بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء الثامن

نور الإمام الحسين عليه السلام

صحيفة

 نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

الجزء الثامن

سفينة نجاة

 شرح خطبة الشقيقة عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

 

الإشعاع الحادي العشرون :

يصدق العقيلة شيخ جعفي ويصف آل محمد بأفضل الخصال

وأما كلام الشيخ الجعفي :

 قال الراوي : قد رأيت شيخا من بني جعفي :

 قد بكى : حتى اخضلت لحيته من دموع عينه ، ويده مرفوعة إلى السماء هو يقول‏ :

صدقت بأبي وأمي

 كهولكم خير الكهول ، وشبانكم خير الشبان ، ونسائكم خير النسوان : ، ونسلكم خير نسل

و فضلهم فضل عظيم ، لا يخزي ولا يبزي :

كهولهم خير الكهول و نسلهم      إذا عد نسل لا يخيب و لا يخزي

والمعنى :

قد : تحقق الكلام وتوجب تصديقه ، ورأيت : أي نظرت بعيني لشيخ ..

شيخ: الشيخ : الذي استبانت فيه السن و ظهر عليه الشيب ؛ و قيل: هو شيخ من خمسين إلى آخره ؛ وقالوا: الشيخ: من جاوز ست وأربعين سنة، والشاب من تجاوز البلوغ إلى ثلاثين سنة ، وما بينهما كهل، فالشيخ فوق الكهل، و الجمع شيوخ و أشياخ.

من بني جعفي : بطن من بني سعد العشيرة بن مذحج من القحطانية ومن أهل اليمن الذين سكنوا الكوفة ، أي رأيت شيخ من هذه العشيرة .

 قد بكى حتى أخضلت لحيته من دموعه:

خضل الشيء : ندي حتى ترشرش نداه ، فهو خضل ، واخضل فهو مخضل ، وأخضله وخضّله : ندّاه . وأخضلتنا السماء. واخضلّت لحيته بالدموع.

واللحية : اسم لشعر ما نبت على الخدين والذقن، والجمع لِحىً.

 أي الشيخ الجعفي : قد ابتلت لحيته من ندى دموعه فترشرشت عليها :

 

 

ويده مرفوعة إلى السماء :

يا طيب : إنه جاء في أبواب الفقه أنه يستحب رفع اليدين في الدعاء بصورة عامة ، وبالخصوص في القنوت في الصلاة أو التكبير لبدئها ، وكذلك يستحب رفع الدين حين يحب الإنسان المؤمن أن يتوجه لله سبحانه بجد ، فيظهر يديه كما يظهر السائل وطالب الحاجة من الكريم شيئا ، ولرفع اليد في الدعاء حالات :

وروى في عدة الداعي : أنه سأل أبو بصير الإمام الصادق عليه السلام ،  عن الدعاء و رفع اليدين ؟ فقال عليه السلام : على خمسة أوجه‏ :

أما التعوذ : فتستقبل القبلة بباطن كفيك ، و أما الدعاء في الرزق : فتبسط كفيك و تفضي بباطنهما إلى السماء ، و أما التبتل : فإيماؤك بإصبعك السبابة ، و أما الابتهال : فترفع يديك مجاوزا  بهما رأسك ، و أما التضرع : أن تحرك إصبعك السبابة مما يلي وجهك ، و هو الدعاء الخيفة [1].

ويا طيب : الظاهر أن الراوي  رفع يديه مبتهلا إلى الله مع بكاء ، وروي أن :  الابتهال : رفع اليدين و مدهما و ذلك عند الدمعة ثم ادع ، وقد مر في مصباح الهدى أن الإمام الحسين حين دعا رفع يديه، والشيخ رفع يديه إلى السماء كالمبتهل يصدق العقيلة.

وهو يقول :

هو : ضمير منفصل مبني على الفتح يكنى به عن الغائب ، لأنه حين الرواية للخطبة لم يكن موجودا ، وإنما كان في زمان الخطبة وهو يسمع العقيلة عليه السلام .

قال : يقول قولاً، وقيلا وقولة ومقالا، ومقالة ، والجمع: أقوال ، واقاويل : جمع الجمع . ويعني بالقول: الألفاظ المفردة التي ينبني الكلام منها، كزيد، من قولك: زيد منطلق، ويعني بالكلام: الجمل، كقولك: زيد منطلق وقام زيد. القول : هو  أن الفم واللسان يخِفّان له ويقلقان ويمذَلان به وهو بضد السكوت الذي هو داعية إلى السكون .

 

صدقت : بأي وأمي :

صدقت : الصدق : نقيض الكذب ، و الصدق : الكامل من كل شي‏ء ، و الصديق من يصدق بكل أمر الله و النبي عليه السلام لا يتخالجه شك في شي‏ء ، و رجل صَدُوقٌ : أبلغ من الصادق ، و رجلٌ صَدْقٌ: نقيض رجل سَوْء .

الصديق : المداوم على التصديق بما يوجب الحق.

 وكل معاني الصدق : تصدق على الصديقة بنت الصديقة ، زينب بنت فاطمة الزهراء بنت محمد صلى الله عليهم وسلم ، وأبوها الصديق الأكبر علي بن أبي طالب ، أول من صدق النبي الأكرم وأخر من ودعه وكان وصيه وخليفته بحق ، وقد أمرنا الله أن نكون مع الصادقين ، وقد صدقهم الله في آية المباهلة وجعل لعنته على الكاذبين ، وطهرهم بآية التطهير وأمر بودهم بأية المودة ، ولهم الولاية والإمامة والخلافة بحق ، ومن يصدق بهذا يكون ممن تبع الصادقين ومع الصديقين في مقعد صدق عند مليك مقتدر .

 

ويا طيب : لنتعرف على معنى الصدق والصادقين :

 لنتبعهم ونطيعهم بعد أن نتعلم منهم ، كما قال الله سبحانه:

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ  اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ (119) } التوبة .

نذكر بعض الأحاديث : التي تعرف منهم الصادقون حقا ، وصدقهم الله ورسوله ، فتطمئن قلوبنا بمعرفة الحق وأتباع الصدق ، فنكون مع الصادقين إن شاء الله :

عن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز و جل : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين } .

قال عليه السلام : الصادقون هم الأئمة ، و الصديقون بطاعتهم [2].

وعن أبي سعيد قال : قال رسول الله‏ صلى الله عليه وآله وسلم :

 لما نزلت الآية على النبي : { اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } .

 التفت النبي إلى أصحابه فقال : أ تدرون فيمن نزلت هذه الآية؟

 قالوا : لا و الله يا رسول الله ، ما ندري .

 فقال أبو دجانة : يا رسول الله‏ كلنا من الصادقين ، قد آمنا بك و صدقناك .

قال صلى الله عليه وآله : لا يا أبا دجانة ، هذه نزلت في ابن عمي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب خاصة دون الناس ، و هو من الصادقين .

يا طيب : إن الله يقول يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ، فيطالب المؤمنين ليكونوا مع الصادقين ، فلابد أن يكون هناك صادق أكبر من مجرد تصديق النبي الأكرم ، بل له مقام إمامة وولاية أوجبها الله بهذه الآية وأمثاله المختصة في تعريف الإمامة والولاية والخلافة لرسول الله وبعده إلى يوم القيامة ، وفي هذا المعنى جاء .

عن عباد بن عبد الله قال : قال علي عليه السلام : أنا عبد الله وأخو رسوله .

وأنا:  الصديق الأكبر :

لا يقولها بعدي : إلا كاذبا ، صليت قبل الناس بسبع سنين [3].

و عن أصدق الناس لهجة : بعد رسول الله وأئمته ، يعرف ولي أمره بعد رسول الله فيقول أبو ذر رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وآله سلم، أنه قال لعلي بن أبي طالب:

أنت أول من آمن بي :  وأنت أول من يصافحني يوم القيامة .

وأنت الصديق الأكبر : وأنت الفاروق تفرق بين الحق والباطل ، وأنت يعسوب المؤمنين ، والمال يعسوب الكفار [4].

وفي هذا المعنى : من الروايات التي تعرف الصديق الأكبر ، وجوب الكون معه :

عن ابن عباس في قول الله :

{ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَ كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ } .

 قال : مع علي ، و أصحابه [5].

وعن ابن أبي نصر عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سألته عن قول الله عز و جل : { يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين } .

 قال عليه السلام : الصادقون هم الأئمة ، و الصديقون بطاعتهم[6].

عن بريد بن معاوية العجلي قال : سألت أبا جعفر عليه السلام عن قول الله عز و جل : { اتقوا الله و كونوا مع الصادقين } ،  قال عليه السلام : إيانا عنى .

عن أبي عبد الله عليه السلام : في قوله تعالى : { وَبَشِّرِ  الَّذِينَ آمَنُواْ أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ (2) } يونس ، قال عليه السلام : ولاية أمير المؤمنين [7].

 

ويا طيب : إن الله سبحانه دعا المؤمنين لأن يكونوا مع الصادقين إي بمحبتهم وبإطاعتهم حتى يتم الكون معهم ، ولابد أن يكون الصادقون لهم مقام عالي يفوق مجرد معنى الصدق بتصديق الله وطلب الإيمان به ، بل يجب أن يكونوا صادقين أئمة ، ولهم حق الولاية وتعريف هدى الله المستقيم ، ومنعم عليهم بالطهارة والمودة ، وصدقهم الله سبحانه بآية ونبيه بتعريفهم بالصدق ، ولمعرفة بعض التفصيل في معنى الصادقين وحقهم وأولياءهم الطيبين وشيعتهم الصالحين حقا ، نذكر حديثا ثم نذكر بيانا يعرف هذا المعنى لصاحب كتاب العمدة ابن بطريق رحمه الله:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله : الصديقون ثلاثة : حبيب النجار الذي جاء من أقصى المدينة يسعى ، و مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه .

 و علي بن أبي طالب : و هو أفضلهم [8].

يا طيب : ذكر هذا الحديث بكثرة وبعدة أسانيد في كتب الحديث وشرح الآية من سورة يس ، ونحن ذكرناه  بلفظ واحد ومن عدة مصادر ، ولنعرف هذا حديث وشرح له يدل على الإمام نذكر ما قاله في كتاب العمدة :

قال يحيى بن الحسن : اعلم أن الصدق خلاف الكذب .

و الصديق : الملازم للصدق الدائم في صدقه ، و الصديق : من صدق عمله قوله ، ذكر ذلك أحمد بن فارس اللغوي في كتاب المجمل في اللغة ، و ذكره أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري في كتاب الصحاح .

و إذا كان هذا هو معنى الصديق :

 فالصديق أيضا ينقسم ثلاثة أقسام :

صديق : يكون نبيا .

 و صديق : يكون إماما .

و صديق : يكون عبدا صالحا لا نبي و لا إمام.

، فأما ما يدل :

 على أول الأقسام : فقوله سبحانه و تعالى:

 { وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) }مريم .

 و كل نبي صديق ، و ليس كل صديق نبيا .

 و قوله تعالى: { يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ (46) } يوسف.

و أما ما يدل : على كون الصديق إماما :

 فقوله تعالى: { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ

النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} النساء .

فذكر النبيين : ثم ثنى بذكر الصديقين ، لأنه ليس بعد النبيين في الذكر أخص من الأئمة .

و يدل عليه أيضا : هذه الأخبار الواردة ، بأن الصديقين ثلاثة : حبيب ، و حزقيل ، و علي و هو أفضلهم ، فلما ذكر عليا عليه السلام مع هذين المذكورين دخل معهما في لفظة الصديقين ، و هما ليسا بنبيين و لا إمامين ، فأراد إفراده  عنهما بما لا يكون لهما و هي الإمامة .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : و هو أفضلهم ، فليس في لفظة الصديق بينهم تفاضل لأنه صلى الله عليه وآله قال : الصديقون ثلاثة ، فقد استووا في اللفظ ، فأراد الإخبار عن اختلافهم في المعنى ، و هو استحقاق الإمامة ، فقال : و هو أفضلهم ، تنبيها على كون علي عليه السلام صديقا إماما ، و هذا معنى الوجه الثاني .

و إذا كان الصديق : هو الملازم للصدق الدائم عليه ، و من صدق عمله قوله.

 فينبغي : أن تختص هذه اللفظة بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، لأنه لم يعص الله تعالى منذ خلق ، و لم يشرك بالله تعالى طرفة عين ، فقد لازم الصدق و دام عليه ، و صدق عمله قوله ، فصح اختصاص هذه اللفظة به دون غيره[9].

 

ويا طيب : يكون القسم الثالث : صديق لا نبي ولا إمام هم الصالحون ، وهم شيعة علي عليه السلام الصادقون : لأنهم صدقوهم ، ولنعرف هذا المعنى فتدبر :

عن محمد بن سليمان عن أبيه قال : كنت عند أبي عبد الله عليه السلام إذ دخل عليه أبو بصير فقال الله أبو عبد الله في حديث طويل منه ...... : 

فقال عليه السلام : يا أبا محمد ، لقد ذكركم الله في كتابه ، فقال :

{ وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ  النبيينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69)} النساء .

فرسول الله في الآية : النبيون ، و نحن : في هذا الموضع الصديقون و الشهداء ، و أنتم : الصالحون ، فتسموا بالصلاح كما سماكم الله عز و جل .......

قال عليه السلام : يا أبا محمد ما من آية نزلت تقود إلى الجنة و لا تذكر أهلها بخير إلا و هي فينا و في شيعتنا ، و ما من آية نزلت تذكر أهلها بشر و لا تسوق إلى النار إلا و هي في عدونا و من خالفنا ، فهل سررتك يا أبا محمد ؟

قال قلت : جعلت فداك زدني .

فقال عليه السلام : يا أبا محمد ليس على ملة إبراهيم إلا نحن و شيعتنا ، و سائر الناس من ذلك براء ، يا أبا محمد فهل سررتك ، و في رواية أخرى فقال : حسبي [10].

نعم حسب يا أبا عبد الله : فإنه يا طيب ، كل من والى آل محمد عليه السلام تقبل خطبة العقيلة عليه السلام بنفس مطمئنة بصدقها ، وبالخصوص بعدما عرفها به الإمام زين العابدين ، وكل من رضي بآل محمد عليهم السلام أئمة صادقون وولاة أمر الله طيبون وخلفاء لرسول الله طاهرون ، وأنه يجب على كل مؤمن مودتهم ومحبتهم وطاعتهم فقد صدقهم وكان مع الصادقين والنبيين والشهداء حيث عرف هداهم بحق ، وإلا من رفضهم رفض هداهم وما خصهم الله به ، وأعان أعدائهم عليهم وإن لم يعمل لهم ، بل بفكره ينصر من لم يصدقه الله ، كان مع من لم يرضى بالصادقين الطاهرين .

ويا طيب : في الحديث أعلاه عرفنا الإمام عليه السلام كيف يحصل الكون معهم وهو كما في الحديث يجب أن نتسم بالصلاح وتطبيق هداهم وعبودية الله به بإخلاص ، ولذا في حديث آخر ، قالوا عن أبي الصباح الكناني: عن أبي جعفر عليه السلام قال :

 أعينونا بالورع : فإنه من لقي الله عز و جل منكم بالورع ، كان له عند الله فرجا ، و إن الله عز و جل يقول :

 { من يطع الله و الرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين و الصديقين و الشهداء و الصالحين و حسن أولئك رفيقا } .

 فمنا : النبي ، و منا الصديق ، و الشهداء ، و الصالحون [11].

وعن أبي بصير قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام ، فقال له سلام : إن خيثمة ابن أبي خيثمة يحدثنا عنك ، أنه سألك عن الإسلام ، فقلت له :

إن الإسلام : من استقبل قبلتنا ، و شهد شهادتنا ، و نسك نسكنا ، و والى ولينا ، و عادى عدونا ، فهو مسلم . فقال : صدق خيثمة .

قلت : و سألك عن الإيمان ؟ فقلت : الإيمان بالله ، و التصديق بكتاب الله ، و أن لا يعصى الله . فقال : صدق خيثمة[12] .

فالصادق : من يصدقهم ويتعلم منهم ، ويجب أن يكذب عدوهم بل يعاديه فيصدق القرآن ورسول الله، ولذا جاء في حديث طويل يحاور بن سلام النبي الأكرم قال:

فأخبرني : ما ابتداء القرآن و ما ختمه ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : يا ابن سلام ، ابتداؤه : بسم الله الرحمن الرحيم .

و ختمه : صدق الله العلي العظيم . قال : صدقت يا محمد .. [13]..

ويا طيب : من صدق القرآن فيمن عرف من الصادقين ، فقد صدق الله وقال بحق صدق الله العلي العظيم حين يختم القرآن ، لأن كتاب الله يصدق نبينا الأكرم وآله في كل ما قالوا من هداه وما عرفوا من دينه ، ويكفي لمن يناقش في الأحاديث أن يتدبر آية المباهلة ، فإنها أوجبت تصديق نبينا وآله صلى الله عليهم ومن يصدقهم ويعمل بهداهم الصادق ، وإلا من كذبهم ولم يعتني بكلامهم فهو ملعون كاذب ، بنص كتاب الله ، لأنه سبحانه وتعالى قال :

{ فَمَنْ  حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ

 وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

وهذه الأحاديث : التي تعرفهم بالصدق ، هي أحاديث أبناء رسول الله صلى الله عليه وآله ، والكذب ضد الصدق إن لم نقل نقيضه ، فإنه الإنسان إما صادق في كلامه أو كاذب ، وإن كان في الدين الكاذب فهو ملعون، ويكون كاذبا حين يخالف من عرفهم الله بالصدق ، وآل محمد في آية المباهلة : سادة العباد في الدنيا والآخرة الحسن والحسين وعلي وفاطمة وسيدهم سيد المرسلين ، فقال الله سبحانه لنبي الرحمة أدعوا الناس وأتي بآلك الكرام ، فمن صدقهم صدقته ، وإلا من كذبك وكذبهم لعنته .

وفي هذا المعنى : عن جابر عن أبي عبد الله قال : لما نزلت هذه الآية :

{ يَوْمَ نَدْعُوا كُلَّ أُناسٍ بِإِمامِهِمْ } .

قال فقال المسلمون : يا رسول الله ، أ لست إمام الناس كلهم أجمعين ؟

فقال : أنا رسول الله  إلى الناس أجمعين .

و لكن سيكون بعدي : أئمة على الناس من الله ، من أهل بيتي .

يقومون في الناس : فيكذبون ، و يظلمهم أئمة الكفر و الضلال و أشياعهم .

ألا و من والاهم و اتبعهم و صدقهم : فهو مني و معي ، و سيلقاني .

 ألا و من ظلمهم و أعان على ظلمهم و كذبهم : فليس مني ، و لا معي ، و أنا منه بري‏ء [14].

اللهم: أجعلنا من الصادقين المصدقين للصادقين نبيك الأكرم وآله الطيبين الطاهرين ، ونعتقد بخطبة الشقيقة في بيان حقائق ظلم أعدائهم لهم مع ما لهم من المناقب ، واجعلنا معهم دنيا وآخرة ، إنك أرحم الراحمين ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

أحاديث علمية وعملية لرجال كذبوا :

يا طيب : بعد أن عرفنا مختصرا كافي شافي في تعريف الصدق والصديقين من أئمة الحق الطاهرين بحق وأتباعهم الصالحين ممن صدقهم ، بصورة علمية يقينية وجدانية يصدقها كل مؤمن بل كل مسلم منصف وحر طيب ، نتعرف على معاني الصدق عملا في زمن رسول الله وبعده ، فنذكر بعض الأحاديث في هذا المعنى :

عن الحارث بن المغيرة النصري عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل : { إنما يخشى الله من عباده العلماء } ، قال عليه السلام :

يعني بالعلماء : من صدق فعله قوله .

 و من لم : يصدق فعله قوله فليس بعالم [15].

يا طيب : هذا قانون تام وسنة كاملة ، وهكذا الصدق عرفه الله والحديث وأهل اللغة وكما عرفت .

 فإذا الإنسان كذب نفسه : فليس له حق بالخلافة ولا بتعريف الدين المخالف للصديق الذي صدقه الله سبحانه ، ولتعرف هذا تدبر :

في المناقب : جمع المأمون المتكلمين : على رجل من ولد الصادق وفي رواية السمرقدني علي بن موسى الرضا عليه السلام ، فاختاروا يحيى بن الضحاك السمرقندي ، و كلفوا العلوي سؤاله في الإمامة .

 فقال العلوي : يا يحيى ، أخبرني عمن ادعى الصدق لنفسه ، و كذب الصادقين عليه ليكون محقا صادقا أو كاذبا ؟

 فأمسك :  يحيى أي لم يجب .

فقال له المأمون : أجبه .

 فقال يحيى : لا جواب يا أمير المؤمنين فقد قطعني .

فقال له المأمون : ما هذه المسألة ؟

فقال له : يا أمير المؤمنين ، لا يخلو يحيى من ثلاثة أجوبة :

إن زعم : أنه صدق و كذب الصادقين على أنفسهم ، فلا إمامة لكذاب .

