بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام ..

مصباح هدى

مجالس ذكر الإمام الحسين للأولين أسوة وقدوة وبيان لشأنه الكريم ..

النور الثالث

الله يخبر أنبياءه بما يجري على الحسين ليتصبروا على مصابهم

 

الإشراق الأول :

أسباب ذكر قصة الحسين في الأمم السابقة واللاحقة :

يا طيب : قد تضافرت الأخبار وتواترت و، هي تحكي علم نبينا الأكرم والأنبياء السابقون صلى الله عليهم وسلم باستشهاد الإمام الحسين عليه السلام ، وإنهم قد عقدوا مجالس لذكر مصابه وثورته المباركة ، ولهم قصص حسنة وترويها أحاديث شريفة وتعبر عنها حكايات إسلامية كريمة ، وبيان لهدى يجب البذل في سبيله والجهاد من أجله بحق الجهاد ، والعمل في صراطه المستقيم بأقصى غاية الإخلاص ، فتعرفنا الروايات تأريخ كريم مر به هداة البشر ، وبأعلى بيان لما كان يعانيه الأنبياء من نكران رسالتهم من قبل قومهم بل عنادهم لهم بل رفضهم ، إلا القليل من العباد عصمهم الله وهداهم بفضله .

فترى في هذه القصص الحسنة : فضائل سيرتهم وكريم خصالهم ، وصبرهم الجميل فيما تبينه من تحملهم لآذى قومهم في جنب الله ، والذين كانوا لم يعرفوا قدرهم ، وأهمية ما جاء به المخلصون الصالحون ، والمصطفون الأخيار لهداية البشر من رب رحيم كريم وبار محسن عليم ، وهي من أحسن القصص الدينية في معرفة هذه الواقعة الأليمة ، والإقتداء بهم وبمن كان قدوة لهم في الصبر في سبيل نشر دين الله وإقامته ، والتعبد لله بهداه ونشره بكل أخلاص ومهما كانت الظروف .

 وحكاية : معرفة الأنبياء الكرام لواقعة الإمام الحسين عليه السلام ، وإن وكان قد وقعت في زمان الأمم السابقة ، ومع الأنبياء السابقين على الإسلام وواقعة الحسين عليهم السلام كانت بعد بعثت نبينا الأكرم بأكثر من أربعة وسبعون سنه ، وبعد الهجرة بأكثر من ستين سنة ، ولكن مع ذلك ، فهذه القصص والحكايات ، كان الله يحكيها ويعلمها لأنبيائه ، ويطلعهم على وقائع وحوادث تقع في زمان نبينا وبعده ، وفي زمان آله الطيبين الطاهرين وما يجري عليهم من نكران فضلهم وهدى الله الذي عندهم ، وبالخصوص في زمان وقوعها مع الإمام الحسين عليه السلام وما يجري عليه ، وكيف أنهم ثبتوا وبلغوا في أصعب الأحوال والظروف وصبروا على ما يجري عليهم .

فإن هذه القصص الإسلامية : والتي فيها عبرة وعضة وبيان لحكمة الله تخصنا وتحكي عن عظيم مصاب نبينا الأكرم وعترته وآله الطيبين ، وشدة الأحوال والابتلاء لهم في زمانهم ، وممن ينكر فضلهم ، بل لا يلتزم بهداهم ، بل يُعلم غيره ويفتي برأي أخر ، وتعرفنا نجاح نبينا وآله في الاختبار الإلهي والقيام بالواجب بأحسن ما يمكن ، بل يفوق ابتلاء جميع الأنبياء واختبارهم وثباتهم ، ولذا كانت تحكى لهم ليعتبروا ويتصبروا ويثبتوا كما سترى تفاصيل قصصهم الحسنة في الإشراق الآتي  .

 فنبينا محمد صلى الله عليه وآله والأنبياء السابقين : حين يعلموا  بذبح الحسين وآله وما يجري عليهم من المصائب العظام ، يصبرون مع شدة الحزن على ما يؤول عليه الأمر بعد نبينا الأكرم من فتنة العباد وفشل الناس في الثبات ، بل والانقلاب عن الهدى لأئمة الضلال ونصر أئمة الكفر وقتال أئمة الحق ، وكان عندهم ليس خبر عابر بل هو عين الحقيقة والواقع ، لأنه بوحي الله وتصديقهم له عين تصديقهم برسالتهم وتبليغهم لها والثبات عليها ونشرها بكل إخلاص وجد .

فصبر وحزن الأنبياء الكرام : لمصاب النبي الأكرم بجهاد الحسين وآله صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، كان أسوة وقدوة وتسلية لهم وتهوين لما يجري لهم مع قومهم ، وبتذكيرهم به يتسلون ويثبتون وتسهل عليهم الصعاب في تبليغ دين الله والهداية له ، فبذكرهم لقصة نبينا وآله وبالخصوص الإمام الحسين وتحمله وجهاده وعدم توانيه ، تجعلهم يتحملون الشدائد في سبيل نشر تعاليم الله تعالى بأعلى عزم وإخلاص .

كما أن كل مؤمن : في أي زمان ومكان كان ، لو يقارن جهاده بجهاد لإمام الحسين عليه السلام ، ويقارن صبره بصبره ، وتضحيته بتضحيته ، يرى نفسه لا يساوي شيء أمام الحسين ولا حتى أمام صبر النبي وأبنته وابن عمه ووصيه علي بن أبي طالب وبنيه عليهم الصلاة والسلام ، ومن ثم حتى نفس صبر آل الحسين الطيبين الطاهرين وأكرم خلق الله في العالمين ، لا يقاس بصبر الإمام الحسين عليه السلام ، وما كان يجب أن يقدم عليه ويعانيه من أجل تبليغ الدين ، وأن يرى أعزته يقتلون أمامه فردا فردا وأن يقاتل وهو بجمع قليل أمام جيش كبير ، وأن يعطش وتسبى عياله ويستشهد أعزته أمامه بل يقدمهم واحد بعد واحد للشهادة وهو ينظر إلى مصارعهم وتقطع أشلائهم، وكان عليه أن لا يسلم ولا يستسلم بل يجب عليه أن يمضي قدما حتى الشهادة والسبي لعياله .

فلا غرو ولا استبعاد : أن يخبر الله الأنبياء السابقين بهذا البلاء العظيم ليشد من عزمهم ويقوي إرادتهم في سبيل تبليغ معارفه لخلقه والجهاد في سبيل تعليم هداه ، فإن الله يضحي بأعز خلقه في سبيل تفهيم الناس حقيقة دينه وعلوا تعاليمه التي فيها سعادة البشر في الدنيا والآخرة بحق واقعي ، فيعرفهم عظمة عنايته بهم وأهمية هداه والشأن الكريم لدينه ، ووجوب تطبيقه والعمل به ونشره بكل جد وإخلاص وعزم وثبات ، فيوصلهم لحقيقة عبوديته وخالص تعاليمه الغير محرفة ، حتى يسعدهم واقعا في الدارين ، ولهذا يسعى لها المعلم والمبلغ المخلص والمتعلم والمستفهم بحق ، وبحق الجهاد والعلم والعمل ومن غير تواني في سلوك الصراط المستقيم للمنعم عليهم بهدى الله الواقعي .

 

فمن الجهل : بعناية الله بعباده وحبه سبحانه لهم ، وفي جديته في عبودية ومعرفة تعاليم دينه وضرورة نشرها ، و إرادته من أولياءه بكل جد تبليغ تعاليمه ، استبعاد ذكر حكاية قصة استشهاد الإمام الحسين للأنبياء السابقين أو عند نبينا قبل استشهاده ، والتغافل عن أهمية عقدهم مجالس ذكر ثورته ومصابه ، وأهدافه من جهاد الظالمين و بيان المنحرفين عن الدين ، وأنه يجب الاعتناء بهدى الله والعلم والعمل به بحق مخلصين.

 فإن بعض : الموالين لبني أميه ومن أتباعهم في الانترنيت ، يقول : إن الله ما عند شغل فيذكر قصة الحسين ومصابه لمن سبق من الأنبياء وتلهي الناس اللاحقين بها !

