام الحسين عليه السلام فهو أول القربى الذي يجب أن تحفظ حرمتهم ، ويجب أن يطاع بكل ما علم وعرّف ، هو وأمه وأبيه وأخيه أحق بالنبي ، وبتراثه من الكتاب والحكمة كما قال تعالى :

{ أمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ

الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54) } النساء .

ولا أحد حُسد وحورب وقوتل : من ذرية إبراهيم في المسلمين ، إلا نبينا وآله في الجاهلية وفي زمن الإسلام بعد رسول الله ، فإنهم قاتلوا آل النبي الأكرم الإمام علي عليه السلام في الجمل وصفين والنهروان والإمام الحسن عليه السلام فرقوا جيشه وقاتلوه فصالح ، والإمام الحسين قتلوه هو وآله آل رسول الله وسبوا حريمه وسلبوا ماله ، وقد قال الله سبحانه فضلا عما أعطاه من الكتاب والحكمة المختصة في آل إبراهيم ، فقد جعل لهم الأنفال وخمس المال من الأرباح كما قال سبحانه :

{ وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ

فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) } الأنفال .

وقال عز وجل : { مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى

فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)}الحشر.

فإن الأنفال والفيء جعل لهم : ليقوموا بما أمرهم الله من تبليغ الرسالة بعد رسول الله ، ولتكون لهم الإمكانيات لنشر هدى الله ، و بما خصهم سبحانه من المال والكتاب والحكمة يسيروا بالعباد لصراط الله المستقيم ، فهم أهل الذكر ولهم المودة الواجبة ، كما قال الله سبحانه :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

 وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

ولا قربى : تجب لهم المودة بحق إلا رحم رسول الله المطهرون بآية التطهير وهم ككتاب الله المطهر ، وإن حبهم ومودتهم يوجب إتباعهم فتقبل الطاعة ، لأنه من سيرتهم وسلوكهم يتعلم دين الله القويم لا من المنحرفين عنهم ، لأنهم هم صادقون كما في آية المباهلة وغيرهم كاذب ، وهم رحم رسول الله وهم أولى به ، وهذا نص آيات من كلام الله في كتابه الكريم ، و كما قال الله سبحانه وتعالى :

{ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مِن بَعْدُ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ مَعَكُمْ فَأُوْلَئِكَ مِنكُمْ

وَأُوْلُواْ الأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ

إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (75) } الأنفال .

فإن الحسين عليه السلام وأخيه وأمه وأبيه : أولى برسول الله وهم رحمه الماس وصلبه الحق ، وهم أحق بتراثه من المال والعلم ، وهم الذين طهرهم الله كما طهر رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله :

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ

 أَهْلَ الْبَيْتِ

 وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً (33) } الأحزاب .

فأهل البيت هم نفسهم أهل المباهلة وهم القربى لا غيرهم :

{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

 فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ

أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

وهذا الإمام الحسين عليه السلام : كان أبن رسول الله وأقرب عباد الله له وهو الذي حضر المباهلة ، وهو المطهر الذي خص بكتاب الله وحكمته ومال الله لكي يقيم دولة الحق والعدل والإصلاح ، ويكون كل من تبعه له أعلى الأجر ، لأنه نصر ما أمر الله بنصره ، وغيرهم مهما برروا لأنفسهم فهم على باطل وضلال وفي غضب الله ، لأنهم انحرفوا عن الصراط المستقيم للمنعم عليهم .

وذكرنا الآيات : على عجالة وفي مختصر البيان ، لأنها حقيقة مسلمة في آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وأنها تنطبق على الإمام الحسين وآله بصورة عامة وخاصة ، وواضحة الدلالة والبيان لأقل منصف عرف الإسلام وأهله ، ولا يمكن حملها على غيرهم ، بل يكون غيرهم مهما اخترعوا له من فضائل مادام عاندهم ولم يأخذ دينه وهداه منهم ، فهو ضال منافق بل كافر بأنعم الله وما يقوله في سورة الفاتحة من طلب هدى الله عند المنعم عليهم ، فهو كاذبا في طلبه ، ولم يطلب الحق .

ولا يقاس بآل محمد صلى الله عليهم السلام : أحد ، فمن خرج عليهم خرج عن الدين ، ولا يقاس بني أمية وغيرهم بهم ، ولا ممن سبقهم بهم ، ومن تسلط غيرهم غاصبون لأرث آل محمد ومدعون لتراثه ، وليس لهم من الكتاب والحكمة نصيب حق.

ويا طيب : إن الآيات كثيرة جدا ، ذكرنا قسما منها لندخل بخصوص الآيات المؤولة بالإمام الحسين عليه ، ومن أحب التفصيل فليرجع لصحيفة الثقلين من موسوعة صحف الطيبين أو غيرها مما ذكرنا من الكتب المفصلة في الإمامة والتفسير ، ويرى أنه هناك آيات كثيرة في أهل البيت عليهم السلام بل وسور تخص شأنهم الكريم كسورة الفاتحة و الكوثر والدهر والقدر والجمعة وغيرها .

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

الآيات المؤولة بشهادة الإمام الحسين والطلب بثأره :

يا طيب :

التأويل : هو تفسير الآيات الكريمة بحملها على أحد أفراد معناها الكلي وأحد مصاديق معناها العام الشامل له ولغيره .

وإن التأويل : هو المعنى الباطني للآيات المفسر بما يقارب المعنى الأولي الظاهري ، وذلك لمناسبة شديدة بينه وبين المعنى الظاهري ، وإن بعض الآيات لا يمكن حملها على المعنى الظاهري ، لأنه غير مقصود أصلا كما في قوله سبحانه وتعالى :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

 فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

فإنه ليس المراد : الأعمى المؤمن المتقي في الآخرة يكون أعمى ، لأنه يكون بصير في الآخرة وفي أعلى نعيم وله أجر مضاعف لصبره ، وإنما تفسرها الآية قبلها وتؤل بما يناسبها ، فإنه الأعمى عن معرفة الإمام الحق ولم يطلب أولياء الله الصادقين وإن كان بصير في الدنيا فيحشر يوم القيامة أعمى ، لأنه أتبع إمام الباطل وكان مع الضالين وترك الصادقين المصطفين الأخيار ، فلضلاله عن معرفة أولياء الله ولم يطلبهم بحق فهو أعمى في الدنيا وإن كان له بصر ، وحتى لو كان بقوة نظر زرقاء اليمامة أو كما يقال ستة على ستة حين تقاس درجات النظر ، ولو حمل على الأعمى المؤمن يكون في الآخرة أعمى ، وإنه عمي في بصره وزاده بالإجبار العمى عن السبيل ، بهذا المعنى يكون الله سبحانه وتعالى وعز وجل ظالم بأشد الظلم والعياذ بالله تعالى من هذا الفكر ، ولذا كان لابد أن تؤول وتحملها على ما ذكرنا، ومثل هذا آيات كثيرة في كتاب الله كقوله تعالى :

{ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْـيُـنِـنَــا وَوَحْيِنَا

وَلاَ تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ (37) } هود .

