بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء الثامن

نور الإمام الحسين عليه السلام

مصباح هدى
 ذكر الإمام الحسين عليه السلام
 في اليوم العاشر من المحرم في كربلاء

النور الأول

الإمام الحسين قدوة العز وأسوة الكرامة للمؤمنين والأحرار

الإشراق الأول :

سؤال ملح بعجب مفرط لما حل بالإمام الحسين والإسلام :

عجباً للسماء : كيف لا تنطبق على الأرض ، ولم الأرض لم تسيخ بأهلها ، ليوم قتل فيه الكافل لمؤمنيها ، وغصب فيها حق أبو عبد الله والأحرار في تعليم العبودية لله ، وأهين شأن سيد المرسلين في آله ودينه ، وسحق هداه وسخر بمربي أشراف المسلمين ومعلم معارف الله وشؤون عظمته بحق ،  وعرش الرحمان : يهتز لظلم مؤمن ، ولغصب حق يتيم ، ولأهات محروم ، ولحيف مستضعف مظلوم .

وأنه ليُبهت المنصف والحر : حين يستخف ظالم طاغية وعاتي فاجر بأمة وقوم كان شأنها نشر الصلاح والهدى والعدل والإحسان، ويقف متحيرا المسلم حين يرى ما أقدمت عليه بفعلها الشنيع في أكرم خلق الله عندها ، ويصير المؤمن مذهولا حين يتحقق ما عملت بالإسلام وأهله وآل الإيمان المصطفين الأخيار في هذا اليوم العاشر من المحرم.

 وإن كان فيما بعد : شمل جميع أيام الدنيا فجعلها تتأسف على ما حل في عاشوراء ، وعم كل أماكن الدنيا فجعلها تتظلم لما سكب من الحرية والكرامة على أرض كربلاء ، فأنتشر أهل الحق ممن أقتدى بالحسين وتأسى به في كل بقاع الأرض ومسار الزمان ، يعرفون حقه ويروون هداه ، حتى اقتدت به كل الأحرار من سكان الأرض ، وسلك صراطه كل المؤمنون المتقون الذين يسمعون القول الحق فيتبعون حسنه .

ولعله لهذا : كان حلم الله عزة وكرامة للمؤمنين ، ولأهلها صلاح فيما بعد ، وإن كانوا في حينه ظالمين ، فعرفهم فيه حاملي منار الهدى وناشري سبيل الإيمان والتقوى ، وأختار بالاختبار والابتلاء بالحسين ومصابه من عباده على طول التأريخ أهل الحسنى.

 


 

الإشراق الثاني :

وليعد متسائل بإلحاح الإنسان العامي فضلاً عن المؤمن عن يوم كربلاء :

يا طيب : في يوم عاشورا حين هتك الدين وسيده ، وقتل الإيمان وأميره ، وسبي محمد سيد المرسلين وآله ، من أمة تعد نفسها تحبه وعلى دينه وهداه .

ليحق لكل إنسان منصف : بل من عموم الناس فضلا عن المؤمنين أن يسأل :

أين : أصبح الإيمان ، وأين صار أهل شهادة لا إله إلا الله في ذلك اليوم المشهود ؟

وكيف : عم العمى في أرض كربلاء لأغلب من يقول أنه برسول الله أقتدى ؟

لمه : صار الضلال على من يدعي الإسلام مسيطرا متسلطا في يوم عاشوراء ؟

ولماذا : يقتل سبط الرسول وحبيب الله ورسوله وريحانته وسيد شباب أهل الجنة ، والموصى بحبه وإتباعه والصلاة عليه في كل صلاة حينما يصلى على النبي وآله ، بأمر الله سبحانه وتعالى ؟

 أليس الصلاة : ترد إذا لم يصلى على النبي وآله ، والحسين سيدهم في زمانه ؟!

أليس الله أمر بمودة القربى : وهذا الحسين  وآله هم القربى ، ولا يوجد غيرهم تصدق عليه هذه الآية ؟!

 أليس الحسين : هو التطهير والطهارة والمطهر للأرواح بإتباعه ، وبه يُقتدى لرفض الدخول بالشك والشرك والنفاق والكفر والضلال ؟!

كيف يقتل : ويرض صدره ، وتنتهك حرمه من جمع يعد بثلاثين ألف شاهد ومعاين ، بل فاعل لهذا الإثم العظيم والفعل القبيح أو مساعد ، وهم يدعون أنفسهم مسلمون ؟!

كيف يجرأ : من يدع الإنسانية فضلاً عن الإسلام والإيمان على الإقدام على فعل يندى له الإنسانية كلها فضلا عما ما يعبر عنه بجبينها ؟! ويتبرأ منه اللئام ويخجل منه الشرفاء والشجعان حتى يقدموا بهذا الجمع العظيم ، حيث يستحل دماء هذه الفئة الطاهرة وتستباح كرامة هذه العصبة المقدسة ، وتهان الجماعة الطيبة لثقل النبي الأكرم ؟!

