بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام

مصباح هدى

مجالس ذكر الإمام الحسين للأولين أسوة وقدوة وبيان لشأنه الكريم

النور الرابع

مجالس عزاء النبي الأكرم  لذكرى استشهاد الحسين

تقديم :

 أهمية إقامة مجالس الإمام الحسين في زمن النبي الأكرم وقبله :

يا طيب : قد عرفة أهمية ذكر ثورة الإمام الحسين عليه السلام عند الأمم السابقة وكرام أنبياءها ، ومدى تأثيرها بما يوجب حثهم على التأسي بالحسين وجده الأكرم ، وتألمهم بما يحل بمصالح الأمة الإسلامية في زمن نبينا وآله ، وعند معرفة قصصهم وسماعها كانت تساعدهم للإقتداء بهم ، وفي الصبر على شدائد ومصائب عناد أممهم  لهم ، وتشد عزمهم على التضحية والإقدام على تبليغ تعاليم الله تعالى والتحمل والجهاد في سبيل تعليمها لأممهم ، وكما كان تحمل وجهاد وصبر نبينا الأكرم محمد وأبنه الحسين وآلهم صلى الله عليهم وسلم  ، والإصرار على تبليغ دين الله وتعاليمه والتضحية من أجله بكل غالي ونفيس .

وإذا علمنا : إن الله من أجل هداية البشر وتعليمهم ما يوصلهم لسعادة الدنيا والآخرة ، يختار سبحانه لهم أفضل خلقه ذاتاً وصفات وعلماً وعملاً ، وبالخصوص هم في زمان خاتم الأديان وأفضلها رقيا في المعارف والتعاليم ، والتي اختارها الله تعالى لتعليم البشر المترقي في الخلق والعلم في آخر ادوار الحياة الدنيا ، فأختار لعباده في أعلى رقيهم سبحانه على علم نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، الذين هم سادة الدنيا والآخرة وأشرف العباد وأقومهم في دين الله وتبليغه وتعليمه وبكل جد وإخلاص .

وما يجعل الله سبحانه : نبيه الأكرم وآله سادات البشر يتحملون المصائب والصعاب ، إلا من أجل تفهيم الناس حقيقة دينه ، وخالص تعليمه وواقع معارفه التي يرضاها ، فكانوا صلاة الله عليهم وسلامه قدوة للمؤمنين والطيبين والمجاهدين وللثور الطالبين للعدل والإنصاف ، ولمن يحب أن يطبق تعاليم الله بكل إخلاص وثبات ، بل كانوا صلاة الله عليهم أسوة وقدوة لمخلصي المبلغين والمعلمين لتعاليم الله ومعارفه على طول التأريخ السابق ، فذكر قصصهم قبل وقوعها لهم ، وهم لنا في الزمان اللاحق أسوة وقدوة وقادة وساده في تعلمها وتطبيقها ، وبذكرها وعقد مجالس الإمام الحسين نذكر قصص ديننا و نحكي تعاليمه ونتدبر في معارف وجهاد آله فنتعرف عليهم بأعلى معاني المعرفة الممكنة .

وإن ما كان في عقد مجالس ذكر الإمام الحسين عليه السلام بالخصوص : في الزمان السابق أو في زمان النبي الأكرم ، أو بعده عند مؤمني الإسلام وخاصته وخالصته ، والذين لم يغريهم حطام الدنيا ولم تبهرهم زينتها ، هو من آداب الله للبشرية لتعرف أهل الصراط المستقيم المنعم عليهم بهدى الله ، وتمييزهم عن المنحرفين عنهم والضالين عن هداهم ومعارف دين الله الذي خصها بهم .

وعرفت يا طيب : أن تضحية سبط النبي الأكرم سيد شباب أهل الدنيا والآخرة ، هي أشد مأساة ومعاناة من جميع قصص تحملها كرام أنبياء الأمم السابقة كآدم من أبنه ، ونوح وسفينته ، وإبراهيم وابنه إسماعيل وفداء ذبحه ، ويعقوب ويوسف من أخوته، وموسى من قومه وفرعون ، وعيسى و زكريا ويحيى عليهم السلام من اليهود المنحرفين، وتكون قصص نبينا الأكرم وآله بفجيعته بسبطه قدوة وأسوة للأنبياء وللأمم السابقة .

وعرفت : كيف في ذكرهم لمصاب نبينا وآله ، كيف يشد الله عزمهم في تبليغ دينه ونشر تعاليمه ، ويحثهم على التضحية والفداء في سبيل إعلاء كلمة الحق ، وذلك بعد ذكر عزاء للحسين وآله عليهم السلام .

وفي هذا النور : سترى مجالس عزاء لذكرى استشهاد الإمام الحسين متعددة من قبل نبينا الأكرم ، يحضرها كرام ملائكة الله تعالى ، وأهل بيت النبوة ومهبط الوحي والتنزيل ابنته فاطمة أم الحسن والحسين ، وأبوهما سيد الأوصياء علي أبن أبي طالب ، وخاصة النبي الأكرم من زوجاته أمهات المؤمنين وأم الفضل وعدة من أصحابه ، ليتناقلها المؤمنون ويعتبروا بها ويتعظوا ويقتدوا بها ويتعلموها ويعلموها .

وبذكر مصاب الإمام الحسين : وفاجعة كربلاء في مجالس الذكر للنبي الأكرم مع الملائكة وأهل بيته وخاصته ، نعرف أنه بها يعد الله تعالى كرام خلقه الذين جعلهم أحسن البشر في الوجود ذاتاً وعلماً وعملاً وأخلاقاً ، ويسليهم ويربيهم للحفاظ على تعاليمه التي أنزلها على نبيه الأكرم وفي القرآن المجيد ، ويهيئهم للإقدام لإصلاح ما يفسد من تعاليمه ، ويعلمهم طريق الجهاد الذي يجب أن يسلك من أجل الحفاظ على معارف الدين الخالصة من الانحراف والتحريف ، ويدلهم على جديته في دعوته للناس لتعاليم دينه التي يضحي من أجلها بأشرف خلقه وأفضلهم وجوداً ، ولذلك لكي تبقى على استقامتها وصفائها ولا يتلاعب بها وعاظ السلاطين وأهل الدنيا والحكام الفاسدين .

 وبذكر مجالس الإمام الحسين : في الأمم السابقة ، وفي زمان نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وبعده في زمان أبيه وأخيه وفي زمانه وبعده على طول التاريخ حتى زماننا الحاضر ، يكون قد تم ويتم تفهيم وتعليم البشر والمسلمين بالخصوص وتعريفهم الصراط المستقيم للجهاد ، والطريق الصحيح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والسبيل القويم للحفاظ على تعاليم الدين من الانحراف والتلاعب والتفسير بالرأي والقياس ، والسلوك وفق أشرف مسلك يرضي الله تعالى ويوصلهم للعدل والإنصاف ، ورفض الجور والظلم والعدوان من الحكام الفاسقين وأتباعهم ووعاظهم الفاسدين ومن كل إنسان جائر ويحب الظلم والضلال والفسوق .

فيا طيب بذكر مجالس : الإمام الحسين عليه السلام ووقائعها ، نعرف مدى انحراف الناس عن طريق الصواب ، فيحثنا على تتبع المنحرفين والبحث عن المعاندين ، لنبتعد عن أئمة الضلال في ذلك الزمان ولا نتبع من يروي في بلاطهم ويخدمهم في ما يأمروه من الوعظ لمصالحهم، وكل ما يذكر كاذبا من فضائلهم وما يخترع لهم من المناقب.

 وبذكر مجالس ذكر الحسين عليه السلام : نعرف أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، والطريق الصحيح في الجهاد ، وبذكر مجالس عزاء الإمام الحسين نتعلم أهمية المعارف الإلهية الخالصة وتعليمها ، وبذكر مجالس الحسين عليه السلام نتعلم البحث عن الحق فنتبعه ونعرف الباطل فنرفضه ، وبذكر مجالس الإمام الحسين تهون علينا مصائبنا في ديننا إذا أوذينا في سبيله بل في دنيانا ومصائبها ، فيجعلنا نتحمل الصعاب والمصائب من أجل الهدى والصبر من أجل الحفاظ عليه بكل ثبات علما وعملا مخلصين الدين به لله.

 

وكثرة نزول الملائكة : وبالخصوص جبرائيل عليه السلام وهو صاحب الوحي والتعليم وذكر الأنبياء السابقين لمجالس الإمام الحسين عليه السلام ، يدلنا ويعلمنا عظيم المصاب وما فيه من العبر والاتعاظ بثورة الحسين عليه السلام وأهميتها ، ومدا ضرورة تكرار مجالس العزاء والذكر للحسين عليه السلام ، ولذا ترى يكرر جبرائيل والملائكة والنبي وأهل بيته ذكر الحسين في كل فرصة مناسبة ، ليتصبروا بما يحل بهم في سبيل نشر دين الله ، ويتسلوا بعلو مقامهم عند الله تعالى ، فيصروا على مبادئهم وتعليمها ، وليقتدي المؤمنون بها ويكرروا عقد مجالس عزاء الحسين فيحيوا شعائر الله ويذكروا أهمية تعاليمه ، وليكثروا منها لكي تعم كل أرض وكل يوم ما أمكن حتى تعرف أهمية التدين الحقيقي وخالص تعاليم الله التي لم ينالها التحريف وتلاعب الظالمين على طول التأريخ .

ولكي لا أطيل عليك يا طيب : نذكر مجالس الرسول الأكرم التالية مع ملائكة الله وخاصته وأهل بيته وصحبه ونتدبر فيها ، لنعلم أهمية مجالس الحسين عليه السلام فنلتحق بها ولا نقصر فيها ، ونتعرف على فوائدها وقدرها عند الله وملائكته وخاتم رسله وأهل بيته والمؤمنين المخلصين ، حشرنا الله معهم في الدنيا والآخرة ، فإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 


 

 

الإشراق الأول :

الله يخبر النبي بمنزلة آله وبمقتل الحسين وآله في أعلى مقام دنا :

يا طيب : إن أهم معارف الدين وعلومه حصل عليها النبي الأكرم مشافهة بدون واسطة ملك ولا حتى جبرائيل في مقام دنى فتدنا ، فكان قاب قوسين أو أدن ، دنوا واقترابا من العلي الأعلى ، وإن كان الله سبحانه وتعالى لا يفرق له وجود الكائنات ومحلها وهو لها في القرب سواء ، ولكنه سبحانه خلق مراتب من الوجود وشرفها ، وجعل للمراتب درجات ، وهي من الأرض والسماوات العلى والكرسي والعرش وسدرة المنتهى وأعلى مقام دنا فتدلى ، وهذه المقامات مر بعض المعرفة لها مفصلة ومختصرة في الجزء الأول من صحيفة الإمام الحسين ، والجزء الأول من صحيفة سادة الوجود ، وفي صحف أخرى من موسوعة صحف الطيبين .

ويا طيب : ليس محل الكلام هنا عن مقامات آل محمد ولا الكلام عن أنهم النور الأول المخلوق ، بل لنذكر بأمر وهو أن أهم الأمور في المعارف الربانية ، شرف الله بها النبي الأكرم بمعرفتها في مقام دنا فتدلى ، ومن غير واسطة وحي ، وهو عالم بالأمور من قبل الخلق ، ولكن للكلام عنها والإذن الذي يحصل له فيها وبما علمه الله في أوانه يظهرها ويعرفها للعباد وقسم يبلغها جبرائيل له ، وقسم لا يتكلم عنها لأنه خاصة به .

ومن الأمور : التي عرفها النبي الأكرم في المقام الأعلى ، معارف الإمامة والولاية ، ومعارف الصلاة والطهارة وغيرها من أمهات الأمور الخاصة بمعارف الدين ، وإن الله سبحانه لما عرف نبينا الأكرم مقام الولاية له ولآله ، ذكره بأنه ممتحنه وآله لينال هذا المقام العالي ، ليرى صبره وثباته في كل حال ، ولذا في حين إخباره عن معارف الولاية حين إسرائه في المقام الأعلى الأدنى ، يعرفه أنه سينال هذه المقامات هو وآله بالصبر والثبات في كل الأحوال فيرضى ويسلم الله سبحانه كل قدره وقضائه وامتحانه وبلائه .

وهناك في المقام العالي : عقد للحسين وآله أول مجلس عزاء وذكر بين رب العالمين والنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله ، ثم تأتي تفاصيل تعازي ومجالس ذكر بين النبي الأكرم وبين الملائكة ومع آله الكرام ومع الصحب والحور العين وغيرهم .

فيذكر صلى الله عليه وآله : أو ذكره جبرائيل وغيره من الملائكة في مجالس خاصة ستأتي ، أو هو يذكر آله ويطلب منهم الثبات ، لكي ينالوا المقام العالي حين رضاهم بقضاء الله وقدره ، وما يبتلي به عباده فيصبرون ، فينالون أعلى مقام ممكن .

ولمعرفة هذا المجلس الأول في التكوين : والذي هو في أعلى مقام في الوجود المتصل بأعلى دنا ، وأعظم شأن من قرب رب العلمين الذي لا يحاط به شيء ، وليس كمثله شيء ، ولكنه مقام عالي شرفه الله ومنزلة عظيمة خصها بالنبي الأكرم دون غيره ، وعرفه فيها أهم تشريع الدين وأمور الولاية ، وفيها ذكر مقتل آله ومصابهم .

فنذكر يا طيب : أولا آيات من سورة النجم التي فيها يعرفنا الله تعالى أعلى مقام للنبي وما وهبه من المعرفة بدون معرفة من وحي حتى جبرائيل ، ونذكر وما دار بينه وبين حبيبه من الذكر الشريف العالي في الأهمية والمنزلة والمقام والكرامة :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ  إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6)

وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى (7) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

 فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10) مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)

 أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12) وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى  (13) عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى  (16)

مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى (18)} النجم .