ولم يعلم : إن هذا الذكر لشهادة الإمام الحسين عليه السلام ، هو أشرف الذكر المبلغ لتعاليم الله لمن علمهم الله بهده ، وأوجب عليهم نشره بكل ثبات وجد وإخلاص وعزم وجهاد ، واختباره سبحانه لأوليائه وامتحانهم بأشد المصائب و بأقوام ضالين ومعاندين ، فيرينا إخلاص المصطفين الأخيار وصبرهم في جنب الله ، فيكونوا القدوة في الصبر والعزم على تبليغ دين الله في أصعب الظروف وأشدها ، ومهما كانت التضحية والفداء من أجل إقامة العدل والهدى الحق ، ولذا صار الإمام الحسين عليه السلام قدوة في الصبر والثبات ، وأسوة في تحمل شدائد المحن ، لجده خاتم أنبياء الله و رسله ، ولجميع الأنبياء والصديقين والمؤمنين في الزمان السابق واللاحق إلى يوم الدين .

 

ثم أن في عقد مجالس : ذكر واقعة كربلاء وإقدام الإمام الحسين واستشهاده عليه السلام ، وعلم نبينا محمد صلاة الله عليه وعلى أله الأطهار ، وذكرها وقصها على الأمم السابقة ليثبتوا مثله ، فهي فضلاً عن التسلية وشد عزم للأنبياء السابقين لتبليغ دين الله ، فهي تحكي عن وقائع عظيمة تحل تأريخ البشرية ونكرانها لنعيم هدى الله ، وتجاهلهم وتغافلهم عما به سعادة العباد وخلاصهم من الظلم حقا ، وأن عليهم عدم الرضا بالضيم والفساد والفجور ، بل بثورته ونهضته يحكي الله سمو الروح في عالم المعنى وفي عالم الملكوت الأعلى ، والنظر الأجمل لما ينتظر الإنسان المخلص لله من النعيم المقيم الأبدي ، وبكل يقين بوعد الله الصادق للمتقين ، ووعيده للمعاندين ولمن ينحرف عن الدين.

كما أن ثورة الإمام الحسين عليه السلام :  كما عرفت تفوق جميع قصص الأنبياء السابقين مع أممهم ، وفيها أكمل العبر والعضات المستفادة لهم ولنا :

ولذا كان تحمل : الأنبياء وبالخصوص نبينا الأكرم ، بما يخبر به مما يجري على الحسين يوم ولادته بل من قبل ، بل في كثير من المواقف ، وكما ستعرف في النور الآتي ، لأشد من محاولة ذبح إبراهيم جدهم الأعلى لإسماعيل وفدائه بكبش ظاهري ، وبذبح عظيم باطنا وهو الحسين من ذريتهم ، وهي أعلى من ذبح أبي النبي الأكرم عبد الله الذي فداه الله بمائة ناقة ، حتى قال صلى الله عليه وآله : أنا ابن الذبيحين ، وإن فديا ، لأنه ما علمه رسول الله عن الحسين ، هو بعين الحقيقية عنده ، وإنه شيء واحد : الإخبار به ، وتحقق أمامه عيانا ؛ لأنه بوحي الله ، علمه علم يقيني عنده ، ولذا كان يفوق ذبح النبي يحيى عليه السلام وحسن صبر أبيه زكريا عليه السلام عليه ، وإن قدم رأسه لطاغية ومن ثم لبغي من بغايا بني إسرائيل ، لأنه كان وحده ، والحسين قدم آله واحدا بعد وأحد للشهادة ثم نفسه ، وقدم عائلته للسبي والقتل والتشريد .

 

فمصاب الحسين عليه السلام : هو المصاب الأعظم وهو الذبح العظيم ، و يفدي الله به الدين ليقتدى به ويتأسى ، لا لينكر فضله ويعصى ، وليخلص لله بمثل سيرته وسلوكه ، وحتى تكون عند البشر حقائق لمعارف تريهم أعلى مقاومة وجهاد للكفر والضلال والطغيان والفساد والظلم ، وحتى بدون تواني بذرة من السعي لنشر دين الله وتعريفه بكل إخلاص ، فكانت شهادة الحسين عليه السلام إقدام عن علم ، ومعرفة بحقيقة ضلال قومه وإصرارهم على عناده وطغيانهم على قبول الحق ، ورفض التدين لله بمعارف المصطفين الأخيار والطيبين الطاهرين ، ولذا حق له جهادهم ، بل كان العيش معهم والقبول بهم موت حقيقي ، والموت شهيدا مدافعا عن دين الله وتعليم الإخلاص له حياة حقيقة ، وبهذا كان يجب على العباد معرفة الحق وقبوله والدفاع عنه ورفض الظلم والظالمين والطغاة وكل فجور وفساد على طول الزمان ، ومقاومته بأشد مقاومة ممكنة يحصل بها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واقعا .

 فيا طيب ذكر تأريخ الحسين للأمم السابقة ولنا : أشد بيانا وتبليغا من ذكر قصص الأنبياء السابقين لأقوامهم ، وأعلى من بيان جهادهم لأممهم ، وأكثر وقعا في الثبات من بيان إخلاصهم لربهم .

 فقصة ذكر الحسين ونهضته لهم ولنا : أبغ وأفضل من قصص  بني إسرائيل وأنبياءهم في تبليغ دينهم وعناد أممهم للحق ، بل وذكر الحسين يفوق ذكر المسيح عيسى بن مريم وجهاده في سبيل تبليغ دين الله ، فهو وإن اخذ وحاولوا صلبه ولكن رفعه الله للسماء ، فإن الإمام الحسين في سبيل أحياء دين الله تعالى أقدم على جهاد أعداء الله بتضحية نفسه وأهله وجميع صحبه .

فبالتدبر بالتأريخ لقصص الدين وتبليغه : نرى أن قصص أقدام وتضحية وفداء الإمام الحسين عليه السلام ، وخطبه وبيانه ، وتقويمه وإصلاحه  بثورته لما حل بإسلام من الاعوجاج والانحراف ، وما فسد من تعاليمه على يد بني أمية وأتباعهم والحكام السابقين عليهم ، وفي أخذ العبر والعضة وتعلم الإقدام منها في سبيل نشر تعاليم الله ، أعظم وأعلى حقا من قصص يوسف وأبيه يعقوب عليهما السلام ، و حتى أجل وأعلى من قصص فرار موسى و من ثم قومه بني إسرائيل من فرعون ، بل قصة الحسين أشد وقعا وأعلى من إنذار موسى وجهاده لفرعون ، فإنه فرعون أجله ليوم الزينة وصبر معه يسمع حججه و الحسين لم يمهل ولا قبلوا شيء من حججه ،  بل وأهم من مناجاته ورفض عباد العجل أو ذبحهم البقرة أو غيرها من معجزات موسى عليه السلام أو من عناد قومه له وصبره وثباته .

فإن قصص الحسين : وشهادته وصحبه فهي إن لم نقل أعلى فهي كقصص بيعة الرضوان وفتح مكة في انتصار الحسين عليه السلام في ثورته من بعد الشهادة ، وهي تساوي في البيان بل تفوق قصة سورة التوبة وبراء الله ورسوله من المنافقين والكفار والمشركين ، ومنع الله سبحانه من ليس أهلا لتبليغها ، ليمنع من الحكم فيما بعد رسول لله ، وإرسال أمير المؤمنين نفس رسول الله لتبليغها ليكون إمامهم بحق بعده ويقبل منه لا من غيره ويكون الإمام وولي الله وإن لم يقبل منه  فهو حجة الله عليهم ، وهي من أمثال قصة النبي الأكرم مع أبو لهب ومحاربة كفار قريش له ، بل قصة الحسين بتعليم رسول الله هي أكثر وقعا من قصص شعب أبي طالب ، ونفي بني هاشم فيه والتي تعد في أعلى مقامات جهاد النبي وآله وصبرهم في جنب الله في مكة بل طول تأريخ حياته الكريمة ، فأن قصة الحسين عليه السلام هي قصة الشجرة الطيبة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء مع الشجرة الملعونة التي اجتثت من فوق الأرض ومالها من قرار .

فمقدار الاتعاظ بثورة الحسين عليه السلام : هو حكاية لجميع قصص الهداة لدين الله تعالى في اشد أحوال جهادهم ، وهي خلاصة جهودهم وبيان لمقدار تضحيتهم وشدة جدية الله تعالى في أمر ولاته لتبليغ دينه ، وهي تبين سرعة انحراف الناس عن تعاليم الله سبحانه ، وإن قصة الحسين تبين كيف يستولي النفاق ووعاظ السلاطين والطامعين في الدنيا على مقاليد الدين وتحريفه ، والفتوى وفق هوى الحكام المفسدين ، وما يجب علينا من المقاومة للانحراف أبدا بأعلى بيان ممكن علمه الإمام الحسين .