أليس الله ورسوله : أوصى بحبهم ومودتهم ونصرهم والكون معهم لأنهم صادقين ؟!

 أليس الله ورسوله : أعدهم لهدايتهم ورباهم لتعليمهم دينهم ؟!

نعم والله : لو أوصى الله ورسوله على قتلهم واستباحتهم ، لما أمكنهم على العمل معهم بأشد ما عمله هؤلاء الأنذال الشرار ، والخبثاء الناكثون ، والمارقون القاسطون ، في يوم كربلاء بسبط رسول الله وآله الكرام ، وبإمام الهدى والتقوى وصحبه النبلاء ؟!

فإن أتباع : آل أبي سفيان ، حرموا آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم الماء ، وضيقوا عليهم التنقل في أرض الله لأي مكان من البقاع ؟!

ثم قتلوهم : شر قتل ، بالحجارة والسيوف والرماح ؟!

ثم أحرقوا : خيامهم ومتاعهم ، وبعد أن داسوا صدورهم بحوافر الخيل ؟!

ثم ساقوا : المستضعفين منهم والأطفال والنساء ، مأسورين ، مقيدين ، مكشوفين ، بلا غطاء ولا لباس ساتر ،  كما يساق العبيد والإماء والمجرمين ، ويسيرون بهم في جميع بقاع الأرض التي تعتبر معقل الدين وأساس بلاد الإسلام وعواصمه ؟!

فأين : ما بقى من الدين عند من يسمى من المؤمنين ، وأين صار من يدعي أنه من المسلمين من  هذه الأمة التي اختيرت لهداية الناس ؟!

ولماذا : وصلوا لهذا التسافل والانحطاط بالأخلاق والمبادئ ، حتى شمل النسبة الغالبة ممن كان يعد من المؤمنين وأطايب المسلمين ؟!

فإنهم : كاتبوا الإمام الحسين عليه السلام ودعوه ، فلماذا نكثوا وخذلوه ولم ينصروه ، بل أعانوا عليه الطغاة حتى قتلوه ؟!

أكان : أنقلاب بعد رسول الله عن هدى الدين ؟!

هل تسلط : بالخداع والمكر منافقين فصاروا حكام على المسلمين ، وعلموا ضلالهم ونفاقهم ، وحرموا نشر هدى الله من عند أئمة الدين الحقيقيين ، فصاروا حقيقة حتى دعاهم المسلمين خلفاء رسول رب العالمين ، ونادوا حاكمهم بأمير المؤمنين ؟!

 


 

الإشراق الثالث :

كان الجواب نعم أنقلب بعد رسول الله حكام المسلمين عن هدى الدين:

يا طيب : كان سبب الجرأة على قتل الحسين وأصحابه والطرب له :

هو أنه كما قال الله تعالى للمسلمين :

{ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ

أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ

 انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ

 وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا

وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (144) }آل عمران .

هذه آية كريمة : تعرف ما سيصير إليه المسلمون بعد النبي الأكرم ، وهي جزء من قانون إلهي ، وتعرف سنة التأريخ وما يجري على الناس في غابر الأزمنة بعد رسلهم وأنبياء ، وما يعملون بأوصيائهم وعدم الطاعة لهم ، وكيف الله يجدد دينه بيد من يختارهم ، لأن الله سبحانه يقول بعد ذكر عدة من النبياء والمرسلين :

{ رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ

 لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ

وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا (165) } النساء .

والله سبحانه يقول بما يختلف الناس بعدهم :

{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النبيينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ

وَأَنزَلَ  مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ

وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ  الْبَيِّنَاتُ

 بَغْيًا بَيْنَهُمْ

فَهَدَى اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا اخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللّهُ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ  مُّسْتَقِيمٍ (213)

 أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ

وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء  وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ (214)  } البقرة .

فإن الله سبحانه : بعدما بين أن الناس اختلفوا بغيا بينهم بعد الأنبياء وكتبهم ، ، وهدى الله الذين أمنوا .

ويا طيب : لا يمكن أن يكون هناك مهتدون إلا وأن يكون لهم قائد وإمام وولي أمر وقدوة ومعلم حق صادق ، وهناك مضل باغي طاغية أتبعه الناس المختلفون عن الحق .

والله سبحانه : يخبر المسلمين ، ويعلمهم ، ويحذرهم ، ويقول ما معناه : أنه أنتم أيضا سوف : تختبرون ، وتمتحنون ، وتبتلون ، بعد النبي الأكرم . وستكون منكم :

جماعة وأمة : شاكرة لأنعم الله ، إذ هداهم لصراطه المستقيم بأئمة حق .

وقسم آخر : سيكونون أئمة مضلون طاغون يبغون على الحق ، وإنهم في الحقيقة  كما عرفت منقلبون بعد النبي عن الحق ، والله سبحانه يسميهم في كتابه منافقون أو أئمة كفر أو طغاة أو ضالون ، ويسمي من يتبع الحق أئمة الدين وأولي أمر هداه .

