بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء الثامن

نور الإمام الحسين عليه السلام

مصباح هدى
 ذكر الإمام الحسين عليه السلام
 في اليوم العاشر من المحرم في كربلاء

وسفينة نجاة
ميسر آل الإمام الحسين من كربلاء إلى الكوفة
وشرح خطبة الشقيقة عقيلة بني هاشم
 
زينب بنت علي عليها السلام في الكوفة

المقدمة :

 الحمد والشكر لله على ما جرى به قضائه وعملنا في هذه الصحيفة:

بسم الله الرحمن الرحيم ، النور ، الذي جعل للمؤمنين نورا :

إنا لله وإنا إليه راجعون ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل ، ولله الأمر من قبل ومن بعد ، وهو بكل شيء عليم ، وعلى كل شيء قدير:

الحمد لله : الأول قبل الإنشاء ، والآخر بعد فناء الأشياء ، الواحد الأحد ، والفرد الصمد ، العليم القدير ، والحكيم الخبير ، الذي خلق الخلق برحمته وإليه المصير .

والشكر لله : على كل ما أمضى وقضى ، وعلى ما بحكمته قدر  وأجرى ، وعلى كل نعمه التي لا تحصى ، فأطاعه بها من عباده أولي الحسنى ، وعصى بها من تجبر وطغى ، ولم يكن أحدهم خارج عما مكن وأعطى ، بل كل منهم بما مكن سبحانه أتى ما أتى ، فأختبرهم وابتلاهم وأختار منهم من هو أحسن أعملا وكانوا مسلمين ، وفضل المؤمنين ، وأجتبى منهم السابقين  ، ثم منهم أصطفى الأنبياء والمرسلين ، وأوصيائهم فجعلهم أولياء أمره وأئمة دين ، ففاز بأتباعهم من عباده من أسلم لهم وأطاع الله بهداهم المبين .

فصلاة الله : على جميع الأنبياء والمرسلين ، وبالخصوص سيد البشر محمد الأمين، وعلى أفضل خلق الله آله الطيبين الطاهرين ، الذين طهرهم وزكاهم وأمر بمودتهم إلى يوم الدين ، فأوجب حبهم وطاعتهم وخصهم بما أمر ، وجعلهم أئمة ومحل هداه الأنور  .

 فتحيات الله : العلي العظيم عليهم أجمعين ، وسلامه عز وجل على كل من اقتدى وتأسى وتعلم وعمل بتعاليمهم بيقين ، وبركاته سبحانه عليهم وعلى شيعتهم ومن تنور بمصباح هداهم إلى يوم الدين ، وتحننه تعالى على من والاهم وركب سفينة نجاتهم في كل حين ، فإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

اللهم : لك الحمد على ما جرى به قضاؤك في أوليائك الذين استخلصتهم لنفسك ودينك، إذ اخترت لهم جزيل ما عندك من النعيم المقيم الذي لا زوال له ولا اضمحلال.

 بعد أن شرطت : عليهم الزهد في درجات هذه الدنيا الدنية وزخرفها وزبرجها ، فشرطوا لك ذلك ، وعلمت منهم الوفاء به ، فقبلتهم وقربتهم ، وقدمت لهم الذكر العلي ، والثناء الجلي ، و أهبطت عليهم ملائكتك ، وكرمتهم بوحيك ، و رفدتهم بعلمك ، وجعلتهم الذريعة إليك ، والوسيلة إلى رضوانك ....

إلى أن انتهيت بالأمر : إلى حبيبك ونجيبك محمد صلى الله عليه وآله، فكان كما انتجبته سيد من خلقته ، وصفوة من اصطفيته ، وأفضل من اجتبيته وأكرم من اعتمدته.

قدمته على أنبيائك : وبعثته إلى الثقلين من عبادك ، و أوطأته مشارقك ومغاربك ، وسخرت له البراق ، وعرجت بروحه إلى سمائك ، وأودعته علم ما كان وما يكون إلى انقضاء خلقك ... فلما انقضت أيامه :

أقام وليه : علي بن أبي طالب صلواتك عليهما وآلهما هاديا ، إذ كان هو المنذر ولكل قوم هاد ، فقال والملأ أمامه : من كنت مولاه فعلي مولاه .

 اللهم : وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وقال : من كنت أنا نبيه فعلي أميره ، وقال : أنا وعلي من شجرة واحدة ، وسائر الناس من شجر شتى . وأحله : محل هارون من موسى ... .

وكان بعده : هدى من الضلال ، ونورا من العمى ، وحبل الله المتين ، وصراطه المستقيم ، لا يسبق بقرابة في رحم ، ولا بسابقة في دين، ولا يلحق في منقبة من مناقبه .

يحذو حذو : الرسول صلى الله عليهما وآلهما ، ويقاتل على التأويل ، ولا تأخذه في الله لومة لائم ؛ قد وتر فيه صناديد العرب ، وقتل أبطالهم ، وناوش ذؤبانهم .

فأودع قلوبهم أحقادا : بدرية ، وخيبرية ، وحنينية ، وغيرهن .

