بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام ..

سفينة نجاة

الإمام الحسين عليه السلام

مسير نهضة وثورة الإمام الحسين  على الطغاة
حتى ليلة العاشر من المحرم في كربلاء

المجلس الأول

الذكر الثاني

الإمام الحسين في مكة المكرمة ومكاتباته مع شيعته

يا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام لما رفض بيعة الطاغية كما عرفت ، خرج من المدينة كما قال المفيد : ليلة السبت لليلتين بقين من رجب ، سنة ستين من الهجرة ، وهو مسير بعث جديد ينير به درب الحياة . وكما سيأتي إن سيد الشهداء الإمام الحسين : دخل مكة المكرمة على ما رواه في الملهوف يوم 3 شعبان سنة 60 للهجرة وبقي فيها باقي شهر شعبان ورمضان وشوال وذي القعدة وثمانية أيام من ذي الحجة ، لأنه عليه السلام خرج منها يوم التروية ، فيكون بقائه في مكة المكرمة 124 يوما أو تقل على أكثر الأحوال يومان إذا كان الشهر في بعضها 29 ، ثم يخرج منها إلى كربلاء محل شهادته .

ليحكي عليه السلام : قصة وخلاصة 124 مائة وأربعة وعشرون ألف نبي ، ويحافظ على تعاليمهم ورسالة أولي العزم منهم ، بل ووصي وكل مصلح ، جاهد في سبيل الله لكي يبعث الحياة في هدى الله ، ويقيم دينه الحق الخالص من الانحراف والضلال والباطل وكل ما لا يرضاه الله تعالى .

 فإنه عليه السلام : بإقدامه وتضحيته ، عرفنا إخلاصه وإيثاره لدين الله ، وإنه لحبه عبودية الله وما يقام به دينه قدم  له كل شيء من الروح والبدن وأنفس الآل والأولاد والعيال فضلا عن الأموال فيفديه قربة إلى الله تعالى ، ولكي تبقى له ذكرى بها يجدد الدين والعهد في كل الأرض ، وأين ما حل ذكره الشريف .

وبالخصوص : حين تقام مجالس للمؤمنين تعرف فضله ومناقبه وهداه وما قام به من التضحية والفداء لإصلاح ما فسد من الدين وأمور المسلمين ، والذين لم يبقى لهم إلا الاسم ، لأنهم رضوا بالطغاة حكام وبالظالمين معلمين وبالمفسدين هداة ووعاظ ومحدثين ، فيقرأ ويسمع المؤمن حقا والمنصف واقعا  تضحيته وشهامته وإخلاصه وصدقه في طاعة الله وعبوديته ، فيرفض كل من رضي بقتله وسبي آله آل محمد عليهم السلام ، فضلا عمن قتلهم أو أعان عليهم ، ويتيقن أن الهدى الحق عند الحسين وآله الكرام الطيبين الطاهرين أبيه وجده وأبناءه المعصومين ، وإن الله له رعاية لدينه وقيومية على هداه ، وقد حافظ عليه بالحسين وآله صلى الله عليهم وسلم على طول الزمان ، وبكل حكمة وإحاطة بما يصلح البلاد والعباد المخلصين ، الذين يحبون الهدى الحق والدين الصادق عند الحسين وآله ومن تبعهم حقا على طول الزمان .

ويا طيب : إن الإمام الحسين عليه السلام ، دخل عالم الدنيا متولدا في المدينة المنورة في 3 ثلاثة شعبان سنة 4 أربعة للهجرة ، وبعد سبع وخمسون سنة تقريبا ، في 3 شعبان سنة 60 يدخل مكة المكرمة بولادة جديد وعهد جديد ليحي به الدين .

فكان دخول مكة : ولادة جديدة للإمام الحسين عليه السلام ، ليعرف كل البشر إن الحق معه ودين الله يجب أن يعمل به ، وإن البيعة للطغاة والظلمة يجب أن ترفض ، وإن جهاد الكفار والظلمة واجب ، فكان هذا اليوم المصادف ليوم ولادته ولادة جديدة وبعث حياة طيبة لكل المؤمنين ، بل لكل تعاليم الدين ، فكان سبب لأمر عظيم به أحيا ما أمات معاوية ومن كان قبله من سنن الدين وتعاليمه ، وتجلى بنور الله بأعلى مظهر ممكن أن يشرق من عبد من عباد الله في رفض الفسق والفجور والطغيان والظلم والعدوان ، فكان في خروجه عليه السلام إخراج للمؤمنين ولكل طيب يحب الهدى الحق من ظلمات الكفر والنفاق والمكر والخديعة وضلال وطغيان ، إلى نور الهدى وحقائق الرشد والصراط المستقيم ويحقق بالعبودية المخلصة لله سبحانه.