وإن الله سمى الكتب المنزلة على المرسلين والقرآن : كتاب ، وإن الذين أوتوا الكتاب كما يصدق على الأمم السابقة ، يصدق على المسلمين ، وبالخصوص حين ينطبق عليهم حكم طبق على الأمم السابقة ، ولمثل هذا قال سبحانه :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ

يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ  وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء

 أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيل (51)

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)

 أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ  يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53) } النساء .

فيعرف سبحانه : المنقلبون : أنهم يتبعون الجبت والطاغوت وحكام الضلال ، وحين يملكون الحكم الدنيوي ويدعون خلافة رسول الله ، لا يأتون أهل الحق وآله نقيرا وهو ما على جلد نوات التمر ، لبخلهم على آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

وإن هؤلاء كان يحسدون : من آتاهم الله الكتاب والحكمة والملك العظيم ، فيقول سبحانه في تمام الآيات السابقة :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

 فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ  وَالْحِكْمَةَ

وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ

وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرً (55) } النساء .

يا طيب : لا ناس في الزمن الأول للإسلام ، إلا نبينا الأكرم حسد وقوتلوا من كفار ومنافقي مكة وأهل زمانهم ، والله سبحانه في كتابه وكلامه القرآن المجيد وصف كثير ممن أظهروا الإسلام قهرا بالمنافقين و أوصاف مشابه للنفاق تؤدي معناه وفي أكثر من ثلاثمائة آية ، ولذا حسدوا وقاتلوا ومنعوا آل النبي وأهل بيته الطيبين الطاهرين من بيان كتاب الله والحكمة  بعد النبي الأكرم  .

وصار المسلمون قسمين : قسم حاسد أو تابع لحاسد وجبت وطاغوت وتابع لهم  فهو كافر بأنعم الله ، وقسم آخر إمام حق وولي لأمر الله أو تابع له شاكر لأنعم الله ، والله سبحانه يبين ثوابه وجزائه للطرفين في آيات بعدها :

{  إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ  الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)

 وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي  مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57) } النساء  .

والله سبحانه وتعالى : للمسلمين الأولين والآخرين وللناس أجمعين ، بعد أن عرفهم الطرفين ، أوصى البشر وعلمهم بحكمته بل أوجب عليه لكي يهتدوا لدينه القيم :

 بأن يختاروا : أولي الأمر الصادقون والأئمة الطاهرون ، وجعل ما أوصى به أمانه في أعناق كل البشر ، وإن يعدلوا فيتبعوا أولياء الله الذين زكاهم سبحانه حقا ، فقال :

{ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ  أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ

 إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ

فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي  شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) }النساء .

يا طيب : الآن نزاع المسلمون المختلفون هو : بين حزب الله وحزب رسوله وآله الله الكرام ، وآخرون هم حزب من حسدهم وتبع الجبت والطاغوت .

وولي أمر الله الصادق : ليس إلا من عنده الكتاب والحكمة ، وقوله الحق وهو مطهر وصادق فيما يقول ، وليس هم إلا نبينا الأكرم وآله الطيبين الطاهرين .

ويا طيب : وإن الناس في زمن الإمام الحسين لم يتبعوه ولا في زمن أبيه وأخيه لم يتبعوهم ، بل تبعوا الطغاة وأئمة الضلال .

وفي زمن الإمام الحسين عليه السلام : عرفت في الجزء السابق منعوه الماء ، وكان الحر وعمر بن سعد لعدة أيام يحاولون أن يسلموا الإمام لطاغيتهم أبن زياد ويزيد ، و الإمام رفضهم، والله سبحانه يحكي لنا آيات أفضل تطيبق لها ومصادق حي لها واقعي:

 هو حزب : الإمام الحسين ومن تعبه وهو حزب آل محمد ، وهم أولياء أمر الله .

وحزب : بني أمية ومن مهد لهم وقائدهم في زمانه يزيد وأبن زياد وعمر بن سعد .

والله سبحانه يقول : بعد الآيات السابقة ، ما يحكي قصة الإمام الحسين مع أهل زمانه وحاكمهم ، وهي تنطبق عليه كما تنطبق على حزب النبي وآله وصحبه ، وحزب الكفر والنفاق ومن تبعه لآل أبي سفيان وبني أمية وأتباعهم وإن سموا مسلمين ، فيقول سبحانه تعالى  :

{  أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُواْ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ

يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُواْ إِلَى الطَّاغُوتِ  وَقَدْ أُمِرُواْ أَن يَكْفُرُواْ بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْاْ إِلَى مَا  أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنكَ صُدُودًا (61) } النساء  .

يا طيب : والله سبحانه بعد عدة آيات يصف فيها الطرفين ويبين حال الحزبين يقول سبحانه : { الَّذِينَ آمَنُواْ  يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ

وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ

 فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ  كَانَ ضَعِيفً (76) } النساء .

