بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام

مصباح هدى

مجالس ذكر الإمام الحسين للأولين أسوة وقدوة وبيان لشأنه الكريم

النور الخامس

مجالس عزاء أمير المؤمنين بمصاب الحسين عليه السلام

الإشراق الأول :

الحسين أسوة وقدوة لجميع البشر حتى لأبيه وقومه :

يا طيب : عرفنا في الأنوار السابقة قصص مجالس ذكر عزاء الحسين عند كرام الأمم السابقة أي أنبيائهم ، وعرفنا مجالس النبي مع رب العزة وحكمته تعالى في ذلك ، ومع الملائكة وخاصته وأهل بيته عليهم السلام وصحبه ، وعرفنا أنه علية السلام كان أسوة وقدوة لجميع الأمم السابقة واللاحقة ، كما عرفنا مقامه وعلو شأنه عليه السلام ، وهنا تدخل مجالس ذكر الحسين عليه السلام بعدا أخرا ومجالا جديدا .

نعم في هذا النور : تدخل مجالس ذكر الإمام عليه السلام في بيوت مواليه وأعدائهم في مسجد الكوفة ، فيذكر الإمام أمير المؤمنين أهل الكوفة إن فيهم من سيقتل الحسين عليه السلام وسيشاركون في قتله ، فيحذرهم ويذكرهم عواقب التمرد على الحق لكي لا ينحرف الإنسان عن تعاليم الله ويتغافل عن أعظم معالم دينه وحافظيه ومبيني حدوده ، فيقتل أفضل مخلوقات الله وأشرفها ، ولكي لا يخضعوا للظلم والجور والفساد .

فنرى أمير المؤمنين عليه السلام :  يذكر أهل الكوفة ويزور كربلاء ويشم تربتها ويصلي فيها قبل مقتل الحسين عليه السلام ، ويبين لهم عاقبة الأمر من تسلط بني أمية وطغيانهم وطاعة الناس لهم ، فيجعل ذكر الحسين وعقد مجالس عزاءه ، بيانا لعظيم ما سيحل بالإسلام من الفساد والانحراف ، ويبين شأن الجهاد وعلوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بإقدام الحسين وتضحيته عليه السلام ، فيجعله قدوة وأسوة له ، فيصبر على تحمل المصائب وعلى مضض وحزن وكآبة على ما سيحل بالدين فتراه يبكيه .

وكذلك يجعل أمير المؤمنين : الحسين عليه السلام أسوة وقدوة للمؤمنين ليلتحقوا به ، ويكون ذكر عزاء الحسين وإقدامه لأهل زمانه عضة وعبرة لعلهم ينصاعوا للحق وينصروا أبيه عليه السلام في حربه مع معاوية ومن خرج عليه ، ليسيروا بهم على الصراط المستقيم الذي زمامه وقياده بيد أهل البيت عليهم السلام .

فنرى أمير المؤمنين عليه السلام : مع ما له من الحجج البالغة على الجميع الخلق في وجوب طاعة وبالخصوص على أهل الكوفة لأنهم كلهم يعرفون فضله ومقامه ، نراه يعلمهم ويذكرهم بحجة أخرى هي مصاب الحسين وما سيحل به إن خذلوه فضلا من خذلان الحسين بعده ، فيحكمهم أمام الله والتاريخ وجميع البشرية ، ولكل المسلمين المنصفين الذين يمكنهم أن يقرءوا ما حل بالإسلام من الانحراف على يد بني أمية ـ

ويطالبهم : بالرجوع له ولآله في معرفة تعاليم الله وحدوده ، دون الرجوع لوعاظ السلاطين والرواة والفقهاء الذين تبعوا الطواغيت وأغروا بالدنيا وزينتها ، وهم يرون الحق وأهل والدين وهداته يقتلون ويسبون فلا ينصرونه ، وهم فيهم الصحابة والتابعين .

ويا طيب إن هذه الأحاديث : التي نذكرها هنا ، تبين لك حجج أمير المؤمنين على البشرية ، وهي كذلك تذكر لك مجالس عزاء عقدها أمير المؤمنين على الحسين علية السلام ، والتي هي نتيجة لما حل بالإسلام وتعاليمه ومفاهيمه على يد حكام بني أمية وأتباعهم ، فتطالب المؤمن للبحث عن أسبابها وتدعوه لمعرفة عللها ومن أين ابتدأت ، وهي تسلك به صراط الله المستقيم في متابعة أهل البيت وذكرهم  ، وتنبهه لضرورة عقد مجالس عزاءهم لنتعرف على تعاليمهم الحقيقة الخالصة من الانحراف فيعبد بها لله تعالى ، وإليك نص بعض الأحاديث الشريفة ، بالإضافة لما عرفت من الأحاديث السابقة عن أمير المؤمنين عليه السلام وصبره في مصابه مع النبي الأكرم .

وهذه مجالسي يعقدها أمير المؤمنين عليه السلام : بعد وفاة النبي الأكرم ، وفي زمان حكومته وظهور ولايته ، ويعرفها لصحبه ، ويذكرهم أهمية نصره ونصر آله :

 

 


 

 

الإشعاع الأول :

مجلس للأمير مع الحسين يشيد به كأسوة وقدوة :

كامل الزيارات عن جابر ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 قال علي للحسين : يا أبا عبد الله أسوة أنت قدما .

 فقال : جعلت فداك ما حالي ؟ 

قال : علمت ما جهلوا ، وسينتفع عالم بما علم .

 يا بني : اسمع وأبصر من قبل أن يأتيك ، فو الذي نفسي بيده ، ليسفكن بنو أمية دمك ، ثم لا يزيلونك عن دينك ، ولا ينسونك ذكر ربك .

 فقال الحسين عليه السلام : والذي نفسي بيده حسبي ، وأقررت بما أنزل الله ـ واصدق نبي الله ، ولا اكذب قول أبي . 

بيان : الأسوة ويضم القدوة ، وما يأتسي به الحزين : أي ثبت قديما أنك أسوة الخلق يقتدون بك ، أو يأتسي بذكر مصيبتك كل حزين[49]والأسوة للحزين والقدوة لكل.

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

الأمير في مجلس يقول للحسين يا عبرة كل مؤمن :

كامل الزيارات عن سعيد بن جناح ، عن أبي يحيى الحذاء ، عن بعض أصحابه ، عن  أبي عبد الله عليه السلام قال :

نظر أمير المؤمنين إلى الحسين عليهما السلام فقال :

يا عبرة كل مؤمن .

 فقال : أنا يا أبتاه ؟

فقال : نعم ، يا بني [50].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس للأمير بعد كشف الحسين جيش معاوية عن المشرعة في صفين :

قال المجلسي رحمه الله : وروي في بعض الكتب المعتبرة عن لوط بن يحيى ، عن عبد الله بن قيس قال : كنت مع من غزى : مع أمير المؤمنين عليه السلام في صفين .

 وقد أخذ أبو أيوب : الأعور السلمي ، الماء وحرزه عن الناس ، فشكا المسلمون العطش فأرسل فوارس على كشفه فانحرفوا خائبين ، فضاق صدره .

 فقال له : ولده الحسين عليه السلام أمضي إليه يا أبتاه ؟

فقال : امض يا ولدي ، فمضى مع فوارس ، فهزم أبا أيوب عن الماء ، وبنى خيمته وحط فوارسه ، وأتى إلى أبيه وأخبره . 

فبكى علي عليه السلام .

فقيل له : ما يبكيك يا أمير المؤمنين ؟

وهذا أول فتح ببركة الحسين عليه السلام .

فقال : ذكرت أنه سيقتل عطشانا بطف كربلا.

 حتى ينفر فرسه ويحمحم ويقول :

 الظليمة لأمة قتلت ابن بنت نبيها [51] .