ويا طيب : بعد أن عرفنا هذه الآيات الكريمة في مقامات الشرف والكرامة للنبي وآله و المنزلة العليا عند رب العالمين ، وإن كان آيات الدرجات ومراتب الجنة وعروج الملائكة والإسراء وغيرها من الأحاديث المُعرفة لمراتب التكوين والملكوت كثيرة ، ولكن نذكر حديث يفصل معرفة تكفينا لمعرفة مقام النبي وآله صلى الله عليهم وسلم :

قال السيد بن طاووس رحمه الله في كتاب اليقين : فيما نذكره من المجلد الثاني من كتاب ما نزل من القرآن في النبي و آله صلى الله عليه وآله تأليف محمد بن العباس بن مروان الثقة ، في تسمية الله جل جلاله لعلي عليه السلام أمير المؤمنين و سيد المسلمين و قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم .

من تفسير قوله جل و عز : { ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى ..الآية } .

 روينا ذلك بأسانيدنا المقدم ذكره : عن أبي الحسن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده عليه السلام ، في قوله جل و عز :

{ ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى‏ ... إلى قوله ... إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‏ } .

فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم : لما أسري به إلى ربه جل و عز ، قال :

 وقف بي جبرائيل عند شجرة : عظيمة ، لم أر مثلها ، على كل غصن منها ملك ، و على كل ورقة منها ملك ، و على كل ثمرة منها ملك ، و قد كللها نور من نور الله جل و عز . فقال جبرائيل :

هذه السدرة المنتهى :كان ينتهي الأنبياء من قبلك إليها ، ثم لا يجاوزونها .

و أنت تجوزها : إن شاء الله ، ليريك من آياته الكبرى ، فاطمئن أيدك الله بالثبات ، حتى تستكمل كرامات الله و تصير إلى جواره ، ثم صعد بي حتى صرت تحت العرش ، فدنا لي رفرف أخضر ما أحسن أصفه ، فرفعني الرفرف ، بإذن الله إلى ربي فصرت عنده ، و انقطع عني أصوات الملائكة و دويهم ، و ذهبت عني المخاوف و النزعات ، و هدأت نفسي و استبشرت ، و ظننت أن جميع الخلائق قد ماتوا أجمعين ، و لم أر عندي أحدا من خلقه ، فتركني ما شاء الله .

ثم رد علي روحي : فأفقت ، فكان توفيقا من ربي عز و جل أن غمضت عيني ، و كل بصري ، و غشيني عن النظر ، فجعلت أبصر بقلبي كما أبصر بعيني ، بل أبعد و أبلغ ، فذلك قوله عز و جل :

{ ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ لَقَدْ رَأى‏ مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى‏ } .

و إنما كنت أرى : في مثل مخيط الإبرة ، و نور بين يدي ربي لا تطيقه الأبصار ، فناداني ربي جل و عز :

 فقال تبارك و تعالى : يا محمد , قلت : لبيك ربي و سيدي و إلهي لبيك .

قال : هل عرفت قدرك عندي و منزلتك و موضعك ؟ قلت : نعم يا سيدي .

قال : يا محمد ، هل عرفت موقفك مني و موضع ذريتك ؟ قلت: نعم يا سيدي.

قال : فهل تعلم يا محمد فيم اختصم الملأ الأعلى ؟ فقلت : يا رب أنت أعلم و أحكم ، و أنت علام الغيوب ، قال : اختصموا في الدرجات و الحسنات .

فهل : تدري ما الدرجات و الحسنات ؟ قلت : أنت أعلم يا سيدي و أحكم .

قال : إسباغ الوضوء في المكروهات ، و المشي على الأقدام إلى الجمعات معك و مع الأئمة من ولدك ، و انتظار الصلاة بعد الصلاة ، و إفشاء السلام ، و إطعام الطعام ، و التهجد بالليل و الناس نيام .

قال : { آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ قلت نعم يا رب وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ } .

قال : صدقت يا محمد { لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ } و أغفر لهم .

فقلت : { رَبَّنا لا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا .. إلى آخر السورة } .

قال : ذلك لك و لذريتك.  يا محمد : قلت : ربي و سيدي و إلهي .

قال : أسألك عما أنا أعلم به منك ، من خلفت في الأرض بعدك ؟

قلت : خير أهلها له ، أخي و ابن عمي ، و ناصر دينك يا رب ، و الغاضب لمحارمك إذا استحلت ، و لنبيك غضب ، غضب النمر إذا جدل، علي بن أبي طالب .

قال : صدقت يا محمد ، إني اصطفيتك بالنبوة ، و بعثتك بالرسالة ، و امتحنت عليا بالبلاغ ، و الشهادة إلى أمتك ، و جعلته حجة في الأرض معك و بعدك ، و هو نور أوليائي ، ولي من أطاعني ، و هو الكلمة التي ألزمتها المتقين .

يا محمد : و زوجته فاطمة ، و إنه وصيك و وارثك و وزيرك ، و غاسل عورتك ، و ناصر دينك ، و المقتول على سنتي و سنتك ، يقتله شقي هذه الأمة .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ثم أمرني ربي بأمور و أشياء ، أمرني أن أكتمها ، و لم يأذن لي في إخبار أصحابي بها ، ثم هوى بي الرفرف ، أنا بجبرئيل فتناقلني منه ، حتى صرت إلى سدرة المنتهى فوقف بي تحتها .

ثم أدخلني إلى جنة المأوى : فرأيت مسكني و مسكنك يا علي : فيها .

فبينا جبرئيل يكلمني : إذ تجلى لي نور من نور الله جل و عز ، فنظرت إلى مثل مخيط الإبرة إلى مثل ما كنت نظرت إليه في المرة الأولى :

 فناداني ربي جل و عز : يا محمد ، قلت : لبيك ربي و سيدي و إلهي .

قال : سبقت رحمتي غضبي لك و لذريتك ، أنت مقربي من خلقي ، و أنت أميني و حبيبي و رسولي ، و عزتي و جلالي لو لقيني جميع خلقي يشكون فيك طرفة عين ، أو يبغضون صفوتي من ذريتك ، لأدخلنهم ناري و لا أبالي .

يا محمد : علي أمير المؤمنين .

و سيد المسلمين ، و قائد الغر المحجلين إلى جنات النعيم .

أبو السبطين : سيدي شباب أهل جنتي ، المقتــولــين ظــــلمــــا .

 ثم حرض على الصلاة : و ما أراد تبارك و تعالى ، و قد كنت قريبا منه في المرة الأولى مثل ما بين كبد القوس إلى سنيه ، فذلك قوله جل و عز : { قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى ‏}  من ذلك ، ثم ذكر سدرة المنتهى ، فقال : { وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى‏ عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى‏ عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى‏ إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى‏ ما زاغَ الْبَصَرُ وَ ما طَغى‏ } يعني يغشى ما غشي السدرة من نور الله و عظمته [1].

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

الله يأمر ملائكته ونبينا بعقد مجالس العزاء لذكرى مصاب الحسين :

الإشعاع الأول  :

مجلس جبرائيل والنبي لاستشهاد الحسين :

عن أبي بصير ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول :

 بينا الحسين عند رسول الله صلى الله عليه وآله ، إذ أتاه جبرائيل :

 فقال : يا محمد أتحبه ؟

قال : نعم .

 قال : أما إن أمتك ستقتله ، فحزن رسول الله لذلك حزنا شديدا .

 فقال جبرائيل : أيسرك أن أريك التربة التي يقتل فيها ؟

 قال : نعم .

قال : فخسف جبرائيل ما بين مجلس رسول الله إلى كربلا حتى التقت القطعتان هكذا ، وجمع بين السبابتين ، فتناول بجناحيه من التربة ، فناولها رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم دحيت الأرض أسرع من طرف العين .

 فقال رسول الله : طوبى لك من تربة ، وطوبى لمن يقتل فيك [2]

قال المجلسي قدس سره في باب قصة سليمان مع بلقيس من الطبعة الحديثة[3] : ظاهر أكثر تلك الأخبار أن الأرض التي كانت بينه وبين السرير انخسفت وتحركت الأرض التي كان السرير عليها ، حتى أحضرته عنده . 

فان قيل : كيف انخسفت الأبنية التي كانت عليها ؟

قلنا : يحتمل أن تكون تلك الأبنية تحرك بأمره تعالى يمينا وشمالا ، وكذا ما عليها من الحيوانات والأشجار وغيرها .  ويمكن أن يكون حركة السرير من تحت الأرض بأن غار في الأرض وطويت وتكاثفت الطبقة التحتانية حتى خرج من تحت سريره ، ثم دحيت تلك الطبقة من تحت الأرض [4].

يا طيب : إن الموجودات الروحانية لها القدرة والإحاطة على الموجودات المادية ، ويمكنها النفوذ فيها من دون أن يكون صدع مادي ، وإنما يكون صدع مناسب لنفوذ موجود روحاني في مادي ، وذلك مثل نفوذ أرواحنا في أبداننا وإحاطتها بها من الخارج والداخل والتصرف فيها ، وإعطاء الإشارة الإرادية وغير الإرادية للتصرف في كل عضو أو خلية أو أجزائها ، وهكذا قدرة جبرائيل وغيره من الملائكة أو الأرواح القدسية للنبي وآله ومن يمكنهم الله بقدرته ، ينفذون في الأرض من أعلاها لأسفلها أو بأي مكان منها لا على نحو الشق والصدع المعروف في المادة ، بل تصرف نفوذ روحاني في مادي ، فتدبر :

 

وفي كامل الزيارات : عن أبي خديجة ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

لما ولدت فاطمة الحسين جاء جبرائيل إلى رسول الله فقال له :

إن أمتك تقتل الحسين من بعدك ، ثم قال : ألا أريك من تربتها ؟

فضرب بجناحه فأخرج من تربة كربلاء فأراها إياه .

ثم قال : هذه التربة التي يقتل عليها [5].

 

حال جبرائيل وهو يخبر النبي بآثار قتل الحسين :

في كامل الزيارات : بن عمرو عن أبيه عن ابن عباس قال :

 الملك : الذي جاء إلى محمد صلى الله عليه وآله يخبره بقتل الحسين عليه السلام كان جبرائيل عليه السلام الروح الأمين ، منشور الأجنحة ، باكيا صارخا .

 قد حمل : من تربة الحسين عليه السلام و هي تفوح كالمسك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

و تفلح أمتي تقتل فرخي ، أو قال :  فرخ ابنتي .

فقال جبرائيل عليه السلام : يضربها الله بالاختلاف فتختلف قلوبهم [6] .

يا طيب : الأحاديث بين النبي وجبرائيل في ذكر مصاب الحسين كثيرة ونكتفي بهذا.

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

مجلس ميكائيل والنبي الأكرم لاستشهاد الحسين :

في أمالي الشيخ الطوسي : عن سالم بن أبي الجعد ، عن أنس بن مالك :

 أن عظيم : من عظماء الملائكة ، استأذن ربه عز و جل في زيارة النبي صلى الله عليه و آله ، فأذن له ، فبينما هو عنده إذ دخل عليه الحسين عليه السلام ، فقبله النبي صلى الله عليه و آله ، و أجلسه في حجره .

 فقال له الملك : أ تحبه ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : أجل أشد الحب ، إنه ابني ؟

 قال له : إن أمتك ستقتله .

 قال : أمتي تقتل ابني هذا ؟

قال : نعم ، و إن شئت أريتك من التربة التي يقتل عليها .

 قال : نعم ، فأراه تربة حمراء طيبة الريح .

 فقال : إذا صارت هذه التربة دما عبيطا ، فهو علامة قتل ابنك هذا .

 قال سالم بن أبي الجعد : أخبرت أن الملك كان ميكائيل عليه السلام [7].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس ملك المطر والنبي الأكرم لاستشهاد الإمام الحسين :

في الأمالي للشيخ الطوسي : عن ثابت عن أنس بن مالك :

أن ملك المطر : استأذن أن يأتي رسول الله صلى الله عليه و آله .

 فقال النبي صلى الله عليه و آله لأم سلمة :

 املكي علينا الباب لا يدخل علينا أحد .

 فجاء الحسين عليه السلام : ليدخل ، فمنعته ، فوثب حتى دخل ، فجعل يثب على منكبي رسول الله صلى الله عليه و آله و يقعد عليهما .

فقال له الملك : أ تحبه ؟ قال صلى الله عليه و آله : نعم .

قال : فإن أمتك ستقتله ، فإن شئت أريتك المكان الذي يقتل به ، فمد يده فإذا طينة حمراء ، فأخذتها أم سلمة فصيرتها إلى طرف خمارها .

 قال ثابت : فبلغني أنه المكان الذي قتل به بكربلاء [8].

في إعلام الورى في آخره : فأخذته أم سلمة فصيرته في طرف ثوبها فكنا نسمع أن يقتل بكربلاء [9].

 

 


 

 

الإشعاع الرابع :

مجلس جميع الملائكة وتعزيتها لنبينا الأكرم باستشهاد الحسين :

كامل الزيارات : بسنده  عن سليمان قال :

 وهل بقي في السماوات ملك  لم ينزل إلى رسول الله يعزيه في ولده الحسين .

 ويخبره بثواب الله إياه .

 ويحمل إليه تربته مصروعا عليها ، مذبوحا مقتولا ، طريحا مخذولا ؟

 فقال رسول الله :

 اللهم اخذل من خذله ، واقتل واذبح من ذبحه ، ولا تمتعه بما طلب . 

قال عبد الرحمان: فو الله لقد عوجل الملعون يزيد ، ولم يتمتع بعد قتله ، ولقد اخذ مغافصة ، بات سكرانا ، وأصبح ميتا متغيرا ، كأنه مطلي بقار ، اخذ على أسف .