فهذا اليوم المبارك : 3 شعبان يوم ولادة نور الإمام الحسين عليه السلام مرتين ، وكان يوم 27 رجب يوم مبعث مرتين وحقا الحسين من النبي والنبي من الحسين .

 


 

الإشراق الأول :

الإمام الحسين في مكة واجتماعه بالناس ومكاتباته مع أهل الكوفة:

يا طيب : لما دخل الإمام الحسين عليه السلام مكة المكرمة مهاجر من المدينة المنورة بعد أن رفض البيعة لطاغية زمانه ، عرف المسلمون بهجرته ومحله ، فأخذوا يحفون به ليعرفوا ما تصير إليه الأمور ، وليتعلموا منه دين الله .

وكان عبد الله بن الزبير :  قائد حرب الجمل والمقدم فيها بالصلاة بأمر خالته عائشة التي كانت تطمع بأن تجعله الأمير بعد عثمان ، ولكنه أمير المؤمنين حاربهم بحرب الجمل وفيها قتل الزبير أبوه ، فصار هو المقدم عند الناس وصاحب الشأن الباقي بعد حرب الجمل ، فكان يطمع بالخلافة ، ولذا كان من أصعب الناس عليه وجود الإمام الحسين عليه السلام في مكة ، لأن الإمام سبقه بدخولها بيوم أو الأكثر ، مع أن ابن الزبير خرج ولم يلاقي حاكم المدينة .

 ولكن عرفت : أن الإمام الحسين عليه السلام لا يدانيه أحد من آله في التقى ولا في الدين ولا في العلم ولا في الشرف فضلا عن أبن الزبير وأمثاله ، فالحسين هو سبط رسول الله وسيد شباب أهل الجنة ، وإن الناس كانت متوجه بالنظر لرفض الظلم والجور والفسق للإمام الحسين عليه السلام وهو المقدم عندهم ، فلذا لا تذكر أحداث تذكر لعبد الله الزبير مع وجود الإمام الحسين في مكة المكرمة .

ثم إن الإمام الحسين عليه السلام في مكة المكرمة : أخذ يعد العدة للسفر إلى محل خلافة أبيه ومحل تواجد أغلب شيعته في الكوفة ، فلذا أخذت بينه وبينهم المراسلات، حتى أرسل مسلم بن عقيل رحمه الله ليأخذه له البيعة من أهل الكوفة ، كما كانت للإمام الحسين عليه السلام في مسيره ومراحل تنقله وسبيل صراطه المستقيم لكربلاء شؤون وأحاديث كثير تعرفنا كثير من أهداف ثورته ، وما يحب من نشر الدين وإنارة طريقه أبدا ، ولتتبع هذه الأحداث نتدبر الأحاديث الآتية :

 

 


الإشعاع الأول :

دخول الإمام الحسين عليه السلام مكة المكرمة واجتماع الناس إليه :

قال الشيخ المفيد في الإرشاد :

 ولما دخل الحسين عليه السلام مكة .

 كان دخوله إياها : يوم الجمعة ، لثلاث مضين من شعبان .

دخلها وهو يقرأ:

 {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيل} القصص 22.  

ثم نزلها .

وأقبل أهلها يختلفون إليه ، ومن كان بها من المعتمرين وأهل الآفاق .

 وابن الزبير بها : قد لزم جانب الكعبة ، وهو قائم يصلي عندها ويطوف ، ويأتي الحسين عليه السلام فيمن يأتيه ، فيأتيه اليومين المتواليين ، ويأتيه بين كل يومين مرة .

وهو عليه السلام : أثقل خلق الله على ابن الزبير ، لأنه قد عرف أن أهل الحجاز لا يبايعونه مادام الحسين في البلد ، وأن الحسين أطوع في الناس منه وأجل[44]

 

 

 


 

 

الإشعاع الثاني :

اجتماع أهل الكوفة ومكاتباتهم للإمام الحسين بالإقدام عليهم :

قال الشيخ المفيد رحمه الله في الإرشاد :

وبلغ أهل الكوفة : هلاك معاوية ، فأرجفوا بيزيد وعرفوا خبر الحسين وامتناعه من بيعته ، وما كان من أمر ابن الزبير في ذلك ، وخروجهما إلى مكة .

