بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام ..

سفينة نجاة

الإمام الحسين عليه السلام

مسير نهضة وثورة الإمام الحسين  على الطغاة
حتى ليلة العاشر من المحرم في كربلاء

 

وفيها مجالس ذكر : تعرفنا رفض الإمام الحسين عليه السلام البيعة ليزيد
 وخروجه من المدينة إلى مكة ، وأخبار شهادة مسلم بن عقيل ،
ثم أخبار  مسيره إلى كربلاء حتى ليلة العاشر من محرم في كربلاء ،
 ليلة المصيبة العظمة على آل محمد عليهم السلام وعلى جميع المؤمنين حقا .

المجلس الأول

ذكر نهضة الإمام الحسين في المدينة

ورفضه البيعة لطاغية زمانه

 حتى دخوله مكة المكرمة ، وشهادة مسلم بن عقيل

 

التذكرة الأولى :

 إنا الله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله :

بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ :

الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمِينَ : وَصَلّى الله عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ نَبِيّهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ تَسليماً .

 اللّهُمَّ لَكَ الحَمدُ : عَلى ما جَرى بِهِ قَضاؤُكَ فِي أَوْلِيائِكَ الَّذينَ اسْتَخْلَصْتَهُمْ لِنَفْسِكَ وَدِينِكَ .

إِذْ اخْتَرْتَ لَهُمْ: جَزِيلَ ما عِنْدَكَ مِنَ النَّعيمِ المُقيمِ الَّذِي لا زَوالَ لَهُ وَلا اضْمِحْلالَ.

بَعْدَ أَنْ شَرَطْتَ عَلَيْهِمُ : الزُّهْدَ فِي دَرَجاتِ هذِهِ الدُّنيا الدَّنِيَّةِ وَزُخْرُفِها وَزِبْرجِها
فَشَرَطُوا لَكَ ذلِكَ

وَعَلِمْتَ مِنْهُمُ : الوَفاءَ بِهِ ، فَقَبِلْتَهُمْ وَقَرَّبْتَهُمْ وَقَدَّمْتَ لَهُمُ الذِّكْرَ العَلِيَّ وَالثَّناءَ الجَلِيَّ

 وَأَهْبَطْتَ عَلَيْهِمْ مَلائِكَتَكَ ، وَكَرَّمْتَهُم بِوَحْيِكَ ، وَرَفَدْتَهُمْ بِعِلْمِكَ .

وَجَعَلْتَهُمُ الذَّرِيعَةَ إِلَيْكَ ، وَالوَسِيلَةَ إِلى رِضْوانِكَ ...

قال الله سبحانه وتعالى :{ وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبيلِ اللّهِ أَمْوَاتٌ

بَلْ أَحْيَاء وَلَكِن لاَّ تَشْعُرُونَ (154)

وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ  الْخَوفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ

وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم  مُّصِيبَةٌ قَالُواْ

إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ (156)

    أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ  الْمُهْتَدُونَ (157)} البقرة.

فصلاة الله وسلامه ورحمته وبركاته : على محمد وآله الطيبين الطاهرين ، أولياء الهدى وأئمة الصدق وسادة الحق ، الذين كرمهم الله بالشهادة ورزقهم وشيعتهم السعادة ، وعرف العباد بهم العبادة ، وكل ما يوصل لرضاه وكرامته ولهم منه الزيادة ، بعد أن ابتلاهم بكلمات تامات ، فأتموا ظهور حقائقها بما يحب ويرضى سبحانه علما وعملا وسلوكا في كل أدوار الحياة، فكانوا الصراط المستقيم إلى كل نعيم في الدنيا وبعد الممات.

وأبتلى الله سبحانه العباد بهم : فمن عرفهم وسلك سبيلهم ونصرهم بكل وجوده علما وعملا وعبادة ، كان معهم ، وفاز بالحسنى ، ومن تبع أعدائهم والأئمة الطغاة على الحق ، والحكام الضالين عن الهدى والرشد وأوليائهم خسر الدنيا والآخرة ، فيكون تعبه نصبا ونصرا للباطل والضلال ، وعمله هباء منثورا وفي انحلال ، لأن الله عرف الحق وأهله والرشد ومحله ، ونوره وسادته الواجب طاعتهم ، ولله الحجة البالغة في اختبار عباده وتمت على الكل، وعرفها من يبحث عن الحق وأهله ويتبعه وحتى مقلد أهل الباطل وناصرهم.

ولذا قال سبحانه وتعالى في بيان اختباره لعباده :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)

وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ

 فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُو وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ (3)

 أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَن يَسْبِقُونَا سَاء مَا يَحْكُمُونَ (4)

 مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (5)

وَمَن جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ (6) } العنكبوت .

وقال سبحانه وتعالى :

{ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)

 إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ  فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ

وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ

 وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء

 وَاللّهُ لاَ  يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (140)

وَلِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ (141)

 أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ  الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ (142) } آل عمران .

فسُنة الله سبحانه الاختبار : ويداول الأيام بين الناس ليظهر حقائقهم ، وإن الله بعد نبيه أجرى سنته ، وليمحص المؤمنين ليظهر حقائقهم ويميزهم عمن يتبع أهل الباطل ، فتبين حقائق المخلصين الثابتين على الحق ولم يغتر بكثرة من يدعي الإيمان بدونه.

فأراهم سبحانه : إن من المنتحلين للدين والظالمين والطغاة ومن يتبع المكر والحيلة والخداع يمكن أن يستلم الحكم ويسيطر على زمام أمور المسلمين ، ويدعي خلافة رسول الله ، حتى وصل الأمر لأعدا أعداء الله وأصل الكفر والنفاق معاوية وأبنه وأمثالهم ، و باسم الإسلام حاربوا سادة الحق وأئمة الهدى وقتلوهم وعملوا ما لم يعمله أظلم الظالمين.

فكانت شهادة سيد شباب أهل الجنة : على يد ممن يدعي الإسلام ، وممن خدع المسلمين عن دينهم حتى حسبوا أنهم يتقربون لله بدم الحسين ، والله عرفهم أنه يختبرهم ويبتليهم ، لتظهر حقائقهم ويعتبر المسلمون والمؤمنون بما تصل إليه الأمور ، وليحتاط المؤمن لدينه ويكون مع الحق أبدا ، ويبحث عن الهدى الواقعي دائما ، ولا يتبع كل متسلط جبار طاغي ، فإن مصيرهم إلى النار هو وأتباعه مهما كانوا .

ولذا لما جاء دور الإمام الحسين عليه السلام: في استلام قيادة المسلمين وسيادتهم بعد أخيه الأكبر الذي خُذل من قبل كأبيه ولم ينصرا ، ولكنه عليه السلام لما عرف أنه الحق قد استبان وظهر بعد ما أجرى معاوية من الظلم والضلال وقتل المؤمنين ونفي أهل الحق، حتى أنه كل من تقاعس عن نصر أبيه وأخيه كاتبه يطلب الظهور بالحق ، والتحلي بكل الدين والهدى الصادق، فقام بواجبه وهو يعلم أنهم لكاذبون ، ولكن الله أبتلاه فأتم كلمات الله، وأما المسلمون فمن نصره كان معه في أعلى عليين، ومن خذله وتابع أئمة الكفر خسر الدنيا والآخرة ، وقد عمل عليه السلام بما قال الله سبحانه :

{ لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ

وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ

 فَضَّلَ اللّهُ  الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ

عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى

وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى  الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً (95) دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (96) } النساء .

لأن الإمام الحسين عليه السلام : هو الإمام الواجب الطاعة ويعرفه كل المسلمون ، بأنه ريحانه رسول الله وسيد شباب أهل الجنة وسبطه الواجب الطاعة بعد أخيه وأبيه ، وإن الله عرف كل عباده أنه في كل الأحوال وفي جميع أيام الزمان أنه هناك لبني آدم أئمة حق وأئمة باطل كما في قوله تعالى :

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ  الطَّيِّبَاتِ

وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)

 يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ  كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

 وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي  الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء

فكان هناك إمام الحق وسيد الشهداء وأهل الجنة : جاهد وقاتل من قاتلهم جده رسول الله سيد الأنبياء والمرسلين ، وأبيه سيد الوصيين أمير المؤمنين ، وأخيه الحسن سيد شباب ، وهناك كان حاكم جور وبفسق لم يرعى القربى والإل من النبي فضلا عن الذمام الواجب عليهم في رعاية حق كل مسلم فضلا عن آل محمد ، ولكنهم نقضوا من قبل وطالبوا بكل وقاحة بشرعية تطبيق الباطل وتوريث الفسق والفجور والظلال والظهور به فرفض الإمام الحسين عليه السلام وقام بواجبه في مقاتلة أئمة الكفر كما قال سبحانه:

{ لاَ يَرْقُبُونَ فِي مُؤْمِنٍ إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُعْتَدُونَ (10)

فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ

فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (11)

وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ

فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ

 إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ  يَنتَهُونَ (12)

أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ  وَهُم بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ 

أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ (13) } التوبة .

وهكذا نرى إمام الباطل من بني أمية وطاغيتهم : الذي تسلط بالظلم والعدوان يصر على الإثم والعدوان والظهور بالفساد والطغيان ، ويطالب أمام الحق بالبيعة له وإقرار على فسقه وفجوره ، فرفض وقاتلهم يرجوا فضل الله حتى الشهادة ، وقد كرمه الله سبحانه بما عرفت من الفضائل والمناقب ، وهم أهل التقى والعلم والظهور بحقائق الدين بكل وجودهم ، بلوا وامتحنوا بشر الناس ، فكانت حكمة الله مقضيه وله الأمر من قبل ومن بعد ، وإن لله وإنا إليه راجعون ، وقد جاء الحديث في بيان الطرفين :

عن ابْنُ مَحْبُوبٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ قَالَ : سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَقُولُ :

ثَلَاثٌ هُنَّ فَخْرُ الْمُؤْمِنِ وَ زَيْنُهُ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ :

 الصَّلَاةُ فِي آخِرِ اللَّيْلِ ، وَ يَأْسُهُ مِمَّا فِي أَيْدِي النَّاسِ ، وَ وَلَايَتُهُ الإمام مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ عليهم السلام .

قَالَ عليه السلام : وَ ثَلَاثَةٌ هُمْ شِرَارُ الْخَلْقِ ابْتُلِيَ بِهِمْ خِيَارُ الْخَلْقِ :

 أَبُو سُفْيَانَ أَحَدُهُمْ قَاتَلَ رَسُولَ اللَّهِ وَ عَادَاهُ .

 وَ مُعَاوِيَةُ قَاتَلَ عَلِيّاً وَ عَادَاهُ .

وَ يَزِيدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ لَعَنَهُ اللَّهُ قَاتَلَ الْحُسَيْنَ بْنَ عَلِيٍّ وَ عَادَاهُ حَتَّى قَتَلَهُ[1] .

ويا طيب : قد عرفت بكل تفصيل في مصباح الهدى أسباب وشؤون وآثار ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وإن الله سبحانه أبتلى به المؤمنون وأظهر صدقهم ، وعرفه لكل المسلمين في مجالس ذكره التي يشرق نورها لكل العباد، وتُعرف حقه وسيادته إلى يوم الدين ، وتريهم ما حل بالمسلمين من الفتن حتى حارب أهل الدنيا والمنافقين ، ومن لم تهمه دماء المسلمين وحقوقهم، وهم حكام الضلال والطغاة وأئمة الكفر ومعهم أتباعهم وأوليائهم، وبكل ما أتوا من قوة وفكر ماكر وخداع ضال وادعاء باطل بخلافتهم للنبي ، فحاربوا أئمة الحق ولاة أمر الله وآل النبي الكرام الطيبين الطاهرين و عترته الذين أختارهم الله وأمر بودهم و ومحبتهم وطاعتهم والكون على صراطهم المستقيم ، ولله في خلقه شؤون يختبر عباده ، ولمعرفة وقائع ما حل بالحسين عليه السلام نتابع بعد التذكرة .

 

 

 

 

 


 

 

التذكرة الثانية:

 أهم مصادر روايات نهضة الإمام الحسين عليه السلام :

يا طيب : إن ثورة الإمام الحسين عليه السلام ونهضته كتب فيها كثير من المؤرخون وأهل السير ، وإن رواتها كانوا معاصرين للإمام الحسين عليه السلام ، بل ممن شارك في حربه ، سواء تاب أو بقي على ضلاله نادما أو غير نادم ولا متأثم ، ولكنه جمعها كل من كتب في تأريخ الإسلام وشرح شيء منها حسب حبه الآل محمد صلى الله عليهم أو تبريره لفعل الطغاة وعدم فهمه لضرورة تنحي الظالم مهما كان مقامه وأنه يجب عليه الإقرار لإمام الحق ، وإن خير من جمعها في كتابه الكبير العلامة المجلسي رحمه الله وكثرت وراياتنا عنه ، وقد أخذنا منه ومما توفر لدينا من مصادر في القرص المضغوط كنور الأحاديث  وجامع التفاسير والمعجم الفقهي والعقائدي والمكتبة الشاملة ، وما تيسر لدينا من المصادر كالإرشاد والمناقب وأعلام الورى الخرائج واللهوف ومثير الأحزان وتأريخ الطبري وغيرها .

وقال العلامة  المجلسي رحمه الله في بحار الأنوار في الجزء المتعلق بالإمام الحسين عليه السلام قال : أقول : بدأت أولا في إيراد تلك القصص الهائلة بإيراد رواية أوردها  الصدوق رحمه الله ، ثم جمعت في إيراد تمام القصة بين رواية المفيد رحمه الله في الإرشاد ، ورواية السيد ابن طاووس رحمه الله في كتاب الملهوف . ورواية الشيخ جعفر ابن محمد بن نما في كتاب مثير الأحزان . ورواية أبي الفرج الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين .

 ورواية السيد العالم : محمد بن أبي طالب بن أحمد الحسيني الحائري من كتاب كبير جمعه في مقتله عليه السلام ، ورواية صاحب الكتاب ومؤلفه إمام من الإمامية أو من الزيدية ، وعندي منه نسخة قديمة مصححة .

ورواية المسعودي في كتاب مروج الذهب وهو من علمائنا الإمامة . ورواية ابن شهر آشوب في المناقب ، ورواية  صاحب كشف الغمة ، وغير ذلك مما قد نصرح باسم من ننقل عنه ، ثم نختم الباب بإيراد الأخبار المتفرقة [2].