 لقول أبي بكر : وليتكم و لست بخيركم أقيلوني .

 و قوله : إن لي شيطان يعتريني ، فإذا ملت فسددوني ، لئلا أوثر في أشعاركم و أبشاركم .

و إن زعم يحيى : أنه كذب ، و صدق الصادقين على أنفسهم ، فلا إمامة لمن أقر على رءوس الأشهاد بمثل ما أقر به الصادق عند أصحابنا المقتدين به الموقنين بإمامته .

 و لا إمامة : لمن أقر بالعجز على نفسه .

 و لا إمامة : لمن قال صاحبه بعده :

 كانت إمامة :  أبي بكر فلتة ، وقى الله شرها ، فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه ، و لا تصح الإمامة من بعده ، لأنه عقدها له من كانت بيعته فلتة .

وإن قال يحيى: لا أدري ، ففي أي الأحزاب : أ يعد في العلماء ، أم من الجهال.

فقبل المأمون : في وجهه ، و قال : ما يحسن يتكلم بهذا غيرك [16].

يا طيب : فإذا كان هذا حال الأول والأعلى عند المخالفين لآل محمد علي وفاطمة والحسن والحسين بعد رسول الله ، ولم يأتمنه النبي الأكرم على تبليغ آيات من سورة براءة والتوبة  ، وأستبدله النبي بالصديق علي بن أبي طالب ، فكيف يلي أمر المسلمين ويفتي لهم ، ويكذب الصديقة في قصة فدك ، بل والصديق علي في طلبه للولاية وتعريفه أنه أحق برسول الله منه علما وعملا وقرابة، وإذا كان هذا حال سيد صديقيهم ، فكيف بحال من يوليه ومن يتبعهم ، فتدبر حقائق الصدق الصادق لا غير:

 

أحاديث علمية وعملية لرجال صدقوا ما عاهدوا الله ورسوله :

قال الله سبحانه وتعالى :

{ يَحْسَبُونَ الْأَحْزَابَ لَمْ يَذْهَبُوا و إِن يَأْتِ الْأَحْزَابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُم  بَادُونَ فِي الْأَعْرَابِ يَسْأَلُونَ عَنْ أَنبَائِكُمْ وَلَوْ كَانُوا فِيكُم مَّا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا (20) لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي  رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (21)

وَلَمَّا رَأَى  الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمً (22)

مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ

فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)

لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ

وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا  رَّحِيمًا (الأحزاب24)  وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا

وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ

 وَكَانَ اللَّهُ  قَوِيًّا عَزِيزًا (25) } الأحزاب .

يا طيب : إن حرب الخندق ، هي قصة سورة الأحزاب ، والأحزاب هم أكبر جيش جمع لحرب المسلمين ، ونذكر  مختصر من القصة ، عما ذكر في المجمع وأصحاب السير والدر المنثور ورواياتها متفرقة ، نأخذ ملخصها من تفسير الميزان ، قالوا :

 إن نفرا من اليهود : خرجوا إلى قريش وقالوا لهم دينكم أفضل من الإسلام ففرحوا ، ودعوهم لحرب النبي الأكرم ، وقالوا : نكون معكم عليه فأجابوهم ، وخرجوا إلى غطفان وأحلافهم فأجابوهم ، وخرجوا إلى فزاره وجبلة وبني سليم وبني أسد وغيرهم فحثوهم فأجابوهم ، فخرجوا مجتمعين .

 وجاءوا إلى اليهود : إلى يهود المدينة من بين قريضة ، فأغروهم وحثوهم ومنوهم بالكون معهم وأستأصل النبي ، فنقضوا عهدهم مع رسول الله .

ولما علم رسول الله : بقدومهم شاور المسلمين فأشار سلمان المحمدي بحفر الخندق فحفروا حول المدينة فظهرت صخرة كسرت معاولهم ، فضربها النبي بمعوله فأشرق فكبر تكبير فتح وكذا الضربة الثانية والثالثة ، فلما سألوه قال : رأيت فتح اليمن في الأولى ، والثانية فتح لي المغرب وروم ، والثالثة المشرق وفارس ، وكرست الصخرة  ، ثم أتقن المسلمون باقي حفر الخندق وأحكموه .

واستبشر المؤمنون من المسلمين : بالفتح ، وفرحوا بما وعدهم الله ، وقد ذكرهم الله تعالى في الآيات أعلاه بالصدق ، وكان سيد رجالهم علي بن أبي طالب لأن النصر كان ببركة مبارزته كما سترى .

و قال المنافقون : ألا تعجبون ؟ يحدثكم و يعدكم الباطل ، و يخبركم أنه يبصر في يثرب قصور الحيرة و مدائن كسرى و أنها تفتح لكم ، و أنتم تحفرون الخندق و لا تستطيعون أن تتبرزوا . أي يخافون أن يظهروا للغائط فيسخرون بهم .

 قالو :  لما فرغ رسول الله من الخندق ، أقبلت قريش : حتى نزلت بين الجرف و الغابة في عشرة آلاف من أحابيشهم و من تابعهم من بني كنانة و أهل تهامة ، و أقبلت غطفان و من تابعهم من أهل نجد حتى نزلوا إلى جانب أحد .

  و خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم و المسلمون : حتى جعلوا ظهورهم إلى سلع في ثلاثة آلاف من المسلمين ، فضرب هناك عسكره و الخندق بينه و بين القوم ، و أمر بالذراري و النساء فرفعوا في الآطام ، أي الأبنية المرتفعة المحصنة.

فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : الله أكبر، ويبشر المسلمين بما وعد الله ، و لكن لكثرة العدو في الخارج ، وفي الداخل اليهود نقضوا العهد ، فعظم عند ذلك البلاء و اشتد الخوف على كثير من المسلمين ، و أتاهم عدوهم من فوقهم و من أسفل منهم حتى ظن المؤمنون كل ظن ، و ظهر النفاق من بعض المنافقين .

 فأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : داخل المدينة ، و أقام المشركون خارج الخندق بضعا و عشرين ليلة ، لم يكن بينهم قتال إلا الرمي بالنبال .

إلا أن فوارس من قريش : منهم عمرو بن عبد ود أخو بني عامر بن لوي ، و عكرمة بن أبي جهل ، و ضرار بن الخطاب ، و هبيرة بن أبي وهب ، و نوفل بن عبد الله ، قد تلبسوا للقتال ، و خرجوا على خيولهم حتى مروا بمنازل بني كنانة ، فقالوا :

 تهيئوا للحرب : يا بني كنانة ، فستعلمون اليوم من الفرسان ؟

 ثم أقبلوا : تعنق بهم خيولهم ، حتى وقفوا على الخندق ، فقالوا : و الله إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها ، ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فضربوا خيولهم ، فاقتحموا فجالت بهم في السبخة بين الخندق و سلع .

و خرج علي بن أبي طالب : في نفر من المسلمين حتى أخذ عليهم الثغرة التي منها اقتحموا ، و أقبلت الفرسان نحوهم .

و كان عمرو بن عبد ود : فارس قريش ، و كان يعد بألف فارس ، و كان يسمى فارس يليل ، لأنه أقبل في ركب من قريش حتى إذا كانوا بيليل ، و هو واد قريب من بدر ، عرضت لهم بنو بكر في عدد ، فقال لأصحابه : امضوا ، فمضوا ، فقام في وجوه بني بكر حتى منعهم أن يصلوا إليهم ، فعرف بذلك .

و كان اسم الموضع : الذي حفر فيه الخندق المذاد .

و كان أول من طفره : عمرو و أصحابه .

فقيل في ذلك : عمرو بن عبد كان أول فارس جزع المذاد و كان فارس يليل .

و ذكر ابن إسحاق : أن عمرو بن عبد ود  كان ينادي : من يبارز ؟

فقام علي فقال : أنا له يا نبي الله ، فقال : إنه عمرو اجلس .

و نادى عمرو : أ لا رجل ؟ و هو يؤنبهم ، و يقول : أين جنتكم التي تزعمون أن من قتل منكم دخلها ؟

 و قام علي فقال: أنا له يا رسول الله.

ثم نادى الثالثة فقال :

و لقد  بححت عن النداء     بجمعكم هل من مبارز

و وقفت إذ جبن المشجع     موقف  البطل  المناجز

إن السماحة و الشجاعة      في  الفتى  خير الغرائز

فقام علي فقال : يا رسول الله أنا له ، فقال : إنه عمرو .

فقال : و إن كان عمرا ، فاستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأذن له .

قال حذيفة رضي الله عنه : فألبسه رسول الله درعه الفضول ، و أعطاه ذا الفقار ، و عممه عمامته السحاب على رأسه تسعة أدوار .

 و قال له : تقدم ، فلما ولى .

قال النبي صلى الله عليه وآله : برز الإيمان كله إلى الشرك كله .

اللهم : أحفظه من بين يديه ، و من خلفه ، و عن يمينه ، و عن شماله ، و من فوق رأسه ، و من تحت قدميه .

قال ابن إسحاق : فمشى إليه ، و هو يقول :

لا تعجلن  فقد أتاك      مجيب صوتك غير عاجز

ذو   نية   و  بصيرة      و الصدق منجي كل فائز

إني  لأرجو أن  أقيم      عليك    نائحة    الجنائز

من ضربة نجلاء يبقى      ذكرها    عند     الهزاهز

قال له عمرو : من أنت ؟ قال : أنا علي . قال : ابن عبد مناف ؟

قال : أنا علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف . فقال : غيرك يا ابن أخي من أعمامك ، من هو أسن منك ، فإني أكره أن أهريق دمك.

فقال علي : لكني و الله ما أكره أن أهريق دمك .

فغضب عمرو : و نزل و سل سيفه كأنه شعلة نار ، ثم أقبل نحو علي مغضبا ، فاستقبله علي بدرقته ، فضربه عمرو بالدرقة فقدها ، و أثبت فيها السيف ، و أصاب رأسه فشجه ، و ضربه علي على حبل العاتق فسقط .

و في رواية حذيفة : و تسيف على رجليه بالسيف من أسفل ، فوقع على قفاه .

و ثارت بينهما عجاجة : فسمع علي يكبر .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قتله و الذي نفسي بيده .

قال حذيفة : فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 أبشر يا علي :  فلو وزن اليوم عملك ، بعمل أمة محمد .

 لرجح عملك بعملهم . و ذلك :

أنه لم يبق بيت : من بيوت المشركين ، إلا و قد دخله وهن بقتل عمرو .

و لم يبق بيت : من بيوت المسلمين ، إلا و قد دخله عز بقتل عمرو .

و عن الحاكم :  عن عبد الله بن مسعود ، قال: كان يقرأ :

{ و كفى الله المؤمنين القتال } بعلي .

و خرج أصحابه : عمر بعد مقتله منهزمين ، حتى طفرت خيولهم الخندق .

 و ذكر علي أبياتا منها :

نصر الحجارة من سفاهة رأيه     و نصرت رب محمد بصواب

فضربته  و   تركته   متجدلا      كالجذع بين دكادك و رواب

و  عففت  عن  أثوابه    لو     أنني  كنت المقطر بزني أثوابي

و لما قتل عمرو : خذل الأحزاب ، و أرسل الله عليهم ريحا ، و جنودا من الملائكة ، فولوا مدبرين بغير قتال ، و سببه قتل عمرو .

ويا طيب : وهذه قصة حرب الأحزاب أو الخندق مختصرة ، وذكرها الله في سورة كريمة تعرف بسورة الأحزاب فذكر هذه الحرب وذكر سبحانه تعاليم غيرها ، وهي في الحقيقة حرب الإيمان المتمثل بعلي بن أبي طالب عليه السلام ، مع الكفر كله وجيشه الذي خذل ووهن وتزعزع بقتل عمر بن ود ، ونصر الله المؤمنين ، وانزل سورة تعرف فضل الصادقين بصورة عامة ، وسيد الصادقين بصورة خاصة ، ومن كان صادقا يصدق القرآن يجب عليه أن يتبعه ويتبع آله وتعرف ظهور النفاق عند بعض المسلمين .

ويا طيب : لكي نعرف مختصرا في شأن النزول الآيات التي مرت قبل ذكر القصة  نذكر قسما من الأحاديث تعرف هذا المعنى :

عن محمد بن الحنفية رضي الله عنه قال : قال علي عليه السلام :

كنت عاهدت : الله عز و جل و رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، أنا ، و عمي حمزة ، و أخي جعفر، و ابن عمي عبيدة بن الحارث ، على أمر ، وفينا به لله و لرسوله.

 فتقدمني أصحابي : و خلفت بعدهم لما أراد الله سبحانه عز و جل .

 فأنزل الله سبحانه فينا : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا

 ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضى‏ نَحْبَهُ } حمزة و جعفر و عبيدة .

 { وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلً (23) } الأحزاب .

فأنا المنتظر : و ما بدلت تبديلا [17].

يا طيب : موقف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، مستمر من زمن الرسول وحتى زمن الإمام الحسين ، وإلى الآن من يتبعهم فهو منهم ومعهم وقد عرفت بيانه .

 وإن يوم كربلاء : حفر الإمام الحسين لقلة أصحابه ساقية ، ووضع فيها أشواك حطب لكي لا يعبر أعداء الله لهم ، وكان يوم الحرب في كربلاء الكثير من أعداء الله ورسوله ممن لم يتبع الصادقين بل تبع الولاة الكاذبين يتخللون بين الخيام ويسلبون وينهبون بل حرقوا الخيام والحصن والآطام لعيال رسول الله ما لم تستطع اليهود والكفار تجاوزه.  ثم الإمام الحسين عليه السلام وجيشه النفر القليل : كان خارج خندق الساقية الصغير يقاتل هو وأصحابه لا داخله، والأعداء في الحقيقة محيطون به لا الخندق.

 وأما رجال صادقون صدقوا ما عاهدوا الله عليه : وما بدلوا تبديلا ، كانوا من مع الحسين وهم فقط اثنان وسبعين صادق وآله الطاهرون ، ومقابل ثلاثون ألف كاذب يدعي الإسلام ، وقد عرفت في مصباح الهدى قصتهم وهذه آية رجال صدقوا يتلوها الصادق المصدق بآية المباهل الإمام الحسين والطاهر المطهر بآية التطهير ، فيعرفنا صادق صدقهم وإن من استشهد معه مثله ، يعيدون نسج قصة الصادقين بلحن حزين آخر ، يصعب على المؤمن سماعها ويتألم لها .

وفي أحد مواقف يوم عاشورا : حمل : عمرو بن الحجاج صحاب ميمنة عمر بن سعد ، في أصحابه على الحسين عليه السلام من نحو الفرات فاضطربوا ساعة .

فصرع مسلم بن عوسجة الأسدي رحمة الله عليه : و انصرف عمرو و أصحابه ، و انقطعت الغبرة ، فوجدوا مسلما صريعا .

فمشى إليه الحسين عليه السلام :  فإذا به رمق .

فقال عليه السلام : رحمك الله يا مسلم { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23) } الأحزاب .

و دنا منه حبيب بن مظاهر فقال : عز علي مصرعك يا مسلم أبشر بالجنة .

فقال مسلم قولا ضعيف : بشرك الله بخير . فقال له حبيب : لو لا أني أعلم أني في أثرك من ساعتي هذه ، لأحببت أن توصيني بكل ما أهمك .

قال محمد بن أبي طالب :  فقال مسلم : فإني أوصيك بهذا ، و أشار إلى الحسين عليه السلام فقاتل دونه حتى تموت .

فقال حبيب : لأنعمك عينا ، ثم مات رضوان الله عليه‏ [18].

يا طيب : أحاديث الصدق كثيرة وأصله وأسه أن تصدق الصادقين لتكون معهم ، كما صدق العقيلة شيخ بل الإمام الحسين والسجاد وآلها لها حين حكت قصة الصادقين في كربلاء بخطبتها ، فيحسن الصدق في غيره من المواقف ، وإلا من يصدق كاذب ممن ظلم وضل ، ولو صدق في كل شيء فهو كاذب باع دينه بدنيا غيره ، ونار أشترى له ، فلا صدق مع تصديق كاذب ، والصدق فقط بتصديق الصادقين جعلنا الله معهم .

 

 

 

 

 

 

بأبي أنت وأمي :

 بأبأ : و بَأْبَأْتُ الصبيَّ و بَأْبأْتُ به : قلتُ له بأَبي أَنتَ و أُمي‏ ، أي فديتك بأبي وأمي أو أنت مفدى بهما ، فيُشتقُّ من ذلك فعل فيقال : بَأْبَأَ بِهِ ، و ذلك من بأبأت الصبي ، إذا قلت له : بأبي أنت و أمي ، أي أنت مفدى بهما أو فديتك بهم .

 

 ولا يقال : بأبي أنت وأمي ، إلا للشخص الكريم ذو الشأن الجليل .

ولذا ترى قول : بأبي وأنت وأمي  ، أتى بكثرة في أقوال وكلمات أصحاب رسول الله والأئمة للنبي وآله صلى الله عليهم وسلم، فيقولن لهم : بأبي أنتم وأمي حين مخاطبتهم أو حين سؤالهم أو زيارتهم وغيرها من شؤون المحاورة معهم ، وبحق صادق هم الذين يستحقون أن يفدون بكل غالي ونفيس وبكل الأهل والمال والأنفس ، وبظاهر الروايات وباطنها تدل على الاستحباب المؤكد لهما ، وسواء كان الأب والأم حيين أو ميتين .

 ويكره أن يقال لأحد : من غير آل محمد صلى الله عليهم وسلم بالتفدية بالأب والأم إذا كان الأب والأم حيين ، لرواية تعد التفدية بالأب والأم لأحد عقوقا إذا كان حيين ولا بأس به إذا كانا ميتين ، هذا إذا كان من يقال له من صلبهما أو صاحب فضيلة في الدين والعلم ، وأما أعداء آل محمد فيحرم أن يقال لهم ذلك لأنه لا فضيلة لهم فلا يفدى المفضول بالفاضل ، والرواية هي :

عن موسى بن بكر الواسطى قال: قلت لابى الحسن موسى بن جعفر عليه السلام:

الرجل يقول لابنه أو لابنته : بأبي أنت وأمي أو بأبوي بذلك بأسا ؟

فقال : إن كان أبواه حيين فأرى ذلك عقوقا ، وان كانا قد ماتا فلا بأس [19].

ويا طيب : قد روي من طريق الخاصة و العامة ، أن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، بأبأ الحسن و الحسين أي قال لهما بأبي أنتم وأم ، و كذا الإمام علي صلى الله عليه السلام قال لهم بأبي أنتم وأمي ، ولم أراه من فاطمة الزهراء عليه السلام لهما ، بل رأيت وسترى روايات بأبأ النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة الزهراء وللحسن والحسين عليهم السلام ، والعقيلة : ستأتي رواية بأنها بأبأت الإمام الحسين ، والشيخ الجعفي بأبأ العقيلة عليه السلام ، وهو كلام حق وحقا لها أن أقول ويقول لها كل طيب : بأبي أنت وأمي .

ويا طيب : كثر بكثرة كثيرة  في الأحاديث قول بأبي وأمي لنبي الرحمة وآله الكرام من صحبهم ، وإن الروايات كثيرة جدا جمعها يكون كتاب كبير ، فنذكر قسما منها لنتعرف على أهميتها في خطاب الكرام من آل محمد صلى الله عليهم وسلم .

ولكي تعرف : أن أهل الكوفة بدل أن يفدوا آل محمد وسيدهم الإمام الحسين وآله بأبيهم وأمهم وإن كانوا حيين وبكل غالي ونفيس ، إلا أنهم قتلوهم وسبوهم وأنزلوا بهم أشد الآلام وأصعب الظروف وأحزن المصائب ، وفدوا أعدائهم بكل غالي ونفيس عندهم ، فيا لها من مصيبة حلت بالإسلام وأهله ، وهل يبقى ثقة لراوي عنهم رتع على بلاط أئمة الكفر ورضي بهم بدلا عن آل محمد ؟ وهل يبقى شك في أن نبينا الأكرم وآل محمد لمحلهم الكريم الذي يجب أن يفدون بكل شيء هو لكونهم علمونا معالم ديننا وأخرجونا من ظلمات الضلالة وحيرة الجهالة ، وأدخلوا في قلوبنا الإيمان بكل برهان ، وزرعوا في ألبابنا الهدى حتى اليقين ، حتى استحقوا التفدية بكل غالي ونفيس بحق واقع ووعد صادق ، وهو نص آية المودة وغيرها من آيات الولاية والإمامة وقد قال الله سبحانه :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى 

وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

وهم الذين طهرونا بما طهرهم الله به : وعلمونا بما جعلهم راسخون بعلم الكتاب والحكمة ، ورزقهم نعيم الهداية للصراط المستقيم حتى يوم الدين ، وجعلهم يظهرون بعبوديته مخلصين بأعلى معارف الهدى وبكل يقين ، يكفي أن تراجع تعاليمهم وتضحيتهم في سبيل نشر هدى الله ومعارف عظمته وعلوم دينه ، حتى كان بحق وبكل ود ومحبة يستحقون أن يفدوا بالأب والأم والأنفس والأهل والمال وبكل غالي ونفيس :

ورووا العامة والخاصة عن أبي ليلى غيره أنه : قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

لا يؤمن عبد : حتى أكون أحب إليه من نفسه.