فما تعرفه يا طيب : من نزول جبرائيل بالقرآن الكريم من الله تعالى على نبينا ، واستحباب أن يتلى على طول الدهر ، والاستفادة من قصص الأنبياء السابقين مع أممهم، والاتعاظ وأخذ العبر منهم ، فهي كريمة وعظيمة في بيان حجة الله على عباده.

 ولكن لقصة الإمام الحسين عليه السلام : وقعا عظيم في النفوس ، ومؤثر فوري في إيقاظ العقول ، وتنبض يقين في القلوب المطمئنة بوجوب طلب الحق والعمل به وعدم الخضوع للظلم والضلال ، ففاجعة الحسين في نفسه وآله كبرى وبيان لأعلى جدية الله لتبليغ دينه ووجوب العمل به ، ورفض أي انحراف يكون ، ومهما يكون له من الشأن من يدعو له ، وحتى لو كان المتجبر طاغية الزمان وأظلم عباد الله ، ومهما سمي .

 والله سبحانه : بقصة الإمام الحسين عليه السلام ، يعطينا دروس تامة كاملة في وجوب الإخلاص له والثبات على الدين إيمانا ويقينا باطنا ، وجهاد بأكبر وسع ممكن ظاهرا ، ولا يمكن التوسل بالتقية وغيرها لما لا يوجب الضرر الشديد المعتد به ، فإنه إذا كانت المصلحة قوية في تعليم الهدى ورفض الانحراف ، ومن ثم نعرف أنه جهاد الظالم مؤثر ، ويمكن أن يصلح أمر ما يفسده ولو بعد حين ، وينقض ما يدبره من الضلال لكل من يطلب الحق من المخلصين ، يجب حينها مقاومته بأعلى الجهود الممكنة لتبليغ الدين وإعلاء كلمة هدى الله سبحانه وبكل إخلاص .

 وبهذا نعرف بكل يقين : بأن الله تعالى حكى قصة الحسين للأنبياء السابقين ولنبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم ، ومطلوب من جميع البشر تذكرها ولاستفادة منها في نشر تعاليم الله تعالى ، وتعلمنا أهم قصص الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الإسلام وإيجاب الإقتداء به في تبليغ الدين فضلا عن العمل به ، وبأعلى ما يستطيع المؤمن .

ولا أعلم منصف : بعد هذا يستبعد ما ذكرنا من فائدة ذكر الحسين عليه السلام ، وهو سيد شباب أهل الجنة ، وأحب خلق الله لله ورسوله وآله الأطهار ولجميع المؤمنين من خلق الله ، ولكل الذين ينظرون بعين الحق والإنصاف والتقدير لفائدة التضحية والفداء والإيثار بالنفس والأهل والمال من أجل إقامة العدل والإصلاح ، والدعوة للحق وعبودية الله تعالى والمحافظة على تعاليمه بأعلى جد وجهد وإخلاص.

فبالحقيقة في استشهاد الإمام الحسين : اختبار لصبر النبي وللحسين ولكل المؤمنين لضرورة الإقتداء به ، وفي مثل صفاء روحهم ونقاء إخلاصهم ، ومن ثم حسن الظن بل اليقين بحصولهم على أعلى المقامات عند رب العزة والكمال ، والقطع في كل هذا أن سيرته ومسيره وما علمه هو تطبيق وامتثال لجديته تعالى لنشر الدين وتعاليمه ، وأنه كان مطلوب منه العمل بما أداه ونهض به وبكل وسعه ، وإنه عليه السلام تم له ما أرد من تبليغه لكل من يتبعهم ، ويمكن إيصال كلمة الحق له لنشر دين الله وتعاليمه ، والتضحية بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء كلمة الله تعالى .

ويا طيب : هنا نذكر قسم مما عثرنا عليه من أحاديث إخبار الله تعالى لأنبيائه عليهم السلام بتوسط ملائكته الكرام باستشهاد الحسين عليه السلام ، وذلك لأنه إما القسم الآخر مشابه لما نذكر وبرواية وأسلوب راوي آخر ، أو لأنه مشابه له تقريبا فلا نكرر ، ومن يحب المزيد عليه بمراجعة بحار الأنوار أو غيره، ونخصص النور الآتي لذكرى مجالس عزاء الله وملائكته مع نبيا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

 


 

 

 

الإشراق الثاني :

مجالس يعقدها الأنبياء على مصاب سيد الشهداء :

الإشعاع الأول :

جبرائيل وآدم علهما السلام يعقدا مجلس لاستشهاد الحسين :

وروى صاحب الدر الثمين في تفسير قوله تعالى :

 {فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ (37)} البقرة .

أنه (آدم عليه السلام): رأى ساق العرش، وأسماء النبي والأئمة عليهم السلام.

 فلقنه جبرائيل عليه السلام : قل :

 يا حميد بحق محمد ، يا عالي بحق علي ، يا فاطر بحق فاطمة .

 يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان .

فلما ذكر الحسين : سالت دموعه وانخشع قلبه .

 وقال : يا أخي جبرائيل في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي ؟

قال جبرائيل : ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب .

 فقال : يا أخي وما هي ؟  قال جبرائيل عليه السلام :

يقتل : عطشانا ، غريبا ، وحيدا فريدا ، ليس له ناصر ولا معين .

 ولو تراه يا آدم وهو يقول :

 وا عطشاه ، وا قلة ناصراه ، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان.

 فلم يجبه أحد إلا بالسيوف ، وشرب الحتوف .

 فيذبح : ذبح الشاة من قفاه .  وينهب رحله أعداؤه .

وتشهر رؤوسهم هو وأنصاره في البلدان .

ومعهم النسوان . كذلك سبق في علم الواحد المنان.

 فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى [43].

وروي مرسلا : أن آدم عليه السلام ، لما هبط إلى الأرض لم ير حوا .

فصار : يطوف الأرض في طلبها ، فمر بكربلا ، فاغتم وضاق صدره من غير سبب ، وعثر في الموضع الذي قتل فيه الحسين ، حتى سال الدم من رجله .

 فرفع رأسه إلى السماء وقال : إلهي هل حدث مني ذنب آخر فعاقبتني به ؟ فإني طفت جميع الأرض ، وما أصابني سوء مثل ما أصابني في هذه الأرض . 

فأوحى الله إليه : يا آدم ما حدث منك ذنب .

ولكن : يقتل في هذه الأرض ولدك الحسين ظلما ، فسال دمك موافقة لدمه .

 فقال آدم : يا رب أيكون الحسين نبيا . قال : لا ، ولكنه سبط النبي محمد .  فقال : ومن القاتل له ؟ قال : قاتله يزيد لعين أهل السماوات والأرض .

 فقال آدم : فأي شيء أصنع يا جبرائيل ؟ فقال : العنه يا آدم فلعنه أربع مرات ، ومشى خطوات إلى جبل عرفات ، فوجد حوا هناك[44] .

وما ذكر في الأحاديث : من نحو قتل الحسين وسبي عياله ، يعرفنا شدة مصابه عليه السلام ، ولعن آدم لعدوه ومعرفته ، هو من تطيب خاطره وليصبر على حلوله في الأرض ، وإن مشيه القليل حتى التقى بحواء كان كخلقه من إعجاز الله سبحانه .

ويا طيب : إن الأحاديث كثيرة جدا في توسل آدم بنبينا الأكرم وآله وأنه يعرفهم ، وما نذكره هنا هو فقط ما يخص الإمام الحسين عليه السلام ، ونذكر حديث للمعرفة العامة بكل أهل البيت ، وهكذا توجد روايات تخص كل آل محمد لكل الأنبياء ، سترى أنه لم نذكرها لأنها عامة بكل الطيبين الطاهرين ، وإليك واحد منها :

جاء في تفسير الإمام الحسن العسكر عليه السلام :

توسل آدم عليه السلام بمحمد و آله و قبول توبته بهم عليهم السلام :

 قال عليه السلام : فلما زلت من آدم الخطيئة ، و اعتذر إلى ربه عز و جل :

 قال : يا رب تب علي ، و اقبل معذرتي ، و أعدني إلى مرتبتي ، و ارفع لديك درجتي ، فلقد تبين نقص الخطيئة و ذلها في أعضائي و سائر بدني .

قال الله تعالى : يا آدم أ ما تذكر أمري إياك ، بأن تدعوني بمحمد و آله الطيبين عند شدائدك و دواهيك ، و في النوازل التي‏ تبهظك ، قال آدم : يا رب بلى .

