بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء السابع

أنوار نهضة الإمام الحسين عليه السلام ..

سفينة نجاة

الإمام الحسين عليه السلام

مسير نهضة وثورة الإمام الحسين  على الطغاة
المجلس الثاني

الذكر الأول

الإمام الحسين في طريق الصراط المستقيم للإصلاح

مسير الإمام من مكة المكرمة إلى كربلاء المقدسة

الإشراق الخامس :

الإمام الحسين يلاقي الحر ومسيره حتى كربلاء :

يا طيب : بعدما عرفت من المنازل التي نزلها الإمام الحسين عليه السلام ، والتي ذكرت فيها حوادث ووقائع وأحاديث تعرف حاله وأحوال صحبه ومن ألتحق به ومن تخلف عنه ، وتعرفنا سبب إصراره على المسير في سبيل إصلاح ما فسد من أمور المسلمين ، وما كان يرمي له من بيان الصراط المستقيم في كل ما ذكره من أحواله وأحاديثه ، وما يجب عليه عمله من تعريف هدى الله سبحانه مختارا .

نذكر الآن : لقاء الإمام الحسين عليه السلام بجيش الكفر وأتباع أئمة الضلال والنفاق ، وإصرارهم على تسلميه لطاغية الزمان وحاكم الوقت الذي مهد له الحكم ممن كان قبله من حكام الفجور والجور ، وخيانتهم لأمانة الإسلام ورفضهم لحكومة سادة أهل الدنيا والآخرة بأمر الله ، والذين جعلهم سبحانه أئمة الحق وخلفاء رسوله بصدق.

فنذكر يا طيب : مراحل مسير الإمام الحسين عليه السلام مع الظالمين ، وما أجبروه من ترك مسير الكوفة ، وكيف وصل إلى كربلاء ، وما ذكر عليه السلام من الكلمات الخالدة في أثناء مسيره ، والتي تهدي كل منصف يحب الدين ويسلم له ، وترشد كل مؤمن يود ولاة أمر الله في خلقه ليقتدي بالإمام الحسين عليه السلام وآله أبدا .

وهذه الكلمات وهذا المسير كله : وبالخصوص مع الظالمين وهو رافض لمبادئهم ، وما عرف من في كلماته طغيانهم ، وما يجب عليه من تعريف الهدى ، هو خلاصة ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وبيان تام لحقائق دينه وغاية نهضته .

فنذكر أول : خبث بن زياد في سد طريق الحسين وتتبع أخباره ، ثم إرساله للحُر ولقاءه بالإمام ، وكيف الإمام يسقيهم ماء الحياة ويعرفهم شأنه ، وهم يمنعوه المسير فضلا عن الماء ، ويريدونه أن يسلم لطاغية زمانه ، ورفضه لهم وله .

 

 


الإشعاع الأول :

ابن زياد ينظم الخيل لتمنع ركب الحسين :

القبس الأول :

الوليد يكتب لأبن زياد بخروج الحسين من مكة :

قال محمد بن أبي طالب : واتصل الخبر بالوليد بن عتبة أمير المدينة بأن الحسين عليه السلام توجه إلى العراق[62] فكتب إلى ابن زياد :

أما بعد : فإن الحسين قد توجه إلى العراق ، وهو ابن فاطمة ، وفاطمة بنت رسول الله ، فأحذر يا ابن زياد أن تأتي إليه بسوء ، فتهيج على نفسك وقومك أمرا في هذه الدنيا لا يصده شيء ، ولا تنساه الخاصة والعامة أبدا ما دامت الدنيا.

 قال : فلم يلتفت ابن زياد إلى كتاب الوليد [63]

ويا طيب : هذا أخبار لأبن زياد بمسير الإمام ليأخذ تدابيره في منعه وصده عن الوصول للكوفة واللقاء بشيعته ، وإن كان بلحن الناصح له ، لأنه يعرف خبثه وطلبه لرضا حاكمه ، وحقده على أهل البيت عليهم السلام ، ولذا استخدموه لحكومة الكوفة وولوه عليها وهذا الكتاب متقدم على هذه الأيام ولعله من بعد مسير الإمام بأيام قليلة .

 

 

 


القبس الثاني :

لما بلغ ابن زياد خروج الحسين حاصر الطرق ووضع المسالح :

قال المفيد رحمه الله في الإرشاد ، وقال أبو مخنف : حدثني يونس بن أبي إسحاق السبيعي :لما بلغ عبيد الله بن زياد إقبال الحسين عليه السلام من مكة إلى الكوفة [64].

 بعث : الحصين بن نمير صاحب شرطته حتى نزل القادسية[65] .

ونظم الخيل ما بين القادسية إلى خفان [66].

 وما بين القادسية إلى القطقطانة[67] . والى لعلع[68].

 وقال للناس : هذا الحسين يريد العراق [69].

وكان : عبيد الله بن زياد : أمر ، فأخذ ما بين واقصة[70] إلى طريق الشام[71] .

وإلى طريق  البصرة [72]، فلا يدعون أحدا يلج ولا أحدا يخرج .

 فأقبل الحسين عليه السلام : لا يشعر بشيء حتى لقي الأعراب فسألهم ؟

فقالوا : لا والله ما ندري ، غير أنا لا نستطيع أن نلج ولا نخرج .

 فسار تلقاء وجهه عليه السلام [73]

 

 


 

الإشعاع الثاني :

الإمام الحسين يلاقي الحر في ذي حسم بعد شراف :

 

القبس الأول :

الإمام الحسين يلاقي الحر في ذي حسم :

وقال في مقتل أبي مخنف : وقدم الحر بن يزيد بين يديه في هذه الألف من القادسية ، فيستقبل حسينا [74].

قال المفيد رحمه الله :

ثم سار (الإمام الحسين ) عليه السلام من بطن العقبة حتى نزل شراف[75] .

فلما كان السحر : أمر فتيانه ، فاستقوا من الماء وأكثروا  ، ثم سار حتى انتصف النهار ، فبينما هو يسير إذ كبر رجل من أصحابه .

 فقال له  الحسين عليه السلام : الله أكبر لما كبرت ؟

 فقال : رأيت النخل .

قال جماعة ممن صحبه : والله إن هذا المكان ما رأينا فيه نخلة قط .

 فقال الحسين عليه السلام : فما ترونه ؟

قالوا : والله نراه أسنة الرماح وآذان الخيل .

 فقال : وأنا والله أرى ذلك . 

ثم قال عليه السلام : ما لنا ملجأ نلجأ إليه ، ونجعله في ظهورنا ، ونستقبل القوم بوجه واحد ؟

فقلنا له : بلى هذا ذو جشم ( حسم[76] ) إلى جنبك ، فمل إليه عن يسارك ، فإن سبقت إليه فهو كما تريد ، فأخذ إليه ذات اليسار ، وملنا معه ، فلما كان بأسرع من أن طلعت علينا هوادي الخيل فتبيناها وعدلنا ، فلما رأونا عدلنا عن الطريق عدلوا إلينا كأن أسنتهم اليعاسيب ، وكأن راياتهم أجنحة الطير .

 فاستبقنا إلى ذي حسم فسبقناهم إليه .

وأمر الحسين عليه السلام : بأبنيته فضربت ، وجاء القوم زهاء ألف فارس ، مع الحر بن يزيد التميمي ، حتى وقف هو وخيله مقابل الحسين في حر الظهيرة ، والحسين وأصحابه معتمون متقلدون أسيافهم .

فقال الحسين عليه السلام لفتيانه : اسقوا القوم وارووهم من الماء ، ورشفوا الخيل ترشيفا ، ففعلوا وأقبلوا يملئون القصاع والطساس من الماء ثم يدنونها من الفرس ، فإذا عب فيها ثلاثا أو أربعا أو خمسا عزلت عنه ، وسقي آخر ، حتى سقوها عن آخرها . 

فقال علي بن الطعان المحاربي : كنت مع الحر يومئذ ، فجئت في آخر من جاء من أصحابه ، فلما رأى الحسين عليه السلام ما بي وبفرسي من العطش .

قال : أنخ الراوية ! والرواية عندي السقا .

 ثم قال : يا ابن الأخ أنخ الجمل ! فأنخته .

 فقال : اشرب ، فجعلت كلما شربت سال الماء من المسقاء .

فقال الحسين : أخنث السقاء أي أعطفه ، فلم أدر كيف أفعل ، فقام فخنثه ، فشربت وسقيت فرسي . 

وكان مجيء الحر بن يزيد من القادسية :

وكان عبيد الله بن زياد بعث الحصين ابن نمير وأمره أن ينزل القادسية ، وتقدم الحر بين يديه في ألف فارس يستقبل بهم الحسين عليه السلام .

 فلم يزل الحر : موافقا للحسين عليه السلام حتى حضرت صلاة الظهر ، فأمر الحسين عليه السلام الحجاج بن مسروق أن يؤذن . 

فلما حضرت الإقامة ، خرج الحسين عليه السلام في إزار ورداء ونعلين .

فحمد الله وأثنى عليه ثم قال :

أيها الناس : إني لم آتكم حتى أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم :

 أن  أقدم علينا : فليس لنا إمام ، لعل الله أن يجمعنا وإياكم على الهدى والحق . 

فان كنتم : على ذلك ، فقد جئتكم ، فأعطوني ما أطمئن إليه من عهودكم ومواثيقكم ، وإن لم تفعلوا ، وكنتم لمقدمي كارهين ، انصرفت عنكم إلى المكان الذي جئت  منه إليكم .

فسكتوا عنه : ولم يتكلموا كلمة .

 فقال للمؤذن : أقم ، فأقام الصلاة .

فقال للحر : أتريد أن تصلي بأصحابك ؟

فقال الحر : لا بل تصلي أنت ونصلي بصلاتك .

 فصلى بهم الحسين عليه السلام : ثم دخل فاجتمع عليه أصحابه .

 وانصرف الحر إلى مكانه الذي كان فيه ، فدخل خيمة قد ضربت له ، فاجتمع إليه خمسمائة من أصحابه ، وعاد الباقون إلى صفهم الذي كانوا فيه ، ثم أخذ كل رجل منهم بعنان فرسه وجلس في ظلها [77].

 

 

قال المجلسي رحمه الله : وهوادي الخيل : أعناقها .

 قوله : كأن أسنتهم اليعاسيب : هو جمع يعسوب أمير النحل شبهها في كثرتها ، بأن كلاً منها : كأنه أمير النحل اجتمع عليه عسكره ، قال الجزري : في حديث الدجال فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل ، جمع يعسوب : أي تظهر له وتجتمع عنده كما تجتمع النحل على يعاسيبها انتهى . وكذا تشبيه الرايات بأجنحة الطير ، إنما هو في الكثرة واتصال بعضها ببعض .

وقال الجوهري : وقولهم هم زهاء مائة أي قدر مائة ، قوله عليه السلام ورشفوا الخيل :  أي اسقوهم قليلا قال الجوهري : الرشف المص ، وفي المثل الرشف أنقع ، أي إذا ترشفت الماء قليلاً قليلا كان أسكن للعطش ، والطساس : بالكسر جمع الطس وهو لغة في الطست ، ولا تغفل عن كرمه عليه الصلاة والسلام حيث أمر بسقي رجال المخالفين ودوابهم  .

قوله : والراوية : عندي السقاية أي كنت أظن أن مراده عليه السلام بالرواية المزادة التي يسقى به ، ولم أعرف أنها تطلق على البعير ، فصرح عليه السلام بذكر الجمل ، قال الفيروز آبادي : الراوية المزادة فيها الماء ، والبعير والبغل والحمار يستقى عليه .

وقال الجزري : فيه نهى عن إختناث الأسقية ، خنثت السقاء إذا ثنيت فمه إلى خارج وشربت منه ، وقبعته إذا ثنيته إلى داخل ، والخميس : الجيش ، والوغى : الحرب والعرمرم : الجيش الكثير ، والباتر : السيف القاطع[78] .

 

 


القبس الثاني :

خطبة الإمام في ذي حسم بالحر وصحبه بعد صلاة العصر :

قال الشيخ المفيد في الإرشاد :

 فلما كان وقت العصر : أمر الحسين عليه السلام أن يتهيئوا للرحيل ، ففعلوا .

ثم أمر مناديه : فنادى بالعصر ، وأقام ، فاستقدم الحسين وقام فصلى بالقوم .

ثم سلم وانصرف إليهم بوجهه فحمد الله وأثنى عليه وقال :

أما بعد : أيها الناس :

فإنكم  : إن تتقوا الله ، وتعرفوا الحق لأهله ، يكن أرضى لله عنكم .

 ونحن أهل بيت محمد : أولى بولاية هذا الأمر عليكم ، من هؤلاء المدعين ما ليس لهم ، والسائرين فيكم بالجور والعدوان .

فإن أبيتم : إلا الكراهة لنا ، والجهل بحقنا ، وكان رأيكم الآن غير ما أتتني به كتبكم وقدمت علي به رسلكم .

انصرفت عنكم

فقال له الحر : أنا والله ما أدري ما هذه الكتب والرسل التي تذكر ؟

فقال الحسين عليه السلام لبعض أصحابه :

يا عقبة بن سمعان : أخرج الخرجين اللذين فيهما كتبهم إلي .

 فأخرج : خرجين ، مملوءين صحفا ، فنثرت بين يديه .

فقال له الحر : لسنا من هؤلاء الذين كتبوا إليك ، وقد أمرنا أنا إذا لقيناك لا نفارقك حتى نقدمك الكوفة على عبيد الله بن زياد . 

فقال الحسين عليه السلام : الموت أدنى إليك من ذلك [79].

 

 


القبس الثالث :

الإمام بعد منع الحر له يأخذ طريق بين المدينة والكوفة :

قال الشيخ المفيد في الإرشاد :  ثم قال الإمام الحسين عليه السلام لأصحابه : فقوموا فاركبوا ، فركبوا وانتظر حتى ركبت نساؤه ، فقال لأصحابه : انصرفوا .

فلما ذهبوا لينصرفوا : حال القوم بينهم وبين الانصراف .