وما بقي أحد : ممن تابعه على قتله ، أو كان في محاربته ، إلا أصابه جنون أو جذام أو برص ، وصار ذلك وراثة في نسلهم لعنهم الله [10]

وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان قال :

وقال أصحاب الحديث : فلما أتت على الحسين سنة كاملة .

هبط على النبي اثنا عشر ملكا على صور مختلفة .

 أحدهم : على صورة بني آدم يعزونه ، ويقولون :

إنه سينزل : بولدك الحسين ابن فاطمة ، ما نزل بهابيل من قابيل ، وسيعطى مثل أجر هابيل ، ويحمل على قاتله مثل وزر قابيل . ولم يبق ملك : إلا نزل إلى النبي يعزونه . والنبي يقول : اللهم اخذل خاذله ، واقتل قاتله ، ولا تمتعه بما طلبه[11] .

في المناقب : ذكر ابن فورك في فصوله ، وأبو يعلى في مسنده ، والعامري في إبانته من طرق  منها عن عائشة ، وعن شهر بن حوشب :

أنه دخل : الحسين بن علي على النبي وهو يوحى إليه ، فنزل الوحي على رسول الله صلى الله عليه وآله وهو منكب على ظهره ، فقال جبرائيل : تحبه ؟

فقال : ألا أحب ابني ؟

 فقال : إن أمتك ستقتله من بعدك فمد جبرائيل يده فإذا بتربة بيضاء.

 فقال : في هذه التربة يقتل ابنك ، هذه يا محمد اسمها الطف الخبر.

 وفي أخبار سالم بن الجعد : أنه كان ذلك ميكائيل .

 وفي مسند أبي يعلى : أن ذلك ملك القطر[12] .

يا طيب : إن ما سترى من كثرة الأحاديث حول الإمام الحسين وآله ، وكثير منها مع الملائكة الكرام ، لأنها كانت حين زيارتهم له وتسلميهم عليه ، وهم من أعاظم الملائكة ورؤسائهم ، فكانوا يتحينون المناسبات الكريمة والعزيزة على النبي فيأتون إما مهنأين أو معزين ، أو يطلبون من الله سبحانه أن يتشرفوا في مناسبات خاصة بلقاء النبي الأكرم والمحادثة معه والأنس بلقائه ، وكانت مفخرة لهم وشرف وظهور لفضلهم .

ويا طيب : كان الملائكة الكرام في أغلب الأحيان ينزلون مع جمع لهم غفير مناسب لشأنهم يهنون النبي أو يعزوه ، وكانت تدور معه محادثات ، فيتذاكرون شرفه ومناقبه وفضله ، وما خص الله تعالى النبي الأكرم من الكرامة في نفسه وفي آله ، ويحكون له مجده وشرفه وعزته عند الله سبحانه وما له ولآله من المقام المحمود والوسيلة والفضيلة، وإن آله الكرام هم خلفاءه وأوصياءه على كل حال وهم ورثة الكتاب والحكمة في كل ظرف.

ولذا كان الملائكة الكرام : حين زيارة النبي الأكرم يذكرون قسم من تأريخ الأمة وما سيؤول إليه حالهم من الاختلاف وغصب الخلافة ، وما ينال آله وصبرهم وجهادهم وثباتهم ، فيبشروه بأن لهم منزلة كريمة على كل حال ، وأنهم على كل أمور في رعاية الله ، وإنه لما كانت سنة الله الاختبار والابتلاء وإن الله يفتتن المؤمنين ويصفيهم ليظهر الصادقون المخلصون ، وإن آل النبي الأكرم لهم أعلى مراتب الجهاد والصبر والبلاء ، وإنه بها نالوا أعلى مراتب الشرف والكرامة ومراتب الجنة والخلافة الحقة والوصاية الصادقة.

فلذا ترى الملائكة الكرام : يذكرون محنهم وبالخصوص محن الإمام الحسين عليه السلام ، وما سيصيب بعضهم بعدة فترة عشرات السنين وإن كان بعضها قريب من وفاته ، لكن هذا التذاكر لمجد النبي وشرفه كان يفرحه في عين حزنه ، لأنه يعرف أن لهم المقام العالي بالصبر ، ولهم المنزلة الشريف حين الثبات ، ويعرف أن الدنيا زائلة والفخر والمجد لمن ينال رضا الله ويعبده بدينه الحق ، وإن آله لهم المقام الأسمى في كل حال ، فلذا كانت في هذه المجالس يذكر مصابهم تبعا، لا لكي ينغصوه بذكرهم بل لأنه جزء من مجدهم وشرفهم وعزهم وكرامتهم عند الله ، والله يداول الأيام ليعرف الصادقون .

 

 


 

 

الإشراق الثالث :

مجالس عزاء النبي الأكرم مع قابلة الحسين وحاضنته :

يا طيب : مرت بحوث في جزء خاص بولادة الإمام الحسين عليه السلام ، وما كرمه الله سبحانه من الشأن العظيم الذي كان يذكره الملائكة لهم حين يهنئون النبي الأكرم بالوليد المبارك ، وحكينا كثير من الأحاديث والقصص التي كانت فيها كثير من تعاليم الدين ، وما كان من معرفة التسمية والعقيقة ومعاملة الأولاد وتربيتهم ، و كانت أغلبها مقتبسة من تصرف رسول الله مع الحسن والحسين عليهم السلام ، وكيف كان يفرح بهم ويخبر أصحابه بشأنهم ، ويولم لهم ويحلق شعرهم أو غيرها من المسائل المختصة بالولادة والتربية والتعليم ، فكانت أهم مسائل الشرع في الآداب الإسلامية للصغار في العمر.

ويا طيب : إن ما ترى من الأحاديث الكثيرة والمواقف الشريفة الكثيرة التي كان النبي الأكرم يذكر فيها ما سيصيب آله وبالخصوص الإمام الحسين عليه السلام من الأمة ، هو لكثرة تعلقه بهما وحبهما ، وإن جبرائيل أو هو حين فرحه ، يتذكر ما سيصيب الأمة من الاختلاف وما يحل بآله من المحنة ، ويتذكر عظيم منزلتهم حين صبرهم وما لهم من الأجر الجزيل والثواب الكثير ، ولمن يثبت معهم فيقتدي بهم ولم يفتتن بأصحاب الملك ومن تسلط ظالما لآله وغصب ملكهم الدنيوي ، دون الكتاب والحكمة المختصة بهم ، فيتذكر : إن الله مختبر المسلمين ويفتتنهم ويبتليهم بآله وبظالمهم ، فيتواضع لله ويصبر :

 ويكون مصداق لقوله تعالى :{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنفُسِكُمْ إِلَّا  فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (22) لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا  آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (23) } الحديد .

وما سنذكره هنا : في هذا الإشراق مختص بقابلته أو ما تسمى مولدته أو الحبوبة ، وبحاضنته وهي أم الفضل زوجة عمه العباس وأخت زوجته أيضا ، وباقي الأحاديث تجدها وهنا بمراجعة الجزء المختص بولادة الحسن والحسين عليهم السلام .

 

 


 

الإشعاع الأول :

مجلس ذكر عزاء للحسين في يوم مولده الشريف :

في أمالي الطوسي : بإسناده عن أخي دعبل ، عن الرضا ، عن آبائه ، عن علي بن الحسين عليهم السلام قال : حدثني أسماء بنت عميس الخثعمية قالت : قبلت ـ أي كانت قابله ومولده ـ جدتك فاطمة بنت رسول الله بالحسن والحسين ، قالت : فلما ولدت الحسن ، جاء النبي صلى الله عليه وآله فقال :  يا أسماء هاتي ابني .

 قالت : فدفعته إليه في خرقة صفراء ، فرمى بها ، وقال : ألم أعهد إليكم أن لا تلفوا المولود في خرقة صفراء ، ودعا بخرقة بيضاء فلفه بها ، ثم أذن في إذنه اليمني ، وأقام في إذنه اليسرى .

 وقال لعلي عليه السلام : بما سميت ابني هذا ؟  قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله . قال : وأنا ما كنت لا أسبق ربي عز وجل .

قال : فهبط جبرائيل قال : إن الله يقرأ عليك السلام ويقول لك : يا محمد ، علي منك بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا بني بعدك ، فسم ابنك باسم ابن هارون .

 قال النبي صلى الله عليه وآله : وما اسم ابن هارون ؟قال جبرائيل : شبر .

 قال : وما شبر ؟ قال : الحسن ، قالت أسماء : فسماه الحسن

قالت أسماء : فلما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام نفستها به .

فجاءني النبي فقال : هلم ابني يا أسماء ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، ففعل به كما فعل بالحسن ، قالت : وبكى رسول الله ثم قال : نه سيكون لك حديث !

اللهم العن قاتله ، لا تعلمي فاطمة بذلك . 

قالت أسماء : فلما كان في يوم سابعه جاءني النبي فقال : هلمي ابني .

فأتيته به : ففعل به كما فعل بالحسن ، وعق عنه كما عق عن الحسن كبشا أملح ، وأعطى القابلة الورك ورجلا، وحلق رأسه وتصدق بوزن الشعر ورقا، وخلق رأسه بالخلوق.

وقال : إن الدم من فعل الجاهلية .

قالت : ثم وضعه في حجره ، ثم قال : يا أبا عبد الله عزيز علي ثم بكى .

فقلت : بأبي أنت وأمي فعلت في هذا اليوم وفي اليوم الأول فما هو ؟

قال : أبكي على ابني هذا ، تقتله فئة باغية كافرة من بني أمية ، لعنهم الله لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة ، يقتله رجل يثلم الدين ويكفر بالله العظيم .

ثم قال : اللهم إني أسألك فيهما ما سألك إبراهيم في ذريته ، اللهم أحبهما وأحب من يحبهما ، والعن من يبغضهما ملء السماء والأرض  .

قال المجلسي : بيان : قبل المرأة كعلم قبالة بالكسر كانت قابلة وهى المرأة التي تأخذ الولد عند الولادة . الملحة : الزن الأبيض يخالطه سواد ، والخلوق : طيب معروف مركب من الزعفران وغيره من أنواع الطيب وتغلب عليه الصفرة والحمرة . 

وأما معنا أن الدم من فعل الجاهلي : فذكر محقق بحار الأنوار الشيخ العلامة المحمودي : روى أبو داود في سننه[13]بإسناده عن أبى بريدة يقول : كنا في الجاهلية : إذا ولد لا حدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها ، فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران .  قوله صلى الله عليه وآله " عزيز علي " أي قتلك قال الجزري : عز علي : يعز  أن أراك بحال سيئة ، أي يشتد ويشق علي[14] .

ويا طيب : قد مر تفصيل بحث الولادة : في جزء في تاريخ ولادة الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام وتسميتهما عن الصدوق في عيون أخبار الرضا و عن المناقب ، فراجع .

 

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

النبي يخبر أم الفضل بتأويل حلمها وباستشهاد الحسين:

في الإرشاد : عن أم الفضل بنت الحارث أنها دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله فقالت : يا رسول الله رأيت الليلة حلما منكرا . قال : وما هو ؟ قالت : إنه شديد . قال : وما هو ؟ قالت : رأيت كأن قطعة من جسدك قد قطعت ووضعت في حجري ، فقال رسول الله : خيرا رأيت تلد فاطمة غلاما فيكون في حجرك . 

فولدت فاطمة عليها السلام الحسين عليه السلام قالت : وكان في حجري كما قال رسول الله،  فدخلت به يوما على النبي فوضعته في حجر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول الله تهرقان بالدموع .

 فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله مالك ؟

 قال : أتاني جبرائيل فأخبرني أن أمتي يقتل ابني هذا وأتاني بتربة حمراء من تربته[15] .

وروى الشيخ جعفر بن نم في مثير الأحزان بإسناده عن زوجة العباس بن عبد المطلب وهي أم الفضل لبابة بنت الحارث قالت :

 رأيت في النوم قبل مولد الحسين عليه السلام كأن قطع من لحم رسول الله قطعت ووضعت في حجري ، فقصصت الرؤيا على رسول الله .

 فقال : إن صدقت رؤياك ، فإن فاطمة ستلد غلاما وأدفعه إليك لترضعيه ، فجرى الأمر على ذلك ، فجئت به يوما فوضعته في حجري فبال ، فقطرت منه قطرة على ثوبه صلى الله عليه وآله فقرصته فبكى . 

فقال كالمغضب : مهلا يا أم الفضل فهذا ثوبي يغسل وقد أوجعت ابني .

 قالت : فتركته ومضيت لآتيه بماء ، فجئت فوجدته صلى الله عليه وآله يبكي فقلت : مم بكاؤك يا رسول الله . فقال : إن جبرائيل أتاني وأخبرني أن أمتي تقتل ولدي هذا ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة [16] .

 

 


 

 

الإشراق الرابع :

مجالس عزاء النبي الأكرم للحسين عند أهل البيت :

يا طيب : إن مجالس النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم مع أهل بيته الأقربون وآله المطهرون ورهطه الطيبون ، أصحاب الكساء والتطهير والكوثر الوفير ، لكثيرة جدا ، وقد تفوق ما ذكرنا في مجالس عقدها في بيوت أزواجه ، لأنه كانت للنبي الأكرم في كل يوم استراحة في بيت أعز الخلق عليه ، بنته فاطمة الزهراء وولديه الحسن والحسين ووصيه الأكرم وناصره وخليفته علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم .

لأنه كان للنبي الأكرم : مع آله في كل يوم درس خاص يذاكرهم ما نزل عليه من الوحي ، وكان يذكر تفسيره لعلي بن أبي طالب ، وفي حديث مفصل للإمام علي عليه السلام تجده في الجزء الأول من صحيفة سادة الوجود ، وفي صحيفة الحروف النورانية ، المتميزة بتلفظها المقطع في أول القرآن الكريم ، يذكر فيه أنه كان له كل يوم مجلسين في الصباح والآخر في المساء ، فيهما يذاكره النبي الأكرم بما نزل عليه ويشرحه له ويعلمه تفسيره وتأويله ، وكان في أغلب الدروس يؤيده جبرائيل وروح القدس عليهم السلام .

وقال الإمام علي عليه السلام : إنه أن كان في بيته الدرس لم يقم عنه الحسن والحسين ولا فاطمة الزهراء ، وإن كان في بيت النبي لم يكن معه أزواجه بل ينفرد به ، ولذا كانت أغلب إن لم نقل كل الدروس في بيت فاطمة عليها السلام كما قال الإمام .

ولهذا يا طيب : ترى حين كان ينزل عليه الوحي أو كان حين يتذاكرون أمرا صعب أو حالة مفرحة أو أمر يحتاج للتذكر أو الثبات ، يذكره جبرائيل عليه السلام بما يؤول عليه مصير الإمام الحسين عليه السلام خاصة ، أو مصير آله كلهم وما يؤول عليه أمر الأمة من الاختلاف وغصب منصب خلاقة الرسول .

وعرفت : إن لله حكمة في تداول الأيام، وهو ليختبر أولياءه وجميع عباده ، ليعرف من يتبع الحق ومن يدور مع الدنيا والحاكمين ، وهنا نذكر بعض المجالس الخاصة بين الأعزة.

 

 


 

 

 

الإشعاع الأول :

 الله يصبر النبي والأمير بمصاب الحسين :

في كتاب كامل الزيارات عن سعيد بن يسار و غيره قال :

سمعت أبا عبد الله عليه السلام : يقول :

لما أن هبط جبرائيل : على رسول الله صلى الله عليه وآله بقتل الحسين .

 أخذ بيد علي:  فخلا به مليا من النهار ، فغلبتهما عبرة ، فلم يتفرقا .

حتى هبط عليهما جبرائيل ، فقال لهما :

ربكما يقرئكما السلام ويقول : قد عزمت عليكما لما صبرتما .

 قال : فصبرا [17].

يا طيب : ستأتي مجالس خاصة بأمير المؤمنين ومولى الموحدين في ذكر الإمام الحسين ومصابه ، بالإضافة لما سترى بمجالسه مع النبي وآله صلى الله عليهم وسلم .

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

 النبي الأكرم و فاطمة الزهراء يعقدا مجالس باستشهاد الحسين :

عن ابن محبوب عن ابن رئاب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

لما أن علقت فاطمة بالحسين عليه السلام ، قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله : إن الله عز وجل وهب لك غلاما اسمه الحسين تقتله أمتي .

قالت : لا حاجة لي فيه .

 فقال : إن الله عز وجل قد وعدني فيه عدة .

قالت : وما وعدك ؟

 قال : وعدني أن يجعل الإمامة من بعده في ولده .

 فقالت :  رضيت [18].

وعن أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

لما ولدت فاطمة الحسين عليه السلام : أخبرها أبوها صلى الله عليه وآله ، أن أمته ستقتله من بعده ، قالت : فلا حاجة لي فيه .

فقال : إن الله عز وجل قد أخبرني أنه يجعل الأئمة من ولده .

 قالت : قد رضيت يا رسول الله [19].

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

دخلت فاطمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وعيناه تدمع فسألته مالك ؟

فقال : إن جبرائيل أخبرني أن أمتي تقتل حسينا ، فجزعت وشق عليها .

فأخبرها بمن يملك من ولدها فطابت نفسها وسكنت [20].

 

وعن ابن أبي يعفور ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 بينما رسول الله صلى الله عليه وآله : في منزل فاطمة والحسين في حجره إذ بكى وخر ساجدا ، ثم قال : يا فاطمة يا بنت محمد ، إن العلي الأعلى تراء إلي في بيتك هذا ساعتي هذه في أحسن صورة وأهيأ هيئة ، وقال لي : يا محمد أتحب الحسين ؟

 فقلت : نعم قرة عيني ، وريحانتي ، وثمرة فؤادي ، وجلدة ما بين عيني .

 فقال لي : يا محمد ووضع يده على رأس الحسين بورك من مولود عليه بركاتي وصلواتي ورحمتي ورضواني ، ولعنتي وسخطي وعذابي وخزيي ونكالي على من قتله وناصبه وناواه ونازعه.

 أما إنه سيد الشهداء : من الأولين والآخرين ، في  الدنيا والآخرة .

وسيد شباب أهل الجنة : من الخلق أجمعين ، وأبوه أفضل منه وخير .

فأقرئه السلام : وبشره بأنه راية الهدى ، ومنار أوليائي .

 وحفيظي : وشهيدي على خلقي ، وخازن علمي ، وحجتي على أهل السماوات وأهل الأرضين ، والثقلين الجن والأنس [21].

قال المجلسي بيان :  إن العلي الأعلى : أي رسوله جبرائيل ، أو يكون الترائي كناية عن غاية الظهور العلمي ، وحسن الصورة : كناية عن ظهور صفات كماله تعالى له ، ووضع اليد : كناية عن إفاضة الرحمة [22].

أقول : من أصول مذهبنا عدم إمكان رؤية الله تعالى بالبصر لا في الدنيا ولا في الآخرة ، وأن رسول الله رأى جبرائيل أو رحمة الله تجلت له بصورة ملك من الملائكة ، وإن حسن الصورة : بيان ما فيه من الرحمة الواسعة المبينة لعظمة الرسول وعلو مقامه ، ووضع اليد : هو أفاضة الرحمة ، فما قاله المجلسي رحمه الله متين ، ولا يجوز تجسيم الله ولا تصوره ، لا فكرا ولا عقلا فضلا من تحققه بالحس وليس له جارحة وهيئة سبحانه وتعالى عما يصف الواصفون ، فإنه لا يحاط به علما ، وليس كمثله شيء .

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

 مجلس عزاء مفصل للنبي مع ابنته فاطمة لمصابهم بالحسين :

في تفسير فرات جعفر بن محمد الفزاري بإسناده عن أبي عبد الله عليه السلام قال :  كان الحسن مع أمه تحمله ، فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وقال :

 لعن الله قاتلك ، ولعن الله سالبك ، وأهلك الله المتوازين عليك ، وحكم الله بيني وبين من أعان عليك . 

قالت فاطمة الزهراء : يا أبت أي شيء تقول ؟

 قال : يا بنتاه ذكرت ما يصيبه بعدي وبعدك من الأذى والظلم والغدر والبغي .

 وهو يومئذ في عصبة : كأنهم نجوم السماء ، ويتهادون إلى القتل ، وكأني أنظر إلى معسكرهم ، وإلى موضع رحالهم وتربتهم . 

قالت : يا أبه وأين هذا الموضع الذي تصف ؟

قال : موضع يقال له كربلا ، وهي : دار كرب وبلاء علينا وعلى الأمة ( الأئمة ) ، يخرج عليهم شرار أمتي ، لو أن أحدهم شفع له من في السماوات والأرضين ما شفعوا فيه ، وهم المخلدون في النار . 

قالت : يا أبه فيقتل ؟

قال : نعم يا بنتاه ، وما قتل قتلته أحد كان قبله .

 ويبكيه : السماوات والأرضون ، والملائكة ، والوحش ، والنباتات ، والبحار ، والجبال ، ولو يؤذن لها ما بقي على الأرض متنفس .

ويأتيه قوم من محبينا : ليس في الأرض أعلم بالله ولا أقوم بحقنا منهم ، وليس على ظهر الأرض أحد يلتفت إليه غيرهم ، أولئك مصابيح في ظلمات الجور ، وهم الشفعاء ، وهم واردون حوضي غدا ، أعرفهم إذا وردوا علي بسيماهم ، وكل أهل دين يطلبون أئمتهم ، وهم يطلبوننا لا يطلبون غيرنا ، وهم قوام الأرض ، وبهم ينزل الغيث .

فقالت فاطمة الزهراء عليها السلام : يا أبه إنا لله ، وبكت .

فقال له : يا بنتاه ! إن أفضل أهل الجنان هم الشهداء في الدنيا ، بذلوا أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا ، فما عند الله خير من الدنيا وما فيها ، قتلة أهون من ميتة ، ومن كتب عليه القتل خرج إلى مضجعه ، ومن لم يقتل فسوف يموت .

يا فاطمة بنت محمد :

أما تحبين : أن تأمرين غدا بأمر فتطاعين في هذا الخلق عند الحساب ؟

أما ترضين : أن يكون ابنك من حملة العرش ؟

أما ترضين : أن يكون أبوك يأتونه يسألونه الشفاعة ؟

أما ترضين : أن يكون بعلك يذود الخلق يوم العطش عن الحوض ، فيسقي منه أولياءه ، ويذود عنه أعداءه ؟

أما ترضين:  أن يكون بعلك قسيم النار : يأمر النار فتطيعه ، يخرج منها من يشاء ، ويترك من يشاء ؟

أما ترضين : أن تنظرين إلى الملائكة على أرجاء السماء ينظرون إليك وإلى ما تأمرين به ، وينظرون إلى بعلك قد حضر الخلائق وهو يخاصمهم عند الله .

 فما ترين : الله صانع بقاتل ولدك وقاتليك وقاتل بعلك ، إذا أفلجت حجته على الخلائق ، وأمرت النار أن تطيعه ؟ 

أما ترضين : أن يكون الملائكة تبكي لابنك ، ويأسف عليه كل شيء ؟

 أما ترضين : أن يكن من أتاه زائرا في ضمان الله ، ويكون من أتاه بمنزلة من حج إلى بيت الله واعتمر ، ولم يخل من الرحمة طرفة عين ، وإذا مات مات شهيدا وإن بقي لم تزل الحفظة تدعو له ما بقي ، ولم يزل في حفظ الله وأمنه حتى يفارق الدنيا . 

قالت : يا أبه سلمت ، ورضيت وتوكلت على الله ، فمسح على قلبها ومسح عينيها .

وقال : إني وبعلك وأنت وابنيك في مكان تقر عيناك ، ويفرح قلبك [23].

 

بيان : قوله : يتهادون إلى القتل : إما من الهدية كأنه يهدي بعضهم بعضا إلى القتل ، أو من قولهم : تهادت المرأة : تمايلت في مشيتها ، أو من قولهم هداه أي تقدمه أي يتسابقون ، وعلى التقديرات كناية عن فرحهم وسرورهم بذلك ، والذود الطرد والدفع[24].

 

 


 

 

الإشعاع الرابع :

النبي وجبرائيل يعقدان مجلس ذكر لحسن والحسين في يوم العيد :

وروي عن بعض الثقاة الأخيار :

أن الحسن والحسين عليهما السلام : دخلا يوم عيد إلى حجرة جدهما رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقالا : يا جداه ، اليوم يوم العيد ، وقد تزين أولاد العرب بألوان اللباس ، ولبسوا جديد الثياب ، وليس لنا ثوب جديد وقد توجهنا لذلك إليك .

 فتأمل النبي حالهما وبكى ، ولم يكن عنده في البيت ثياب يليق بهما ، ولا رأى أن يمنعهما فيكسر خاطرهما ، فدعا ربه وقال : إلهي اجبر قلبهما وقلب أمهما . 

فنزل جبرائيل ومعه حلتان بيضاوان من حلل الجنة .

 فسر النبي صلى الله عليه وآله وقال لهم : يا سيدي شباب أهل الجنة خذا أثوابا خاطها خياط القدرة على قدر طولكما ، فلما رأيا الخلع بيضاً .

 قال : يا جداه كيف هذا ، وجميع صبيان العرب لابسون ألوان الثياب ، فأطرق النبي ساعة متفكرا في أمرهما .   فقال جبرائيل:

 يا محمد : طب نفسا وقر عينا ، إن صابغ صبغة الله عز وجل يقضي لهما هذا الأمر ويفرح قلوبهما بأي لون شاءا ، فأمر يا محمد بإحضار الطست والإبريق ، فاحضرا.

فقال جبرائيل : يا رسول الله أنا أصب الماء على هذه الخلع ، وأنت تفركهما بيدك ، فتصبغ لهما بأي لون شاءا . 

فوضع النبي حلة الحسن : في الطست ، فأخذ جبرائيل يصب الماء ، ثم أقبل النبي على الحسن ، وقال له : يا قرة عيني بأي لون تريد حلتك ؟

فقال : أريدها خضراء ففركها النبي بيده في ذلك الماء ، فأخذت بقدرة الله لونا أخضر فائقا كالزبرجد الأخضر ، فأخرجها النبي وأعطاها الحسن ، فلبسها . 

ثم وضع حلة الحسين : في الطست ، وأخذ جبرائيل يصب الماء ، فالتفت النبي إلى نحو الحسين ، وكان له من العمر خمس سنين ، وقال له : يا قرة عيني أي لون تريد حلتك ؟ فقال الحسين : يا جدا أريدها حمراء ، ففركها النبي بيده في ذلك الماء فصارت حمراء كالياقوت الأحمر ، فلبسها الحسين ، فسر النبي بذلك ، وتوجه الحسن والحسين إلى أمهما ، فرحين مسرورين . 

فبكى جبرائيل عليه السلام لما شاهد تلك الحال .

فقال النبي : يا أخي جبرائيل في مثل هذا اليوم الذي فرح فيه ولداي تبكي وتحزن ؟ فبالله عليك إلا ما أخبرتني .