 

 


 

 

الإشعاع  الرابع :

مجلس للأمير مع مولي يذكر فيه قلة ناصر الحسين :

كامل الزيارات بسنده عن أبي عبد الله الجدلي قال :

 دخلت على أمير المؤمنين عليه السلام :

والحسين : إلى جنبه ، فضرب بيده على كتف الحسين .

 ثم قال : إن هذا يقتل ، ولا ينصره أحد .

 قال : قلت يا أمير المؤمنين ! والله إن تلك لحياة سوء .

قال : إن ذلك لكائن [52].

 

 


 

 

الإشعاع الخامس :

أمير المؤمنين ينعى الحسين بأبيات من الشعر وينصحه :

في الديوان المنسوب إلى أمير المؤمنين عليه السلام : 


حُسَيْنُ إِذَا   كُنْتَ  فِي    بَلْدَةٍ  ‍  غَرِيباً     فَعَاشِرْ    بِآدَابِهَا
فَلَا      تَفْخَرَنْ  فِيهِمُ   بِالنُّهَى  ‍  فَكُلُّ     قَبِيلٍ      بِأَلْبَابِهَا
وَ لَوْ  عَمِلَ  ابْنُ  أَبِي   طَالِبٍ  ‍  بِهَذَا    الْأُمُورِ    كَأَسْبَابِهَا
وَ  لَكِنَّهُ   اعْتَامَ   أَمْرَ    الْإِلَهِ  ‍  فَأُحْرِقَ    فِيهِمْ    بِأَنْيَابِهَا
عَذِيرَكَ    مِنْ   ثِقَةٍ     بِالَّذِي  ‍  يُنِيلُكَ  دُنْيَاكَ   مِنْ  طَابِهَا
فَلَا       تَمْرَحَنَّ      لِأَوْزَارِهَا  ‍  وَ لَا  تَضْجَرَنَّ   لِأَوْصَابِهَا
قِسِ الْغَدَ بِالْأَمْس ِ كَيْ تَسْتَرِيحَ  ‍  فَلَا  تَبْتَغِيَ سَعْي َ  رُغَّابِهَا
كَأَنِّي     بِنَفْسِي   وَ    أَعْقَابِهَا  ‍  و َ بِالْكَرْبَلَاء   وَ  مِحْرَابِهَا
فَتُخْضَبُ   مِنَّا  اللِّحَى  بِالدِّمَاءِ  ‍  خِضَابَ  الْعَرُوسِ   بِأَثْوَابِهَ
أَرَاهَا  وَ  لَمْ  يَكُ  رَأْيَ  الْعِيَانِ  ‍  وَ  أُوتِيتُ   مِفْتَاحَ   أَبْوَابِهَا
مَصَائِبُ   تَأْبَاكَ  مِنْ  أَنْ   تُرَدَّ  ‍  فَأَعْدِدْ   لَهَا   قَبْلَ  مُنْتَابِهَا
سَقَى   اللَّهُ   قَائِمَنَا   صَاحِبَ  ‍  الْقِيَامَةِ  وَ النَّاسُ  فِي دَأْبِهَا
هُوَ الْمُدْرِكُ الثَّأْرِ لِي يَا  حُسَيْنُ  ‍  بَلْ  لَكَ   فَاصْبِرْ   لِأَتْعَابِهَ
لِكُلِّ  دَمٍ  أَلْفُ   أَلْفٍ   وَ  مَا  ‍  يُقَصِّرُ فِي  قَتْلِ    أَحْزَابِهَا
هُنَالِكَ  لَا   يَنْفَعُ   الظَّالِمِينَ  ‍  قَوْلٌ    بِعُذْرٍ    و  َ إِعْتَابِهَا
حُسَيْنُ  فَلَا  تَضْجَرَنْ  لِلْفِرَاقِ  ‍  فَدُنْيَاكَ‏   أَضْحَت ْ  لِتَخْرَابِهَ
سَلِ الدُّورَ تُخْبَرْ وَ أَفْصِحْ بِهَا  ‍  بِأَنْ   لَا   بَقَاءَ      لِأَرْبَابِهَا
أَنَا الدِّينُ لَا  شَكَّ   لِلْمُؤْمِنِينَ  ‍  بِآيَاتِ    وَحْيٍ  وَ  إِيجَابِهَا
لَنَا سِمَةُ  الْفَخْرِ فِي  حُكْمِهَا  ‍  فَصَلَّتْ     عَلَيْن َ  ابِإِعْرَابِهَا
فَصَلِّ عَلَى جَدِّكَ  الْمُصْطَفَى  ‍  وَسَلِّمْ      عَلَيْهِ    لِطُلَّابِهَا
ذكر العلامة المجلسي في بحار الأنوار : بيان في شرح بعض مفردات القصيدة:

ولو عمل : لو : للتمني ، وقال الجوهري : العيمة : بالكسر خيار المال واعتام الرجل إذا أخذ العيمة ، وقال : حرقت : الشيء حرقا بردته وحككت بعضه ببعض ، ومنه قولهم حرق نابه يحرقه ويحرقه أي سحقه حتى سمع له صرير . 

وقال : عذيرك من فلان : أي هلم من يعذرك منه ، بل يلومه ولا يلومك . وقال الرضي : معنى من فلان : من أجل الإساءة إليه وإيذائه أي أنت ذو عذر فيما تعامله به من المكروه ، وإضافة الدنيا إلى المخاطب للأشعار بأن لا علاقة بينه عليه السلام وبين الدنيا .  وقال الجوهري : الطاب : الطيب ، وقال : المرح : شدة الفرح ، وقال : الوصب : المرض . 

وقوله : سعي : إما مفعول به لقوله : لا تبتغي : أو مفعول مطلق من غير اللفظ والمحراب محل الحرب ، والعروس نعت يستوي فيه الرجل والمرأة ، والمنتاب مصدر ميمي من قولهم انتاب فلان القوم أي أتاهم مرة بعد أخرى .

ووصف القائم عليه السلام : بصاحب القيامة ، لاتصال زمانه بها ، أو لرجعة بعض الأموات في زمانه .  والدأب : مصدر دأب في عمله أي جد وتعب أو العادة والشأن . والأتعاب : بالفتح جمع التعب والأعتاب الإرضاء . والتخراب : بالفتح مبالغة في الخراب وتخبر على بناء الفاعل أو المفعول ، وأفصح بها للتعجب .

والحمل في أنا الدين  للمبالغة ، وإشارة إلى قوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ } المائدة3 . وإلى أن الإسلام لا يتم إلا بولايته لقوله تعالى : {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ } آل عمران 19.

وقوله عليه السلام : للمؤمنين : متعلق بالنسبة بين أنا والدين أو خبر : لا : وبآيات : متعلق بالنسبة أو بالمؤمنين ، قوله : وإيجابها : أي إيجاب الآيات طاعتي وولايتي على الناس والمصراع بعده إشارة إلى ما نزل في شأن أهل البيت عليهم السلام عموما وإسناد الصلاة إلى الآيات مجاز ، والإعراب الإظهار والبيان . 

وقال شارح الديوان : المصراع الذي بعده إشارة إلى قراءة نافع وابن عامر ويعقوب " آل يا سين " بالإضافة وإلى ما روي أن " يس " اسم محمد صلى الله عليه وآله أو إلى قوله تعالى : {وَسَلاَمٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى } النمل 59 .  ولطف إعرابها على التوجيه الأول غير خفي انتهى . أقول : لا وجه للتخصيص غير التعصب ، بل ربع القرآن نازل فيهم عليهم السلام كما عرفت وستعرفه [53]

يا طيب : توجد مجالس أخرى لأمير المؤمنين على الحسين مع أصحابه رضوان الله عليهم ، وأنضر حديث تأويل الآية الكريمة فما بكت السماء … وحديث ميثم مع جبلة في مجلس بكاء كل شيء على الحسين ، وحديث حبيب ابن مظاهر في ذكر المقتل وغيرها ، وهذا قسما منها .