 فقال الحسين عليه السلام للحر : ثكلتك أمك ما تريد ؟

فقال له الحر : أما لو غيرك من العرب يقولها لي ، وهو على مثل الحال التي أنت عليها ، ما تركت ذكر أمه بالثكل كائنا من كان ، ولكن والله مالي من ذكر أمك من سبيل إلا بأحسن ما نقدر عليه . 

فقال له الحسين عليه السلام : فما تريد ؟

قال : أريد أن أنطلق بك إلى الأمير عبيد الله بن زياد .

 فقال : إذا والله لا أتبعك .

 فقال : إذا والله لا أدعك ، فترادا القول ثلاث مرات ، فلما كثر الكلام بينهما .

قال له الحر : إني لم أؤمر بقتالك ، إنما أمرت أن لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة ، فإذ أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ، ولا يردك إلى المدينة ، يكون بيني وبينك نصفا حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله بن زياد ؛ فلعل الله أن يرزقني العافية من أن ابتلى بشيء من أمرك ، فخذ ههنا [80]

وفي مقاتل الطالبيين : وأقبل يسير والحر يسايره ويمنعه من الرجوع من حيث جاء، ويمنع الحسين من دخول الكوفة.

 حتى نزل بأقساس مالك : وكتب الحر إلى عبيد الله يعلمه ذلك[81].

وقال الطبري في تأريخه :

 قال فخذ ههنا ، فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، وبينه وبين العذيب ثمانية وثلاثون ميل ، ثم إن الحسين سار في أصحابه والحر يسايره.

 قال أبو مخنف : عن عقبة بن أبي العيزار :  إن الحسين : خطب أصحابه وأصحاب الحر بالبيضة[82] :

  فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال :

أيها الناس : إن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال :

من رأى : سلطانا جائرا ، مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله .

مخالفا لسنة رسول الله ، يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان .

 فلم يغير عليه بفعل ولا قول ، كان حقا على الله أن يدخله مدخله .

 ألا وإن هؤلاء : قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن .

 وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفيء ، وأحلوا حرام الله ، وحرموا حلاله .

وأنا : أحق من غير ، قد أتتني كتبكم ، وقدمت علي رسلكم ببيعتكم ، أنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن تممتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم .

فأنا : الحسين بن علي وابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، نفسي مع أنفسكم وأهلي مع أهليكم ، فلكم في أسوة .

وإن لم تفعلوا : ونقضتم عهدكم ، وخلعتم بيعتي من أعناقكم ، فلعمري :

ما هي لكم بنكر ، لقد فعلتموها بأبي وأخي وابن عمي مسلم ، والمغرور من اغتر بكم ، فحظكم أخطأتم ، ونصيبكم ضيعتم ، ومن نكث فإنما ينكث على نفسه ، وسيغني الله عنكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته  [83].

 

 


 

 

القبس الرابع :

الإمام سير ويصر على هدفه وينشد شعر سأمضي والطرماح يحدو له:

قال المفيد في الإرشاد : فتياسر عن طريق العذيب والقادسية .

 وسار الحسين عليه السلام : وسار الحر في أصحابه يسايره ، وهو يقول له :

يا حسين : إني أذكرك الله في نفسك ، فإني أشهد لئن قاتلت لتقتلن .

فقال له الحسين عليه السلام : أفبالموت تخوفني ؟

 وهل يعدو بكم الخطب : أن تقتلوني ، وسأقول كما قال أخو الأوس لابن عمه ، وهو يريد نصرة رسول الله صلى الله عليه وآله  .

 فخوفه ابن عمه وقال : أين تذهب فإنك مقتول ؟ فقال : 

سأمضي وما بالموت عار على الفتى        إذا ما نوى حقا وجاهد مسلما

وآسى  الرجال   الصالحين   بنفسه        و  فارق  مثبورا   وودع   مجرما

فان عشت لم أندم وإن مت لم الم        كفى بك ذلا أن تعيش وترغما

قال المجلسي أقول : وزاد محمد بن أبي طالب قبل البيت الأخير هذا البيت : 

أقدم   نفسي  لا   أريد   بقاءها       لتلقى خميسا  في الوغى وعرمرما

 

ثم قال : ثم أقبل الحسين عليه السلام على أصحابه ، وقال : هل فيكم أحد يعرف الطريق على غير الجادة ؟

فقال الطرماح : نعم يا ابن رسول الله ، أنا أخبر الطريق .

فقال الحسين عليه السلام : سر بين أيدينا،  فسار الطرماح ، واتبعه الحسين عليه السلام وأصحابه  ، وجعل الطرماح يرتجز ويقول : 

يا ناقتي  لا تذعري من زجري     وامضي بنا قبل طلوع الفجر

بخير   فتيان   و   خير   سفر     آل  رسول  الله  آل   الفخر

السادة  البيض  الوجوه   الزهر     الطاعنين   بالرماح    السمر

الضاربين    بالسيوف     البتر     حتى   تحلى   بكريم   الفخر

الماجد  الجد  رحيب  الصدر     أثابه    الله     لخير     أمر

عمره  الله  بقاء  الدهر

يا مالك   النقع  معا والنصر     أيد حسينا  سيدي بالنصر

على  الطغاة من بقايا الكفر     على اللعينين سليلي صخر

يزيد  لا  زال  حليف الخمر     وابن  زياد  عهر  بن العهر

فلما سمع الحر ذلك تنحى عنه ، وكان يسير بأصحابه ناحية ، والحسين عليه السلام في ناحية ، حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات[84] .

وقال ابن نما : ورويت أن الطرماح بن حكم قال :

 لقيت حسينا : وقد أمترت لأهلي ميرة ، فقلت : أذكرك في نفسك لا يغرنك أهل الكوفة ، فوالله لئن دخلتها لتقتلن ، وإني لأخاف أن لا تصل إليها ، فان كنت مجمعا على الحرب ، فانزل أجأ فانه جبل منيع ، والله ما نالنا فيه ذل قط ، وعشيرتي يرون جميعا نصرك ، فهم يمنعونك ما أقمت فيهم .

فقال عليه السلام : إن بيني وبين القوم موعدا أكره أن اخلفهم ، فإن يدفع الله عنا فقديما ما أنعم علينا وكفى ، وإن يكن ما لا بد منه ، ففوز وشهادة إن شاء الله . 

ثم حملت الميرة إلى أهلي وأوصيتهم بأمورهم أريد الحسين عليه السلام ، فلقيني سماعة بن زيد النبهاني فأخبرني بقتله ، فرجعت [85]

يا طيب : هذه الرواية لا تعارض سابقتها لأنه لعله الطرماح وهو من أصحاب أمير المؤمنين المعروفين بالبلاغة والشجاعة ، ولعله ساير الإمام بعض الطريق ، وكان في خدمة الإمام وحدا له بالأبيات السابقة ، ثم فارقه ليوصل ميرته ومتاعه لأهل ثم يعود لنصر الحسين ، ولكنه لما أوصل أرزاق أهله ومتاعهم ورجع سمع الإمام قد استشهد ، والظاهر أنه أوصله لعذيب الهجانات وفارقه ، ولما رجع لنفس الموضع سمع بشهادته أنظر الطبري.

يا طيب: قد عرفت رواية الشيخ المفيد رحمه الله .

 

 

 ولنسمع رواية الطبري في ملاقاة الإمام للطرماح بن عدي الطائي ، قال:

وقال عقبة بن أبي العيزار : حتى انتهوا إلى عذيب الهجانات[86] : وكان بها هجائن النعمان ترعى هنالك ، فإذا هم بأربعة نفر قد أقبلوا من الكوفة على رواحلهم ، يجنبون فرسا لنافع بن هلال ، يقال له : الكامل .

ومعهم دليلهم : الطرماح بن عدي على فرسه ، وهو يقول :

يا ناقتي لا تذعري من زجري     وشمري قبل طلوع الفجر

 بخير   ركبان  و خير   سفر      حتى تحلي  بكريم  النجر

الماجد  الحر  رحيب  الصدر     أتى  به  الله   لخير   أمر

ثمت أبقاه بقاء الدهر

قال : فلما انتهوا إلى الحسين أنشدوه هذه الأبيات .

فقال : أما والله إني لأرجو أن يكون خيرا ما أراد الله بنا ، قتلنا أم ظفرنا .

قال : وأقبل إليهم الحر بن يزيد ، فقال : إن هؤلاء النفر الذين من أهل الكوفة ليسوا ممن أقبل معك ، وأنا حابسهم أو رادهم .

فقال له الحسين : لأمنعنهم مما أمنع منه نفسي ، إنما هؤلاء أنصاري وأعواني ، وقد كنت أعطيتني ألا تعرض لي بشيء حتى يأتيك كتاب من ابن زياد .

فقال : أجل ، لكن لم يأتوا معك .

قال : هم أصحابي ، وهم بمنزلة من جاء معي ، فإن تممت على ما كان بيني وبينك ، وإلا ناجزتك . قال : فكف عنهم الحر .

قال ثم قال لهم الحسين : أخبروني خبر الناس وراءكم ؟

فقال له : مجمع بن عبدالله العائذي ، وهو أحد النفر الأربعة الذين جاؤوه :

 أما أشراف الناس : فقد أعظمت رشوتهم ، وملئت غرائرهم ، يستمال ودهم ، ويستخلص به نصيحتهم ، فهم ألب واحد عليك .

وأما سائر الناس : بعد ، فإن أفئدتهم تهوي إليك ، وسيوفهم غدا مشهورة عليك.

 قال أخبروني : فهل لكم برسولي إليكم .

قالوا : من هو ؟ قال : قيس بن مسهر الصيداوي .

فقالوا : نعم أخذه الحصين بن تميم ، فبعث به إلى ابن زياد ، فأمره ابن زياد أن يلعنك ويلعن أباك ، فصلى عليك وعلى أبيك ، ولعن ابن زياد وأباه ، ودعا إلى نصرتك ، وأخبرهم بقدومك ، فأمر به ابن زياد فألقي من طمار القصر .

فترقرقت عينا الحسين عليه السلام : ولم يملك دمعه .

ثم قال : منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ، اللهم اجعل لنا ولهم الجنة نزلا ، واجمع بيننا وبينهم في مستقر من رحمتك ، ورغائب مذخور ثوابك .

 قال أبو مخنف : حدثني جميل بن مرثد من بني معن ، عن الطرماح بن عدي :

 أنه دنا من الحسين فقال له : والله إني لأنظر فما أرى معك أحدا ، ولو لم يقاتلك إلا هؤلاء الذين أراهم ملازمتك ، لكان كفي بهم .

وقد رأيت : قبل خروجي من الكوفة إليك بيوم ، ظهر الكوفة ، وفيه من الناس مالم تر عيناي في صعيد واحد جمعا أكثر منه ، فسالت عنهم ؟ فقيل : اجتمعوا ليعرضوا ، ثم يسرحون إلى الحسين ، فأنشدك الله إن قدرت على ألا تقدم عليهم شبرا إلا فعلت .

فإن أردت : أن تنزل بلدا يمنعك الله به حتى ترى من رأيك ، ويستبين لك ما أنت صانع ، فسر حتى أنزلك مناع جبلنا ، الذي يدعى أجأ ، امتنعنا والله به من ملوك غسان وحمير ، ومن النعمان بن المنذر ، ومن الأسود والأحمر .

والله : إن دخل علينا ذل قط ، فأسير معك حتى أنزلك القرية ، ثم نبعث إلى الرجال ممن بأجأ وسلمى من طييء[87] .

فوالله : لا يأتي عليك عشرة أيام ، حتى تأتيك طيء رجالا وركبانا ، ثم أقم فينا ما بدا لك ، فإن هاجك هيج ، فأنا زعيم لك بعشرين ألف طائي يضربون بين يديك بأسيافهم ، والله لا يوصل إليك أبدا ومنهم عين تطرف .

فقال له : جزاك الله وقومك خيرا ، إنه قد كان بيننا وبين هؤلاء القوم قول ، لسنا نقدر معه على الانصراف ، ولا ندري علام تنصرف بنا وبهم الأمور في عاقبه .

 قال أبو مخنف : فحدثني جميل بن مرثد ، قال حدثني الطرماح بن عدي :

قال : فودعته ، وقلت له : دفع الله عنك شر الجن والإنس ، إني قد امتزت لأهلي من الكوفة ميرة ، ومعي نفقة لهم ، فآتيهم فأضع ذلك فيهم ، ثم اقبل إليك إن شاء الله ، فإن ألحقك فوالله لأكونن من أنصارك .

قال : فإن كنت فاعلا ، فعجل رحمك الله .

قال : فعلمت أنه مستوحش إلى الرجال ، حتى يسألني التعجيل .

قال : فلما بلغت أهلي ، وضعت عندهم ما يصلحهم ، وأوصيت .

فأخذ أهلي يقولون : إنك لتصنع مرتك هذه شيئا ما كنت تصنعه قبل اليوم .

 فأخبرتهم بما أريد : وأقبلت في طريق بني ثعل ، حتى إذا دنوت من عذيب الهجانات ، استقبلني سماعة بن بدر ، فنعاه إلي فرجعت[88].

يا طيب : لا يبعد أن الطرماح لقي الإمام الحسين عليه السلام في البيضة مما يقارب العذيب ، وأن الطرماح سار معه إلى عذيب الهجانات ثم رجع إلى أهله وأخبرهم ، ثم رجع لعذيب الهجانات فسمع بشهادته ، وإن الشعر مما استحسنوه فأنشدوه عدة مرات.

 

 

 


 

 

 

القبس الخامس :

الإمام في قصر بني مقاتل يلاقي الجعفي فيدعوه وينصحه :

قال المفيد في الإرشاد :

ثم مضى الحسين  عليه السلام : حتى انتهى إلى قصر بني مقاتل[89] فنزل به وإذا هو بفسطاط مضروب ، فقال لمن هذا ؟

 فقيل : لعبيد الله بن الحر الجعفي .

 قال : ادعوه إلي !

فلما أتاه الرسول قال له : هذا الحسين بن علي عليهما السلام يدعوك .