فقال جبرائيل : اعلم يا رسول الله أن اختيار ابنيك على اختلاف اللون ، فلا بد للحسن أن يسقوه السم ويخضر لون جسده من عظم السم ،  ولابد للحسين أن يقتلوه ويذبحوه ويخضب بدنه من دمه ، فبكى النبي وزاد حزنه لذلك [25].

إنا لله وإنا إليه راجعون والعاقبة للمتقين : يا طيب ذكرت أحاديث أخرى في جزء ولادة الإمام الحسين وصباه مع النبي الأكرم حول أحواله مع النبي الأكرم فراجعها هناك .

 

 


 

 

 

الإشعاع الخامس :

مجلس للنبي والحسين وآلهم يذكروا فيه مصارعهم وثواب زيارتهم :

عن عمرو بن شمر ، عن جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

 قال  أمير المؤمنين عليه السلام : زارنا رسول الله صلى الله عليه وآله وقد أهدت لنا أم أيمن لبنا وزبدا وتمرا  ، فقدمنا منه ، فأكل ، ثم قام إلى زاوية البيت فصلى ركعات ، فلما كان في آخر سجوده بكى بكاء شديدا ، فلم يسأله أحد منا إجلالا وإعظاما له . 

فقام الحسين في حجره وقال له : يا أبه لقد دخلت بيتنا فما سررنا بشيء كسرورنا بدخولك ، ثم بكيت بكاء غمنا ، فما أبكاك ؟

 فقال : يا بني أتاني جبرائيل عليه السلام آنفا ، فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى .

فقال : يا أبه فما لمن يزور قبورنا ، على تشتتها ؟

فقال : يا بني أولئك طوائف من أمتي يزورونكم ، فيلتمسون بذلك البركة  .

 وحقيق عليَّ : أن آتيهم يوم القيامة حتى أخلصهم من أهوال الساعة من ذنوبهم ويسكنهم الله الجنة[26] .

 

وفي كامل الزيارات بسنده عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

زارنا رسول الله ذات يوم : فقدمنا إليه طعاما وأهدت إلينا أم أيمن صحفة من تمر وقعبا من لبن وزبد ، فقدمنا إليه فأكل منه ، فلما فرغ قمت فسكبت على يده ماء فلما غسل يده مسح وجهه ولحيته ببلة يديه .

ثم قام إلى مسجد في جانب البيت فخر ساجدا فبكى ، فأطال البكاء ثم رفع رأسه ، فما اجترئ منا أهل البيت أحد يسأله عن شيء . 

فقام الحسين يدرج : حتى يصعد على فخذي رسول الله ، فأخذ برأسه إلى صدره ووضع ذقنه على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله ، ثم قال : يا أبه ما يبكيك ؟

فقال : يا بني إني  نظرت إليكم اليوم فسررت بكم سرورا لم أسر بكم مثله قط .

 فهبط إلي جبرائيل : فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فحمدت الله على ذلك ، وسألته لكم  الخيرة . 

فقال له : يا أبه ! فمن يزور قبورنا ويتعاهدها على تشتتها ؟

 قال : طوائف من أمتي يريدون بذلك بري وصلتي ، أتعاهدهم في الموقف ، وآخذ بأعضادهم ، فأنجيهم من أهواله وشدائده[27] .

 

 


 

 

الإشعاع السادس :

مجلس للنبي يقبل فيه موضع السيوف في الحسين :

كامل الزيارات بسنده عن أبي جعفر عليه السلام قال :

كان رسول الله صلى الله عليه وآله : إذا دخل الحسين عليه السلام اجتذبه إليه ، ثم يقول لأمير المؤمنين عليه السلام : أمسكه ، ثم يقع عليه فيقبله ويبكي .

 فيقول : يا أبه لم تبكي ؟

فيقول : يا بني أقبل موضع السيوف منك وأبكي .

قال : يا أبه واقتل ؟

قال : إي والله وأبوك وأخوك وأنت .

قال : يا أبه فمصارعنا شتى ؟  قال : نعم ، يا بني .

قال : فمن يزورنا من أمتك ؟

قال : لا يزورني ويزور أباك وأخاك وأنت ، إلا الصديقين من أمتي [28].

 

 

 

 


 

 

 

المجلس السابع :

آخر مجلس عزاء للنبي حين وفاته مع الحسين :

وروى ابن نما رحمه الله في مثير الأحزان ، عن ابن عباس قال :

لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله مرضه الذي مات فيه.

 ضم الحسين عليه السلام: إلى صدره ، يسيل من عرقه عليه ، وهو يجود بنفسه.

ويقول : ما لي وليزيد لا بارك الله فيه ، اللهم العن يزيد .

 ثم غشي عليه طويلا وأفاق .

وجعل : يقبل الحسين ، وعيناه تذرفان .

 ويقول : أما إن لي ولقاتلك مقاما بين يدي الله عز وجل [29].

 

 


 

 

الإشراق الخامس :

مجالس ذكر الحسين لنبينا في بيوت أمهات المؤمنين :

يا طيب : إن مجالس النبي الأكرم حول مصاب آله عليهم الصلاة والسلام في بيوت زوجاته كثيرة وما نقل هنا هو ما وصلنا من نقلهن ، والأحاديث هي في الغالب عندما يكون عنده ملائكة كرام يزوروه أو يوحى له بتوسط جبرائيل عليه السلام ، أو لجلسة خاصة لهم معه ، فكان الإمام الحسين عليه السلام أو أحد آل النبي يأتي لمنزل جده ، فيذكروا فضله وشأنه الكريم عند الله وإنه وارث الكتاب والحكمة بأمر الله بعد أبيه وأخيه ، وإنه حتى ولو غصبت الخلافة منه فهو الوصي والخليفة للرسول الأكرم بعدهم .

ويا طيب : حين تذكر تأريخ الأمة ومصيرها وما آل إليه أمرها ، لابد من أن تذكر المحن التي أصابت رسول الله وآله ، ومنها مصاب الإمام الحسين عليه السلام ، وكان النبي الأكرم يعرف نسائه بعض الملاحم والفتن التي ستأتي ، فكانت بعض نساءه تصبر وتطلب الحق عند أهل البيت ، وبعضهن لم تتعظ وكانت هي سبب فتنة واس محنة تصيب آل النبي بعده ، وهي تقود جيش تحاربهم وتجرأ الناس على عنادهم والخروج عن طاعتهم ، وهذه ليست الأولى في تأريخ البشر ، فقد ذكر الله سبحانه بامرأة نوح ولوط،  وكانتا تحت نبيين من الأنبياء الكرام ، ولكن لم يثبتا ولم يتشرفا بفضل الله عليهن .

وعلى كل حال يا طيب : الله عرفنا بمن خرج عن طاعة أهل البيت عليهم السلام ، قد يكون ممن خصهم الله بالكرامة لكنه لم يقبلها ، كما خص الكثيرين في زمن موسى مثل السامري أو في زمن عيسى مثل حواري يخبر عليه ليصلب وينجيه الله ، أو مثل زوجتي لوط ونوح ، بعضهم في أصل الكفر ولكن تفوز بالحسنى كأسيه امرأة فرعون .

ولكن مهما كان تقلب أحوال : فإن نساء النبي سواء من كانت ثابتة أو منحرف عن أهل البيت ، ذكرن فضائل ومناقب آل محمد بل مصائبهم وما نالهم ، إما تشرفنا ، أو جبرا حين فلتات اللسان ، وما نذكر هنا قسمه من صالحة أو معاندة فاتعظ .

 

 


 

 

 

الإشعاع الأول :

مجلس جبرائيل والنبي في بيت أم سلمه لاستشهاد الحسين :

عن أبي الجارود عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 كان النبي صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة فقال له : لا يدخل علي أحد فجاء الحسين عليه السلام وهو طفل ، فما ملكت معه شيئا حتى دخل على النبي ، فدخلت أم سلمة على أثره .

 فإذا الحسين على صدره ، وإذا النبي يبكي ، وإذا في يده شيء يقلبه . 

فقال النبي : يا أم سلمة إن هذا جبرائيل يخبرني أن هذا مقتول .

 وهذه التربة التي يقتل عليها فضعيه عندك .

 فإذا صارت دما فقد قتل حبيبي .

 فقالت أم سلمة : يا رسول الله ، سل الله أن يدفع ذلك عنه ؟

قال : قد فعلت ، فأوحى الله عز وجل إلي أن له درجة لا ينالها أحد من المخلوقين ، وأن له شيعة يشفعون فيشفعون .

 وأن المهدي : من ولده ، فطوبى لمن كان من أولياء الحسين .

 وشيعته : هم والله الفائزون يوم القيامة [30]

وعن زيد الشحام ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : نعى جبرائيل عليه السلام الحسين عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله في بيت أم سلمة ، فدخل عليه الحسين وجبرائيل عنده ، فقال : إن هذا تقتله أمتك .

فقال رسول الله : أرني من التربة التي يسفك فيها دمه ، فتناول جبرائيل قبضة من تلك التربة ، فإذا هي تربة حمراء .

في كامل الزيارات عن سماعة ، عن أبي عبد الله عليه السلام مثله وزاد فيه :

 فلم تزل عند أم سلمة حتى ماتت رحمها الله [31].

وفي كامل الزيارات عن عبد الملك بن أعين قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: إن رسول الله كان في بيت أم سلمة وعنده جبرائيل .

 فدخل عليه الحسين . فقال له جبرائيل : إن أمتك تقتل ابنك هذا .

 ألا أريك من تربة الأرض التي يقتل فيها ؟ فقال رسول الله : نعم .

 فأهوى جبرائيل بيده وقبض قبضة منها ، فأراها النبي صلى الله عليه وآله [32].

في الإرشاد روى سماك ، عن ابن المخارق ، عن أم سلمة قالت :

بينا رسول الله ذات يوم جالسا ، والحسين جالس في حجره ، إذ هملت عيناه بالدموع ، فقلت : يا رسول الله ما لي أراك تبكي جعلت فداك ؟

قال : جاءني جبرئيل فعزاني بابني  الحسين ، وأخبرني أن طائفة من أمتي تقتله ، لا أنا لها الله شفاعتي . 

 

وروي بإسناد آخر عن أم سلمة رضي الله عنها أنها قالت :

خرج رسول الله : من عندنا ذات ليلة فغاب عنا طويلا ، ثم جاءنا وهو أشعث أغبر ، ويده مضمومة ، فقلت له : يا رسول الله ما لي أراك شعثا مغبرا ؟

 فقال : اسري بي في هذا الوقت إلى موضع من العراق .

يقال له : كربلا ، فاُريت فيه مصرع الحسين ابني ، وجماعة من ولدي وأهل بيتي ، فلم أزل ألقط دماءهم ، فها هو في يدي وبسطها إلي .

 فقال : خذيها فاحتفظي بها ، فأخذتها فإذا هي شبه تراب أحمر ، فوضعته في قارورة وشددت رأسها واحتفظت بها . 

فلما خرج الحسين عليه السلام : من مكة ، متوجها نحو العراق ، كنت اخرج تلك القارورة في كل يوم وليلة ، وأشمها وأنظر إليها ثم أبكي لمصابه .

فلما كان : في اليوم العاشر من المحرم ، وهو اليوم الذي قتل فيه عليه السلام ، أخرجتها في أول النهار ، وهي بحالها ، ثم عدت إليها آخر النهار ، فإذا هي دم عبيط .

فصحت: في بيتي وبكيت ، وكظمت غيظي مخافة أن يسمع أعداؤهم بالمدينة ، فيتسرعوا بالشماتة ، فلم أزل حافظة للوقت واليوم ، حتى جاء الناعي ينعاه ، فحقق ما رأيت[33].

 

يا طيب : سيأتي عند خروج الحسين من المدينة تحدثه ، وتذكر له قول جده  والتربة ، وتطلب منه البقاء ، ويجيبها الحسين علية السلام بما سيأتي فأنتظر .

وأم سلمة رحمها الله وأسكنها فسيح جنانه  من أنصح زوجات النبي لآله بعد خديجة جدة الحسين عليهم السلام ، وهي التي أتت بولديها محمد وسلمة من زوجها أبي سلمة عبد الأسد بن هلال المخزومي إلى الإمام علي عليه السلام فقالت :

 هما عليك صدقة ، فلو يصلح لي الخروج لخرجت معك .

فكانوا مع الإمام علي عليه السلام في حروبه ، وروت رحمها الله كثير من الفضائل وشأن نزول الآيات والروايات في مناقب آل محمد عليهم السلام ، وبالخصوص مما كان يخصها به النبي الأكرم من علم الملاحم والفتن فضلا عن الفضائل ، وكانت للحسن والحسين كأم بعد وفاة فاطمة الزهراء عليها السلام[34] .

ويا طيب : ستأتي أحاديث أخرى عن أم المؤمنين أم سلمة رحمها الله حول مصائب أهل البيت عليهم السلام ، لخصوصية فيها نذكرها في محل آخر مناسب لها ، كسم الحسن وشهادة الحسين عليهم السلام ، أو يوم شهادة الحسين وغيرها ، فتابع .

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

مجلس جبرائيل والنبي في بيت زينب بنت جحش لاستشهاد الحسين :

في أمالي الشيخ الطوسي :  عن زيد مولى زينب بنت جحش ، عن زينب بنت جحش ، قالت :

 كان رسول الله صلى الله عليه و آله : ذات يوم عندي نائما ، فجاء الحسين عليه السلام ، فجعلت أعلله مخافة أن يوقظ النبي ، فغفلت عنه ، فدخل و اتبعته ، فوجدته و قد قعد على بطن النبي ، فوضع زبيبته في سرة رسول الله  فجعل يبول عليه ، فأردت أن آخذه عنه .

فقال رسول الله صلى الله عليه و آله : دعي ابني يا زينب حتى يفرغ من بوله ، فلما فرغ توضأ النبي و قام يصلي .