ويصف سبحانه : حال الناس مما ينطبق اشد الانطباق على زمان الإمام الحسين عليه السلام من جانب ، وجانب آخر لطاغية زمانه وما فعل أتباعه وأولياءه ، وإنهم بعد ما بايعوه ، خشوا ابن زياد ونقضوا الحق والتحقوا بأئمة الكفر ، والله بين حالهم فيقول :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّواْ أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ

فَلَمَّا كُتِبَ  عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ

إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً

وَقَالُواْ رَبَّنَا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتَالَ لَوْلا  أَخَّرْتَنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ

قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِّمَنِ اتَّقَى وَلاَ تُظْلَمُونَ فَتِيلاً (77) } النساء .

ويا طيب : مر تفسير الآية أعلاه في الجزء السابق في نور الآيات المؤولة في الإمام الحسين عليه السلام ومن قبل الإمام الحسن عليه السلام ، فلما أمر بالكف زمان الإمام الحسن عليه السلام ، وأمروا في القتال في زمن الحسين ، تراهم خافوا ابن زياد ويزيد ، وطلبوا التأجيل ، بل الأغلب التحقوا بجيش الكفر ، والله سبحانه يختبر الناس والمسلمين والمؤمنين ، ليميز الخبيث من الطيب ، والذين أمنوا حقا من المنافقين ، فقال سبحانه :

{ وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ

فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء  نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ (10)

وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ  الَّذِينَ آمَنُوا

وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ (11) } العنكبوت .

و قال الإمام الحسين عليه السلام : في مسيره إلى كربلاء ، يحكي أحوال زمانه وأهل دهره ، وما صار إليه الأمر من طاعة الحكام والطواغيت ، وما يجب عليه عمله :

إن هذه الدنيا : قد تغيرت و تنكرت ، و أدبر معروفها .

فلم يبق منه : إلا صبابة كصبابة الإناء ، و خسيس عيش كالمرعى الوبيل .

أ لا ترون : أن الحق لا يعمل به ، و أن الباطل لا يتناهى عنه .

ليرغب المؤمن : في لقاء الله محقا .

فإني : لا أرى الموت إلا سعادة ، و لا الحياة مع الظالمين إلا برما .

إن الناس : عبيد الدنيا .

و الدين : لعق على ألسنتهم ، يحوطونه ما درت معايشهم .

فإذا محصوا : بالبلاء ، قل الديانون [1].

والله من قبل : حكى أحوال الناس فعرفنا ما كان يجب على الإمام عليه السلام ، فقال سبحانه قانون كلي طبقه الإمام الحسين في نهضته ، وفي يوم نوره الأكبر الذي أشرق به هدى الله لكل من يعرف قصته ويحضر مجالس ذكره، في أي زمان ومكان كان:

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ

وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ  الْمُفْلِحُونَ (104)

وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُوا

مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ  عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ

 وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ  فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ  إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)

 وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107) تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108) } آل  عمران .

وما يفسر الآية أعلاه هو ما قال الإمام الحسين عليه السلام في وصيته لأخيه بن الحنفية في مسيره إلى كربلاء:

 إني لم أخرج : بطرا و لا أشرا ، و لا مفسدا و لا ظالما .

و إنما خرجت : أطلب الصلاح في أمة جدي محمد .

أريد : أن آمر بالمعروف و أنهى عن المنكر .

 وأسير : بسيرة جدي ، و سيرة أبي علي بن أبي طالب.

فمن قبلني : بقبول الحق ، فالله أولى بالحق ، و هو أحكم الحاكمين[2] .

ويا طيب : خرج الإمام الحسين عليه السلام وآله وصحبه الكرام وهم وحزب الله وحق الدين القيم والهدى الصادق، أمام الطاغوت وحزب الشيطان والجبت وآله ، وهذا حق الكلام لأنه الله زكى الإمام الحسين عليه السلام وعرفه بالحق والصدق والتطهير وأمر بوده ومحبته وأتباعه فهو ولي الله بحق و أهل النعيم وصراطه المستقيم حيث قال سبحان :

{ فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ  فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ

أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ    وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ    وَأَنفُسَنَا  وأَنفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ   فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ    عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

والإمام الحسين عليه السلام : هو خامس أهل المباهلة هو وأخيه وأمه الزهراء وجده رسول الله وأبيه نفس رسول الله ، فصدقهم الله وكذب كل من يكذبهم بل لعنه الله ، فالإمام الحسين : هو الصادق في كل ما قاله في كل طريق ومسيره  ، وما ستسمع من مما قال في كربلاء في يوم شهادته وظهور نوره الأكبر ، وهو الذي أوتي الكتاب والحكمة كما عرفت ،  وهو المطهر بتطهير الله ويطهر كل من يتبعه ، كما في قوله تعالى :

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) } الأحزاب .