هذا ما كان ذكره المجلسي رحمه الله ، وأما سند الصدوق : لرواية المقتل إلى الإمام علي بن الحسين السجاد عليه السلام :

قال الشيخ الصدوق في كتاب الأمالي : عن محمد بن عمر البغدادي ، الحافظ ، عن الحسن بن عثمان بن زياد  التستري من كتابه ، عن إبراهيم بن عبيد الله بن موسى بن يونس ابن أبي إسحاق السبيعي قاضي بلخ ، قال : حدثتني مريسة بنت موسى بن يونس ابن أبي إسحاق وكانت عمتي ، قالت : حدثتني صفية بنت يونس بن أبي إسحاق الهمدانية وكانت عمتي ، قالت : حدثتني بهجة بنت الحارث بن عبد الله التغلبي :

 عن خالها عبد الله بن منصور ـ وكان رضيعا لبعض ولد زيد بن علي ـ قال :

 سألت جعفر بن محمد بن علي ابن الحسين فقلت : حدثني عن مقتل ابن رسول الله صلى الله عليه وآله فقال :حدثني أبي عن أبيه عليهما السلام قال :

يا طيب : إن للصدوق ولما ذكرنا من روايات لنهضة الإمام الحسين أسانيد كثيرة ، فتابعها في المصادر التي تذكر عنه في الحاشية .

 ويا طيب : لما كان المقتل الموجود في البحار شامل وينقل كل حديث جامعا لعدة وقائع، لم ننقلها الأحاديث كله في موضوع واحد كما في المصادر والبحار ، فقد قسمت الأحاديث وجمعت وقائعها وأضفت لها عناوين مناسبة ، ولتكون فاصلة فيما بين مواضيعها ، ولتلفت القارئ الكريم لمحتوياتها ، وليسهل التدبر فيها وفهم معانيها ، وعلى هذا تكون العناوين منتزعة من موضوعها ، فليس هي من نص الروايات الموجود في بحار الأنوار ولا من عناوين التي أضافها أو جعلها في أول كل فصل وباب ، بل هي عناوين مضافة لترتيب وتقسم جديد، وأسأل الله أن يجعلنا مع الحسين وصحبه وآله صلاة الله عليهم وسلم في الدنيا والآخرة أبدا ، ولعن الله أعداهم وقاتليهم والراضين بذلك  وأصلاهم ناره خالدين فيها دائما أبدا ، ورحم الله من قال أمين يا رب العالمين :

 


 

 

 

 

 

 

 

الذكر الأول

رفض الإمام الحسين البيعة لطاغية زمانه والخروج من المدينة

الإشراق الأول :

أحوال الإمام الحسين في زمان طغاة زمانه وخوفهم منه :

يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام لما أستلم الإمامة وصار سيد المسلمين ، كان يعرف إن الناس الذين خذلوا أبيه سيد الأوصياء وأخيه سبط رسول الله سيد شباب أهل الجنة الحسن بن علي عليهم السلام ، لا يمكن أن يفوا له ولا حتى أنهم ولو باحتمال بسيط يقدرون على نصره وهذا العاتية الطاغية متسلط ، لأنه قد أشترى ذمم المسلمين بالأموال وخدع كبارهم تخويفا وتطميعا ، ولم يكن الزمان زمان نهضة تؤثر أثرها الواسع كما وعده الله ورسوله في أيام موعودة في كربلاء ، ولذا لما كتب له المسلمون لم يجبهم ، وعرفت في جمعه في منى للمؤمنين من الصحابة والتابعين قبل موت معاوية بسنة ، أنه قد بلغ سيادته وإمامته وولايته ، وأعد كثير من المؤمنين لتعريف الحق وتبليغه ، ونشر هداه ليقيم الحجة على كل العباد ، ولذا كان يتصورون أنه في زمان معاوية يريد أن ينهض بهم لمقاومة الظلم والضلال ، ولذا :

قال اليعقوبي في تأريخه : ولما توفي الحسن عليه السلام وبلغ الشيعة ذلك اجتمعوا بالكوفة في دار سليمان بن صرد ، وفيهم بنو جعدة بن هبيرة ، فكتبوا إلى الحسين بن علي يعزونه على مصابه بالحسن :

بسم الله الرحمن الرحيم : للحسين بن علي ، من شيعة وشيعة أبيه أمير المؤمنين ، سلام عليك : فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو .

أما بعد : فقد بلغنا وفاة الحسن بن علي ـ سلام الله عليه : يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا ، غفر الله ذنبه وتقبل حسناته ، وألحقه بنبيه ، وضاعف لك الأجر في المصاب به ، وجبر بك المصيبة من بعده ، فعند الله نحتسبه ، وإنا لله وإنا إليه راجعون ، ما أعظم ما أصيب به هذه الأمة عامة ، وأنت وهذه الشيعة خاصة ، بهلاك ابن الوصي وابن بنت النبي ، علم الهدى ، ونور البلاد ، المرجو : لإقامة الدين وإعادة الدين وإعادة سير الصالحين ، فاصبر رحمك الله على ما أصابك ، إن ذلك لمن عزم الأمور .

فإن فيك : خلفا ممن كان قبلك ، وإن الله يؤتي رشده من يهدى بهديك ، ونحن شيعتك المصابة بمصيبتك ، المحزونة بحزنك ، المسرورة بسرورك ، السائرة بسيرتك ، المنتظرة لأمرك ، شرح الله صدرك ، ورفع ذكرك ، وأعظم أجرك ، وغفر ذنبك ، ورد عليك حقك .

وقال :

وبايع معاوية لابنه يزيد بولاية العهد ، بعد وفاة الحسن بن علي ، ولم يتخلف عن البيعة إلا أربعة نفر : الحسين بن علي ، وعبد الله بن عمر ، و عبد الرحمن بن أبي بكر ، وعبد الله بن الزبير .

 وقال عبد الله بن عمر : نبايع من يلعب بالقرود والكلاب ، ويشرب الخمر ، ويظهر الفسوق ! ما حجتنا عند الله !

وقال عبد الله بن الزبير: لا طاعة لمخلوق في معصية خالق ، وقد أفسد علينا ديننا.

وحج معاوية تلك السنة ـ أي في حجته الثانية في سنة 50هـ أي بعد وفاة الإمام الحسن عليه السلام ـ ، فتألف القوم ، ولم يكرههم على البيعة[3] .

ويا طيب: بهذا وحتى هلاكه أخذ عشر سنوات يوطد ملكه وخلافة يزيد بعده.

وقال الشيخ المفيد في الإرشاد :  روى الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة قالوا : لما مات الحسن عليه السلام : تحركت الشيعة بالعراق ، وكتبوا إلى الحسين عليه السلام في خلع معاوية والبيعة له .

 فامتنع عليهم ، وذكر : أن بينه وبين معاوية عهدا وعقدا لا يجوز له نقضه ، حتى تمضي المدة ، فإذا مات معاوية نظر في ذلك [4]

ويا طيب : عرفت إن الإمام الحسين وإن رفض القيام في زمن معاوية ، لكنه عليه السلام كان يعرف الناس شأنه الكريم كما عرفت في خطبته في منى وغيرها ، ولذا كان معاوية شديد الحذر منه ، ولهذا لما أحس بقرب هلاكه كتب وصيته ليزيد :

قال الصدوق في أماليه :

لما حضرت معاوية الوفاة دعا ابنه يزيد لعنه الله فأجلسه بين يديه فقال له :

يا بني : إني قد ذللت لك الرقاب الصعاب ، ووطدت لك البلاد ، وجعلت الملك وما فيه لك طعمة ، وأني أخشى عليك من ثلاثة نفر يخالفون عليك بجهدهم وهم : عبد الله بن عمر بن الخطاب ، وعبد الله بن الزبير ، والحسين بن علي . 

فأما عبد الله بن عمر : فهو معك فالزمه ولا تدعه .

 وأما عبد الله بن الزبير : فقطعه إن ظفرت به إرباً إربا ، فإنه يجثو لك كما يجثو الأسد لفريسته ، ويواربك مؤاربة الثعلب للكلب  ـ دهاء ومخاتلة مكرا وخديعة ـ.

وأما الحسين : فقد عرفت حظه من رسول الله وهو من لحم رسول الله ودمه ، وقد علمت لا محالة أن أهل العراق سيخرجونه إليهم ثم يخذلونه ويضيعونه ، فان ظفرت به فاعرف حقه ومنزلته من رسول الله ، ولا تؤاخذه بفعله ، ومع ذلك فإن لنا به خلطة ورحما وإياك أن تناله بسوء أو يرى منك مكروها .[5]

وذكر المحقق العلامة محمد الباقر البهبودي في هامش البحار : قال ابن الجوزي في التذكرة [6]:  وكان معاوية قد قال ليزيد لما أوصاه :

أني قد كفيتك الحل والترحال ، وطأت لك البلاد والرجال ، وأخضعت لك أعناق العرب ، وان لا أتخوف عليك أن ينازعك هذا الأمر الذي أسست لك إلا أربعة نفر من قريش : الحسين ابن على ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الرحمان بن أبى بكر . 

فأما ابن عمر : فرجل قد وقذته العبادة ، وإذا لم يبق أحد غيره بايعك .

 وأما الحسين : فان أهل العراق لن يدعوه حتى يخرجوه ، فان خرج عليك فظفرت به فاصفح عنه فإن له رحما ماسة ، وحقا عظيما .  وأما ابن أبى بكر ، فإنه ليست له همة إلا في النساء واللهو ، فإذا رأى أصحابه قد صنعوا شيئا صنع مثله .

 وإما الذي يجثم لك جثوم الأسد ، ويطرق إطراق الأفعوان ، ويراوغك مراوغة الثعلب ، فذاك ابن الزبير ، فان وثب عليك وأمكنتك الفرصة منه فقطعه أرباً أربا [7].

ويا طيب : عرفت أن معاوية لعنه الله كيف أخذ يصفي شيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن تسلط على الحكم وأنه كان يقتلهم على الظن ، وكان قد مهد بالبيعة ليزيد بكل وسيلة وبكل مكان ، وتم له شراء ذمم المنافقين وكل من يحب المال وفي قلبه مرض ، وخوف المؤمنين وأرعب المسلمين ، فكان الناس الرافضين له في أشد ضيق كما عرفت ، وبالخصوص بعد حجته التي حجها ليظهر نفسه ملكا على كل الناس ، وأنه كيف منع من الحديث عن فضائل علي ، وأمر باختراع الفضائل والمكارم لمن سلطه على الحكم ، فأخذ يثبت سلطانه ويبني مملكته ويورثها ليزيد على ما يقول أبنه أنه ورث أبيه، وإن معاوية حارب الإسلام وأئمة الحق في الجاهلية والإسلام ، ويزيد ربي في حجرة وعرفه حيلته ومكره ، فكان تلميذه بل صار شيطان رجيم في العلم والعمل بالظلم والطغيان .

ولذا بعد : هلاك معاوية أخذ يزيد الناس بأشد الظلم والطغيان ، وعدم الحرمة والحياء من كل المسلمين ، فيتجاهر بالفسق والفجور وشرب الخمر وكل قبيح ، ومن جملة ما عمله وأشده ، هو أمره بأخذ البيعة له من الحسين عليه السلام كما سترى :

 

 

 


 

 

 

 

 

الإشراق الثاني :

الإمام الحسين يرفض مبايعة طاغية زمانه ويبين مساؤه :

يا طيب : بعد هلاك معاوية : وتسلط يزيد على الحكم بعده ، أمر بأخذ البيعة له مجددا في كلل البلاد ، وأمر بقتل كل من يرفضه ملكا وإنه حاكم على المسلمين أو كما يسمي نفسه أمير المؤمنين ، وكتب إلى ابن عمه حاكم المدينة بأن يأخذ البيعة من أهلها وبالخصوص الإمام الحسين عليه السلام وأشخاص سماهم كما جاء في الحديث :

قال في تأريخ خليفة بن خياط للعصفري : وولي : معاوية المدينة مروان بن الحكم الثانية سنة أربع وخمسين ، ثم عزل مروان سنة سبع وخمسين في آخر ذي القعدة . وولي الوليد بن عتبة بن أبي سفيان .

وقال حدثني وهب بن جرير قال : حدثني أبي عن محمد قال :

 حدثني رزيق مولى معاوية قال :

 لما هلك معاوية بعثني يزيد بن معاوية إلى الوليد بن عتبة وهو أمير المدينة .

 وكتب إليه بموت معاوية ، وأن يبعث إلى هؤلاء الرهط فيأمرهم بالبيعة له .

 قال : فقدمت المدينة ليلا .

فقلت للحاجب : استأذن لي ، فقال : قد دخل ولا سبيل إليه .

 فقلت : إني جئته بأمر فدخل وأخبره ، فأذن له ، وهو على سريره ، فلما قرأ كتاب يزيد بوفاة معاوية واستخلافه ، جزع لموت معاوية جزعا شديدا ، فجعل يقوم على رجليه ، ويرمي بنفسه على فراشه .

 ثم بعث إلى مروان : فجاء وعليه قميص أبيض وملاءة موردة ، فنعى له معاوية ، وأخبره أن يزيد كتب إليه أن يبعث إلى هؤلاء الرهط فيدعوهم إلى البيعة ليزيد .

 قال : فترحم مروان على معاوية ودعا له بخير .

وقال : ابعث إلى هؤلاء الرهط الساعة فادعهم إلى البيعة .

فإن بايعوا وإلا فاضرب أعناقهم .

قال : سبحان الله أقتل الحسين بن علي وابن الزبير ؟

قال : هو ما أقول لك .

 

وقال المفيد في الإرشاد: روى الكلبي والمدائني وغيرهما من أصحاب السيرة قالوا:

فلما مات معاوية : وذلك 15 لنصف من شهر رجب سنة 60 ستين من الهجرة .

كتب يزيد : إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان على المدينة من قبل معاوية ، أن يأخذ الحسين عليه السلام بالبيعة له ، ولا يرخص له في التأخير عن ذلك .

فأنفذ الوليد إلى الحسين : في الليل ، فاستدعاه ، فعرف الحسين عليه السلام الذي أراد ، فدعا جماعة من مواليه وأمرهم بحمل السلاح ، وقال لهم :

 إن الوليد : قد استدعاني في هذا الوقت ، ولست آمن أن  يكلفني فيه أمرا لا أجيبه إليه ، وهو غير مأمون ، فكونوا معي ، فإذا دخلت إليه فاجلسوا على الباب ، فان سمعتم صوتي قد علا ، فادخلوا عليه لتمنعوه عني . 

فصار الحسين عليه السلام : إلى الوليد بن عتبة ، فوجد عنده مروان بن الحكم ، فنعى إليه الوليد معاوية .

فاسترجع الحسين : ثم قرأ عليه كتاب يزيد ، وما أمره فيه من أخذ البيعة منه له .

 فقال الحسين عليه السلام : إني لا أراك تقنع ببيعتي ليزيد سرا حتى أبايعه جهرا فيعرف ذلك الناس . فقال له الوليد : أجل .

 فقال الحسين : فتصبح وترى رأيك في ذلك .

فقال له الوليد : انصرف على اسم الله تعالى حتى تأتينا مع جماعة الناس . 

فقال له مروان : والله لئن فارقك الحسين الساعة ولم يبايع ، لا قدرت منه على مثلها أبدا ، حتى تكثر القتلى بينكم وبينه ، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه .

فوثب الحسين عليه السلام عند ذلك وقال : أنت يا ابن الزرقاء تقتلني أم هو ؟

كذبت والله وأثمت ، وخرج يمشي ومعه مواليه حتى أتى منزله [8].

 

قال المفيد رحمه اله : فقال مروان للوليد :

عصيتني : لا والله لا يمكنك مثلها من نفسه أبدا .

فقال الوليد : ويح غيرك يا مروان إنك اخترت لي التي فيها هلاك ديني ودنياي.

والله : ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها ، وإني قتلت حسينا .

 سبحان الله : أقتل حسينا ، إن قال لا أبايع ، والله إني لأظن أن أمرؤا يحاسب بدم الحسين خفيف الميزان عند الله يوم القيامة .

فقال له مروان : فإذا كان هذا رأيك ، فقد أصبت فيما صنعت ، يقول هذا ، وهو غير الحامد له على رأيه [9].

وقال اليعقوبي في تأريخه :

وملك يزيد بن معاوية ، وأمه ميسون بنت بحدل الكلبي ، في مستهل رجب سنة 60 ،  وكان غائبا ، فلما قدم دمشق :

كتب إلى الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وهو عامل المدينة :

 إذا أتاك كتابي هذا : فأحضر الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، فخذهما بالبيعة لي ، فإن امتنعا فاضرب أعناقهما ، وابعث لي برؤوسهم .

وخذ الناس بالبيعة ، فمن امتنع فأنفذ فيه الحكم ، وفي الحسين بن علي ، وعبد الله بن الزبير ، والسلام .

فورد الكتاب على الوليد ليلا .

 فوجه إلى الحسين : وإلى عبد الله بن الزبير ، فأخبرهما الخبر .

فقالا : نصبح ونأتيك مع الناس .

 فقال له مروان : إنهما والله إن خرجا لم ترهما ، فخذهما بأن يبايعا ، وإلا فاضرب أعناقهما .

 فقال : والله ما كنت لأقطع أرحامهما !

فخرجا من عنده وتنحيا من تحت ليلتهما ، فخرج الحسين إلى مكة [10].

 

قال السيد : كتب يزيد إلى الوليد يأمره بأخذ البيعة على أهلها .

 وخاصة على الحسين عليه السلام ، ويقول : إن أبى عليك فاضرب عنقه ، وابعث إلي برأسه .

فأحضر الوليد : مروان ، واستشاره في أمر الحسين .

 فقال : إنه لا يقبل ، ولو كنت مكانك ضربت عنقه .

فقال الوليد ، ليتني لم أك شيئا مذكورا .

ثم بعث إلى الحسين عليه السلام : فجاءه في ثلاثين من أهل بيته ومواليه - وساق الكلام الذي مع مروان إلى أن قال – :

فغضب الحسين عليه السلام ثم قال : ويلي عليك يا ابن الزرقاء أنت تأمر بضرب عنقي ؟ كذبت والله وأثمت . 

ثم أقبل على الوليد فقال : أيها الأمير !

إنا : أهل بيت النبـوة .

ومعـدن الرسالة ، ومختلـف الملائكة ، وبنا فتح الله ، وبنا ختم الله .

ويزيد : رجل فاسق شارب الخمر ، قاتل النفس المحرمة ، معلن بالفسق .

ومثلي : لا يبايع مثله ، ولكن تصبح وتصبحون ، وننظر وتنظرون ، أينا أحق بالبيعة والخلافة ، ثم خرج عليه السلام[11] .

 

وقال ابن شهر أشوب : كتب إلى الوليد بأخذ البيعة من الحسين عليه السلام وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعبد الرحمن بن أبي بكر ، أخذا عنيفا ليست فيه رخصة ، فمن يأبى عليك منهم فاضرب عنقه ، وابعث إلي برأسه .

فشاور في ذلك مروان فقال : الرأي أن تحضرهم وتأخذ منهم البيعة قبل أن يعلموا .  فوجه في طلبهم : وكانوا عند التربة .

فقال عبد الرحمن وعبد الله : ندخل دورنا ونغلق أبوابنا .

وقال ابن الزبير : والله ما أبايع يزيد أبدا .

وقال الحسين : أنا لابد لي من الدخول على الوليد ، وذكر قريبا مما مر [12].

 

يا طيب:  أما ما رواه الصدوق في أماليه ، فقد ذكر أمرا فصل فيه بأنه كان مروان عامل معاوية على المدينة ، وكما يقال إن مروان من طغاة بني أمية وهو الذي كان المتحكم بأمر عثمان لأنه ابن عمه وصهره ، وكان ذو مشورة ويد عند معاوية ، واستخدمه على المدينة بعد أبو هريرة ، وهو الذي أخذ البيعة ليزيد على المدينة في زمن معاوية على مضض ألا ممن عرفت ، لأنه كان يتوقع الخلافة لنفسه ، ولذا لم يكن بوفاق ووئام مع يزيد ، ولذا يزيد لما صار ملكا بعد أبيه عزله ووضع ابن عمه الوليد بن عتبه بدله وأقصاه ، وفي الرواية الآتي يقال أنه هرب ، أي اعتزل أمر البلاط ولكن أعادوه كمشاور لهم لا حاكم ، وبعد أن كان حاكم ووالي على المدينة صار مشاور لحاكم المدينة بعد أن أرجعوه .

ولذا ما ترى في هذه الرواية الآتية : عن الصدوق بسند كريم ، فإن فيها معارف أخرى ، وتفصيل لما يجري بين بني أمية أنفسهم ، كما أنه الظاهر سقط أسم الوليد أو فيها ابن عتبة لا عتبة أخو معاوية بل هو بن أخ معاوية الوليد بن عتبه بن أبي سفيان ، وعلى كل حال هذه رواية الصدوق قال رحمه الله :

بعد هلاك معاوية : بعث يزيد عامل على مدينة رسول الله صلى الله عليه وآله وهو ( أبن ) عمه ( الوليد بن ) عتبة بن أبي سفيان ، فقدم المدينة وعليها مروان ابن الحكم ، وكان عامل معاوية ، فأقامه عتبة من مكانه ، وجلس فيه لينفذ فيه أمر يزيد ، فهرب مروان ، فلم يقدر عليه .

وبعث (الوليد بن ) عتبة إلى الحسين بن علي عليه السلام ، فقال :

 إن أمير المؤمنين أمرك أن تبايع له .

فقال الحسين عليه السلام : يا ( وليد بن) عتبة :

 قد علمت : أنا أهل بيت الكرامة ، ومعدن الرسالة ، وأعلام الحق الذين أودعه الله عز وجل قلوبنا ، وأنطق به ألسنتنا ، فنطقت بإذن الله عز وجل .

ولقد سمعت جدي رسول الله يقول :

إن الخلافة  محرمة على ولد أبي سفيان .

وكيف أبايع أهل بيت قد قال فيهم رسول الله هذا [13].

 

 

 


 

 

 

 

 

 

الإشراق الثالث :

الوليد يكتب ليزيد برفض الحسين لبيعته والإمام يبين فسقه :

الإشعاع الأول :

 الوليد يكتب ليزيد برفض الحسين لبيعته :

قال الصدوق في الأمالي : فلما سمع ( الوليد بن ) عتبة ذلك .

 دعا الكاتب و كتب : بسم الله الرحمن الرحيم :

إلى عبد الله : يزيد أمير المؤمنين من (الوليد ) عتبة بن أبي سفيان  ، أما بعد : فإن الحسين بن علي: ليس يرى لك خلافة ولا بيعة ، فرأيك في أمره والسلام. 

فلما ورد الكتاب على يزيد لعنه الله كتب الجواب إلى ( الوليد بن ) عتبة : 

أما بعد : فإذا أتاك كتابي هذا فعجل عليَّ بجوابه ، وبين لي في كتابك كل من في طاعتي ، أو خرج عنها ، وليكن مع الجواب رأس الحسين بن علي[14] .

 

الإشعاع الثاني :

 الإمام يبين فسق يزيد في محاورة مع مروان :

قال السيد : فلما أصبح الحسين عليه السلام خرج من منزله يستمع الأخبار فلقيه مروان بن الحكم فقال له : يا أبا عبد الله إني لك ناصح ، فأطعني ترشد .

 فقال الحسين عليه السلام : وما ذاك ؟ قل حتى أسمع ؟

 فقال مروان : إني آمرك ببيعة يزيد أمير المؤمنين فإنه خير لك في دينك ودنياك .

فقال الحسين عليه السلام : إنا لله وإنا إليه راجعون .

 وعلى الإسلام السلام : إذ قد بليت الأمة براع مثل يزيد ، ولقد سمعت جدي رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : الخلافة محرمة على آل أبي سفيان .

وطال الحديث بينه وبين مروان حتى انصرف مروان ، وهو غضبان . 

فلما كان الغداة : توجه الحسين عليه السلام إلى مكة لثلاث مضين من شعبان سنة ستين ، فأقام بها باقي شعبان وشهر رمضان وشوالا وذا القعدة[15] .

 

 

 


 

 

 

 

 

الإشراق الرابع :

الإمام الحسين يودع جده ويطلب الإذن بالجهاد وما فيه صلاح الدين  :

يا طيب : كان لابد للإمام الحسين من الهجرة من المدينة المنورة محل ولادته و التي أسس فيها جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام وبنا بها دارا للإيمان ، وبها نشأ الإسلام وترعرع وأنتشر ، ولكن دارت الأيام وتداولت ، حتى أنقلب كل شيء ، وعرفت إن الله يختبر عباده وإن الإنسان لا يكفي أن يولد مسلما ، بل يجب عليه البحث عن الهدى الحق فيتبعه ، ولا يتبع الباطل لمجرد أنه أعتاد الناس عليه عن علم أو بدون علم تقليدا لمن سبقهم ، ولا يعلمون بأن من تسلط على الحكم في زمن رسول الله قد حاربوا آله الكرام ، ومن يتجرأ على قتال آل محمد عليهم السلام ، فهو على وضع الأحاديث كيف شاء أجرأ .

 وإن الحسين عليه السلام : هو أبن بنت رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ولكنه ضاقت علي المدينة المنورة فكيف بغيرها ، وذلك بسبب حكامها الذين كانوا لا يتوانون عن منكر ولا ظلم ولا يتقون الله ولا يستحون من شيء ، فهذا حاكم الزمان صار يشرب الخمر ويلعب القمار ويلاعب قرد ، ويرتكب الفواحش ، وصار أسمه خليفة للمسلمين وأمير المؤمنين زورا ، ويطالب أتقى عباد الله وأخلصهم لدين الله بالبيعة له .

ولو أقر له الإمام الحسين عليه السلام : لكانت سنة ولم يعرف أنه يجوز أن يرفض الظلم والباطل ، فضلا عن وجوب جهاده والوقوف أمامه بكل ما يمكن من قوة والتضحية ، وعلى المؤمن أن يطلب الحق ويرفض الجور  والظلم والعدوان ، ولمعرفة تفاصيل هجرة الإمام الحسين وما سن للعباد لأخر الدهر من وجوب هجر الظلم الظلمات ، نتدبر ما قال المجلسي في البحار : قال محمد بن أبي طالب الموسوي ـ والظاهر هو صاحب كتاب مقتل الحسين صلوات الله عليه المسمى بتسلية المجالس وزينة المجالس للسيد النجيب العالم محمد بن أبي طالب الحسيني الحائري ـ :

لما ورد الكتاب على الوليد بقتل الحسين عليه السلام عظم ذلك عليه ثم قال :

والله لا يراني الله أقتل ابن نبيه ، ولو جعل يزيد لي الدنيا بما فيها .

قال : وخرج الحسين عليه السلام من منزله ذات ليلة وأقبل إلى قبر جده صلى الله عليه وآله  فقال : السلام عليك : يا رسول الله ، أنا الحسين بن فاطمة فرخك وابن فرختك ، وسبطك الذي خلفتني في أمتك .

فأشهد عليهم : يا نبي الله ، أنهم قد خذلوني ، وضيعوني ، ولم يحفظوني ، وهذه شكواي إليك حتى ألقاك. قال : ثم قام فصف قدميه فلم يزل راكعا ساجدا.

قال : وأرسل الوليد إلى منزل الحسين عليه السلام لينظر أخرج من المدينة أم لا ؟ 

فلم يصبه في منزله ، فقال : الحمد الله الذي خرج ! ولم يبتلني بدمه .

 قال : ورجع الحسين إلى منزله عند الصبح . 

فلما كانت الليلة الثانية : خرج إلى القبر أيضا وصلى ركعات ، فلما فرغ من صلاته جعل يقول : اللهم : هذا قبر نبيك محمد ، وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت . اللهم : إني أحب المعروف ، وأنكر المنكر .

وأنا أسألك : يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه ، إلا اخترت لي ما هو لك رضا ، ولرسولك رضا . 

قال : ثم جعل يبكي عند القبر حتى إذا كان قريبا من الصبح ، وضع رأسه على القبر فاغفي ، فإذا هو برسول الله قد أقبل في كتيبة من الملائكة عن يمينه وعن شماله وبين يديه ، حتى ضم الحسين إلى صدره وقبل بين عينيه ، وقال :

 حبيبي يا حسين : كأني أراك عن قريب مرملا بدمائك ، مذبوحا بأرض كرب وبلاء ، من عصابة من أمتي، وأنت : مع ذلك عطشان لا تسقى ، وظمآن لا تروى.

وهم مع ذلك : يرجون شفاعتي ، لا أنالهم الله شفاعتي يوم القيامة .

حبيبي يا حسين : إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي ، وهم مشتاقون إليك .

وإن لك في الجنان لدرجات لن تنالها إلا بالشهادة .

قال : فجعل الحسين عليه السلام في منامه ينظر إلى جده ويقول :

 يا جداه: لا حاجة لي في الرجوع إلى الدنيا فخذني إليك وأدخلني معك في قبرك.

فقال له رسول الله : لابد لك من الرجوع إلى الدنيا حتى ترزق الشهادة ، وما قد كتب الله لك فيها من الثواب العظيم ، فانك : وأباك وأخاك وعمك وعم أبيك ، تحشرون يوم القيامة في زمرة واحدة ، حتى تدخلوا الجنة . 

قال : فانتبه الحسين عليه السلام من نوعه فزعا مرعوبا ، فقص رؤياه على أهل بيته وبني عبد المطلب ، فلم يكن في ذلك اليوم في مشرق ولا مغرب قوم أشد غما من أهل بيت رسول الله ، ولا أكثر باك ولا باكية منهم . 

قال : وتهيأ الحسين عليه السلام للخروج عن المدينة ، ومضى في جوف الليل إلى قبر أمه فودعها ، ثم مضى إلى قبر أخيه الحسن ففعل كذلك[16] .

ويا طيب : أما الصدوق في الأمالي قال :  فبلغ ذلك الحسين عليه السلام : ـ أن يزيد أمر بقتله ـ فهم بالخروج من أرض الحجاز إلى أرض العراق .  