فإن عين الله سبحانه : هو رعايته وعنايته بنوح عليه السلام وبما يؤيده ويوحي له من كيفية صنع السفينة ومحتوياتها ، وبما يعلمه من هداه ودينه ، ولو حمل على عين واقعية أو آله صنع ، فتكون عين كبيرة فيها ماء تسير فيها سفن ، وحينها تكون له أجزاء وأعضاء والله تعالى يقول :

سبحان الله عما يصفون ، ولا يحطون به علما ، وليس كمثله شيء ، وحمل أعيننا على عين بحجم معين ولو كبير جدا ، أو حملها على آلة لصانع سفينة ، هذا هو عين الكفر بالله سبحانه والعياذ بالله من وصف الواصفين ، ولذا كان لابد أن تؤول بما عرفت من قدرة الله وعلمه المحيط الراعي لمن اصطفاهم وأختارهم لهداه كلا في زمانه .

وإن الآيات : في كتاب الله كثيرة في هذا المعنى ، والذي يجب تأوليها وحملها على معنى مراد لله مبيّنه في أصول دينه ومعارفه ، ولذا قال سبحانه :

{ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ  (7) } آل عمران .

ولا يكون صاحب التأويل : إلا من خصه الله بعلمه وهو يعلم كتابه ، ولذا ما سترى هنا من تأويل آيات وحملها على الإمام الحسين وشهادته أو في فضل آله ، فهي بعضها صريح جدا كما سترى ، وبعضها مؤوله فيهم وأنهم مصداقها الأتم ، وذلك لأن :

بعض الآيات الكريمة : يكون فيها من الكلية بحث تشمل كثير من المصاديق والأفراد ، وإن نزلت بمناسبة معينة وزمان معين بل على فرد واحد ، فيكون هو مصداقها الحق الأولي ، وتنطبق على من يكون له مثل مواصفاتها أو خصوصياتها بانطباق ثانوي ، فمثلا السابقون السابقون أولئك المقربون ، فصحيح إن السابق الأول له الفضل الأعلى وهو الإمام علي عليه السلام ، ولكن كل من يسبق غيره بعمل الخيرات يكون له فضل على من يأتي بعده في أي زمان كان ، كما ويكون شدة العمل وأهمية محقق لعمق انطباق الآية التي فيه معناها عليه ، سواء في زمان نزول الآية أو بعدها .

ولذا قد يكون :عمل بعد نزول الآية تنطبق عليه الآية بأعمق وأشد من العمل الأول ، لأن أثره أعلى وخيره أو عدمه أكثر وقعا ، وبهذا نعرف عموم بعض الأحكام وإطلاقها وشمولها لكل عمل إلى يوم القيامة ، ويحصل على ثوابها الوارد فيها أو عِقابها كل من انطبقت عليه الآية ، ولذا قالوا الوارد لا يخصص الورود ولا المورد ، ولعل بعض الآيات العامة يحصل لها من المصاديق والأفراد في غير زمان نزولها ، بل ولعله أفراد أكثر ولها كمال وتحقق أعلى وبخصوصيات تنطبق عليهم أشد الانطباق وأتمه .

وذلك مثل الميزان : فهو في العصور الماضية ، والموازين الموحدة الدقيقة في العصر الحاضر ، وكذلك المصابيح في الزمان السابق ولمصابيح الوهاجة المتطورة في الزمان الحاضر ، فإنها أتم في انطباق المعنى عليها .

والآيات : التي تحرم قتل النفس المحرمة ، تنطبق على كل نفس تقتل بغير حق ، وتكون أشد انطباق في حرمة قتل الأنبياء وأولاد الأنبياء وبالخصوص أئمة المسلمين ، وخلفاء رسوله الله وأوصيائه وهداة الدين الإسلامي وقادته وسادته وولاته في الدنيا والآخرة ، وهم نبينا وآله الطيبين الطاهرين كأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب وولديه سبطا رسول الله الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجنة ، وأحفادهم المعصومين عليهم الصلاة والسلام .

ولذا إن الله سبحانه : ذكر في القرآن الكريم حرمة قتل النفس وذمه ، وشدد سبحانه الحرمة والذم في قتل الأنبياء وهداة دينه الذين أختارهم لهداة البشر .

وهكذا الآيات : التي تبين وجوب طاعة أولي الأمر الذين اختارهم الله على علم على العالمين ، من الأنبياء والمرسلين وأوصياءهم ، وبالخصوص النبي وأهل بيته الكرام وسادة أهل الدنيا العظام  ، فهي كما تنطبق على زمان النبي الأكرم ، تطبق على زمان قادة دينه من أهل بيته وآله عليهم السلام وإن ولدوا بعده ، ويكون المصداق أكثر أهمية إذا كانت اشد انطباق في الموافقة والمخالفة بحيث يتغير مسير الأمة من حيث طاعة أفرادها لقادتهم أو عدمه ، كما في وجوب إطاعة أمير المؤمنين والحسن والحسين عليه السلام ، وهي طاعة واجبة كطاعة النبي الأكرم صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

وهكذا الثواب : لأولياء الله وسادة أهل الدنيا وأصحابهم الواقعيين ، هو ثواب يفوق ثواب المؤمن العادي في الحالات العادية ، و حالات النفس الراضية والمرضية هي النفس التي محصت بالبلاء وحسن إخلاصها ، وهي لحب النبي وأله في أولياءهم أشد انطباق ، وفي نبينا وأله عين الانطباق وهي مصداق كامل ومصداق خالص صرف .

فيا مولي : تدبر هذه الآيات التي بين يديك والمؤولة بسيد شباب أهل الجنة الإمام الحسين عليه السلام ، ستجدها منطبقة عليه وعلى أصحابه اشد الانطباق،  لأنهم أفضل الأفراد والمصاديق لهذه الآيات الشريفة ، فتدبر فيها وتذكر زمانه الشريف ومحنته وابتلائه وأصحابه ، وفساد مخالفيه وضلالهم ، ستجدهم المصداق الكامل لانطباق الآيات الشريفة عليهم ، وستجدهم مصداق وفرد حقيقي لأحسن القصص الإسلامية ، وهي تحكي عن وقائع وحوادث وقعت في زمن الإسلام الأول ، ولها اشد الانطباق على الطاهرين نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين .

 

 


 

 

 لإشعاع الأول :

 آيات النور والبيوت المرفوعة وسورة التين :

يا طيب : مر في الجزء الأول ، تفسير وشرح آيات النور وتأوليها في الإمام الحسين عليه السلام بأحسن بيان واسع كريم ، وهنا نذكر مختصرا يذكرنا بما ذكرنا هناك .

في كتاب مسائل علي بن جعفر : بالإسناد عن موسى بن جعفر عليه السلام قال :

قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه السلام في قول :

{ الله تعالى اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ

مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكاةٍ } فاطمة عليها السلام .

{ فِيها مِصْباحٌ } الحسن .