ومن يحب الإمام الحسين عليه السلام : ويوده ويكرف الحسنات بالإقتداء به ويعمل الصالحات بالسير على صراطه المستقيم ، فالله يبشره بكل خير وهو من الصالحين ، ويشكر الله تعالى سعيه بعد أن يغفر له ، فيطهره ويحليه بفضله ورضاه وينعم عليه بهداه ، وهو عين ما قال الله سبحانه فيما يناسب شأن أجر جده رسول الله ورسالته ، وهو الذي قال أسير بسيرة جد وأبي  وأمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ، حيث قال تعالى : 

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

 وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

ومن يقدم نور الإمام الحسين عليه السلام : أمامه ويسير في مصباح هداه ، ويركب سفينة نجاته ، فهو بحق من المؤمنين الذين نورهم يسعى بين أيدهم اليوم ويوم القيامة ، وجعلنا الله سبحانه وإياكم منهم ، حيث قال سبحانه :

{ يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم

بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم   بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا  الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)

يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا  انظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكُمْ

قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورً فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ  وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) } الحديد .

فيا طيب خلاصة ما ذكرنا :

قتل الحسين عليه السلام : وأصحابه وآسر آل الرسول ، كان سببه ما أعده الحكام السابقين حيث انقلبوا ، وتغاضوا عنهم المسلمون والمؤمنون حتى وصل أمر الحكم والوعظ والتعليم لأحكام الله بيد المنافقين وأهل الضلال واليهود والفاسقين ، فأنقلب أمرهم على الطيبين وحاصروهم وقتلوهم ، حتى أصبح المنكر معروف والمعروف منكر .

ولذا ترى : طرب الشيطان وحزبه للمنكر الذي حل في العاشر من محرم على طول التأريخ ، وعشقه الكفر والنفاق وأهله في كل مكان ذلك اليوم لفعلهم المشئوم ، وفي زماننا زرع ذلك الحقد الأعمى على الدين وأهله الاستعمار والصهاينة في نبتت أبن تيمية ، وأثمر الوهابية ومن يتابعهم في الإقتداء بآثار الظلم والضلال والكفر المبطن بالإسلام ، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً ، فأخذوا يعادون نبينا محمد وآله ويحبون ويطربون لفعل الأمويين من آل أبي سفيان وحفيده يزيد وأبيه وولاتهم .

فيقتل : حزب الشيطان ، أهل حزب الرحمان وشيعة الإمام الحسين عليه السلام ، وهم فرحون بضلالهم ، ويحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وإن الكفر وأهل الشرك حين ملكوا بلاد المسلمين اتفقوا مع حكامهم ، وبدلوا دين الناس لمذهب رفضه أهل الإسلام في حينه ، واختاروه لأنه أبعد المذاهب عن الإسلام وبالخصوص عن محبة أهل البيت عليهم السلام والحسين وآله .

والله سبحانه : يعرف الحق في كل حين بالإمام الحسين عليه السلام ، ويجدد عهده معه في مجالس ذكره ، وما يقيم المؤمنون من شعائر معرفته ، والتي يسمع ويراها  كل العباد ، فيتساءل قسما ممن يحب الله لماذا العداء لشيعة الإمام الحسين فيبحث و يهديه الله لصراطه المستقيم ، فيقرأ التأريخ بحق ويرفض من حارب الإمام وآله ، ومن منعهم من تعريف الدين من الأولين والآخرين فيستنير بنور مصباح الإمام الحسين عليه السلام ، ويركب سفينة نجاته ويجلس في مجالس ذكره ومعارفه ، والله يهدي من يشاء وهو رحيم بالصادقين الذين يسمعون القول فيتبعون أحسنه ، ويأخذ بما يعرفه أهل النعيم والصراط المستقيم الإمام الحسين وآله صلى الله عليهم وسلم , وجعلنا الله معهم ومنهم ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 


الإشراق الرابع :

تعجيل عقوبة قتلة الحسين عليه السلام :

قد يخطر على البال : أو يتساءل سائل ، لماذا لم يعجل الله عقوبة الظالمين وأهل الضلال ، ولماذا لم ينتصر للإيمان وأهله في حين شهادة الإمام الحسين عليه السلام ؟!

والحق : إن الله تعالى قد حكا كثير من قصص الأنبياء في القرآن الكريم ، ومنها قصة نبي الله إبراهيم أبو الأنبياء ورميه في النار ثم خروجه من بلده وهجرته منه ، وأكثر سبحانه من ذكر قصص موسى عليه السلام مع فرعون ، بل مع ظلم قوم موسى له ، وذكر قصة نبيه يحيى وعرفنا أنه قتله حاكم زمانه واُهدي رأسه لبغي من بغايا بني إسرائيل ، وعرفنا قصة المسيح عيسى بن مريم حتى أرادوا صلبه فشبهه لهم ، وعرفنا أن في زمان حكامهم لم ينزل العذاب المباشر العاجل عليهم حتى فعلوا فعلهم ، كما ذكر الله قتل الأنبياء من قبل بني إسرائيل ولم يعجل عليهم العذاب الآني العاجل .

فإن الله تعالى : إذا أمة لا تصلح أبدا ولا يلد منهم إلا فاجر كفار كما في زمن نوح أو مثل عاد وثمود وأمم أخرى ، نعم يصب عليهم العذاب معجلا بعد إنذارهم وأخذهم باليسر والعسر ، و لله تعالى سنن وقوانين كونية وتشريعية يحاسب بها الأمم بحكمته .