فلما أقبل الليل : راح إلى مسجد النبي صلى الله عليه وآله ليودع القبر، فلما وصل إلى القبر ، سطع له نور من القبر فعاد إلى موضعه .

فلما كانت الليلة الثانية : راح ليودع  القبر فقام يصلي فأطال .

فنعس وهو ساجد : فجاءه النبي وهو في منامه ، فأخذ الحسين وضمه إلى صدره وجعل يقبل بين عينيه ، ويقول : بأبي أنت : كأني أراك مرملا بدمك بين عصابة من هذه الأمة ، يرجون شفاعتي ، مالهم عند الله من خلاق .

 يا بني : إنك قادم على أبيك وأمك وأخيك وهم مشتاقون إليك :

وإن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة .

فانتبه الحسين  : من نومه باكيا ، فأتى أهل بيته فأخبرهم بالرؤيا ، وودعهم [17].

 

 

 


 

 

 

 

 

الإشراق الخامس :

عزم الإمام الحسين للخروج من المدينة وتوديعه أهل البيت :

يا طيب : لما حصل على الإذن من رسول الله بالجهاد ، أخذ بتدبير أمره للأمر بالمعروف وللنهي عن المنكر كما قال عليه السلام وهو يدعو الله عند قبر جده صلى الله عليه وآله وسلم  فقال : اللهم : هذا قبر نبيك محمد ، وأنا ابن بنت نبيك ، وقد حضرني من الأمر ما قد علمت . اللهم :

 إني أحب المعروف ، وأنكر المنكر .

وأنا أسألك : يا ذا الجلال والإكرام بحق القبر ومن فيه ، إلا اخترت لي ما هو لك رضا ، ولرسولك رضا .... فجاءه الجواب :

حبيبي يا حسين : إن أباك وأمك وأخاك قدموا علي ، وهم مشتاقون إليك .

وإن لك في الجنان لدرجات ، لن تنالها إلا بالشهادة .

فبعد الإذن : وتوديعه لجده الأكرم ، أقدم الإمام الحسين عليه السلام  على أمورا يمهد بها للخروج من المدنية ، كتوديع أهل بيته من أمهات المؤمنين ، وبعض أخوته الذين جعلهم عينه في المدينة ، يعرفون خبره للناس ولمن يطلب الالتحاق به ، ويقيم الحجة على من بقي، وكان من الأمور التي كانت من قبل خروجه من المدينة:

 

 

 


 

الإشعاع الأول :

الإمام الحسين يعزم للخروج ويودع أم سلمة فتحدثه باستشهاده :

يا طيب : عرفنا كثير من الأحاديث الشريفة عن رسول الله صلى الله عليه وآله يحدث بها الإمام الحسين وكل آله بل كل الصحابة ، بأن الحسين عليه السلام سيد الشباب ، وأنه يستشهد في كربلاء ، وإنه إمام حق وكل من لم ينصره خاذل لدين الله وناصر للباطل ، وهذا البيان لرسول الله صلى الله عليه وآله ساري على طول الزمان و إلى يوم القيامة ، ولذا أم المؤمنين أم سلمة تُصبره وتُذكره بما قسم الله له من الشهادة :

قال المجلسي وجدت في بعض الكتب أنه عليه السلام :

لما عزم على الخروج من المدينة : أتته أم سلمة رضي الله عنها ، فقالت :

 يا بني : لا تحزني بخروجك إلى العراق ، فإني سمعت جدك يقول :

يقتل ولدي الحسين بأرض العراق ، في أرض ، يقال لها : كربلا .

 فقال لها : يا أماه وأنا والله أعلم ذلك ، وإني مقتول لا محالة ، وليس لي من هذا بد ، وإني والله : لأعرف اليوم الذي اقتل فيه ، واعرف من يقتلني ، وأعرف البقعة التي ادفن فيها ، وإني أعرف من يقتل من أهل بيتي وقرابتي وشيعتي ، وإن أردت يا أماه أريك حفرتي ومضجعي . 

ثم أشار عليه السلام : إلى جهة ، فانخفضت الأرض حتى أراها مضجعه ومدفنه وموضع عسكره ، وموقفه ومشهده . فعند ذلك : بكت أم سلمة بكاء شديدا ، وسلمت أمره إلى الله .فقال لها : يا أماه :

 قد شاء الله عز وجل : أن يراني مقتولا مذبوحا ظلما وعدوانا .

وقد شاء : أن يرى حرمي ورهطي ونسائي مشردين .

وأطفالي : مذبوحين مظلومين ، مأسورين مقيدين .

وهم : يستغيثون فلا يجدون ناصرا ولا معينا . 

وفي رواية أخرى : قالت أم سلمة : وعندي تربة دفعها إلي جدك في قارورة .

 فقال عليه السلام : والله إني مقتول كذلك ، وإن لم أخرج إلى العراق يقتلوني أيضا ، ثم أخذ تربة فجعلها في قارورة ، وأعطاها إياها ، وقال :

اجعلها مع قارورة جدي فإذا فاضتا دما فاعلمي أني قد قتلت [18]

يا طيب : قد مرت مجالس عقدها النبي وجبرائيل في بيت أم سلمة ، والأحاديث الذاكرة لأحوال شهادته عليه السلام وأن التراب من كربلاء كان عندها ، فراجع .

 

 

 


 

الإشعاع الثاني :

الإمام الحسين عليه السلام يودع أخيه بن الحنفية ويوصيه :

يا طيب : من الأمور التي مهد بها الإمام الحسين عليه السلام لهجرته من المدينة المنور بعد توديع مراقد جده رسول الله وأخيه الحسن المجتبى وأمه فاطمة الزهراء عليها السلام ، كتب وصيته ، وجعل أخيه محمد بن الحنفية بمقامه في المدينة ، وعينه ليخبره بما يجري من الأمور عند خروجه سواء بمراسلته أو بالكون عنده ، ولذا:

قال الصدوق في الأمالي بعد أن ذكر توديع الإمام لجده :

 فخرج عليه السلام : من تحت ليلة ، وهي ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب متوجها نحو مكة ، ومعه بنوه وبنو أخيه وإخوته ، وجل أهل بيته إلا محمد ابن الحنفية رحمه الله ، فإنه لما علم عزمه على الخروج عن المدينة لم يدر (محمد)  أين يتوجه ( الحسين ) ، فقال له :

 يا أخي : أنت أحب الناس إلي وأعزهم علي ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق إلا لك ، وأنت أحق بها تنح ببيعتك عن يزيد ابن معاوية ، وعن الأمصار ما استطعت ، ثم ابعث رسلك إلى الناس ثم ادعهم إلى نفسك ، فإن بايعك الناس وبايعوا لك حمدت الله على ذلك ، وإن اجتمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك ، ولا تذهب به مروءتك ولا فضلك .

 إني أخاف عليك : أن تدخل مصرا من هذه الأمصار ، فيختلف الناس بينهم ، فمنهم طائفة معك وأخرى عليك ، فيقتتلون فتكون إذا لأولِ الأسنة غرضا .

 فإذا خير هذه الأمة كلها نفسا وأبا وأما أضيعها دما وأذلها أهلا . 

فقال له الحسين عليه السلام : فأين أنزل يا أخي ؟

قال : أنزل مكة ، فإن اطمأنت بك الدار بها فسبيل ذلك ، وإن نبت بك لحقت بالرمال و شعف الجبال ، وخرجت من بلد إلى بد حتى تنظر إلى ما يصير أمر الناس فإنك أصوب ما تكون رأيا حين تستقبل الأمر استقبالا . 

فقال عليه السلام : يا أخي قد نصحت وأشفقت ، وأرجو أن يكون رأيك سديدا موفقا [19]

وقال محمد بن أبي طالب الموسوي في مقتله :

 بعد توديع جده وأمه وأبيه : ثم رجع إلى منزله وقت الصبح .

فأقبل إليه أخوه محمد ابن الحنفية وقال :

يا أخي : أنت أحب الخلق إلي وأعزهم علي ، ولست والله أدخر النصيحة لأحد من الخلق ، وليس أحد أحق بها منك ، لأنك : مزاج مائي ونفسي وروحي وبصري وكبير أهل بيتي ، ومن وجب طاعته في عنقي .

 لأن الله قد شرفك علي ، وجعلك من سادات أهل الجنة .

وساق الحديث كما مر إلى أن قال :

 تخرج إلى مكة : فإن اطمأنت بك الدار بها فذاك ، وإن تكن أخرى خرجت إلى بلاد اليمن ، فإنهم أنصار جدك وأبيك ، وهم أرأف الناس وأرقهم قلوبا ، وأوسع الناس بلادا ، فإن اطمأنت بك الدار ، وإلا لحقت بالرمال وشعوب الجبال ، وجزت من بلد إلى بلد ، حتى تنظر ما يؤول إليه أمر الناس ويحكم الله بيننا وبين القوم الفاسقين . 

قال : فقال الحسين عليه السلام : يا أخي والله لو لم يكن ملجأ ، ولا مأوى لما بايعت يزيد بن معاوية ، فقطع محمد ابن الحنفية الكلام وبكى ، فبكى الحسين عليه السلام معه ساعة .

ثم قال : يا أخي جزاك الله خيرا ، فقد نصحت وأشرت بالصواب .

وأنا عـازم على الخروج إلى مكـة :

 وقد تهيأت لذلك أنا وإخوتي وبنو أخي وشيعتي، وأمرهم أمري ورأيهم رأيي.

وأما أنت يا أخي : فلا عليك أن تقيم بالمدينة .

 فتكون لي عينا لا تخفي عني شيئا من أمورهم . 

ثم دعا الحسين عليه السلام : بدواة وبياض، وكتب هذه الوصية لأخيه محمد: 

بسم الله الرحمن الرحيم :

 هذا ما أوصى به الحسين بن علي بن أبي طالب :

إلى أخيه محمد المعروف بابن الحنفية :

إن الحسين : يشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.

وأن محمدا عبده ورسوله ، جاء بالحق من عند الحق.

 وأن الجنة والنار حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور .

أني : لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما .

 وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله .

أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .

وأسير بسيرة جدي وأبي علي ابن أبي طالب عليه السلام .

فمن قبلني بقبول الحق : فالله أولى بالحق
 ومن رد علي هذا ، أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق ، وهو خير الحاكمين .

وهذه وصيتي : يا أخي إليك ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب . 

قال : ثم طوى الحسين الكتاب وختمه بخاتمه ، ودفعه إلى أخيه محمد ، ثم ودعه وخرج في جوف الليل [20]

 

 

 

 


 

الإشعاع الثالث

وصية أخرى للحسين لبني هاشم من لحق استشهد ومن تخلف .. :

وقال محمد بن أبي طالب : روى محمد بن يعقوب الكليني في كتاب الرسائل عن حمزة بن حمران ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

 ذكرنا : خروج الحسين عليه السلام ، وتخلف ابن الحنفية .

فقال أبو عبد الله عليه السلام : يا حمزة : إني سأخبرك بحديث لا تسأل عنه بعد مجلسك هذا ، إن الحسين لما فصل متوجها ، دعا بقرطاس وكتب فيه : 

 بسم الله الرحمن الرحيم : من الحسين بن علي بن أبي طالب إلى بني هاشم :

أما بعد :

فإنه من لحق بي منكم استشهد .

ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح والسلام[21].

قال المجلسي يقال : فصل فلان من البلد : خرج منه ، ومنه قوله تعالى : { ولما فصلت العير } يوسف 94 . قوله عليه السلام : ومن تخلف لم يبلغ مبلغ الفتح :

أي لا يتيسر له فتح وفلاح في الدنيا أو في الآخرة ، أو الأعم ، وهذا ، إما تعليل بأن ابن الحنفية إنما لم يلحق لأنه علم أنه يقتل إن ذهب بأخباره عليه السلام أو بيان لحرمانه عن تلك السعادة ، أو لأنه لا عذر له في ذلك لأنه عليه السلام أعلمه وأمثاله بذلك[22] .

يا طيب : إن أبن الحنفية كان في المدينة بوصية خاصة عن الإمام ، وهذه وصية عامة .

 

 

 


 

الإشعاع الرابع :

 الإمام الحسين يودع نساء عبد المطلب فيبكين لفراقه :

وممن ودعه الإمام الحسين عليه السلام : بل هم ودعوه ، نساء عبد المطلب من عماته وعمات أبيه وجده رسول الله وبناتهن ، وهم من أهل البيت ، فلم يطقن فراقه وبالخصوص في هذه الظروف التي يعلمن أنه مقدم على الشهادة في سبيل بيان الحق وإعلاء كلمة الله والدعوة لدين الله الحق ، فأخذن بالبكاء عليه وعلى ما يحل بالدين وما صار عليه المسلمون ، من نصر الباطل وخذلان الدين وهجر الهدى الحق وقد قال :

في كامل الزيارات عن جابر ، عن محمد بن علي عليه السلام قال :

 لما هم الحسين عليه السلام : بالشخوص إلى المدينة ، أقبلت نساء بني عبد المطلب ، فاجتمعن للنياحة ، حتى مشى فيهن الحسين عليه السلام ، فقال :

 أنشدكن الله ، أن تبدين هذا الأمر معصية لله ولرسوله .

 قالت له نساء بني عبد المطلب : فلمن نستبقي النياحة والبكاء ، فهو عندنا كيوم مات رسول الله صلى الله عليه وآله وعلي وفاطمة ورقية وزينب وأم كلثوم .

 فننشدك الله  : جعلنا الله فداك من الموت ، فيا حبيب الأبرار من أهل القبور .

وأقبلت بعض عماته تبكي وتقول :

 أشهد يا حسين لقد سمعت الجن ناحت بنوحك ، وهم يقولون :

وإن قتيـل الطـف من آل  هاشم    أذل  رقـابا  من  قريـش   فذلت

حبيب رسـول الله لم يك فاحشا    أبانت مصيبتك الأنوف وجلت

وقلن أيضا [23]:

أبكوا     حسـيـنـا  سـيدا      و لقتلـه    شـاب    الشعـر

و      لـقـتـلـه      زلـزلتـم      ولقتـله    أنكسـف   القمـر

و  احمـرت  آفاق السـماء      من    العشيـة    و السـحر

و  تغـيرت  شمـس  البـلاد      بـهم    وأظلمت    الكور

ذاك   ابـن   فـاطـمة   الـم      صـاب به الخلائق و البشر

أورثـتـنـا         ذلاً      به     جدع  الأنـوف  مع ا لغـرر

 

 

 


 

 

الإشعاع الخامس :

الإمام بعد توديع جده يحمل أهله ويعزم على الخروج من المدينة :

يا طيب : إن لله سبحانه في خلقه شؤون عظيمة ، سواء في زمان الخلق أو مكانه أو تدبيره ، ومن المهم في التكوين هو توجيه عباده لمعرفة الحق ومحل الهدى لدينه ، وتعريفهم أهل الصراط المستقيم المنعم عليهم بتعليم دينه القويم وبيان شأنه الكريم ، وما يجب على العباد من إتباع أولياء الحق وأهل هداه والمسير على صراطهم والكون معهم .