 فلما سجد صلى الله عليه وآله : ارتحله الحسين ، فلبث النبي  بحاله حتى نزل ، فلما قام عاد الحسين ، فحمله حتى فرغ من صلاته ، فبسط النبي يده و جعل يقول أرني أرني ، يا جبرئيل .

فقلت : يا رسول الله ، لقد رأيتك اليوم صنعت شيئا ما رأيتك صنعته قط ؟

 قال : نعم ، جاءني جبرائيل  فعزاني في ابني الحسين ، و أخبرني أن أمتي تقتله ، و أتاني بتربة حمراء [35].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس جبرائيل والنبي لاستشهاد الحسين في بيت عائشة :

في أمالي الطوسي عن أبي سلمة ، عن عائشة :

أن رسول الله صلى الله عليه وآله أجلس حسينا على فخذه وجعل يقبله .

 فقال جبرائيل : أتحب ابنك هذا ؟ قال : نعم .

 قال : فان أمتك ستقتله بعدك ، فدمعت عينا رسول الله .

فقال له : إن شئت أريتك من تربته التي يقتل عليها ؟ قال : نعم .

 فأراه جبرائيل ترابا من تراب الأرض التي يقتل عليه ، وقال : تدعى الطف[36].

 

وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان : ورويت عن عبد الصمد بن أحمد بن أبي الجيش ، عن شيخه أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ، عن رجاله ، عن عائشة قالت :

 دخل الحسين على النبي وهو غلام يدرج .

فقال : أي عائشة ألا أعجبك لقد دخل علي آنفا ملك ما دخل علي قط .

 فقال : إن ابنك هذا مقتول ، وإن شئت أريتك من تربته التي يقتل بها ، فتناول ترابا أحمر .

 فأخذته أم سلمة فخزنته في قارورة ، فأخرجته يوم قتل وهو دم [37]

النبي في بيت عائشة تجدد له الحزن بتأويل رؤيا هند :

في المناقب ابن عباس : سألت هند عائشة :  أن تسأل النبي تعبير رؤيا .

فقال : قولي لها : فلتقصص رؤياها .

 فقالت : رأيت كأن الشمس قد طلعت من فوقي ، والقمر قد خرج من مخرجي ، وكأن كوكبا خرج من القمر أسود فشد على شمس خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها ، فأسود الأفق لابتلاعها ، ثم رأيت كواكب بدت من السماء وكواكب مسودة في الأرض ، إلا أن المسودة أحاطت بأفق الأرض من كل مكان . 

فاكتحلت عين رسول الله صلى الله عليه وآله بدموعه ، ثم قال : هي هند ، اخرجي يا عدوة الله ، مرتين ، فقد جددت علي أحزاني ونعيت إلي أحبابي .

فلما خرجت قال : اللهم العنها والعن نسلها . 

فسئل عن تفسيرها فقال عليه السلام :

 أما الشمس : التي طلعت عليها فعلي بن أبي طالب عليه السلام .

 والكوكب : الذي خرج كالقمر أسود فهو معاوية مفتون فاسق جاحد لله ، وتلك الظلمة التي زعمت .

ورأت : كوكبا يخرج من القمر أسود فشد على شمس ، خرجت من الشمس أصغر من الشمس فابتلعها فاسودت .

 فذلك ابني الحسين : يقتله ابن معاوية ، فتسود الشمس ويظلم الأفق .

وأما الكواكب السود : في الأرض ، أحاطت بالأرض من كل مكان ، فتلك بنو أمية [38].

وفي كامل الزيارات بسنده عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كان الحسين بن علي ذات يوم في حجر النبي صلى الله عليه وآله يلاعبه ويضاحكه .

 فقالت عائشة : يا رسول الله ما أشد إعجابك بهذا الصبي ؟

فقال لها: ويلك وكيف لا أحبه ولا أعجب به، وهو ثمرة فؤادي ، وقرة عيني ؟

أما إن : أمتي ستقتله ، فمن زاره بعد وفاته كتب الله له حجة من حججي . 

قالت : يا رسول الله حجة من حججك ؟

قال : نعم ، وحجتين من حججي .

قالت : يا رسول الله حجتين من حججك ؟

قال : نعم ، وأربعة . قال : فلم تزل تزاده ، ويزيد ويضعف حتى بلغ تسعين حجة من حجج رسول الله صلى الله عليه وآله بأعمارها [39].

 

 


 

 

الإشراق السادس :

مجالس ذكر ثورة الحسين للنبي مع خاصته وصحبه :

يا طيب : إن النبي الأكرم وسيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم ، قد لا يمر موقف مناسب لذكر فضائل آله وشرفهم إلا وذكرهم بأحسن الذكر ، وذكر المسلمين ما سيأتيهم من الفتن في مخالفتهم وهجرهم ، وما هم مقدمون عليه من الامتحان الإلهي ، وذكرنا بحثا كريما في الجزء الأول في الابتلاء الإلهي ، ويكفينا قوله سبحانه وتعالى :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)

 وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ  مِن قَبْلِهِمْ     فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا

 وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)

 أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن  يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)

 مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5) وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6)

وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ (7) وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ  مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (8) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ  (9)

 وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء  نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10) وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ  الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11)} العنكبوت .

يا طيب : إن الآيات في اختبار الذين أمنوا كثيرة جدا ، فضلا عن الآيات التي تعم المسلمين وغيرهم ، فإن من خرج عن الأيمان سقط ورسب وتخلف ولم ينل الحسنى ، وبقي مدعي الإيمان وهذا ما يغربله الله سبحانه ويعزله عن المؤمنين ، ويبقى من ثبت على الإيمان ويصبر مع أئمة الحق فله الحسنى لعلمه وعمله الصالح .

ولذا الله سبحانه وتعالى : أمرنا في كل يوم أن نطلب منه في سورة الفاتحة أن يثبتنا على الدين ويهدينا الصراط المستقيم عند المنعم عليهم بهداه ، لنتعلم منهم ونقتدي بهم ونعبد الله سبحانه على دينهم ، وهذا معنى تكرار ما كان يذكر به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواعظه ، ومعنى ما كان يذكر من مصائب  أهله صلى الله عليهم وسلم ، ومن ينحرف عنهم ، ومن يثبت معهم .

فإن الابتلاء بتعلم حقائق الدين : هو الأساس للعبودية ، ومعرفة الحق ورفض الظلم من أصول الدين ، وليس فقط العمل بأي معرفة يعلمها ويعرفها ولو منافق أو منحرف عن الحق ، ومن ثم يعبد الله بها هم أو غيرهم ممن يتبعهم ، فإن مثل هكذا عبودية وطاعة لتعاليم لا تساوي عند الله شيء ولا تغني من عذاب الله سبحانه وتعالى .

فما أكثر من يطيع : ضال منحرف تابع لدين محدث ليس له أساس ، لمجرد أنه كان حاكم أو تسلط بظلم وجعل وعاظ سلاطين يمدحوه ويعلمون أي شيء من فكرهم واستحسانهم وقياسهم ، ولم يراعوا حرمة لأئمة الدين الحقيقيين فضلا من أن يتعلموا منهم ويقتدوا بهم .

ولذا كان أساس تذكير النبي للأمة بآله : هو ذكر أحوالهم ومناقبهم ومصائبهم وما يحل بالأمة من الاختلاف عن آله ، وما لآله من منصب ومقام شامخ في تعليم هدى الدين الحق بعده ، ولذا قال الله كما عرفت : يوم ندعو كل أناس بإمامهم ، أو يتخذ شهداء منكم ، أو لكل قوم هاد ، أو أطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ، فإنه تأكيد الله والنبي الأكرم في تعريف آل محمد بالإمامة والولاية والخلافة ، هو أساس معرفة الدين وما يحب الله سبحانه أن يطاع وعبد به حين يتبع هداهم .

ولذا كثرة الأحاديث : في الملاحم والفتن حتى فردت لها أبوابا في كتب الحديثة سواء الخاصة أو العامة ، فضلا عن آيات الابتلاء والاختبار والافتتان .

فالنبي الأكرم في كثير : من المواطن والمواقف يعرف المسلمين بما يجب عليهم من الثبات والاقتداء بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ومن بعده آله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، ولذا كثرة الأحاديث في بيان فضلهم وشرفهم وعزتهم وكرامتهم على الله سبحانه وتعالى ، وفي كل الأحوال : سواء ملكوا وحكموا ، أو لا غصبت الخلافة منهم وأنحرف الناس عنهم ، فإن الله يصطفي ويختار من هو أهلا للخلافة والولاية والإمامة ، ويؤيده من يكون حقا يجاهد في سبيل الله ، أولاً يجاهد نفسه فلا يقتدي بأهل الدنيا ومن حكم ظالما ، ولا يقتدي بكل إنسان ليس له نصيب من الكتاب والحكمة والطهارة ، ثم لا يقلد حتى أبيه فضلا عن غيره وذلك لو عمي عليه سبيل الصراط المستقيم .

فإنه يعرف بهذا : أن الله تعالى أختبر المؤمنين وبعضهم لمخالفته لأئمة الدين حبط عمله ، وبطل ما كان يعمل متظاهرا بالدين ، فإن بعضهم لم يراعي حرمة لسيد المرسلين في آله وحاربهم وقاتلهم ومنعهم من التصدي للحكم وبيان معارف الله ، وإنما هو عين ونصب ولاة من يشاء حتى لو لم يفهموا شيء من حكم الله ، ولذ قال سبحانه قال :

{ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ  حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ (31)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ  وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الهُدَى لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ (32)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ  آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ (33)}محمد.

والمؤمن الحق : يعرف أن الحق في تعريف الله لأئمة الهدى وأولي الأمر ، وأنه لم يتركهم سدى من غير ولي يعرفه الصراط المستقيم ، منعم عليه بالطهارة والكتاب والحكمة ، وإن من ثبت من المؤمنين الله يختبره حتى يختار له إمام كما قال تعالى :

{ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا  لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا (7) } الكهف .

وقال { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

 وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

فإن العمل الصالح يحتاج لعلم حق بتعليم الله واختياره : وهو ما خص به من كرمهم الله بالكتاب والحكمة وجعله ملكه الدائم لا الحكم الزائل ، ولذا قال الله تعالى :

{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ  يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)

 أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ  وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)} النساء .

فيا طيب : هذا ما كان النبي الأكرم يحدث به من فضائل آله ، فكان يقول لهم أن الكتاب والحكمة هو سبب للعمل الصالح وهو عند أولي القربى ، ومن يكرف ويقترف من حبهم يزاد الحسنات وتضاعف له ويشكر الله علمه وعمله ويغفر له ، لا كل أحد يحب ويطاع حتى لو كانوا مخالفين لآله وليس لهم معهم نصيب ، بل حاربوهم وأقصوهم ومنعوهم البيان وتعين تنصيب من يفقه الناس بالدين ممن يعلموه .

فلذا يا طيب : ترى النبي الأكرم كثرت أحاديثه في تعريف آله وما يؤول له أمر الأمة ، فيحذرهم إطاعة من يحارب آله أو يبعد الناس عنهم ، أو يغصب ملكهم الحق في بيان هدى الله ، ويمنعونهم حتى القطمير وهو جلد  النواة ، بل يقتلوهم ويسبوهم ، كأنهم لهم ملك رسول الله وخلفائه حقا دون آله الطيبين الطاهرين المصطفين الأخيار .

وهذا يا يطب : ما تراه في الأحاديث الكثيرة للنبي يعرف أصحابه سواء أحاديث ملاحم وفتن ، أو في تعريف مناقب آله ، أو فيما يذكر من مصائبهم وما يحل بهم من المحن بسبب من يتسلط من الحكام ثم يطغى ويحاربهم ، فتدبر الأحاديث الآتية ، وقوله:

{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ  الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم  مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ  الْمُهْتَدُونَ (157) } البقرة.

 

 


 

 

 

الإشعاع الأول :

النبي الأكرم يعقد مجلس لذكر الحسين وآله ويحذر الصحابة قتله:

عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

من سره أن يحيا حياتي ، ويموت ميتتي ، ويدخل جنة عدن منزلي ، ويمسك قضيبا غرسه ربي عز وجل ، ثم قال له : كن فكان .

فليتول علي بن أبي طالب وليأتم بالأوصياء من ولده .

فإنهم عترتي : خلقوا من طينتي .

 إلى الله أشكو : أعداءهم من أمتي المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي .

 وأيم الله ليقتلن ابني بعدي الحسين لا أنا لهم الله شفاعتي [40].

وعن جابر ، عن محمد بن علي عليهما السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :  من سره أن يحيى حياتي ، ويموت مماتي .

ويدخل جنتي : جنة عدن غرسها ربي بيده ، فليتول عليا ويعرف فضله ، والأوصياء من بعده ، ويتبرأ من عدوي ، أعطاهم الله فهمي ، وعلمي .

هم عترتي : من لحمي ودمي ، أشكو إليك ربي عدوهم من أمتي المنكرين لفضلهم ، القاطعين فيهم صلتي ، والله ليقتلن ابني ثم لا تنالهم شفاعتي[41] .

يا طيب : الأحاديث التي تشمل آل البيت كلهم كثيرة جدا ،  مثل حديث الثقلين ، وأنهم باب حطة ، وحديث محبة آل محمد وغيرها لكثير ، وتذكر في الإمامة أو مناقب أو فضال آل محمد كلهم ، ولكن هنا نذكر ما فيه ذكر لمصابهم ، وفيه إشارة واضحة لمصاب الإمام الحسين عليه السلام .

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

النبي يعقد لصحبه مجلس للحسين ويأمرهم بنصره ويذكرهم الرايات :

وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان بإسناده عن عبد الله بن يحيى قال :

دخلنا مع علي إلى صفين فلما ، حاذى نينوى نادى صبرا يا عبد الله ، فقال :

 دخلت على رسول الله : وعيناه تفيضان .