 فقال عبيد الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والله ما خرجت من الكوفة إلا كراهية أن يدخلها الحسين وأنا فيها ، والله ما أريد أن أراه ولا يراني . 

فأتاه الرسول فأخبره : فقام إليه الحسين فجاء حتى دخل عليه وسلم وجلس ، ثم دعاه إلى الخروج معه ، فأعاد عليه عبيد الله بن الحر تلك المقالة و استقاله مما دعاه إليه .

فقال له الحسين عليه السلام : فإن لم تكن تنصرنا ، فاتق الله أن لا تكون ممن يقاتلنا ، فوالله لا يسمع واعيتنا أحد ، ثم لا ينصرنا ، إلا هلك .

فقال له : أما هذا فلا يكون أبدا إن شاء الله . 

ثم قام الحسين عليه السلام : من عنده حتى دخل رحله ، ولما كان في آخر الليلة أمر فتيانه بالاستقاء من الماء ، ثم أمر بالرحيل فارتحل من قصر بني مقاتل [90]

 

وفي أمالي الصدوق : ذكر قصة الإمام مع ابن الجعفي بأسلوب آخر ، وأنه كان في محل آخر فقال :

 ثم سار الحسين حتى نزل القطقطانة  فنظر إلى فسطاط مضروب فقال : لمن هذا الفسطاط ؟ فقيل : لعبد الله بن الحر الحنفي .

فأرسل إليه الحسين عليه السلام فقال : أيها الرجل ، إنك مذنب خاطئ : وإن الله عز وجل آخذك بما أنت صانع إن لم تتب إلى الله تبارك وتعالى في ساعتك هذه فتنصرني ويكون جدي شفيعك بين يدي الله تبارك وتعالى . 

فقال : يا ابن رسول الله ، والله لو نصرتك لكنت أول مقتول بين يديك ، ولكن هذا فرسي خذه إليك،  فوالله ما ركبته قط وأنا أروم شيئا إلا بلغته ، ولا أراداني أحد إلا نجوت عليه ، فدونك فخذه .

فأعرض عنه الحسين عليه السلام بوجهه ثم قال : لا حاجة لنا فيك ولا في فرسك ، وما كنت متخذ المضلين عضدا ، ولكن فر ، فلا لنا ولا علينا ، فإنه من سمع واعيتنا أهل البيت ، ثم لم يجبنا ، كبه الله على وجهه في نار جهنم [91]

 

 


 

 

 

القبس السادس :

الإمام الحسين يسير من قصر مقاتل ويجزي أبنه خيرا :

 قال الطبري في تأريخه : قال أبو مخنف  :حدثني عبدالرحمن بن جندب ، عن عقبة بن سمعان ، قال لما كان في آخر الليل :

أمر الحسين : بالاستقاء من الماء ، ثم أمرنا بالرحيل ، ففعلنا .

قال : فلما ارتحلنا من قصر بني مقاتل وسرنا ساعة ، خفق الحسين برأسه خفقة ، ثم انتبه ، وهو يقول : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين .

قال : ففعل ذلك مرتين أو ثلاثا .

 قال : فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين على فرس له . فقال : إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله رب العالمين ، يا أبت جعلت فداك مم حمدت الله واسترجعت ؟

قال : يا بني ، إني خفقت برأسي خفقة فعن لي فارس على فرس ، فقال :

 القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنها أنفسنا نعيت إلينا .

قال له : يا أبت لا أراك الله سوءا ، ألسنا على الحق ؟

قال : بلى والذي إليه مرجع العباد .

قال : يا أبت إذا لا نبالي نموت محقين .

فقال له : جزاك الله من ولد خير ما جزى ولدا عن والده .

قال  : فلما أصبح نزل فصلى الغداة ثم عجل الركوب[92] .

يا طيب : مر للإمام الحسين مثل هذا الخفقان ومثل هذه القصة عند رحيله من الثعلبية ، وإن الله سبحانه يريه الرؤيا الصادقة ليعرف مصيره ، ويعرف الناس ما هم مقدمون عليه ليكونوا على بصيرة من أمرهم ، وليقدموا على نصرته مخلصين ، فيكونوا أسوة لمن بعدهم في طلب الهدى بكل إخلاص حتى ، يقتدى بهم في نصرة الحق .

 

 

 

 

 

 

 


 

 

 

 

 

 

 

الإشراق السادس

الإمام الحسين عليه السلام في أرض كربلاء :

 

الإشعاع الأول :

قرب نينوى يأتي فارس من ابن زياد للحر للتضييق على الإمام :

قال الطبري في تأريخه في تتمة حديثه السابق وقال الشيخ المفيد في الإرشاد ، بعد ذكره لمسيره من قصر مقاتل ليلا أي عند السحر :

فلما أصبح : نزل وصلى بهم الغداة ، ثم عجل الركوب ، وأخذ يتياسر بأصحابه يريد أن يفرقهم فيأتيه الحر بن يزيد فيرده وأصحابه .

 فجعل : إذا ردهم نحو الكوفة ردا شديدا ، امتنعوا عليه ، فارتفعوا ، فلم يزالوا يتسايرون كذلك حتى انتهوا إلى نينوى[93] بالمكان الذي نزل به الحسين عليه السلام .

فإذا راكب : على نجيب له ، عليه سلاح ، متنكبا قوسا ، مقبلا من الكوفة ، فوقفوا جميعا ينتظرونه ، فلما انتهى إليهم ، سلم على الحر وأصحابه ، ولم يسلم على الحسين وأصحابه ، ودفع إلى الحر كتابا من عبيد الله ابن زياد لعنة الله .

فإذا فيه أما بعد فجعجع بالحسين حين بلغك كتابي هذا ويقدم عليك  رسولي ، ولا تنزله إلا بالعراء في غير خضر وعلى غير ماء ، وقد أمرت رسولي أن يلزمك ولا يفارقك حتى يأتيني بإنفاذك أمري والسلام . فلما قرأ الكتاب :

 قال لهم الحر: هذا كتاب الأمير عبيد الله يأمرني أن اجعجع بكم في المكان الذي يأتيني كتابه ، وهذا رسوله وقد أمره أن لا يفارقني حتى أنفذ أمره فيكم .

فنظر يزيد بن المهاجر الكندي : وكان مع الحسين عليه السلام ، إلى رسول ابن زياد فعرفه ، فقال له : ثكلتك أمك ما ذا جئت فيه ؟

قال : أطعت إمامي ، ووفيت ببيعتي .

 فقال له ابن المهاجر : بل عصيت ربك ، وأطعت إمامك في هلاك نفسك ، وكسيت العار والنار ، و بئس الإمام إمامك ، قال الله عز وجل :

 { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ (41) } القصص.

 فإمامك منهم [94].

نعم يا طيب : إمامه منهم ، ونسأل الله يوم يدعو الله كل أناس بإمامهم ، أن يجعلنا مع الإمام الحسين وآله الكرام وصحبهم النجباء صلى الله عليهم وسلم ، وإن إلى الآن يوجد من ينتهجون نهج أئمة الكفر من بين أمية وأمثالهم ، ولا يرضون إمامة آل محمد صلى الله عليهم وسلم، وقد قال الله تعالى: { وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ  الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70) يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ  كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي  الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

 

 


 

الإشعاع الثاني :

الإمام يخطب في أصحابه فيعلنون نصره بكلمات بليغة :

يا طيب : بعد أن عرفت شدة الأمر بالتضييق على الإمام وإصرار الحر على منع الإمام من الحركة ، وما جاء به رسول ابن زياد :

قال في اللهوف على قتلى الطفوف :

قال الراوي فقام الحسين عليه السلام خطيبا في أصحابه :

فحمد الله : و أثنى عليه ، و ذكر جده فصلى عليه ، ثم قال :

إنه قد نزل بنا : من الأمر ما قد ترون .

و إن الدنيا : قد تغيرت و تنكرت و أدبر معروفها ، و استمرت حذاء .

و لم تبق منه : إلا صبابة كصبابة الإناء ، و خسيس عيش كالمرعى الوبيل .

أ لا ترون : إلى الحق لا يعمل به ، و إلى الباطل لا يتناهى عنه .

ليرغب المؤمن : في لقاء ربه محقا .

فإني : لا أرى الموت إلا سعادة ، و الحياة مع الظالمين إلا برما .

 

فقام زهير بن القين ، و قال :

قد سمعن : هداك الله يا ابن رسول الله ، مقالتك .

و لو كانت الدنيا : لنا باقية ، و كنا فيها مخلدين .

 لأثرنا النهوض معك على الإقامة .

 

و قال الراوي : و قام هلال بن نافع البجلي :

فقال : و الله ما كرهنا لقاء ربنا ، و إنا على نياتنا و بصائرنا .

نوالي : من والاك ، و نعادي من عاداك .

 

قال : و قام برير بن خضير فقال :

و الله : يا ابن رسول الله ، لقد من الله بك علينا .

 أن نقاتل بين يديك ، و تقطع فيك أعضاؤنا .

ثم يكون : جدك شفيعنا يوم القيامة .

 

 قال ثم إن الحسين عليه السلام : قام و ركب و سار .

 و كلما أراد المسير :  يمنعونه تارة ، و يسايرونه أخرى .

 حتى بلغ كربلاء ، و كان ذلك في اليوم الثاني من المحرم[95]

 

في المناقب : قال : فوثب إلى الحسين عليه السلام رجل من شيعته يقال له هلال بن نافع البجلي فقال :

 يا ابن رسول الله : أنت تعلم أن جدك رسول الله لم يقدر أن يشرب الناس محبته ، ولا أن يرجعوا إلى أمره ما أحب .

وقد كان منهم : منافقون يعدون بالنصر ، ويضمرون له الغدر ، يلقونه بأحلى من العسل ، ويخلفونه بأمر من الحنظل ، حتى قبضه الله إليه .

 وإن أباك عليا رحمة الله عليه : قد كان في مثل ذلك .

فقوم : قد أجمعوا على نصره ، وقاتلوا معه الناكثين والقاسطين والمارقين ، حتى أتاه أجله فمضى إلى رحمة الله ورضوانه .

وأنت اليوم : عندنا في مثل تلك الحالة .

فمن نكث عهده : وخلع بيعته ، فلن يضر إلا نفسه ، والله مغن عنه .

فسر بنا : راشدا معافا ، مشرقا إن شئت ، وإن شئت مغربا .

 فو الله : ما أشفقنا من قدر الله ، ولا كرهنا لقاء ربنا ، وإنا على نياتنا وبصائرنا ، نوالي من والاك ، ونعادي من عاداك . 

 

ثم وثب إليه برير بن خضير الهمداني فقال :

 والله يا بن رسول الله : لقد من الله بك علينا أن نقاتل بين يديك ، تقطع فيه أعضاؤنا ، ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة بين أيدينا .

لا أفلح قوم : ضيعوا ابن بنت نبيهم ، أف لهم غدا ماذا يلاقون ؟

ينادون : بالويل والثبور في نار جهنم .

 

قال : فجمع الحسين عليه السلام : ولده وإخوته وأهل بيته ، ثم نظر إليهم فبكى ساعة ثم قال :

اللهم : إنا عترة نبيك محمد وقد أخرجنا وطردنا وأزعجنا عن حرم جدنا .

 وتعدت بنو أمية علينا ، اللهم فخذنا لنا بحقنا ، وانصرنا على القوم الظالمين [96].

 

في كتاب الإرشاد : روى سفيان بن عيينة ، عن علي بن زيد ، عن علي بن الحسين عليهما السلام قال :

خرجن مع الحسين فما نزل منزلا ، وما ارتحل منه ، إلا ذكر يحيى بن زكريا وقتله .

وقال يوما : ومن هوان الدنيا على الله عز وجل ، أن رأس يحيى بن زكريا ، اهدي إلى بغي من بغايا بني إسرائيل [97].

 

 


 

 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسين عليه السلام ينزل قرب كربلاء :

قال الشيخ المفيد والطبري في تكملة الحديث السابق أي بعد قدوم رسول بن زياد للحر وأمره له بالتضييق على الإمام الحسين عليه السلام :

وأخذهم الحر : بالنزول في ذلك المكان على غير ماء ولا في قرية .

فقال له الحسين عليه السلام : دعنا ويحك  ننزل هذه القرية أو هذه ، يعني : نينوى ، والغاضرية[98] .

 أو هذه يعني شفية[99] !

 قال : لا والله ما أستطيع ذلك هذا رجل قد بعث إلي عينا عليَّ .

فقال له زهير بن القين : إني والله لا أرى أن يكون بعد الذي ترون إلا أشد مما ترون ، يا ابن رسول الله  : إن قتال هؤلاء القوم الساعة أهون علينا من قتال من يأتينا من بعدهم ، فلعمري ليأتينا من بعدهم ما لا قبل لنا به .

فقال الحسين عليه السلام : ما كنت لأبدأهم بالقتال [100].

 

وفي عبارة الطبري في تأريخه عن أبو مخنف قال : فقال له زهير بن القين :

سر بنا إلى هذه القرية : حتى تنزلها فإنها حصينة ، وهي على شاطئ الفرات ، فإن منعونا قاتلناهم ، فقتالهم أهون علينا من قتال من يجيء من بعدهم .

فقال له الحسين : وأية قرية هي ؟

قال : هي العقر[101] .

فقال الحسين : اللهم إني أعوذ بك من العقر ، ثم نزل .

 وذلك يوم الخميس وهو اليوم الثاني من المحرم سنة إحدى وستين ، فلما كان من الغد ، قدم عليهم عمر بن سعد بن أبي وقاص من الكوفة في أربعة آلاف [102].

وفي عبارة كتاب الأخبار الطوال للدينوري وغيره :

 فقال له زهير : فهاهنا قرية بالقرب منا على شط الفرات، وهي في عاقول[103]  حصينة ، الفرات يحدق بها إلا من وجه واحد .

قال الحسين: وما اسم تلك القرية ؟ قال: العقر.

قال الحسين : نعوذ بالله من العقر .