 

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

مجالس أمير المؤمنين في أرض كربلاء :

الإشعاع الأول :

أمير المؤمنين يعقد مجلس عزاء الحسين في كربلاء :

في أمالي الصدوق بسنده عن ابن عباس قال :

كنت : مع أمير المؤمنين عليه السلام في خرجته إلى صفين .

 فلما نزل بنينوى : وهو بشط الفرات ، قال بأعلى صوته :

 يا ابن عباس : أتعرف هذا الموضع ؟  قلت له : ما أعرفه يا أمير المؤمنين .

فقال عليه السلام : لو عرفته كمعرفتي ، لم تكن تجوزه حتى تبكي كبكائي . 

قال : فبكى طويلا حتى أخضلت لحيته، وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معا.

وهو يقول : أوه أوه ، مالي ولآل أبي سفيان ؟

مالي : ولآل حرب حزب الشيطان ، وأولياء الكفر ؟

صبرا : يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم . 

ثم دعا بماء : فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي .

ثم ذكر نحو كلامه الأول : إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه.

 فقال : يا ابن عباس ، فقلت : ها أنا ذا .

فقال : ألا أحدثك بما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي ؟ 

فقلت : نامت عيناك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين . 

قال : رأيت كأني برجال : قد نزلوا من السماء معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم وهي بيض تلمع ، وقد خطوا حول هذه الأرض خطة ، ثم رأيت كأن هذه النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضطرب بدم عبيط .

و كأني بالحسين : سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فيه فلا يغاث ، وكأن الرجال البيض قد نزلوا من المساء ينادونه ويقولون :

 صبرا آل الرسول : فإنكم تقتلون على أيدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله إليك مشتاقة ، ثم يعزونني ويقولون :

يا أبا الحسن : أبشر ، فقد أقر الله به عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين . 

ثم انتبهت هكذا : والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسم صلى الله عليه وآله : أني سأراها في خروجي إلى أهل البغي علينا .

وهذه أرض كرب وبلاء : يدفن فيها الحسين عليه السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمة ، وإنها لفي السماوات معروفة ، تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين ، وبقعة بيت المقدس .

ثم قال لي : يا ابن عباس اطلب في حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة لونها لون الزعفران .  قال ابن عباس : فطلبتها فوجدتها مجتمعة ، فناديته يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي .

 فقال علي عليه السلام : صدق الله ورسوله . 

ثم قام عليه السلام : يهرول إليها فحملها وشمها .

 وقال : هي هي بعينها ، أتعلم يا ابن عباس ما هذه الأبعار ؟

 هذه قد شمها عيسى بن مريم : وذلك أنه مر بها ومعه الحواريون ، فرأى هاهنا الظباء مجتمعة وهي تبكي .

فجلس عيسي : وجلس الحواريون معه ، فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى . 

فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك ؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ؟ 

قالو : لا ، قال : هذه أرض يقتل فيها فرخ الرسول أحمد صلى الله عليه وآله ، وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها طينة أطيب من المسك لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا يكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء .

فهذه الظباء تكلمني وتقول : إنها ترعى في هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض . 

ثم ضرب بيده : إلى هذه الصيران ، فشمها وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها ، اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه فيكون له عزاء وسلوة .

قال : فبقت إلى يوم الناس هذا وقد اصفرت لطول زمنها وهذه رض كرب وبلاء . 

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ! لا تبارك في قتلته ، والمعين عليه والخاذل له .  ثم بكى بكاء طويل : وبكينا معه حتى سقط لوجهه ، وغشي عليه طويلا ، ثم أفاق فأخذ البعر فصره في ردائه ، وأمرني أن أصرها كذلك .

ثم قال : يا ابن عباس إذا رأيتها تنفجر دما عبيطا ، ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد الله قد قتل بها ودفن . 

قال ابن عباس : فو الله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لبعض ما افترض الله عز وجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي ، فبينما أنا نائم في البيت إذا انتبهت ، فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وكان كمي قد امتلأ دما عبيطا .

فجلست وأنا باك وقلت :

قد قتل والله الحسين .

والله ما كذبني علي قط في حديث : حدثني ، ولا أخبرني بشيء قط أنه يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول الله كان يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره . 

ففزعت وخرجت : وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين ،  ثم طلعت الشمس ورأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط ، فجلست وأنا باك فقلت :

قد قتل والله الحسين.

 وسمعت صوتا من ناحية البيت وهو يقول : 

اصبروا آل الرسول ــ ــ قتل الفرخ النحيل

نزل الروح   الأمين  ــ ــ  بــ بـكاء   وعويل

ثم بكى بأعلى صوته : وبكيت فأثبت عندي تلك الساعة ، ، وكان شهر المحرم يوم عاشورا لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره وتاريخه كذلك ، فحدثت هذا الحديث أولئك الذين كانوا معه .

 فقالوا : والله لقد سمعنا ما سمعت  ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو ، فكنا نرى أنه الخضر عليه السلام [54].

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

هرثمة ينقل قول الأمير عن فتية كربلا للحسين :

أمالي الصدوق بسنده عن هرثمة بن أبي مسلم قال :

 غزونا مع علي بن أبي طالب عليه السلام صفين ، فلما انصرفنا نزل بكربلا فصلى بها الغداة ، ثم رفع إليه من تربتها فشمها .

 ثم قال: واها لك أيتها التربة ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب. 

فرجع هرثمة إلى زوجته : وكانت شيعة لعلي عليه السلم ، فقال : ألا أحدثك عن وليك أبي الحسن نزل بكربلا ، فصلى ثم رفع إليه من تربتها .

 فقال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك أقوام يدخلون الجنة بغير حساب .

قالت : أيها الرجل فإن أمير المؤمنين عليه السلام لم يقل إلا حقا . 

فلما قدم الحسين عليه السلام قال هرثمة : كنت في البعث الذين بعثهم عبيد الله بن زياد لعنهم الله ، فلما رأيت المنزل والشجر ذكرت الحديث .

 فجلست على بعيري : ثم صرت إلى الحسين عليه السلام ، فسلمت عليه وأخبرته بما سمعت من أبيه في ذلك المنزل الذي نزل به الحسين .

فقال : معنا أنت أم علينا ؟

 فقلت : لا معك ولا عليك ، خلفت صبية أخاف عليهم عبيد الله بن زياد .

قال : فامض حيث لا ترى لنا مقتلا ، ولا تسمع لنا صوتا ، فوا الذي نفس حسين بيده ، لا يسمع اليوم واعيتنا أحد ، فلا يعيننا إلا كبه الله لوجهه في نار جهنم [55].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

الأمير يزور كربلا ويعقد مجلس لذكر مصاب الحسين بعدة أحاديث:

في قرب الإسناد : عن محمد بن عيسى ، عن القداح ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عليهما السلام قال : 

مر علي بكربلا : في اثنين من أصحابه ، قال:

 فلما مر بها ترقرقت عيناه للبكاء ، ثم قال :

 هذا مناخ ركابهم ، وهذا ملقى رحالهم ، وههنا تهراق دماؤهم .

 طوبى لك من تربة : عليك تهراق دماء الأحبة [56].

 

وعن ميمون القداح : عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

مر أمير المؤمنين عليه السلام : بكربلاء في أناس من أصحابه ، فلما مر بها أغرورقت عيناه بالبكاء ثم قال :

هذا مناخ ركابهم ، و هذا ملقى رحالهم ، و هنا تهرق دماؤهم .