 قال الله عز و جل له : فتوسل بمحمد و علي و فاطمة و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم خصوصا ، فادعني أجبك إلى ملتمسك ، و أزدك فوق مرادك.

فقال آدم : يا رب ، يا إلهي ، و قد بلغ عندك من محلهم أنك بالتوسل إليك‏ بهم تقبل توبتي و تغفر خطيئتي ، و أنا الذي أسجدت له ملائكتك ، و أبحته جنتك ، و زوجته حواء أمتك ، و أخدمته كرام ملائكتك .

قال الله تعالى : يا آدم إنما أمرت الملائكة بتعظيمك و بالسجود لك‏ إذ كنت وعاء لهذه الأنوار ، و لو كنت سألتني بهم قبل خطيئتك أن أعصمك منها ، و أن أفطنك لدواعي عدوك إبليس حتى تحترز منه ، لكنت قد جعلت ذلك ، و لكن المعلوم في سابق علمي يجري موافقا لعلمي ، فالآن فبهم فادعني لأجبك .

فعند ذلك قال آدم : اللهم بجاه محمد و آله الطيبين‏ ، بجاه محمد و علي و فاطمة ، و الحسن و الحسين ، و الطيبين من آلهم ، لما تفضلت علي‏ بقبول توبتي و غفران زلتي و إعادتي من كراماتك إلى مرتبتي . فقال الله عز و جل : قد قبلت توبتك ، و أقبلت برضواني عليك ، و صرفت آلائي و نعمائي إليك ، و أعدتك إلى مرتبتك من كراماتي ، و وفرت نصيبك من رحماتي . فذلك قوله عز و جل :

{ فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (37)‏ } البقرة [45].

وفي كتاب قصص الأنبياء للراوندي : بإسناده عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله : لما خلق الله آدم و نفخ فيه من روحه ، التفت آدم يمينة العرش ، فإذا خمسة أشباح : فقال : يا رب هل خلقت قبلي من البشر أحدا ، قال : لا . قال : فمن هؤلاء الذين أرى أسماءهم ؟ فقال : هؤلاء خمسة من ولدك : لولاهم ما خلقتك ، و لا خلقت الجنة و لا النار ، و لا العرش و لا الكرسي ، و لا السماء و لا الأرض ، و لا الملائكة ولا الجن و لا الإنس ، هؤلاء خمسة شققت لهم اسما من أسمائي:

فأنا المحمود و هذا محمد ، و أنا الأعلى و هذا علي ، و أنا الفاطر و هذه فاطمة ، و أنا ذو الإحسان و هذا الحسن ، و أنا المحسن و هذا الحسين .

 آليت على نفسي : أنه لا يأتيني أحد و في قلبه مثقال حبة من خردل من محبة أحدهم ، إلا أدخلته جنتي ، و آليت بعزتي أنه لا يأتيني أحد و في قلبه مثقال حبة من خردل من بغض أحدهم إلا أدخلته ناري .

يا آدم : هؤلاء صفوتي من خلقي ، بهم أنجي من أنجي ، و بهم أهلك من أهلك [46].

وعن فرات قال : بإسناده عن ابن عباس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : لما نزلت الخطيئة بآدم و أخرج من الجنة ، أتاه جبرائيل عليه السلام فقال : يا آدم : ادع ربك . قال : يا حبيبي جبرائيل ، ما أدعو ؟

قال : قل : رب أسألك بحق الخمسة الذين تخرجهم من صلبي آخر الزمان ، إلا تبت علي و رحمتني . فقال له آدم عليه السلام : يا جبرئيل سمهم لي .

قال : قل : رب أسألك بحق محمد نبيك ، و بحق علي وصي نبيك ، و بحق فاطمة بنت نبيك ، و بحق الحسن و الحسين سبطي نبيك ، إلا تبت علي و رحمتني .

 فدعا بهن آدم : فتاب الله عليه ، و ذلك قول الله تعالى جل ذكره : { فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ } و ما من عبد مكروب يخلص النية و يدعو بهن إلا استجاب الله له [47]. والروايات كثيرة تحكي مراتب من معرفة آدم عليه السلام بذريته وإنه بتذكيره وتذكره لشأنهم الكريم والتوسل بهم نجى، والقصة تفصل حسب ما عرف الرواة.


 

 

 

الإشعاع الثاني :

مجلس نوح عليه السلام على الحسين حين عمل السفينة:

في الخرايج والجرايح : عن تاريخ محمد النجار شيخ المحدثين بالمدرسة المستنصرية بإسناد مرفوع إلى أنس بن مالك ، عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال :

 لما أراد الله : أن يهلك قوم نوح ، أوحى إليه أن شق ألواح الساج ، فلما شقها لم يدر ما يصنع بها . 

فهبط جبرائيل : فأراه هيئة السفينة ، ومعه تابوت بها مائة ألف مسمار وتسعة  وعشرون ألف مسمار ، فسمر بالمسامير كلها السفينة .

إلى أن بقيت : خمسة مسامير ، فضرب بيده إلى مسمار ، فأشرق بيده ، وأضاء كما يضيء الكوكب الدري في أفق السماء ، فتحير نوح .

 فأنطق الله : المسمار ، بلسان طلق ذلق :

 أنا على اسم خير الأنبياء محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله . 

فهبط جبرائيل فقال له : يا جبرائيل ما هذا المسمار الذي ما رأيت مثله ؟

فقال : هذا باسم سيد الأنبياء محمد بن عبد الله ، اُسمره على أولها على جانب السفينة الأيمن .

 ثم ضرب بيده إلى مسمار ثان : فأشرق وأنار . فقال نوح : وما هذا المسمار ؟

فقال : هذا مسمار أخيه وابن عمه سيد الأوصياء علي بن أبي طالب ، فأسمره على جانب السفينة الأيسر في أولها .

 ثم ضرب بيده إلى مسمار ثالث : فزهر وأشرق وأنار .

فقال جبرائيل : هذا مسمار فاطمة فأسمره إلى جانب مسمار أبيها .

ثم ضرب بيده إلى مسمار رابع : فزهر وأنار .

فقال جبرائيل : هذا مسمار الحسن فأسمره إلى جانب مسمار أبيه .

ثم ضرب بيده إلى مسمار خامس : فزهر وأنار وأظهر النداوة .

 فقال جبرائيل : هذا مسمار الحسين ، فأسمره إلى جانب مسمار أبيه .

 فقال نوح : يا جبرائيل ما هذه النداوة ؟

فقال : هذا الدم ، فذكر قصة الحسين عليه السلام وما تعمل الأمة به .

فلعن الله قاتله وظالمه وخاذله [48].

وروي : أن نوح لما ركب في السفينة ، طافت به جميع الدنيا ، فلما مرت بكربلا أخذته الأرض ، وخاف نوح الغرق فدعا ربه وقال :

إلهي طفت جميع الدنيا وما أصابني فزع مثل ما أصابني في هذه الأرض .

فنزل جبرائيل وقال : يا نوح في هذا الموضع يقتل الحسين سبط محمد خاتم الأنبياء ، وأبن خاتم الأوصياء . فقال : ومن القاتل له يا جبرائيل ؟

قال : قاتله لعين أهل سبع سماوات وسبع أرضين .

فلعنه نوح أربع مرات ، فسارت السفينة حتى بلغت الجودي واستقرت عليه[49].

وقال بن طاووس في كتاب الأمان : في آخر الحديث بعد أن ذكر أغلب الحديث أعلاه ، ثم قال النبي : { وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (13)} القمر .

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الألواح خشب السفينة ، و نحن الدسر ، لولانا ما سارت السفينة بأهلها  .

يقول أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاووس مصنف‏ هذا الكتاب الأمان وإنما ذكرت هذا الحديث لأنه برواية محمد بن النجار الذي هو من أعيان أهل الحديث من المذاهب الأربعة و ثقاتهم و ممن لا يتهم فيما يرويه من فضائل أهل البيت عليهم السلام و علو مقاماتهم و ما رأيته و لا رويته من طريق شيعتهم إلى الآن .

وذكر أنه : يستحب أن يقتدى بنوح في وضع الأسماء الخمسة في المركب .

 


 

 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس أبو الأنبياء إبراهيم وجزعه على مصاب الحسين :

في عيون أخبار الرضا عليه السلام : وأمال الصدوق عن ابن عبدوس ، عن ابن قتيبة ، عن الفضل قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول :

 لما أمر الله عز وجل إبراهيم عليه السلام : أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه ، تمنى إبراهيم أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده ، وأنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ، ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده ، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب .

فأوحى الله عز وجل إليه : يا إبراهيم من أحب خلقي إليك ؟

 فقال عليه السلام : يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد .

 فأوحى الله إليه : أ فهو أحب إليك أم نفسك ؟

قال عليه السلام : بل هو أحب إلي من نفسي .

 قال : فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده .

 قال : يذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه ، أوجع لقلبك ، أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟

قال : يا رب بل ذبحه على أيدي أعدائه أوجع لقلبي .  

قال : يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ، ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما وعدوانا ، كما يذبح الكبش ، ويستوجبون بذلك سخطي .

 فجزع إبراهيم عليه السلام : لذلك وتوجع قلبه وأقبل يبكي .

فأوحى الله عز وجل : يا إبراهيم قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك ، بجزعك على الحسين وقتله .

 وأوجبت لك : أرفع درجات أهل الثواب على المصائب .

وذلك قول الله عز وجل :{ فَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ } الصافات107[50].

 

قال المجلسي رحمه الله أقول : بيان قد أُورد على هذا الخبر إشكال :

 وهو أنه : إذا كان المراد بالذبح العظيم قتل الحسين عليه السلام ، لا يكون المفدى عنه أجل رتبة من المفدى به ، فإن أئمتنا  صلوات الله عليهم أشرف من أولي العزم عليهم السلام ، فكيف من غيرهم ؟  مع أن الظاهر من استعمال لفظ الفداء ، التعويض عن الشيء بما دونه في الخطر والشرف ؟

وأجيب : بأن الحسين عليه السلام لما كان من أولاد إسماعيل ، فلو كان ذبح إسماعيل لم يوجد نبينا ، وكذا سائر الأئمة وسائر الأنبياء عليهم السلام من ولد إسماعيل عليه السلام ، فإذا عوض من ذبح إسماعيل بذبح واحد من أسباطه وأولاده وهو الحسين عليه السلام ، فكأنه عوض عن ذبح الكل ، وعدم وجودهم بالكلية بذبح واحد من الأجزاء بخصوصه ، ولا شك في أن مرتبة كل السلسلة أعظم وأجل من مرتبة الجزء بخصوصه . وأقول : ليس في الخبر أنه فدى إسماعيل بالحسين ، بل فيه أنه فدى جزع إبراهيم على إسماعيل ، بجزعه على الحسين عليه السلام .

 وظاهر : أن الفداء على هذا ليس على معناه ، بل المراد التعويض ، ولما كان أسفه على ما فات منه من ثواب الجزع على ابنه ، عوضه الله بما هو أجل وأشرف وأكثر ثوابا ، وهو الجزع على الحسين عليه السلام .

والحاصل : أن شهادة الحسين عليه السلام كان أمرا مقررا ولم يكن لرفع قتل إسماعيل حتى يرد الإشكال .  وعلى ما ذكرنا فالآية تحتمل وجهين :

 الأول : أن يقدر مضاف ، أي : فديناه بجزع مذبوح عظيم الشأن .

والثاني : أن يكون الباء سببية، أي : فديناه بسبب مذبوح عظيم بأن جزع عليه.

وعلى التقديرين : لا بد من تقدير مضاف ، أو تجوز في إسناد في قوله " فديناه " والله يعلم [51].

 يا طيب : الكلام ليس في بيان الأفضلية بين إسماعيل والحسين بل بين جزعين ، لا أنه فدي بالحسين عوض عن إسماعيل ، وكون جزع لمصاب أعظم هو لعظمة الحسين ، وبه قد يتبين أن الحسين أعظم مقاما وشأنا .

وروي أن إبراهيم عليه السلام : مر في أرض كربلاء وهو راكب فرسا فعثرت به وسقط إبراهيم وشج رأسه وسال دمه ، فأخذ في الاستغفار .

 وقال : إلهي أي شيء حدث مني ؟ فنزل إليه جبرائيل وقال : يا إبراهيم ما حدث منك ذنب ، ولكن هنا يقتل سبط خاتم الأنبياء ، وابن خاتم الأوصياء ، فسال دمك موافقة لدمه .  قال : يا جبرائيل ومن يكون قاتله ؟

قال : لعين أهل السماوات والأرضيين ، والقلم جرى على اللوح بلعنه بغير إذن ربه ، فأوحى الله تعالى إلى القلم ، إنك استحققت الثناء بهذا اللعن . 

فرفع إبراهيم عليه السلام يديه: ولعن يزيد لعنا كثيرا، وأمن فرسه بلسان فصيح.

فقال إبراهيم لفرسه : أي شيء عرفت حتى تؤمن على دعائي ؟

فقال : يا إبراهيم أنا أفتخر بركوبك علي ، فلما عثرت وسقطت عن ظهري ، عظمت خجلتي ، وكان سبب ذلك من يزيد لعنه الله تعالى [52].

يا طيب : إن بلاء الأنبياء واختبارهم هو من أسس ملاك شأنهم الكريم عند الله سبحانه وتعالى ، والله يختبرهم بما يشاء وكيف يشاء ، ولكل حال ظروف تخصه ، وفداء إسماعيل كان له أثره في وجود ذريته ، وأنه لم يكن تضحية تعرفنا ظلم العباد وحكامهم الطغاة ، والحسين عليه السلام ثورته بيان لما حل من المصائب بالدين وتعريف ظلم الحاكمين ، فناسبته الشهادة ليعرف محل الهدى الحق عنده وعند آله وضلال أعدائهم.

 

 


 

الإشعاع الرابع :

مجلس النبي إسماعيل ولعن قاتل الحسين :

وروي : أن إسماعيل كانت أغنامه ترعى بشط الفرات ، فأخبره الراعي أنها لا تشرب الماء من هذه المشرعة منذ كذا يوما .

فسأل ربه عن سبب ذلك .

فنزل جبرائيل وقال : يا إسماعيل سل غنمك ، فإنها تجيبك عن سبب ذلك ؟

فقال لها : لم لا تشربين من هذا الماء ؟

فقالت بلسان فصيح : قد بلغنا أن ولدك الحسين عليه السلام سبط محمد يقتل هنا عطشانا ، فنحن لا نشرب من هذه المشرعة حزنا عليه . فسألها عن قاتله  ؟

فقالت يقتله : لعين أهل السماوات والأرضيين والخلائق أجمعين .

فقال إسماعيل : اللهم العن قاتل الحسين عليه السلام[53].

 

يا طيب : ولتعرف أن الله أخبر أنبياءه بنبينا وآله وهم آل إبراهيم وأحوالهم ، فإنه جاء في أول التوراة في تأريخ نبي الله إبراهيم وأبناءه عليهم السلام :

وعد الله لسارة : 15 وقال الرب لإبراهيم : أما ساراي زوجتك فلا تدعوها ساراي بعد الآن ، بل يكون اسمها سارة ( ومعناه أميرة ) . 16 وأباركها وأعطيك ابنا منها . سأباركها وأجعلها أما لشعوب ، ومنها يتحدر ملوك أمم . 17 فانطرح إبراهيم على وجهه وضحك قائلا في نفسه : أيولد ابن لمن بلغ المائة من عمره ؟ وهل تنجب سارة وهي في التسعين من عمرها ؟

 18 وقال إبراهيم لله : ليت إسـمـاعـيـل يحيا في رعايتك .

 19 فأجاب الرب : إن سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا وتدعو اسمه إسحق ( ومعناه يضحك ) . وأقيم عهدي معه ومع ذريته من بعده عهدا أبديا .

 20 أما إســماعيــل :

 فقد استجبت لطلبتك من أجله .

 سأباركه حقا ، وأجعله مثمرا ، وأكثر ذريته جدا .

فيكون أبـــا لاثــنــي عــشــــر رئـيـس ،

ويصبح أمة كبيرة . 21

غير أن عهدي أبرمه مع إسحق الذي تنجبه لك سارة في مثل هذا الوقت من السنة القادمة . 22 ولما انتهى من محادثته فارق الله إبراهيم [54].

يا طيب : هذا الكلام المنقول أعلاه منقول من التوراة والإنجيل ، ويعرفنا الله أن الأئمة اثنا عشر ، ويوجد تحقيق شريف في بيان تحريف التوراة وأنه اسم نبينا حذف لأنه توجد عبارات في التوراة التي بالخط العبري لا تناسب كلمة جدا جدا كما فسروها ، بل هي تناسب كلمة محمد ، وحرفت الحروف ، وفي الترجمة ذكروا جدا واحدة.