 إما إذا كان : مرجوا التوبة من أمة ، ويمكن أن يلدوا مسلمين ، بل مؤمنين كما حصل لأحفاد كثير من أولاد ممن حضر واقعة كربلاء أو ممن تخاذل عن نصر الحسين ، بل أنفسهم ممن حضروا كربلاء أو تخاذلوا ، تابوا ، وكانت ثورة التوابين ضد بني أمية ، وثورة المختار وغيرها ، والله يمهل ولا يهمل ، وحليم حكيم له العزة وللمؤمنين ، وإنه الممكن أن يؤجل ولم يعجل لظالم العذاب ، لعله يتوب ويؤمن ويعمل صالح ويهتدي ، وأن هذا هو هدف ثورة الحسين عليه السلام ونهضته ، وغرضه في خروجه هو الإصلاح في أمة جده وشيعة أبيه ، هو أن يرجع عباد الله للإيمان ، ويصرفهم عن نصر الظلم والطغيان ولو بعد حين .

 وقد أصلح الإمام الحسين عليه السلام : بنهضته المباركة ، وفي يوم مصابه الأعظم الذي أشرق به أعظم نور في الوجود ، يعانق نور يوم مبعث النبي الأكرم جده رسول الله، وفي ثورته المنيرة هدى الكثير مما فسد من أمور المسلمين ، وعلم الناس كيفية العيش بعز وكرامة ، وضرورة الإصرار على نشر تعاليم الله والعمل بفهم حقيقي لتعاليمه المقدسة ، فجاء بعده قيام أهل المدينة المنورة وهي وقعت الحرة وقد استباح يزيد فيها المدينة وقتل أهلها وفسق بهم ، لكن عرفنا ضلاله وتأكد فجوره ، ثم بعده ثورة التوابين في الكوفة والمختار ، وإن كل الثورات للطيبين والمقاومين للظلم والطغيان ، كانت تقتدي بالإمام الحسين عليه السلام في نهوضها وقيامها لمقاومة العدوان والفساد على طول التأريخ وفي أغلب بقاع الأرض ، بل تأسى به الأولون والآخرون كما عرفت .

ويا طيب : ثم أنه ليس بعد الإسلام : دين ولا نبي ولا شريعة غيره ، لختم النبوة والرسالة ، ولو فنوا أو عوقبوا بصاعقة أو ريح عقيم أو زلزلة أو غيرها من البلايا الشاملة كل أهل الإسلام مع إمكان عودهم للحق ورفض الظلم بالندم والتوبة ولو من أبنائهم وأحفادهم ، لكان أولا إما كل أهل الأرض يموتون ، أو ممن كانت تحت أمر الطاغية وحكومته وهم المسلمون فيبقى الكفار والمشركون فقط .

بل الأهم تكون : العقوبة المعجلة لقتلة آل محمد ، هدم لما أراد الله سبحانه من نهضة الإمام الحسين عليه السلام دعوة العباد للإقتداء به ونشر مبادئه .

ثم أنه يا طيب : إن كثير من الوقائع التي رويت عن ثورة الحسين عليه السلام ، كان رواتها من أهل جيش أعدائه ، وأن كثير من أفعالهم التي عملوها بعد قتل الحسين كانت شرح وتوضيح وبيان ونشر لثورة الإمام عليه السلام ، سواء ما فعلوه من تماديهم في الغي ورضهم صدره الشريف عليه السلام بالخيل بعد قتله ، أو أسر وتسيير آله وأهل بيته في البلاد ، أو ثورة التوابين وثورة المختار والندم مع التحسر والتأسف لما حصل منهم في عدم رضاهم بفعلهم الشنيع وعملهم القبيح ، فإنهم كانوا يروون ما فعلوا متأسفين تأبين ، يتأسفون على حضورهم المعركة ولو لم يباشروا قتل، وبعضهم لتخلفهم عن نصره فقط.

ويا طيب : إن لله سبحانه في كل واقعة وحادثة كبيرة أو صغيره حكمة وهدف وغرض ، ولو صب الله على أعداء آل محمد العذاب في ذلك اليوم ، لما عرفنا من كلمات الإمام وفعله شيء ، ولكان قصة قصيرة يصعب الوصول لهدفها والتأثر بغرضها ، ولا يصل إلا بالغور والتعمق في الفكر لغايتها ، وبينما الأحداث التي عملوها بعد مقتل الحسين هي كانت من ضمن برامج وأهداف الإمام الحسين عليه السلام ، وحكمة الله في أمره بالقيام في وجه الطغاة ورفض مبادئهم وأعمالهم كلها ، حيث في نهضته عمل عليه السلام على فضح الكفر والطغيان ورفضه ، وبهذا قد يبين مدى انحراف الأمة الإسلامية عن هدفها الأصيل في البر والتقوى ، وتخلفها عن نشر العدل والإحسان والهدى والإيمان والعمل به ، بل والأتعس والأنكا هو عدم رفض الظلم والعدوان والفسوق والفجور الذي كان يمارسه حكام آل أبي سفيان وأتباعهم .