 فاجتمعت الشيعة بالكوفة : في منزل سليمان بن صرد الخزاعي ، فذكروا هلاك معاوية ، فحمدوا الله وأثنوا عليه ، فقال سليمان :

إن معاوية قد هلك : وإن حسينا قد تقبض على القوم بيعته ، وقد خرج إلى مكة ، وأنتم شيعته وشيعة أبيه ، فإن كنتم تعلمون أنكم ناصروه و مجاهدوا عدوه ، فاكتبوا إليه فإن خفتم الفشل والوهن ، فلا تغروا الرجل في نفسه .

قالو : لا ، بل نقاتل عدوه ، ونقتل أنفسنا دونه ، فاكتبوا إليه . 

فكتبوا إليه : بسم الله الرحمن الرحيم:

 للحسين بن علي : من سليمان بن  صرد والمسيب بن نجبة ، ورفاعة بن شداد البجلي ، وحبيب بن مظاهر ، وشيعته المؤمنين والمسلمين من أهل الكوفة .

 سلام عليك : فإنا نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو . أما بعد :

 فالحمد لله : الذي قصم عدوك الجبار العنيد ، الذي أنتزى على هذه الأمة فابتزها أمرها ، وغصبها فيئها ، وتأمر عليها بغير رضى منها ، ثم قتل خيارها ، واستبقى شرارها ، وجعل مال الله دولة بين جبابرتها وأغنيائها ، فبعدا له كما بعدت ثمود .

 إنه ليس علينا إمام : فأقبل ، لعل الله أن يجمعنا بك على الحق .

 والنعمان بن بشير : في قصر الإمارة ، لسنا نجتمع معه في جمعة ، ولا نخرج معه إلى عيد ، ولو قد بلغنا أنك قد أقبلت إلينا أخرجناه حتى نلحقه بالشام إن شاء الله . 

ثم سرحوا بالكتاب : مع عبد الله بن مسمع الهمداني ، وعبد الله بن وأل ، وأمروهما بالنجا (الإسراع ) ، فخرجا مسرعين حتى قدما على الحسين بمكة ، لعشر مضين من شهر رمضان . ثم لبث أهل الكوفة يومين بعد تسريحهم بالكتاب وأنفذوا : قيس بن مسهر الصيداوي ، وعبد الله وعبد الرحمان ابني عبد الله بن زياد الأرحبي ، وعمارة بن عبد الله السلولي ، إلى الحسين عليه السلام ، ومعهم نحو مائة وخمسين صحيفة من الرجل  والاثنين والأربعة [45]

وعن كتاب الملهوف على أهل الطفوف : للسيد النقيب الثقة الزاهد جمال العارفين ، أبي القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس الحسني .

وقال السيد : وهو مع ذلك يتأبى ولا يجيبهم ، فورد عليه في يوم واحد ستمائة كتاب . وتواترت الكتب حتى اجتمع عنده في نوب متفرقة اثنا عشر ألف كتاب[46]

واستمر إرسال الكتب من أهل الكوفة للإمام الحسين عليه السلام :

وقال المفيد في الإرشاد : ثم لبثوا يومين آخرين وسرحوا إليه هانئ بن هانئ السبيعي ، وسعيد بن عبد الله الحنفي ، وكتبوا إليه :  بسم الله الرحمن الرحيم : إلى الحسين بن علي من شيعته من المؤمنين والمسلمين ، أما بعد : فحي هلا ، فإن الناس ينتظرونك ، لا رأي لهم غيرك ، فالعجل العجل ، ثم العجل العجل ، والسلام  . 

ثم كتب : شبث بن ربعي،  وحجار بن أبجر ، ويزيد بن الحارث بن رويم ، وعروة ابن قيس ، وعمر بن حجاج الزبيدي ، ومحمد بن عمرو التيمي :

أما بعد : فقد اخضر الجنات ، وأينعت الثمار ، وأعشبت الأرض ، وأورقت الأشجار ، فإذا شئت فأقبل على جند لك مجندة .

 والسلام عليك ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبلك[47]

قال اليعقوبي في تأريخه : فخرج الحسين إلى مكة ، فأقام بها أياما ، وكتب أهل العراق إليه ، ووجهوا بالرسل على أثر الرسل ، فكان آخر كتاب ورد عليه منهم كتاب هانئ بن أبي هانئ ، وسعيد بن عبدالله الخثعمي :

بسم الله الرحمن الرحيم ، للحسين بن علي من شيعته المؤمنين والمسلمين .