و أهلي : أحب إليه من أهله .

و عترتي : أحب إليه من عترته.

و ذاتي : أحب إليه من ذاته .

قال فقال رجل من القوم : يا أبا عبد الرحمن ، ما تزال تجيء بالحديث يحيي الله به القلوب[20] .

فكان هناك قوم مؤمنون : يرون تفدية نبينا الأكرم وآله حياة القلوب وعلم وعمل من صلب الإيمان ، وإنه من أعمال العبودية لله لما أمر من وجوب ودهم ونصرهم والكون معهم في كل الأحوال ، ووجوب طاعتهم ونشر علومهم ومعارفهم بما نملك من المال والأنفس وبكل شيء ممكن ، وهذا حق تضحيتهم في سبيل تعلمينا حتى كانوا يستشهدون ويقدمون كل شيء من أجل تعليمنا ورفعنا لمستوى معرفة هدى الله تعالى وإصلاحنا ، وكما فعل أبا عبد الله الحسين عليه السلام وضحى بكل شيء من الأهل والمال والأنفس حتى يستقيم عمود الدين ، وحتى يعرف الحق وأهله ، ونعرف محل الدين ومن هم تحققوا به بكل وجودهم ، ونعرف أعدائهم المستميتين بالضلال والظلام والمتورطين بالفجور والطغيان حتى النخاع علما وعملا .

ففدائنا : بالأب والأم والأنفس لآل محمد حقا لهم ، كما فدوا أنفسهم من أجل تعلمينا ، ويزيده التفدية جمالا وحقا أمر الله بالمودة والنصر لهم ووجوب طاعتهم .

 

 

تفدية أمير المؤمنين لرسول الله ورسول الله لآله  :

يا طيب : عرفت أن الصحابة قد فدوا النبي الأكرم بأنفسهم وبأبيهم وأمهم حين كلامهم معه ومخاطبتهم له ، بل بنصره في كثير من المواقف ، وجاءت التفدية له بالأب والأم في روايات كثيرة يصعب حصرها ، وهنا نتعرف على حقائق من التفدية تعرفنا أن آل محمد عليهم السلام كان يفادي أحدهم الآخر بالأب والأم ، فيرونا عزتهم وما لهم من المقام العالي ولشأنهم السامي ، فكان كلا منهم يعرف رتبة سيده ، ويعرف سادة الوجود بعده إن فداهم بالأب والأم ، فكان من يستحق أن يفدى بالأبوين هو يفدي الأبوين ، وهذه التفدية أعلى تفدية بالأبوين يمكن أن تعرف في التكوين ، وهم عليهم السلام لم يفدوا غيرهم ولم أجد رواية أنهم فدوا أحدا من المسلمين ، بل كانت لهم التفدية من كل مخاطب لهم ، وعن حب وود لهم ، أو بعضهم تملقا وسترى وكما عرفت في كلام العقيلة في شرح قولها عليه السلام ملق الإماء لأنه غير حقيقي ولا صادق.

 فنذكر يا طيب : قسم من أحاديث التفدية والفداء وتضحيتهم لتعليمنا ديننا وهدانا ، وتفدية غيرهم ممن أنقلب على عقبيه ولم يحفظ حرمة آل محمد وإنه كانت تفديته لرسول الله وآله مجرد تملق وليس بصادق ، فمن يفدي بالأب والأنفس لا يبخل عليهم بشيء من المال ، أو يمنعهم من تعليم الهدى والدين ، ويجرئ الناس عليهم ، حتى صار المسلمون يفدون أهل الضلال من أعدائهم بكل غالي ونفيس وتنقلب الأمور وأحوال الدهر حتى يبيدوا آل محمد ويهلكوهم ويسبوهم ، فمن قبل حيث منعوهم حقهم وحرموهم وأبعدوا الناس عنهم وعن معرفة شأنهم الكريم ، جاء ممن ربوه وأعدوه وأعطوه مقام لا يستحقه أن يعدوا الجيوش ويقاتلوا آل محمد في معارك ضارية منها الجمل وصفين والنهروان ومع الإمام الحسن وخذلانه وطعنه، وقتل الحسين في كربلاء وسبي آله ، ومن بعد يعادون شيعتهم وذرياتهم بل ذرية رسول الله وأئمة الحق من آله وبكل الصور والأمور والأحوال حتى تراه في كل تأريخ الزمان بعد نبي الرحمة بل في زمنه وبعده مباشرة .

ويا طيب : لكي لا أطيل عليك  نذكر روايات فدى آل محمد صلى الله عليهم وسلم بعضهم بعض بالآباء والأمهات ، فنتدبر في بعضها .

وأول ما روي أنه قال: بأبي أنت وأمي لرسول الله ، هو الإمام علي عليه السلام :

عن ابن أبي عمير عن هشام عن أبي عبد الله عليه السلام : أنه سئل عن معنى ، قول طلحة بن أبي طلحة  لما بارزه علي عليه السلام : يا قضيم ؟

 قال عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب ، و اغروا به الصبيان ، و كانوا إذا خرج رسول الله  يرمونه بالحجارة و التراب  ، فشكا ذلك إلى علي  . فقال علي عليه السلام :

بأبي أنت و أمي :

يا رسول الله : إذا خرجت فأخرجني معك .

فخرج رسول الله : و معه أمير المؤمنين ، فتعرض الصبيان لرسول الله كعادتهم ، فحمل عليهم أمير المؤمنين ، و كان يقضمهم في وجوههم و آنافهم و آذانهم .

فكانوا يرجعون : باكين إلى آبائهم ، و يقولون :

 قضمنا علي : قضمنا علي ، فسمى لذلك : القضيم [21].

يا طيب : هذا كان أول دفاع عن رسول الله بعد دفاع أبو طالب عن النبي الأكرم ، وهو في أول عمره ، وفي أول البعثة ، وأستمر الدفاع عن رسول الله في كل مواقفه حتى في الشعب كان يغير مكان النبي الأكرم بمكانه ، لكي يحافظ أبو طالب على النبي بعلي ، وفيديه به إن حاولوا أن يغتالوه ، ومن ثم في الهجرة بات في فراشه وأنشغل الكفار به حتى تم لرسول الله الخروج والهجرة ، وهذه تضحية عملية ، وعلمية وإيمانية بأن يقول أمير المؤمنين لرسول الله بأبي وأمي ، وحين هاجر كان الإمام قائد لجيشه في حروبه مع الكفار في أحد وبدر والخندق حنيني وغيرهن فلذا آخاه أخاه رسول الله بنفسه حين المؤاخاة:

عن علي بن إبراهيم قال : لما هاجر رسول الله إلى المدينة .

 و آخى بين المسلمين : من المهاجرين و الأنصار ، و آخى بين أبي بكر و عمر ، و بين عثمان و عبد الرحمن بن عوف ، و بين طلحة و الزبير ، و بين سلمان و أبي ذر ، و بين المقداد و عمار .

و ترك أمير المؤمنين عليه السلام : فاغتم من ذلك غما شديدا .

فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت و أمي :

لم لا تؤاخي : بيني و بين أحد ؟

فقال رسول الله : و الله يا علي ما حبستك إلا لنفسي ، أ ما ترضى أن تكون :

أخي و أنا أخوك : و أنت أخي في الدنيا و الآخرة .

و أنت وصيي : و وزيري ، و خليفتي في أمتي ، تقضي ديني ، و تنجز عداتي ، و تتولى على غسلي و لا يليه غيرك ، و أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي ، فاستبشر أمير المؤمنين بذلك[22] .

ويا طيب : كانت مؤاخاة رسول الله له هي لإيمانه ولتفديته لدينه في كل مواقف حرب الكفار لهم وقد عرفت بعض مواقفه في الخندق حرب الأحزاب وحنين ، وراجع كتب تأريخ الإسلام ، وكان عليه السلام أزهد الناس وراضيا بما قسم الله لهم ، وهو وآله صابرون في أشد الظروف ، والزهد مع ما من الله عليهم من المال وفتوحات الدنيا والغنائم ، والرضا بالطاعة والعبادة والإخلاص في سبيل الله ، فإنه روي :

عن سويد بن غفلة قال : أصابت أمير المؤمنين عليا عليه السلام شدة :

فأتت فاطمة عليها السلام : ليلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فدقت الباب . فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أسمع حس حبيبتي بالباب ، يا أم أيمن ، قومي و انظري ، ففتحت لها الباب ، فدخلت .

فقال صلى الله عليه وآله : لقد جئتينا في وقت ما كنت تأتيننا في مثله ؟

فقالت فاطمة عليه السلام : يا رسول الله ما طعام الملائكة عند ربها ؟ فقال : التحميد . فقالت : ما طعامنا ؟  فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : و الذي نفسي بيده ، ما اقتبس في آل محمد شهرا نارا ، اختاري : آمر لك : بخمس أعنز.

أو أعلمك خمس كلمات : علمنيهن جبرائيل عليه السلام .

 قالت عليه السلام : يا رسول الله ، ما الخمس الكلمات ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

 يَا رَبَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ : يَا خَيْر الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ ، يَا ذَا الْقُوَّةِ الْمَتِينَ ، وَ يَا رَاحِمَ الْمَسَاكِينِ ، وَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

و رجعت : فلما أبصرها أمير المؤمنين علي عليه السلام قال :

 بأبي و أمي : ما وراءك يا فاطمة ؟

قالت عليه السلام : ذهبت للدنيا ، و جئت بالآخرة .

قال علي عليه السلام ، خيرٌ أيامك ، خيرٌ أيامك [23].

نعم يا طيب : مع ما من الله عليهم من لطف المسلمين ، وغنائم يحصلون عليها في انتصارهم على الكافرين ، و زراعة كان يقيمها أمير المؤمنين وعيون يستنبطها ، لكنه لم يملك خمس عنزات بل لم يرغبوا فيها كما في الحديث ، بل يختار هو وزوجته المقدسة خمس كلمات فيها خير العبودية لله وتقديسه ، ليجزيهم الله ورسوله ما يجعلهم أخوة في الطاعة ووجود واحد مطهر ، كما في آية التطهير وفي المباهلة كان نفسه وجوده ومصداق فرد لأنفسنا ، فلذا عوضهم الله وجوب طاعتهم ومودتهم ، حتى كانت مفروضة وواجبة على أقرب آلهم في الدنيا والآخرة ، فتدبر الحديث الآتي :

عن أبي علقمة مولى بني هاشم قال : صلى بنا النبي الصبح ، ثم التفت إلينا ، فقال :معاشر أصحابي :

رأيت البارحة : عمي حمزة بن عبد المطلب ، و أخي جعفر بن أبي طالب ، و بين أيديهما طبق من نبق ، فأكلا ساعة فتحول النبق عنبا ، فأكلا ساعة فتحول العنب لهما رطبا ، فأكلا ساعة فدنوت منهما .

فقلت لهما : بأبي أنتم ، أي الأعمال وجدتما أفضل ؟

قالا : فديناك بالآباء و الأمهات ، وجدنا أفضل الأعمال :

الصلاة عليك : وسقي الماء ، وحب علي بن أبي طالب [24].

ويا طيب : هذه التفدية الإيمانية ، لما عرفت من التفدية العلمية والعلمية لهم وبينهم ، وإظهار هذا الحب أحياء وأموات من الآل للآل وبالخصوص لأمير المؤمنين ، الله سبحانه أوجبه في آية المودة ، وعرف وجوب طاعتهم في آيات الولاية والإمامة وأحاديثها وقد عرفت قسما منها ، والنبي الأكرم يحدث بها ويعرفنا وجوب حبهم ، هو لأن نفعه لنا لكي نستقيم على الهدى الحق بما يعلمونا علما وعملا في كل تصرف وسيرة وسلوك لهم ، ففي الحروب عرفت قسما منها ، وفي الزهد عرفت بعض الأحاديث وقصصهم كثيرة تعرف عدم طمعهم بشيء من حطام الدنيا ، مع ما أوجب الله لهم من الخمس والأنفال ليعينهم على أمور الدنيا ولكي يصرفوها على نشر هدى الله وما تقام به عبودية .

ولعلمه سبحانه : بعدم طمعهم بشيء من زينة الدنيا وزخرفها بل بضرورياتها ، لأنهم ينفقون كل شيء يحصلون عليه في سبيل الله ، كرمهم الله وأوجب حبهم وطاعتهم، وهذا حديث يعرفنا زهد الإمام علي عليه السلام بعد زهد فاطمة ، وأنه يحطب مع ما له من الشأن ، فالنبي يدعوا له ويعرف مقامه لزهده وجهاده ، وأنه يفوز من يتمسك بصراطه المستقيم ، ويتمسك بحجزته المؤمنون وهي نور الله لهم فينجيهم الله به :

عن سليمان الديلمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إن عليا عليه السلام : قد طلع ذات يوم و على عنقه حطب .

 فقام إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فعانقه ، حتى رئي بياض ما تحت أيديهما ، ثم قال :

يا علي : إني سألت الله أن يجعلك معي في الجنة ففعل ، و سألته أن يزيدني فزادني ذريتك ، و سألته أن يزيدني فزادني زوجتك ، و سألته أن يزيدني فزادني محبيك ، فزادني من غير أن أستزيده محبي محبيك ، ففرح بذلك أمير المؤمنين علي بن أبي طالب .

ثم قال : بأبي أنت و أمي ، محب محبي .

قال : نعم يا علي ، إذا كان يوم القيامة وضع لي منبر من ياقوتة حمراء مكلل بزبرجدة خضراء ، له سبعون ألف مرقاة ، بين المرقاة إلى المرقاة حضر الفرس القارح ثلاثة أيام ، فأصعد عليه .

ثم يدعى بك : فيتطاول إليك الخلائق ، فيقولون : ما يعرف في النبيين .

فينادي مناد : هذا سيد الوصيين ، ثم تصعد فنعانق عليه .

 ثم تأخذ بحجزتي : و آخذ بحجزة الله ، و هي الحق .

 و تأخذ ذريتك : بحجزتك ، و يأخذ شيعتك بحجزة ذريتك .

فأين يذهب : بالحق ؟ إلى الجنة .

قال : إذا دخلتم الجنة فتبوأتم مع أزواجكم ، و نزلتم منازلكم .

أوحى الله : إلى مالك أن افتح باب جهنم ، لينظر أوليائي إلى ما فضلتهم على عدوهم ، فيفتح أبواب جهنم ، و يظلون عليهم .

فإذا وجدوا روح رائحة الجنة قالوا :

 يا مالك : أ نطمع الله لنا في تخفيف العذاب عنا ، إنا لنجد روحا ، فيقول لهم مالك : إن الله أوحى إلي أن أفتح أبواب جهنم لينظر أولياؤه إليكم .

 فيرفعون رءوسهم ، فيقول : هذا يا فلان ، أ لم تك تجوع فأشبعك ، و يقول هذا : يا فلان أ لم تك تعرى فأكسوك ، و يقول هذا : يا فلان أ لم تك تخاف فآويك ، و يقول هذا : يا فلان أ لم تك تحدث فأكتم عليك .

 فتقولون : بلى . فيقولون : استوهبونا من ربكم ، فيدعون لهم فيخرجون من النار إلى الجنة ، فيكونون فيها بلا مأوى ملومين و يسمون الجهنميين .

 فيقولون : سألتم ربكم فأنقذنا من عذابه ، فادعوه يذهب عنا هذا الاسم ، و يجعل لنا في الجنة مأوى‏ .

 فيدعون : فيوحي الله إلى ريح ، فتهب على أفواه أهل الجنة ، فينسيهم ذلك الاسم ، و يجعل لهم في الجنة مأوى ، و نزلت هذه الآيات :

 { قُل لِّلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُون أَيَّامَ اللَّهِ لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِما كَانُوا يَكْسِبُونَ (14)

 مَنْ عَمِلَ  صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (15) .....

فَمَا  اخْتَلَفُو إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمْ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (17) ... (20)

 أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا  وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ (21) وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ  بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ (22) } الجاثية [25].

فإنه يا طيب : قد عرفت في أول خطبة العقيلة معنى الصلاة على محمد وآله ، وأن الله سبحانه يصلي على من يصليهم عليهم ، وبها يتم إظهار حبهم والولاء لهم في كل ما يمكن من المواقف التي تعرف أئمة الدين وولاة الأمر ، حتى قالوا : من لم يصلي عليكم لا صلاة له ، وبالإضافة لما عرفت من أحاديث الصلاة عليهم نذكر حديث فيه تفدية لأمير المؤمنين وفضل مودتهم والصلاة عليهم وإظهار حبهم بها :

عن عبد الله بن سنان : عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله  ذات يوم لأمير المؤمنين عليه السلام : أ لا أبشرك ؟

قال عليه السلام : بلى بأبي أنت و أمي :

 فإنك : لم تزل مبشرا بكل خير .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : أخبرني جبرائيل آنفا بالعجب ؟ !

 فقال أمير المؤمنين عليه السلام : و ما الذي أخبرك يا رسول الله ؟

 قال أخبرني : أن الرجل من أمتي إذا صلى عليّ، وأتبع بالصلاة على أهل بيتي.

 فتحت له : أبواب السماء ، و صلت عليه الملائكة سبعين صلاة ، و أنه للذنب حطا ، ثم تحاتت عنه الذنوب كما تحاتت الورق من الشجر ، و يقول الله تبارك و تعالى : لبيك عبدي و سعديك ، يا ملائكتي أنتم تصلون عليه سبعين صلاة ، و أنا أصلي عليه سبعمائة صلاة .

فإذا صلى عليَّ : و لم يتبع بالصلاة على أهل بيتي .

كان بينها و بين السماء : سبعون حجابا ، و يقول الله جل جلاله : لا لبيك و لا سعديك ، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه ، إلا أن يلحق بالنبي عترته ، فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي [26].

ويا طيب : لما يسمع المسلمون آيات وأحاديث وجوب الود والموالاة لأل محمد عليهم السلام كما يجب لرسول الله ، فقسم منهم حقيقة أظهر حبهم ، ويرى الصلاة عليهم مع الصلاة على النبي تحيي القلوب ، وهي من صلب التدين وإظهار العبودية لله سبحانه ، وقسم حسدهم لما أتاهم الله من المناقب الكريمة في تعليم الكتاب والحكمة ، وما لهم من التضحية العلمية والعملية من أجل دينه من غير طمع بالدنيا ، فقسم حبهم وأظهر حبهم حقيقة ، فجعلوا يفدوهم بالمال والبنين وبكل شيء فيظهرون حبهم بالكلام والزيارة والشعر ونشر هداهم بكل وسيلة يملكونها ، وقسم يقرون بحبهم ظاهرا ولطمع الدنيا وقد أعماهم عن الانصياع للحق وتسليم الحق إلى أهله باطنا وعلما وعملا.

فنذكر يا طيب : شعر يظهر حبهم والتفدية لهم كما فدوا من أجل الله ثم غيرهم :

قال السيد الحميري رحمه الله :

بأبي  أنت   و  أمي            يا  أمير   المؤمنين

بأبي  أنت   و  أمي            و برهطي   أجمعين

و   بأهلي  و  بمالي            و   بناتي  و البنين

و فدتك النفس  مني            يا  إمام    المتقين

و أمين الله و  الوارث            علم        الأولينا

و  وصي  المصطفى            أحمد  خير المرسلينا

و ولي   الحوض  و            الذائد عنه المحدثينا

يا طيب : هذا الموالي يفدي بالشعر أمير المؤمنين لما عرف من حقه ، وهذا يفدي كل آل محمد عليهم السلام كما فدوا بكل شيء من أجل الله ورسوله علما وعملا :

وأنشد القاضي أبو عبد الله الحسين بن هارون بن محمد رحمه الله [27]:

بأبي  و أمي خمسة  أحببتهم            في  الله  لا  لعطية   أعطاه

بأبي   النبي  محمد و  وصيه            الطيبان و    بنته  و   ابناه

بأبي الذين بحبهم  و بذكرهم            أرجو النجاة من التي أخشاه

قوم   إذا    ولاهم    متدين            والى   ولي    الطيبين     الله‏

ويا طيب : قد عرفت التفدية العليمة والعملية من آل محمد فيما بينهم بل من مواليهم ، سواء بالشعر أو حين ذكرهم وزيارتهم كما سيأتي ، فإن هذه التفدية عرفتها من أول ظهور الإسلام بل لعله من قبل ولم يصلنا أخبارها ، فهي استمرت من أمير المؤمنين ومولى الموحدين حتى حين وفاته وبعدها في زيارته ، فنذكر أحاديث تعرفنا هذه التفدية :

عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه قالفي حديث طويل مر قسما منه:

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه .

لفاطمة عليه السلام :

بأبي أنت و أمي : أرسلي إلى بعلك فادعيه لي .