فقال الحسين للحر: سر بنا قليلا ، ثم ننزل .

فسار معه : حتى أتوا كربلاء .

 فوقف الحر وأصحابه : أمام الحسين ومنعوهم من المسير.

 وقال: انزل بهذا المكان ، فالفرات منك قريب .

قال الحسين: وما اسم هذا المكان ؟

قالوا له : كربلاء [104].

قال : ذات كرب وبلاء، ولقد مر أبي بهذا المكان عند مسيرة إلى صفين ، وأنا معه ، فوقف ، فسأل عنه ؟

فأخبر باسمه ، فقال:

هاهنا محط ركابهم، وهاهنا مهراق دمائهم .

 فسئل عن ذلك ؟

 فقال : ثقل لآل بيت محمد ، ينزلون هاهنا[105].

 

 

 



[62] يا طيب : ستذكر هنا مدن كثيرة ولا بأس بأن نذكر مجمل يعرفنا هذه الديار ، ومحلها فيما بين أرض الحجاز والعراق ، فنذكر مجملها ثم نتعرف أرض العراق :

قال الإصطخري في المسالك والممالك : وديار العرب :

هي الحجاز : الذي يشتمل على مكة والمدينة واليمامة ومخالفيها .

ونجد الحجاز : المتصل بأرض البحرين وبادية العراق وبادية الجزيرة وبادية الشام.

 واليمن : المشتملة على تهامة، ونجد اليمن وعمان ومهرة وحضرموت وبلاد صنعاء وعدن وسائر مخاليف اليمن، فما كان من حد السرين حتى ينتهي إلى ناحية يلملم، ثم على ظهر الطائف ممتدا على نجد اليمن إلى بحر فارس مشرقا فمن اليمن، ويكون ذلك نحو الثلثين من ديار العرب .

 وما كان : من حد السرين على بحر فارس إلى قرب مدين ، راجعا في حد المشرق على الحجر إلى جبلي طيء، ممتدا على ظهر اليمامة إلى بحر فارس : فمن الحجاز .

 وما كان : من حد اليمامة إلى قرب المدينة ، راجعا على بادية البصرة حتى يمتد على البحرين إلى البحر : فمن نجد .

 وما كان : من حد عبادان إلى الأنبار مواجها لنجد والحجاز ، على أسد وطيء وتميم وسائر قبائل مضر : فمن بادية العراق .

 وما كان : من حد الأنبار إلى بالس مواجها لبادية الشام على أرض تيماء وبرية خساف إلى قرب وادي القرى والحجر : فمن بادية الجزيرة .

 وما كان : من بالس إلى أيلة مواجها للحجاز على بحر فارس إلى ناحية مدين ، معارضا لأرض تبوك حتى يتصل بديار طيء : فمن بادية الشام .

 على أن من العلماء : بتقسيم هذه الديار من زعم أن المدينة من نجد لقربها منها ، وأن مكة من تهامة اليمن لقربها منها . المسالك والممالك للإصطخري ج1ص6 .

وقال : وأما العراق : فإنه في الطول : من تكريت إلى حدّ عبادان على بحر فارس ، وفي العرض : عند بغداد من قادسية الكوفة إلى حلوان، وعرضه بواسط : من واسط إلى قريب الطيب ، وعرضه بالبصرة - من البصرة إلى حدود جُبّي، والذي يطوف بحدوده من تكريت مما يلي المشرق حتى بجوز بحدود شهرزور ، ثم يطوف على حدود حلوان وحدود السبروان والصيمرة وحدود الطيب وحدود السوسي، حتى بنتهي إلى حدود جُبي ، ثم إلى البحر.

 فيكون في هذا الحد : من تكريت إلى البحر تقويس، وبرجع إلى حدّ المغرب من وراء البصرة في البادية على سواد البصرة وبطائحها إلى واسط، ثم على سواد الكوفة وبطائحها إلى الكوفة ، ثم على ظهر الفرات إلى الأنبار ثم من الأنبار إلى حدّ تكرت بين دجلة والفرات، وفي هذا الحدّ من البحر إلى تكريت تقوبس أيضاً، فهذا المحيط يحدود العراق.

وأما المسافات : فإنّه من تكريت إلى البحر مما يلي المشرق مقوّس نحو شهر، ومن البحر راجعاَ في حدّ المغرب إلى تكريت مقوّس نحو شهر، ومن بغداد إلى سامرّا 3 مراحل، ومن سامرّا إلى تكريت مرحلتان ومن بغداد إلى الكوفة 4 مراحل، ومن الكوفة إلى القادسية مرحلة، ومن بغداد إلى واسط إلى البصرة 8 مراحل، ومن الكوفة إلى واسط على طريق البطائح 6 مراحل، ومن البصرة إلى البحر مرحلتان ، وعرض العراق : ببغداد من حلوان إلى القادسية 11 مرحلة، وعرضه عند سامرّا من الدجلة إلى حدّ شهرزور وأذربيجان نحو 5 مراحل، والعامر منه أقل من مرحلة، وعرضه بواسط نحو 4 مراحل و عرضه بالبصرة - من البصرة إلى حدود جبّي نحو مرحلة . المسالك والممالك للإصطخري ج1ص31 .

قال الخليل في كتاب العين : عرق: العَرَق: ماء الجسد يجري من أصول الشعر ، و أعرق الشجر و النبات: امتدت عروقه و العريق من الناس و الخيل: الذي فيه عرق من الكرم.

و العراق: شاطئ‏ء البحر على طوله.

و به سمي العراق : لأنه على شاطئ‏ء دجلة و الفرات . مداً حتى يتصل بالبحر على طوله.

 قال : وهو مشبه بعراق الَقربة وهو الذي يثني منها فيخرزَ.  كتاب ‏العين ج1ص152 .وعنه في معجم البلدان ج 3 ص 206 .

وقال اليعقوبي: وإنما ابتدأت بالعراق لأنها وسط الدنيا وسرة الأرض .البلدان ج1ص1.

[63] بحار الأنوار ج40ب37ص368ح2.

[64]يا طيب : مر تعريف مكة المكرمة في مسير الإمام الحسين عليه السلام من المدينة المنورة إلى مكة المكرمة .

 وأما الكوفة : فهي الآن متصلة البناء مع محافظة النجف الأشرف وهي أحد أقضيته ، وإن المسافة من مكة المكرمة إلى الكوفة 1366,820 مترا. والكوفة : سكنها الإمام الحسين في زمن والده وأخيه حدود خمسة سنوات وفي محراب مسجدها استشهد الإمام الإمام علي عليه السلام ودفن في ظهرها في النجف ، وفيها كثير من شيعته ، ثم رجع منها الإمام الحسين إلى المدينة المنورة مع أخيه الإمام الحسن عليه السلام ، وذلك بعد أن خذلوه وتحولت حكومة المسلمين لمعاوية فملك بنو أمية .

 والكوفة يا طيب : في آخر الزمان تكون عاصمة العالم حين ظهور الإمام المهدي وهو الحجة بن الحسن العسكري عليه السلام والإمام التاسع من ولد الحسين صلى الله عليهم وسلم.

 وأما ما جاء في تعريفها : فهي :

قال أبو عبيد البكري : الكُوفَة  : معروفة. ويقال لها أيضاً: كوفان .

وإنما سميت الكوفة : لأن سعدا لما افتتح القادسية ، نزل المسلمون الأنبار ، غاذاهم البق ، فارتاد لهم موضع الكوفة ، وقال : تكوفوا في هذا الموضع ، أي اجتمعوا . والتكوف: التجمع .

قال القتبي: و الكوفة: رملة مستديرة ، ومنه قولهم : كانهم يدورون في كوفان، بضم الكاف وبفتحها، وقد تشدد الواو، أي في شيء مستدير. وقال محمد ابن سهل: سميت الكوفة، لأن جبل ساتيدما محيط بها كا الكفافة عليها. قال: وكانت الكوفة منزل نوح، وهو بنى مسجدها، ثم مصرها سعد ابن أبي وقاص ،معجم ما استعجم ج1ص312 .

قال في المعالم الجغرافية في السيرة النبوية :

و الكوفة : تسمى أحد العراقين ، والآخر البصرة - مدينة أسسها المسلمون عند فتح العراق أسسها سعد بن أبي وقاص سنة 17 للهجرة ، فكان يعين لها وال من قبل الخليفة بالمدينة  ، وكان العرب أقاموها على أميال من الحيرة عاصمة المناذرة ، فقضت على الحيرة ، ولما تولى الخلافة الإمام علي - كرم الله وجهه اتخذ الكوفة عاصمة له ، فلما قتل دفن بظاهرها في موضع يدعى النجف ، وظلت الكوفة ردحا من الزمن تنافس البصرة ، وخرج فيهما مدرستا النحو : الكوفية والبصرية ، ولما تقدمت بغداد أخذ كل من النجف والبصرة تفقد مكانتها ، ثم اتخذ الشيعة النجف مزارا فتكونت به مدينة « النجف الأشرف » . كما يسميها العراقيون ، فقضت على آخر الكوفة ، وتوجد آثارها بظاهر النجف قرب التقاء خطي : 32 عرضا و25 و44 طولا وكلاهما على الضفة الغربية لنهر الفرات ، وما زال بعضها مغمورا .

ونشر الأستاذ حسن الدجيلي بحثا في « مجلة الفيصل السعودية » عدد 56 ، جاء فيه :

تقع الكوفة : على نهر الفرات ، وعلى مسافة 8 ثمانية كيلومترات من مدينة النجف ، و156 كيلو مترا من بغداد ، و60 ستين كيلو مترا جنوبي مدينة كربلاء . وأرضها سهلة عالية ، ترتفع عن سطح البحر ب22 مترا ، وشاطئها الغربي أعلى من الشرقي بستة أمتار تقريبا ، مما يجعلها في مأمن من الفيضانات قديما وحديثا . وكلما سرنا غربا ارتفعت الأرض عن سطح البحر تدريجيا لتصل إلى ستين مترا ونصف المتر . ثم تنحدر انحدارا شديدا نحو الجنوب الغربي لتمتد إلى بحيرة مالحة ضحلة عرفت ببحر النجف غربا .

لم تكن الكوفة : معروفة بهذا الاسم قبل تعميرها ، وليس في موقعها ما يشير إلى أنها كانت في يوم من الأيام مستوطنا من المستوطنات العربية أو العراقية القديمة . ولم نعثر في حفائرها أو في أرضها على آثار أو أبنية تعود إلى عصور ما قبل التاريخ أو بعده ، وإنما كان موضعها جزءا سهليا من الضفة اليمنى للفرات الأوسط وإلى الجهة الشمالية الشرقية من مدينة الحيرة ، ويدعى سورستان  . المعالم الجغرافية الواردة في السيرة النبوية ص 267 .

[65] يا طيب : المسافة من الكوفة للقادسية : 27300 سبعة وعشرون كيلومتر وثلاثمائة متر ، والمسافة من مكة المكرمة إلى القادسية 1328,600مترا . وكانت تعد من مدن الكوفة لقربها منها على أقل من مرحلة ، والعذيب قبلها بحدود 11 كيلومتر ، وهي التي وقعت فيها معركة القادسية بين المسلمين وأهل فارس ، وجاء في أخبارها :

قال في معجم البلدان : القَادسيةُ : قال أبو عمرو : القادس السفينة العظيمة . قال المنجمون: طول القادسية تسع وستون درجة وعرضها إحدى وثلاثون درجة وثلثا درجة ساعات النهار بها أربع عشرة ساعة وثلثان،  وبينها وبين الكوفة خمسة عشر فرسخاً وبينها ، وبين العذيب أربعة أميال .

 قيل : سميت القادسية بقادسِ هراة ، وقال المدايني : كانت القادسية تسمى قديس ، وروى ابن عيينة قال : مرَ إبراهيم بالقادسية فرأى زهرتها ووجد هناك عجوزاً فغسلت رأسه ، فقال: قدستِ من أرض ، فسميت القادسية ، وبهذا الموضع كان يوم القادسية بين سعد بن أبي وقاص والمسلمين والفرس في سنة 16 من الهجرة ، وذكر أصحاب الفتوح ، أن القادسية كانت أربعة أيام :

فسموا الأول : يوم أرماث ، واليوم الثاني : يوم أغواث ، واليوم الثالث : يوم عِماس ، وليلة اليوم الرابع : ليلة الهرير ، واليوم الرابع : سموه يوم القادسية ، وكان الفتح للمسلمين وقتل رُستم جازَوَيه ولم يقم للفرس بعده قائمة . معجم البلدان ج3ص353 .

و قال الطبري في تأريخه :  كان في المقدمات أيام القادسية - قال: قدمنا سعد من شراف، فنزلنا بعذيب الهجانات ثم ارتحل ؛ فلما نزل علينا بعذيب الهاجانات ..، ثم أقدمنا على العذيب، فلما دنونا منه، خرج رجل يركض نحو القادسية، فانتهينا إليه، فدخلناه فإذا ليس فيه أحد ؛ ووجد المسلمون في العذيب رماحاً ونشاباً وأسفاطاً من جلود وغيرها ، انتفع بها المسلمون . ثم بث الغازات، وسرحهم في جوف الليل، وأمرهم بالغارة على الحيرة  ،.تاريخ الرسل والملوك ج2ص254 . (والحيرة على بعد ثلاثة أميال من الكوفة).

وقد عرفت أنه قال في المسالك والممالك : من الكوفة إلى القادسية خمسة عشر ميلاً، ومن القادسية إلى العُذيب ستة أميال، العذيب كانت مسلحة بين العرب وفارس في حدّ البرّيّة وبها حائطان متصلان من القادسية إلى العذيب ومن الجانبين كليهما نخل،  وإذا خرج منه الخارج دخل كالمفازة ، ومن العذيب إلى المغيثة ، وفيها برك ،  أربعة عشر ميلاً، ومن المغيثة إلى القرعاء ، وهي منزل وفيه آبار اثنان وثلاثون ميلاً، ومن القرعاء : إلى واقصة وفيها برك وآبار أربعة وعشرون ميلاً، ومن العقبة : إلى القاع أربعة وعشرون ميلاً .  المسالك والممالك لابن خرداذبه ج1ص47 .