ومن هذه الأمور : إن الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام كان يوم رفضه لبيعة طاغيته زمانه في المدينة المنورة .

فإنه كما قال الشيخ المفيد ومن أرخ ليوم رفض بيعة الإمام الحسين لطاغية زمانه ، كان هو يوم 27 سبعة وعشرين من رجب ، وخروجه بعد يوم .

وهذا اليوم : 27 رجب : هو يوم بعثة النبي الكريم ، ونزول الأمر عليه بأن يصدع بالهدى ، وهو يوم الإسراء والبعثة من أمر الله في السماء  .

وفي هذا اليوم: 27 رجب سنة 60 للهجرة يرفض الظلم والطغيان الإمام  أي بعد 72 سنة وأشهر، والسنين بعدد الشهداء معه مع طفله الرضيع عليهم السلام .

فهل ترى في كون نهضة الإمام الحسين عليه السلام : هو نفس يوم مبعث النبي الكريم من أثر وحكمة ، وبيان وشرح في تعريف شأن رفضه للظلم،  ليس أشرا ولا بطرا إلا ليكون للدعوة والتعريف لسنة جده رسول الله ، وبعث الحياة في دينه ، وجعل نوره يشرق أبدا ، فيسير برحله وأهله من المدينة ليرهم الصراط المستقيم ، هو السير بسيرة جده وتعريف شيعة أبيه وكل أهل الدنيا ، محل الدين والهدى ، وفي كل كلماته ومعارفه التي عرفها في كل حله وترحله وسيره وسفره .

فإنه يا طيب : لم تكن مصادفة أن يتحد التأريخ في نهضة الإمام الحسين عليه السلام ثم الخروج من المدينة مع يوم المبعث.

ولا  كون يوم وصوله لمكة المكرمة في 3 شعبان ، وهو نفس يوم تولده .

فيكون بعث حياة جديدة وتولد للهدى .

قال الصدوق في الأمالي بعد ما ذكر توديع جده :وحمل أخواته : على المحامل ، وابنته ، وابن أخيه القاسم بن الحسن بن علي عليه السلام .

ثم سار : في أحد وعشرين رجلا من أصحابه وأهل بيته ، منهم أبو بكر بن علي ، ومحمد بن علي ، وعثمان بن علي ، والعباس بن علي ، وعبد الله بن مسلم بن عقيل ، وعلي بن الحسين الأكبر ، وعلي بن الحسين الأصغر[24] .

وقال المفيد رحمه الله : فقام الحسين :  في منزله تلك الليلة .

 وهي ليلة السبت : لثلاث بقين من رجب ، سنة ستين من الهجرة .

و أشتغل الوليد بن عتبة : بمراسلة ابن الزبير في البيعة ليزيد ، وامتناعه عليهم ، وخرج ابن الزبير من ليلته عن المدينة متوجها إلى مكة ، فلما أصبح الوليد سرح في أثره الرجال ، فبعث راكبا من موالي بني أمية في ثمانين راكبا ، فطلبوه فلم يدركوه ، فرجعوا .  فلما كان آخر نهار السبت : بعث الرجال إلى الحسين عليه السلام ، ليحضر فيبايع  الوليد ليزيد بن معاوية .

فقال لهم الحسين : أصبحوا ، ثم ترون ونرى !

 فكفوا تلك الليلة عنه ، ولم يلحوا عليه[25].

ثم قال المفيد : فسار الحسين إلى مكة وهو يقرأ : {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (18)} القصص ، ولزم الطريق الأعظم .

 فقال له أهل بيته : لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب ، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض [26].

 

 

 


 

 

 

الإشعاع السادس :

الإمام الحسين يسير للمدينة فتلاقيه الملائكة والجن لتنصره وأبن عمر:

في أمالي الصدوق : الإمام الحسين يرفض اقتراح بن عمر للبقاء في حرم جده :

وسمع عبد الله بن عمر بخروجه : فقدم راحلته ، وخرج خلفه مسرعا .

فأدركه في بعض المنازل ، فقال : أين تريد يا ابن رسول الله ؟

 قال : العراق .

قال : مهلا ارجع إلى حرم جدك.

 فأبى : الحسين عليه .

 فلما رأى ابن عمر إباءه ، قال : يا أبا عبد الله ، اكشف لي عن الموضع الذي كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقبله منك .

فكشف الحسين عليه السلام عن سرته ، فقبلها ابن عمر ثلاثا ، وبكى .

 وقال : أستودعك الله : يا با عبد الله ، فإنك مقتول في وجهك هذا [27]

 

قال محمد بن أبي طالب :

 وقال شيخنا المفيد بإسناده إلى أبي عبد الله عليه السلام قال :

لما سار أبو عبد الله : من المدينة ، لقيه أفواج من الملائكة المسومة ، في أيديهم الحراب ، على نجب من نجب الجنة ، فسلموا عليه .

 وقالوا : يا حجة الله على خلقه بعد جده وأبيه وأخيه ، إن الله سبحانه أمد جدك بنا في مواطن كثيرة ، وإن الله أمدك بنا .

فقال لهم: الموعد حفرتي وبقعتي التي أستشهد فيها وهي كربلا ، فإذا وردتها فأتوني.

فقالوا :

يا حجة الله ! مرنا نسمع ونطع ، فهل تخشى من عدو يلقاك فنكون معك ؟

 فقال : لا سبيل لهم علي ولا يلقوني بكريهة ، أو أصل إلى بقعتي .

 

وأتته أفواج مسلمي الجن فقالوا : يا سيدنا ، نحن شيعتك وأنصارك ، فمرنا بأمرك ، وما تشاء ، فلو أمرتنا بقتل كل عدو لك وأنت بمكانك لكفيناك ذلك .

 فجزاهم الحسين خيرا ، وقال لهم : أو ما قرأت كتاب الله المنزل على جدي رسول الله :

 { أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمْ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ (78)} النساء .

 وقال سبحانه : { لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمْ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ } آل عمران 154 .

وإذا أقمت بمكاني : فبماذا يبتلي هذا الخلق المتعوس ؟

 وبماذا يختبرون ؟

ومن ذا يكون ساكن حفرتي بكربلاء ؟

 وقد أختارها الله : يوم دحا الأرض ، وجعلها معقلا لشيعتنا .

ويكون لهم : أمانا في الدنيا والآخرة .

ولكن تحضرون يوم السبت ، وهو يوم عاشورا الذي في آخره اقتل .

ولا يبقى بعدي : مطلوب من أهلي ونسبي وأخوتي وأهل بيتي ، ويسار برأسي إلى يزيد لعنه الله .

فقالت الجن : نحن والله يا حبيب الله وابن حبيبه ، لو لا أن أمرك طاعة وأنه لا يجوز لنا مخالفتك ، قتلنا جميع أعدائك قبل أن يصلوا إليك .

 فقال صلوات الله عليه لهم : نحن والله أقدر عليهم منكم .

 ولكن : ليهلك من هلك عن بينة ، ويحيى من حي عن بينة [28]

ويا طيب قد عرفت : في عدة مشارق من مصباح النور المتقدم ، إن الله يختبر المسلمين بالحسين عليه السلام إلى يوم القيامة ، وإن من يلحقه فقد فتح الله عليه بدينه وبلغ ما جعله الله من البينة الواضحة والحجة التامة ، وإن من لم ينصره فقد خسر إلى يوم القيامة .

وهذا نداء الإمام الحسين : وما جاء من البيان لطلب نصرته ، فإنه أسمع الله الخلق كلهم نداء الإمام الحسين إلى يوم القيامة ، وذلك في مجالس ذكره التي لا تخلو منها بقعة من بقاع الأرض ، وبالخصوص في هذا الزمان الذي ينقل الإعلام معارفه ويعرفها لكل من يبحث عن هدى الله الحق ، فيعرف أن حُب الظلم والفجور عار وفسق يجب تجنبه ، وعليه أن يقتدي بهدى الحسين عليه السلام وصحبه ويرفض كل باطل وضلال.

ولو كان في قصة الإمام الحسين عليه السلام : فقط هذا الكلام لذي يعرفه في كل مواقفه التي عرفتها مع حاكم المدينة ، أو مع آله من أم المؤمنين أم سلمة وأخيه ووصيته لآله الكرام ومن يبلغه ، بل حديثه مع الجن والملائكة ، لكان بيان تام لغرض نهضته وتوضيح كامل لتعريف الهدى وأهله ، وأنه يجب أن يؤخذ منه ومن آله عليهم السلام ، ويرفض كل ضلال صدر من وعاظ بني أمية ومن سار على منهجهم ، ولله الحجة التامة البالغة ، ولله الشكر والحمد على ما عرفنا من هدى الحسين وآله صلى الله عليهم وسلم ، وأسأل الله أن يثبتنا على نهج الحسين ونوره الذي أشرق في تعريف الحق بكل علم ظهر منه وعمل تحلى به ، وسيرة وسلوك تجلى بها ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

وإنا لله وإنا إليه راجعون .

 

 

 

 

 


 

 

 

الإشراق السادس :

ارتحال أمير المؤمنين والحسين للنبي ورحلة الحسين من المدينة :

الإشعاع الأول :

حديث الراحلة وحمل الأثقال ورحلة الإمام لكسر الأصنام :

يا طيب : هذا الحديث الآتي له تناسب ومناسبات كثيرة تعرفنا كثير من حقائق الدين ، ومنها أنه لولا مسير الحسين عليه السلام ورحيله من المدينة المنورة لمكة المكرمة ثم لكربلاء لما عرفنا الحق وأهله وكل تعاليمه ، حتى الحديث الآتي من حفيده الإمام الصادق عليه السلام ، أو غيره من معارف الهدى الحق ، ولكن لثورته ترى بعد فتره من الزمان كانوا يقصدون ولد الإمام الحسين عليه السلام ، ويتعلمون منهم دين الله ونور الهدى .

 وإن كان والي المدينة : في زمان الإمام الحسين عليه السلام يعرف شأنه ولكنه كان مطيعا لحاكم زمانه، وكان مجدا لأخذ البيعة لطاغية زمانه ومنفذا لأوامره ، ولو بقي الإمام في المدينة ، وبالخصوص حين تأتيه كتب يزيد وإصراره على أخذ البيعة منه ، وإنه كما عرفت كان مع كتابة يزيد للوليد بعد مكاتبته له أن يعلمه بمن يبايع ويرفض وأن يكون مع الجواب رأس الحسين إن لم يبايع ، والوليد معروف بحبه للحكم والمال وكانت له مع الإمام الحسين عليه السلام حادثة البستان وقول الإمام لأدعو بحلف الفضول إن لم يرجعها له كما مر في الجزء السابق ، وإن ينفذ أمر يزيد بكل قوة من أجل منصبه .

ولكن بعد فترة : لخروج الإمام الحسين عليه السلام وثورته ، يعرف الحق وأهله ، ونرى إن حاكم المدينة يأتي يتعلم من الإمام الصادق حفيد الإمام الحسين عليه السلام ، وإن كان مطيعا لطاغية زمانه ، ولكنه عرف بالحسين وآله الحق ، وأخذوا يرجعون لأهل البيت عليهم السلام عندما يحبون معرفة الصواب حقا ، فرجعوا للإمام الحق من آل الحسين عليهم السلام ويسألوا ويستفسروا منه .

ثم في الحديث الآتي : نرى إن الإمام الحسين عليه السلام رحل بأهله ولم يمكن له محل في المدينة المنورة ، وأرتحل بأهل بيته من المدينة وهي محل ولادته وسكنه و باب بيته مفتوح لمسجد رسول الله ولم تسد بابه بأمر الله ، ولكنه صار لا محل له فيها ، وكان لما أرتحل النبي الأكرم في الصلاة لم ينزله ، وإنما كان يحمله ويضعه في كل ركعة حبا له ، ومنه تعلمنا كيف نتعلم تربية الأبناء في أهم مرحلة من حياتهم ، ولكن لما جاء زمان الطغاة لم تحمله المدينة كلها ولا أهلها ، حتى لم يكن له محل فيها ، وأرتحل منها فخرج بالمحامل مع آله الكرام وأهل بيته أهل بيت رسول الله من المدينة المنورة لمكة المكرمة .

وكما عرفت أنه : خرج يوم المبعث ليبعث الحياة في دين الله ولينير طريقه أبدا بعد أن أظلم بفعل أهل الفجور ، وخرج ليكسر أصنام الفكر ، بعد ما سترى في هذا الحديث كيف أبيه أرتحل وصعد على كتف النبي الأكرم ليكسر ويزيل الأصنام عن الكعبة و بيت الله، وهو عليه السلام خرج ليكسر أصنام العقول التي أضلها طغاة زمانه فتدبره:

قال الصدوق في علل الشرائع : باب العلة التي من أجلها لم يطق أمير المؤمنين عليه السلام حمل رسول الله صلى الله عليه وآله لما أراد حط الأصنام من سطح الكعبة ، وحمله النبي الأكرم ، قال بالإسناد : عن عبد الجبار بن كثير التميمي اليماني قال :

سمعت محمد بن حرب الهلالي أمير المدينة يقول :

سألت جعفر بن محمد عليه السلام فقلت له : يا بن رسول الله في نفسي مسألة أريد أن أسألك عنها ؟

فقال عليه السلام : إن شئت أخبرتك بمسألتك قبل أن تسألني وان شئت فسل ؟

 قال : قلت له يا بن رسول الله وبأي شيء تعرف ما في نفسي قبل سؤالي ؟

فقال عليه السلام : بالتوسم والتفرس ، أما سمعت قول الله عز وجل :

{ إِنَّ فِي  ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّلْمُتَوَسِّمِينَ (75)  } الحجر .

وقول رسول الله صلى الله عليه وآله : اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله .

 قال : فقلت له : يا بن رسول الله فأخبرني بمسألتي .

قال : أردت أن تسألني عن رسول الله صلى الله عليه وآله لمَ لمْ يطق حمله علي عليه السلام عند حط الأصنام من سطح الكعبة ، مع قوته وشدته ، وما ظهر منه في قلع باب القموص بخيبر ، والرمي به إلى ورائه أربعين ذراعا ، وكان لا يطيق حمله أربعون رجلا ، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله يركب الناقة والفرس والحمار ، وركب البراق ليلة المعراج وكل ذلك دون علي في القوة والشدة .

قال : فقلت له : عن هذا والله أردت أن أسألك يا بن رسول الله ، فأخبرني .

فقال عليه السلام : إن عليا عليه السلام برسول الله تشرف ، وبه ارتفع ، وبه وصل إلى أن أطفأ نار الشرك ، وأبطل كل معبود من دون الله عز وجل،  ولو علاه النبي صلى الله عليه وآله لحط الأصنام ، لكان عليه السلام بعلي مرتفعا وتشريفا وواصلا إلى حط الأصنام ، ولو كان ذلك كذلك لكان أفضل منه .