 فقالت فاطمة للحسن عليه السلام : انطلق إلى أبيك فقل يدعوك جدي .

قال : فانطلق إليه الحسن فدعاه ، فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حتى دخل على رسول الله ....[28].

  و من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام :

قاله و هو يلي غسل رسول الله صلى الله عليه وآله و تجهيزه  :

بأبي أنت و أمي : يا رسول الله.

 لقد انقطع بموتك ، ما لم ينقطع بموت غيرك ، من النبوة و الإنباء و أخبار السماء .

 خصصت : حتى صرت مسليا عمن سواك ، و عممت : حتى صار الناس فيك سواء .

و لو لا أنك : أمرت بالصبر ، و نهيت عن الجزع ، لأنفدنا عليك ماء الشئون .

و لكان : الداء مماطلا ، و الكمد : محالفا  ، و قلا لك .

و لكنه : ما لا يملك رده ، و لا يستطاع دفعه .

بأبي أنت و أمي :

 اذكرنا عند ربك ، و اجعلنا من بالك .[29] .

يا طيب : بأبي وأمي رسول الله ، بموته حصلت مصيبة خصت أهل البيت فلا يهمهم غيرها وبها يتسلون وقد مر تسلية الإمام الحسين للعقيلة بها وسيأتي ، وعمت لكل المؤمنين فتهون كل مصيبة بعده ، ولولا أمر نبي الرحمة بالصبر ، لكان يجب أن ينفذ كل الوقت في ذكر مصابة والتأسف والحزن عليه ، ويكون شأن يشمل كل شئوننا ، ويطول كمد الحزن فيرافقنا محالفا ، ويقل كل هذا التألم له لعظم المصاب به ، وأسأل الله أن يجعلنا وإياكم في بال وذكر رسول الله الآن ويوم القيامة حتى يشفع لنا ، واسمع غيرهم.

 

 

 

بأبأت : بأبي وأمي لرسول الله وآله من متملقين :

يا طيب : عرفت تفدية خالص المؤمنين وسادتهم فيما بينهم ، وكانت روايات كثيرة اخترنا قسم يسير منها ، فعرفنا كيف يفدي آل محمد بعضهم البعض علما وعملا وقولا وفعلا ، وهنا نذكر تفدية ولهم مثلها الكثير، تعرفنا فيما بعد أنهم ليسوا صادقين فيها فتدبر:

وروى في الكشف والبيان : فلمّا كانت سنة تسع ، أراد رسول الله الحج ، فقال : إنه يحضر المشركون فيطوفون عراة ولا  حج ، حتى لا يكون ذلك .

 فبعث رسول الله :  أبا بكر تلك السنة أميراً على الموسم، ليقيم للناس الحج ، وبعث معه بأربعين آية من صدر براءة ليقرأها على أهل الموسم .

فلمّا سار دعا علياً فقال : اخرج بهذه القصة من صدر براءة ، فأذّن بذلك في الناس إذا اجتمعوا .

فخرج علي : على ناقة رسول الله الجدعاء حتى أدرك أبا بكر بذي الحليفة ، فأخذها منه .

فرجع أبا بكر : إلى النبي .

 فقال : يا رسول الله ، بأبي أنت وأمي ، أنزل بشأني شيء ؟

قال : لا ، ولكن لا يبلّغ عني غيري أو رجل مني .[30]..

يا طيب : إن حكمة الله سبحانه في أمره بالمسير وعزله ، وتعريف أنه لا يمكنه أن يبلغ آيات من كتاب الله ، هو أنه بالأحرى والأولى والأفضل والأوجب أن لا يلي أمور المسلمين ولا يكون حاكم عليهم يتصرف في كل شؤون الدين ، تبليغا ونشرا ولا حكومة وتولية لمن يراه على هواه ، ولكنهم حين تولوا بفلته ، وبخدعة السقيفة ، منعوا آل محمد عليهم السلام والصديقة حقهم من فدك والغنائم والأنفال ، ولم ينفقوا عليهم ليقموا حدود الله ودينه ، لأنه كل عمل جزئي يحتاج للإنفاق فكيف بمثل تولية أمر المؤمنين وإدارة شؤونهم ونشر الدين والهدى في بقاع المسلمين كلها .

ولذا كانت فاطمة الزهراء عليه السلام : تراجع غاصب حقهم من خلافة رسول الله بعد أن تولى بعدة مراجعات وحجج ، لعلها تحصل على ما تقيم به أمورهم وأمور المخلصين من مواليهم ، فينشروا دين الله ويبعثوا ممن يبلغ هداهم الحق من المخلصين لهم  ، فمن المراجعات كانت لإرثها ومنها فدك ونحلتها وهي تراجع في أمر الأنفال والغنائم فلم يعطوهم شيء .

 فتعرف : أن بأبأتهم وتفديتهم لرسول الله كانت تملقا وكاذبة كما عرفت أعلاه ، لأنه من يفدي شيء بأعز الناس لديه لا يبخل بمال عليه ، إلا أن يكون كاذبا ، بل مثلها البأبأت والتفدية آل محمد في عين منعهم حقهم ، كما في الحديث الآتي :

قال ابن أبي الحديد :

اعلم : أن الناس يظنون أن نزاع فاطمة أبا بكر كان في أمرين : في الميراث والنحلة.

وقد وجدت في الحديث : أنها نازعت في أمر ثالث ، ومنعها أبو بكر إياه أيضا ، وهو سهم ذي القربى.

روى أحمد بن عبد العزيز الجوهري عن أنس :

 أن فاطمة عليه السلام : لما أتت أبا بكر ، فقالت :

قد علمت : الذي حرم علينا أهل البيت من الصدقات .

و ما أفاء الله علينا من الغنائم :  في القرآن من سهم ذوي القربى .

 ثم قرأت عليه قوله تعالى :

 { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن  كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) } الأنفال .  .

 فقال لها أبو بكر :

بأبي أنت و أمي ، و والد ولدك .

السمع و الطاعة : لكتاب الله ، و لحق رسوله و حق قرابته .

و أنا أقرأ : من كتاب الله الذي تقرئين ، و لم يبلغ علمي منه أن هذا السهم من الخمس مسلم إليكم كاملا .

قالت : أ ملك هو لك و لأقربائك .

قال : لا ، بل أنفق عليكم منه ، و أصرف الباقي في مصالح المسلمين .

قالت عليه السلام : ليس هذا بحكم الله تعالى .

فقال : هذا حكم الله ، فإن كان رسول الله عهد إليك في هذا عهدا ، صدقتك و سلمته كله إليك و إلى أهلك .

 قالت عليه السلام : إن رسول الله صلى الله عليه و آله لم يعهد إلي في ذلك بشي‏ء ، إلا أني سمعته يقول لما أنزلت هذه الآية أبشروا آل محمد فقد جاءكم الغنى .

 قال أبو بكر : لم يبلغ من هذه الآية أن أسلم إليكم هذا السهم كله كاملا ، و لكن لكم الغنى الذي يغنيكم و يفضل عنكم .

 و هذ : عمر بن الخطاب ، و أبو عبيدة بن الجراح ، و غيرهما ، فاسأليهم عن ذلك و انظري هل يوافقك على ما طلبت أحد منهم .

فانصرفت :  إلى عمر ، فقالت له : مثل ما قالت لأبي بكر ، فقال له : مثل ما قال لها أبو بكر .

فتعجبت فاطمة عليها السلام : من ذلك ، و تظنت أنهما قد تذاكرا ذلك و اجتمعا عليه[31] .

يا طيب : عرفت بأبأت وتفدية كاذبة ليسكن ألم الحزن على الصديقة ، وليخفف بتمهيده بالبأباة حزن ما يوجبه ما سيقوله ، فبأبا ثم أنكر حقهم و لم يخصوا آل محمد بشيء من المال ليستعينوا به على نوائب الدهر بعد سلبهم حق خلافة رسول الله ونشر دينه ، بل سلبوهم ما منحهم الله ورسوله ، وآيات الأنفال والخمس لهم كثيرة ، منها :

{ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ

فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُمْ وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم  مُّؤْمِنِينَ (1) } الأنفال .

{ مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى

فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى

وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ  السَّبِيلِ

كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ    وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ  اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)} الحشر .

يا طيب : آيات الأنفال والخمس وأحاديثه كثيرة جدا ، وخص تحقيقها في البحوث المطولة في بحوث العلماء والمراجع العظام ، بل جعلت جزء من فروع الدين الأساسية ، لأنه بها يقام عمود الدين وينشر ، والفقير أو المعدم من المال أبكم وإن كان يملك علوم الدنيا لأنه لا يسمع منه ولا يستطيع أن يهيئ ما ينشر به الدين ، ولذا أيد الله رسوله بأم المؤمنين خديجة أم فاطمة وجدة العقيلة ، وبالأنفال والغنائم وغيرها ، وإنه عرفت في الأحاديث أعلاه التي أخترناها ،  لا النبي ولا آل محمد كانوا ينفقون منها على أنفسهم مع حاجتهم لها ، بل ينفقون على المؤمنين ويؤلفون به من يليهم من المسلمين ، لكي يستقيم الهدى ويعبد الله ، ولذا الله سبحانه لعلمه بزهدهم خصهم بها .

ويا طيب : عرفت التفدية الحقيقة الصادقة فيما بين آل محمد صلى الله عليهم ، حتى طهرهم وصدقهم وصلى الله عليهم وأمر بودهم وحبهم وطاعتهم ، وخصهم بالكتاب والحكمة ، فأخذ رسول الله وبعد كلام الله يعرف فضلهم ومناقبهم ، وينشر وجوب حبهم وطاعتهم بكل مناسبة ، وبالأحاديث المتنوعة كما عرف في هذه الصحيفة ، ففداهم بحق مؤمنون وعرفت بعض شعرهم وأستمر في زيارتهم كما سيأتي .

وحسدهم ناس آخرون : فكادوهم ومكروا بالناس وخدعوهم ، فاستولوا على الحكم بعد رسول الله ، وحرموهم أبسط حقوقهم من المال وهو المساعد لنشر الدين ، فتعرف أن بأبأتهم وتفديتهم قبل حكمهم وبعده ، كانت كاذبة ولا سمع ولا طاعة حقيقة فيها ، وقد قال الله يحكي عنهم :

{ أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ  يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)

 أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ

 آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ  وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

 فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) }  النساء .

يا طيب : بالإضافة للذة الملك والسلطة ، وحب الدنيا ، كان حسدهم هو لما كان ينشر رسول الله بحق من فضائل آله الكرام ، وإنها كانت بأمر الله لأنه يتكلم بوحي ولا يتقول رسول الله بشيء من عنده ، فيعرف فضائلهم ، وبكل مرة يبتعد عنهم من يكون في قلبه مرض ويحب السلطة والمال والشأن ولو لم يستحقه ، فيكيدهم ويحاول أن ينتقص منهم كما عرفت من سلب حقهم بالخلافة والملك العظيم من نشر الكتاب والحكمة .

 

ويا طيب : للتذكرة بالإضافة لما عرفت من فضائل آل محمد ومناقبهم ، نذكر بأبأت لمن حكم ، وتفدية لمؤمن ، وفوز لأميرهم الحق ولشيعته بحق ، فتدبر :

عن عقبة عن عامر الجهني قال : دخل رسول الله  المسجد و نحن جلوس ، و فينا أبو بكر و عمر و عثمان و علي في ناحية .

 فجاء النبي صلى الله عليه وآله : فجلس إلى جانب علي عليه السلام ،  فجعل ينظر يمينا و شمالا.

 ثم قال :  إن عن يمين العرش : و عن يسار العرش ، لرجالا على منابر من نور ، تتلألأ وجوههم نورا .

قال فقام أبو بكر وقال :

بأبي أنت و أمي ، يا رسول الله أنا منهم؟ قال : اجلس .

ثم قام إليه عمر فقال : مثل ذلك ، فقال له : اجلس .

فلما رأى ابن مسعود : ما قال لهما النبي قام حتى استوى قائما على قدميه .

ثم قال : بأبي أنت و أمي : يا رسول الله صفهم لنا ، نعرفهم بصفتهم .

قال : فضرب على منكب علي عليه السلام .

ثم قال : هذا و شيعته هم الفائزون [32].

يا طيب : النبي الأكرم يعرف حالهم فأجلسهم مع بأبأتهم ، و كان في جانب علي عليه السلام ، فقص عليهم أمر الآخرة ، وأنه يفوز من يشايعه ويتبعه ، وله نور الله في الدنيا والآخرة ، لأنه تبع الحق ويأخذه بحجزته كما عرفت في الأحاديث السابقة .

ويا طيب: كان النبي الأكرم كما علمه الله يعرف ما يكون بعد فأوصى وصية كما:

عن أم سلمة رحمها الله : في محادثة طويلة سمعتها بين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي .... فقال له أمير المؤمنين عليه السلام :

فداك : أبي و أمي ،  يا رسول الله .

إذا كان كذا و كذا : فما تأمرني . قال صلى الله عليه وآله : آمرك بالصبر .

ثم أعاد عليه القول الثانية : فأمره بالصبر .  فأعاد عليه القول الثالثة ، فقال له :

يا علي : يا أخي ، إذا كان ذاك منهم ، فسل سيفك و ضعه على عاتقك .

 و اضرب به قدما حتى تلقاني ، و سيفك شاهر يقطر من دمائهم[33] .

ويا طيب : كلهم عرفوا الحق وجحدوه ، وأسمع معادي لأمير المؤمنين يسمع بأبأة لأمير المؤمنين فيكافئ عليها ، ولكنه بعد غصبه حقهم ، فإنه في يوم أجتمع عدة شعراء عند معاوية ، فأخرج معاوية بدرة وهو كيس يقدر ما فيه ألف إلى عشرة آلف ، وقال من يتكلم بحق في حق علي بن أبي طالب أعطية هذه البدرة ، فتكلم الطرماح وهاشم المرادي ، فلم يحسنى فأجلسهم ، فأراد أن يتلكم محمد بن عبد الله الحميري ويقول شعرا ، فتحقق كلام معاوية منه و أنه بحق يعطي من صدق في علي ، فأمنه معاوية ، فقال :

بحق    محمد    قولوا     بحق            فإن  الإفك  من شيم  اللئام‏

أ بعد   محمد   بأبي    و أمي            رسول الله ذي الشرف التمام‏

أ ليس علي أفضل خلق  ربي            و أشرف  عند  تحصيل الأنام‏

ولايته   هي   الإيمان   حقا            فذرني  من   أباطيل    الكلام‏

و طاعة   ربنا فيها  و  فيها            شفاء   للقلوب   من  السقام‏

علي  إمامنا  بأبي  و    أمي            أبو الحسن المطهر من حرام‏

إمام  هدى   آتاه   الله علما            به عرف  الحلال  من   الحرام‏

و لو أني قتلت   النفس  حبا            له   ما  كان  فيها  من  أثام‏

يحل    النار  قوم     يبغضوه            و إن صاموا و صلوا ألف عام‏

فلا  و الله  ما  تزكو   صلاة            بغير   ولاية   العدل    الإمام

أمير المؤمنين  بك   اعتمادي            و  بالغرر  الميامين    اعتصامي‏

برئت من الذي  عادى  عليا            و حاربه  من    أولاد   الحرام‏

تناسوا  نصبه  في  يوم   خم            من البارئ و من  خير   الأنام‏

برغم الأنف من يشنأ كلامي            علي   فضله   كالبحر    طام‏

و أبرأ   من  أناس     أخروه            و كان  هو   المقدم     بالمقام‏

علي    هزم     الأبطال   لما            رأوا  في   كفه   ماح  الحسام‏

على  آل  النبي  صلاة   ربي            صلاة   بالكمال   و  بالتمام‏

فقال معاوية : أنت أصدقهم قولا ، فخذ هذه البدرة[34] .

يا طيب : يعرف الحق ويجحد حق أمير المؤمنين فقاتله ، وبعد تسلطه مهد الأمر لطاغية يزيد وعرفت قصته ، ولذا كان رسول الله يحكي قتالهم وقتلهم لآله بعدة مواقف:

 

النبي الأكرم : يفدي الحسين بأبويه  والناس يقتلوهم :

يا طيب : عرفنا تفدية كريمة فيما بين آل محمد تعرفنا زهدهم وجهادهم ، وتفديتهم للدين علما وعملا ، وبحق صادق ، يشهد له تأريخ الإسلام وأحاديثه ، والآن نذكر تفدية لرسول الله لم يفدي بها أحدا غيرهم إلا أمهم في حديث عرفته ، فنبي الرحمة وسيد المرسلين وخير الخلق أجمعين يفدي الإمام الحسن والحسين عليهما السلام بأبويه ، ليعرف الناس حقهم وما لهم من المقام السامي والشأن الكريم ، فهي منقبة وفضيلة كريمة تساوي أعلى فضائلهم ويقف عندها مبجلا مجللا معظما لهم كل من يسمعها ، فإن رسول الله يقول لهما : أنتما بأبي وأمي ، ثم يحكي فضائلهم ، وهي للمتدبر تساوي قوله ، بأنهما سيدا شباب أهل الجنة ، لأنه كلام خصه بهما ولم يقله لأحد من المسلمين غيرهما.

وذلك يا طيب : لكي يحفظ المسلمون حرمتهما ولا يحاربهم ولا يعتدوا عليهم ، بل ليجلوهم ويفدوهم بحق بالأعزة من الأبوين والمال والأهل والأنفس ، لا أن يفدوا بأنفسهم وبكل غالي ونفيس أعدائهم ويقتلوهم .

ويا طيب : من يرى الحق ويسمع الكلام الحسن ، يرى أنه لا دين ولا معرفة ولا فهم لمن يفدي ظالم وجائر وطاغية من أجل حطام الدنيا وأي شيء كان ، فكيف بمن يحارب ويقاتل ويقتل من فداهم رسول الله صلى الله عليه وآله ، فإنه تعرف أنه لا حديث يجب أن يطاع مما يرويه مهما كان شأنه ، ولا شيء عنده من الهدى مهما عرف من فكره ، ولا حق له ولا لأميره بالطاعة ، وتعرف أنه مهد لقتل آل محمد عليهم السلام ممن كان يفديه كاذب في بأبأته ، وأنه مهد لظالميهم حتى قتلوهم ، وقد عرفت أعظم مصيبة بالدنيا حلت على آل محمد في هذا الجزء ، وقد حكتها العقيلة في خطبتها ، ففداها شيخ من أهل الكوفة ، فإن كان صادق فيفوز وينجى ، وإلا إن كان مثل سابقيه ، فهو كما عرفت من بأبأتهم .

ولنعرف : أعظم بأبأة وتفدية في التكوين ، نقرأ الأحاديث الآتية :

عن أبي حمزة الثمالي : عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي عليه السلام قال :

دخلت أنا و أخي : على جدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فأجلسني على فخذه ، و أجلس أخي الحسن على فخذه الأخرى ، ثم قبلنا ، و قال :

بأبي أنتما :

 من إمامين صالحين ، أختاركما الله مني و من أبيكما و أمكما .

و اختار من صلبك يا حسين : تسعة أئمة تاسعهم قائمهم ، و كلكم في الفضل و المنزلة عند الله تعالى سواء[35] .

وعن الطبراني بإسناده عن سلمان قال: كنا حول النبي  فجاءت أم أيمن فقالت :

يا رسول الله : لقد ضاع الحسن و الحسين ، و ذلك عند ارتفاع النهار .

فقال رسول الله : قوموا فاطلبوا ابني ، فأخذ كل رجل تجاه وجهه ، و أخذت نحو النبي ، فلم يزل حتى أتى سفح الجبل .

 و إذا الحسن و الحسين : ملتزق كل واحد منهما بصاحبه ، و إذا شجاع قائم على ذنبه يخرج من فيه شبه النار ، فأسرع إليه رسول الله ، فالتفت مخاطبا لرسول الله ، ثم انساب فدخل بعض الأجحرة .

ثم أتاهم : فأفرق بينهما و مسح وجوههما .

و قال : بأبي و أمي أنتما .

ما أكرمكما على الله .

ثم حمل أحدهم : على عاتقه الأيمن ، و الآخر على عاتقه الأيسر .

فقلت : طوباكما ، نعم المطية مطيتكما .

فقال رسول الله : و نعم الراكبان هما ، و أبوهما خير منهما [36].

وعن أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبدالله قال :

كان النبي : ليصلي ، والحسن والحسين يلعبان ويقعدان على ظهره .

فأخذ المسلمون : يميطونهما ، فلما انصرف ، قال صلى الله عليه وآله وسلم:

ذروهما : بأبي وأمي

 من أحبني ، فليحب هذين [37].

يا طيب : بعد هذه التفدية وإظهار العزة والكرامة على رسول الله وعند الله سبحانه ، والأمر بحبهما ، صار حقا واجبا على كل المسلمين ، وأنه يجب وجوبا مؤكدا عليهم أن يفدوهم بالأنفس والأهل وبكل غالي ونفيس وبكل ما يملكون ، وإلى الآن هذا الواجب جاري على من يستطيع أن ينشر فضائلهم ومناقبهم ويعرف شأنهم الكريم العزيز على الله ورسوله ، فيعرفون بما كرمهم من الكتاب والحكمة والهدى للصراط المستقيم والسير بمن تبعهم لكل نعيم الدنيا والآخرة حقا .