 فأضبت : على عداوته ، وأكبت على منابذته .

حتى قتل : الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين .

ولما قضى نحبه : وقتله أشقى الآخرين يتبع أشقى الأولين ، لم يمتثل أمر رسول الله صلى الله عليه وآله في الهادين بعد الهادين .

 والأمة مصرة : على مقته ، مجتمعة على قطيعة رحمه ، وإقصاء ولده ، إلا القليل ممن وفى لرعاية الحق فيهم .

فقتل : من قتل ، وسبي من سبي ، وأقصي من أقصي ، وجرى القضاء لهم بما يرجى له حسن المثوبة ، إذ كانت الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ، والعاقبة للمتقين ، وسبحان ربنا إن كان وعد ربنا لمفعولا ، ولن يخلف الله وعده ، وهو العزيز الحكيم .

فعلى الأطائب : من أهل بيت محمد وعلي صلى الله عليهما وآلهما ، فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم فلتذرف الدموع ، وليصرخ الصارخون ، ويضج الضاجون ، ويعج العاجون .

 أين الحسن أين الحسين : أين أبناء الحسين ؟ صالح بعد صالح ، وصادق بعد صادق ، أين السبيل بعد السبيل ، أين الخيرة بعد الخيرة ؟

لا يوم كيومك يا أبا عبد الله : جرى قضاء الله وقدره فيك بما يرجى له حسن المثوبة ، فاخترت ما أختار الله ورسوله لكم ، فأتممت كلمات الله ، فوهبك النعيم المقيم ، وشريعة الصراط المستقيم ، وبيان محل هداه ودينه القويم ، فشكر الله سعيك ، وسلامه عليك وعلى المستشهدين بين يديك ، وجعلنا الله سبحانه : متمسكين بهداك ، وعاملين بمعارفك ، وسائرين على صراطك ، ومتبعين لسيرتك المستقيمة ، وأخذين بسلوك دينك وكل تعاليمه، وأسأل الله أن يجعلنا صادقين ، وبطاعته مخلصين ، فإن الله أرحم الراحمين.

 

ويا طيب : ما ذكرنا من خلاصة ومختصر دعاء الندبة أعلاه ، كان فيه بيان سبب ثورة الإمام الحسين عليه السلام ، وبيان تام لمعرفة علل نهضته المباركة حتى الشهادة ، فإنه دعاء كريم فيه بيان حكمة الله ، وسننه في تأريخ الأولين والآخرين، وسيرة وسلوك الأنبياء وأئمة الدين ، فكان الله يهدي عباده بأفضل خلقه ، ويختار أكرم البشر لبيان تعاليمه .

وفي كل مرة : ينحرف الناس ، يجدد الله سبحانه وتعالى عهده معهم ، فيبعث لهم أنبياء ومرسلين ويجعل لهم أوصياء وخلفاء ، ويجدد دينه ويقيم تعاليمه ، فيهتدي بهم من يختار الحق والصلاح ، ولما ختمت النبوة تمت رسالة سيد المرسلين ، أختار الله سبحانه أكرم خلقه من آله ، فجدد بهم ذكره وعهده ، ولكي لا يختلف المسلمون بعده .

فجعل الله سبحانه : الإمام الحسين عليه السلام بنهضته تشرق أنواره ، وفي يومه المشهود تجلى أعلى نوره ، فاهتدى به كل طالب لدين الله بحق ، ويحب أن يعبده بصدق ، ويبعده عن ضلال مغضوب عليهم ، وكل ظلمات أفكارهم وطغيانهم ومكرهم .

فكان نور الإمام الحسين عليه السلام : في يومه المبارك، نبراس حق وضياء صدق لتعريف محل هدى الله ودينه ، فجدد الله سبحانه بالحسين عهده مع عباده في كل سنة ، وعرفهم به حقيقة هداه ، وسار بهم على صراطه المستقيم ، فكانت حكمة الله تامة ، و حجته بالغة ، ودينه قائم ، ينير سبيله الحسين في كل أرض تحب أن تذكر كربلاء ، وكل يوم يحب أهله صاحب عاشوراء ، فيقتدون به ويتأسون بسيرته ، ويسلكوا سبيله .

ويا طيب : في هذا الجزء من صحيفة نور الإمام الحسين في يومه المبارك في كربلاء وما بعده ، فنذكر أحداث وقائع كربلاء وما جرى على سيد شباب أهل الجنة وعلى آله الكرام، وما جرى من الأحداث بعده على آله حتى مسيرهم إلى الكوفة .

 ونفصل بشرح أسأل الله أن يكون وافي تام لخطبة العقيلة زينب عليه السلام.

وأسأل الله العزيز الحكيم : لي ولكم أن يوفقنا لما فيه الخير والصلاح ، وبيان حقائق نهضة أبا عبد الله الحسين ، ونشرق بنوره أنوارا  نقتبس بها الحق ونثبت عليه ، فنقيم به طاعة الله وذكره، فإنه أرحم الراحمين، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين.

 

ليلة 21 شهر صفر بعد يوم الأربعين 1431 ه

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com