 

وبعد هذا كله يا طيب :

ثم من قال : لم تعجل العقوبة لقتلت الإمام الحسين عليه السلام ، فإن قتلة الحسين عليه السلام كانوا منبوذين من أهلهم وقومهم طول مدت بقاءهم في الدنيا ، وصغار في أنفسهم وعند من يعاشرهم من أهلهم ، بل كانوا هم أنفسهم يحتقرون أنفسهم لفعلهم الشنيع حتى كانوا يتمنون الموت ، وحتى يزيد وابن زياد وعمر بن سعد لم تطول بهم الحياة أكثر من ثلاث سنوات ، وهي فترة بان فيها عارهم وفضح فسقهم وفجورهم فيها في الدنيا ، ثم قد ماتوا شر ميتة  ، ولعنهم الناس على طول التاريخ ، ولهم عذاب أليم مقيم شديد لا ينفى ولا يبيد وخالدين في غضب الله ولهم المزيد .

 فأي عقوبة : تراها أشد من التي وقعت على قتلة سيد الشهداء أبا عبد الله ، وأن قتلته والراضين بفعلهم يلعنون على المنابر في أغلب بلاد الله في كل يوم ، وبالخصوص في أيام المحرم ، ومن ثم إن الله لعنهم وأعد الهم العذاب الأليم ، وبالخصوص لقتلت الأنبياء والمؤمنين والأتقياء وأئمة المسلمين ، فإن من يقتل مؤمنا متعمدا عذابه كمن قتل الناس جميعاً ، كما ويحشر معه في العذاب الأليم كل من يحب فعله الخبيث ، فكيف بمن يقتل سيد شباب أهل الجنة وإمام المسلمين وولي أمر المؤمنين حقا ، وهو ريحانه رسول الله واقعا ، ووصيه وخليفته بعد أبيه وأخيه صدقا وعدلا ، وبأمر الله سبحانه وتعالى كما عرفت ، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بوده وزكاه وصدقه وطهره ، فجعله كوثر الخير وبركات الوجود ، ونور الحياة والهدى والإيمان ، ودليل لما يعبد به ربنا الرحمان سبحانه .

 

فهذا الحسين عليه السلام : مخلدا يعتز كل طيب بالانتماء إليه وحب الكون معه على طول التأريخ ، وقد ألفت في حياته وثورته الكتب وعقدت المآتم لمصابه للإقتداء به حتى لم تعقد لجده رسول الله ولا لأحد من البشر مثله ، وأن كان رسول الله وأبيه أمير المؤمنين لهم أسوة وقدوة به ، وهم أمروا بعقد مجالسه ، وهي احترام لهم وله وتقدير لبذرتهم الطيبة الطاهرة التي أثمرت العز والإباء والمحبة والثورة ونشر تعاليم الله وحب رضاه والعمل بأحكامه في جميع بقاع الأرض ، فصارت تقام مجالس الإمام الحسين عليه السلام ،كلما جدد الزمان وحل مكان للإيمان وطلبت تعليم الهدى الصادق ومعارف الدين الحق ، وكذا أنجب فعل الحسين الشريف رفض الظلم والكفر والعصيان في كل آن .

ويا طيب : يكفي لكل مسلم ومؤمن ومنصف وباحث ، أن يتدبر فعل الحسين ونهضته وما كان يرمي له وهدفه في الإصلاح وغرضه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وغايته التي يشتاق بها إلى الله تعالى ورضاه وما أوجب عليه من الانتصار لدينه ، ويتدبر بنقيضه من أعداءه ، وإصرارهم على التظاهر بالظلم والعدوان والفجور والفسق ،  والقراءة لما نشر من قصص تضحية الإمام الحسين وصحبه وآله وفداؤهم وكلماتهم ، وما وقع عليهم من الظلم والعدوان الطغيان ، نعرف الحق ونقتدي به ونرفض الظلم والطغيان على تعليم الله والانحراف عن الدين القويم ، وبالحسين وثورته تعلمنا تعاليم الله الحقيقة ونقيضها ، وصرنا في كل سنة ومناسبة كريمة نجدد العهد معه بل مع الله ورسوله وآل محمد الطيبين الطاهرين ، ونقر لله بالعبودية على هدى صراطهم المستقيم فشكرا لله.

 

 

 


 

الإشراق الخامس :

نور الإمام الحسين ويومه المحك بين الإيمان وأهله والنفاق وأهله :

يا طيب : عرفت في أنوار مصباح هدى الجزء السابق إن الله تعالى جعل اختبار المؤمنين على طول التاريخ بالرضا بفعل الحسين وتمني الكون معه في ذلك اليوم ، وهو عين ما عرفت من مجالس الأنبياء والملائكة وإخبار الله بقتله ونفس موضوع ما عرفت من معاني الاختبار والابتلاء الإلهي للعباد عامة والمؤمنين خاصة ، وإنه كل يوم يمكن للمؤمن الحصول على الفلاح والنجاح ورضا الله تعالى بالاقتداء بهدى الحسين وآله الكرام صلى الله عليهم وسلم ، وبتعلم هداهم والسير على صراطهم المستقيم والتعبد لله تعالى بتعاليمهم ، وإن من يبين منه قولا أو عملا يعبر عن الرضا بفعل أعداء الإمام الحسين ومن قتل آله الكرام ، أو فقط حب الكون معهم في ذلك اليوم ، يكون له الخزي والعار والذل في الدنيا والآخرة ، لأنه رضا بالظلم والعدوان والفجور والطغيان.