طوبى لك من تربة عليك ، تهرق دماء الأحبة[57] .

 

روي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

خرج أمير المؤمنين عليه السلام : يسير بالناس حتى إذا كان من كربلاء على مسيرة ميل أو ميلين ، فتقدم بين أيديهم ، حتى إذا صار بمصارع الشهداء ، قال :

قبض : فيها مائتا نبي ، و مائتا وصي ، و مائتا سبط شهداء بأتباعهم .

 فطاف بها على بغلته  : خارجا رجليه من الركاب ، و أنشأ يقول :

مناخ ركاب ، و مصارع شهداء .

لا يسبقهم من كان قبلهم ، و لا يلحقهم من كان بعدهم[58] .

 

عن الأصبغ بن نباته عن علي عليه السلام قال :

 أتينا معه : موضع قبر الحسين ، فقال علي عليه السلام :

هاهنا : مناخ ركابهم ، و موضع رحالهم .

و هاهنا : مهراق دمائهم فتية من آل محمد صلى الله عليه وآله ، يقتلون بهذه العرصة ، تبكي عليهم السماء و الأرض [59].

 

وعن نصر سعيد بن حكيم العبسي : عن الحسن بن كثير عن أبيه :

 أن عليا : أتى كربلاء ، فوقف بها .

 فقيل : يا أمير المؤمنين هذه كربلاء .

قال عليه السلام : ذات كرب و بلاء ، ثم أومأ بيده إلى مكان ، فقال :

هاهنا موضع رحالهم ، و مناخ ركابهم .

و أومأ بيده : إلى موضع آخر ، فقال :

هاهنا مهراق دمائهم [60].

 

 

 


 

 

الإشعاع الرابع :

مجلس للأمير يذكر فيه انه يعرف تربة الحسين وقاتله :

كامل الزيارات عن هانئ بن هانئ ، عن علي عليه السلام قال : 

ليقتل الحسين قتلا .

وإني : لأعرف تربة الأرض التي يقتل عليها قريباً من النهرين

وفي الأمالي : مثله [61].

 

 

 


 

 

 

 

الإشراق الثالث :

أمير المؤمنين يذكر قتلة الحسين ويشتكهم إلى الله :

الإشعاع الأول :

الأمير يعقد مجلس الحسين في مسجد الكوفة ويذم سعد وابنه عمر :

في أمالي الصدوق والإرشاد والاحتجاج :

جاء في الآثار أن أمير المؤمنين عليه السلام كان يخطب فقال في خطبته :

سلوني قبل أن تفقدوني : فوالله لا تسألوني عن فئة تضل مائة وتهدي مائة ، إلا أنبأتكم بناعقها وسائقها إلى يوم القيامة.

فقام إليه رجل فقال : أخبرني كم في رأسي ولحيتي من طاقة شعر ؟

فقال  أمير المؤمنين : والله لقد حدثني خليلي رسول الله صلى الله عليه وآله بما سألت عنه ، وإن على كل طاقة شعر في رأسك ملك يعلنك ، وعلى كل طاقة شعر في لحيتك شيطان يستفزك .

وإن في بيتك لسخل :

 يقتل ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ، وآية ذلك مصداق ما خبرتك به ، ولولا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به .

ولكن آية ذلك : ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون ، وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبوا .  (( يا طيب العبارة من الراوي والإمام يقول سخل في بيتك).  فتدبر ).

فلما كان من أمر الحسين : ما كان ، تولى قتله،  كما قال أمير المؤمنين عليه السلام [62]. قال في البحار بيان : هو سعد بن أبي وقاص وسخله عمر بن سعد  ، استفزه : أستخفه واستدعاه . جعله يضطرب أزعجه ، السخل : الضعيف . السخل من القوم : رذيلهم ولد الشاة ، حبا الصبي : زحف على يديه وبطنه [63].

يا طيب : قال في لسان العرب لأبن منظور :

سخل: السخلة : ولد الشاة من المعز و الضأن، ذكرا أو أنثى .

و في الحديث : كأني بجبار يعمد إلى سخلي فيقتله .

السخل: المولود المحبب إلى أبويه ، و هو في الأصل ولد الغنم. 

و رجال سخل و سخال: ضعفاء أرذال .

التهذيب: و يقال للأوغاد من الرجال سخل و سخال[64] .

وابن الأثير في التهذيب قال :  كأني بجبار يعمد إلى سخلي فيقتله .

السخل : المولود المحبب إلى أبويه [65].

يا طيب : الظاهر في كان في ذلك الزمان يكثر كلمة استخدام سخل للولد ، ولكن مرة للود للمحبب ولإظهار وده كما عرفه في لسان العرب ، وكما مر في حديث سابق عن أمير المؤمنين يصف الإمام فيقول : و كأني بالحسين : سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فيه فلا يغاث في الإشراق الثاني الإشعاع الأول .

ومرة يستخدم : للرذل من الناس الذي ينطوي علمه وعمله على خباثة ، وهو ينطبق على قول الأمير سخل لعمر بن سعد ، قولهم يدرج لعله لا يراد به صغر العمر ، ولعله كناية يراد بها قلة الأيمان وكونه أهوج وأحمق يخدعه ابن زياد وتغره الدنيا فيكون الشخص الذي يغرق في الباطل ويخسر الدنيا والآخرة بقتله سيد شباب أهل الدنيا ، وهو يعبر عن عدم استقامته بأنه يدرج ويسير منحني لطب الدنيا بالباطل ، وهو صبي في فكره وعقله حيث يخدعه طاغية ابن طاغية .

ويا طيب : الظاهر العبارة (وكان ابنه في ذلك الوقت صبيا صغيرا يحبوا ) من الراوي و أنه نظر لطفل يحبوا مع سعد ولعله أبن أبنه أو ولد له صغير كان معه وبين يديه ، والإمام قال : سخل في بيتك ، كما في الحديث نفسه أعلاه ، فلا يأتي الإشكال ولا يحتاج لجواب وتفصيل فتدبر .

والمهم في الموضوع : هو عظم موضوع ثورة الإمام الحسين وذكره في أشد حالة لأمير المؤمنين ، وأمام جمع كبير في مسجد الكوفة ، ويبن لهم استشهاد الحسين وأنه سمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ويحذرهم المشاركة في قتله وخذلانه وعدم نصره ، ويبين أن الحق مع الحسين في ضرورة إقدامه على التضحية مع علمه بالشهادة ، فهو يقدم على الواجب الذي أعده له الله ورسوله ورباه من أجله لكي يستقيم الدين وينتبه المسلمون لما حل بالإسلام وأهله ، من انحراف بنصرهم الفاسق يزيد ، وخذلانهم لسيد شباب أهل الدنيا والآخرة ، والإمام والخليفة الحقيقي لرسول الله.

 

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

الحلماء من اصحب الإمام علي يعرفون عمر بن سعد بقاتل الحسين :

في كشف الغمة والإرشاد روى عبد الله بن شريك العامري قال :

كنت أسمع أصحاب علي إذا دخل عمر بن سعد من باب المسجد ، يقولون :

هذا قاتل الحسين ، وذلك قبل أن يقتل بزمان طويل[66] .

 وعنهما روى سالم بن أبي حفصة قال :

قال عمر بن سعد للحسين عليه السلام :

 يا أبا عبد الله إن قبلنا ناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك .

فقال له الحسين : إنهم ليسوا سفهاء ولكنهم حلماء .

 أما إنه يقر عيني : أن لا تأكل بر العراق بعدي إلا قليلا [67].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

مجلس الأمير يذكر فيه بعض أسماء المشاركين في قتل الحسين :

بصائر الدرجات عن سويد بن غفلة قال :

أنا عند أمير المؤمنين عليه السلام إذ أتاه رجل فقال :

يا أمير المؤمنين جئتك من وادي القرى ، وقد مات خالد بن عرفطة .