{ الْمِصْباحُ فِي زُجاجَةٍ } الحسين .

{ الزُّجاجَةُ كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ } فاطمة كوكب دري بين نساء أهل الدنيا .

{ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ } إبراهيم عليه السلام .

{ زَيْتُونَةٍ لا شَرْقِيَّةٍ وَ لا غَرْبِيَّةٍ } لا يهودية و لا نصرانية .

{ يَكادُ زَيْتُها يُضِي‏ءُ } يكاد العلم يتفجر بها .

{ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نارٌ نُورٌ عَلى‏ نُورٍ } إمام منها بعد إمام .

{ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشاءُ } يهدي الله للأئمة من يشاء .

{  وَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ } .

قلت { أَوْ كَظُلُماتٍ } قال الأول و صاحبه .

{ يَغْشاهُ مَوْجٌ } الثالث { مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ } .

{ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ } .

{ كَظُلُماتٍ } الثاني { بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ } معاوية و فتن بني أمية .

{ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ } المؤمن في ظلمة فتنتهم { لَمْ يَكَدْ يَراها } .

{ وَ مَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُور } إماما من ولد فاطمة عليهم السلام .

{  فَما لَهُ مِنْ نُورٍ } إمام يوم القيامة .

و قال في قوله : { يَسْعى‏ نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَ بِأَيْمانِهِمْ } أئمة المؤمنين يوم القيامة ، تسعى بين يدي المؤمنين و بأيمانهم ، حتى ينزلوهم منازل أهل الجنة [15].

 

ويا طيب في تكملة الآيات أعلاء في سورة النور جاء :

في تأويل الآيات الظاهرة : عَنْ عِيسَى بْنِ دَاوُدَ قَالَ :

حَدَّثَنَا الإمام مُوسَى بْنُ جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ عليه السلام : فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :

{ فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ

يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ رِجالٌ } ؟

قَالَ : بُيُوتُ آلِ مُحَمَّدٍ :
بَيْتُ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ ، وَ حَمْزَةَ وَ جَعْفَرٍ .

 قُلْتُ : { بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ } ، قَالَ : الصَّلَاةُ فِي أَوْقَاتِهَا .

قَالَ : ثُمَّ وَصَفَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ قَالَ :

 { رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَ إِقامِ الصَّلاةِ وَ إِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَ الْأَبْصارُ } .

قَالَ هُمُ : الرِّجَالُ لَمْ يَخْلِطِ اللَّهُ مَعَهُمْ غَيْرَهُمْ .

ثُمَّ قَالَ : { لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا ، وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ } .

قَالَ عليه السلام : مَا اخْتَصَّهُمْ بِهِ مِنَ الْمَوَدَّةِ ، وَ الطَّاعَةِ الْمَفْرُوضَةِ ، وَ صَيَّرَ مَأْوَاهُمُ الْجَنَّةَ ، وَ اللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ[16].

 

وفي تفسير فرات الكوفي : عن محمد بن الفضيل الصيرفي قال : سألت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام ، عن قول الله تبارك و تعالى : { وَ التِّينِ وَ الزَّيْتُونِ } ؟

 قال عليه السلام : { التِّينِ } الحسن ، و { الزَّيْتُونِ } الحسين .

فقلت : قوله : { وَ طُورِ سِينِينَ } ؟ قال : إنما هو طور سيناء .

قلت : فما يعني بقوله : طور سيناء ؟ قال : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قال : قلت : { وَ هذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ } ؟ قال : ذاك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و من‏ سبلنا آمن الله به الخلق في سبيلهم ، و من النار إذا أطاعوه .

قلت قوله : { إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصَّالِحاتِ } ؟

قال عليه السلام : ذاك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام .

و شيعته : { فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ } .

قال : قلت قوله : { فَما يُكَذِّبُكَ بَعْدُ بِالدِّينِ } .

قال : معاذ الله لا و الله ما هكذا قال تبارك و تعالى و لا كذا أنزلت ، قال : إنما قال : فما [فمن‏] يكذبك بعد بالدين .

و الدين : أمير المؤمنين ، { أَ لَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحاكِمِينَ‏} .

 وقال الإمام الصادق عليه السلام : في قوله تعالى :

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ‏ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } قال الكفلين الحسن و الحسين و النور علي[17] .

 و في رواية سماعة عن الإمام الصادق عليه السلام :

{ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ } . قال إماما تأتمون به [18].

كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة :عن مُجَاهِدٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ: { وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها }، قَالَ: هُوَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم.

{ وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاه } ، قَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام .

{ وَ النَّهارِ إِذا جَلَّاها } ، قَالَ : الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهم السلام .

{ وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها } بَنُو أُمَيَّةَ .

ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم: بَعَثَنِيَ اللَّهُ نَبِيّاً .

 فَأَتَيْتُ بَنِي أُمَيَّةَ ، فَقُلْتُ : يَا بَنِي أُمَيَّةَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ .

قَالُوا : كَذَبْتَ مَا أَنْتَ بِرَسُولٍ .

 ثُمَّ أَتَيْتُ بَنِي هَاشِمٍ ، فَقُلْتُ : إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ .

 فَآمَنَ بِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام سِرّاً وَ جَهْراً ، وَ حَمَانِي أَبُو طَالِبٍ عليه السلام جَهْراً ، وَ آمَنَ بِي سِرّاً .

ثُمَّ بَعَثَ اللَّهُ جَبْرَئِيلَ : بِلِوَائِهِ ، فَرَكَزَهُ فِي بَنِي هَاشِمٍ .

وَ بَعَثَ إِبْلِيسَ : بِلِوَائِهِ ، فَرَكَزَهُ فِي بَنِي أُمَيَّةَ ، فَلَا يَزَالُونَ أَعْدَاءَنَا .

وَ شِيعَتُهُمْ أَعْدَاءَ شِيعَتِنَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [19] .

ومر الكلام في الجزء الأول : في تفسير وشرح آيات النور والبيوت المرفوعة وغيرها ، وإنه لا آمان ولا إيمان ولا نور ولا هدى اليوم ويوم القيامة إلى لمن تبع الحق وأهله ، وهم نور الله في السماوات والأرض والملكوت ، ومن لم يرضى بهم فهو في ظلمات وضلال أئمة الكفر والنفاق ، ويعرفنا حقيقة آية النور ما بعدها من آيات البيوت المرفوع وذكر رجالها ، وما بعدها من الآيات في السورة كما عرفت .

 

 

 

 


 

 

 

 

الإشعاع الثاني :

 آيات الأنبياء التي تأول بمعرفتهم بالحسين :

في الكافي : عن علي بن محمد رفعه ، عن أبي عبد الله عليه السلام ، في قول الله عز وجل : { فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٌ } الصافات 88 ـ 89 .

قال : حسب فرأى ما يحل بالحسين عليه السلام .

فقال : إني سقيم لما يحل بالحسين عليه السلام [20].