[66] قال في معجم البلدان : خَفانُ: بفتح أوله وتشديد ثانيه وآخره نون. موضع قرب الكوفة يسلكه الحاج أحياناً ، وهو مأسدة قيل هو فوق القادسية . قال أبو عبيدة السكوني خفانُ من وراء النسوخ على ميلين أو ثلاثة عين عليها قرية لولد عيسى بن موسى الهاشمي تُعرف بخفان وهما قريتان من قرى السواد من طف الحجاز فمن خرج منها يريد واسطاً في الطف خرج إلى نجران ثم إلى عبد ينيا وجُنبلاء ثم قناطر بني دارا وتل فخار ثم إلى واسط .معجم البلدان ج2ص172 . وقال : إصبَعُ خَفان بناء عظيم قربَ الكوفة من أبنية الفرس وأظنهم بَنوه مَنظَرَةً هناك على عادتهم في مثله ، معجم البلدان ج1ص138. وإن ومنازل تغلب : ما بين خفان والعذيب،معجم ما استعجم ج1ص144 .

[67] القُطقُطَانَةُ: بالضم ثم السكون ، ثم قاف أخرى مضمومة، وطاء أخرى، وبعد الألف نون وهاء ورواه الأزهري بالفتح، والقِطقِط أصغرُ المَطرِ وتَقَطقطت الدَلوُ في البئر إذا انحدرت. موضع قرب الكوفة من جهة البَريَّة بالطف ، به كان سجن النعمان بن المنذر، وقال أبو عبيد الله السكوني القطقطانة بالطف بينها وبين الرهيمة مغرباً نيف وعشرون ميلاً إذا خرجت من القادسية تريد الشام، ومنه إلى قصر مقاتل ، ثم القُرَيات ، ثم السماوة، ومن أراد خرج من القطقطانة إلى عين التمر ثم ينحط حتى يقرب من الفَيوم إلى هيت.معجم البلدان ج3ص416 . قال الكميت :

 تأبد  من ليلى حصيد الى تُبَلْ ... فذو حُسم  فالقطقطانة   فالرجل

الجبال و الأمكنة و المياه ج1ص23

[68] لَعلَعٌ : بالفتح ثم السكون واللعلع في لغتهم السراب ، ولعلع : جبل كانت به وقعة لهم . قال أبو نصر : لعلع : ماءٌ في البادية، وقد وَردته ، وقيل : لعلع منزل بين البصرة والكوفة، وقال العُزيزي : من البصرة إلى عين جمل ثلاثون ميلاً، وإلى عين صَيدٍ ثلاثون ميلاً والى الأخاديد ثلاثون ميلاً وإلى أقر ثلاثون ميلاً وإلى سَلمان عشرون ميلاً، وإلى لعلع عشرون ميلاً ، وإلى بارق عشرون ميلاً وإلى مسجد سعد أربعون ميلاً، وإلالمُغيثة ثلاثون ميلاً، وإلى العذيب أربعة وعشرون ميلاً، وإلى القادسية ستة أميال، وإلى الكوفة خمسة وأربعون ميلاً.معجم البلدان ج4ص23 .

[69] الإرشاد ج2ص69 ، بحار الأنوار ج40ب37ص369ح2. مقتل أبي مخنف للطبري ج1ص52 .

[70] وَاقِصَةُ : بكسر القاف والصاد مهملة : موضعان ، والواقصة : بمعنى الموقوصة ، كما قالوا : آشرة بمعنى مأشورة ، وقال ابن السكيت : الوقص : دق العنق ، والوقص : قصر العنق ، والوقص : صغار العيدان والدواب إذا سارت في رؤوس الأكام ، وقصتها : أي كسرت رؤوسها بقوائمها .

قال هشام : واقصة وشَرَاف : ابنتا عمرو بن معتق بن زمر من بني عبيل بن عوض بن إرَم بن سام بن نوح علية السلام ، وواقصة : منزل بطريق مكة بعد القرعاء نحو مكة ، وقبل العقبة لبني شهاب من طيء ، ويقال لها :  واقصة الحزون : وهي دون زُبالة بمرحلتين ، وإنما قيل لها واقصة الحزون لأن الحزون أحاطت بها من كل جانب والمصعد إلى مكة ينهض في أول الحزن من العذَيب في أرض يقال لها البيضة حتى يبلغ مرحلة العقبة في أرض يقال لها البسيطة ثم يقع في القاع وهو سهل ، ويقال : زبالة : أسهل منه ، فإذا جاوزتَ ذلك استقبلت الرمل فأول رمل تلقاها يقال لها الشيحة . معجم البلدان ج4ص283 . و واقصة : منزل بطريق مكة. بها منارة من قرون الوحش وحوافرها . كان السلطان ملكشاه بن الب أرسلان السلجوقي خرج بنفسه يشيع الحاج في بعض سني ملكه ، فلما رجع اصطاد من الوحوش شيئاً كثيراً ، فبنى من قرونها وحوافرها منارة هناك كما فعله سابور ، والمنارة باقية إلى الآن .آثار البلاد وأخبار العباد ج1ص111 .

ويا طيب : المسافة من مكة المكرمة إلى واقصة : 1183,000مترا وهي بعد القاع والعقبة ، والعقبة الظاهر الآن أول منازل الداخل إلى العراق على الحدود. ومن الكوفة إلى واقصة : 183820مترا . أي من الكوفة إلى القادسية ثم العذيب ، مرحلة ثم إلى المغيثة مرحلة ، ثم القرعاء مرحلة ، ثم إلى واقصة مرحلة أي على بعد أربعة أيام مسير من الكوفة .

[71]  يا طيب : الطريق من الكوفة إلى دمشق :

من الحيرة إلى القُطْقُطانة، ثم إلى البُقعة، ثم إلى الأبيض، ثم إلى الحوشي، ثم إلى الجمع، ثم إلى الخطي، ثم إلى الجبة، ثم إلى القلوفي، ثم إلى الرواري، ثم إلى الساعدة، ثم إلى البقيعة، ثم إلى الأعناك، ثم إلى أذرِعات، ثم إلى منزل، ثم إلى دمشق. المسالك والممالك لابن خرداذبه ج1ص 22 .

و الشأمُ : بفتح أوله وسكون همزته والشأم بفتح همزته مثل نهر ونَهرَ لُغتان ولا تمد وفيها لغة ثالثة ، قال أبو بكر الأنباري في اشتقاقه : وجهان يجوز أن يكون مأخوذاً من اليد الشؤمى وهي اليسرَى ـ ويجوز أن يكون فَعلى من الشؤم . قال أبو القاسم: قال جماعة من أهل اللغة يجوز أن لايهمز فيقال : الشام : يا هذا فيكون جمع شامة سميت بذلك لكثرة قُراها وتداني بعضها من بعض فشُبهت بالشامات ، وأما حدُها :  فمن الفرات إلى العريش المتاخم للديار المصرية وأما عرضها فمن جبلَي طيىءٍ من نحو القبلة إلى بحر الروم وما بشأمة ذلك من البلاد ، وبها من أمهات المدُن : مَنبج ، وحلب ، وحماة ، وحمص ، ودمشق ، والبيت المقدس ، والمعرة ، وفي الساحل : أنطاكية ، وطرابلس ، وعَكا وصور ، وعسقلان ، وغير ذلك . وهي خمسة أجناد : جُنْدُ قنسرين ، وجند دمشق ، وجند الأردُن ، وجند فلسطين ، وجند حمص . معجم البلدان ج3ص23 .

[72] البصرة : بالعراق، بنيت في سنة أربع عشرة واختط عتبة بن غزوان المنازل بها وبنى مسجداً من قصب ، ويقال : بل كان ذلك سنة سبع عشرة . وعتبة أول من اختطها ونزلها في ثمانمائة رجل وهو الذي فتح الأبلة . قالوا : وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة ، وهي نيف على ثمانية آلاف نهر ، وهي في مستو من الأرض لا جبال فيها. وقيل كان فيها سبعة آلاف مسجد ثم خلا أكثرها وما بقي فيها إلا ما دار بالمسجد الجامع الذي فيه. وبالبصرة : نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلاً وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة ، وعلى جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حايط واحد، وينصب إلى هذا النهر عدة أنهار مما يقاربه أو يماثله في الكبر ، وجميع نخيلها في اعتدال قدوده ونضارة فروعه كأنها أفرغت في قالب واحد وغرس سائره في يوم واحد ، وجميع أنهار البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض ، وينشعب بعضها من بعض ، وأكثرها يدخله المد والجزر من البحر، فإذا دخل المد تراجعت مياه الأنهار فصبت في البساتين والمزارع وسقتها، الروض المعطار في خبر الأقطار ج1ص105 .

[73] الإرشاد ج2ص71 ، بحار الأنوار ج40ب37ص370ح2.

[74] مقتل أبي مخنف للطبري ج1ص60 .

[75]  شَرَاف : بفتح أوله وآخره فاء وثانيه مخفف فَعَال ، من الشرف وهو العلوُ. قال نصر: ماء بنجد له ذكر كثير في آثار الصحابة ابن مسعود وغيره .

وقال أبو عبيد السكوني شرَاف بين واقصة والقرعاء على ثمانية أميال من الأحساءِ التي لبني وهب وليس الإحساء شرق نجد .

ومن شراف إلى واقصة ميلان : وهناك بركة تعرف باللَوزة (وفي معجم البلدان ج4ص27 :

اللوزَةُ : بالفتح ثم السكون وزاي بركة بين واقصة والقرعاء على طريق بني وهب وقباب أم جعفر ، على تسعة أميال من القرعاء ، وهناك أيضاً بركة لإسحاق بن إبراهيم الرافعي ، وشراف على أحد عشر ميلاً من اللوزة ) .

وفي أشراف : ثلاث آبار كبار ، رشاؤها أقل عن عشرين قامة ، وماؤها عذب كثير ، وبها قُلب كثيرة طيبة الماء ، يدخها ماء المطر . معجم البلدان  ياقوت الحموي ج3ص37 .

يا طيب : بعد ذات عرق على بعد مرحلتين من مكة المكرمة إلى العذيب كان المسير في أرض نجد لأنه قال : قال ابن خرداذبه : إذا خرجت من الكوفة : وبلغت العُذَيب وقعت في نجد ، وأنت في نجد إلى أن تبلغ ذات عرق ، ثم تقع في تهامة، وعن يمينك إذا خرجت من الكوفة إلى الشأم نجد ، وعن يسارك إذا خرجت من الكوفة العِرض إلى الطّائف نجد. المسالك والممالك لابن خرداذبه ج1ص30 .

[76] يا طيب : عرفت أن شراف بعد واقصة بميلان ، وإن الإمام في السحر خرج من شراف ، وفي وقت الظهر لاقى الحر تقريبا يوما حسب مسيره ، فيكون قد سار ما يقارب 33 الثلاثون ميلا ، أو فقل ما يقارب 60 الستون كيلومترا ، ولما كان بعد واقصة تأتي القرعاء وهي على بعد 24 ميلا ، فيكون الإمام قد عبرها وهو في طريقه إلى المغيثة ، فيكون جبل ذو حسم بين القرعاء والمغيثة ويقرب من وادي السباع .

 وخير من يحدد ذي حسم : مما يبين سرعة في المسير في هذا المكان ، فهو ما ذكره الطبري في تأريخ قال في ج4 ص304 بعد أن صلى الإمام بصحبه والحر صلى بصلاته ، ثم أراد أن ينصرف العصر فمنعه كما يأتي قصته في المتن: قال : فخذ ههنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية ، وبينه وبين العذيب 38 ثمانية وثلاثون ميلا  ، ثم إن الحسين سار في أصحابه والحر يسايره .

فتكون المسافة يا طيب : بين ذو حسم والعذيب : 69160 مترا ، أي حدود 70 سبعون كيلومترا ،  وإن  بين العذيب والكوفة : 38,220 أي ثمانية وثلاثون كيلومتر ومائتان وعشرين مترا ومنها يبقي منزلا واحدا من سبعة وعشرون منزل حتى الكوفة . وبين العذيب ومكة المكرمة : 1301،300 مترا أي ألف ثلاثمائة وواحد كيلومترا ، وثلاثمائة متر .

فذو حسم : يبعد عن الكوفة حدود 110 كيلومترا على حدود مرحلتين تقريبا ، فيكون يوم لقاء الحر بالإمام الحسين عليه السلام فتكون الليلة أول محرم وبعده ليلة الثاني في قصر مقاتل ، وعصر اليوم الثاني ينزل قرب كربلاء . وأما وصف ذو حسم فجاء فيه :

حُسَمُ : بالضم ثم الفتح مدل جُرَذ وصرد كأنه معدول عن حاسم وهو المانع ، ويروى حُسُم بضمتين وهو اسم ، موضع في شعر النابغة . وقال لبيد:

لِيبك على النعمان  شرب  وقينة ... و مختبطات كالسَعالي أرامل

له الملك في ضاحي معَد وأسلَمَت ... إليه العباد كلها  ما يحاولُ

فيوماً   عُناة  في الحديد  يكُفهم ... ويوماً جياد مُلْجَمات قوافل

بذي حُسَم  قد  عُريَت  ويَزِينها ... دماث  فَليج رَهوُها والمحافلُ

وهو جبل : كان ملك الحيرة النعمان بن المنذر يصطاد به ، وفيه للنابغة الذبياني أبيات شعر .

وقال الاعشى:

فكيف طلابكها إذ نأت ... وأدنى ديار بها ذو حسمْ

وقال الخليل: حسم وحاسم : موضع بالبادية ، وأنشد أبو عمرو:

وذو حسم  واد  تناغم  نبته ... فلاة أعاليه  وأسفله نخلُ

فأعلم : أن أعلاه قفز غامر، وأسفله نخل عامر. معجم البلدان ج2ص83 .

و ذو حُسُم : بضم أوله وثانيه ، وبالميم : واد بنجد .