ويكفي هذا النص:  ليعرفنا شأن آل محمد عليهم السلام وهم ذرية إسماعيل وما جعل الله له من الكرامة ، وإن الله عرف نبيه إبراهيم وإسماعيل ما سيحل بذريتهما ، وأنهم وإن يكثروا وينتشر نسلهم ، ولكن أيضا عرفهم أنه بالاختبار والابتلاء ونجاحهم بالمحن وصبرهم في جنب الله نالوا الإمامة ووراثة الكتاب والحكمة كما طلبوها لهم .

وإنه بهذا الحديث : بالإضافة لما عرفت من صلاة الله على النبي وآله وآل إبراهيم في كتابه تعرف أن الصادقون هم وشيعتهم المفلحون ، لأن الأئمة من ذرية اثنا عشر رئيس وسيدهم خاتم الأنبياء ، وإن غيرهم ممن عاداهم هم كاذبون ضالون مهما كانوا .

 

 


 

 

الإشعاع الخامس :

النبي إسماعيل صادق الوعد له أسوة واقتداء بالحسين :

عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إن إسماعيل : الذي قال الله عز وجل  في كتابه :

{وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّ}مريم54.

لم يكن إسماعيل بن إبراهيم ، بل كان نبيا من الأنبياء ، بعثه الله عز وجل إلى قومه فأخذوه فسلخوا فروة رأسه ووجهه .

فأتاه ملك فقال : إن الله جل جلاله بعثني إليك فمرني بما شئت .

 فقال : لي أسوة بما يصنع بالحسين عليه السلام [55].

وعن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام :

أن إسماعيل : كان رسولا نبيا ، سلط عليه قومه ، فقشروا جلدة وجهه وفروة رأسه . فأتاه رسول من رب العالمين فقال له : ربك يقرئك السلام ويقول :

قد رأيت ما صنع بك ، وقد أمرني بطاعتك فمرني بما شئت .

 فقال : يكون لي بالحسين بن علي أسوة[56].

 

وعن بريد العجلي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : يا ابن رسول الله أخبرني عن إسماعيل الذي ذكره الله في كتابه  حيث يقول :

 { واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا}مريم54. 

أ كان : إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ؟

 فإن الناس يزعمون أنه إسماعيل بن إبراهيم . 

فقال عليه السلام : إن إسماعيل مات قبل إبراهيم ، وإن إبراهيم كان حجة لله ، قائدا صاحب شريعة ، فإلى من أرسل إسماعيل إذن ؟

قلت : فمن كان جعلت فداك ؟

قال ذاك إسماعيل بن حزقيل : النبي بعثه الله إلى قومه فكذبوه ، وقتلوه وسلخوا وجهه ، فغضب الله عليهم له ، فوجه إليه سطاطائيل ملك العذاب فقال له :

 يا إسماعيل : أنا سطاطائيل ملك العذاب ، وجهني رب العزة إليك ، لأعذب قومك بأنواع العذاب إن شئت .

فقال له إسماعيل : لا حاجة لي في ذلك يا سطاطائيل .

 فأوحى الله إليه فما حاجتك يا إسماعيل ؟

فقال إسماعيل : يا رب إنك أخذت الميثاق لنفسك بالربوبية ، ولمحمد بالنبوة ، ولأوصيائه بالولاية . وأخبرت خلقك :

بما تفعل أمته بالحسين بن علي عليهما السلام من بعد نبيها.

 وإنك وعدت الحسين:

أن تكره إلى الدنيا حتى ينتقم بنفسه ممن فعل ذلك به .

 فحاجتي: إليك يا رب، أن تكرني إلى الدنيا حتى أنتقم ممن فعل ذلك بي ما فعل.

كما تكر الحسين : فوعد الله إسماعيل بن حزقيل ذلك ، فهو يكر مع الحسين بن علي عليهما السلام [57].

ومر حديث يا طيب : في النور السابق يعرفنا أن الإمام الحسين يرجع بعد الحجة وهو الذي يغسله ويكفنه ، وإن له دولة في آخر الزمان .

 

 


 

 

 

الإشعاع السادس :

مجلس النبي موسى باستشهاد الحسين ولعن قاتله :

وروي أن موسى عليه السلام : كان ذات يوم سائرا ومعه يوشع بن نون .

 فلما جاء إلى أرض كربلا : أنخرق نعله ، وانقطع شراكه ، ودخل الخسك في رجليه ، وسال  دمه ، فقال : إلهي أي شيء حدث مني ؟

فأوحى إليه : أن هنا يقتل الحسين عليه السلام ، وهنا يسفك دمه ، فسال دمك موافقة لدمه .

فقال : رب ومن يكون الحسين ؟

فقيل له : هو سبط محمد المصطفى ، وابن علي المرتضى .

فقال : ومن يكون قاتله ؟

فقيل : هو لعين السمك في البحار ، والوحوش في القفار ، والطير في الهواء .

 فرفع موسى يديه : ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن يوشع بن نون على دعائه ومضى لشأنه [58].

وعن الإمام الرضا : عن آبائه ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

 إن موسى بن عمران عليه السلام سأل ربه عز وجل فقال :

 يا رب إن أخي هارون مات فاغفر له .

 فأوحى الله عز وجل إليه : يا موسى لو سألتني في الأولين والآخرين لأجبتك ، ما خلا قاتل الحسين بن علي ، فإني أنتقم له من قاتله [59].

يا طيب : إن الأحاديث في توسل موسى وقومه بالنبي وآله لكثيرة في الأحاديث ، وتناسب كثرة ذكر بني إسرائيل في القرآن ونذكر واحده منها لأنها عامة شاملة لكل الآل:

{ وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ

 فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ   فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ   ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ   عِندَ بَارِئِكُمْ

فَتَابَ عَلَيْكُمْ   إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (54) } البقرة .

جاء في تفسير الإمام الحسن العسكري عليه السلام في تفسير هذه الآية :

 قال الإمام عليه السلام :

قال الله عز و جل : و اذكروا يا بني إسرائيل { إِذْ قالَ مُوسى‏ لِقَوْمِهِ } عبدة العجل { يا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ } أضررتم بها { بِاتِّخاذِكُمُ الْعِجْلَ } إلها { فَتُوبُوا إِلى‏ بارِئِكُمْ } الذي برأكم و صوركم { فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ } بقتل بعضكم بعضا ، يقتل من لم يعبد العجل من عبده { ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ } ذلكم القتل خير لكم { عِنْدَ بارِئِكُمْ } من أن تعيشوا في الدنيا و هو لم يغفر لكم ، فيتم في الحياة الدنيا حياتكم و يكون إلى النار مصيركم ، و إذا قتلتم و أنتم تائبون جعل الله عز و جل القتل كفارتكم ، و جعل الجنة منزلتكم و مقيلكم .

 ثم قال الله عز و جل : { فَتابَ عَلَيْكُمْ } قبل توبتكم ، قبل استيفاء القتل لجماعتكم ، و قبل إتيانه على كافتكم ، و أمهلكم للتوبة ، و استبقاكم للطاعة { إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } .

قال عليه السلام : و ذلك أن موسى عليه السلام ،  لما أبطل الله عز و جل على يديه أمر العجل ، فأنطقه بالخبر عن تمويه السامري ، فأمر موسى عليه السلام أن يقتل من لم يعبده من عبده ، تبرأ أكثرهم و قالوا لم نعبده .

 فقال الله عز و جل لموسى عليه السلام : أبرد هذا العجل الذهب بالحديد بردا ، ثم ذره في البحر، فمن شرب من مائه اسودت شفتاه و أنفه ، و بان ذنبه .

ففعل فبان العابدون للعجل .

فأمر الله : اثني عشر ألفا أن يخرجوا على الباقين شاهرين السيوف يقتلونهم .

 و نادى مناديه : ألا لعن الله أحدا أبقاهم بيد أو رجل ، و لعن الله من تأمل المقتول لعله تبينه حميما أو قريبا فيتوقاه ، و يتعداه إلى الأجنبي ، فاستسلم المقتولون.

فقال القاتلون : نحن أعظم مصيبة منهم ، نقتل بأيدينا آباءنا و أمهاتنا و أبناءنا و إخواننا و قراباتنا ، و نحن لم نعبد ، فقد ساوى بيننا و بينهم في المصيبة .

 فأوحى الله تعالى إلى موسى : يا موسى إني‏ إنما امتحنتهم بذلك ، لأنهم ما اعتزلوهم لما عبدوا العجل ، و لم يهجروهم ، و لم يعادوهم على ذلك .