 وسيأتي بيان كريم : في النور الآتي يعرفنا معرفة نبي الله إبراهيم بما سيجري على الحسين عليه السلام ، وبالخصوص حين بيان فديناه بذبح عظيم ، وسنعرف إن إبراهيم أبو الأنبياء وكل الأنبياء يتصبرون على ما يصيبهم من إعراض قومهم عنهم بما يعرفون من قصة الإمام الحسين مع قومه وتضحيته وفداءه ، فيثبتوا ويدعو قومهم لمعرفة الحق حتى لو كلفهم حياتهم وكل ما يملكون ، وإن كل ما يصيبهم يروه يهون أمام ما يصيب الحسين عليه السلام وما يقدمه من أجل تعليم هدى الله ، ولذا يثبتون فيدعون قومهم لتوحيد الله وطاعته وإقامة دينه خالصا لوجهه الكريم وهذا ما تعطيه الآيات بعدها بل وقبلها ،  فتعرف إقدامه عليه السلام وثباته وهو جد الحسين الأعلى . وأنظر في النور الآتي :

تأويل قول الله سبحانه : {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ } البقرة37 .

وقول الله عز وجل :{ فَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الصافات : 107.

 وقوله الله عز وجل : {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّ} مريم : 54 .

وتأويل {كهيعص} مريم1 . وأنضر انطباق الآية على الحسين :

{يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّ} مريم 7.

وأنظر تأويل قوله تعالى :{وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ } البقرة 84 ، في قتلة الحسين علية السلام في فصل كُفر قتلت الحسين عليه السلام .

في فصل بكاء كل شيء على الحسين وكذا الآية {فمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ} الدخان 29 .

في تأويل الآيات الظاهرة :عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ ، قَالَ سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عليه السلام ، يَقُولُ : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَ مَنْ حَوْلَهُ } .

يَعْنِي : مُحَمَّداً ، وَ عَلِيّاً ، وَ الْحَسَنَ ، وَ الْحُسَيْنَ ، وَ إِبْرَاهِيمَ ، وَ إِسْمَاعِيلَ ، وَ مُوسَى ، وَ عِيسَى صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ [21].

وأنظر جزء ولادة الإمام الحسين عليه السلام تجد كثير من الآيات المؤولة فيه .

وأنظر جزء : ثواب زيارته عليه السلام وإقامة المآتم والبكاء عليه .

وأنضر إشراق : علة تأخير عذاب قتلة الحسين وثأر المهدي بقتل أولادهم ، فإن آيات مؤولة في قتل قتلة الإمام الحسين عليه السلام .

 

 


 

 

 

 

الإشعاع الثالث :

آيات أهل البيت التي فيها الإمام الحسين :

يا طيب : إن كل آيات الإمامة والولاية والشهداء والتطهير والعلم ووراثة الكتاب والحكمة وأهل الذكر والاصطفاء والاختبار الإلهي للأنبياء ولأئمة العباد ، تراها تنطبق على آل البيت وبالخصوص التي فيها تضحية تراها جلية في الإمام الحسين ، وذكرنا قسم منها في النور الأول وما قبل هذا الإشراق ، بل هناك سور في أهل البيت مثل الدهر والقدر و الكوثر والفاتحة والجمعة والنور والأحزاب ، بل وخلاصة معنى سورة البقرة والرعد والشورى وغيرهن ، فترينا أنهم هم بركة الله وهداه المستقيم ، لأنه سبحانه أنعم الله عليهم بهداه ، فأورثهم الله العظيم الكتاب والحكمة .

 وإن الإمام الحسين عليه السلام : كآله صلى الله عليهم وسلم له الدور العظيم في تبليغ دين الله وانطباقها عليه كفرد كريم لها وبأعلى بيان ، ولأن الكتاب الذي بين يديك هو صحيفة نور تبين تضحيته وفدائه فلذا نخصه بالذكر ، وإن بعضها تنطبق عليه بالخصوص أو مع آله صلى الله عليهم وسلم ، فنذكر قسم منها وتفصيل البحث في الإمامة ، وإن بينا قسم منها سابقا لكن هنا نشير لها ولبينها فيما يخص هذا الموضوع :

 منه : عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) } الفرقان .

 قال : نزلت هذه الآية و الله خاصة في أمير المؤمنين عليه السلام .

 قال : كان أكثر دعائه ، يقول :

ربنا : { هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا } ، يعني فاطمة .

{ وَذُرِّيَّاتِنَا } : يعني الحسن و الحسين { قُرَّةَ أَعْيُنٍ } .

قال أمير المؤمنين : و الله ما سألت ربي ولدا نضير الوجه ، و لا سألت ولدا حسن القامة ، و لكن سألت ربي ولدا مطيعين لله ، خائفين وجلين منه ، حتى إذا نظرت إليه و هو مطيع لله ، قرت به عيني .

قال : { وَ اجْعَلْنا لِلْمُتَّقِينَ إِماما } .

قال : نقتدي بمن قبلنا من المتقين ، فيقتدي المتقون بنا من بعدنا .

و قال الله : { أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُو } الفرقان ، يعني علي بن أبي طالب و الحسن و الحسين و فاطمة .

{وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا (75) خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقام}الفرقان[22].

وعن أبو صالح عن ابن عباس في قوله : { قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ (59)} النمل.

قال : هم أهل بيت رسول الله علي بن أبي طالب و فاطمة و الحسن و الحسين و أولادهم إلى يوم القيامة هم صفوة الله و خيرته من خلقه [23].

في تأويل الآيات الظاهرة : أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : قَالَ يَا أَبَا بَكْرٍ ، قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : { وَ والِدٍ وَ ما وَلَدَ } ، هُوَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ عليه السلام ، { وَ مَا وَلَدَ } الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام[24] .

في تأويل الآيات الظاهرة : عَنْ أَبِي السَّلِيلِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فِي قَوْلِهِ  عَزَّ وَ جَلَّ  : { مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ } قَالَ : عَلِيٌّ وَ فَاطِمَةُ عليهما السلام .

{ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَ الْمَرْجانُ } ، قَالَ : الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عليهما السلام .

فَمَنْ رَأَى مِثْلَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعَةِ : عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، لَا يُحِبُّهُمْ إِلَّا مُؤْمِنٌ ، وَلَا يُبْغِضُهُمُ إِلَّا كَافِرٌ ، فَكُونُوا مُؤْمِنِينَ بِحُبِّ أَهْلِ الْبَيْتِ ، وَ لَا تَكُونُوا كُفَّاراً بِبُغْضِ أَهْلِ الْبَيْتِ فَتُلْقَوْا فِي النَّارِ[25] .

يا طيب : سورة الكوثر تبين أنهم ذرية طاهرة وهم كوثر الخير والبركة من فاطمة عليها السلام ووصي رسول الله وأخيه بل نفسه كما في آية المباهلة ، وبها نعرف أنهم إذا دعوا يستجاب لرسول الله ، وبهم يرفع الدعاء كما جاء في كيفيتها فضلا عن آية التطهير التي تخصهم ، والبحث في هذا كله في كتب الإمامة .