و قال الكميت:

تأبد من ليلى حصيد  إلى  تُبَلْ ... فذو  حُسم  فالقطقطانة  فالرجل

إلى الكمع فالأوداة قفر جُنوبها ... سمى طلل عاف و ما أنت و الطلل

معجم ما استعجم ج1ص128 وص 62.

وأما المواقع المذكورة في الشعر التي تساعدنا على تحديد المكان فهي :

تبل: بالتخفيف قال نصر: تبل، واد على أميال يسيرة من الكوفة ، وقصر بني مُقاتل : أسفله تبل وأعلا. متصل بسَماوَة  كلب ، معجم البلدان ج1ص401.

الحصيدُ : بالفتح ثم الكسر وياء ساكنة ودال مهملة . موضع في أطراف العراق من جهة الجزيرة، وقال نصر: حصَيد مصَغر واد بين الكوفة والشام ، معجم البلدان ج2ص90.

وقال نصر الأوداة : بالهاء مجتمع أودية بين الكوفة والشام ، وقد يقال للتي ببطن فَلْج الأوداة ، وأوداة قُلب بها أجارِد . وأودات كَلب أودية كثيرة تنسُل من المَلحاء وهيِ رابية مستطيلة .

ما شَرق منها فهو الأودات ، وما غرب فهو البياض .معجم البلدان ج1ص189.

ويا طيب : سيأتي ذكر قصر ابن مقاتل والبيضة في المتن .

[77] الإرشاد ج2ص76 ، بحار الأنوار ج40ب37ص375ح2. تاريخ الطبري ج3ص305 .الكامل في التاريخ ج2ص164 .

[78] بحار الأنوار ج41ب75ص4ح2.

[79] الإرشاد ج2ص79 ، بحار الأنوار ج40ب37ص377ح2.

[80] الإرشاد ج2ص80 ، بحار الأنوار ج40ب37ص377ح2.

[81]مقاتل الطالبيين ج1ص31 .وأقسَاس: قرية بالكوفة أو كورة يقال لها أقساس مالك منسوبة إلى مالك بن عبد هند بن نجم بالجيم ، وينسب لها بعض العلويين الآن، معجم البلدان ج1ص160.

[82] وقال أبو محمد الأعرابي الأسود : البيضة : بكسر الباء. ماء: بين واقصة إلى العُذَيب متصلة بالحَزْن لبني يربوع . معجم البلدان ج1ص387 . وقال :

قالوا : البسيطة : موضِع بين الكوفة وحزن بني يربوع ، وقيل : أرض بين العذيب والقاع ، وهناك البيضة : وهي العذيب . معجم البلدان ج1ص303.

[83] تاريخ الطبري ج4ص304 . وفي طبعة أخرى ج3ص306 . وفي الأخبار الطوال ج1ص250 .

[84] الإرشاد ج2ص81 ، بحار الأنوار ج40ب37ص378ح2.

[85] بحار الأنوار ج40ب37ص369ح2.

[86] العذَيبُ : تصغير العذب وهو الماء الطيب. وهو ماء بين القادسية والمغيثة بينه وبين القادسية أربعة (ستة ) أميال وإلى المغيثة اثنان وثلاثون ميلا. وقيل: هو واد لبني تميم وهو من منازل حاج الكوفة وقيل هو حد السواد. وقال أبو عبد اللَه السكوني : العذيب : يخرج من قادسية الكوفة إليه ، وكانت مسلحة للفرس بينها وبين القادسية حائطان متصلان بينهما نخل وهي ستة أميال فإذا خرجت منه دخلت البادية ثم المغيثة. وقد أكثر الشعراءُ في ذكره . معجم البلدان ج3ص205 . وفي قصة ذكر اليعقوبي : في قصة معركة القادسية : وكان سعد يومئذ عليلاً فصار إلى قصر العذيب فنزله ، وتحصن فيه ، تاريخ اليعقوبي ج1ص163 .

و قال ابن حيان في السيرة : التأريخ لسنة ست عشرة من الهجرة ، فلما وصل إلى سعد بن أبي وقاص المغيرة بن شعبة سار بالمسلمين إلى رستم  ، حتى نزل قادس قرية إلى جنب العذيب ، و أقبل رستم في ستين ألفا من الجموع ممن أحصى في ديوانه سوى التبغ و الرقيق حتى نزل القادسية و بينهم و بين المسلمين جسر القادسية .السيرة لابن حبان ج1ص452 .

ويا طيب : اليوم العذيب قرب قضاء أبو صخير بين النجف ومحافظة القادسية ومركزها الديوانية .

ويا طيب : بعد بطن العقبة المنزل السابق منزل المغيثة ولم تذكر فيه أحداث معينه ، لكنه كان في ذي حسم ملاقاة الحر وهو قبل المغيثة وهي المنزل السابق على العذيب كما عرفت  ، ثم ساروا حتى العذيب ، وإن المسير للقوافل بعده القادسية ثم الكوفة ، وبين العذيب والكوفة : 38,220 أي ثمانية وثلاثون كيلومتر ومائتان وعشرين مترا وبقي منزلا واحدا من سبعة وعشرون منزل حتى الكوفة ، وبين العذيب ومكة المكرمة : 1301300 مترا أي ألف ثلاثمائة وواحد كيلومترا ، وثلاثمائة متر ، ثم سار الإمام حتى قصر مقاتل كما سيأتي وهو على يسار العذيب من جهة الشام  .

[87] أجأ : بوزن فعل بالتحريك مهموز مقصور والنسب إليه أجائي ، ومعناه الفرار كما حكاه ابن الأعرابي ، يقال : أجأ الرجل : إذا فرّ . وقال الزمخشري : أجأ وسلمى. جبلان عن يسار سُميراء ، وقد رأيتهما شاهقان ولم يقل عن يسار القاصد إلى مكة أو المنصرف عنها.

وقال أبو عبيد السكوني : أجأ أحد جبلي طيىءِ ، وهو غربي فيد،  وبينهما مسيرة ليلتين وفيه قرى كثيرة. قال ومنازل طيىء في الجبلين عشر ليال من دون فيد إلى أقصى أجأ إلى القرَيات من ناحية الشام وبين المدينة والجبلين على غير الجادة ثلاث مراحل وبين الجبلين وتَيماءَ جبال ذكرت في مواضعها من هذا الكتاب منها دَبر وغريّان وغسَل وبين كل جبلين يوم وبين الجبلين وفدَك ليلة وبينهما وبين خَيبرَ خمس ليال.معجم البلدان ج1ص56 .

سَلمى: بفتح أوله وسكون ثانيه مقصورة وألفُه للتأنيث وهو أحد جَبلَي طيء وهما أجأ وسَلمى وهو جبل وعر به واد يقال له رك به نخل واَبار مطوية بالصخر طيبة الماء والنخل عُصَب ، الأرض رمل بحافتيه جبلان أحمران يقال لهما حُميّان والغُداة وبأعلاه بُرقة يقال لها السراء وقال السكوني سَلمى جبل بقرب من فَيدعن عن يمين القاصد مكة وهو لنبهانَ لن يدخله أحد عليها وليس به قرى إنما به مياه وابار وقُلُب عليها نخل وشجرتان ولا زرع فيه. معجم البلدان ج2ص467. ويا طيب الظاهر : عذيب الهجانات : كانت مرعى قرب مدينة العذيب وعلى يسارها بطرف قصر ابن مقاتل ، ولم يدخل الإمام مدينة العذيب نفسها .

[88] تاريخ الطبري ج3ص307 .الكامل في التاريخ لأبن الأثير ج2ص166 .

[89] قصرُ مُقَاتِلٍ : قصر: كان بين عين التمر والشام ، وقال السكوني : هو قرب القُطقُطانه وسُلاَم ثم القُريات ، وهو منسوب إلى مقاتل بن حسَان بن ثعلبة ، وخربه عيسى بن علي بن عبد الله ثم جددَ عمارته، فهو له ، وقال ابن طَخماء الأسدي :

كأنْ لم يكن بالقصر قصر مقاتل ... وزُورَةَ ظل ناعم وصديقُ

في أبيات ذكرت في زورة، وقال عبيد الله بن الحر الجعفي:

وبالقصر ما جزبتموني فلم أخم ... ولم أَكُ وقافاً ولا طائشاَ فشل

وبارزتُ أقواماً بقصر مقاتل ... وضاربتُ أبطالاً ونازلتُ من نزل  معجم البلدان ج3ص409 .

وذكر قصر بن مقاتل في : سُلاَمُ: بضم أوله وهو مرتجل. موضع عند قصر مقاتل بين عين التمر والشام عن نصر. وقال: غيره السُلاَم منزل بعد قصر بني مقاتل للمغرب الذي يطلب السماوة .معجم البلدان ج2ص464 .

ويذكر قرب قصر مقاتل حوادث وقصص كثيرة منها :

 وكان للفرس : رابطة ، بقصر ابن مقاتل عليها النعمان بن قبيصة الطائي ، وهو ابن عم قبيصة بن إياس صاحب الحيرة ، فلما سمع بمجيء سعد سال عنه وعنده عبد الله بن سنان بن خزيم الأسدي.

 فقيل : رجل من قريش. فقال : والله لأحادنه القتال ، فإن قريشاً عبيد من غلب ، والله لا يخرجون من بلادهم إلا بخفين !

 فغضب عبد الله بن سنان : من قوله ، وأمهله حتى دخل قبته فقتله ، ولحق بسعد وأسلم .

وسار سعد من شراف فنزل العذيب ، ثم سار حتى نزل القادسية بين العتيق والخندق بحيال القنطرة وقديس أسفل منها بميل . في الكامل في التاريخ : الكامل في التاريخ ج1ص409 .

[90] الإرشاد ج2ص81 ، بحار الأنوار ج40ب37ص379ح2. الكامل في التاريخ لأبن الأثير  ج2ص166 . تاريخ الطبري ج3ص309 .

[91] أمالي الصدوق المجلس 30 ح 1. . والواعية : الصراخ والصوت ، بحار الأنوار ج40ب37ص315ح1. يا طيب : مر تعريف الطقطقانية سابقا .

ويا طيب : لعبد الله بن الحر الجعفي أخبار كثيرة ، وإنه ممن شهد القادسية وكثير من الفتوحات ، وسكن الكوفة ، وفي كثير من قصصه يظهر ولاءه لبني أمية ، ومنها أنه في صفين التحق بمعاوية وترك جيش الإمام علي عليه السلام ، ولذا قال له الإمام الحسين عليه السلام إنك مذنب خاطئ ، وطالبه بالتوبة ولكنه لم يتب ولم يلتحق بالحسين عليه السلام فيفوز بالشهادة والجنة .

وكان في قصته : في تأريخ دمشق وغيره : عن عمران بن كثير النخعي أن عبيد الله بن الحر ، كان تزوج جارية يقال لها الدرداء : زوجها أياه أبوها ، ثم غاب عبيد الله إلى الشام ولحق بمعاوية ، ثم مات أبوها فزوجها أخوها وأمها رجلا يقال له عكرمة بن خبيص ، فدخل بها ، فبلغ ذلك عبيد الله بن الحر ، فقدم من الشام فخاصمه إلى علي .

فلما دخل على علي ، قال لعبيد الله : أظاهرت علينا عدونا ، ولحقت بمعاوية ، وفعلت وفعلت .

فقال له عبيد الله : ويمنعني ذلك من عدلك ؟

قال : فقص عليه القصة ، فرد عليه امرأته وقضى بها له ، فقالت المرأة لعلي : أقضيت بي لعبيد الله ؟ قال : نعم ، قالت : فأنا أحق بما لي أم عبيد الله ، فقال : بل أنت أحق بمالك . قالت : فاشهد أن ما كان لي على عكرمة من شيء فهو له ، قال : وكانت المرأة حبلى فوضعها على يدي عدل ، فلما وضعت ألحق الولد بعكرمة ،  ودفع المرأة إلى عبيد الله . تاريخ دمشق ج37ص418 .

ويقال أنه أول من زار الإمام الحسين بعد مقتله ، وله أشعار منها :

تبيت   النشاوى   من   أمية  نوما     و    بالطف   قتلى   ما   ينام

حميمها وما ضيع الإسلام  إلا قبيلة    تأمر   نوكاها     ودام    نعيمها

وأضحت قناة الدين في كف  ظالم    إذا  اعوج  منها   جانب لا يقيمها

فأقسمت  لا تنفك نفسي   حزينة     وعيني  تبكي  لا يجف   سجومها

حياتي   أو   تلقى   أمية   خزية    يذل  لها  حتى   الممات   قرومها

بحار الأنوار للعلامة المجلسي ج45ص359 .

وذكر في الكامل في التأريخ : ولما قتل الحسين بن علي لم يكن عبيد الله فيمن حضر قتله ، يغيب عن ذلك تعمداً ، فلما قتل جعل ابن زياد يتفقد الأشراف من أهل الكوفة ، فلم ير عبيد الله بن الحر ، ثم جاءه بعد أيام حتى دخل عليه فقال له : أين كنت يا ابن الحر؟ قال: كنت مريضاً. قال: مريض القلب أم مريض البدن؟ فقال: أما قلبي فلم يمرض، وأما بدني فقد من الله علي بالعافية. فقال ابن زياد: كذبت، ولكنك كنت مع عدونا. فقال: لو كنت معه لرأي مكاني.

وغفل عنه ابن زياد، فخرج فركب فرسه ، ثم طلبه ابن زياد فقالوا : ركب الساعة .