 أما بعد : فحي هلا ، فإن الناس ينتظرونك ، لا أيام لهم غيرك ، فالعجل ثم العجل ، والسلام . فوجه إليهم مسلم بن عقيل بن أبي طالب ، وكتب إليهم ، وأعلمهم انه اثر كتابه ، فلما قدم مسلم الكوفة اجتمعوا إليه ، فبايعوه وعاهدوه وعاقدوه ، وأعطوه المواثيق على النصرة والمشايعة والوفاء [48].

 

 

 

 


 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسين يجيب أهل الكوفة بالقبول ليحكم فيهم بالقسط :

قال المفيد في الإرشاد : وتلاقت الرسل كلها عنده .

 فقرأ الكتب : وسأل الرسل عن الناس ، ثم كتب مع هانئ بن هانئ ، وسعيد بن عبد الله ، وكانا آخر الرسل :

 بسم الله الرحمن الرحيم : من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين والمسلمين . 

أما بعد : فإن هانئا وسعيدا قدما علي بكتبكم ، وكانا آخر من قدم علي من رسلكم ، وقد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم ، ومقالة جلكم :

أنه ليس علينا إمام : فأقبل لعل الله أن يجمعنا بك على الحق والهدى .

 وأنا باعث إليكم : أخي وابن عمي وثقتي من أهل بيتي مسلم بن عقيل ، فإن كتب إلي بأنه قد اجتمع رأي ملائكم ، وذوي الحجى والفضل منكم ، على مثل ما قدمت به رسلكم ، وقرأت في كتبكم ، فإني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله .

فلعمري ما الإمام : إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط .

الدائن بدين الحق ، الحابس نفسه على ذلك لله ، والسلام [49].

وقال في كتاب مثير الأحزان تأليف الشيخ الجليل جعفر بن محمد بن نما : رويت إلى حصين بن عبد الرحمن ، أن أهل الكوفة كتبوا إليه : إنا معك مائة ألف .

 وعن داود بن أبي هند عن الشعبي قال : بايع الحسين عليه السلام أربعون ألفا من أهل الكوفة على أن يحاربوا من حارب ، ويسالموا من سالم .

فعند ذلك : رد جواب كتبهم ، يمنيهم بالقول ، ويعدهم بسرعة الوصول ، وبعث مسلم بن عقيل[50] .

 

 

 


 

الإشعاع الرابع :

الإمام الحسين يسير مسلم بن عقيل لأهل الكوفة ليخبره بحالهم :

قال المفيد في الإرشاد  ودعا الحسين عليه السلام مسلم بن عقيل ، فسرحه مع :

قيس بن مسهر الصيداوي ، وعمارة بن عبد الله السلولي ، وعبد الرحمن بن عبد الله الأزدي ، وأمره بالتقوى وكتمان أمره واللطف ، فان رأى الناس مجتمعين مستوسقين عجل إليه بذلك . 

فأقبل مسلم رحمه الله : حتى أتى المدينة فصلى في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وودع من أحب من أهله ، واستأجر دليلين من قيس فأقبلا به يتنكبان الطريق ، فضلا عن الطريق ، وأصابهما عطش شديد فعجزا عن السير ، فأومآ له إلى سنن الطريق بعد أن لاح لهم ذلك ، فسلك مسلم ذلك السنن ، ومات الدليلان عطشا .

 فكتب مسلم بن عقيل رحمه الله :

 من الموضع المعروف بالمضيق : مع قيس بن مسهر :

أما بعد : فإني أقبلت من المدينة مع دليلين لي فحازا عن الطريق فضلا ، واشتد علينا العطش فلم يلبثا أن ماتا ، وأقبلنا حتى انتهينا إلى الماء ، فلم ننج إلا بحشاشة أنفسنا ، وذلك الماء بمكان يدعى المضيق من بطن الخبت ، وقد تطيرت من توجهي هذا ، فان رأيت أعفيتني  عنه وبعثت غيري ، والسلام . 

فكتب إليه الحسين عليه السلام : أما بعد : فقد حسبت ( خشيت ) أن لا يكون حملك على الكتاب إلي في الاستعفاء من الوجه الذي وجهتك له إلا الجبن ، فامض لوجهك الذي وجهتك فيه والسلام . 