و ذكر في المناقب في الحسن والحسين :

 كانا حجة الله لنبيه في المباهلة مع طفوليتهما ، و لو لم يكونا إمامين لم يحتج الله بهما مع صغر سنهما على أعدائه ، و لم يتبين في الآية ذكر قبول دعائهما .

و لو أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجد من يقوم مقامهم غيرهم لباهل بهم أو جمعهم معهم ، فاقتصاره عليهم يبين فضلهم و نقص غيرهم .

 و قد قدمهم في الذكر على الأنفس : ليبين عن لطف مكانهم ، و قرب منزلتهم ، و ليؤذن بأنهم مقدمون على الأنفس ، معدون بها ، و فيه دليل لا شي‏ء أقوى منه ، أنهم أفضل خلق الله .

و حديث المباهلة : رواه الترمذي في جامعه و قال هذا حديث حسن .

و ذكر مسلم : أن معاوية أمر سعد بن أبي وقاص أن يسب أبا تراب .

فذكر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أ ما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى الخبر و قوله لأعطين الراية غدا رجلا الخبر و قوله تعالى :

{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ

 أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

و في أخرى لمسلم : قال سعد بن أبي وقاص لما نزلت قوله تعالى : { فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ } دعا رسول‏ الله عليا و فاطمة و الحسن و الحسين .

و قال : اللهم هؤلاء أهلي .

و روى الواحدي في أسباب نزول القرآن : بإسناده وروى رواية عن كثيرين[26].

ويا طيب : لتعرف بركة الإمام الحسين عليه السلام وما ينتسب له من ذريته المباركة من السادة تعرف أن رسول الله لم ينقطع نسله ، وإن من شنأه كان هو الأبتر حقا ، وإن نسله هو كوثر الخير والبركة والهدى والدين ، وإن الله سبحانه منّ وتفضل على رسول الله بسورة الكوثر البليغة والقليلة الكلمات ، وهي أقصر سورة في القرآن المجيد ، ليعرفنا بأن أفضل نعيم هو الهدى ، وهو عند آل رسول الله ، وإنه منة الله بهذه السورة تعرفنا أنهم لابد أن يكونوا أئمة ، وإلا كل الناس يولد لهم ، ولكنهم يعيروه و ينتقصوه بأنه لا وراث لدينه وهداه ، وقالوا يموت ويذهب دينه ولا محافظ له ، فأنزل الله سبحانه :

سورة الكوثر { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)

فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) }الكوثر .

 وقد أمره بأن يصلي مكبرا لله وأن دينه مستمر بآله الكرام صلى الله عليهم وسلم .

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلَّامٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِيسَى بْنِ مَصْقَلَةَ الْقُمِّيِّ عَنْ زُرَارَةَ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ع فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ :

 { وَ أْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلاةِ وَ اصْطَبِرْ عَلَيْه (132) } طه .

قَالَ عليه السلام : نَزَلَتْ فِي عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ .

 كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله : يَأْتِي بَابَ فَاطِمَةَ كُلَّ سُحْرَةٍ ، فَيَقُولُ : السَّلَامُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ ، الصَّلَاةَ يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ .

{ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِير}الأحزاب33[27].

والإمام الحسين:آخر أصحاب الكساء والتطهير ومن نسله أئمة الهدى إلى يوم القيامة.

 

 


 

 

الإشعاع الرابع:

 آية حملته أمه كرها ووضعته كرها في الإمام الحسين:

عن سالم بن مكرم ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 لما حملت فاطمة بالحسين عليه السلام جاء جبرائيل إلى رسول الله فقال :

 إن فاطمة ستلد ولدا ، تقتله أمتك من بعدك .

فلما حملت فاطمة الحسين كرهت حمله ، وحين وضعته كرهت وضعه .

ثم قال أبو عبد الله عله السلام : هل رأيتم في الدنيا أماً تلد غلاما فتكرهه ؟!

ولكنها كرهته لأنها علمت أنه سيقتل  .

 قال : وفيه نزلت هذه الآية : {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا

حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} الأحقاف 15 [28].

قال في البحار بيان : قوله عليه السلام ( لما حلمت ) لعل المعنى قرب حملها أو المراد بقوله " جاء جبرائيل " مجيئه قبل ذلك أو بقوله حملت ثانيا شعرت به ، ولعله على هذا التأويل الباء في قوله بوالديه للسببية ، وحسنا مفعول وصينا ، وفي بعض القراءات حسنا بالتحريك فهو صفة لمصدر محذوف أي إيصاء حسنا ، فعلى هذا يحتمل أن يكون المراد بقوله " وصينا " جعلناه وصيا .

والوالدان : رسول الله وأمير المؤمنين كما في سائر الأخبار ويحتمل الظاهر أيضا [29].

مر البحث مفصلا في جزء ولادته عليه السلام .

 

 


 

 

الإشعاع الخامس :

 الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق في الحسين وآله:

عن محمد بن القاسم بن عبيد بسنده ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله : {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلاَّ أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } الحج 40 .

قال : نزل في علي  وجعفر وحمزة .

وجرت في الحسين بن علي عليهم السلام والتحية والإكرام [30].

سترى أن الإمام الحسين عليه السلام : أجبر على الهجرة من المدينة ثم من مكة ، لأن أمره إما أن يخضع ويقر ويرضى بالظلم والفساد والجور والطغيان والضلال ، أو يقاتل فيقتل إن لم يقر ، فهاجر في بلاد الله كما هاجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ولم يكن ذنبه إلا أن طلب أن يقيموا العبودية بالإخلاص لله سبحانه وتعالى .

 

 

 


 

 

الإشعاع السادس :

 آية كفوا أيديكم :

في تفسير العياشي في تفسير قوله تعالى :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ

 فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ  قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77)} النساء  .

عن إدريس مولى لعبد الله بن جعفر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

 { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } مع الحسن .

{ وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ } مع الحسين :

{ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } إلى خروج القائم عليه السلام ، فإن معه النصر و الظفر، قال الله: {قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنْ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيل}.

وفي تفسير العياشي عن محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

والله الذي صنعه الحسن ابن علي عليهما السلام : كان خيرا لهذه الأمة مما طلعت عليه  الشمس ، والله لفيه نزلت هذه الآية : : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ  وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ } إنما هي طاعة الإمام .

فطلبوا القتال : { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ } ، مع الحسين :

{ قَالُوا رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلاَ أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ } .

  وقوله : {رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ } إبراهيم 44 ، أرادوا تأخير ذلك إلى القائم عليه السلام .

و عن الحلبي ، عنه عليه السلام { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ } قال : يعني ألسنتكم .

وفي رواية الحسن بن زياد العطار عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله : { كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ  وَأَقِيمُوا الصَّلاَةَ } قال : نزلت في الحسن بن علي عليها السلام أمره الله بالكف .