ويا طيب : إن حب الكون مع الحسين عليه السلام ونصره من جميع أفراد الأمة الإسلامية ، أصبح المقياس الواضح لحب النبي وآله والصلاة عليهم والمولاة لأولياء الله تعالى ، وحب هداهم وتعاليمهم ودينهم ، وبغض أعداءه ولعنهم والبراءة منهم ومن فكرهم وظلمهم واعتقادهم ، وهذا الإيمان والحب لأي من الطرفين يعبر عن دين الإنسان وحقيقة ما يتقرب به لله ، ويكون مطلوب مقرب إن كان على صراط آل محمد صلى الله عليهم وسلم وصاحبه من أهل النعيم وله رضا الله تعالى ، ويكون في ضلال وفي غضب الله تعالى من يكون على نهج أعداء آل محمد صلى الله عليهم وسلم والراضين بقتلهم ومنعهم حقهم في تعريف هدى الله .

فأصبح الحسين عليه السلام : في ثورته هو عين الاختبار والامتحان الإلهي في طلب الحق وحب أهله عند الإقتداء بالحسين وفعله ، وحب الكون معه ، و عشق أخذ التعاليم الإلهية منه ورجاء ثواب الله تعالى بذكره وعقد مجلس الوعظ والتعليم في عزاءه ، ورفض من خالفه ومن اعتدى عليه وظلمه والتباعد عن تعاليمهم وأخلاقهم وإتباعهم .

 والحسين عليه السلام :  كان ولا يزال المحك البين لتمييز الطيبين ، ومنهجه الواضح لتعريف الطاهرين ، وهداه الصادق للكون من المؤمنين ، وبحق يبعد عن الخبيثين والفاسقين والكفرة والجائرين ، وكل أنواع الظلم والطغيان على هدى الرحمان .

وبالحسين عليه السلام : وبثورته وما نشر من تعاليمه في نهضته ، منح الإسلام ماء الحياة ، والعز والكرامة لكل منصف يطلب الحق والصلاح والهدى .

فأصبح حب الحسين وأله : والإقتداء به ، والتحقق بمعارف سيرته وسلوكه ، وتطبيق هداه ودينه ، له حرارة في قلوب المؤمنين لن تنطفئ أبداً ، وفي الحقيقة لكي لا أطيل عليك تدبر أنوار هذا المصباح بالإضافة لما عرفت من الأجزاء السابقة لترى الإمام الحسين عليه السلام أنه ثورة وقدوة وأسوه ، وترى في قصصه من البيان ما يعجز عنه الألمعي من الشرح والتوضيح ببنان ، ويقصر عنه الفطن من التدبر والتفكر والكلام بإحسان ، ففي قصص الحسين عليه السلام من العبر والعضات ما يفوق جميع قصص الأنبياء والطيبين والطاهرين على طول الدهر من أوله إلى أخره .

ففي كل موضع : في مشارق الأنوار الآتي بل كل كلمة منها تحكي قصة الإمام الحسين وتعرف كلماته ونصحه وغرضه ، ترى عضة تبلغ الروح المؤمنة هدفها في الطهارة ، والفكر يتسمى عن الخضوع للظلم والعدوان ومخالفة الحق ، والقلب يجعله ينبض بالحياة المليئة بحب الله وقضائه وقدره ، فيكون متحقق بهداه ودينه على كل حال وفي أي زمان وعلى أي ظرف ، وإن في ما يأتي بيان يعجز القلم عن مده على الأسطر، والحاسب عن تنظيمه في ذاكرة ، فتدبر فيها كمسلم مؤمن محب لله ولسيد رسله وآله الأطهار ، تصل لمرامك من التوجه لحب العبودية لله وحب التضحية والفداء في سبيل إعلاء الحق ، و السلوك مصرا على صراطه المستقيم ، وتشمر ساعد الجد في نشر تعاليم الله تعالى والعمل بها بكل وجودك ، فإنها عبرة التأريخ ومصابه وهداه ومعارفه تجلت في يوم خالد وفعل ينير الوجود هدى ودين ، وبكل إصرار وعز ووجد وجد لطاعة الله سبحانه وتعالى .

فإنه : يوم إشراق نور الإمام الحسين وآله وصحبه الكرام في العاشر من المحرم .

 



[1] تحف‏ العقول ص245 . بحار الأنوار ج75ص116ب20ح2 .

[2] المناقب ج4ص89 . وفي بحار الأنوار ج44ص329ب37 ، عن السيد محمد بن أبي طالب الموسوي .

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com