فقلت : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ما لعينيك تفيضان ؟ أغضبك أحد ؟

قال : لا ، بل كان عندي  جبرائيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات .

وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟

قلت : نعم فمد يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلا .

 

فلما أتت عليه سنتان : خرج النبي إلى سفر فوقف في بعض الطريق ، واسترجع ، ودمعت عيناه . فسئل عن ذلك ؟

فقال : هذا جبرائيل يخبرني عن أرض بشط الفرات ، يقال لها : كربلا .

 يقتل فيها ولدي الحسين ، وكأني أنظر إليه ، وإلى مصرعه ومدفنه بها .

وكأني أنظر : إلى السبايا على أقتاب المطايا .

 وقد اهدي : رأس ولدي الحسين إلى يزد لعنه الله .

فوالله : ما ينظر أحد إلى رأس الحسين ويفرح ، إلا خالف الله بين قلبه ولسانه ، وعذبه الله عذابا أليما .  

 

ثم رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : من سفره مغموما مهموما كئيبا حزينا .

 فصعد المنبر : وأصعد معه الحسن والحسين .

 وخطب ووعظ الناس : فلما فرغ من خطبته ، وضع يده اليمنى على رأس الحسن ، ويده اليسرى على رأس الحسين ، وقال :

اللهم : إن محمدا عبدك ورسولك وهذان أطايب عترتي ، وخيار أرومتي ، وأفضل ذريتي ، ومن اخلفهما في أمتي ، وقد أخبرني جبرائيل : أن ولدي هذا مقتول بالسم ، والآخر شهيد مضرج بالدم .

اللهم : فبارك له في قتله ، واجعله من سادات الشهداء .

اللهم: ولا تبارك في قاتله وخاذله وأصله حر نارك ، واحشره في أسفل درك الجحيم. 

قال : فضج الناس بالبكاء والعويل . فقال لهم النبي : أيها الناس أتبكونه ولا تنصرونه ، اللهم فكن أنت له وليا وناصرا.

ثم قال : يا قوم إني مخلف فيكم الثقلين : كتاب الله .

 وعترتي ، وأرومتي ومزاج مائي ، وثمرة فؤادي ، ومهجتي .

 لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ـ

ألا وإني : لا أسألكم في ذلك إلا ما أمرني ربي أن أسألكم عنه .

 أسألكم : عن المودة في القربى .

 وأحذروا : أن تلقوني غدا على الحوض ، وقد آذيتم عترتي .

 وقتلتم : أهل بيتي ، وظلمتموهم . 

 

ألا إنه سيرد علي يوم القيامة ثلاث رايات من هذه الأمة :

لأولى : راية سوداء مظلمة : قد فزعت منها الملائكة ، فتقف علي ، فأقول لهم : من أنتم ؟ فينسون ذكري ، ويقولون : نحن أهل التوحيد من العرب ,

 فأقول لهم : أنا أحمد نبي العرب والعجم ، فيقولون : نحن من أمتك ، فأقول : كيف خلفتموني من بعدي في أهل بيتي وعترتي وكتاب ربي ؟ 

فيقولون : أما الكتاب فضيعناه ، وأما العترة فحرصنا أن نبيدهم عن جديد الأرض ، فلما أسمع ذلك منهم ، أعرض عنهم وجهي ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم . 

 

ثم ترد علي راية أخرى : أشد سوادا من الأولى ، فأقول لهم : كيف خلفتموني من بعدي في الثقلين كتاب الله وعترتي ؟

فيقولون : أما الأكبر فخالفناه ، وأما الأصغر فمزقناهم كل ممزق .

 فأقول : إليكم عني ، فيصدرون عطاشا مسودة وجوههم .

 

ثم ترد علي راية تلمع وجوههم نورا فأقول لهم : من أنتم ؟ فيقولون : نحن أهل كلمة التوحيد والتقوى من أمة محمد المصطفى ، ونحن بقية أهل الحق ، حملنا كتاب ربنا ، وحللنا حلاله ، وحرمنا حرامه ، وأحببنا ذرية نبينا محمد ، ونصرناهم من كل ما نصرنا به أنفسنا ، وقاتلنا معهم من ناواهم .

 فأقول لهم : ابشروا فأنا نبيكم محمد ، ولقد كنتم في الدنيا كما قلتم ، ثم أسقيهم من حوضي، فيصدرون مرويين مستبشرين، ثم يدخلون الجنة خالدين فيها أبد الآبدين[42].

 


 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس مفصل للنبي الأكرم يعرف فيه مصاب آله الكرام :

يا طيب : المجلس السابق للنبي الأكرم وهذا المجلس ، بل كثير مثلها ، شبيهة بمجلس المباهلة  ، إلا أن المباهلة كانت مع نصارى نجران ، وهذه مع المسلمين للتذكرة ، وإن العذاب لمن يقصي أهل البيت ويهجرهم علما وعملا ونصرة ، فيكون في أشد العذاب والخزي يوم القيامة، ولهذا يلعنهم النبي كما أمر الله نبيه أن يلاعن نصارى نجران.

وإن النبي الأكرم : في هذه المجالس كلها سواء ينقلها مباشرة أو تنقله زوجاته أو أصحابه أو أهل بيته ، هي مجالس تشبه أن تكون عامة جامعة ، ولكن هذه الأشعة تعرفنا أحاديث يجمع بها النبي الأكرم الأصحاب ، ليذكرهم بما يحل بآله ويحذرهم ، والأحاديث كثيرة نختار منها ما عرفت وتدبر الحديث الآتي :

عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :

إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كان جالسا ذات يوم :

إذ أقبل الحسن عليه السلام : فلما رآه بكى ، ثم قال إلي إلي يا بني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى .

 ثم أقبل الحسين عليه السلام :  فلما رآه بكى ، ثم قال إلي إلي يا بني ، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى ,

ثم أقبلت فاطمة عليها السلام : فلما رآها بكى ، ثم قال إلي إلي يا بنية ، فأجلسها بين يديه .

ثم أقبل أمير المؤمنين عليه السلام : فلما رآه بكى، ثم قال إلي إلي يا أخي ، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن .

فقال له أصحابه : يا رسول الله ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت ، أ و ما فيهم من‏تسر برؤيته ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : و الذي بعثني بالنبوة ، و اصطفاني على جميع البرية ، إني و إياهم لأكرم الخلق على الله عز و جل ،  و ما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم .

 

أما علي بن أبي طالب :

 فإنه أخي و شقيقي : و صاحب الأمر بعدي ، و صاحب لوائي في الدنيا و الآخرة ، و صاحب حوضي و شفاعتي ، و هو مولى كل مسلم ، و إمام كل مؤمن ، و قائد كل تقي ، و هو وصيي ، و خليفتي على أهلي  و أمتي في حياتي  و بعد موتي ، محبه محبي ، و مبغضه مبغضي ، و بولايته صارت أمتي مرحومة ، و بعداوته صارت المخالفة له منها ملعونة .

و إني بكيت : حين أقبل ، لأني ذكرت غدر الأمة به بعدي ، حتى إنه ليزال عن مقعدي ، و قد جعله الله له بعدي ، ثم لا يزال الأمر به حتى يضرب على قرنه ضربة تخضب منها لحيته ، في أفضل الشهور شهر رمضان ، الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس و بينات من الهدى و الفرقان .

 

و أما ابنتي فاطمة :

 فإنها سيدة نساء العالمين : من الأولين و الآخرين ، و هي بضعة مني و هي نور عيني و هي ثمرة فؤادي ، و هي روحي التي بين جنبي و هي الحوراء الإنسية ، متى قامت في محرابها بين يدي ربها جل جلاله ، ظهر نورها لملائكة السماء كما يظهر نور الكواكب لأهل الأرض ، و يقول الله عز و جل لملائكته :

يا ملائكتي : انظروا إلى أمتي فاطمة سيدة إمائي قائمة بين يدي ، ترتعد فرائصها من خيفتي ، و قد أقبلت بقلبها على عبادتي .

أشهدكم : أني قد أمنت شيعتها من النار .

و أني لما رأيتها ذكرت : ما يصنع بها بعدي ، كأني بها و قد دخل الذل بيتها ، و انتهكت حرمتها ، و غصبت حقها ، و منعت‏ إرثها ، و كسر جنبها ، و أسقطت جنينها .

 و هي تنادي : يا محمداه فلا تجاب ، و تستغيث فلا تغاث ، فلا تزال بعدي محزونة مكروبة باكية ، تتذكر انقطاع الوحي عن بيتها مرة ، و تتذكر فراقي أخرى ، و تستوحش إذا جنها الليل لفقد صوتي الذي كانت تستمع إليه إذا تهجدت بالقرآن ، ثم ترى نفسها ذليلة بعد أن كانت في أيام أبيها عزيزة .

فعند ذلك : يؤنسها الله تعالى ذكره بالملائكة ، فنادتها بما نادت به مريم بنت عمران ، فتقول: يا فاطمة : إن الله اصطفاك و طهرك ، و اصطفاك على نساء العالمين.

يا فاطمة : اقنتي لربك و اسجدي ، و اركعي مع الراكعين ، ثم يبتدئ بها الوجع فتمرض ، فيبعث الله عز و جل إليها مريم بنت عمران تمرضها ، و تؤنسها في علتها .

فتقول : عند ذلك يا رب إني قد سئمت الحياة و تبرمت بأهل الدنيا ، فألحقني بأبي ، فيلحقها الله عز و جل بي ، فتكون أول من يلحقني من أهل بيتي ، فتقدم علي محزونة مكروبة مغمومة مغصوبة مقتولة .

فأقول عند ذلك :

 اللهم : العن من ظلمها ، و عاقب من غصبها ، و ذلل من أذلها ، و خلد في نارك من ضرب جنبها ، حتى ألقت ولدها . فتقول الملائكة : عند ذلك آمين .

 

و أما الحسن :

 فإنه ابني و ولدي : و بضعة مني ، و قرة عيني و ضياء قلبي ، و ثمرة فؤادي ، و هو سيد شباب أهل الجنة ، و حجة الله على الأمة ، أمره أمري ، و قوله قولي ، من تبعه فإنه مني ، و من عصاه فليس مني .

 و إني لما نظرت إليه : تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي ، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلما و عدوانا ، فعند ذلك تبكي الملائكة و السبع الشداد لموته ، و يبكيه كل شي‏ء حتى الطير في جو السماء ، و الحيتان في جوف الماء .

 فمن بكاه : لم تعم عينه يوم تعمى العيون ، و من حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب ، و من زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام .

 

و أما الحسين :

 فإنه مني و هو ابني و ولدي : و خير الخلق بعد أخيه ، و هو إمام المسلمين ، و مولى المؤمنين ، و خليفة رب العالمين ، و غياث المستغيثين ، و كهف المستجيرين ، و حجة الله على خلقه أجمعين .

و هو سيد شباب أهل الجنة ، و باب نجاة الأمة .

 أمره أمري : و طاعته طاعتي ، من تبعه فإنه مني ، و من عصاه فليس مني .

و إني لما رايته : تذكرت ما يصنع به بعدي ، كأني به و قد استجار بحرمي و قربي فلا يجار ، فأضمه في منامه إلى صدري .

و آمره بالرحلة : عن دار هجرتي ، و أبشره بالشهادة .

 فيرتحل عنها : إلى أرض مقتله ، و موضع مصرعه أرض كرب و بلاء ، و قتل و فناء ، تنصره عصابة من المسلمين ، أولئك من سادة شهداء أمتي يوم القيامة .

كأني أنظر إليه : و قد رمي بسهم ، فخر عن فرسه صريعا ، ثم يذبح كما يذبح الكبش مظلوما . ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و بكى من حوله ، و ارتفعت أصواتهم بالضجيج . ثم قال صلى الله عليه وآله وسلم :

اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي ثم دخل منزله [43] .

 

 


 

 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس مفصل للنبي الأكرم يعرف ابن عباس شهادة الحسين وفضله:

في كفاية الأثر : بإسناده عن طاوس اليماني ، عن عبد الله بن العباس ، قال :

دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

و الحسن : على عاتقه .

 و الحسين : على فخذه .

 يلثمهما و يقبلهما ، و يقول :

اللهم : وال من والاهما ، و عاد ما عاداهما .

 ثم قال : يا ابن عباس ، كأني به و قد خضبت شيبته من دمه ، يدعو فلا يجاب ، و يستنصر فلا ينصر .

 قلت : من يفعل ذلك يا رسول الله ؟

قال : شرار أمتي ، ما لهم لا أنالهم الله شفاعتي .

ثم قال : يا ابن عباس ، من زاره عارفا بحقه ، كتب له ثواب ألف حجة ، و ألف عمرة ، ألا و من زاره فكأنما زارني ، و من زارني فكأنما زار الله ، و حق الزائر على الله أن لا يعذبه بالنار .

 ألا و إن الإجابة : تحت قبته ، و الشفاء في تربته ، و الأئمة من ولده .

قلت : يا رسول الله فكم الأئمة بعدك ؟

قال : بعدد حواري عيسى ، و أسباط موسى ، و نقباء بني إسرائيل .

قلت : يا رسول الله فكم كانوا ؟

قال : كانوا اثني عشر ، و الأئمة بعدي اثنا عشر ، أولهم علي بن أبي طالب ، و بعده سبطاي الحسن و الحسين ، فإذا انقضى الحسين فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه محمد ، فإذا انقضى محمد ، فابنه جعفر ، فإذا انقضى جعفر فابنه موسى ، فإذا انقضى موسى فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه محمد ، فإذا انقضى محمد فابنه علي ، فإذا انقضى علي فابنه الحسن ، فإذا انقضى الحسن فابنه الحجة .