  قال : قلت : القتال { فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقِتَالُ } قال : نزلت في الحسين بن علي كتب الله عليه وعلى أهل الأرض أن يقاتلوا معه[31].

يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام لم يثبت معه إلا من قتل معه في كربلاء ، وهم اثنان وسبعون وكان سبعة عشر منهم من آل محمد عليهم السلام ، والباقي من أخلص المؤمنين ، و تفرق من كان معه ، فضلا عن أهل الكوفة الذين كاتبه وبايعه منهم ثمانية عشر آلف ولم يبقى إلا ما عرفت ، فينطبق عليهم معنى الآية بأعلى بيان .

 

 

 


 

 

 

الإشعاع السابع :

تأول سورة الفجر في الحسن والحسين وصحبه :

في تأويل الآيات الطاهرة :عن دارم بن فرقد قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

اقرؤوا سورة الفجر في فرائضكم ونوافلكم .

 فإنها سورة الحسين بن علي عليهما السلام ، وارغبوا فيها رحمكم الله تعالى .

 فقال له أبو أسامة وكان حاضر المجلس : وكيف صارت هذه السورة للحسين عليه السلام خاصة ؟  فقال : ألا تسمع إلى قوله تعالى :

{ يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ... (27)} الفجر ، إنما يعني الحسين بن علي عليهما السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضية ، وأصحابه من آل محمد صلى الله عليه وآله ، هم الراضون عن الله يوم القيامة ، وهو راض عنهم . 

وهذه السورة ( الفجر ) : في الحسين بن علي عليهما السلام وشيعته وشيعة آل محمد خاصة ، من أدمن قراءة " والفجر " كان مع الحسين بن علي عليهما السلام في درجته في الجنة ، إن الله عزيز حكيم .

في تفسير علي بن إبراهيم بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله تعالى :

: {يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً  فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي } يعني الحسين بن  علي عليهما السلام[32]

يا طيب : الكثير رووا إن من رأى أصحاب الحسين عليه السلام في يوم عاشوراء كانوا فرحين بالموت في سبيل الله ومخلصين في طلب الشهادة في إعلاء كلمته ، حتى قالوا في الحسين عليه السلام لم نرى مكثورا أربط جأش منه ، فإنه مع كثرة الأعداء وما قتل من آله وصحبه وما سيؤول له أهل بيته بعد قتله من السبي ، كان في أشد الطمأنينة والرضا بقضاء الله وقدره ، ولم يكن عنده أي خوف ولا ما يشعر بعدم الرضا بما قسم الله له ، وترى هذا جليا في دعاءه في يوم عاشوراء عليه السلام ، وسيأتي ذكره بنصه كاملا.

 

 

 


 

 

الإشعاع الثامن :

 وأتبعتهم ذريتهم بإيمان في الحسين :

عن محمد بن مسلم قال :

سمعت أبا جعفر وجعفر بن محمد عليهما السلام يقولان :

إن الله تعالى : عوض الحسين عليه السلام من قتله :

أن جعل الإمامة في ذريته .

 والشفاء في تربته .

 وإجابة الدعاء عند قبره .

ولا تعد أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره . 

قال محمد بن مسلم : فقلت لأبي عبد الله عليه السلام :

 هذه الخلال تنال بالحسين عليه السلام ، فماله في نفسه ؟  

قال عليه السلام : إن الله تعالى ألحقه بالنبي ، فكان معه في درجته ومنزلته ، ثم تلا أبو عبد الله عليه السلام :

{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ (21)} الطور[33].

وأنظر : ذكر ثواب الحسين في استشهاده وأنظر فصل ثواب زيارته .

يا طيب : إن جزاء المخلصين هو أعلى ثواب في الدنيا والآخرة ، فإنه جد الحسين نبي الله إبراهيم عليه السلام ، جعله الله خليلا له ، وجعل الأنبياء والأئمة من ذريته ، فكان أبو الأنبياء والأئمة إلى يوم القيامة ، وهذا ما خص الله به الإمام الحسين بعدما اثبت إخلاصه في سبيل نشر دين الله حتى الشهادة وتقديم كل ما يملك مختارا ، فكرمه بما عرفت من الخصال في الحديث ، وهذه كرامة الله لكل من يطيعه ويخلص لله بهداه ، ويجاهد في سبيله حقا .

 


 

 

الإشعاع التاسع :

 ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب:

يا طيب : آية الحديد من الآيات التي تنطبق على مصاب أهل البيت حقا :

في تفسير علي بن إبراهيم : قال الصادق عليه السلام : لما ادخل علي بن الحسين عليه السلام على يزيد لعنه الله،  نظر إليه ، ثم قال له : يا علي بن الحسين ! :

 {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ (30) } الشورى .

فقال علي بن الحسين كلاما : هذه ليست فينا نزلت .

 وإنما نزلت فينا : {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي أَنْفُسِكُمْ

إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (31)

 لِكَيْلاَ تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ (32)}الحديد.

 فنحن : الذين لا نأسى على ما فاتنا من أمر الدنيا ، ولا نفرح بما أوتينا[34] .

يا طيب : ستأتي الآية في ذكر آل البيت في الشام وبشكل أوسع فراجع .

وأعلم يا طيب : إن بلاء الله للمؤمنين نوعين : أحدها : تكفير عن ذنوب للمؤمنين ، وأخر: بلاء اختبار لرفع الدرجة والمقام عند الله سبحانه ، وغيرهم الله يمتعهم ويتركهم حتى لا تكون لهم في الآخرة حسنة فلا يبتليهم بما يكون جزاء لسيئاتهم في الدنيا ، ولله في خلقه شؤون ، وآل البيت عليهم السلام معصومون لا ذنب لهم ، فبلاء الله لهم هو لرفع المقام ، ولذا قال النبي الأكرم للإمام الحسين سيد شباب أهل الجنة لك مقام ولا تناله إلا بالشهادة ، على أن في أخر الزمان يخرج المؤمن الميت مع الإمام المهدي فيقاتل حتى يرزق الشهادة ، ومن مات شهيدا يرجع حتى يعيش في ظله باقي عمره بنعيم الله في الدنيا فضلا عن الآخرة ، وإنه حتى الكفار وبالخصوص من يرضى بقتل آل محمد يخرج في أخر الزمان معذبا ويقتل بذنب قتل المؤمنين إن مات حتف أنفه ، ويكون له جزاء لا تكفير عن ذنب فضلا عن عذاب الآخرة .

 

 


 

 

 

الإشعاع العاشر :

 أذن للذين يقاتلون  وإذا الموءودة سئلت :

في كنز جامع الفوائد و تأويل الآيات الظاهرة : عَنْ ضُرَيْسٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عليه السلام قَالَ : سَمِعْتُهُ يَقُولُ :

 {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39)}الحج.

قَالَ : الْحَسَنُ وَ الْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ [35].

 

و في كامل الزيارات : عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز وجل :

{وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ(9) } التكوير.

قال : نزلت في الحسين بن علي عليهما السلام [36].