ألا ترى أن عليا عليه السلام قال : لما علوت ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله ، شرفت ، وارتفعت حتى لو شئت أن أنال السماء لنلتها .

أما علمت : أن المصباح هو الذي يهتدي به في الظلمة وانبعاث فرعه من أصله .

وقد قال علي عليه السلام : أنا من احمد كالضوء من الضوء .

أما علمت : أن محمدا وعليا صلوات الله عليهما ، كانا نورا بين يدي الله عز وجل قبل خلق الخلق بألفي عام .

وان الملائكة : لما رأت ذلك النور ، رأت له أصلا قد تشعب منه شعاع لامع .

فقالت : إلهنا وسيدنا ما هذا النور ؟

فأوحى الله تبارك وتعالى إليهم : هذا نور من نوري ، أصله نبوة ، وفرعه إمامة .

أما النبوة : فلمحمد عبدي ورسولي .

وأما الإمامة : فلعلي حجتي ووليي ، ولولاهما ما خلقت خلقي .

أما علمت : أن رسول الله صلى الله عليه وآله رفع يد علي عليه السلام بغدير خم حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ، فجعله مولى المسلمين وإمامهم .

وقد أحتمل

صلى الله عله وآله وسلم

 الحسن والحسين عليهما السلام يوم حظيرة بني النجار .

فلما قال له بعض أصحابه : ناولني احدهما يا رسول الله .

قال : نعم الراكبان

 وأبوهما خير منهما .

وانه صلى الله عليه وآله :

 كان يصلي بأصحابه فأطال سجدة من سجداته ، فلما سلم .

قيل له : يا رسول الله لقد أطلت هذه السجدة ؟

فقال صلى الله عليه وآله :

إن أبني أرتحلني .

 فكرهت أن أعاجله حتى ينزل .

 وإنما أراد بذلك صلى الله عليه وآله : رفعهم وتشريفهم .

فالنبي صلى الله عليه وآله : إمام ، ونبي ، وعلي عليه السلام : إمام ليس بنبي ولا رسول ، فهو غير مطيق لحمل أثقال النبوة .

قال محمد بن حرب الهلالي : فقلت له زدني يا بن رسول الله ؟

فقال عليه السلام : إنك لأهل للزيادة .

إن رسول الله صلى الله عليه وآله : حمل عليا عليه السلام على ظهره ، يريد بذلك أنه أبو ولده ، وإمام الأئمة من صلبه .

كما حول صلى الله عليه وآله وسلم : ردائه .

 في صلاة الاستسقاء .

وأراد أن يعلم أصحابه بذلك ، أنه قد تحول الجدب خصبا .

قال : قلت له : زدني يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله .

فقال عليه السلام : احتمل رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام ، يريد بذلك أن يعلم قومه ، أنه هو الذي يخفف عن ظهر رسول الله صلى الله عليه وآله ما عليه من الدين والعدات ، والأداء عنه من بعده .

قال : فقلت له : يابن رسول الله صلى الله عليه وآله زدني ؟

 فقال عليه السلام:

احتمله ليعلم بذلك أنه قد احتمله وما حمُل .

 إلا لأنه معصوم لا يحمل وزرا ، فتكون أفعاله عند الناس حكمة وصوابا .

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله لعلي :

يا علي : إن الله تبارك وتعالى حملني ذنوب شيعتك ، ثم غفرها لي ، وذلك قوله تعالى : { لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ (2)} الفتح .

ولما أنزل الله عز وجل : { إِذَا اهْتَدَيْتُمْ }[29] .

وعلي: نفسي وأخي، أطيعوا عليا، فإنه مطهر معصوم ، لا يضل ولا يشقى.

 ثم تلا هذه الآية : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ

فَإِن تَوَلَّوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُم مَّا حُمِّلْتُمْ

وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُو وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (54) } النور .

 قال محمد بن حرب الهلالي : ثم قال جعفر بن محمد عليه السلام ، أيها الأمير ، لو أخبرتك بما في حمل النبي صلى الله عليه وآله عليا عند حط الأصنام من سطح الكعبة ، من المعاني التي أرادها به ، لقلت إن جعفر بن محمد لمجنون ، فحسبك من ذلك ما قد سمعت . فقمت إليه وقبلت رأسه ، وقلت : الله أعلم حيث يجعل رسالته[30] .

نعم : كان أمير المؤمنين نعم الراكب ورسول الله الحامل ليكسر الأصنام ويبعدها عن الكعبة والعبادة لها، وكان إمامي الهدى الحسن والحسين نعم الراكبان كما سيأتي تفصيل الحديث فيما يأتي من الأذكار الآتية ، وهو أنه أرتحل رسول الله في الصلاة فكان نعم الراكب، وكان رسول الله يعرفهم شأنه الكريم وكرامته عند الله ورسوله ، ويشرفه رسول الله بالركوب له ، ولا يُعجل به لينزل وهو في الصلاة حتى لو يتأخر المصلون وهو إمامهم ، بل كان كثير ما يحمله ويقال له نعم الراحلة يا حسين ارتحلت فكان يقول لهم رسول الله ونعم الراكب فإنه سيد شباب أهل الجنة ومرت الأحاديث في جزء ولادته عليه السلام .

ولكنه خرج روحي له الفداء : وقد استعجلوه وأجبروه على أن يرحل من المدينة ، وجعلوه يخرج من المدينة بمحمل آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، ولم يعرفوا أنه خارج ليكسر كل صنم بنوه في فكر كل ظالم وطاغية وأتباعهم إلى يوم القيامة ، ويعلم المؤمنين الصابرين مسير الحياة وصراطها المستقيم في رفض كل طغيان وظلم أبدا مهما كان شأنه.

وجده الكريم : سقاهم ماء الحياة وجعل نعيم الله يصب عليهم حين استسقى لهم ، وهو كجده يسقيهم ماء الحياة ومعين معارف الحق ، وهم يحرموه الماء ولم يسقوه .

فهو عليه السلام : كان إمام كأبيه وجده يعرف شيعته الطريق والصراط المستقيم متحملا لكل مصائب الحياة ومصاعب الدنيا وما جار عليه أهل الزمان .

 فيحمل : المؤمنين على المحجة البيضاء ويمسكهم العروة الوثقى ويبين لهم طريق الرشد ، ويعرفهم هدى الله فيدخلهم نعيمه أبدا ، وهذا سبيله واضح لمن يحب أن يسير عليه ويسلكه صراطا مستقيما .

 فصلاة الله عليه : في كل خطوة خطاها لتعريف الهدى وشكر الله سعيه ، وتدبر سورة الفتح التي تعرفنا كيف غفر الله لنبيه بفتح مكة  ، والإمام يدخلها ليفتح عقول العالم لمعرفة محل الهدى وصراطه المستقيم عند المنعم عليه بتعاليم الله حقا ، وما يجب أن يعبد به سبحانه واقعا ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذن الله لمن يحب ويشاء أن يقتدي بهداه ومعارف وتعاليم آله صلى الله عليهم وسلم .

 

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

رحلة الإمام الحسين من المدينة لمكة المكرمة والمراحل بينهما :

يا طيب : ذكر أصحاب المقاتل والسير : إن الإمام الحسين عليه السلام بعد أن رفض البيعة لطاغية زمانه أقام الحسين عليه السلام في منزله تلك الليلة ، و هي ليلة السبت لثلاث بقين من رجب سنة ستين  ، قد خرج من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة 60 للهجرة، ودخل مكة المكرمة لثلاثة أيام مضين من شهر شعبان .

وعلى فرض : أن رجب كان كاملا ثلاثين يوما ، فيكون مدة المسير خمسة أيام ، وإن المسافة بين مكة والمدينة حدود الأربعمائة كيلو مترا ، لكون الطريق غير معبد ولا مستقيم وهو مسير بين الجبال والتلال ووعر جدا ، وفيه صعود ونزول كثير  .

ويا طيب : قد عرفت أن المفيد قال : فسار الحسين إلى مكة وهو يقرأ :

 {فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (18)} القصص .

 ولزم الطريق الأعظم. فقال له أهل بيته: لو تنكبت عن الطريق كما فعل ابن الزبير كيلا يلحقك الطلب، فقال : لا والله لا أفارقه حتى يقضي الله ما هو قاض [31].

فيكون مسير الإمام ورحله : في كل يوم ما يقارب لـ80 كيلوا ، ولم ينقل لأحد في سفره أنه قطع هذه المسافة وسار بهذه السرعة حتى في هجرة النبي الأكرم .

فهل كانت تطوى لسيد شباب أهل الجنة الأرض : ليعرف الناس أن يوم دخوله مكة هو يوم ولادته ، وإن يوم رفضه لبيعة طاغية زمانه هو يوم بعثة الرسول ورفض الجهل وكل ضلال وطغيان ، وإنه ليبقيه الله سبحانه وينجيه بمعجزة حتى يلاقي مصرعه في محل أعده الله له ، حتى ليكون منهلا لكل عاشق للحرية والعدل والهدى الحق .

ويا طيب : هذا بيان مختصر للمراحل التي يتنقل بها الراحل بين مكة والمدينة للطريق العام من أهم الكتب لنعرف معجزة رحلة الحسين في خمسة أيام بدل عشرة أيام للراحل.

 


 

 

القبس الأول :

عشرة مراحل بين المدينة المنورة ومكة المكرمة :

يا طيب : إن المراحل والمنازل بين مكة المكرمة والمدينة المنورة على الطريق العام عشرة ، وتقطع كل مرحلة في يوم ، فيكون السفر للقافلة بين مكة والمدينة المنورة في عشرة أيام ، وإن الإمام الحسين عليه السلام قد سار فيه وسلكه في خمسة أيام بدل عشرة أيام ، ومن غير الممكن لأحد أن يقطع هذه المسافة حتى صاحب الفرس السريع فضلا عن غيره ، وقد ذكر منازل ومراحل هذا الطريق في كثير من الكتب المتقدمة منها .

قال في أحسن التقاسيم [32]: قد جعلنا المراحل ستة فراسخ ، وسبعة ، فإن زادت نقطنا على الهاء نقطتين فإن جاوزت العشرة نقطنا تحت اللام نقطتين فإن نقصت عن الستة نقطت فوق الهاء نقطة.

 ويا طيب إن :

 الفرسخ = 3 ثلاثة أميال .

والميل = 4000 أربعة آلاف ذراع .

الميل = 1.82  متر أي ألف وثمانمائة وعشرون مترا .

فالفرسخ = 5.5 كيلو مترا .

فتكون المرحلة : إذا كانت ستة = 18 ميل ، أو 21 ميل أو أكثر أو أقل .

 وعلى القول الأصح متوسط المرحلة : 8 فراسخ في 3 أميال تساوي 24 ميلا.

فالمرحلة = 33 ثلاثة وثلاثون كيلومترا تقريبا ، أو 5و38 أو ثمانية وثلاثون ونصف الكيلو مترا  أو قل أو أكثر .

 وعلى التقدير المتوسط الأصح 44 كيلومتر وعليه نعتمد لمقاربته المسافة الآن ، ولتحقيق البحث نذكر المسافة والمراحل حسب ما ذكرت في الكتب القديمة والحديث، وهي تختلف حسب المسير ، فتابع البحث.

فنذكر المراحل : مرتبة من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة ، ونذكرها كذلك بترتيب أخر من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، كم في أحسن التقاسيم وهي كما في الجدول الآتي :

المراحل بين مكة المكرمة

إلى المدينة المنورة

الدرب من المدينة المنور

إلى مكة المكرمة

تأخذ من مكة

إلى بطن مر مرحلة

ثم إلى عسفان مرحلة

ثم إلى خليص وأمج مرحلة

ثم إلى الخيم مرحلة

ثم إلى الجحفة مرحلة

ثم إلى الأبواء مرحلة

ثم إلى سقيا بني غفار مرحلة

ثم إلى العرج مرحلة

ثم إلى الروحاء مرحلة

ثم إلى رويثة مرحلة

ثم إلى يثرب مرحلة

 

من يثرب المدينة المنورة

ثم إلى رويثة مرحلة

ثم إلى الروحاء مرحلة

ثم إلى العرج مرحلة

ثم إلى سقيا بني غفار مرحلة

ثم إلى الأبواء مرحلة

ثم إلى الجحفة مرحلة

ثم إلى الخيم مرحلة

ثم إلى خليص وأمج مرحلة

ثم إلى عسفان مرحلة

ثم إلى بطن مر مرحلة

ثم إلى مكة المكرمة مرحلة

 

وذكر اليعقوبي في تأريخ البلدان[33] :

ترتيب بتغيير أسماء المنازل في المراحل حسب زمنه ، وهي :

 

المراحل بين مكة المكرمة

والمدينة المنورة

المراحل بين المدينة المنور

ومكة المكرمة

من مكة إلى

إلى بطن مر مرحلة

ثم إلى عسفان مرحلة

ثم إلى قديد مرحلة

ثم إلى الجحفة مرحلة

ثم إلى الابواء مرحلة

ثم إلى سقيا بني غفار مرحلة

ثم إلى العرج مرحلة

ثم إلى الرويثة مرحلة

ثم إلى الروحاء مرحلة

ثم إلى السيالة مرحلة

ثم إلى ملل مرحلة :

ثم إلى الحفيرة مرحلة

ثم إلى ذي الحليفة مرحلة

المدينة المنور

ثم إلى ذي الحليفة مرحلة

ثم إلى الحفيرة مرحلة

ثم إلى ملل مرحلة :

ثم إلى السيالة مرحلة

ثم إلى الروحاء مرحلة

ثم إلى الرويثة مرحلة

ثم إلى العرج مرحلة

إلى سقيا بني غفار مرحلة

ثم إلى الابواء مرحلة

ثم إلى الجحفة مرحلة

ثم إلى قديد مرحلة

ثم إلى عسفان مرحلة

إلى بطن مر مرحلة

 

وهذا نص كلام اليعقوبي في البلدان[34] : المنازل بين مكة :

ومن المدينة إلى مكة عشر مراحل عامرة آهلة : فأولها :

ذو الحليفة : ومنها يحرم الحاج إذا خرجوا من المدينة ، وهي على أربعة أميال من المدينة .

ومنها إلى الحفيرة : وهي منازل بني فهر من قريش .

وإلى ملل : وهي في هذا الوقت منازل قوم من ولد جعفر بن أبي طالب .

وإلى السيالة : وبها قوم من ولد الحسن بن علي بن أبي طالب عم وكان بها قوم من قريش وغيرهم .

وإلى الروحاء :  وهي منازل مزينة .

وإلى الرويثة  : وبها قوم من ولد عثمان بن عفان وغيرهم من العرب .

وإلى العرج : وهي أيضاً منازل مزينة .

وإلى سقيا بني غفار : وهي منازل بني كنانة .