ولكن يا طيب : من قبل القوم منعوهم حقهم وحاربوهم في عدة معارك ضارية وقاتلوهم حتى أبادوهم كما قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام .

ويا طيب : هذه التفدية وإظهار العزة والكرامة على الله ورسوله وعلى نفسه يقولها أمير المؤمنين عليه السلام ، ليعرف حقهما وشأنهما ، وأنهم يستحقونها بكل شيء :

قال في كتاب المقتضب لابن عياش : بإسناده عن الأعمش ، عن زيد بن وهب ، عن أبي جحيفة ، و الحارث بن عبد الله الهمداني ، و الحارث بن شرب ، كل حدثنا :

كان علي عليه السلام :

إذا أقبل الحسن ، قال : مرحبا يا ابن رسول الله .

و إذا أقبل الحسين ، قال :

بأبي أنت و أمي ، يا أبا خير الأمناء .

قلنا : من خير الأمناء ، قال : ذلك الفقيد الطريد الشريد ، م ح م د بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين[38] .

يا طيب : هذا الحديث يعرف أن كل الأئمة من آل محمد عليهم السلام يجب أن يفدون بما يملكه الإنسان من نفسه وماله ، لأنه بهم يتم بقاء الدين ويحافظ بصدق على تعاليم رب العالمين ، وتقوم عبودية الله بما يحب ويرضى من الصادقين ، وهذا مما كان يؤدبنا به الإمام الحسين بتفديته لأبنه الكريم علي بن الحسين ، فمن يفديه رسول الله بأبوية ، وأمير المؤمنين ، هو عليه السلام يفدي بأبيه للإمام بعده ، وذلك ليعرف المؤمنين عزته وكرامته ووجب حبه ووده وطاعة والكون في ولايته في زمانه :

عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال :

 كنت عند الحسين بن علي عليه السلام : إذ دخل علي بن الحسين الأصغر .

فدعاه الحسين عليه السلام : و ضمه إليه ضما ، و قبل ما بين عينيه ، ثم قال :

بأبي أنت : ما أطيب ريحك ، و أحسن خلقك ، فيداخلني من ذلك .

فقلت: بأبي وأمي، يا ابن رسول الله ، إن كان ما نعوذ بالله أن نراه فيك فإلى من ؟

قال : إلى علي بني هذا ، هو الإمام و أبو الأئمة .

قلت : يا مولاي هو صغير السن ؟ قال : نعم ، إن ابنه محمد يؤتم به ، و هو ابن تسع سنين ، ثم يطرق ، قال : ثم يبقر العلم بقرا [39].  

يا طيب : بعد أن عرفنا عزة الحسين وآله ، ويجب أن يفدى بكل شيء ، نرى أن رسول الله يعرفنا بأن القوم سينقلبون ويفدون أعداهم ، فتدبر :

النبي الأكرم وأمير المؤمنون وصحبهم يفدون الإمام الحسين بكربلاء:

يا طيب : عرفت في الجزء السابق أحاديث كثيرة تعرفنا إن الإمام الحسين عليه السلام ، كان أسوة وقدوة للأنبياء ولآله الكرام ، وإن نبي الرحمة كان يخبر آله وصحبه بأن الإمام الحسين سيتشهد في كربلاء ، ومرة أحاديث كثيرة في هذا المعنى ولأنه ليس فيها ذكر التفدية لم ننقل منها ، ولكن هنا حديث للإمام علي عليه السلام يفدي الإمام الحسين ويخبر عن مقتله بكربلاء ، والنبي الأكرم يفديه حين يراه الحسين عليه السلام عند طلب الأذن للخروج من المدينة ، ونذكر أحاديث أخرى في هذا المعنى يذكرها صحبهم الطيبين بعد مقتل الإمام ، فتابع التفدية في الحياة وبعد الممات :

عن الحرث الأعور قال : قال علي عليه السلام :

بأبي و أمي الحسين : المقتول بظهر الكوفة .

 و الله : لكأني أنظر إلى الوحش مادة أعناقها على قبره ، من أنواع الوحش يبكونه و يرثونه ليلا حتى الصباح ، فإذا كان ذلك ، فإياكم و الجفاء [40] .

 

ومر في الجزء السابق : أن الإمام الحسين حين ودع رسول الله ليخرج من المدينة أخذته إخفائه ورأى رسول الله فقال له :

بأبي أنت : كأني أراك مرملا بدمك ، بين عصابة من هذه الأمة يرجون شفاعتي ، ما لهم عند الله من خلاق .

 يا بني : إنك قادم على أبيك و أمك و أخيك ، و هم مشتاقون إليك ، و إن لك في الجنة درجات لا تنالها إلا بالشهادة ....[41].

وروى الشيخ جعفر بن نما في مثير الأحزان بإسناده عن عبد الله بن يحيى قال :

دخلنا مع علي إلى صفين،  فلما حاذى نينوى نادى صبرا يا عبد الله ، فقال :

 دخلت على رسول الله : وعيناه تفيضان .

فقلت : بأبي أنت وأمي ، يا رسول الله ، ما لعينيك تفيضان ؟ أغضبك أحد ؟

قال : لا ، بل كان عندي  جبرائيل فأخبرني أن الحسين يقتل بشاطئ الفرات .

وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم ، فمد يده فأخذ قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا ، واسم الأرض كربلا [42].

و ذكر الخطيب في تاريخه و البلاذري في تاريخه : أن ابن عباس قال :

رأيت النبي : فيما يرى النائم في نصف النهار ، أشعث أغبر وبيده قارورة فيها دم .

فقلت : بأبي أنت و أمي يا رسول الله ما هذه القارورة ؟

قال : دم الحسين لم أزل ألتقطه منذ اليوم ، فحفظ اليوم ، فإذا هو يوم قتله ـ

 و في التاريخين المذكورين : أن هذه الحمرة التي هي الشفق فلم تكن قبل قتل الحسين عليه السلام [43].

ولتعرف : أنه كانت تضحيتهم من أجل هداية العباد ، أنظر رأفة الحسين :

وفي المناقب : فحرك الحر دابته حتى استأمن إلى الحسين .

 وقال له : بأبي أنت و أمي .

 ما ظننت أن الأمر ينتهي بهؤلاء القوم إلى ما أرى ، فأما الآن فإني جئتك تائبا ومواسيا لك حتى أموت بين يديك، أ ترى إلى ذلك توبة ؟

قال : نعم يتوب الله عليك و يغفر لك [44].

وهذه تفدية: في رقة وحب صادقة من الآل للآل ومن صحبهم لهم وتجب علينا مثلها:

 

يجب على كل مؤمن أن يزور آل محمد ويقر لهم بالتفدية :

يا طيب : في هذا الجزء بل راجع صحيفة النبوة وغيرها من موسوعة صحف الطيبين ، ترى تضحية وفداء نبينا الأكرم وآله آل محمد صلى الله عليهم وسلم للدين ، بل راجع كل تأريخ الإسلام وكل من كتب عن سيرتهم وسلوكهم ، تراهم بحق أخرجونا من الضلالة وظلمات الجهل إلى نور الإيمان والهدى ، فأحلونا محل كريم في الأخلاق والعبودية لله ، ورفض الجور والفسق والفجور وكل ما يبعد عن شأن الإنسانية وعن ولاية الله .

والله سبحانه وتعالى : قدرهم وجعل لهم مقام لا يناله أحد من العالمين ، فطلب كأجر لهم مودتهم وحبهم ولم يحصرها بزمان ، وقد عرفت الآيات ، وإن المجيء إليهم وهم في البرزخ الآن هو ممن يعتقد بحياتهم وإنا خلقنا للبقاء لا للفناء ، ويعتقد بسماعهم لما نقر لهم من الفضل والصلاة والسلام عليهم وطلب الاستغفار لنا أو غيره ، وإنه لا فرق بين حياتهم ومماتهم فيما فضلهم الله به من الشفاعة والدعاء لمن يطلب منهم ذلك ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : { وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ  لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ

 وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ

لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّابًا  رَّحِيمً (64) } النساء .

وقال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى  النبي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)} الأحزاب .

و قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 من سلم علي عند قبري : سمعته .

و من سلم علي من بعيد : بلغته ، سلام الله عليه و رحمة الله و بركاته [45] .

وتوجد يا طيب : آيات وكثير من الروايات التي تعرف حياتهم في البرزخ ومعرفتهم بمن يزورهم عليهم السلام ، ولذا ترى المؤمنين يأتونهم فيقرون لهم بالفداء والتفدية بكل شيء ، وعن طيب خاطر ، بل عن حب وود ورجاء وأمل القبول والرضا عنهم ، ومقرون أن من يستغفرون له الله يغفر له ، وإن من يصلي ويسلم عليهم يصلون وسلمون عليه ، بل الله سبحانه يصلي ويسلم عليه لأنه الله سبحانه عرفنا هذا كما في الآية أعلاه .

 ولنعرف هذا المعنى يا طيب : نذكر مختصر من زيارات فيها تفدية لسيد المرسلين وسيد الوصيين ولآل محمد صلى الله عليهم ، ونختار جمل من الزيارات لأنها طويلة ، وسنختم الكتاب بزيارة فيها تفدية للإمام الحسين عليه السلام ،  وهذا :

 

 

زيارة رسول الله من بعيد وفيها تفدية له :

قال المفيد و السيد و الشهيد في زيارة النبي الأكرم من البعيد :

إذا أردت الزيارة : فمثل بين يديك شبه القبر ، و اكتب عليه اسمه ، و تكون على غسل ثم قم قائما و أنت متخيل مواجهته عليه صلى الله عليه وآله ، ثم قل:

 أشهد : أن لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، و أنه سيد الأولين و الآخرين ، و أنه سيد الأنبياء و المرسلين .

اللهم : صل على محمد و أهل بيته الأئمة الطيبين .

ثم قل : السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا خليل الله ، السلام عليك يا نبي الله ، السلام عليك يا صفي الله ، السلام عليك يا رحمة الله ، السلام عليك يا خيرة الله ، السلام عليك يا حبيب الله ، السلام عليك يا نجيب الله ، السلام عليك يا خاتم النبيين ، السلام عليك يا سيد المرسلين ، السلام عليك يا قائما بالقسط ، السلام عليك يا فاتح الخير ، السلام عليك يا معدن الوحي و التنزيل ، السلام عليك يا مبلغا عن الله ، السلام عليك أيها السراج المنير ، السلام عليك يا مبشر ، السلام عليك يا نذير ، السلام عليك يا منذر ، السلام عليك يا نور الله الذي يستضاء به .

السلام عليك : و على أهل بيتك الطيبين الطاهرين الهادين المهديين .

السلام عليك : و على جدك عبد المطلب ، و على أبيك عبد الله ، السلام عليك و على أمك آمنة بنت وهب ، السلام على عمك حمزة سيد الشهداء ، السلام عليك و على عمك عباس بن عبد المطلب ، السلام على عمك و كفيلك أبي طالب .

السلام عليك: يا محمد، السلام عليك يا أحمد، السلام عليك يا حجة الله على الأولين والآخرين ، و السابق في طاعة رب العالمين ، و المهيمن على رسله ، و الخاتم لأنبيائه ، و الشاهد على خلقه ، و الشفيع إليه ، و المكين لديه ، و المطاع في ملكوته .

الأحمد من الأوصاف : المحمد لسائر الأشراف ، الكليم الكريم عند الرب ، و المكلم من وراء الحجب ، الفائز بالسباق ، و الفائت عن اللحاق ، تسليم عارف بحقك معترف بالتقصير في قيامه بواجبك ، غير منكر ما انتهى إليه من فضلك ، موقن بالمزيدات من ربك ، مؤمن بالكتاب المنزل عليك ، محلل حلالك ، محرم حرامك .

أشهد : يا رسول الله مع كل شاهد ، و أتحملها عن كل جاحد ....

و الحمد لله : الذي استنقذنا بك من الهلكة ، و هدانا بك من الضلالة ، و نورنا بك من الظلمة ،  فجزاك الله : يا رسول الله ، أفضل ما جزى نبيا عن أمته ، و رسولا عمن أرسل إليه .

بأبي أنت و أمي : يا رسول الله .

 زرتك : عارفا بحقك ، مقرا بفضلك ، مستبصرا بضلالة من خالفك و خالف أهل بيتك ، عارفا بالهدى الذي أنت عليه .

بأبي أنت و أمي : و نفسي ، و أهلي ، و ولدي ، و مالي .

أنا أصلي عليك : كما صلى الله عليك ، و صلى عليك ملائكته و أنبياؤه و رسله ، صلاة متتابعة وافرة متواصلة ، لا انقطاع لها ، و لا أمد ، و لا أجل .

صلى الله عليك : و على أهل بيتك الطيبين الطاهرين كما أنتم أهله .......[46]..

 

 

زيارة أمير المؤمنين وتفديته بأبي وأمي :

وجاء في زيارة أمير المؤمنين عليه ...... : ثم انكب على قبره ، و قل :

بأبي أنت و أمي : يا أمير المؤمنين .

بأبي أنت و أمي : يا حجة الخصام .

بأبي أنت و أمي : يا باب المقام .

بأبي أنت و أمي : يا نور الله التام .

أشهد أنك : قد بلغت عن الله ، و عن رسول الله ما حملت ، و رعيت ما استحفظت ، و حفظت ما استودعت ، و حللت حلال الله ، و حرمت حرام الله ، و أقمت أحكام الله ، و لم تتعد حدود الله ، و عبدت الله مخلصا حتى أتاك اليقين ، صلى الله عليك و على الأئمة من بعدك .[47]..

وفي زيارة أخرى تعرف بزيارة الخضر عليه السلام ... : اللهم : أنت السلام ، و منك السلام ، و إليك يعود السلام ، أنت معدن السلام حيينا ربنا منك بالسلام ...

السلام عليك : يا أبا الحسن ، أشهد أنك قد بلغت عن رسول الله ما أمرك به ، و وفيت بعهد الله ، و تمت بك كلمات الله ، و جاهدت في سبيل الله حتى أتاك اليقين ، لعن الله من قتلك ، و لعن الله من بلغه ذلك فرضي عنه .

أنا بأبي أنت و أمي :

 ولي لمن والاك ، و عدو لمن عاداك ، أبرأ إلى الله ممن برئت منه و بري‏ء منكم . .....

  ثم ادخل و قل‏ : .....

أتيتك بأبي أنت و أمي و مالي و نفسي :

 زائرا و متقربا إلى الله بزيارتك ، متوسلا إليك بك ، إذ رغب عنكم مخالفوكم ، و اتخذوا آيات الله هزوا ، و استكبروا عنها ، و أنا عبد الله و مولاك في طاعتك ، الوافد إليك ، ألتمس بذلك كمال المنزلة عند الله[48] .

 

التفدية لكل الأئمة في الزيارة الجامعة :

يا طيب : الزيارة التي فيها تفدية لآل محمد كثيرة واخترنا منها يسير ومنها زيارة معروفة جامعة ، وهي عن موسى بن عمران النخعي عن الإمام علي بن محمد الهادي عليه السلام قال في زيارة طوليه منها .... :  جعلني الله : ممن يقتص آثاركم ، و يسلك سبيلكم ، و يهتدي بهداكم ، و يحشر في زمرتكم ، و يكر في رجعتكم ، و يملك في دولتكم ، و يشرف في عافيتكم ، و يمكن في أيامكم ، و تقر عينه غدا برؤيتكم .

بأبي أنتم و أمي : و نفسي و أهلي و مالي :

 من أراد الله بدأ بكم : و من وحده قبل عنكم ، و من قصده توجه إليكم ، موالي لا أحصي ثناءكم ، و لا أبلغ من المدح كنهكم ، و من الوصف قدركم ، و أنتم نور الأخيار ، و هداة الأبرار ، و حجج الجبار ....

بكم : يسلك إلى الرضوان ، و على من جحد ولايتكم غضب الرحمن .

بأبي أنتم و أمي : و نفسي و أهلي و مالي .

 ذكركم في الذاكرين : و أسماؤكم في الأسماء ، و أجسادكم في الأجساد ، و أرواحكم في الأرواح ، و أنفسكم في النفوس ، و آثاركم في الآثار ، و قبوركم في القبور .

 فما أحلى أسماءكم : و أكرم أنفسكم ، و أعظم شأنكم ، و أجل خطركم ، و أوفى عهدكم .

 كلامكم نور: و أمركم رشد ، و وصيتكم التقوى ، و فعلكم الخير ، و عادتكم الإحسان ، و سجيتكم الكرم ، و شأنكم الحق و الصدق و الرفق ، و قولكم حكم و حتم ، و رأيكم علم و حلم و حزم ، إن ذكر الخير كنتم أوله و أصله و فرعه و معدنه و مأواه و منتهاه .

بأبي أنتم و أمي : و نفسي و أهلي و مالي :

كيف أصف حسن ثنائكم : و كيف أحصي جميل بلائكم ، و بكم أخرجنا الله من الذل ، و فرج عنا غمرات الكروب ، و أنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار .

بأبي أنتم و أمي و نفسي :

بموالاتكم : علمنا الله معالم دينن ، و أصلح ما كان فسد من دنيانا ، و بموالاتكم تمت الكلمة ، و عظمت النعمة ، و ائتلفت الفرقة ، و بموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ، و لكم المودة الواجبة ، و الدرجات الرفيعة ، و المقام المحمود عند الله تعالى و المكان المعلوم و الجاه العظيم و الشأن الرفيع و الشفاعة المقبولة ، ربنا آمنا بما أنزلت و اتبعنا الرسول فاكتبنا مع الشاهدين ، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا و هب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب [49].

ويا طيب : إن عرفت معنى الزيارة أعلاه ، وإن معرفة الله سبحانه لا تتم إلا بمعرفة الإمام من آل محمد ممن خصهم الله بتعليم هداه والقيادة لعباد بصراط مستقيم لحقيقة عبودية الله وهي النعيم فضلا عن الجنة وخيراتها وحسنها ، تعرف معنى الحديث الآتي :

عن سلمة بن عطا عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

خرج الحسين بن علي عليه السلام على أصحابه فقال :

أيها الناس : إن الله جل ذكره ، ما خلق العباد إلا ليعرفوه ، فإذا عرفوه عبدوه ، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة من سواه .

فقال له رجل : يا ابن رسول الله بأبي أنت و أمي ، فما معرفة الله ؟

قال عليه السلام : معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته [50].

يا طيب : بمعرفة الإمام يعرف الهدى من دين الله سبحانه وعظمته بحق ، فلا جبر ولا تفويض ، ونعرفه بما نصفه من حقائق الأسماء الحسنى ، ونعرف حقائق من توحيده لم يعرفها من لم يقر لآل محمد عليهم السلام بالولاية الإلهية وأنهم يهدون بصراط مستقيم لكل نعيم ، وهذه المعرفة فداها آل محمد علما وعمل وضحوا في سبيلها بكل غالي و نفيس ، والله سبحانه علم هذا منهم فكرمهم في الدنيا والآخرة ، وحقا علينا أن نفيدهم:

 

التفدية بالأب والأم لأبي عبد الله الحسين في زياراته :

ويا طيب : عرفت في الجزء السابق وفي هذا الجزء ، معرفة كريمة من تضحية وفداء الإمام الحسين عليه السلام ، لنشر تعاليم الله وتعريف هداه ، وكيف أنحرف الناس عنه ، فقدم كل ما يملك من أجل إصلاح ما فسد من تعاليم الدين ، وتعريف الناس انحرافهم عن هدى جده رسول الله وأبيه أمير المؤمنين ، فقدم كل غالي ونفيس وفدى دينه ، حتى نصره الله ولو بعد حين ، فكل من يقرأ تأريخه أو يزوره أو يسمع بمجالس ذكره ، يعرف أنه قام بما يجب عليه ، وأن هدى الحق عنده وعند آله إلى يوم القيامة ، وباطل فكر كل ضال مخالف لهم ، فيرى بعين اليقين عليه أن يزوره وينشر هداه ويفديه بكل غالي ونفيس نفس وأهل ومال وكل شيء ، فنذكر قسم من الزيارات التي فيها تفدية :

جاء في زيارة مطلقة طويلة للإمام الحسين عليه السلام .... و تقول :

بأبي أنت و أمي :

يا أبا عبد الله ، إليك كانت رحلتي مع بعد شقتي ، و لك فاضت عبرتي ، و عليك كان أسفي و نحيبي و صراخي و زفرتي و شهيقي ، و إليك كان مجيئي ، و بك أستتر من عظيم جرمي ، أتيتك وافدا قد أوقرت ظهري .