فقال له أمير المؤمنين : إنه لم يمت فأعادها عليه .

 فقال له علي عليه السلام : لم يمت والذي نفسي بيده لا يموت .

فأعادها عليه الثالثة ، فقال : سبحان الله أخبرك أنه مات ، وتقول : لم يمت ؟

فقال له علي عليه السلام : لم يمت والذي نفسي بيده ، لا يموت حتى يقود جيش ضلالة يحمل رايته حبيب بن جماز .

قال : فسمع بذلك حبيب ، فأتى أمير المؤمنين ، فقال له : أناشدك في وإني لك شيعة ، وقد ذكرتني بأمر لا والله ما أعرفه من نفسي .

فقال له علي عليه السلام : إن كنت حبيب بن جماز فتحملنها .

فولى حبيب بن جماز وقال : إن كنت حبيب بن جماز لتحملنها  .

قال أبو حمزة : فوالله ما مات حتى بعث عمر بن سعد إلى الحسين بن علي عليه السلام ، وجعل خالد بن عرفطة على مقدمته ، وحبيب صاحب رايته [68].

يا طيب : وهذا الحديث مشهور في كتب العامة والخاصة .

 

 

 


 

 

 

الإشراق الرابع :

مجالس متنوعة من الله لنبينا ومنه لعلي والحسن والحسين وصحبهم :

الإشعاع الأول :

 مجلس حديث الصحيفة عند فاطمة الزهراء :

وفي حديث الصحيفة التي نزلت في مولد الإمام الحسين ، ولما جاء فاطمة الزهراء مهنأ أرته أيها واستنساخها وطابقها مع الأصل : عن الإمام الصادق عن الإمام الباقر وجابر: قال أبو جعفر عليه السلم : فمشينا إلى منزل جابر، قال أبو جعفر:

أخرج لي صحيفة : من رق ، فيها ما هذه صورته ، بسم الله الرحمن الرحيم :

هذا كتاب من الله العزيز الرحيم : إلى محمد نبيه و نوره و سفيره و حجابه و دليله ، نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين ، عظم يا محمد أسمائي ، و اشكر نعمائي ، و لا تجحد آلائي .

أنا الله لا إله إلا أنا : فمن رجا فضل غيري ، و خاف غير عذابي ، أعذبه عذابا لا أعذب به أحدا من خلقي ، إياي فاعبد ، و علي فتوكل .

إني لم أبعث نبي : و كملت أيامه ، و انقضت مدته ، إلا جعلت له وصي ، و إني فضلتك على الأنبياء ، و فضلت وصيك على الأوصياء .

و أكرمته بشبليك و سبطيك : الحسن و الحسين ، خازني وحيي .

و أكرمت حسينا : بالشهادة ، و ختمت له بالسعادة .

فهو أفضل من‏ استشهد في ، و أرفع الشهداء عندي درجة .

و جعلت الكلمة التامة معه : و الحجة البالغة عنده ، و بعترته أثيب و أعاقب :

أولهم : علي بن الحسين زين العابدين و زين أوليائي الماضين عليهم صلواتي أجمعين ، فهم حبلي الممدود ، الذي يخفهم رسولي لوجود الكتاب معهم ، لا يفارقهم و لا يفارقونه ، حتى يردوا على رسولي في اليوم المعهود ، و ذلك يوم مشهود [69].

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

مجلس حديث الصحيفة للإمام علي :

وفي الفضائل : عن سليم بن قيس أنه قال : لما قتل الحسين بن علي عليه السلام : بكى ابن عباس بكاء شديدا ، ثم قال : ما لقيت هذه الأمة بعد نبيها .

 اللهم : إني أشهدك أني لعلي بن أبي طالب و لولده ولي ، و من عدوه و عدو ولده بري‏ء ، فإني مسلم لأمرهم .

و لقد دخلت : على علي بن أبي طالب عليه السلام ، ابن عم رسول الله  بذي قار ، فأخرج لي صحيفة ، و قال :

يا ابن عباس : هذه الصحيفة إملاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و خطي بيدي ، قال : فقلت : يا أمير المؤمنين اقرأها عليَّ .

 فقرأها : و إذا فيها كل شي‏ء ، منذ قبض رسول الله ،  إلى يوم قتل الحسين ،  و كيف يقتل ، و من يقتله ، و من ينصره ، و من يستشهد معه فيها .

ثم بكى بكاء شديد : و أبكاني ، و كان فيما قرأه : كيف يصنع به ، و كيف تستشهد فاطمة ، و كيف يستشهد الحسين ،  و كيف تغدر به الأمة .

فلما قرأ مقتل الحسين : و من يقتله ، أكثر من البكاء ، ثم أدرج الصحيفة ، و قد بقي ما يكون إلى يوم القيامة ، و كان فيها لما قرأها ، أمر : أبي بكر و عمر و عثمان ، و كم يملك كل إنسان منهم ، و كيف بويع علي بن أبي طالب ، و وقعة الجمل ، و مسير عائشة و طلحة و الزبير ، و وقعة صفين ، و من يقتل فيها ، و وقعة النهروان ، و أمر الحكمين ، و ملك معاوية ، و من يقتل من الشيعة ، و ما يصنع الناس بالحسن .

و أمر يزيد بن معاوية : حتى انتهى إلى قتل الحسين عليه السلام ،  فسمعت ذلك ، ثم كان كلما قرأ لم يزد و لم ينقص ، و رأيت خطه أعرفه في الصحيفة لم يتغير و لم يظفر ، فلما أدرج الصحيفة .

قلت : يا أمير المؤمنين لو كنت قرأت علي بقية الصحيفة .

قال عليه السلم : لا يمنعني فيها ما ألقى من أهل بيتك و ولدك ، أمرا فظيعا من قتلهم لنا و عداوتهم لنا .

 و سوء ملكهم : و شؤم قدرتهم ، فأكره أن تسمعه فتغتم و يحزنك .

و لكني أحدثك : بأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ عند موته بيدي ، ففتح لي ألف باب من العلم ، تنفتح من كل باب ألف باب ، و أبو بكر و عمر ينظران إلي ، و هو يشير لي بذلك ، فلما خرجت ، قالا لي : ما قال لك ؟

قال : فحدثتهم بما قال ، فحركا أيديهما ، ثم حكيا قولي ، ثم وليا يرددان قولي ، و يخطران بأيديهما .

ثم قال : يا ابن عباس ، إن ملك بني أمية إذا زال ، فأول ما يملك من بني هاشم ولدك ، فيفعلون الأفاعيل ، فقال ابن عباس : لئن يكون نسخني ذلك الكتاب ، أحب إلي مما طلعت عليه الشمس [70].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

مجالس للنبي الأكرم مع أم سلمة :

وفي أعلام الورى : روى أبو عبد الله الحافظ بإسناده عن أم سلمة :

 أن رسول الله : اضطجع ذات يوم للنوم فاستيقظ و هو خاثر .

 ثم اضطجع : فرقد ثم استيقظ ، و هو خاثر دون ما رأيت منه في المرة الأولى .

ثم اضطجع : و استيقظ و في يده تربة حمراء يقلبها .

فقلت : ما هذه التربة يا رسول الله .

قال : أخبرني جبرائيل أن هذا يقتل بأرض العراق ، و أشار إلى الحسين .

فقلت : يا جبرائيل أرني تربة الأرض التي يقتل بها ، فهذه تربتها[71] .

ويا طيب : خاثر : ثقيل مهموم. وقدر مر مجالس مفصلة عنها ويأتي .