قال : ابن عباس ، قلت : يا رسول الله ، أسامي لم أسمع بهن قط .

قال لي : يا ابن عباس ، هم الأئمة بعدي ، و إن نهروا ، أمناء معصومون ، نجباء أخيار .

يا ابن عباس : من أتى يوم القيامة عارفا بحقهم ، أخذت بيده ، فأدخلته الجنة .

يا ابن عباس : من أنكرهم أو رد واحدا منهم ، فكأنما قد أنكرني و ردني ، و من أنكرني و ردني فكأنما أنكر الله و رده .

يا ابن عباس : سوف يأخذ الناس يمينا و شمالا ، فإذا كان كذلك ، فاتبع عليا و حزبه ، فإنه مع الحق و الحق معه ، و لا يفترقان حتى يردا علي الحوض .

يا ابن عباس : ولايتهم ولايتي ، و ولايتي ولاية الله ، و حربهم حربي ، و حربي حرب الله ، و سلمهم سلمي ، و سلمي سلم الله ، ثم قال :

{ يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللَّهِ بِأَفْواهِهِمْ

وَ يَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ‏ (32)} التوبة [44] .

يا طيب : تعريف النبي الأكرم لابن عباس شأنهم ومصابهم ، هو تعريف للخواص من آله ، وذلك لينقلوا مصاب أهل بيته وعترته وحقهم وفضلهم وشأنهم الكريم ، ومنهم يعرف فضلهم وتنتشر معارف مقامهم السامي ، فمن قبل الحق الظاهر بسيرة النبي وآله وسلوكهم ومعارفهم كلها ، والتي تجلوا بها بأعلى إخلاص ،وقد بان في تفانيهم في دينهم والدفاع عنه حتى الشهادة ، فمن طلبهم وتعلم منهم كان على صراط الله المستقيم ، ويعبد الله بحق ، وإن الله سبحانه عرف له أهل النعيم الحق ووفقه لمعرفة دينه القيم ، وبهذا النجاة ، ومن هجرهم هجر الحق ، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم مع النبي وآله صلى الله عليهم وسلم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 


 

 

الإشعاع الرابع :

مجلس للنبي الأكرم يعرف محب وصاحب للحسين يستشهد معه :

وروي : أن رسول الله كان يوما مع جماعة من أصحابه مارا في بعض الطريق .

 وإذا هم بصبيان : يلعبون في ذلك الطريق .

فجلس النبي صلى الله عليه وآله : عند صبي منهم ، وجعل يقبل ما بين عينيه ويلاطفه ، ثم أقعده على حجره ، وكان يكثر تقبيله .

 فسئل عن علة ذلك ؟

فقال صلى الله عليه وآله : إني رأيت هذا الصبي يوما يلعب مع الحسين ، ورأيته يرفع التراب من تحت قدميه ، ويمسح به وجهه وعينيه .

فأنا أحبه : لحبه لولدي الحسين .

 ولقد أخبرني جبرائيل : أنه يكون من أنصاره في وقعة كربلا [45].

 

 


 

 

 

الإشعاع الخامس :

مجلس صاحب للحسين سمع النبي ينعاه فيتبعه ويستشهد معه :

وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان بإسناده

وعن أشعث بن عثمان ، عن أبيه ، عن أنس بن أبي سحيم قال :

 سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

إن ابني هذا يقتل بأرض العراق .

فمن أدركه منكم : فلينصره.

 فحضر أنس : مع الحسين كربلا ، وقتل معه [46]

 

 

 


 

 

الإشعاع السادس :

مجلس ذكر الحسين بين النبي الأكرم و حوراء :

تفسير فرات الكوفي بإسناده عن حذيفة ، عن النبي صلى الله عليه وآله قال :

لما اسري بي : أخذ جبرائيل بيدي فأدخلني الجنة ، وأنا مسرور .

فإذا أنا بشجرة : من نور مكللة بالنور ، في أصلها ملكان يطويان الحلي والحلل إلى يوم القيامة ، ثم تقدمت أمامي فإذا أنا بتفاح لم أر تفاحا هو أعظم منه ، فأخذت واحدة ففلقتها ، فخرجت علي منها حوراء كأن أجفانها مقاديم أجنحة النسور .

 فقلت : لمن أنت ؟

 فبكت وقال : لابنك المقتول ظلما الحسين بن علي بن أبي طالب . 

ثم تقدمت أمامي : فإذا أنا برطب ألين من الزبد ، وأحلى من العسل ، فأخذت رطبة فأكلتها وأنا أشتهيها فتحولت الرطبة نطفة في صلبي ، فلما هبطت إلى الأرض واقعت خديجة فحملت بفاطمة ، ففاطمة حوراء إنسية ، فإذا اشتقت إلى رائحة الجنة شممت رائحة ابنتي فاطمة [47].

 

 


 

 

 

الإشعاع السابع :

مجلس ذكر للجن تنعى الحسين عليه السلام :

وروي في بعض كتب المناقب المعتبرة عن أم سلمة قالت :

جاء جبرائيل إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال :

إن أمتك تقتله يعني الحسين بعدك ثم قال : ألا أريك من تربته ؟

قالت : فجاء بحصيات فجعلهن رسول الله في قارورة فلما كان ليلة قتل الحسين ، قالت أم سلمة : سمعت قائلا يقول :

أيها القاتلون جهلا حسينا   ابشـروا بالعذاب والتنكيل

قد لعنتم على لسـان داود   وموسى وصاحـب الإنجيل

قالت : فبكيت ففتحت القارورة فإذا قد حدث فيها دم [48].

أقول سيأتي فصل في شعر الجن في رثاء الحسين عليه السلام .

يا طيب : هذا بعض ما عثرنا عليه من عقد مجالس للنبي الأكرم في حق سبطه الإمام الحسين صلى الله عليهم وسلم ، وهي تبدأ من مقام دنا فتدلى ، إلى الملائكة ولآله ولصحبه ، وشملت الحور العين بل الجن ، وهذه الكرامة لولي الحق تعرفنا عظيم منزلة الإمام الحسين عليه السلام وآله صلى الله عليهم وسلم ، وترينا محل الحق ومعنى تحققه بالصبر والثبات على تبليغ هدى الله سبحانه وتعالى ، والسير بكل من تبعه إلى صراط مستقيم ، فعناية الله ورسوله ببيان حقه وجهاده وشهادته ومقامه وفضائله بكثير من الأحاديث ، هو لتعريفنا هدى الله ومن تحقق به لنتابعه ونقتدي به ونقتبس من سلوكه ونتابع سيرته ، فنتعلم منه نور الدين وهدى رب العالمين .

وأسأل الله : أن يثبتنا وإياكم على الولاية والهدى ، ونتعرف على كل فضائل ومناقب أكرم خلق الله حتى نسير على هداهم، وأن يحشرنا الله معهم في الدنيا والآخرة ، إنه أرحم الراحمين وهو ولي التوفيق ورب العالمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين.

ويا طيب : سيأتي ذكر مجالس : ما حصل في الأرض والسماء وعقد مجالس الإمام الحسين عليه السلام فيهما في يوم استشهاده عليه السلام ، وعقد مجالس الذكر للحسين عليه السلام من الأئمة المعصومين عليهم السلام .

والآن نذكر مجالس : لأعظم صحابي لرسول الله وأكرمهم وسيدهم سيد الوصيين ، أبو الحسين علي بن أبي طالب عليهم السلام ، ومن ثم نذكر مجالس صحبه وأخيه وبحوث مختصرة أخرى ، فتابع .


 

 



[1] اليقين ص298ح108 . تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة  ص608سورة النجم . وذكرت آيات أخر سورة البقرة في ضمن الحديث . وإن سورة النجم تعرفنا الولاية لأنه هوى في بيت الإمام علي راجع نزولها .

[2] أمالي الطوسي ص 60 ، وكامل الزيارات 59 ، عنهما في بحار الأنوار .

[3]بحار الأنوار ح11 ، ج 14 ص 115.

[4] بحار الأنوار ج40ب30ص228ح9 وص235ح22.

[5] بحار الأنوار ج40ب30ص236ح26 .

 [6] كامل ‏الزيارات ص61ب17ح7 .عنه بحار الأنوار ج40ب30ص237ح28.

[7] الأمالي ‏للطوسي ص314ح 639-86 م11. بحار الأنوار ج40ب30ص228ح10.

[8] الأمالي‏ للطوسي ص329ح 658-105 م11 . عنه في بحار الأنوار ج44ص231ب30ح14.

[9] إعلام ‏الورى ص33 .

[10]كامل ‏الزيارات ص61ي17ح8 . بحار الأنوار ج40ب30ص236ح27 .

[11]مثير الأحزان ص17 . بحار الأنوار ج40ب30ص246ح46. اللهوف ص15-18 .

[12] مناقب آل أبى طالب ج 4 ص 55 ، بحار الأنوار ج40ب41ص227ح22.

[13] أبو داود في سننه ج 2 ص 96 .

[14] بحار الأنوار ج40ب31ص250ح1.

[15] إرشاد المفيد ص 234 ، بحار الأنوار ج40ب30ص238ح30.

[16] اللهوف ص15 .مثير الأحزان ص16 .بحار الأنوار ج40ب30ص246ح46.

[17] كامل الزيارات ص 55 ، بحار الأنوار ج44ب30ص231ح15 .

[18] كمال الدين: ج 2 ص 88 . بحار الأنوار ج44ب29ص221ح3وراجع ج 43 ص 260.

[19] كمال الدين : ج 2 ص 87 عنه في بحار الأنوار ج40ب29ص221ح2.

[20] بحار الأنوار ج40ب30ص233ح19 عن كامل الزيارات .

[21] كامل الزيارات ص 67 . 

[22] بحار الأنوار ج40ب30ص238ح29.

[23] تفسير فرات الكوفي ص 55 و 56 . وكامل الزيارات ص 69 .

[24] بحار الأنوار ج40ب31ص264ح22 .

[25] بحار الأنوار ج40ب30ص245ح45.

[26] كامل الزيارات ص 58 . وعن صفوان مثله أمالي الشيخ عنهما في بحار الأنوار ج40ب30ص234ح20.

[27] كامل الزيارات ص 58 . بحار الأنوار ج40ب30ص234ح21.

[28] كامل الزيارات ص 70 ،  بحار الأنوار ج40ب31ص261ح14 .

[29] بحار الأنوار ج40ب31ص266ح24.مثير الأحزان ص1.العوالم ص137ح6 .

[30] بحار الأنوار ج40ب30ص225ح5 عن أمالي الصدوق ص139م 29ح 3 عن أبو جعفر .

[31] عن كامل الزيارات ص 60 عنه في بحار الأنوار ج40ب30ص236ح23 ، 24.

[32] بحار الأنوار ج40ب30ص236ح25.

[33] الإرشاد للمفيد ص 234 و 235 . بحار الأنوار ج40ب30ص239ح31.

[34] رجال الشيخ الطوسي ج 1ص14ح35-395 وكذا في رجال بن داود وغيره.

[35] الأمالي ‏للطوسي ص316ح 641-88م11. بحار الأنوار ج40ب30ص229ح11.

[36] بحار الأنوار ج40ب30ص230ح13. الأمالي ‏للطوسي ص317ح 642-89م11.

[37] بحار الأنوار ج40ب30ص246ح46.مثير الأحزان ج2ص7 .

[38] مناقب آل أبى طالب : ج 4 ص 72 . بحار الأنوار ج40ب31ص263ح21.

[39] كامل الزيارات ص 68 ، مثله في أمالي الشيخ الطوسي ص 62 بحار الأنوار ج40ب31ص260ح12.

[40] أمالي الصدوق المجلس 9 تحت الرقم 11 عنه بحار الأنوار ج40ب31ص257ح6 ص258ح9 ح 10، ومثله في كامل الزيارات ص 69 وبصائر الدرجات .

[41] كامل الزيارات ب 22 الرقم 7 عنه في بحار الأنوار ج40ب31ص260ح13.

[42] بحار الأنوار ج40ب30ص246ح46. وذكر حديثا عن اللهوف في أوله : قال رواه الحديث : فلما أتت على الحسين عليه السلام من مولده سنة كاملة :

هبط على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : اثنا عشر ملك : أحدهم : على صورة الأسد ، و الثاني‏ : على صورة الثور ، و الثالث : على صورة التنين ، و الرابع : على صورة ولد آدم ، و الثمانية الباقون : على صورة شتى .

محمرة وجوههم : باكية عيونهم ، قد نشروا أجنحتهم ، و هم يقولون : يا محمد سينزل بولدك الحسين بن فاطمة ،  ما نزل بهابيل من قابيل ، و سيعطى مثل أجر هابيل ، و يحمل على قاتله مثل وزر قابيل ، و لم يبق في السماوات ملك مقرب إلا و نزل إلى النبي صلى الله عليه وآله ، كل يقرئه السلام و يعزيه في الحسين عليه السلام ، و يخبره بثواب ما يعطى ، و يعرض عليه تربته .

و النبي صلى الله عليه وآله يقول : اللهم اخذل من خذله ، و اقتل من قتله ، و لا تمتعه بما طلبه.  وباقي الحديث : لما أتيت عليه السنتان نفس العبارات ، اللهوف ص15-18 .

[43] الأمالي ‏للصدوق ص112م24ح2 . بشارة المصطفى ص199. الفضائل ص9.

[44] كفاية الأثر ص 17 . العوالم الإمام الحسين ص 137 ح5 .

[45] بحار الأنوار ج40ب30ص242ح36 .

[46] بحار الأنوار ج40ب30ص246ح46.مثير الأحزان ص17 .

[47] تفسير فرات ص 10 والحديث مختصر . بحار الأنوار ج40ب30ص240ح33 .

[48] بحار الأنوار ج40ب30ص241ح34 .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com