ستأتي الأخبار المناسبة للباب في باب علة تأخير العذاب عن قتلته عليه السلام .

يا طيب : إنا لله وإنا إليه راجعون ، مصيبة ممن يدعي الإسلام وإلى الآن تجد من يدافع عن قتلة الحسين عليه السلام ، وأن طغاة أئمة الضلالة وأتباعهم فضلا عن قتل الكبار ، فإنهم ابن الحسين عبد الله الرضيع ( علي الأصغر ) نحروه في كربلاء ، وهو عليه السلام يطلب لهم الماء ، ومن غير جرم ذبحوه من الوريد إلى الوريد ، ورقية طلبت أن ترى أبيها فقدمه لها مذبوحا فشهقت شهقت كانت روحه الكريمة فيها وصارت إلى الملكوت الأعلى ، ولم يكن لهم جرم ولا ذنب ، ولكن قسوة قلوب القوم أخذوا يقتلون آل محمد كبارهم وصغارهم بكل سبيل من غير ذنب لهم عليهم ، إلا أنهم دعوهم للإيمان والعدل والإصلاح والهدى والفلاح ، وهذه الآية الكريمة في الموءودة تصدق على كل من يقتل بغير ذنب كبيرا وصغيرا ، يسأل قاتله بأي ذنب قتلته ، فكيف بقاتل آل محمد .

 

 

 


 

 

 

الإشعاع الحادي عشر:

آيات انتقام الله من قتلة الإمام الحسين :

عن أبي بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال : تلا هذه الآية :{ إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا

وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ (51) } غافر.

قال عليهم السلام : الحسين بن علي منهم ، و لم ينصر بعد .

ثم قال : و الله لقد قتل قتلة الحسين عليه السلام ، و لم يطلب بدمه بعد[37] .

في تفسير علي بن إبراهيم :  {ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ  ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ

لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} الحج60.

فهو رسول الله صلى الله عليه وآله : لما أخرجته قريش من مكة ، وهرب منهم إلى الغار ، وطلبوه ليقتلوه ، فعاقبهم الله يوم بدر ، وقتل عتبة ، وشيبة ، والوليد ، وأبو جهل ، وحنظلة ابن أبي سفيان وغيرهم .

 فلما قبض رسول الله : طُلب بدمائهم ، فقتل الحسين وآل محمد بغيا وعدوانا ، وهو قول يزيد حين تمثل بهذا الشعر :

ليت  أشياخي  ببدر  شهــدوا    جزع  الخزرج  من  وقع الأسل

لست من خندف إن لم أنتقـم    من  بني  أحمد  ما  كان فعـل

و كذاك  الشيـخ   أوصـاني  بـه    فاتبعت الشيخ فيما قد سأل

قد   قـتـلنا  القرم  من  سـاداتهم    و  عـدلناه   ببـدر   فاعتـدل

وقال الشاعر في مثل ذلك شعر :

يقول والرأس مطـروح يقلبه    يا ليت أشياخنا الماضين بالحضـر

حتى يقيسوا قياسا لا يقاس به    أيام بـدر وكان الـوزن بالقـدر

فقال الله تبارك وتعالى : { ومن عاقب } يعني رسول الله .

{  بمثل ما عوقب به } يعني حين أرادوا أن يقتلوه .

 { ثم بغي عليه لينصرنه الله } يعني بالقائم عليه السلام من ولده [38].

وأنظر الإشعاع الأتي ترى نصر الله لنبينا الأكرم وآله في دنيا قبل الآخرة.

وفي تفسير العياشي في الآية :

 {وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ  وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا  فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا (33) } الإسراء .

عن المعلى بن خنيس ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول :

 قتل النفس التي حرم الله ، فقد قتلوا الحسين في أهل بيته .

وفيه عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال : نزلت هذه الآية في الحسين 

{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ } قاتل الحسين .

{ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا}  قال : الحسين عليه السلام .

وفيه عن سلام بن المستنير عن أبي جعفر عليه السلام في قوله : {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورً}  .

قال : هو الحسين بن علي عليهما السلام قتل مظلوما ، ونحن أولياؤه ، والقائم منا إذا قام طلب بثأر الحسين عليه السلام ، فيقتل حتى يقال فقد أسرف في القتل .

وقال : المقتول الحسين ، ووليه القائم ، والإسراف في القتل أن يقتل غير قاتله .

{ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورً } فإنه لا يذهب من الدنيا حتى ينتصر برجل من آل رسول الله عليهم الصلاة والسلام ،  يملا الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما[39] .

وفي روضة الكافي : بسنده عن الحجال ، عن بعض أصحابه ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز وجل :

{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ }.

 قال : نزلت في الحسين عليه السلام لو قتل أهل الأرض به ما كان سرف [40].

قال المجلسي رحمه الله بيان : فيه إيماء إلى أنه كان في قراءتهم عليهم السلام : فلا يسرف : بالضم ويحتمل أن يكون المعنى أن السرف ليس من جهة الكثرة ، فلو شرك جميع أهل الأرض في دمه أو رضوا به لم يكن قتلهم سرفا ، وإنما السرف أن يقتل من لم يكن كذلك ، وإنما نهي عن ذلك [41].

يا طيب : تدبر قول الله سبحانه وتعالى :  { مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ

أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ   أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ  فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا

وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا

وَلَقَدْ جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا بِالبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ (32)

إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادً

أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ

ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33)

إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (34)

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (35) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ أَنَّ لَهُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُواْ بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (36) } المائدة .

يا طيب : وأي حرمة أكبر من قتل ذرية الأنبياء وأصفياء الله وخيرته من خلقه وأكرمهم في عباده ، وإن من يقتل نفسا فكأنما قتل الناس جميعا ، فكيف بمن يقتل أكرم عباد الله ، وإن الله ناصرهم ومؤيدهم ، ويكون خارج من الدين من يخرج عن دينهم وهاداهم ، وإن مَن يرضى بقتل الحسين وآله يستحق القتل في زمن الحجة ولا إسراف في قتل من لم يؤمن بالله وبالخصوص من يحب الظلمة والمنافقين والكفار ويحارب ويعادي أولياء الله وله في أخر الزمان خزي بالقتل من الله والنار معده له في عذاب الله في جهنم وبئس المصير.

 

 

 


 

 

 

الإشعاع الثاني عشر :

ظهور الإمام الحسين بعد الحجة عجل الله فرجه :

في تفسير العياشي والكافي :

 عن صالح بن سهل ، عن أبي عبد الله عليه السلام في قوله :

{ وَ قَضَيْنا إِلى‏ بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ }.

 قتل علي ، و طعن الحسن عليهما السلام .

{ وَ لَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيراً } قتل الحسين عليه السلام .

{ فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُم } إذا جاء نصر دم الحسين .

{ بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ }

قوم : يبعثهم الله قبل خروج القائم ، لا يدعون وترا لآل محمد إلا حرقوه .

{ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولً } قبل قيام القائم .