 

 

 


 

 

الإشعاع الرابع :

مجلس للنبي مع الأمير في مصاب الحسين ومسلم :

في أمالي الصدوق عن ابن عباس قال :

قال علي لرسول الله صلى الله عليه وآله : يا رسول الله إنك لتحب عقيلا ؟

 قال : إي والله إني لا حبه حبين : حبا له ، وحبا لحب أبي طالب له .

وإن ولده : لمقتول في محبة ولدك ، فتدمع عليه عيون المؤمنين ، وتصلي عليه الملائكة المقربون ، ثم بكى رسول الله حتى جرت دموعه على صدره ,

ثم قال : إلى الله أشكو ما تلقى عترتي من بعدي [72].

 

 


 

 

الإشعاع الخامس :

أبا ذر يعقد مجلس عزاء للحسين عليه السلام :

في كامل الزيارات بسنده عن عروة بن الزبير قال : سمعت أبا ذر وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر فهذا قليل في الله .

فقال : ما أيسر هذا.

 ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن علي قتل .

 أو قال : ذبح ذبح ، والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة أعظم قتيلا منه .

وإن الله سيسل سيفه : على هذه الأمة لا يغمده أبدا ، ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس ، وإنكم لو تعلمون ما يدخل  على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم .

وما من سماء : يمر به روح الحسين عليه السلام ، إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة ، وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله ، وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول الله فيلتقيان .

بيان : يريد بالخليفة على بن أبى طالب عليه السلام.

 وفى بعض النسخ : بعد قتل الحسين عليه السلام أعظم قتيلا منه[73] .

 

 


 

 

الإشعاع السادس :

مجلس ذكر الحسين لأمير المؤمنين والبراء بن عازب :

في إرشاد المفيد عن  إسماعيل بن زياد قال:

إن عليا عليه السلام قال للبراء بن عازب ذات يوم :

 يا براء : يقتل ابني الحسين ، وأنت حي لا تنصره .

 فلما قتل الحسين عليه السلام : كان البراء بن عازب يقول :

 صدق والله علي بن أبي طالب ، قتل الحسين ولم أنصره .

 ثم يظهر على ذلك الحسرة والندم [74].

 

 


 

 

الإشعاع السابع :

الإمام الحسن يعقد مجلس بكاء للحسين ويحكي مصابه :

في أمالي الصدوق : بسنده عن المفضل بن عمر ، عن الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه  عن جده :

أن الحسين بن علي عليهما السلام : دخل يوما إلى الحسن عليه السلام ، فلما نظر إليه  بكى .

فقال له : ما يبكيك يا أبا عبد الله ؟

قال : أبكي لما يصنع بك .

فقال له الحسن  عليه السلام : إن الذي يؤتى إلي سم يدس إلي فاقتل به .

ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله :

يزدلف إليك : ثلاثون ألف رجل ، يدعون أنهم من أمة جدنا محمد صلى الله عليه وآله ، وينتحلون دين الإسلام .

فيجتمعون : على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي  ذراريك ونسائك ، و انتهاب ثقلك .

فعندها تحل : ببني أمية اللعنة ، تمطر السماء رمادا ودما ، ويبكي عليك كل شيء حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار [75].

 

قال في بحار الأنوار أقول : روي في بعض تأليفات أصحابنا :

 أن الحسن عليه السلام : لما دنت وفاته ، و نفدت أيامه ، و جرى السم في بدنه ، تغير لونه ، و اخضر .

فقال له الحسين عليه السلام : ما لي أرى لونك مائلا إلى الخضرة ؟

فبكى الحسن عليه السلام : و قال : يا أخي ، لقد صح حديث جدي في و فيك ، ثم اعتنقه طويلا و بكيا كثيرا . فسئل عليه السلام : عن ذلك ؟

فقال عليه السلام : أخبرني جدي ، قال صلى الله عليه وآله وسلم :

لما دخلت ليلة المعراج : روضات الجنان ، و مررت على منازل أهل الإيمان ، رأيت قصرين عاليين متجاورين على صفة واحدة ، إلا أن أحدهما من الزبرجد الأخضر ، و الآخر من الياقوت الأحمر .

فقلت : يا جبرائيل لمن هذان القصران ؟

فقال : أحدهما للحسن ، و الآخر للحسين عليهما السلام .

 فقلت : يا جبرائيل فلم لم يكونا على لون واحد ، فسكت ، و لم يرد جوابا . فقلت : لم لا تتكلم . قال : حياء منك . فقلت له : سألتك بالله إلا ما أخبرتني ؟

فقال : أما خضرة قصر الحسن ، فإنه يموت بالسم و يخضر لونه عند موته .

و أما حمرة قصر الحسين : فإنه يقتل ، و يحمر وجهه بالدم .

فعند ذلك بكي ، و ضج الحاضرون بالبكاء و النحيب[76] .

 

 


 

 

الإشعاع الثامن :

مجلس للإمام الحسين عليه السلام أثناء توجهه إلى العراق :

  قام خطيبا فقال : الحمد لله ، و ما شاء الله ، و لا قوة إلا بالله .

خط الموت : على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة ، و ما أولهني إلى أسلافي اشتياق يعقوب إلى يوسف ، و خير لي مصرع أنا لاقيه .

كأني و أوصالي : يتقطعها عسلان الفلوات ، بين النواويس و كربلاء ، فيملأن مني أكراشا جوفا ، و أجربة سغبا ، لا محيص عن يوم خط بالقلم .

رضي الله : رضانا أهل البيت ، نصبر على بلائه ، و يوفينا أجور الصابرين .

 لن تشذ : عن رسول الله لحمته ، و هي مجموعة له في حظيرة القدس ، تقر بهم عينه ، و ينجز بهم وعده .

من كان باذلا فينا مهجته ، و موطنا على لقاء الله نفسه ، فليرحل .

فإني راحل مصبحا  :إن شاء الله [77].

 

 


 

 

 

الإشعاع التاسع :

مجلس زهير بن القين يحكي شهادة الحسين عن سلمان الفارسي :

ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد: حدث جماعة من فزارة و من بجيلة قالوا :

 كن : مع زهير بن القين البجلي حين أقبلنا من مكة .

 فكنا نساير الحسين عليه السلام : فلم يكن شي‏ء أبغض إلينا من أن ننازله في منزل ، فإذا سار الحسين عليه السلام و نزل منزلا لم نجد بدا من أن ننازله .

فنزل الحسين عليه السلام : في جانب ، و نزلنا في جانب ، فبينا نحن جلوس نتغذى من طعام لنا ، إذ أقبل رسول الحسين عليه السلام ، حتى سلم ثم دخل.

 فقال : يا زهير بن القين ، إن أبا عبد الله الحسين بعثني إليك لتأتيه ، فطرح كل إنسان منا ما في يده حتى كأن على رءوسنا الطير .

فقالت له امرأته : سبحان الله أ يبعث إليك ابن رسول الله ، ثم لا تأتيه ، لو أتيته فسمعت من كلامه ثم انصرفت .

فأتاه زهير بن القين : فما لبث أن جاء مستبشرا قد أشرق وجهه ، فأمر بفسطاطه و ثقله و رحله و متاعه فقوض ، و حمل إلى الحسين عليه السلام .

 ثم قال لامرأته : أنت طالق الحقي بأهلك ، فإني لا أحب أن يصيبك بسببي إلا خير .ثم قال لأصحابه : من أحب منكم أن يتبعني ، و إلا فهو آخر العهد ، إني سأحدثكم حديثا .

إنا غزونا البحر : ففتح الله علينا و أصبنا غنائم .

فقال لنا سلمان الفارسي رضي الله عنه : أ فرحتم بما فتح الله عليكم و أصبتم من الغنائم ؟ قلنا : نعم .