فقال: علي به. فأحضر الشرط خلفه، فقالوا: أجب الأمير. فقال: أبلغوه عني أني لا آيته طائعاً أبداً. ثم أجرى فرسه وأتى منزل أحمد بن زياد الطائي، فاجتمع إليه أصحابه، ثم خرج حتى أتى كربلاء فنظر إلى مصارع الحسين ومن قتل معه فاستغفر لهم ثم مضى إلى المدائن وقال في ذلك:

يقول    أمير    غادر    وابن   غادر     ألا  كنت  قاتلت الحسين بن  فاطمة

و   نفسي   على   خذلانه   واعتزاله     وبيعة   هذا   الناكث  العهد   لائمه

فيا   ندمي   أن   لا   أكون  نصرته     ألا   كل   نفسٍ   لا   تشدد  نادمه

وإني   لأني   لم   أكن   من   حماته     لذو   حسرةٍ   أن   لا  تفارق  لازمه

سقى    الله   أرواح   الذين   تبادروا     إلى  نصره  سحاً  من  الغيث   دائمة

وقفت    على    أجداثهم    ومحالهم     فكاد  الحشا  ينقض  والعين   ساجمه

لعمري لقد كانوا  مصاليت  في الوغى     سراعاً   إلى   الهيجا   حماة  خضارمه

تأسوا  على  نصر  ابن  بنت    نبيهم     بأسيافهم     آساد    غيلٍ    ضراغمه

فإن   يقتلوا   في   كل   نفسٍ   بقيةً     على  الأرض قد أضحت لذلك   واجمه

وما  إن  رأى  الراؤون  أفضل  منهم     لدى  الموت   سادات  وزهر   قماقمه

يقتلهم     ظلماً     ويرجو    ودادنا      فدع    خطةً    ليست   لنا   بملائمه

لعمري    لقد    راغمتمونا    بقتلهم      فكم     ناقم   منا   عليكم    و ناقمه

أهم    مراراً    أن    أسير   بجحفلٍ      إلى   فئةٍ   زاغت  عن   الحق ظالمه

فكفوا   وإلا   زدتكم    في    كتائبٍ      أشد    عليكم   من   زحوف   الديالمه

وأقام ابن الحر بمنزله على شاطئ الفرات إلى أن مات يزيد ووقعت الفتنة،...

 الكامل في التاريخ ج2 ص 252 .

ولكنه لم يلتحق بالتوابين لم ينصر المختار ، بل التحق بمروان الأموي وأعطاه مال ، وحارب المختار ، وكانت له مواقف غير مشرفه مع المختار ، وقتل بعد عدة معارك مع مصعب بن الزبير .

[92] تاريخ الطبري ج3ص309 .

 

[93] نينوى : هي الآن أطلال شمال شرق كربلاء الحالية .  وهي قرية : من عقر بابل ، وكور بابل مجموعة من القرى منها قرية نينوى ، كما وأن مدينة الموصل قربها منطقة تسمى نينوى وبها تعرف .

 وفي موسوعة عاشوراء : نينوى : موضع استشهاد الحسين عليه السلام، وهو اسم منطقة في الكوفة إلى الشرق من دجلة وكربلاء، وهي من قرى الطف، "نينوى سلسلة من التلال الأثرية تمتد حتى مصبّ نهر العلقمي، وهي قرية "يونس بن متّى" التي ظهر من بين أهلها ، عن آثار البلاد وأخبار العباد للقزويني : 55، وقال : تعرف نينوى اليوم بـ"باب طويريج" وتقع شرق كربلاء. موسوعة عاشوراء للشيخ جواد محدثي ج1ص 708 . يا طيب :

ويا طيب : وجاء ذكر نينوى في أحاديث ، خلاصتها إن جبرائيل عليه السلام للنبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم بتربة منها له ، وإن الإمام علي عليه السلام مر عليها حين منصرفه من صفين وذكر مقتل الإمام الحسين عليه السلام ، وقد مر ذكرها في مصباح الهدى أول هذا الجزء فراجع .

[94] الإرشاد ج2ص83 . قال المجلسي رحمه الله : وقال الجوهري الجعجعة : الحبس ، وكتب عبيد الله بن زياد إلى عمر بن سعد أن جعجع بحسين عليه السلام ، قال الأصمعي : يعني احبسه ، وقال ابن الإعرابي : يعني ضيق عليه ،. بحار الأنوار ج41ب76ص4ح2. تاريخ الطبري ج3ص309 .

[95]اللهوف على قتلى الطفوف للسيد أبن طاووس ص79 ، بحار الأنوار ج40ب37ص381ح2.تاريخ الرسل والملوك ج3ص260 .

[96] بحار الأنوار ج40ب37ص381ح2.

[97] أنظر كتاب الإرشاد ص 236 ، أنظر بحار الأنوار ج41ب37ص89ح28.

[98] الغاضِرِيةُ: بعد الألف ضاد معجمة منسوبة إلى غاضرة من بني أسد، وهي قرية من نواحي الكوفة قريبة من كربلاءَ . معجم البلدان ج3ص273 . وقال ابن العبري : فتياسر عن طريق التعذيب والقادسية والحر يسايره حتى انتهى إلى الغاضرية فنزل بها. تاريخ مختصر الدول ج1ص58.

وقال : ابن المطهر في كتاب البدء والتاريخ : قال الحر : لا أفارقك حتى تقدم الكوفة فإذا أتيت فخذ طريقاً يدخلك الكوفة و لا نزول إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد فانثنى  الحسين عن طريق العذيب و الحر بن زياد يسايره حتى انتهى إلى الغاضرية فنزل بها و هو يوم  الخميس لليلتين خلتا من المحرم سنة إحدى و ستين و قدم عليه يوم الجمعة عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف. ج1ص331 .

ويا طيب : لقرب الغاضرية من موقع نزول الإمام الحسين تمسى كربلاء بالغاضرية وكما تسمى بكربلاء واللطف وسيأتي ذكرهما ، وهذا حديث يعرفنا بأن موقعها لا يتجاوز الميل أي ما يقارب 2 الكيلومترين ، وهي اليوم داخلة في حدود مدينة كربلاء لتوسعها ، وجاء كثير ذكرها في الشعر والحديث :

قال في مقاتل الطالبين : وهو يتحدث عن زمان المتوكل : حدثني أحمد بن الجعد الوشاء، وقد شاهد ذلك، قال: وبعث برجل من أصحابه يقال له: الديزج، وكان يهودياً فأسلم، إلى قبر الحسين، وأمره بكرب قبره ومحوه وإخراب كل ما حوله ، فمضى لذلك وخرب ما حوله ، وهدم البناء وكرب ما حوله نحو مائتي جريب ، فلما بلغ إلى قبره لم يتقدم إليه أحد، فأحضر قوماً من اليهود فكربوه، وأجرى الماء حوله، ووكل به مسالح بين كل مسلحتين ميل ، لا يزوره إلا أخذوه ووجهوا به إليه.

وأتفق أهل التأريخ أنه : ودفن الحسين وأصحابه أهل الغاضرية من بني أسد بعد ما قتلوا بيوم . تاريخ الرسل والملوك ج3ص287 .الكامل في التاريخ ج2ص178 .

وحدثني محمد بن الحسين الأشناني، قال: بعد عهدي بالزيارة في تلك الأيام خوفاً، ثم عملت على المخاطرة بنفسي فيها وساعدني رجل من العطارين على ذلك، فخرجنا زائرين نكمن النهار ونسير الليل حتى أتينا نواحي الغاضرية، وخرجنا منها نصف الليل فسرنا بين مسلحتين وقد ناموا حتى أتينا القبر فخفي علينا، فجعلنا نشمه ونتحرى جهته حتى أتيناه، وقد قلع الصندوق الذي كان حواليه وأحرق، وأجرى الماء عليه فانخسف موضع اللبن وصار كالخندق، فزرناه وأكببنا عليه فشممنا منه رائحة ما شممت مثلها قط كشيء من الطيب، فقلت للعطار الذي كان معي: أي رائحة هذه؟ فقال: لا والله ما شممت مثلها كشيء من العطر، فودعناه وجعلنا حول القبر علامات في عدة مواضع .مقاتل الطالبيين ج1ص153 .

[99] يا طيب لم يأتي ذكر لشفية إلا ما عرفت وقال الطبري : قال أبو مخنف: حدثني عبد الله بن عاصم، عن لضحاك بن عبد الله المشرقي، قال: لما رأيت أصحاب الحسين قد أصيبوا، وقد خلص إليه وإلى أهل بيته ، ولم يبق معه غير سويد بن عمرو بن أبي المطاع الخثعمي وبشير ابن عمرو الحضرمي، قلت له : يا بن رسول الله ، قد علمت ما كان بيني وبينك ؛ قلت لك : أقاتل عنك ما رأيت مقاتلاً ، فإذا لم أر مقاتلاً فأنا في حل من الانصراف ؛ فقلت لي : نعم ؛ قال : فقال:  صدقت ، وكيف لك بالنجا ء! إن قدرت على ذلك فأنت في حل ؛ قال : فأقبلت إلى فرسي وقد كنت حيث رأيت خيل أصحابنا تعقر ، أقبلت بها حتى أدخلتها فسطاطاً لأصحابنا بين البيوت، وأقبلت أقاتل معهم راجلاً ، فقتلت يومئذ بين يدي الحسين رجلين ، وقطعت يد آخر ، وقال لي الحسين يومئذ مراراً : لا تشلل ، لا يقطع الله يدك ، جزاك الله خيراً عن أهل بيت نبيك صلى الله عليه وسلم ! فلما أذن لي استخرجت الفرس من الفسطاط، ثم استويت على متنها ، ثم ضربتها حتى إذا قامت على السنابك رميت بها عرض القوم ، فأفرجوا لي ، واتبعني منهم خمسة عشر رجلاً  :

حتى انتهيت إلى شفية ؛ قرية قريبة من شاطىء الفرات ، فلما لحقوني عطفت عليهم ، فعرفني كثير بن عبد الله الشعبي وأيوب بن مشرح الخيواني وقيس بن عبد الله الصائدي، فقالوا : هذا الضحاك بن عبد الله المشرقي، هذا ابن عمنا، ننشدكم الله لما كففتم عنه! فقال ثلاثة نفر من بني تميم كانوا معهم: بلى والله لنجيبن إخواننا وأهل دعوتنا إلى ما أحبوا من الكف عن صاحبهم؛ قال: فلما تابع التميميون أصحابي كف الآخرون؛ قال: فنجاني الله.تاريخ الرسل والملوك المسمى بـتأريخ الطبري ج3ص 282 .

[100] الإرشاد ج2ص83 .

[101] العَقْرُ: بفتح أوله وسكون ثانيه، قال الخليل: سمعت أعرابياً من أهل الصمان يقول : كل فرجة تكون بين شيئين فهو عقر وعُقرً لُغتان، قال: ووضع يديه على قائمتي المائدة ونحن نتغدَى فقال: ما بينهما عقر .

 والعقر : عدة مواضع، منها عَقرُ بابل قرب كربلاء من الكوفة ، وقد روي أن الحسين رضى اللهَ عنه لما انتهى إلى كربلاء وأحاطت به خيل عبيد الله بن زياد.

 قال: ما اسم تلك القرية وأشار إلى العقر فقيل له: اسمها العقر فقال: نعوذ باللهَ من العقر.

 فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها.

 قالوا : كربلاءُ .

  قال: أرض كرب وبلاء . معجم البلدان ج3ص 238 .

[102] تاريخ الطبري ج3ص310 .

[103] يا طيب : عاقول : الوادي ما اعوج منه، ، والأرض العاقول : التي لا يهتدي إليها.وتفسرها الكلمة بعدها أي حصينة .

[104] يا طيب : كربلاء المقدسة : قدسها الحسين عليه السلام وجعلها قبلة لعشاق كلمة الحق وتوحيد الله ، ومن يطلب معرفة قيمة دين الله وأهمية وضرورة إصلاح عباد الله ، وقد أختاره لله لأن يحي ما مات من الدين وهدم من أركانه بسبب تسلط أئمة الجور والطغيان والضلال ، فأقدم روحي له الفداء بهذا الصحب المبارك والآل الطاهرين فقدمهم قربة لله ، وسقى بهم أرواح المؤمنين ماء الحياة الخالد الذي بمعرفته يطاع الله ويعبد ويخلص له به ، فيصلح أمر كل عبد يحب الهدى بمعرفة ما حل به ، مع الله سبحانه وتعالى ، فضلا عن نفسه وروحه وسيرته وسلوكه ، لأنه يحب الطيبين الطاهرين الصالحين، ويقتدي بهم ويسير على منهجهم الحق ذو الدين القيم الإلهي ، والسير به على صراط مستقيم .

ويا طيب : قد كتبنا عدة مقالات تجدها في موقع موسوعة صحف الطيبين تعرفنا شأن كربلاء ، وفضل زيارة المرقد الطاهر في كربلاء ، وأهمية تنسم ريحها المعطاء في العقل والوجدان ، فضلا عن القلب والجنان ، لتهبنا معاني الإخلاص بالإيمان ، وكتبنا قصة بعنوان : المتبصر بتراب كربلاء ، رمز الكرامة وأكسير الحياة ، ولنا كتابة أخرى حول معاني تهبها كربلاء لمن يحب خلان الوفاء وأهل الصدق والفداء ، سنجعلها في جزء أهمية زيارة الإمام الحسين والشعر الذي قيل في مدحه ورثاءه .

ويا طيب : تعريف كربلاء مختصرا هنا ، وإن شاء الله يأتي التفصيل :

يا طيب : وكربلاء مدينة معروفة مشهور قبل الإسلام ، بل عرفت في الأحاديث كانت معروفة عند الملائكة قبل خلق الأرض ، وإن النبي الأكرم والإمام علي ذكروها في كثير من الأحاديث ، وإن الإمام الحسين عليه السلام لم يدخل مدينة كربلاء ، ولكن كان على أطرافها ، وهو وصحبه يروها ولم يتمكنوا من دخولها لكون الحر وجنده منعوهم منها ، وكما عرفت في المتن . وقد غزاها خالد بن الوليد وسبى أهلها قبل أن يفتح الأنبار وعين التمر ودومة الجندل ، وكأنه مدينة كربلاء القديمة والتي على حدودها نزل الإمام هي من أول من دخلها الإسلام في فتوحاته للعراق ، فإنه :

جاء في تأريخ الطبري : أنه بعد ما ستتم له أمر الحيرة : خرج خالد في عمل عياض ليقضي ما بينه ، وإغاثته ، فسلك الفلوجة ، حتى نزل بكربلاء وعلى مسلحتها عاصم بن عمرو ، وعلى مقدمة خالد الأقرع بن جابس ؛ لأن المثنى كان على ثغر من الثغور التي تلي المدائن ؛ فكانوا يغارون أهل فارس، وينتهون إلى شاطئ دجلة قبل خروج خالد من الحيرة وبعد خروجه في إغاثة عياض.