فلما قرأ مسلم الكتاب قال : أما هذا فلست أتخوفه على نفسي ، فأقبل حتى مر بماء لطيئ فنزل به ثم ارتحل عنه ، فإذا رجل يرمي الصيد فنظر إليه قد رمى ظبيا حين أشرف له فصرعه ، فقال مسلم بن عقيل : نقتل عدونا إن شاء الله [51]

 

 

 


 

 

الإشراق الثاني :

الإمام الحسين يكاتب أهل البصرة فيجيبوه بالطاعة :

وقال السيد ابن طاووس رحمه الله بعد ذلك :

وكان الحسين عليه السلام : قد كتب إلى جماعة من أشراف البصرة كتابا ، مع مولى له اسمه : سليمان ، ويكنى : أبا رزين.

يدعوهم : إلى نصرته ولزوم طاعته .

 منهم : يزيد بن مسعود النهشلي ، والمنذر ابن الجارود العبدي .

فجمع يزيد بن مسعود : تميم ، وبني حنظلة ، وبني سعد .

فلما حضروا قال :

 يا بني تميم : كيف ترون موضعي فيكم ، وحسبي منكم ؟

فقالوا : بخ بخ أنت والله فقرة الظهر ، ورأس الفخر ، حللت في الشرف وسطا ، وتقدمت فيه فرطا .

قال : فإني قد جمعتكم لأمر ، أريد أن أشاوركم فيه ، واستعين بكم عليه .

فقالوا : إنما والله نمنحك النصيحة ، ونحمد لك الرأي ، فقل ، نسمع . 

فقال : إن معاوية مات فأهون به والله هالكا ومفقودا ، ألا وإنه قد انكسر باب الجور والإثم ، وتضعضعت أركان الظلم .

وقد كان أحدث بيعة : عقد بها أمرا ، ظن أن قد أحكمه .

وهيهات : والذي أراد ، اجتهد والله ففشل ، وشاور فخذل .

وقد قام يزيد : شارب الخمور ، ورأس الفجور ، يدعي الخلافة على المسلمين ، ويتأمر عليهم ، مع قصر حلم ، وقلة علم ، لا يعرف من الحق موطئ قدمه . 

فاقسم بالله قسما مبرورا : لجهاده على الدين ، أفضل من جهاد المشركين .

 

وهذا الحسين بن علي ابن رسول الله صلى الله عليه وآله :

 ذو الشرف الأصيل : والرأي الأثيل ، له فضل لا يوصف ، وعلم لا ينزف .

 وهو أولى بهذا الأمر : لسابقته وسنه وقدمته وقرابته ، يعطف على الصغير ، ويحنو على الكبير ، فأكرم به راعي رعية .

وإمام قوم : وجبت لله به الحجة ، وبلغت به الموعظة ، ولا تعشوا عن نور الحق ، ولا تسكعوا في وهدة الباطل .

فقد كان صخر بن قيس أنخذل بكم يوم الجمل : فاغسلوها بخروجكم إلى ابن رسول الله ونصرته ، والله لا يقصر أحد عن نصرته إلا أورثه الله الذل في ولده ، والقلة في عشيرته ، وها أنا قد لبست للحرب لامتها ، وأدرعت لها بدرعها ، من لم يقتل يمت ، ومن يهرب لم يفت ، فأحسنوا رحمكم الله رد الجواب . 

فتكلمت بنو حنظلة فقالوا :

أبا خالد : نحن نبل كنانتك ، وفرسان عشيرتك ، إن رميت بنا أصبت ، وإن غزوت بنا فتحت ، لا تخوض والله غمرة إلا خضناها ، ولا تلقى والله شدة إلا لقيناها ، ننصرك بأسيافنا ، ونقيك بأبداننا ، إذا شئت . 

وتكلمت بنو سعد بن زيد ، فقالوا :

 أبا خالد : إن أبغض الأشياء إلينا خلافك والخروج من رأيك ، وقد كان صخر بن قيس أمرنا بترك القتال فحمدنا أمرنا وبقي عزنا فينا، فأمهلنا نراجع المشورة ويأتيك رأينا.

وتكلمت بنو عامر بن تميم فقالوا :

يا أبا خالد : نحن بنو أبيك وحلفاؤك لا نرضى إن غضبت ، ولا نقطن إن ظعنت ، والأمر إليك فادعنا نجبك ، ومرنا نطعك ، والأمر لك إذا شئت . 

فقال : والله يا بني سعيد ، لئن فعلتموها ، لا رفع الله السيف عنكم أبدا ، ولا زال سيفكم فيكم .