 قل لهم : من دعا الله بمحمد و آله الطيبين ، يسهل عليه قتل المستحقين للقتل بذنوبهم . فقالوها : فسهل عليهم ذلك‏ ، و لم يجدوا لقتلهم لهم ألما .

فلما استحر القتل فيهم : و هم ستمائة ألف إلا اثني عشر ألفا الذين لم يعبدوا العجل ، وفق الله بعضهم فقال : لبعضهم و القتل لم يفض بعد إليهم .

فقال : أ و ليس الله قد جعل التوسل بمحمد و آله الطيبين ، أمرا لا يخيب معه طلبة ، و لا يرد به مسألة ، و هكذا توسلت الأنبياء و الرسل ، فما لنا لا نتوسل بهم‏.

 قال : فاجتمعوا و ضجوا : يا ربنا : بجاه محمد الأكرم ، و بجاه علي الأفضل الأعظم ، و بجاه فاطمة الفضلى ، و بجاه الحسن و الحسين سبطي سيد النبيين ، و سيدي شباب أهل الجنة أجمعين ، و بجاه الذرية الطيبين الطاهرين من آل طه و يس ، لما غفرت لنا ذنوبنا ، و غفرت لنا هفواتنا ، و أزلت هذا القتل عنا .

فذاك حين نودي : موسى عليه السلام من السماء ، أن كف القتل ، فقد سألني بعضهم مسألة و أقسم علي قسما ، لو أقسم به هؤلاء العابدون للعجل ، و سألوا العصمة لعصمتهم حتى لا يعبدوه ، و لو أقسم علي بها إبليس لهديته ، و لو أقسم بها علي‏ّّ نمرود أو فرعون لنجيته . فرفع عنهم القتل .

 فجعلوا يقولون : يا حسرتنا أين كنا عن هذا الدعاء بمحمد و آله الطيبين حتى كان الله يقينا شر الفتنة ، و يعصمنا بأفضل العصمة [60].

يا طيب: إن من قتل الحسين وآله عبد بني أمية وكانوا عجله، ومن اقتدى بالحسين نجى.

 


 

 

الإشعاع السابع :

مجلس النبي سليمان لاستشهاد الحسين ولعن قاتله :

وروي أن سليمان : كان يجلس على بساطه ويسير في الهواء ، فمر ذات يوم وهو سائر في أرض كربلا ، فأدارت الريح بساطه ثلاث دورات حتى خاف السقوط  ، فسكنت الريح ، ونزل البساط في أرض كربلا

فقال سليمان للريح : لم سكنتي ؟

فقالت : إن هنا يقتل الحسين عليه السلام .

فقال  : ومن يكون الحسين ؟

فقالت : هو سبط محمد المختار ، وابن علي الكرار .

 فقال : ومن  قاتله ؟

قالت : لعين أهل السماوات والأرض يزيد .

 فرفع سليمان يديه : ولعنه ودعا  عليه ، وأمن على دعائه الإنس والجن ، فهبت الريح وسار البساط [61].

 

 


 

 

الإشعاع الثامن :

مجلس النبي عيسى لاستشهاد الحسين ويلعن قاتله :

وروي : أن عيسى كان سائحا في البراري ، ومعه الحواريون .

 فمروا بكربلا : فرأوا أسدا كاسرا قد أخذ الطريق ، فتقدم عيسى إلى الأسد ، فقال له : لم جلست في هذا الطريق ؟ وقال : لا تدعنا نمر فيه ؟

 فقال الأسد بلسان فصيح : إني لم أدع لكم الطريق حتى تلعنوا يزيد قاتل الحسين عليه السلام .

فقال عيسى عليه السلام : ومن يكون الحسين ؟

قال : هو سبط محمد النبي الأمي وابن علي الولي .

قال : ومن قاتله ؟

 قال : قاتله لعين الوحوش والذباب والسباع أجمع ، خصوصا أيام عاشورا  .

فرفع عيسى يديه : ولعن يزيد ودعا عليه ، وأمن الحواريون على دعائه ، فتنحى الأسد عن طريقهم ومضوا لشأنهم [62].

أقول أنظر تمام الحديث بالتفصيل في النور بعد الأتي في موضوع أمير المؤمنين يعقد مجلس عزاء الحسين في كربلاء ، ويخبر عن زيارة عيسى لكربلاء ومعرفته بالحسين .

وفي التهذيب : عن أبي حمزة الثمالي : عن علي بن الحسين عليه السلام في قوله :

 { فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22) } مريم.

قال عليه السلام : خرجت من دمشق حتى أتت كربلاء ، فوضعته في موضع قبر الحسين عليه السلام ، ثم رجعت من ليلتها[63] .

 

 


 

 

 

المجلس التاسع :

مجلس نبيي الله يحيى و زكريا للحسين و تأويل {كهيعص} :

عن سعد بن عبد الله قال :

سألت القائم عليه السلام عن تأويل {كهيعص (1)} مريم .

 قال عليه السلام : هذه الحروف من أنباء الغيب ، اطلع الله عليها عبده زكريا ، ثم قصها على محمد عليه وآله السلام .

 وذلك أن : زكريا سأل الله ربه ، أن يعلمه أسماء الخمسة ، فأهبط عليه جبرائيل عليه السلام فعلمه إياها ، فكان زكريا إذا ذكر محمدا وعليا وفاطمة والحسن عليهم السلام  ، سري عنه همه ، وانجلى كربه .

 وإذا ذكر اسم الحسين : خنقته العبرة ، ووقعت عليه البهرة .

فقال عليه السلام ذات يوم : إلهي ما بالي إذا ذكرت أربعة منهم تسليت بأسمائهم من همومي ، وإذا ذكرت الحسين تدمع عيني وتثور زفرتي ؟

فأنبأه الله تبارك وتعالى عن قصته فقال : {كهيعص} :

فالكاف : اسم كربلا . والهاء : هلاك العترة الطاهرة .

والياء : يزيد وهو ظالم الحسين .

والعين : عطشه . والصاد : صبره .

فلما سمع ذلك زكريا : لم يفارق مسجده ثلاثة أيام ، ومنع فيهن الناس من الدخول عليه ، وأقبل على البكاء والنحيب وكان يرثيه : إلهي أتفجع خير جميع خلقك بولده ؟ إلهي أتحل كربة هذه المصيبة بساحتهما .  

ثم كان يقول : إلهي ارزقني ولدا تقربه عيني على كبري ، فإذا رزقتنيه فافتني بحبه ، ثم افجعني به كما تفجع محمدا حبيبك بولده ، فرزقه الله يحيى وفجعه به ، وكان حمل يحيى ستة أشهر ، وحمل الحسين عليه السلام … كذلك الخبر [64].

بيان : سُرِّي : انكشف . والبُهرة بالضم : تتابع النفس ، وزفر : أخرج نفسه بعد مده إياه ، والزُفرة ويضم التنفس كذلك [65].

يا طيب : سيأتي ذكر : كفر قاتل الحسين عليه السلام ويحيى ، وإن قاتل الحسين ويحيى ، ولد زنا ولهم أشد العذاب ، ومر بيان كريم في شرح أحاديث مناسبة في جزء الولادة أن : ولادة الإمام الحسين ويحيى عليهم السلام لستة أشهر فراجع .

 

 


 

 

 

الإشعاع العاشر :

مجالس ذكر الحسين وصحبه في الكتب السابقة

عن سالم بن أبي جعدة قال : سمعت كعب الأحبار يقول :

إن في كتابنا : أن رجلا من ولد محمد رسول الله يقتل .

 ولا يجف : عرق دواب أصحابه ، حتى يدخلوا الجنة، فيعانقوا الحور العين.

 فمر بنا الحسن عليه السلام ، فقلنا : هو هذا ؟  قال : لا

 فمر بنا الحسين فقلنا : هو هذا ؟

 قال : نعم [66].

وسيأتي ذكر : لقتلت الحسين علية السلام ، وفيه موضوع دعوة ابن سعد لقتل الحسين ، ولعنه في الأديان السابقة .

 

 


 

الإشعاع الحادي عشر :

مجالس مكتوب عن الإمام للحسين في كنيسة :

عن إمام : لبني سليم ، عن أشياخ لهم ، قالوا :

غزونا بلاد الروم : فدخلنا كنيسة من كنائسهم ، فوجدنا فيها مكتوبا : 

أيرجو معشر قتلوا حسينا   شفاعة جده يوم الحساب

قالوا : فسألنا منذ كم هذا في كنيستكم ؟

قالوا : قبل أن يبعث نبيكم بثلاث مائة عام [67].