فقال : إذا أدركتم شباب آل محمد ، فكونوا أشد فرحا بقتالكم معهم ، مما أصبتم اليوم من الغنائم .

 فأما أن : فاستودعكم الله.

 قالوا : ثم و الله ، ما زال في القوم مع الحسين حتى قتل رحمة الله عليه[78] .

 

 

 


 

 

الإشعاع العاشر :

مجالس الإمام الحسين لنفسه في مسيره إلى كربلاء قبل الشهادة :

وفي حديث الإمام الحسين عليه السلام مع الحر :

فتياسر : عن طريق العذيب و القادسية ، و سار الحسين عليه السلام ، و سار الحر في أصحابه يسايره ، و يقول :

يا حسين : إني أذكرك الله في نفسك ، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن .

فقال له الحسين عليه السلام :

أ فبالموت تخوفني ، و هل يعدو بكم الخطب أن يقتلوني .

و سأقول كما قال : أخو الأوس لابن عمه ، و هو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخوفه ابن عمه ، و قال : أين تذهب ، فإنك مقتول . فقال‏ :

سَأَمْضِي فَمَا بِالْمَوْت ِ عَارٌ عَلَى  الْفَتَى  ‍    إِذَا مَا نَوَى خَيْراً وَ جَاهَدَ مُسْلِماً

وَ وَاسَى  الرِّجَالَ  الصَّالِحِينَ    بِنَفْسِهِ    ‍  وَ فَارَقَ مَذْمُوماً وَ خَالَف َ مُجْرِماً

أُقَدِّمُ   نَفْسِي    لا   أُرِيدُ      بَقَاءَهَاِ  ‍    نَلْقَى خَمِيسا ً فِي الْهِيَاجِ  عَرَمْرَماً

فَإِنْ عِشْتُ لَمْ أُذْمَمْ وَ إِنْ مِتُّ لَمْ أُلَمْ  ‍    كَفَى بِكَ ذُلًّا أ َنْ  تَعِيشَ  فَتُرْغَمَا

 

فلما سمع ذلك الحر : تنحى عنه فكان يسير بأصحابه ناحية ، و الحسين عليه السلام في ناحية أخرى ، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات .

ثم مضى عليه السلام : حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل فنزل به ، و لما كان في آخر الليل أمر بالاستقاء من الماء ، ثم أمرنا بالرحيل فانتحل من قصر بني مقاتل .

فقال عقبة بن سمعان : فسرنا معه ساعة فخفق عليه السلام و هو على ظهر فرسه خفقة ، ثم انتبه ، و هو يقول :

 إنا لله و إنا إليه راجعون ، و الحمد لله رب العالمين ، ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا .

فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين فقال : مم حمدت الله و استرجعت ؟

فقال : يا بني إني خفقت خفقة ، فعن لي فارس على فرس ، و هو يقول :

القوم يسيرون ، و المنايا تسير إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا .

فقال له ابنه : يا أبة لا أراك الله سوءا ، أ لسنا على الحق ؟

قال : بلى ، و الذي إليه المرجع و المعاد .

قال : فإذا لا نبالي أن نموت محقين .

فقال له الحسين عليه السلام: جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والد [79].

 

وقال في بحار الأنوار : قَدْ رُوِيَ بِأَسَانِيدَ : أَنَّهُ لَمَّا مَنَعَهُ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَنَفِيَّةِ عَنِ الْخُرُوجِ إِلَى الْكُوفَةِ .  قَالَ عليه السلام : وَ اللَّهِ يَا أَخِي :

 لَوْ كُنْتُ فِي جُحْرِ هَامَّةٍ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ لَاسْتَخْرَجُونِي مِنْهُ حَتَّى يَقْتُلُونِّي[80] .

 

و وفي المناقب : كتب إليه عبد الله بن جعفر من المدينة في ذلك :

 فأجابه عليه السلام : إني قد رأيت جدي رسول الله في منامي .

فخبرني بأمر ، و أنا ماض له .

فلما نزل الحسين بالخزيمية قالت زينب :

 يا أخي سمعت في ليلتي هاتفا يهتف :

أَلَا يَا عَيْنُ فَاحْتَفِلِي  بِجَهْدٍ      وَ مَنْ يَبْكِي عَلَى الشُّهَدَاءِ بَعْدِي‏

عَلَى  قَوْمٍ  تَسُوقُهُمُ الْمَنَايَا      بِمِقْدَارٍ      إِلَى     إِنْجَازِ     وَعْدٍ

فقال لها الحسين عليه السلام :يا أختاه كل الذي قضي فهو كائن .

فلما نزل شقوق : أتاه رجل فسأله عن العراق فأخبره بحاله ، فقال : إن الأمر لله ، يفعل ما يشاء ، و ربنا تبارك كل يوم هو في شأن ، فإن نزل القضاء فالحمد لله على نعمائه و هو المستعان على أداء الشكر ، و إن حال القضاء دون الرجاء فلم يبعد من الحق نفيه ، ثم أنشد :

فَإِنْ   تَكُنِ   الدُّنْيَا   تُعَد ُّ   نَفِيسَةً      فَدَارُ   ثَوَابِ  اللَّهِ  أَعْلَى  وَ  أَنْبَلُ‏

وَ إِنْ تَكُنِ الْأَبْدَانُ لِلْمَوْت ِ أُنْشِئَتْ      فَقَتْلُ امْرِئٍ بِالسَّيْفِ فِي اللَّهِ  أَفْضَلُ

وَ إِنْ  تَكُنِ الْأَرْزَاقُ   قِسْماً مُقَدَّراً      فَقِلَّةُ حِرْصِ الْمَرْءِ  فِي  الرِّزْقِ  أَجْمَلُ

وَ إِنْ  تَكُنِ  الْأَمْوَالُ  لِلتَّرْكِ جَمْعُهَا      فَمَا  بَالُ  مَتْرُوكٍ  بِهِ  الْحُرُّ   يَبْخَل

 

فساقوا إلى كربلاء :يوم الخميس ، الثاني من المحرم ، سنة إحدى و ستين ، ثم نزل  ، و قال عليه السلام :

هذا موضع الكرب و البلاء .

هذا مناخ ركابنا .

و محط رحالنا .

و مقتل رجالنا .

و سفك دمائن [81].

أو كما في تأريخ دمشق : بالإسناد عن محمد بن حسن ، قال : لما نزل عمر بن سعد بحسين وأيقن أنهم قاتلوه ،  قام في أصحابه خطيبا :

 فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال:

قد نزل بنا ما ترون من الأمر : وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت وأدبر معروفها .

 واستمرت : حتى لم يبق منها إلا صبابة كصبابة الإناء ، وإلا وخسيس عيش  كالمرعى الوبيل .

ألا ترون الحق لا يعمل به ، والباطل لا يتناهى عنه ، ليرغب المؤمن في لقاء الله .

وإني لا أرى الموت إلا سعادة ، والحياة مع الظالمين إلا برم[82] .

ويا طيب : ستأتي مجالس للإمام الحسين عليه السلام وجده في المدينة يأمره بالرحيل منها ويقول له : يا حبيبي يا حسين : إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي ، وهم مشتاقون إليك ، وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة . 

وكذلك أم سلمة رحمها الله : تعقد له مجلسا مفصلا وتبكيه قبل رحيله ، وكذا له مجالس مع أهل بيته عليهم السلام ومع بن عباس وغيره ، لم نذكرها لأنها مذكورة في هذا الجزء وما ذكرنا به تذكرة تكفي من ذكر مجالس الإمام لنفسه .