وإلى الأبواء : وهي منازل أسلم .

وإلى الجحفة : وبها قوم من بني سليم وغدير خم من الجحفة على ميلين عادل عن الطريق.

وإلى قديد : وبها منازل خزاعة .

وإلى عسفان .

وإلى مر الظهران : وهي منازل كنانة .

وإلى مكة .

ومن المدينة إلى مكة : 225 مائتان وخمسة وعشرون ميلاً .

 والحاج : ينزلون هذه المنازل وغيرها من المناهل ، ويطول قوم ويقصر آخرون على ما يذهبون إليه في المسير من السرعة والإبطاء ، فيدخل الناس إلى مكة من ذي طوى :  وهي أسفل مكة ، ومن عقبة المدنيين : وهي أعلى مكة ،  ومنها دخول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

ويا طيب : على قوله من المدينة إلى مكة = 225 ميلا ، وعلى القول الأصح أن الميل يساوي 1820 مترا ، تكون المسافة : 225× 1820 = 409500 مترا .

 

ويا طيب : قال في نزهة المشتاق في اختراق الآفاق[35]: في تعيين الجادة والطريق:

من مكة إلى المدينة : التي تسمى يثرب على طريق الجادة ، نحو من عشر مراحل ، وذلك أن :

من مكة إلى بطن مر : ستة عشر ميلاً ، وهو منزل فيه عين ماء في مسيل رمل وحوله نخيلات يأوي إليه قوم من العرب.

ومن بطن مر إلى عسفان : ثلاثة وثلاثون ميلاً ، وعسفان : حصن بينه وبين البحر نحو من عشرة أميال ، وبه آبار ماء عذبة ، ويسكنه قوم من جهينة .

ومنه إلى قديد: أربعة وعشرون ميلاً، وقديد : حصن صغير فيه أخلاط من العرب، سمة الشقاء عليهم بادية ، ولهم نخيلات يتعيشون منها ، وبين قديد والبحر خمسة أميال.

ومن قديد إلى الجحفة : ستة وعشرون ميلاً ، والجحفة : منزل عامر آهل فيه خلق كثير لا سور عليه ، وهو ميقات أهل الشام ومنه إلى البحر نحو أربعة أميال.

ومن الجحفة إلى الأبواء : سبعة وعشرون ميلاً ، والأبواء : منزل فيه آبار.

ومنه إلى السقي : سبعة وعشرون ميلاً ، والسقي : منزل على نهر جار وبه بستان وحدائق نخل ، وفيه قوم من طي ، وسائر قبائل العرب.

ومن السقيا إلى الرويثة : ستة وثلاثون ميلاً ، وفيها برك ماء أربع وليس بها عامر.

ومنها إلى سيالة : أربعة وثلاثون ميلاً ، وهو منزل قليل العامر فيه آبار ماء شروبة.

ومنها إلى ملل : سبعة عشر ميلاً ، وهو منزل وبه آبار غدقة كثيرة الماء.

ومنها إلى الشجرة : وهو ميقات أهل المدينة اثنا عشر ميلاً ، وهو منزل به قوم من العرب قلة  ، ومنها إلى المدينة ستة أميال :

الجملة : مائتان وسبعون ميلاً.

يا طيب : أي تكون المسافة: 491400 متر، أي يقارب الخمسمائة كيلومتر.

وقال في المسالك والممالك [36]: طريق الجادّ من المدينة إلى مكّة :

من المدينة : إلى الشجرة وهي ميقات أهل المدينة ، 6 ستة أميال .

يا طيب : تكون المسافة :10920 مترا ، أي 10 عشرة كيلومترات ، و920 تسعمائة وعشرون مترا ، أي ما يقارب 11 الأحد عشر كيلو متر ، فيكون هنا محل لصلاة الظهر وللإحرام بالنسبة للحاج والقاصد لمكة المكرمة .

ثم إلى ملَل : فيها آبار ، 12 اثنا عشر ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 21840 مترا ، أي 21 واحد وعشرون كيلومترا ، و840 ثمانمائة وأربعون مترا .

ثم إلى السّيالَة : فيها آبار ، 19 تسعة عشر ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة :34580 مترا ، أي 34 أربعة وثلاثون كيلومترا ، 580 ونصف تقريبا أي وخمسمائة وثمانون مترا .

ثم إلى الرُّويثة : فيها برك 34 أربعة وثلاثون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 51880 مترا ، أي 51 واحد وخمسون كيلو مترا ، و 880 ثمانمائة وثمانون مترا .

ثم إلى السُّقيا : فيها نهر جار وبستان ، ستة وثلاثون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 65520 مترا ، أي 65 خمسة وستون كيلومتر و 520 خمسمائة وعشرون مترا .

ثم إلى الأبواء : فيها آبار ، سبعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 49140 مترا ، أي ما يقارب الخمسون كيلومترا ، 49 كيلومتر ، و 140 مترا .

ثم إلى الجُحفة : وهي من تهامة ، وفيها آبار ، سبعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 49140 مترا ، أي ما يقارب الخمسون كيلومترا ، 49 كيلومتر ، و 140 مترا .

ثم إلى قُديد : فيها آبار ، سبعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 49140 مترا ، أي ما يقارب الخمسون كيلومترا ، 49 كيلومتر ، و 140 مترا .

ثم إلى عسفان : فيها آبار ، أربعة وعشرون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 43680 مترا ، أي 43 ثلاثة وأربعون كيلومترا و 680 مترا . وعسفان : على بعد مرحلتين من مكة .

ثم إلى بطن مر : فيها عين وبركة ، ثلاثة وثلاثون ميلاً .

يا طيب : تكون المسافة : 60060 مترا ، أي 60 ستون كيلومترا ، و 60  مترا .

ثم إلى مكة : ستة عشر ميل[37] .

يا طيب : تكون المسافة : 29120 مترا ، أي 29 كيلومترا و 120 مترا .

 

ويا طيب : عرفت بأن الميل كان 1820 مترا ،  ولو جمعنا المراحل وهي :

10920 متر من المدينة إلى الشجر .

21840 متر من الشجرة إلى ملل .

34580 متر من ملل إلى السيالة . 67340

51880 متر من السيالة إلى الرويثة .

65520 متر من الرويثة إلى السقيا .

49140 متر من السقيا إلى الأبواء .

49140 متر من الأبواء إلى الجحفة .

49140 متر من الجحفة إلى قديد .

43680 متر من قديد إلى عسفان .

60060 من من عسفان إلى بطن مر .

29120 من بطن مر إلى مكة المكرمة .

......

465020 متر المجموع أي 465 كيلومترا و20 عشرون مترا .

وهذا القول أوسط الأقوال :

بين قول اليعقوبي الذي كان 409500 مترا أي 409 كيلومتر .

وقول صاحب نزهة المشتاق : 491400 مترا أي 491 كيلو متر :

 

ويا طيب : إن المسافة المقدرة الآن على الطرق الحديثة تبعد المدينة المنورة عن مكة المكرمة 430 كم شمالاً .

 

والمدينة المنورة : المدينة وترتفع عن سطح البحر 625 متراً تقريباً .

وأمام مكة المكرمة :يبلغ ارتفاعها عن سطح البحر ما بين 250مترًا إلى 350متر ، وأما أعلى قمة جبالها فيبلغ 800 متر فوق سطح البحر .

 

ويا طيب : ذكر العلامة الأميني رحمه الله في كتاب الغدير[38] ، حجة الوداع للنبي الأكرم ، وهو مسيرة من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة بالترتيب الآتي فيكون عشرة أيام ، إلا أن يحسب مسيرة من المدينة المنورة لملل يوم فيكون أحد عشر يوم ، فقال :

 

ملل  : الأحد 1  صبح فيه ، ثم سار .

شرف السيالة :  تعشى . عرق الظبية : الاثنين 2  صلاة الصبح .

الروحاء :  صلى العصر بالمنصرف ، والمغرب والعشى بالمتعشى .

الإثابة : صلاة صبح 3 الثلاثاء . العرج : الثلاثاء 3  يومه .

لحى جمل : عقبة الجحفة  أحتجم .

السقياء :  4 الأربعاء يومها .

الأبواء : 5 الخميس صبحه .

الجحفة :  6  الجمعة يومها .

قديد :  7  السبت سبت فيه .

عسفان : 8 الأحد يومه وفي الغميم  كان مشيهم سريع .

مر الظهران :  9 يوم الاثنين .

الثنيتين :  10  ليلة الثلاثاء .

مكة المكرمة :  يوم الثلاثاء .

يا طيب : فهذه عشرة مراحل قطعها النبي الأكرم في عشرة أيام في سفره من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة .

وعرفت يا طيب : كلهم قدر المسافة بعشرة مراحل ، إن لم نقل أحد عشر مرحلة وهم يقطعون ما يقارب المسافة الشرعية 44 كيلو متر في اليوم ، وعرفت المراحل .

وإن الإمام الحسين عليه السلام : كما عرفت قطعها في خمسة أيام .

وهم يقطعوها في عشرة أيام على أقل تقدير .

 

 

 

 


 

 

 

 

القبس الثاني :

المسافة الشرعية والمرحلة أربعة وأربعون كيلومترا :

ولتأكيد البحث : نذكر :

المسافة الشرعية :

يا طيب : ذكر أغلب المحققون والفقهاء والباحثون في المسافة ،  أن :

الفرسخ = 3 ثلاثة ميل .

والميل = 4000 أربعة آلاف ذراع .

الميل = 1.82  متر أي ألف وثمانمائة وعشرون مترا .

فالفرسخ = 5.5 كيلو مترا .

وهناك أقوال شاذة لم يعتن بها كثيرا ولم يعرها أهمية أحد إلا من ندر .

ولمعرفة أن المسافة للمرحلة : التي يقطعها المسافرون في قافلة محملة في يوم كامل معتدل ربيعي ليس بالطويل ولا بالقصير : هي ثمانية فراسخ ، نذكر بعض الروايات :

يا طيب : عن  عبد الله بن يحيى الكاهلي عن أبي عبد الله يقول : في التقصير في الصلاة بريد في بريد ، أربعة و عشرون ميلا ، ثم قال كان أبي عليه السلام يقول :

إن التقصير : لم يوضع على البغلة السفواء ، و الدابة الناجية.

 و إنما وضع على سير القطار [39].

ويا طيب : السفواء السريعة ، والناجية : أي ينجو من ركبها أي سريعة ، والقطار : القافلة المحملة .

وفي علل الشرائع : عن الفضل بين شاذان عن الإمام الرضا عليه السلام قال :

فإن قال : فلم وجب التقصير في فراسخ لا أقل من ذلك و لا أكثر ؟

قيل : لأن ثمانية فراسخ : مسيرة يوم للعامة و القوافل و الأثقال ، فوجب التقصير في مسيرة يوم .

فإن قال : فلم وجب التقصير في مسيرة يوم ؟

قيل : لأنه لو لم يجب في مسيرة يوم لما وجب في مسيرة ألف سنة ، و ذلك أن كل يوم يكون بعد هذا اليوم ، فإنما هو نظير هذا اليوم ، فلو لم يجب في هذا اليوم لما وجب في نظيره إذا كان نظيره مثله ، و لا فرق بينهما .

فإن قال : قد يختلف المسير  ، و ذلك : أن سير البقر إنما هو أربعة فراسخ ، و سير الفرس عشرين فرسخا ، فلم جعلت أنت مسيرة يوم ثمانية فراسخ ؟

قيل : لأن ثمانية فراسخ هو سير الجمال و القوافل ، و هو الغالب على المسير ، و هو أعظم السير الذي يسيره الجمالون و المكارون [40].

 

وعلى هذا تقدر المسافة الشرعية الموجبة للتقصير ، بمسير اثنتي عشرة ساعة مشيا متعارفا هادئا ، وهو قريب من الحقيقة .

 فالمسافة الموجبة للتقصير والإفطار : هي بريدان إجماعا ونصوصا ، وهي ثمانية فراسخ امتدادية ذهابا أو إيابا ، أو ملفقة من أربعة في الذهاب وأربعة في الإياب ، ولا يكفي اقل من ذلك . فلو نقص الذهاب وزاد الإياب أو بالعكس ، حتى تمت ثمانية فراسخ لم يكف .

وهي أربعة وعشرون ميلا إجماعا ونصا ، أي ثمانية فراسخ في ثلاثة أميال ، لأن كل فرسخ يساوي ثلاثة أميال .

فتساوي 38.4 كيلو مترا على القول الأول وفيه الميل=1 كيلومتر و 600 متر.

وتساوي 44 كيلو مترا على القول الثاني وهو المشهور  وفيه الميل =1 كيلومتر و 820 متر وعليه حسبنا المسافة أعلاه .

وهو أقرب للحقيقة : كما عرفت تحقيقه في الإشعاع السابق ، لأنه يقارب المسافة المتوسطة حسب  ما ذكر ، وحسب التقدير للطريق العام الآن .

 ويا طيب : قال في الحدائق الناظرة : قد ذكروا في مسافة التقصير :

أنها عبارة عن أربعة وعشرين ميلا .

وهو بياض يوم باتفاق الأخبار والأصحاب .

ذكره الفيومي في المصباح ، فانه قال :

 والمرحلة : المسافة التي يقطعها المسافر في نحو يوم ، والجمع مراحل .

ويا طيب : ظاهر هذه العبارة كونها عبارة عن مسافة يوم يساوي  = 43680 مترا.

والآن أكثر الفقهاء إن لم نقل كلهم :

 يقولون : إن المسافة الشرعية 44 أربعة وأربعون كيلومترا .

 

ويا طيب : بعض المراحل التي ذكرناها أعلاه قد تتخذ متعشى ولا يبيت فيها المسافر ، وبعضها يصلى بها الظهر ويرحل عنها ، والمسافة بينها من 25 كيلومترا  ، إلى مسافة يتم فيها القصر وهي 44 كيلومترا أو كما يقال 38 كيلومترا على بعض الأقوال .

 وقد تكون المراحل : أكثر أو أقل حسب توفر المياه ، وإن شاء الله يأتي بيان بعض ما يقال في المسافات بتفصيل أكثر في صحيفة خاصة ، و إن شاء الله نشخص المسير على الخرائط العالمية في كوكل وأم اس أن وغيرها ، ونعرضه على شكل فلم حي لكي نتعرف على مسار الإمام عليه السلام من مدينة إلى مكة المكرمة ، ومن مكة المكرمة إلى كربلاء ، بل من كربلاء للكوفة والشام ثم كربلاء ، ونتحدث عن آل الحسين عليهم السلام كيف رجعوا للمدينة المنورة بعد أن أدوا رسالتهم الخالدة .