بأبي أنت و أمي :

يا سيدي ، بكيتك يا خيرة الله و ابن خيرته ، و حق لي أن أبكيك ، و قد بكتك السماوات و الأرضون و الجبال و البحار ، فما عذري إن لم أبكك ، و قد بكاك حبيب ربي ، و بكتك الأئمة عليهم السلام ، و بكاك من دون سدرة المنتهى إلى الثرى جزعا عليك ...[51]..

وجاء في زيارة أخرى للإمام الحسين ، ثم انكب على القبر و قبله و قل :

بأبي أنت و أمي : يا ابن رسول الله .

بأبي أنت و أمي : يا أبا عبد الله .

 لقد عظمت الرزية، وجلت المصيبة بك علينا و على جميع أهل السماوات والأرض، فلعن الله أمة أسرجت و ألجمت و تهيأت لقتالك.

يا مولاي يا أبا عبد الله : قصدت حرمك ، و أتيت إلى مشهدك ، أسأل الله بالشأن الذي لك عنده و بالمحل الذي لك لديه ، أن يصلي على محمد و آل محمد ، و أن يجعلني معكم في الدنيا و الآخرة ....[52]

 

ويا طيب : إن من يسير على صراط آل محمد بحق ويفديه ، يفدى أيضا كل أصحابه لفدائهم لدينهم :

وجاءت التفدية في زيارة أنصار الإمام الحسين ،  ثم توجه إلى الشهداء ، و قل :

السلام عليكم : يا أولياء الله و أحباءه ، السلام عليكم يا أصفياء الله و أوداءه ، السلام‏ عليكم يا أنصار دين الله، السلام عليكم يا أنصار رسول الله، السلام عليكم يا أنصار أمير المؤمنين، السلام عليكم يا أنصار فاطمة سيدة نساء العالمين ، السلام عليكم يا أنصار أبي محمد الحسن بن علي الولي الناصح، السلام عليكم يا أنصار أبي عبد الله .

بأبي أنتم و أمي : طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم

 و فزتم فوزا عظيما ، فيا ليتني كنت معكم فأفوز معكم[53] .

ويا طيب : توجد زيارات أخرى : للإمام الحسين عليه السلام ، بل لآله كلهم فيها كلمة الفداء بالأب والأم بل وبكل شيء ، يزورهم بها المؤمنون فيقرون لهم بالتضحية والفداء فيفدوهم لما عملوا وعلموا من الهدى الحق ، ولا يستحق هذه الكلمة بحق الاستحقاق غير آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، لتضحيتهم وفدائهم لله سبحانه وتعالى بحق التفدية علما وعملا ، كما أنه كان في حياتهم يفديهم كل من يخاطبهم من المؤمنين وأصحابهم المخلصين ، سواء حين محادثتهم لهم أو سؤالهم أو محاورتهم ، وتراها تصدر منهم عن حب ويقين بالإستحقاق لها ، ولكن عرفت بعضهم تملقا كانوا يقولون ، فمن صدق نال الحسنى وجعلنا الله معه، ومن كذب خسر وفدى أعدائهم وله الخسران.

 

 

ويا طيب : مر حين الكلام عن الدهر ، أبيات للإمام الحسين عليه السلام قال فيها ، يا دهر أف لك من خليل .... ،

 وقال الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، وكانت عمتي عندي تمرضني ، فلما سمعت ذهب لإمامها عليه السلام وقالت :

بأبي أنت وأمي ، يا أبا عبدالله .

 استقتلت نفسي فداك .

فرد غصته : وترقرقت عيناه ، وقال : لو ترك القطا ليلا لنام .

قالت : يا ويلتي ، أفتغصب نفسك اغتصابا ، فذلك أقرح لقلبي .

وأشد على نفسي ، ولطمت وجهها ، وأهوت إلى جيبها وشقته ، وخرت مغشيا عليها .

فقام إليها الحسين .... وقال له :  يا أخية : اتقي الله وتعزي بعزاء الله .

 واعلمي : أن أهل الأرض يموتون ، وأن أهل السماء لا يبقون .

 وأن كل شيء : هالك إلا وجه الله ، الذي خلق الأرض بقدرته ، ويبعث الخلق فيعودون ، وهو فرد وحده .

أبي خير مني : وأمي خير مني ، وأخي خير مني .

 ولي ولهم ولكل مسلم : برسول الله أسوة .

قال علي بن الحسين عليه السلام : فعزاها بهذا ونحوه [54].

يا طيب : عرفت في تفدية أمير المؤمنين لرسول الله حين وفاته ، وأنه لولا أمره بالصبر لكان يستحق الدهر كله أن يحزن عليه ويظهر الجزع لمصابه ، وهكذا الإمام الحسين عليه السلام يستحق البكاء والحنين طول الدهر ، ولولا ما أمر الله من الصبر .

فبعد أن فدت العقيلة أخيها وشقيقها : بأعظم موجودين في الوجود بعد رسول الله وهما أبيها وأمها ، لتعرفنا عزته على آله المصطفين الأخيار وكرامته عليهم في حياتهم حين كانوا يفدوه ، قال لها وإن فدوني فهم خير مني ، وهذه الآداب التي يجب أن نتحلى بها فنفديهم بكل شيء ، لأنهم خير منا وعلمونا ، ولذا :

 قال الشيخ الجعفي:

 

 

كهولكم خير الكهول :

الكهل: الذي خطه الشيب و رأيت له بجالة ، و اكتهلت الروضة إذا عمها نورها وبان خضارها ، و الكَهْلُ : من الرجال الذي جاوَز الثلاثين و وَخَطَه الشيبُ ـ يقال : للغُلام : مُراهِق ، ثم مُحْتَلم، ثم يقال تخرَّج وجهُه اتَّصلت لحيته، ثم مُجْتَمِعٌ ، ثم كَهْلٌ، و هو ابن ثلاث و ثلاثين سنة ؛ و قيل له كَهْل حينئد لانتهاء شَبابه و كمال قوَّته ، وفصلنا القول في معنى الكهل في صحيفة سادة الوجود حين الكلام عن الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، فراجع .

وكهول آل محمد صلى الله عليهم وسلم : هم نبي الرحمة والإمام علي ، والإمام الحسن ، والإمام الحسين عليهم السلام ، فهم سادة البشر وخير أهل الأرض والسماء والجنة ، صلى الله عليهم وسلم ، وفي صحيفة سادة الوجود في جزء الحديث عن سيادة الإمام الحسين بحث موسع ملحق في معنى الكهل وهل يوجد في الجنة أم لا .

 

وشبانكم خير الشبان :

 وهم آل محمد صلى الله عليهم خير أهل الوجود في كل أدوار حياتهم ، وبالخصوص شهدائهم في كربلاء صلى الله عليهم وسلم ، وهم مثل علي بن الحسين الأكبر ، والقاسم بن الحسن ، وأبا الفضل العباس وأخوته ، وآل جعفر ، وآل عقيل من بني هاشم عليهم السلام ، ومر البحث أن الحسن والحسين هم سيد شباب أهل الجنة في الجزء قبل السابق من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وحياة آل محمد في شبابهم أفضل حياة ويكفي أن تقول لا فتى إلا علي عليه السلام ، وهكذا الصادق الأمين نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله ، وحتى رغبت أم المؤمنين به في تجارتها وفي الزواج منها ، فكان منهم النسل المبارك ، شبان ونسوان ورجال وكهول صلوات الله عليهم وسلامه.

وجاء في زيارة علي بن الحسين عليه السلام ..: السلام عليك : يا أول قتيل من نسل خير سليل من سلالة إبراهيم الخليل ، صلى الله عليك و على أبيك[55] ....

 

ونسائكم خير النساء :

فأمهم الكبرى خديجة بنت خويلد أم المؤمنين ، وفاطمة الزهراء بنت محمد ، وهي زينب بنت علي عقيلة بني هاشم صلى الله عليهن وسلم ، وبالمناسبة لأنه يخاطب العقيلة زينب عليه السلام :  المعقول : ما تعقله في فؤادك ، و العقلية : المرأة المخدرة، المحبوسة في بيتها و جمعها عقائل‏ ، و فلانة عقلية قومها و هو العالي من كلام العرب ، و يوصف به السيد ، و عقيلة كل شي‏ء : أكرمه ، العاقل هو الذي يحبس نفسه و يردها عن هواها ، ولمعرفة المزيد عن فضائل فاطمة الزهراء والعقيلة عليهما السلام راجع صحيفتهما في موسوعة صحف الطيبين .

ونسلكم خير نسل :

نسل : النسل : الولد ، لتناسل بعضه بعد بعض ، وهم  الذرِّية ، و الجمع أَنسال ، تنسل منه أي تنفصل منه ، و تناسَل بنو فلان إِذا كثر أَولادهم ذكور وأناث.

وعند ابن طيفور في بلاغات النساء : إذا عد نسل لا يبور .

البوار: الهلاك ، الكاسد .

 أي لما سمع كلام العقيلة : أقر لهم بالفضل ، وأنهم يعلمون الدين ولا يكسد عندهم من العلم في أي حال كانوا وظرف ، و عقيلة بني هاشم وهي أسيرة عرفت حقائق من معارف الدين في كلمات قليلة ، ما يعجز كتاب من بيانها ، ويقر بالتقصير مهما كتب كاتب من شرحه، وتم شرح فضل نسلهم حين قول العقيلة وعلى آله الأخيار ، وهذه مختصر آخر يعرفنا حقيقة نسلهم وما خصهم الله به من الفضائل والعلم والكمال ، وليس كنسل الناس من غيرهم

عن عبد العزيز بن مسلم : قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام :

 في حديث طويل يصف الإمامة والإمام وخصائصه ... منه :

فكيف لهم باختيار الإمام : و الإمام عالم لا يجهل ، راع لا ينكل ، معدن القدس و الطهارة ، و النسك و الزهادة ، و العلم و العبادة ، مخصوص بدعوة الرسول .

و هو نسل المطهرة البتول :

 لا مغمز فيه في نسب ، و لا يدانيه ذو حسب .

 فالنسب من قريش ، و الذروة من هاشم ، و العترة من آل الرسول ، و الرضى من الله .

شرف الأشراف : و الفرع من عبد مناف .

 نامي العلم: كامل الحلم ، مضطلع بالإمامة ، عالم بالسياسة ، مفروض الطاعة ، قائم بأمر الله عز و جل ، ناصح لعباد الله ، حافظ لدين الله ، إن الأنبياء و الأئمة : يوفقهم الله ،  و يؤتيهم من مخزون علمه و حكمه ما لا يؤتيه غيرهم ، فيكون علمهم فوق كل علم أهل زمانه..[56].

ويا طيب : كان رسول الله صلى الله عليه وآله كما عرفت يوصي بهم ، وعرفت كثير من الأحاديث في فضلهم عليهم السلام ، وفدائه لهم بأبيه وأمه والأمر بحبهم ، وهكذا كان أمير المؤمنين عليه السلام .

ومن كلام أمير المؤمنين عليه السلام : في بعض أيام صفين و قد رأى الحسن الحسين يتسرعا إلى الحرب :

املكوا عني هذا الغلام : لا يهدني ، فإنني أنفس بهذين يعني الحسن و الحسين على الموت لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [57].

وعرفت أن الإمام علي بن الحسين عليه السلام : لما قتل الأصحاب وآله ، أرد الخروج ليدافع عن آل الرسول .

 فقال : يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله .

فقال الحسين عليه السلام : يا أم كلثوم ، خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم [58].

وقد حفظه الله : وبارك الله في نسله عليهم السلام ، ومن نسله أغلب السادة الذين ينتسبون لرسول الله ، فضلا عن أن الإمامة والأئمة فيه وفي نسله إلى يوم القيامة ، وإن القوم في كربلاء : أرادوا أبادتهم وهم يعلمون أنهم أفضل خلق الله وخيرته من أهل التكوين ، ولم يرعوا حرمة رسول الله ، ورعاهم الله فأتم نوره ولو كره الكافرون ، وإنهم :

 

 

وفضلهم فضل عظيم :

و الفضيلة : الدرجة و الرفعة في الفضل ،  فضل يفضل و رجل مفضال : كثير الخير .  التَّفاضُل بين القوم : أَن يكون بعضهم أَفضَل من بعض ، و التفضل : التطول على غيرك‏ ، وفلان يتفضل على قومه : يدّعي الفضل عليهم ، وفاضل بين الشيئين، والأشياء تتفاضل ، وفاضلني فلان ففضلته أفضله ، وهو مفضول : مغلوب ، و الفَضِيلة : ضدُّ النَّقْص و النَّقِيصة ، والإِفْضَال : الإِحْسَان ، ورجُل مِفْضَال وامرأة مِفْضالَةٌ على قَوْمها إذا كانت ذَاتَ فَضْل سَمْحَة ،  وفَضَّله على غيره تفضيل : أي حَكَم له بذلك أو صَيَّره كذلك .

ويا طيب : إن التفاضل في الوجود من سنن التكوين ومراتبه ، وإن الله فضل  بعض المخلوقات على بعض وفضل الإنسان على كثيرا ممن خلق ، و لا أحد أفضل من آل محمد صلى الله عليهم وسلم في جميع مراتب التكوين ، وقد قال الله:

{ انظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا  بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ

 وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلا (21) } الإسراء.

وهذا فضل والتفاضل سنة في الدنيا والآخرة : والله يختار ويفضل من يشاء :

{ قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (73)

 يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاء وَاللّهُ ذُو  الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (74) } آل عمران .

وإن هذا التفاضل حتى بين الرسل فقال سبحانه :

{ تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ (253) } البقرة .

فإن الله فضل الإنسان : وأختار منهم رسل وفضل بينهم ، وقد عرفنا سبحانه إنه لابد لكل ناس من إمام هو أفضل العباد في زمانه ، ويجب أن يطاع ويدعون به يوم القيامة ، فمن يكون أخلص العباد لنصر إمام الحق بالعلم والعمل بهداه يكون معه ، فيكون مفضل عند الله بعده ويحشر مع الصادقين كما عرفت ، ولذا قال سبحانه :

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ  الطَّيِّبَاتِ

وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)

يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ  كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي  الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

ويا طيب : إن آل محمد طهرهم الله وأمر بودهم وصدقهم ، ووهبهم الكتاب والحكمة ، فكان فضل الله عليهم عظيما ، وجعلهم أئمة ، ولكن هناك ناس من المسلمين ضلوا فحسدوهم وقاتلوهم فخسروا أخرتهم أبدا ، وقد قال سبحانه :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

 فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55)

إنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا  (56) } النساء .

وإن آل إبراهيم هم آل محمد عليهم السلام : وقد أوجب الله الرجوع لمعرفة دينه من الكتاب والحكمة لهم ، لأنهم أئمتنا كما عرفت ، وعلى كل عاقل يجب أن يرجع لأولي أمر الله فيهم ، و الذين بحق فضلهم الله تعالى ، و قال سبحانه :

{ وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ

وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ

 لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ

 وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً (83) } النساء .

فمن تبع آل محمد صلى الله عليهم وسلم : ونصرهم كان مفضل معهم وفضل الله عليه عظيم.

 وإلا هو من أتباع الشيطان بدونهم .

 فإنهم بالإضافة لما عرفت من فضائلهم ومناقب إخلاصهم ، فإنهم ضحوا وفدوا دين الله بكل وجودهم ، وقد قال الله سبحانه :

 { لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ

وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ

 فَضَّلَ اللّهُ  الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى

وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى  الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمً (95)

دَرَجَاتٍ مِّنْهُ وَمَغْفِرَةً وَرَحْمَةً وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمً (96) } النساء .

والله سبحانه فضل الشهداء فقال :

  { وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ  قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا

 بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)

 فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ  وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُواْ بِهِم مِّنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (170)

  يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ (171) } آل عمران .

فيا طيب من أين ما تأتي للفضل : ترى آل محمد صلى الله عليهم أفضل خلق الله فهم أهل العلم والفضل لهم والمجاهدون في سبيل نشر دين الله والأخيار الأتقياء ، وقد مر الكلام في أن الله أختارهم في قول العقيلة عليه السلام في قولها :

الحمد لله و الصلاة : على أبي رسول الله ، وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله .

وإن اختيار آل محمد : و تفضيلهم على الخلق ، كان من فضل الله العظيم عليهم وعلينا ، وبحق عرفهم بكل سبيل ، في كتابه وسنة رسوله وبما أقدموا عليه من التضحية ، فكان فداءهم يفدى على الطول التأريخ من المؤمنين وبكل غالي ونفيس كما عرفت .

وعن يزيد بن شرجيل : أن النبي صلى الله عليه وآله قال لعلي بن أبي طالب عليه السلام :

هذا أفضلكم حلما : و أعلمكم علما ، و أقدمكم سلما .

قال ابن مسعود : يا رسول الله فضلنا بالخير كله .

فقال النبي : ما علمت شيئا إلا و قد علمته ، و ما أعطيت شيئا إلا و قد أعطيته ، و لا استودعت شيئا إلا و قد استودعته .

قالوا : فأمر نسائك إليه ؟ قال : نعم . قالوا : في حياتك ؟

قال : نعم من عصاه فقد عصاني ، و من أطاعه فقد أطاعني .

 فإن دعاكم فاشهدوا [59].

ويا طيب : هذا علم رسول الله لأمير المؤمنين ومنه لآله الطاهرين ، ومر كلام في علوهم في قول الإمام زين العابدين للعقيلة ، أنتي عالمه غير معلمه وفهمة غير مفهم :

وعن الحسين بن علوان عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إن الله : خلق أولي العزم من الرسل بالعلم .

 وورثنا علمهم : و فضلنا عليهم في علمهم ، وعلم رسول الله ما لم يعلموا .

و علمنا : علم الرسول و علمهم .

و أمناء شيعتنا : أفضلهم ، أين ما كنا فشيعتنا معنا [60].

أي يا طيب : شيعتهم من يتعلم منهم ويعمل بما علم منهم فيكون معهم ، كما عرفت ، ويكفي لنعرف فضلهم ما عرفت من الآيات وأنظر الحديث الآتي :

عن عبيد بن زرارة عن أبي عبد الله عليه السلام قال : كنت عند زياد بن عبيد الله ، و جماعة من أهل بيتي .

 فقال : يا بني علي و يا بني فاطمة ، ما فضلكم على الناس ؟ فسكتوا .

فقلت : إن من فضلنا على الناس ، أنا لا نحب أنا من أحد سوانا .

و ليس أحد : من الناس ، لا يحب أنه منا ، إلا أشرك . ثم قال : أرووا هذا[61] .

يا طيب : لأن الله أمرنا بالكون مع الصادقين والطيبين الطاهرين وقد عرفتهم :

وعن خيثمة الجعفي قال: دخلت على أبي جعفر عليه السلام فقال لي: يا خيثمة.

إن شيعتنا أهل البيت : يقذف في قلوبهم الحب لنا أهل البيت ، و يلهمون حبنا أهل البيت .

ألا إن الرجل : يحبنا و يحتمل ما يأتيه من فضلنا .

 و لم يرنا و لم يسمع كلامنا ، لما يريد الله به من الخير ، وهو قول الله :

 { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ (17) } محمد .

يعني : من لقينا و سمع كلامنا ، زاده الله هدى على هداه [62].

وعن معتب مولى أبي عبد الله عليه السلام قال : سمعته يقول لداود بن سرحان : يا داود ، أبلغ موالي : عني السلام ، و أني أقول :

رحم الله عبدا : اجتمع مع آخر فتذاكرا أمرنا ، فإن ثالثهما ملك يستغفر لهما .

 و ما اجتمع اثنان : على ذكرن ، إلا باهى الله تعالى بهما الملائكة .

 فإذا اجتمعتم : فاشتغلوا بالذكر ، فإن في اجتماعكم و مذاكرتكم إحياءنا .

 و خير الناس : من بعدنا ، من ذاكر بأمرنا و دعا إلى ذكرنا[63] .

عن أبي المغراء قال : سمعت أبا الحسن موس عليه السلام يقول :

ليس شي‏ء : أنكى لإبليس و جنوده من زيارة الإخوان في الله بعضهم لبعض .

قال عليه السلام : و إن المؤمنين يلتقيان فيذكران الله .

ثم يذكران فضلنا أهل البيت :

 فلا يبقى : على وجه إبليس مضغة لحم إلا تخدد ، حتى إن روحه لتستغيث من شدة ما يجد من الألم ، فتحس ملائكة السماء و خزان الجنان ، فيلعنونه حتى لا يبقى ملك مقرب إلا لعنه ، فيقع خاسئا حسيرا مدحورا [64].

ويا طيب : من يعرف فضل الله العظيم على آل محمد يكون معهم ، ويحب بل بكل وجوده ينشر فضلهم ومناقبهم ويفتخر بالانتساب بالإيمان والهدى لهم ، فلا يقربه الشيطان وضلاله فلا يخزى ، فكيف بهم عليهم السلام ، ولذا قال الشيخ الجعفي :

 

لا يخزي ولا يبزي :

لا : نافية للجنس ، ومنكرة ومبعدة لكل خزي عن آل محمد عليهم السلام .