وكذلك يا طيب : ستأتي مجالس للحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء ويومه ، يتكلم فيها عن شهادته وعلمه بها ، فيتأسى به صحبه ،ويصبروا ويُصبر نفسه ويقدموها في سبيل الدين والعقيدة ، فيحيوا أمر الله ودينه بشهادته ، ويعرف الناس محل هدى الله وصراطه المستقيم عنده وعند آله الكرام وذريته الطيبة من بعده ، ويعرف أن من نحاه وقتله وأعد العدة للحكام الظالمين  كلهم في ضلال وأنهم أئمة جور ونفاق .

وقبل أن نختم هذا المصباح : نذكر نورا متعلق بمعنى ذكر شهادة الحسين في الأمم السابقة بل في السماء والجنة ، وهو ما يختص بفضل أرض كربلاء المعدة له ، ومختصرا في معنى الابتلاء .

 

 

 



 

[49] كامل الزيارات ص 72 عنه في بحار الأنوار ج40ب31ص262ح17. 

[50] كامل الزيارات ب 36 تحت الرقم 1 عنه في بحار الأنوار ج40ب34ص280ح10.

[51] بحار الأنوار ج40ب31ص266ح23. ذكر محقق البحار البهبودي : أيوب الأعور السلمي : هو عمرو بن سفيان بن عبد شمس ينتهي نسبه إلى ثعلبة بن بهثة بن سليم ، وهو مشهور بكنيته وهي أبو الأعور ، ولم نر في أصحاب التراجم من كناه بأبي أيوب ، كان مع معاوية وكان من أشد من عنده على علي عليه السلام ، وكان عليه السلام يذكره في القنوت في صلاة الغداة ويدعو عليه ، وهو الذي كان على المشارع يوم صفين حين منعوا الماء عن عسكر على عليه السلام ، والمشهور أن الذي طردهم عن المشرعة الأشتر في اثني عشر ألفا من أهل العراق . يا طيب : يذكر أنه في نوبتين وقع استيلاء معاوية على الماء وقطعه عن جيش الإمام علي والإمام يستعيده ، فلعله كان الاستيلاء من جيش معاوية مرة بتوسط أبي أيوب واسترده الإمام الحسين عليه السلام ، ومرة بتوسط أبو الأعور السلمي واسترد الشريعة منه مالك الأشتر رحمه الله ، أو الاثنان من أبو الأعور وأحدها ردها الحسين.

[52] بحار الأنوار ج40ب31ص261ح15 عن كامل الزيارات ص 71 وفيه عن أبي داود السبيعي .

[53] بحار الأنوار ج40ب31ص266ح25.الديوان‏ الإمام ‏علي عليه السلام ص52نصيحة للإمام حسين عليه السلام .

[54] أمالي الصدوق المجلس 87 ح 5 عنه بحار الأنوار ج40ب31ص252ح2 وفي ص255ح3 عن كمال الدين ج 2 ص 214 217 ب 51 ح 4 .

بيان : الصيران : جمع صوار كغراب وكتاب ومن معانيها وعاء المسك ، كأنه أراد تشبيه البعر بنافجة المسك لطيبها ، ويحتمل أن يكون جمع صور بالفتح وأراد به الحشيش الملتف النابت في تلك الأرض  ، المضغة : قطعة لحم ، وقلب الإنسان مضغة من جسده . 

قوله عليه السلام : ولا كُذبت : على بناء المجهول ، من قولهم كذب الرجل أي أخبر بالكذب أي ما أخبرني رسول الله بكذب قط . قوله : أثر عين : أي من الأعيان الموجودة في الخارج ، والنحيل : الهزيل .

[55] أمالي الصدوق : المجلس 28 ، الرقم : 6 . وترى مثله في شرح النهج لابن أبى الحديد ج 1 ص 350 و 351 نقلا عن كتاب صفين لنصر بن مزاحم . بيان في البحار : قال الجوهري : إذا تعجبت من طيب الشيء قلت : واها له ما أطيبه . وقال المحمودي أقول : لعل المراد أن مع سماع الواعية وترك النصرة العذاب أشد ، وإلا فالظاهر وجوب نصرتهم على أي حال[55].

[56] قرب الإسناد ص 20 عنه في بحار الأنوار ج40ب31ص258ح8 .

[57] كامل ‏الزيارات ص269ب88ح685/12 .

[58] تهذيب ‏الأحكام ج6ص72ب22ح7 . عنه في وسائل‏الشيعة ج14ص516ب68 .بحار الأنوار ج98ص116ب15 . كامل الزيارات ص453ح686/13 .

[59] كشف ‏الغمة ج2ص12ب5.

[60] وقعة صفين  ص142 طريق الجيش إلى صفين .

[61] بحار الأنوار ج44ب31ص262ح16.كامل ‏الزيارات ص72ب23ح3.

[62] الإرشاد : ص 156 ، الاحتجاج : ص 132 واللفظ له . بيان : استنفره أي أستخفه وأزعجه . . الخرائج والجرائح ج3ص 159 .بحار الأنوار ج40ب31ص258ح7. أمالي الصدوق م 28 ح1.

[63] بحار الأنوار ج10ص126ب8ح5 .

[64] لسان ‏العرب ج11ص332 .

[65]  ابن الأثير في النهاية : 350/2

[66] كشف الغمة : ج 2 ص 178 ، إرشاد المفيد : ص 235 عنهما في بحار الأنوار ج40ب31ص262ح19 .

[67] إرشاد المفيد : ص 235 ، كشف الغمة : ج 2 ص 178 .   بحار الأنوار ج40ب31ص263ح20 .

[68] بصائر الدرجات ص 85 . بحار الأنوار ج40ب31ص259ح11.

ضبطه في الإصابة : حبيب بن حمار بدل حبيب بن جماز . وفي الإرشاد مثله وزاد في آخره : وسار بها حتى دخل المسجد من  باب الفيل . الإرشاد : ص 155.

ومثله : في الاختصاص : ص 280 ، إعلام الورى : ص 177 ، وشرح النهج لابن أبى الحديد ج1ص253 .

[69] الفضائل ص113 .

[70]  الفضائل ص142 . بحار الأنوار ج28ص74ح32 .

[71] إعلام‏ الورى ص33 .

[72] أمالي الصدوق المجلس 27 تحت الرقم 3 ، بحار الأنوار ج40ب34ص287ح27.

[73] كامل الزيارات ص74 ، بحار الأنوار ج40ب40ص219ح48.

[74] الإرشاد : ص 156 عنه في بحار الأنوار ج40ب31ص262ح18.

[75] أمالي الصدوق المجلس 24 ح 3 ص116 ، المناقب ج4ص86 ، بحار الأنوار ج40ب40ص218ح44.

[76] بحار الأنوار ج44ص145ب22ح13 .

[77] مثير الأحزان ص42 .  اللهوف ص61 . بحار الأنوار ج44ص367 . يا طيب : سيأتي تعريف للأماكن التي يمر بها الإمام في مسيره إلى كربلاء ، والظاهر المراد بالنواويس ، نينوى ، وعبر بالنواويس إمام لسجع الكلام ، أو لتهوين الموت وعدم المبالاة به وسيأتي بيان وشرح...

[78] الإرشاد ج2ص72 .روضة الواعظين ج1ص177 . مثير الأحزان ص47 .

[79] روضة الواعظين ج1ص180 ، إعلام‏ الورى233ف4.

[80] بحار الأنوار ج45ص99 .

[81]  المناقب ج4ص95 .

[82] تاريخ دمشق ج14ص217 . تاريخ الطبري ج4ص305 .حلية الأولياء ج2ص39 . توضيح الصبابة : بالضم البقية من الماء في الإناء ، و الوبلة : بالتحريك الثقل و الوخامة ، و قد وبل المرتع بالضم وبلا وبالا فهو وبيل أي وخيم ذكره الجوهري . و البرم : بالتحريك السأمة و الملال .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com