 

قال المجلسي رحمه الله أقول : قال عفر بن نما في مثير الأحزان : روى النطنزي ، عن جماعة ، عن  سليمان الأعمش قال : بينا أنا في الطواف أيام الموسم ، إذا رجل يقول :  اللهم : اغفر لي وأنا أعلم أنك لا تغفر .  فسألته عن السبب ؟

 فقال : كنت أحد الأربعين الذين حملوا رأس الحسين إلى يزيد على طريق الشام ، فنزلنا أول مرحلة رحلنا من كربلا على دير للنصارى ، والرأس مركوز على رمح ، فوضعنا الطعام ونحن نأكل .

 إذا بكف : على حائط الدير يكتب عليه بقلم حديد سطرا بدم . 

أترجو أمة قتلت حسينا    شفاعة جده يوم الحساب

فجزعنا جزعا شديدا وأهوى بعضنا إلى الكف ليأخذه فغابت ، فعاد أصحابي . 

وحدث : عبد الرحمان بن مسلم ، عن أبيه أنه قال : غزونا بلاد الروم ، فأتينا كنيسة من كنائسهم قريبة من القسطنطينية ، وعليها شيء مكتوب ، فسألنا أناسا من أهل الشام يقرؤون بالرومية ، فإذا هو مكتوب هذا البيت : وقد مر أعلاه .

وذكر أبو عمرو الزاهد في كتاب الياقوت قال :

قال عبد الله بن الصفار صاحب أبي حمزة الصوفي :

غزونا غزاة : وسبينا سبيا ، وكان فيهم شيخ من عقلاء النصارى ، فأكرمناه وأحسنا إليه ، فقال لنا : أخبرني أبي ، عن آبائه أنهم حفروا في بلاد الروم حفرا  قبل أن يبعث [ محمد ] العربي بثلاث مائة سنة .

 فأصابوا حجرا عليه مكتوب بالمسند ، هذا البيت : 

أترجو عصبة قتلت حسينا   شفاعة جده يوم الحساب

والسند كلام أولاد شيث عليه السلام [68].

يا طيب : ولا يبعد أن هذا البيت من الشعر كان معروفا عند غير المسلمين من مؤمنين الأديان السابقة ، فيكتبوه للعبرة ، أو ليتصبروا و لتعبدوا لله بذكره .

 


 

المجلس الثاني عشر :

مجلس قس بن ساعدة يذكر مقتل الحسين :

قال سعد بن أبي وقاص :

إن قس بن ساعدة الأيادي ، قال قبل مبعث النبي : 

تخلف المقدار :

منهم : عصبة ثاروا بصفين ، وفي يوم الجمل .

 والتزم الثار : الحسين بعده ، واحتشدوا على ابنه حتى قتل [69].

 

بيان قال المجلسي في البحار :

 تخلف المقدار : أي جازوا قدرهم ، وتعدوا طورهم ، أو كثروا حتى  لا يحيط بهم مقدار وعدد .

 قوله : ثاروا : من الثوران ، أو من الثأر ، من قولهم : ثأرت القتيل  ، أي قتلت قاتله ، فإنهم كانوا يدعون طلب دم عثمان ، ومن قتل منهم في غزوات الرسول صلى الله عليه وآله ، ويؤيده قوله : والتزم الثار ، أي طلبوا الثأر بعد ذلك من الحسين عليه السلام  ، لأجل من قتل منهم في الجمل وصفين وغير ذلك ، أو المعنى أنهم قتلوه حتى لزم ثأره [70].

وفي هامش البحار ذكر محققه : عن قس بن ساعدة ،  هو قس بن ساعدة بن جذامة بن زفر بن أياد بن نزار الأيادي ، البليغ الخطيب المشهور ، مات قبل البعثة ، وذكره أبو حاتم السجستاني في المعمرين ، وقال : إنه عاش ثلاث مائة وثمانين سنة ، وقيل انه عاش ستمائة سنة .

وهو أول : من آمن بالبعث من أهل الجاهلية ، وأول : من كتب من فلان إلى فلان ، وأول : من توكأ على عصا في الخطبة ، وأول من قال : أما بعد .

 وفي رواية ابن الكلبي انه قال في خطبة له : لو على الأرض دين أفضل من دين قد أظلكم زمانه وأدرككم أوانه ، فطوبى لمن أدركه فاتبعه ، وويل لمن خالفه .

 وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 يرحم الله قسا ، إني لأرجو يوم القيامة أن يبعث أمة وحده  .

يا طيب : الإمام الحسين عليه السلام ، ذكر ومعرفة توصلنا لمحل هدى الدين ، والصبر والثبات على العلم والعمل به ، وعلى التأسي بالنوائب والصبر على المحن ، وهو مدرسة جامعة في تعريف معارف الرب سبحانه وتعالى وحكمته في اختبار عباده .

والله سبحانه : كما ذكر لنا قصص الأمم السابقة لنعتبر ، ذكر قصص آل محمد وبالخصوص الإمام الحسين عليهم السلام للأمم السابقة ، وعشنا كمسلمين وقائع أحداث تدمع العين وتحزن القلب ، وتدعو اللب للتفكر في ما حل بالدين حتى يقتل ذرية سيد المرسلين وتسبى حرمه ، فنعرف الحق وأهله ومن عانده وحاربه ومهد له .

ويا طيب : هذا الذكر في هذا النور هو سبيل الله سبحانه في تثبيت أولياءه وتعريف محل هداه على طول التأريخ ، فيذكر سيد الشهداء وآله للأمم السابقة ، ويذكرنا بهم ، فنعرف بأن نشر الهدى والالتزام بالدين يحتاج لعزم وثبات وصبر ، وقدوتنا في آل محمد علما وعملا وسيرة وسلوكا ، وبالخصوص أبا عبد الله الحسين عليه السلام .

وإذا عرفنا هذا : فلنذكر معرفة نبينا الأكرم  وذكره لمصاب الحسين عليه السلام .

 

 

 



 

[43] بحار الأنوار ج40ب30ص245ح44.

[44] بحار الأنوار ج40ب30ص242ح37.

[45] تفسير الإمام‏ العسكري ص225 .

[46] قصص‏ الأنبياء للراوندي ص45ح10 .

[47] تفسير فرات‏ الكوفي ص57السورة 53حديث16.

[48] بحار الأنوار ج40ب30ص230ح12.

[49] بحار الأنوار ج40ب30ص243ح38 .  الأمان من أخطار الأسفار والأزمان ص 120.

[50] عيون أخبار الرضا عليه السلام باب 17 ج 1 ص 209 .الخصال ج1ص58 ح79 .

[51] بحار الأنوار ج40ب30ص225ح6.

[52] بحار الأنوار ج40ب30ص243ح39 .

[53] بحار الأنوار ج40ب30ص243ح40 .

[54] التوراة والإنجيل موقع arabicbible ص 28،أي في سفر التكوين 17:20وما قبله وبعده.

[55] علل الشرائع ج1ص73. وكامل الزيارات وعنهما في بحار الأنوار ج40ب30ص227ح7 .

[56] علل الشرائع ج1ص73و74. وفي كامل الزيارات بسندين عنهما كما في بحار الأنوار ج40ب30ص227ح8 .

[57] كامل الزيارات ص 64  .بحار الأنوار ج40ب30ص237ح28.

[58] بحار الأنوار ج40ب30ص244ح41.

[59] عيون أخبار الرضا ج2ص47ب31ح 178 و 179 ، بحار الأنوار ج40ب36ص300ح4 .

[60] تفسير الإمام ‏العسكري ص254ح124 . تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة ص65 .

[61] بحار الأنوار ج40ب30ص244ح42.

[62] بحار الأنوار ج40ب30ص244ح43 .

[63] تهذيب ‏الأحكام ج6ص73ب22ح8 .

[64] الاحتجاج ص 239 . بحار الأنوار ج14ص178ب15ح14 .كمال ‏الدين ج2ص461ب43. المناقب ج4ص84.إرشاد القلوب ج2ص421. الاحتجاج ج2ص464.

[65] بحار الأنوار ج40ب30ص223ح1.

[66] أمالي الصدوق المجلس 29 الرقم 4 عنه في بحار الأنوار ج40ب30ص224ح2.

[67] أمالي الصدوق  المجلس 27 تحت الرقم 6 عنه في بحار الأنوار ج40ب30ص224ح3.

[68] بحار الأنوار ج40ب30ص224ح4.

[69] مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 62 .

[70] بحار الأنوار ج40ب30ص240ح32.

 

 

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com