 


 

القبس الثالث :

الإمام الحسين يقطع عشرة مراحل في خمسة أيام :

يا طيب : قد عرفت تفصيل القول في هذه المراحل في درب الإمام أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، وهي في طريقه من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة ، وهي نفسها كانت في الطريق العام الذي يسلكه كل من يسير من المدينة المنورة أو من مكة المكرمة إلى المدينة المنور في الطريق العام ، وما ذكرنا كان أهم المنازل في طريقهم في زمنه وزمن جده وأبيه وذريته المعصومين عليهم السلام ، والتي كانت في سبيل الصراط المستقيم إلى النعيم الأبدي لكل من سار على درب الحسين المعنوي الحق ، ومتبرئا من أعدائهم على طول الزمان ، فقد ركب وارتحل سفينة النجاة وتنور بمصباح الهدى والدين من اقتدى بالحسين وآله صلى الله عليهم وسلم .

ويا طيب : على ما عرفت من التفصيل :

بأن مسير الإمام الحسين عليه السلام : يقارب المائة كيلومتر في اليوم ، أي يقطع ما يساوي مرحلتين في يوم واحد ، وهو مسير معجز لا يتيسر لأحد حتى لصاحب الفرس بل الأفراس أن يبدل بينها على طول الطريق .

 وذلك : لأن الإمام كان مسيره بقطار وقافلة مع أهله ، وليس على فرس وحده ، وعرفت أنه قال المفيد رحمة الله : أن الإمام الحسين رفض البيعة يوم وصول هلاك معاوية للمدينة وتسلط يزيد :

و هي ليلة السبت : لثلاث بقين من رجب سنة ستين  .

 قد خرج من المدينة : ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنة 60 للهجرة.

 ودخل مكة المكرمة لثلاثة أيام مضين من شهر شعبان .

 

وقال الطبري في تأريخ الرسل والملوك وابن كثير في البداية والنهاية :

قال أبو مخنف: حدثني الصقعب بن زهير، عن عون بن أبي جحيفة، قال: كان مخرج مسلم بن عقيل بالكوفة يوم الثلاثاء لثمان ليال مضين من ذي الحجة سنة ستين - ويقال يوم الأربعاء لسبع مضين سنة ستين من يوم عرفة بعد مخرج الحسين من مكة مقبلاً إلى الكوفة بيوم .

وقال: وكان مخرج الحسين من المدينة إلى مكة :

 يوم الأحد : لليلتين بقيتا من رجب سنة ستين .

 ودخل مكة : ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان.

 فأقام بمكة : شعبان وشهر رمضان وشوالاً وذا القعدة .

 ثم خرج منها : لثمانٍ مضين من ذي الحجة يوم الثلاثاء يوم التروية ، في اليوم الذي خرج فيه مسلم بن عقيل[41].

 

وقال اليافعي في مرآة الجنان :

وحاصل ما ذكروا : أن يزيد أرسل إلى الوليد بن عتبة أن يأخذ له البيعة على الناس ، فأرسل إلى الحسين بن علي وإلى عبد الله بن الزبير ليلاً ، فأتى بهما ، فقال : بايعا .

 فقالا : مثلنا لا يبايع سراً ، ولكن نبايع على رؤوس الأشهاد إذا أصبحنا ، فرجعا إلى بيوتهما وخرجا من ليلتهما إلى مكة .

وذلك لليليتين : بقيتا من رجب .

 فأقام الحسين : بمكة شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة ، وخرج يوم التروية يريد الكوفة ، فبعث عبيد الله بن زياد ابن أبيه خيلاً وأمر عليهم أميراً سموه من أولاد بعض الصحابة أكره ذكره فأدركه بكربلاء [42].

وذكر ابن الجوزي في المنتظم : ثم دخلت سنة ستين:

وفي هذه السنة توفي معاوية ، وبويع لابنه يزيد :

وقد أسند : يزيد بن معاوية الحديث ، فروى عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وإسنادنا إليه متصل، غير أن الإمام أحمد سئل: أيروى عن يزيد الحديث؟

فقال: لا، ولا كرامة ، فلذلك امتنعنا أن نسند عنه .

وقد ذكرنا : أن معاوية لما مات كان ابنه يزيد غائباً، فلما سمع بموت أبيه معاوية قدم وقد دفن، فبويع له وهو ابن اثنتين وثلاثين سنة وأشهر ، فأقر عبيد الله بن زياد على البصرة، والنعمان بن بشير على الكوفة ، وكان أمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص، وأمير المدينة الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، ولم يكن ليزيد همّ حين ولي إلا بيعة النفر الذين أبوا على أبيه الإجابة إلى بيعة يزيد .

 فكتب إلى الوليد بن عتبة : أما بعد، فخذ حسيناً وعبد الله بن عمر، وعبد الله بن الزبير بالبيعة أخذاً شديداً ليست فيه رخصة حتى يبايعوا ، والسلام .

فبعث إلى مروان، فدعاه واستشاره وقال : كيف ترى أن أصنع ؟

 قال : إني أرى أن تبعث الساعة إلى هؤلاء النفر فتدعوهم إلى البيعة، فإن فعلوا قبلت ، وإن أبوا ضربت أعناقهم قبل أن يعلموا بموت معاوية ، فإنهم إن علموا بموته وثب كل واحد منهم في جانب ، فأظهر الخلاف والمنابذة ، إلا أن ابن عمر لا أراه يرى القتال ، ولا يحب الولاية ، إلا أن تُدْفَع إليه عفواً .

وأرسل عبد الله بن عمرو بن عثمان : وهو غلام حدث إلى الحسين وابن الزبير يدعوهما ، فوجدهما في المجلس جالسين فقالا : أجيبا الأمير .

 فقالا له : انصرف ، فالآن نأتيه .

 ثم أقبل ابن الزبير على الحسين فقال له : ما تظن فيما بعث إلينا ؟

 فقال الحسين : أَظن طاغيتهم قد هلك، وقد بعث هذا إلينا ليأخذنا بالبيعة قبل أن يفشوا الخبر. قال: وأنا ما أظن غيره، فما تريد أن تصنع؟

قال: اجمع فتياني الساعة، ثم أسير إليه، فإذا بلغت الباب احتبستهم.

 قال: فإني أخافه عليك إذا دخلت قال: لا آتيه إلا وأنا على الامتناع.

قال : فجمع مواليه وأهل بيته، ثم قام يمشي حتى انتهى إلى باب الوليد ، وقال لأصحابه : إني داخل، فإن دعوتكم أو سمعتم صوتي قد علا فاقتحموا علي بأجمعكم، وإلا فلا تبرحوا حتى أخرج ، فدخل وعنده مروان ، فسلم عليه بالإمرة وجلس ، فأقرأه الوليد الكتاب ، ونعى إليه معاوية ، ودعاه إلى البيعة .

 فقال الحسين : إنا للّه وإنا إليه راجعون ، رحمِ الله معاوية، وعظم لك الأجر.

 أما ما سألتني من البيعة : فإن مثلي لا يعطي بيعته سراً ، ولا أراك تجتزي مني سراً دون أن تظهرها على رؤوس الناس علانية . قال : أجل .

قال: فإذا خرجت إلى الناس فدعوتهم إلى البيعة دعوتنا مع الناس فكان أمراً واحداً.

فقال له الوليد : وكان يحب العافية، فانصرف على اسم الله حتى تأتينا مع جماعة الناس . فقال له مروان : والله إن فارقك الساعة ولم يبايع لا قدرت منه على مثلها أبداً حتى تكثر القتلى بينك وبينه، احبس الرجل ولا يخرج من عندك حتى يبايع أو تضرب عنقه .

فوثب الحسين عند ذلك فقال: يا ابن الزرقاء، أنت تقتلني أو هو؟ كذبت والله وأثمت. ثم خرج .

فقال مروان: والله لا يُمكِنك من مثلها من نفسه.

 فقال الوليد : والله ما أحب أن لي ما طلعت عليه الشمس وغربت ، وإني قتلت حسيناً.

وأما ابن الزبير فقال: الآن آتيكم، ثم أتى داره، فكمن فيها، فأكثر الرسل إليه.

 فبعث إليه جعفر بن الزبير فقال له : إنك قد أفزعت عبد الله بكثرة رسلك ، وهو يأتيك غداً إن شاء الله.

 

وخرج : ابن الزبير من ليلته ، فتوجه نحو مكة هو وأخوه جعفر ليس معهما ثالث ، وتنكب الجادة ، فبعث وراءه مَنْ يطلبه فلم يقدروا عليه ، وتشاغلوا عن الحسين عليه السلام في ذلك اليوم .

فخرج : ( الحسين ) من الليل ببنيه وأخوته وبني أخيه وأهل بيته إلى مكة .

لليلتين : بقيتا من رجب .

فدخلها : ليلة الجمعة لثلاث مضين من شعبان.

 وكان مخرج ابن الزبير قبله بليلة [43].

 

فيا طيب على فرض : أن رجب كان كاملا ثلاثين يوما ، فيكون مدة المسير خمسة أيام ، وإن المسافة بين مكة والمدينة حدود الخمسمائة كيلو مترا ، لكون الطريق غير معبد ولا مستقيم وهو مسير بين الجبال والتلال ووعر جدا ، وفيه صعود ونزول كثير  .

وعرفت المراحل : في كل كتب البلدان والتأريخ أنها عشرة مراحل ، ويقطعوها في عشرة أيام ، والإمام قطعها مع قافلة ورحلته مع أهل بيته في خمسة أيام ، فهل طوى الله له أرض ليعلم العباد أنه على نصره قدير ، ولكنه أخره ليختبرهم ويعرفهم شأنه الكريم .

وإن الإمام رفض أن يتنكب الطريق وسار على الطريق العام الذي عرفته .

وإنه عليه السلام : لم يعجل بأهله ولكن الله سهل له هذا ، وإن حتى لو عجل لا يستطيع كإنسان عادي أن يسير هذه المسافة بقافلة محملة بالأهل والأطفال وكل أمتعته ، لأنه أنتقل من المدينة المنورة التي لم تحفظه بأهلها لتغير الزمان ، ولم يستطع أن يسير أكثر من السير العادي فضلا عن السريع إلا بتوفيق الله .

وليرهم الله سبحانه : معجزة للحسين لعلهم يسيرون على صراطه المستقيم ، وإن من يلتحق به ولو بعد حين يبلغ الفتح ويحصل على النعيم المقيم ، رزقنا الله وإياكم كرامته وسيرنا على هديه عليه السلام ، وجعلنا من المتمسكين بولايتهم والخاضعين حبا لإمامتهم ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

 



[1] الكافي ج8ص234ح311 .

[2] بحار الأنوار ج40ب37ص310ح1.

[3] تأريخ اليعقوبي ص 228 .

[4] إرشاد المفيد ص 182، بحار الأنوار ج40ب37ص324ح2.

[5] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. بحار الأنوار ج40ب37ص310ح1، ويا طيب  وطدت : أثبت أساس الملك لك ، وفي البحار : وجثا كدعا ورمى جثوا وجثيا بضمهما جلس على ركبتيه أوقام على أطراف أصابعه .

[6] التذكرة ص 134 .

[7] بحار الأنوار ج40ب37ص312ح1.

[8] إرشاد المفيد ص 182، بحار الأنوار ج40ب37ص324ح2.

[9] إرشاد المفيد ص 183 بحار الأنوار ج40ب37ص325ح2.

[10] تأريخ اليعقوبي 241 .

[11] كتاب الملهوف ص 17 و 18 وتجده في المطبوع بذيل نسخة الكمباني من  المجلد العاشر ص 303 . وهكذا ما بعده ، بحار الأنوار ج40ب37ص324ح2.

[12] مناقب إل أبى طالب ج 4 ص 88 . بحار الأنوار ج40ب37ص325ح2.

[13] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. بحار الأنوار ج40ب37ص312ح1. ذكر في هامش البحار : فيه غرابة فإن مروان كان حاضر المجلس حين دخل الحسين عليه السلام على عتبة ، ولعله تصحيف ابن الزبير، أو يا طيب أنه سقط اسم الوليد في الرواية، وأنهم تألفوا مروان وأعادوه بعد أن خافهم. 

[14] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. بحار الأنوار ج40ب37ص312ح1.

[15] كتاب الملهوف ص 19 و 20 و 25 ، بحار الأنوار ج40ب37ص326ح2.

[16] بحار الأنوار ج40ب37ص327ح2.

[17] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. والخلاق النصيب ، بحار الأنوار ج40ب37ص312ح1.

[18] بحار الأنوار ج40ب37ص331ح2.

[19]الأمالي الشيخ الصدوق  ص 215 ح1 م 30 . الإرشاد ج2ص33 . روضة الواعظين ج1ص171 . نبت بك : أي نبت بك الدار لم يوافقك جوها أو أحوالها ، بحار الأنوار ج40ب37ص326ح2. وقال : الشعفة بالتحريك رأس الجبل ، والجمع شعف وشعوف وشعاف وشعفات ، وهي رؤوس الجبال .

[20] بحار الأنوار ج40ب37ص329ح2.

[21] كتاب الرسائل للكليني جمع فيه رسائل الأئمة عليهم السلام ، راجع النجاشي ص 292 . 

[22] بحار الأنوار ج40ب37ص330ح2.

[23] بحار الأنوار ج41ب37ص88ح26 ، كامل الزيارات ص 97 و 98 .

[24] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. ج40ب37ص312ح1.

[25] الإرشاد ص 184 ، بحار الأنوار ج40ب37ص326ح2.

[26] الإرشاد ج2ص35 ، بحار الأنوار ج40ب37ص332ح2.

[27] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. بحار الأنوار ج40ب37ص313ح1.

[28] بحار الأنوار ج40ب37ص330ح2. وقال انتهى ما نقلناه من كتاب محمد بن أبي طالب .

[29]{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ  إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (105) } المائدة .

[30] علل الشرائع للشيخ الصدوق ج1ص173ب139ح1. ومعاني الأخبار للصدوق ص350 ح1.

[31] الإرشاد ج2ص35 ، بحار الأنوار ج40ب37ص332ح2.

[32]أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم ص 270 .

[33] تاريخ البلدان لليعقوبي ص 78 طبعة النجف الأشرف وص313 طبعة ليدن .  مستمسك العروة للسيد محسن الحكيم ج11ص152 .

[34] البلدان لليعقوبي ج1ص34 .

[35] نزهة المشتاق في اختراق الآفاق ج1ص43 .

[36] المسالك والممالك  ابن خرداذبه  الصفحة 30 

[37] المسالك والممالك  ابن خرداذبه  الصفحة 30  .

[38]  الغدير للشيخ الأميني ج1ص9 عن الإمتاع للمقريزي ص 513 - 517 .

[39] من‏ لا يحضره‏ الفقيه ج1ص436ح1268.

[40] علل‏الشرائع ج1ص265ب182ح9 .

[41] تاريخ الرسل والملوك للطبري ج 3ص 249 . تاريخ الطبري (تاريخ الأمم والملوك) ج3ص293 . البداية والنهاية لابن كثير ج 8ص 158 .

[42] مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان لليافعي ج1ص60 .

[43] المنتظم لابن الجوزي ج2ص190 .

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com