 

ثم كتب إلى الحسين صلوات الله عليه :

 بسم الله الرحمن الرحيم :

 أما بعد : فقد وصل إلي كتابك وفهمت ما ندبتني إليه ودعوتني له ، من الأخذ بحظي من طاعتك ، والفوز بنصيبي من نصرتك .

 وإن الله : لم يخل الأرض قط، من عامل عليها بخير، أو دليل على سبيل نجاة .

وأنتم : حجة الله على خلقه ، ووديعته في أرضه ، تفرعتم من زيتونة أحمدية ، هو أصلها وأنتم فرعها .

فأقدم : سعدت بأسعد طائر .

فقد ذللت لك أعناق بني تميم : وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم  خمسها .

وقد ذللت لك رقاب بني سعد : وغسلت درن صدورها ، بماء سحابة مزن ، حين استحل برقها ، فلمع .

فلما قرأ الحسين الكتاب قال مالك :

 آمنك الله يوم الخوف ، وأعزك ، وأرواك يوم العطش . 

فلما تجهز : المشار إليه للخروج إلى الحسين عليه السلام بلغه قتله قبل أن يسير ، فجزع من انقطاعه عنه . 

 

وأما المنذور بن جارود :

 فإنه جاء بالكتاب والرسول : إلى عبيد الله بن زياد ، لأن المنذر خاف أن يكون الكتاب دسيسا من عبيد الله ، وكانت بحرية بنت المنذر بن جارود تحت عبيد الله بن زياد ، فأخذ عبيد الله الرسول فصلبه .

 ثم صعد المنبر فخطب : وتوعد أهل البصرة على الخلاف ، وإثارة الإرجاف .

 ثم بات تلك الليلة : فلما أصبح استناب عليهم أخاه عثمان بن زياد .

وأسرع هو إلى قصد الكوفة [52].

 

وقال ابن نما في مثير الأحزان :

كتب الحسين عليه السلام كتابا إلى وجوه أهل البصرة ، منهم :

الأحنف بن قيس ، وقيس بن الهيثم ، والمنذر بن الجارود ، ويزيد بن مسعود النهشلي .

وبعث الكتاب : مع زراع السدوسي وقيل مع سليمان المكنى بأبي رزين فيه :

إني أدعوكم إلى الله وإلى نبيه .

 فإن السنة : قد أميتت ، فإن تجيبوا دعوتي ، وتطيعوا أمري أهدكم سبيل الرشاد .

 فكتب الأحنف إليه :

أما بعد فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون[53] .

 

 

 



[44] الإرشاد ج2ص35 ، بحار الأنوار ج40ب37ص332ح2.

[45] الإرشاد ج2ص36 ، بحار الأنوار ج40ب37ص332ح2. قوله : نحمد إليك الله : أي نحمد الله منهيا إليك ، والتنزي والإنتزاء : التوثب والتسرع، وابتززت الشيء استلبته ، والنجا الإسراع .

[46] بحار الأنوار ج40ب37ص334ح2. اللهوف ص 32 . مثير الأحزان ص25 .

[47] الإرشاد ج2ص38 ، بحار الأنوار ج40ب37ص334ح2.

[48] تأريخ اليعقوبي ص 241 .

[49] الإرشاد ج2ص38 ، بحار الأنوار ج40ب37ص334ح2.

[50]مثير الأحزان ج2ص15 . بحار الأنوار ج40ب37ص336ح2.

[51] الإرشاد ج2ص39 ، بحار الأنوار ج40ب37ص335ح2.

[52] كتاب الملهوف ص 32 - 38 طبعة الكمبانى ص 304 و 305 ، بحار الأنوار ج40ب37ص337ح2. قوله : فأهون به : صيغة تعجب أي ما أهونه ، والأثيل : الأصيل ، والتكسع : التمادي في الباطل ، وقطن بالمكان كنصر : أقام ، وظعن : أي سار . 

قوله : لئن فعلتموها : أي المخالفة ، والخمس بالكسر : من إظماء الإبل أن ترعى ثلاثة أيام ، وترد اليوم الرابع ، والمزنة : السحابة البيضاء والجمع المزن ذكره الجوهري ، وقال الفيروز آبادي : المزن بالضم السحاب أو أبيضه ، أو  ذو الماء .

[53]مثير الأحزان لبن نما ص 27 ، بحار الأنوار ج40ب37ص339ح2.

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com