والخزي : ما يستحى منه من علم و عمل ممقوت قبيح ، وهم عليهم السلام علمهم وعملهم الحق والصدق والطاهر الطيب ، فهم آل محمد صلى الله عليهم وسلم.

والبزي : هو البزو والغلبة والقهر ، ورجل أبزى : في ظهره انحناء ، كالعجوز البزواء البزخاء التي إذا مشت فكأنها راكعة ، وقد بزيت تبزى بزى ، وأبزيت بفلان : إذا بطشت به وقهرته ، وأبزى بقرنه : غلبه. وأبزى عنه: تأخر ، بز الشيء يبزه بزا، إذا اغتصبه ،  والمثل السائر: من عز بز ، أي من قهر سلب ، وبز ثوبه عنه إذا نزعه.

والشيخ يخاطب العقيلة : فيقول أنكم سادة كرام وخير الأنام رجالا ونساء وشبان وكهول ، وفي أي حال لا تغلبون ولا تقهرون ، وقد جاء في حديث :

بعثت قريش إلى أبي طالب وهم محاصرون في الشعب : أن ادفع إلينا محمدا حتى نقتله ، ونملكك علينا، فقال أبو طالب رضي الله عنه قصيدته اللامية منها :

و لما رأيت  القوم  لا  ود فيهم            و قد قطعوا كل العرى و الوسائل‏

أ لم  تعلموا أن  ابننا لا مكذب            لدينا  و لا يعني  بقول  الأباطل‏

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه            ثمال   اليتامى  عصمة  للأرامل‏

يطوف به الهلاك من آل هاشم            فهم  عنده  في  نعمة  و فواضل‏

كذبتم و بيت الله  يبزى  محمد             و لما   نطاعن   دونه  و نقاتل‏

و نسلمه   حتى    نصرع  دونه            و نذهل  عن أبنائنا  و الحلائل‏

يقول أبو طالب عم النبي الأكرم : أن نبي الرحمة لا يغلب ولا يقهر ، ونحن بني هاشم ندافع عنه وننصره ، والشيخ يقول للعقيلة عليه السلام أنكم حتى في حالكم هذا لا تخزون لأنكم أصل الهدى والإيمان والحق ، ولا تقهرون لأنكم في عين الله وعلى الحق الواجب أن يطاع من كل العباد ، ومن خذلكم هو المغلوب لأنه ليس من الله شيء ، وقليل من عباده الشكور ، وما أكثرهم ولو حرصت بمؤمنين وإن أدعوا الإسلام ، ثم :

 

 

 

ثم أنشد الشيخ الجعفي بيتا من الشعر :

كهولهم خير الكهول و نسلهم      إذا عد نسل لا يخيب و لا يخزي‏   .

 

يا طيب : عرفت فضل آل محمد وأنهم المصطفون الأخيار والطيبون الطاهرون ، وإن الله خصهم بكل فضيلة ومنقبة علما وعملا ، ولهم نعيم هدى الله وخيره في الدنيا والآخرة ، ويكون معهم من حبهم وودهم ، فهم نسل سيد المرسلين وأمير المؤمنين وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد وفاطمة الزهراء الصديقة، وهم سادة أهل التكوين دنيا وآخرة ، وفي آي حال لا يخيب من يتبعهم ولا يخزى ، وإنما يخب من ظلم ، وقد قال تعالى :

{ وَعَنَتِ الْوُجُوهُ  لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ

 وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا (111)

وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ

فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا  وَلَا هَضْمًا (112) } طه .

ويا طيب : من ظلم آل محمد عليهم السلام من الأولين والآخرين فهو الخائب ، وأما آل محمد عليهم السلام فهم بهم يعرف صلاح العمل ويدرك الهدى ويعلم الدين ، وبمعرفتهم يحصل الإيمان ، والله أمر بودهم لكي تعرف تعاليمه وما يعبد به مما يحب ويرضى ، ولذا لا عمل صالح فضلا عن الإيمان إذا لم يكون وفق ما علمه آل محمد عليهم السلام ، لأنه الله سبحانه أخبر المؤمنين وبشرهم بأن عملهم الصالح يتم حسنه مع مودة آل محمد عليهم السلام ، فقال سبحانه:

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى 

وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

ولذا يا طيب :جاء عن أبي الجارود عن الحارث الهمداني قال : رأيت عليا عليه السلام جاء حتى صعد المنبر ، فحمد الله و أثنى عليه ، و قال :

قضي : قضاء الله عز و جل على لسان النبي الأمي .

ألا لا يحبني : إلا مؤمن ، و لا يبغضني إلا منافق .

و قد خاب من افترى [65].

وعن أبان بن تغلب عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : سألته عن الأئمة ؟ قال عليه السلام : و الله لعهد عهده إلينا رسول الله :

إن الأئمة بعده : اثنا عشر ، تسعة من صلب الحسين ، و منا المهدي الذي يقيم بالدين في آخر الزمان .

من أحبنا : حشر من حفرته معنا .

و من أبغضنا : أو ردنا أو رد واحدا منا ، حشر من حفرته إلى النار .

و قد خاب من افترى [66].

 

وقال الإمام محمد بن علي بن الحسين عليه السلام[67] :

فنحن  على الحوض ذواده            نذود   و  يسعد    وراده‏

فما  فاز  من  فاز إلا بنا            و ما خاب من حبنا زاده‏

فمن سرنا نال منا السرور            و من ساءنا ساء  ميلاده‏

و من كان غاصبنا  حقنا            فيوم    القيامة     ميعاده‏

نعم يا مولاي : فقد فاز ونجى من تبعكم ، وإن من فارقكم و خالفهم و لم يتعلم منكم ، فضلا من أن يحاربكم ويقاتلكم فقد خاب وخزي ، ولعنة الله على أعدائكم ، وقد خاب وخزي من أفترى ، وبحق أقول :

{ رَبَّنَا إِنَّكَ مَن  تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ

 وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ (192)

رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ  آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا

رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَ وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193)

 رَبَّنَا وَآتِنَا مَا  وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ

وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194) }آل عمران .

وإن الخزي والعار والخيبة والشنار : لمن يتبع الظالمين ، ولم يسمع كلام الأبرار ولم يعيه ، وقد عرفتنا العقيلة حقيقة واقعة كربلاء بشرح وافي و بأبلغ كلام ، فمن تدبره يعرف أنهم بادوا أنفسهم من أجل دين الله سبحانه وتعالى .

فهم الأبرار حقا : وقد جاء في الحديث :

و عن أبي عبد الله عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 فوق كل ذي بر بر : حتى يقتل في سبيل الله .

فإذا قتل : في سبيل الله ، فليس فوقه بـــــــــــــــر   [68].

وحبنا لهم زينا لنا وخزي على أعدائنا، وعن الإمام الصادق عليه السلام  قال :

 حب الأبرار : للأبرار ، ثواب للأبرار .

و حب الفجار : للأبرار ، فضيلة للأبرار .

و بغض الفجار : للأبرار ، زين للأبرار .

و بغض الأبرار : للفجار ، خزي على الفجار [69].

وإن الإمام الحسين عليه السلام وآله الكرام وصحبه الطيبين : قتلوا في سبيل الله ، وهم أهل البر الحق والإحسان الصادق على جميع المؤمنين ، ومن يحب الصادقين والأبرار المطهرون فعليه أن يتبعهم فلا يخيب ولا يخزى وله الحسنى وثواب الكون معهم في كل نعيم الله سبحانه ، وإنما الخزي على أعدائهم ومن أفترى وغصب إمامة المسلمين ودعا نفسه أمير المؤمنين وليس له من أمر الله نصيب ، وقد قال الله سبحانه وتعالى :

{ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئً

 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ

لَهُمْ فِي الدُّنْياَ خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) } المائدة .

ويا طيب : أن المفتتنين بأعداء آل محمد عليهم السلام لهم الخزي وهم ظالمون ، وآل محمد عليهم السلام هم الأبرار المطهرون ، فلا يخيبون ولا يخزون ، ولا يخيب من يتبعهم ، ولا يخزى من يتولاهم ، وإن حبهم حب الأبرار الصادقون وله الثواب العظيم.

وقد قال علي بن أبي طالب عليه السلام : إن الله عز وجل : فضلنا أهل البيت .

و كيف : لا يكون كذلك ، و الله عز و جل يقول في كتابه :{ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِير } الأحزاب 33.

 فقد طهرنا الله: من الفواحش ما ظهر منها و ما بطن .

فنحن : على منهاج الحق [70].

فمن تبع آل محمد عليهم السلام : تبع الحق وفاز ، ومن حبهم صلح عمله وحسن في نفسه ، وطاب وطهر بتطهيرهم ، وتعليمهم للهدى الحق ولهم نعيم الله الأبدي ، وإن طغى عليهم  من خاب وخزي من أهل الضلال والطغاة الظالمين وأتباعهم ممن ظلم آل محمد عليهم السلام واستكبروا على ما أمر الله من وجوب حبهم و ودهم وطاعتهم وقد قال الله تعالى :

{ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا  يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) ...

ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ

وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَآئِيَ الَّذِينَ كُنتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ

قَالَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْعِلْمَ

إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ  وَالْسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ (27)

 الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ

 فَأَلْقَوُاْ السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِن  سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (28) فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى  الْمُتَكَبِّرِينَ (29)

 وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْرًا

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ  وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ (30) جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا  مَا يَشَآؤُونَ

 كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ (31)  الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ  ادْخُلُواْ الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (32) } النحل .

فإنه يا طيب : خزي من تبع أعداء آل محمد الظالمين لهم وخاب سعيهم ، وإن الذين أوتوا العلم والكتاب والحكمة والراسخون بمعارف الله هم آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وآل محمد عليهم السلام وكتاب الله القرآن المجيد هم الثقلين المقترنين حتى يوم القيامة ، فمن تبعهم فاز ونجى ولهم كل خير يوم القيامة من الله سبحانه ، ومن تركهم خاب وخزي يوم القيامة ولهم عذاب أليم شديد ، وبهذا المعنى تختموا :

عن الحسين بن خالد عن أبي الحسن الكاظم عليه السلام قال :

كان على خاتم علي بن الحسين : خزي و شقي قاتل الحسين بن علي [71].

نعم يا مولاي : هدي و فاز ونجى من تمسك بكم ، وضل وخاب وخزي وشقي من تخلف عنكم فضلا عمن حاربكم وقاتلكم , وأسأل الله سبحان : أن يجعلنا معكم في الدنيا والآخرة في الدرجات العلى عند مليك مقتدر ، رفيقا لكم فإنكم الشهداء الصادقين الصالحين ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

 


 

 

خاتمة : في خصائص خطبة الشقيقة عقيلة بني هاشم عليه السلام :

ويا طيب : اليوم الثلاثاء  5 خمسة / 3 جمادي الأولى / 1431 .

يوم ميلاد عقيلة بني هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام .

تم شرح الكتاب وخطبة العقيلة : وما قاله الإمام والراوي ، والشيخ الجعفي الذي صدق الصديقة بنت الصديقين عليهم السلام ، فجزاه الله خير .

وأسأل الله تعالى : بحق محمد وآله ، أن يجعلنا وإياكم مع آل محمد الطيبين الطاهرين الأبرار ، يوم لا يخزي الله الذين أمنوا ولهم الأمن يوم القيامة ونورهم يسعى بين أيديهم إنه على كل شيء قدير ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

ويا طيب : إن شقيقة الحسين العقيلة عليه السلام كانت تنطق بمنطق آلها الكرام عليه السلام ، بكلام حق ومنطق صدق وأسلوب حسن شجاع واضح ،  أبان حقائق الحق وأهل الصدق من آلها الكرام وإنهم شهداء المعروف والإحسان والعدل والإصلاح ، وإن أعدائهم ظالمين طغاة ولهم الخزي والخيبة والخسران ، حتى أثرت في أهل الكوفة مع قسوتهم فجعلتهم يبكون و ينوحون ، فردوا أيدهم في أفواههم من الندم والحزن ، والتأسف والندم على ما فعلوا بآل محمد عليهم السلام .

وكانت خطبت الكريمة للعقيلة زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام : ومنطقها البليغ ، وجوامع الكلم التي فاحت بها ، مؤثرة في أهل الكوفة حتى ثار قسم كبير منهم في أول فرصة حصلت لهم على أعداء آل محمد ، وانتقموا لهم من أعدائهم ، فقتلوا عبيد الله بن زيدا وأغلب من شارك فعلا في قتل آل محمد عليهم السلام ، وبعد فترة تغيرت الكوفة حتى صارت عش لشيعة آل محمد عليهم السلام ، وخلصت في محبة أهل البيت كما هم عليه أهلها الآن وفي هذا الزمان ، ونشر دين آل محمد عليهم السلام من الكوفة بعد ما كانت ما كانت عليه ، حتى قال :

عبد الله بن الوليد : دخلنا على أبي عبد الله في زمن بني مروان، فقال: ممن أنتم ؟

قلنا : من أهل الكوفة .

قال عليه السلام : ما من أهل البلدان أكثر محبا لنا من أهل الكوفة ، و لا سيما هذه العصابة .

إن الله هداكم : لأمر جهلة الناس ، فأحببتمونا و أبغضنا الناس ، و تابعتمونا و خالفنا الناس ، و صدقتمونا و كذبنا الناس .

فأحياكم الله : محيانا ، و أماتكم مماتنا .

فأشهد على أبي عليه السلام أنه كان يقول :

ما بين أحدكم : و بين أن يرى ما تقر به عينه أو يغتبط ، إلا أن تبلغ نفسه هاهنا و أومأ بيده إلى حلقه ، و قد قال الله عز و جل في كتابه :

{ وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا  رُسُلاً مِّن قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً (38)} الرعد .

 فنحن : ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله [72].

وقال الإمام علي الرضا عليه السلام قال :

 يا أهل الكوفة : لقد أعطيتم خيرا كثيرا .

و إنكم : لمن امتحن الله قلبه للإيمان ، مستذلون مقهورون ممتحنون ، يصب البلاء عليهم صبا ، ثم يكشفه كاشف الكرب العظيم[73] .

وعن سعد بن طريف عن الأصبغ بن نباتة قال :  بينا نحن ذات يوم حول أمير المؤمنين عليه السلام في المسجد الكوفة .

 إذ قال : يا أهل الكوفة : لقد حباكم الله عز و جل بما لم يحب به أحدا .

 ففضل مصلاكم : و هو بيت آدم ، و بيت نوح ، و بيت إدريس ، و مصلى إبراهيم الخليل ، و مصلى أخي الخضر ،  و مصلاي .

و إن مسجدكم هذا : أحد الأربعة المساجد التي اختارها الله عز و جل لأهلها ، و كأني به يوم القيامة في ثوبين أبيضين شبيه بالمحرم ، يشفع لأهله و لمن صلى فيه ، فلا ترد شفاعته .

و لا تذهب الأيام : حتى ينصب فيه الحجر الأسود ، و ليأتين عليه زمان يكون مصلى المهدي من ولدي ، و مصلى كل مؤمن ، و لا يبقى على الأرض مؤمن إلا كان به ، أو حن قلبه إليه ، فلا تهجروه : و تقربوا إلى الله عز و جل بالصلاة فيه ، و ارغبوا إليه في قضاء حوائجكم ، فلو يعلم الناس ما فيه من البركة لأتوه من أقطار الأرض ، و لو حبوا على الثلج [74].

 وعن المفضل بن عمر قال:  قال أبو عبد الله عليه السلام :

 كأني أنظر إلى القائم : على منبر الكوفة ، و حوله أصحابه ثلاثمائة و ثلاثة عشر رجلا عدة أهل بدر ، و هم أصحاب الألوية ، و هم حكام الله في أرضه على خلقه [75].

وعن أبي الصامت عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

 طين الجنان : جنة عدن ، وجنة المأوى ، وجنة النعيم ، والفردوس ، والخلد .

و طين الأرض : مكة ، و المدينة ، و الكوفة ، و بيت المقدس ، و الحائر [76].

عن أبي نمير قال : قال أبو جعفر عليه السلام : إن ولايتنا عرضت على أهل الأمصار.

 فلم يقبلها قبول أهل الكوفة بشي‏ء ، وذلك أن قبر علي عليه السلام فيه .

 و أن لي الزلفة : لقبر آخر يعني قبر الحسين .

 و ما من آت أتاه : يصلي عنده ركعتين أو أربعا .

 ثم يسأل الله حاجته : إلا قضاها له ، و إنه لتحفة كل يوم ألف ملك [77].

ويا طيب : نسألكم الدعاء والزيارة ، وهذه زيارة كريمة مناسبة للكتاب فزره بها فداه أبي وأمي ونفسي وأهلي ومال ، بتدبر ، تعرف شرح ما ذكرنا كله وأكثر .

 

 

 

 

فضائل زيارة عاشوراء وما يزاره به الإمام الحسين من بعيد في كل يوم:

عن مالك الجهني عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :

من زار الحسين عليه السلام : يوم عاشوراء من المحرم ، حتى يظل عنده باكيا ، لقي الله تعالى يوم القيامة ، بثواب ألفي ألف ألف‏ حجة ، و ألفي ألف‏ ألف عمرة ، و ألفي ألف غزوة ، و ثواب كل حجة و عمرة و غزوة ، كثواب من حج و اعتمر و غزا مع رسول الله ، و مع الأئمة الراشدين صلوات الله عليهم أجمعين .

قال قلت : جعلت فداك فما لمن كان في بعد البلاد و أقاصيها ، و لم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم ؟

قال عليه السلام : إذا كان ذلك اليوم برز إلى الصحراء ، أو صعد سطحا مرتفعا في داره ، و أومأ إليه بالسلام ، و اجتهد على قاتله بالدعاء ، و صلى بعده ركعتين ، يفعل ذلك في صدر النهار قبل الزوال .

 ثم ليندب الحسين : و يبكيه ، و يأمر من في داره بالبكاء عليه ، و يقيم في داره مصيبته بإظهار الجزع عليه ، و يتلاقون بالبكاء بعضهم بعضا في البيوت ، و ليعز بعضهم بعضا بمصاب الحسين ،  فأنا ضامن لهم إذا فعلوا ذلك على الله عز و جل ، جميع هذا الثواب .

فقلت جعلت فداك : و أنت الضامن لهم إذا فعلوا ذلك و الزعيم به ؟

قال عليه السلام : أنا الضامن لهم ذلك و الزعيم لمن فعل ذلك .

قال قلت : فكيف يعزي بعضهم بعضا ؟

قال عليه السلام : يقولون :

عظم الله أجورنا بمصابنا بالحسين ،  و جعلنا و إياكم من الطالبين بثأره ، مع وليه الإمام المهدي من آل محمد .

فإن استطعت : أن لا تنتشر يومك في حاجة ، فافعل ، فإنه يوم نحس لا تقضي فيه حاجة ، و إن قضيت لم يبارك له فيها ، و لم ير رشدا ، و لا تدخرن لمنزلك شيئا ، فإنه من ادخر لمنزله شيئا في ذلك اليوم ، لم يبارك له فيما يدخره ، و لا يبارك له في أهله ، فمن فعل ذلك ، كتب له ثواب ألف ألف حجة ، و ألف ألف عمرة ، و ألف ألف غزوة ، كلها مع رسول الله ،  و كان له ثواب مصيبة كل نبي و رسول و صديق ، و شهيد مات أو قتل منذ خلق الله الدنيا إلى أن تقوم الساعة .

قال صالح بن عقبة الجهني : و سيف بن عميرة ، قال علقمة بن محمد الحضرمي ، فقلت لأبي جعفر عليه السلام :

علمني دعاء : أدعو به في ذلك اليوم ، إذا أنا زرته من قريب ، و دعاء أدعو به‏ إذا لم أزره من قريب ، و أومأت إليه من بعد البلاد ، و من سطح داري بالسلام .

قال فقال : يا علقمة ، إذا أنت صليت ركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام ، و قلت عند الإيماء إليه و من بعد الركعتين ، هذا القول ، فإنك إذا قلت ذلك ، فقد دعوت بما يدعو به من زاره من الملائكة ، و كتب الله لك بها ألف ألف حسنة ، و محا عنك ألف ألف سيئة ، و رفع لك مائة ألف ألف درجة .

و كنت ممن : استشهد مع الحسين بن علي ، حتى تشاركهم في درجاتهم ، و لا تعرف إلا في الشهداء الذين استشهدوا معه ، و كتب لك ثواب كل نبي و رسول ، و زيارة من زار الحسين بن علي منذ يوم قتل [78].

ويا طيب : أرجو أن لا تستبعد ما ذكر من الفضل والثواب لهذه الزيارة ، إن كنت صادقا في حب آل محمد عليهم السلام ومطيع لهم ، تعمل بهداهم وتنشر فضائلهم وتسعى بجد لتعليم نفسك وأهل بيتك معارفهم ، ولم تخلطه بخبائث الشيطان وما أضله به أعدائهم من العداء لشيعة آل محمد والمكر بهم ، بل تكون موالي محب للخير والمعروف والصلاح الذي دعا له الإمام الحسين بنهضته وثورته بكل وجودك ، فإن الدين والعبودية لله بما يحب ويرضى ، وهذا غايته أنت تكون معهم مع الشهداء والصديقين والصالحين رفيقا ولا شيء بعده هذا ولا أعلى .