{ ثُمَّ رَدَدْنا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَ أَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ جَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِير(5)} الإسراء . خروج الحسين ، في الكرة سبعين رجلا من أصحابه الذين قتلوا معه ، عليهم البيض المذهب ، لكل بيضة وجهان ، المؤدي إلى الناس إن الحسين قد خرج في أصحابه ، حتى لا يشك فيه المؤمنون ، و أنه ليس بدجال و لا شيطان .

 الإمام : الذي بين أظهر الناس يومئذ ، فإذا استقر عند المؤمن أنه الحسين لا يشكون فيه ، و بلغ عن الحسين الحجة القائم بين أظهر الناس ، و صدقه المؤمنون بذلك ، جاء الحجة الموت ، فيكون الذي غسله و كفنه و حنطه و إيلاجه في حفرته الحسين ، و لا يلي الوصي إلا الوصي .

و زاد إبراهيم في حديثه : ثم يملكهم الحسين حتى يقع حاجباه على عينيه ؟[42]

قال العلامة الطباطبائي : في الميزان في شرح الآية، و في معناها روايات أخرى وهي مسوقة لتطبيق ما يجري في هذه الأمة من الحوادث على ما جرى منها في بني إسرائيل ، تصديقا لما تواتر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم  : هذه الأمة ستركب ما ركبته بنو إسرائيل حذو النعل بالنعل و القذة بالقذة ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخله هؤلاء، و ليست الروايات واردة في تفسير الآيات، ومن شواهد ذلك اختلاف ما فيها من التطبيق.

ويا طيب : إن الحق وأهله ملة واحدة وهو  لمن كان موحدا لله وعلى دين يرضاه لله سبحانه على طول الزمان ، ومن يكفر ويطغى وبالخصوص ممن يحارب الأنبياء والأوصياء يكونوا ملة كفر واحدة ، ويكون ما أرتكب بنو إسرائيل من الظلم هو نفس الظلم الذي تحقق به آل أمية ومن مكنهم ومن كان بعدهم تابعا لهم في عدائه لآل محمد ، وإلى الآن يوجد ناس يفتخر بيزيد ومن كان على مثله ، ويتمنى أن يقتل كل آل محمد وشيعتهم ويفتخر بقتل الموالين للحسين عليه السلام ، وهم فعلا إما من أذناب اليهود وعملائهم ، أو من الحاقدين الذين لا يعلمون أن اليهود هم من يحرك قادتهم .

وإن الأموال : سيطرة عليها عصابة تمد الظالمين لزمان طويل ، وبالخصوص في زماننا هذا ، فهم يحاربون آل محمد وشيعتهم بكل طريق ممكن ، والله سبحانه يختبر عباده ويداول الأيام بين الناس ، ليظهر الصابرون والممتحنة قلوبهم بالإيمان ، وإنهم لا يتوانون في نصر الدين ولو نالوا الشهادة في سبيل الدفاع عن الحق وهدى الله الذي يعرفه آل محمد ، وطبعا يكون هناك من يعاديهم من الوهابية وهم شرذمة جاء بهم الكفر حين تمت له السيطرة في القرن العشرين في زماننا .

وأسأل الله أن يوفقنا وشيعة آل محمد وكل المسلمون : لكل خير وعافية ، ويرزقهم السعة في العلم والعمل ، ويصلح أمورهم ويكفيهم شرور أعدائهم ممن يعاديهم ، وأسأله سبحانه أن يداول الأيام ويجعل بأس الكفار والمنافقين والمشركين بينهم ، وينجي المسلمين من بينهم ، إنه سبحانه على كل شيء قدير ، وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمني يا رب العالمين .

 

 



[15] مسائل ‏علي ‏بن ‏جعفر ص : 317ح 795 .الكافي ج1ص195ح5 باب أن الأئمة نور الله ، آيات النور من 35-42 ، التحريم8 .

[16] بحار الأنوار ج23ص326ب19ح4 .  تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة ص359 سورة النور.

[17] تفسير فرات ‏الكوفي ص578 ح 578-743 و من سورة التين.

[18]  المناقب ج : 3 ص : 381  .

[19] بحار الأنوار ج24ص76ح14ب30 تأويل الآيات الظاهرة  ص 778 سورة الشمس.

[20] الكافي ج1ص465ح5 وعنه في بحار الأنوار ج40ب28ص220ح12.

[21] بحار الأنوار ج24ص90ب33ح8 .

[22]  المناقب ج3 ص381  .

[23]  المناقب ج 3 ص381  .

[24] بحار الأنوار ج23ص269ح18ب 15 .تأويل الآيات‏الظاهرة ص 772  سورة البلد .

[25] بحار الأنوار ج24ص98ب36ح4 .تأويل الآيات الظاهرة  615 سورة الرحمن .

[26] المناقب ج3ص367 . و عنه في بحار الإنوارج39ص277ب12ح48.

[27] بحار الأنوار ج25ص219ب7ح19 .

[28] كامل الزيارات ص 55 و 56 .

[29] بحار الأنوار ج40ب30ص231ح16.  بحار الأنوار ج40ب30ص232ح17.  كامل الزيارة ص 56 ـ57 .  بحار الأنوار ج40ب30ص233ح18.

[30] تفسير فرات ابن إبراهيم الكوفي ص 99 ، والآية في سورة الحج 40 ، وروى  مثله الكليني في روضة الكافي ص 337 بإسناده إلى سلام بن المستنير عن أبى جعفر عليه السلام   بحار الأنوار ج40ب28ص219ح9.

[31] عن تفسير العياشي ج 1 ص 258 الرقم 106ـ108 عن بحار الأنوار ج40ب28ص 218ح1ـ4. وأنظر الكافي ج 1 ص 465 ، باب مولده عليه السلام الرقم 5 . النساء ، 77 ، بحار الأنوار ج40ب28ص220ح14. كتاب النوادر لعلي بن أسباط .

[32] الفجر : 27 ـ 30 .  بحار الأنوار ج40ب28ص218-219ح8-11.

[33] أمالي الطوسي ص 201 عنه في بحار الأنوار ج40ب29ص221ح1.

[34] بحار الأنوار ج40ب39ص168ح13.

[35] بحار الأنوار ج24ص227 ب58ح2 .تأويل الآيات الظاهرة ص  334 سورة الحج.

[36]كامل‏ الزيارات ص63 ب8ح3 . بحار الأنوار ج40ب28ص220ح13.

[37] كامل‏ الزيارات ص63 ب8ح2.

[38] بحار الأنوار ج40ب39ص167ح12. تفسير القمي ج2ص86 .

[39] تفسير العياشي ج2ص290 ـ 292 الرقم 64 ـ 67، بحار الأنوار ج40ب28ص218ح5ـ 7 .

[40] روضة الكافي ص 255 .  

[41] بحار الأنوار ج40ب28ص219ح10.

[42] تفسير العياشي ج2ص281ح20 سورة 17 بني إسرائيل . الكافي ج8ص206ح250 . وأنظر كامل‏ الزيارات ص63 ب8ح1 .

 

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com