وقال كتب إلى السرى، عن شعيب، عن سيف، عن أبي روق، عمن شهدهم بمثله، إلى أن قال: وأقام خالد على كربلاء أياماً، وشكاً إليه عبد الله بن وثيمة الذباب، فقال له خالد: اصبر فإني إنما أريد أن أستفرغ المسالح التي أمر بها عياض فنسكنها العرب، فتأمن جنود المسلمين أن يؤتوا ورأيه يعدل نجدة الأمة. وقال رجل من أشجع فيما حكى ابن وثيمة:

لقد حُبِسَت  في كربلاء َمطيتي ... وفي العَين حتى عاد غثاً سمينُها

إذا رحلَت من منزل رجعَتْ له ...  لعمري   و أيها   إنني  لأهِينُها

و يمنَعها من  ماء  كل شريعة ... رفاق من  الذبانِ  زرق  عيونُها

تاريخ الرسل والملوك للطبري ج2ص195 .

ويا طيب : إن كربلاء يحيط بها نهرين ، نهر الفرات وهو الأصل ونهر منشعب منه وهو نهر الظاهر نهر العلقمي ، أو ما يسمى الآن نهر الحسينية ، ولذا جاء: في كتاب المصنف :

أخبرنا عبد الرزاق قال : أخبرنا الثوري ، عن جابر ، عن الشعبي :

أن الرفيل دهقان نهري كربلا ، أسلم ، ففرض له عمر على ألفين ، ودفع إليه أرضه يؤدي عنها الخراج . مصنف عبد الرزاق ج6ص102ح 10133 .

وقال في تأريخ مختصر الدول عن جرير بن حازم : بلغ عبيد الله بن زياد مسير الحسين وهو بالبصرة فخرج على بغاله هو واثنا عشر رجلا حتى قدموا الكوفة ، فاعتقد أهل الكوفة أنه الحسين وهو متلثم فجعلوا يقولون : مرحبا بابن بنت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وسار الحسين حتى نزل نهري كربلاء ، وبعث عبيد الله عمر بن سعد على جيش . تاريخ الإسلام ج1ص558 .

وجاء قال الحر : فخذ طريقاً لا يدخلك إلى الكوفة ولا يردك إلى المدينة حتى أكتب إلى ابن زياد. فتياسر عن طريق التعذيب والقادسية والحر يسايره حتى أنتهى إلى الغاضرية فنزل بها.

وقدم عليه عمر بن سعد بن أبي وقاص في أربعة آلاف ومعه شمر ذو الجيوش ، فنزلوا بين نهري كربلاء ، وجرت الرسل بينهم وبين الحسين ومنعوه ومن معه الماء أن يشربوا ، وناهضهم القتال يوم عاشوراء وهو يوم الجمعة . تاريخ مختصر الدول ج1ص58 .

وكذا جاء في أحاديث أخرى اسم نهري كربلاء ، مثل نفي الإمام علي عليه السلام للمرأة التي فجرت إلى نهري كربلاء ، وإن يحيى ابن زيد قصد بعد مقتل والده رحمه الله نهري كربلاء وغيرها .

وأما تعريف كربلاء فهو كما في معجم البلدان :

كربَلاءُ : بالمد، وهو الموضع الذي قُتل فيه الحسين بن علي رضي الله عنه في طرف البرية عند الكوفة ، فأما اشتقاقه ، فالكربلة رخاوة في القدمَين يقال: جاء يمشي مُكربِلاَ فيجوز على هذا أن تكون أرض هذا الموضع رَخْوة ، فستميت بذلك ، ويقال: كربَلْتُ الحنطة إذا هذبتها، ونقيته وينشد في صفة الحنطة : يحملن حمراء رسوباً للثقل ... قد غربِلَت وكُزبِلَت من القَصْل

فيجوز على هذا أن تكون هذه الأرض مُتقاة من الحصى والدَغَل ، فسميت بذلك والكَربَل اسم نبت الحماض ، وقال أبو وجرَةَ يصف عُهُونَ الهوْدَج:

وثامر كربل وعميم دِفْلَى ... عليها والندى سبط يمور

فيجوز أن يكون هذا الصنف من النبت يكثر نبتُه هناك فسمى به .

قد روي أن الحسين رضي الله عنه : لما انتهى إلى هذه الأرض ، قال لبعض أصحابه : ما تسمَى هذه القرية وأشار إلى العَقر فقال له : اسمها العقر فقال الحسين: نَعُوذ بالله من العَقر .

ثم قال: فما اسم هذه الأرض التي نحن فيها ؟

 قالوا : كربلاءُ .

فقال أرضُ كرب وبلاءٍ ، وأراد الخروج منها فمنع كما هو مذكور في مقتله حتى كان منه ما كان ، ورثته زوجتُه عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل ، فقالت:

واحُسينا فلا نسيتُ حُسيناً ... أقْصدتهُ    أسِنْةُ   الأعداء

غادروه   بكربلاءَ   صريعاً ... لاسَقَى الغيثُ بعده كربلاءُ

ونزل خالد عند فتحه الحيرة كربلاءُ فشكا وذكر ما ذكره الطبري سابقا من الشعر .

وقال أبو عبيد البكري : كَرْبَلاَء : بفتح أوله، وإسكان ثانيه، بعده باء معجمة بواحدة، ممدود : موضع بالعراق من ناحية الكوفة، قال كثير:

فسبط سبط ايمان و بر ... وسبط غيبته كربلاء

وهناك الطف أيضا ؛ قال ابن رمح الخزاعي في مقتل الحسين رضى الله عنه:

وان قتيل الطف نت ال هاشم ... اذل رقاب المسلمين فذلت

معجم ما استعجم ج1ص307 .

ويا طيب : ذكر لاشتقاق كلمة كربلاء كلام كثير ، وكذلك تعريف قدمها ، وقد عرفت أنه :

تسمية إلهية : وهي تناسب ما ذكرنا في أنوار مصباح الهدى ، من معنى الاختبار الإلهي وابتلاءه لخالص عباده لتقديسهم وتقديمهم أئمة وقادة وولاة لأمره حين نجاحهم ، فيقتدى بهم الناس في كل حال كانوا فيه .

ويا طيب : لما عرفنا شيء عن أمر كربلاء وقدمها .

فلنذكر معنى الطف : لأنه جاء في كثير من الأحاديث والشعر ، وهم الاسم الثاني لكربلاء وأشهر من نينوى والغاضرية فضلا عن غيرهما :

الطف : بالفتح والفاء مشددة، وهو في اللغة ما أشرف من أرض العرب على ريف العراق .

قال الأصمعي : وإنما سمي طفًا : لأنه دانٍ من الريف من قولهم خُذْ ما طف لك واستَطف أي ما دنا وأمكن ، وقال أبو سعيد : سمي الطف : لأنه مشرف على العراق من أطف على الشيء بمعنى أطل ، والطف : طف الفرات أي الشاطىء .

 والطف : أرض من ضاحية الكوفة في طريق البرية فيها كان مقتل الحسين بن علي رضي الله عنه ، وهي أرض بادية قريبة من الريف فيها عدة عيون ماء جارية منها :

 الصيد ، والقُطقُطانة ، والرهيمة ، وعين جمل ، وفواتها ، وهي عيون كانت للموكلين بالمسالح التي كانت وراء خندق سابور الذي حفره بينه وبين العرب وغيرهم ، وذلك أن سابور أقطعهم أرضها يعتملونها من غير أن يلزمهم خراجاً ، فلما كان يوم في قار ونصر اللهَ العرب بنبيه صلى الله عليه وسلم غلبت العرب على طائفة من تلك العيون وبقي بعضها في أيدي الأعاجم ، ثم لما قدم المسلمون الحيرة وهربت الأعاجم بعد ما طمت عامة ما كان في أيديها منها ، وبقي ما في أيدي العرب فأسلموا عليه وصار ما عمروه من الأرض عُشرا ، ولما انقضى أمر القادسية والمدائن وقع ما جلا عنه الأعاجم من أرض تلك العيون إلى المسلمين وأقطعوه فصارت عشرية أيضا ، وقال الاقيشر الأسدي من قصيدة:

إني    يُذَكرني    هنداً    وجارتها ... بالطف صوت حمامات علىِ نيق

بناتُ   ماءٍ  معاً  بيض جآجئها ... حمر  مناقرها    صفرُ ا   لحماليق

أيدي السقاة بهن  الدهرَ  معملة ... كأنما   لونها   رجع     المخاريق

أفنى تِلادي وما جمعت من نسُب ... قرعُ   القواقيز    أفواه  الأباريق

وكان مَجْرى عيون الطف وأعراضه : مجرى أعراض المدينة وقرى نجد وكانت صَدَقتها إلى عُمال المدينة ، فلما ولي إسحاق بن إبراهيم بن مصعد السواد للمتوكل ضمها إلى ما في يده فتولى عمَاله عشرِها وصيرها سوادية فهي على ذلك إلى اليوم، ثم استخرجت فيها عيون إسلامية يَجري ما عمر بها من الأرضين هذا المجرى . قالوا وسميت عين جَمَل لأن جَمَلاً مات عندها في حدثان استخراجها فسميت بذلك وقيل إن المستخرج لها كان يقال له جَمَل وسميت عين الصيد لكثرة السمك الذي كان بها. قال أبو دهبل الجُمَحي يرثي الحسين بن علي رضي اللهَ عنه ومن قتل معه بالطف:

مررت  على   أبيات  آل   محمد ... فلم  أرَها  أمثالها   يوم    حلَتِ

فلا   يُبْعِدِ  اللَهُ  الديارَ   وأهلَها ... وإن أصبحَتْ منهم برَغْمي  تخلَتِ

ألا إن قَتلَى الطف من آل هاشم ... أذلَتْ    رقابَ   المسلمين  فذَلَّتِ

و كانوا غياثاً  ثم  أضْحَوْا   رزية ... ألا عَظُمَتْ  تلك  الرزايا  و جلَتِ

وجا  فارس  الاشقَين بعدُ برأسه ... و قد   نَهِلَتْ  منه  الرماحُ و علَتِ

وقال أيضاً:

تَبيتُ  سَكارَى  من  أميةَ  نُوَما ... و بالطف  قَتْلَى  ما  يَنام حميمُها

وما  أفسد  الإسلام إلآ  عصابة ... تأمر   نوكلها    فدَامَ     نعيمُها

فصارت قناة الدين في كف ظالم ... إذا أعوجَ منها  جانب لا يقيمُها

معجم البلدان ج3ص166 .

ويا طيب : لما كان الطف يحيط بكربلاء ، ويشمل الأرض التي علت على الريف الذي يحيط بالفرات من جانبه الغربي الجنوبي وهو نازل .

 فلنذكر ما هو أخص من نفس كربلاء ، وهو الحائر الذي فيه مرقد الإمام وصحبه ولو بصورة مختصرة ، حتى يأتي التفصيل عن تعريف كربلاء .

الحاير : بعد الألف ياء مكسورة وراءٌ وهو في الأصل حَوْض يصب إليه مسيل الماء من الأمطار سمي بذلك لأن الماء يتحير فيه يرجع من أقصاه إلى أدناه . وقال الأصمعي يقال للموضع المطمئن الوسط المرتفع الحروف حائر وجمعه حُوران وأكثر الناس يسمون الحائر الحَير كما يقولون لعائشة عيشةَ.

والحائر : قبر الحسين بن علي رضي الله عنه .

 وقال أبو القاسم علي بن حمزة البصري راداً على ثعلب في الفصيح ، قيل :

الحائر : لهذا الذي يسميه العامة حَير وجمعه حِيرَانٌ وحورَان.

قال أبو القاسم : هو الحائر : إلا أنه لا جمعَ له لأنه اسم لموضع قبر الحسين بن علي رضي الله عنه ، فأما الحِيرَانُ فجمعُ حائر ، وهو مستنقع ماء يتحير فيه فيجيءُ ويذهب ، وأما حُورَان وحِيرَان فجمعُ حُوَار. قال جرير:

بلغ رسائل عَنَا خف محمَلُها ... على قلائصَ لم يحملنَ حِيرانا

قال : أراد الذي تسميه العامة حير الإوَز فجمعه حِيران ، وأما حُوران وحيران كما قال إلآ أنه يلزمه أن يقول حير الإوز ، فإنهم يقولون : الحير ، بلا إضافة إذا عنها كَرْبلاء.

معجم البلدان ج2ص47.

ويا طيب : سيأتي في جزء زيارة الإمام الحسين عليه السلام وتعريف كربلاء ، كلام مفصلا عن سبب تسمية الحائر الحسيني ، وهو لأنه حار ودار حوله الماء لما أمر المتوكل بإغراقه ، وبعض من ينتسب له بالحائري ممن سكن جواره .

ويا طيب : أما الآن كربلاء : فهي مدينة عامرة أحد محافظات العراق الكبيرة ، وجرت عليها ولها أحداث كثيرة وهي يقصدها الزوار ، وتغطي مناسبات زوار الإمام الحسين لمدينة كربلاء الفضائيات والإعلام وكل الصحف ، ويعرفها المؤمنون بعقولهم ويقصدوها بقلوبهم في كل مناسبة ، وبالخصوص في أيام شهر محرم الحرام وصفر حتى الأربعين في عشرين صفر ، فيقصدها ما يقارب نصف أهل العراق ومن كل الأقطار ، وفي ثلاثة ونصف شبعان يوم ولادة الإمام وسبطه المهدي صلاة الله عليهم .

وسيأتي البحث إن شاء الله مفصل في تعريفها ، وهي في وسط العراق تبعد عن بغداد مرحلتين .

[105] الأخبار الطوال ج1ص252، بغية الطلب في تاريخ حلب لابن العديم ج3ص35 .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com