 

 

نص زيارة الإمام الحسين عليه السلام :

السَّلَامُ عَلَيْكَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا خِيَرَةَ اللَّهِ وَ ابْنَ خِيَرَتِهِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ ابْنَ سَيِّدِ الْوَصِيِّينَ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ابْنَ فاطمة سَيِّدَةِ النِّسَاءِ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ يَا ثَارَ اللَّهِ وَ ابْنَ ثَارِهِ وَ الْوِتْرُ الْمَوْتُورُ ، السَّلَامُ عَلَيْكَ وَ عَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنِّي جَمِيعاً سَلَامُ اللَّهِ أَبَداً مَا بَقِيتُ وَ بَقِيَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ .

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : لَقَدْ عَظُمَتِ الْمُصِيبَةُ بِكَ عَلَيْنَا وَ عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ السَّمَاوَاتِ ، فَلَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً أَسَّسَتْ أَسَاسَ الظُّلْمِ وَ الْجَوْرِ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ، وَ لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً دَفَعَتْكُمْ عَنْ مَقَامِكُمْ وَ أَزَالَتْكُمْ عَنْ مَرَاتِبِكُمُ الَّتِي رَتَّبَكُمُ اللَّهُ فِيهَا ، وَ لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً قَتَلَتْكَ ، وَ لَعَنَ اللَّهُ الْمُمَهِّدِينَ لَهُمْ بِالتَّمْكِينِ مِنْ قِتَالِكُمْ .

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : إِنِّي سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَعَنَ اللَّهُ : آلَ زِيَادٍ وَ آلَ مَرْوَانَ ، وَ لَعَنَ اللَّهُ بَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً ، وَ لَعَنَ اللَّهُ ابْنَ مَرْجَانَةَ ، وَ لَعَنَ اللَّهُ عُمَرَ بْنَ سَعْدٍ ، وَ لَعَنَ اللَّهُ شِمْراً ، وَ لَعَنَ اللَّهُ أُمَّةً أَسْرَجَتْ وَ أَلْجَمَتْ وَ تَهَيَّأَتْ لِقِتَالِكَ .

يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : بِأَبِي أَنْتَ وَ أُمِّي ، لَقَدْ عَظُمَ مُصَابِي بِكَ .

فَأَسْأَلُ اللَّهَ : الَّذِي أَكْرَمَ مَقَامَكَ ، أَنْ يُكْرِمَنِي بِكَ ، وَ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكَ مَعَ إِمَامٍ مَنْصُورٍ مِنْ آلِ مُحَمَّدٍ .

اللَّهُمَّ : اجْعَلْنِي وَجِيهاً بِالحسين عِنْدَكَ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ .

يَا سَيِّدِي يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ : إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَى رَسُولِهِ ، وَ إِلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِلَى فاطمة ، وَ إِلَى الْحَسَنِ وَ إِلَيْكَ ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَ سَلَّمَ ، بِمُوَالَاتِكَ ، وَ الْبَرَاءَةِ مِمَّنْ قَاتَلَكَ ، وَ نَصَبَ لَكَ الْحَرْبَ وَ مِنْ جَمِيعِ أَعْدَائِكُمْ ، وَ بِالْبَرَاءَةِ مِمَّنْ أَسَّسَ الْجَوْرَ وَ بَنَى عَلَيْهِ بُنْيَانَهُ ، وَ أَجْرَى ظُلْمَهُ وَ جَوْرَهُ عَلَيْكُمْ وَ عَلَى أَشْيَاعِكُمْ ، بَرِئْتُ إِلَى اللَّهِ وَ إِلَيْكُمْ مِنْهُمْ .

وَ أَتَقَرَّبُ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ إِلَيْكُمْ : بِمُوَالَاتِكُمْ ، وَ مُوَالَاةِ وَلِيِّكُمْ ، وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، وَ مِنَ النَّاصِبِينَ لَكُمُ الْحَرْبَ ، وَ الْبَرَاءَةِ مِنْ أَشْيَاعِهِمْ وَ أَتْبَاعِهِمْ ، إِنِّي : سِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَكُمْ ، وَ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَكُمْ ، مُوَالٍ لِمَنْ وَالَاكُمْ ، وَ عَدُوٌّ لِمَنْ عَادَاكُمْ .

فَأَسْأَلُ اللَّهَ : الَّذِي أَكْرَمَنِي بِمَعْرِفَتِكُمْ ، وَ مَعْرِفَةِ أَوْلِيَائِكُمْ ، وَ رَزَقَنِي الْبَرَاءَةَ مِنْ أَعْدَائِكُمْ ، أَنْ يَجْعَلَنِي مَعَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، وَ أَسْأَلُهُ أَنْ يُبَلِّغَنِي الْمَقَامَ الْمَحْمُودَ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ ، وَ أَنْ يَرْزُقَنِي طَلَبَ ثَارِكُمْ مَعَ إِمَامٍ مَهْدِيٍّ نَاطِقٍ لَكُمْ .

وَ أَسْأَلُ اللَّهَ بِحَقِّكُمْ : وَ بِالشَّأْنِ الَّذِي لَكُمْ عِنْدَهُ ، أَنْ يُعْطِيَنِي بِمُصَابِي بِكُمْ أَفْضَلَ مَا أَعْطَى مُصَاباً بِمُصِيبَةٍ .

 أَقُولُ :

 إِنَّا لِلَّهِ وَ إِنَّا إِلَيْهِ راجِعُونَ ، يَا لَهَا مِنْ مُصِيبَةٍ ، مَا أَعْظَمَهَا وَ أَعْظَمَ رَزِيَّتَهَا فِي الْإِسْلَامِ ، وَ فِي جَمِيعِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ .

اللَّهُمَّ : اجْعَلْنِي فِي مَقَامِي هَذَا ، مِمَّنْ تَنَالُهُ مِنْكَ ، صَلَوَاتٌ ، وَ رَحْمَةٌ ، وَ مَغْفِرَةٌ  ، اللَّهُمَّ : اجْعَلْ مَحْيَايَ مَحْيَا مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ مَمَاتِي مَمَاتَ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ .

اللَّهُمَّ : إِنَّ هَذَا يَوْمٌ تَنْزِلُ فِيهِ اللَّعْنَةُ عَلَى آلِ زِيَادٍ وَ آلِ أُمَيَّةَ ، وَ ابْنِ آكِلَةِ الْأَكْبَادِ اللَّعِينِ بْنِ اللَّعِينِ ، عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكَ فِي كُلِّ مَوْطِنٍ وَ مَوْقِفٍ وَقَفَ فِيهِ نَبِيُّكَ ، اللَّهُمَّ : الْعَنْ أَبَا سُفْيَانَ وَ مُعَاوِيَةَ ، وَ عَلَى يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ اللَّعْنَةُ أَبَدَ الْآبِدِينَ، اللَّهُمَّ : فَضَاعِفْ عَلَيْهِمُ اللَّعْنَةَ أَبَداً ، لِقَتْلِهِمْ الحسين.

اللَّهُمَّ : إِنِّي أَتَقَرَّبُ إِلَيْكَ فِي هَذَا الْيَوْمِ ، وَ فِي مَوْقِفِي هَذَا ، وَ أَيَّامِ حَيَاتِي ، بِالْبَرَاءَةِ مِنْهُمْ ، وَ بِاللَّعْنِ عَلَيْهِمْ ، وَ بِالْمُوَالَاةِ لِنَبِيِّكَ ، وَ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكَ .

 

ثم تقول مائة مرة :

اللَّهُمَّ : الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ حَقَّ مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ آخِرَ تَابِعٍ لَهُ عَلَى ذَلِكَ ، اللَّهُمَّ الْعَنِ الْعِصَابَةَ الَّتِي حَارَبَتِ الحسين ، وَ شَايَعَتْ وَ بَايَعَتْ عَلَى قَتْلِهِ وَ قَتْلِ أَنْصَارِهِ ، اللَّهُمَّ الْعَنْهُمْ جَمِيعاً.

 

ثم قل مائة مرة :

السَّلَامُ عَلَيْكَ : يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، وَ عَلَى الْأَرْوَاحِ الَّتِي حَلَّتْ بِفِنَائِكَ ، وَ أَنَاخَتْ بِرَحْلِكَ ، عَلَيْكُمْ مِنِّي سَلَامُ اللَّهِ ، أَبَداً مَا بَقِيتُ ، وَ بَقِيَ اللَّيْلُ وَ النَّهَارُ ، وَ لَا جَعَلَهُ اللَّهُ آخِرَ الْعَهْدِ مِنْ زِيَارَتِكُمْ ، السَّلَامُ عَلَى الحسين ، وَ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الحسين  وَ أَصْحَابِ الحسين ، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ .

ثم تقول مرة واحدة :

اللَّهُمَّ : خُصَّ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ آلَ نَبِيِّكَ بِاللَّعْنِ ، ثُمَّ الْعَنْ أَعْدَاءَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ يَزِيدَ وَ أَبَاهُ ، وَ الْعَنْ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ زِيَادٍ وَ آلَ مَرْوَانَ ، وَ بَنِي أُمَيَّةَ قَاطِبَةً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ.

ثم تسجد سجدة تقول فيها :

اللَّهُمَّ : لَكَ الْحَمْدُ حَمْدَ الشَّاكِرِينَ عَلَى مُصَابِهِمْ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى عَظِيمِ رَزِيَّتِي فِيهِمْ ، اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَفَاعَةَ الحسين يَوْمَ الْوُرُودِ ، وَ ثَبِّتْ لِي قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَكَ مَعَ الحسين ، وَ أَصْحَابِ الحسين الَّذِينَ بَذَلُوا مُهَجَهُمْ دُونَ الحسين .

 قال يا علقمة : إن استطعت أن تزوره في كل يوم بهذه الزيارة من دهرك ، فافعل ، فلك ثواب جميع ذلك إن شاء الله تعالى :

 

وصلى الله وسلم وبارك وترحم وتحنن  : على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وعلى شيعتهم ومحبيهم أجمعين ،  والعن الله أعدائهم ومن حاربهم وقتلهم إلى يوم الدين ، وجعلنا الله وإياكم يا طيب مع نبي الرحمة وآله المصطفين الأخيار الأبرار الطيبين الطاهرين ، وفي أعلى مقام الصادقين المصدقين المحبين العالمين العاملين بكل ما علمونا من هدى الدين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين ، وأضاف لها ألف آمين .

 

تم تحقيق الكتاب وفهرسته ومراجعته وأعداده للانترنيت

يوم وفاة الشهيدة الصديقة فاطمة الزهراء بنت محمد أم الحسين عليها السلام .

وأرجو منها شفاعتها يوم العرض الأكبر فإنها شفيعة المحشر ، و سقانا الله وإياكم من ولايتهم و حوضهم
وكل من يقرأه وينشره ويعرفه للمؤمنين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين

اليوم الأربعاء 13 / 3 جمادى الأولى / 1431 للهجرة المباركة

28/4/2010 ميلادي  8/2/1398 هجري شمسي

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

 

 



[1] عدة الداعي ص196ر15 ، الكافي ج2ص480ح5 . 

[2] الكافي ج1ص208ح2 .

[3] تفسير مجمع البيان للطبرسي ج5ص97 ، مصنف ابن أبي شيبة ج6ص368ح 32084 . السنن الكبرى للنسائي ج5ص107ح8395 ، سنن ابن ماجه ج1ص141ح125 .

[4] مسند البزار ج5ص304 ح3898 . يا طيب ومر حديث عن الصديق أبي ذر يعرف حقه .

[5] تفسير فرات ‏الكوفي ص174ح174-225 ، 174-222 .

[6]الكافي ج1ص208ح1 ، ح2.

[7] الكافي ج1ص422ح50 .

[8]شرح‏ نهج ‏البلاغة ج9ص172ح18 وعن محمد بن أبي ليلى وعن أبي أيوب الأنصاري في الخصال ج1ص184ح 254 . تفسير فرات ‏الكوفي ص354 من سورة يس ح354-481 .

[9] العمدة ص222ف27 ، بحار الأنوار ج35ص413ح9 .

[10] الكافي ج8ص34ح6 .

[11] الكافي ج2ص78ح12 .

[12] الكافي ج2ص38ح5 .

[13] بحار الأنوار ج57ص241ب 37 .

[14] بصائر الدرجات ج33ص16ح1 . الكافي ج1ص215ح1 .

[15] الكافي ج1ص36ح2 .

[16] المناقب ج4ص316 وص351. بحار الأنوار ج10ص348ب19ح6 .

[17] تأويل‏ الآيات ‏الظاهرة ص442 ، تفسير نور الثقلين ج7ص280ح50 . وجاء ذكره في زيارة الناحية في إقبال ‏الأعمال ص575 .الخصال ج2ص375.

[18] الإرشاد ج2ص103 ، إعلام ‏الورى ص244ف4، بحار الأنوار ج45 ص20 .

[19] تفسير نور الثقلين ج5ص164ح138 .

[20] الأمالي ‏للصدوق ج334م54ح9 ، بحار الأنوار  ج27ص75ب4ح4.

[21] تفسير القمي ج1ص114 .

[22] تفسير القمي ج2ص109 ، بحار الأنوار ج38 ص 334ب68ح7 .

[23] الدعوات ص47ح116 ، فصل في ألح الدعاء و أوجزه ، بحار الأنوار ج90ص272ب13ح3.  

[24]مقتل الخوارزمي ج1 ص 74 ح18، بحار الأنوار ج39ص274ب87 . وعن ابن عباس في الدعوات ص90ح227 ، بحار الأنوار ج22ص283ب5ح46 . كشف‏ الغمة ج1ص95 . كشف ‏اليقين ص231م6 .

[25] تفسير فرات ‏الكوفي ص411 ، وبحارالأنوار ج7ص333ب17ح17 .

[26]ثواب ‏الأعمال ص157. تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة ص452. بحار الأنوار ج91ص56ب29ح30.

[27] بشارة المصطفى ص268.

[28] تفسير فرات ‏الكوفي ص585ح 585-755 .

[29] نهج‏ البلاغة ص355خ235 .

[30] الكشف والبيان  للثعلبى ج6ص84 . تاريخ الطبري ج2ص192. . وأنظر تفسير مجمع البيان الطبرسي ج5ص5 .بحار الأنوار ج35ص306ب9.

[31] بحار الأنوار ج29ص382رقم5 ، شرح نهج البلاغة ج16ص230 .

[32] فضائل‏ الشيعة ص12ح11، بحار الأنوار ج7ص178ح16 .

[33] الأمالي‏ للصدوق ص380م60ح10 . الأمالي ‏للطوسي ص424م15ح 952-9 .   الاحتجاج ج1ص194. بشارة المصطفى ص 58 . بحار الأنوار ج29ص417ح1 ب13 .

[34] بشارة المصطفى ص11، بحار الأنوار ج33 ص258ح531 .

[35]كمال ‏الدين ج1ص269ب24ح12 ، إعلام ‏الورى ص404ف2 ، الصراط المستقيم ج2ص129ف4 ، كشف ‏الغمة ج2ص511ب25.

[36]المعجم الكبير ج3ص65ح 267، في ضل. جامع الأحاديث ج33ص361ح36416 ،  عن البراء كنز العمال 37688 ، حياة الصحابة ج2ص235 . بحار الأنوار  ج43ص308ب12 .

[37] حلية الأولياء ج8ص305 ، المناقب ج3ص3 84 ، بحار الأنوار ج43ص283ب12ح49.

[38] الصراط المستقيم ج2ص241ف5 ، بحار الأنوار ج51ص110ب2ح4 .

[39] كفاية الأثر ص234 ، بحار الأنوار ج46ص19 ب2ح8 .

[40] كامل‏ الزيارات ص291ب99ح3 .

[41] الأمالي ‏للصدوق ص150م30 . بحار الأنوار ج58ص182ب44 . وفي سفينة البحار :

بأبي أنت وأمي .

[42] مثير الأحزان ص18 ، كشف‏ الغمة ج2ص58ح12 ، بحار الأنوار ج40ب30ص246ح46.

[43] مثير الأحزان ص81 . مسند الصحابة في الكتب التسعة ج30ص185ح610 .مسند أحمد بن حنبل رقن 2553 وقال محققه: إسناده قوي على شرط مسلم .ذخائر العقبى ج1ص148 .

[44]كامل‏ الزيارات  ص79ب6ح2 . المناقب ج4ص99 .

[45] الفصول ‏المختارة ص130 ، أوائل المقالات ص73ح49 تصحيح الأعتقاد ، متشابه القرآن ج2ص100 ، بحار الأنوار ج97ص184ب3ح10 .

[46]إقبال الأعمال 604 ، بحار الأنوار ج97ص184ب3ح11 ، وتوجد في مفاتيح الجنان .

[47]فرحة الغري ص94ب6 ، كتاب المزار ص87ب43 ، البلد الأمين ص291 . إرشاد القلوب ج2ص441 ، بحار الأنوار ج97ص279ب4 .

[48] بحار الأنوار ج97ص335ب4ح32. عن المزار الكبير .

[49] عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج2ص272ح1 ، من ‏لا يحضره ‏الفقيه ج2ص609ح3213 .

[50] علل‏ الشرائع ج1ص9ب9ح1 . بحار الأنوار ج22ص543ح22 .كنز الفوائد ج1ص328.

[51] كامل ‏الزيارات ص223ح17، بحار الأنوار ج98ص182ب18ح30 .

[52] مصباح ‏المتهجد ص719 ، المصباح ‏للكفعمي ص501 ، إقبال الأعمال ص333 ، بحار الأنوار ج98ص200ب18ح32 ، البلد الأمين ص288 .   

[53] مصباح‏ المتهجد ص722 ،  البلد الأمين ص289 ،  إقبال ‏الأعمال ص335 . بحار الأنوار ج98ص200ب18ح32 .

[54] تاريخ الطبري ج3ص316 .

[55] إقبال ‏الأعمال  ص713 ، بحار الأنوار ج45ص64ب37 .

[56] عيون ‏أخبار الرضا ج1ص216ب20ص1 .الاحتجاج ج2ص436.الكافي ج1ص201. 

[57] نهج‏ البلاغة ص324رقم 207 .

[58] بحار الأنوار ج45ص46ب37 .

[59] بصائر الدرجات ص294ب11ح9 ، بحار الأنوار ج38ص88ب60ح9 .

[60] بصائر الدرجات ص229ب5ح5 ، بحار الأنوار ج17ص145ب17ح23 .

[61] المحاسن ج2ص333ح111،بحار الأنوار ج26ص241ب5ح4 .

[62] تفسير فرات ‏الكوفي ص417ح 417-554 .بحار الأنوار ج24ص151ب45ح38 .

[63] الأمالي ‏للطوسي ص224م8ح390-40 ، بشارة المصطفى ص110 .

[64] الكافي ج2ص188ح7 .

[65] كنز الفوائد ج2ص83 .

[66] كفاية الأثر ص 245 .

[67] كشف‏الغمة ج2ص141 .

[68] الكافي ج5ص53ح2 .تهذيب ‏الأحكام ج6ص122ب54ح4 .

[69] الكافي ج2ص640ح6 . المحاسن ج1ص266ب34ح345 .

[70] تأويل ‏الآيات‏ الظاهرة ص450 ، بحار الأنوار ج25ص213ب7ح4 .

[71] الأمالي ‏للصدوق ص 131م27 ح7 .بحار الأنوار ج43ص247ب11 .

[72]الكافي ج8ص81ح38.أمالي ‏الطوسي ص678ح37ح1440-19. بشارة المصطفى ص81.

[73] إقبال‏ الأعمال ص468 .

[74] الأمالي ‏للصدوق ص227م40ح8 . من ‏لا يحضره‏ الفقيه ج1ص231ح696 ، وسائل‏ الشيعة ج5ص257ب44ح6484 .

[75] كمال ‏الدين ج2ص672ب58ح25 .

[76] الكافي ج1ص389 .

[77] ثواب ‏الأعمال ص88 . بصائر الدرجات ص77ح4 .

[78] كامل‏ الزيارات ص174ب71ح8 . بحار الأنوار ج98ص290ب24ح1 .

 

تم تحقيق الكتاب وفهرسته ومراجعته وأعداده ورفعه للانترنيت

يوم وفاة الشهيدة الصديقة فاطمة الزهراء بنت محمد أم الحسين عليها السلام .

وأرجو منها شفاعتها يوم العرض الأكبر فإنها شفيعة المحشر ، و سقانا الله وإياكم من ولايتهم و حوضهم
وكل من يقرأه وينشره ويعرفه للمؤمنين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين

اليوم الأربعاء 13 / 3 جمادى الأولى / 1431 للهجرة المباركة

28/4/2010 ميلادي  8/2/1398 هجري شمسي

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com