بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء الثامن

نور الإمام الحسين عليه السلام

صحيفة

 نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

الجزء الثامن

سفينة نجاة

 شرح خطبة الشقيقة عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

 

الإشعاع التاسع عشر :

العقيلة بعد خطبتها تولي عمن تولى عنهم والويل له :

يا طيب : بعد ما عرفت من خطبة العقيلة والإمام ، قال الراوي حذلم بن ستير :

ثم سكتت ، ثم ولت عنهم .

والمعنى :  ثم سكتت : ثم : حرف من حروف النسق لا تشرك ما قبلها بما بعدها، إلا أنها تبين الآخر من الأول .ومعناه هناك للتبعيد .

سكتت : السكت والسكوت : خلاف النطق والكلام ، وهو الصمت ، وقد سكت يسكت سكتاً ، وسكت : سكن عن الحركة ، والسكوت : لسكون حركة الفم  وحبسه عن الحركة ، وسكت : كظم غيضه ، ويقال : تكلم الرجل ثم سكت ، بغير ألف ، فإذا قطع فلم يتكلم قيل: أسكت ، وسكت : تعمد السكوت ، و رجل سكت : قليل الكلام ، فإذا تكلم أحسن .

وكلام العقلية وسكوتها عليه السلام : في بيان حق شقيقها وآله ، يشبه كلام أمير المؤمنين وسكوته عليه السلام في الخطبة الشقشقية حين يعرف حقه ، إذ قال :

أَمَا وَ اللَّهِ : لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلَانٌ ، وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى ، يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ .

فَسَدَلْتُ دُونَهَ : ثَوْباً ، وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً ، وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ ، وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ.

فَرَأَيْتُ : أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى ، وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا ، أَرَى تُرَاثِي نَهْباً ... [111].

والإمام الحسين عليه السلام : حتى لم يمهلوه ليسكت ويتجنبهم ، بل أجبر إما على البيعة للطغاة وأهل الفجور ، أو رفض بيعتهم والنهوض حتى الشهادة ، وهم يعلمون أنه سيد شباب أهل الجنة وولي الله بعد آبائه ، ولكنهم طغوا وعتوا حتى قتلوه وفعلوا ما فعلوا بآل محمد صلى الله عليه وسلم .

وإن آل محمد كجدهم وأبيهم : يعلمون أن محلهم من الخلافة على المسلمين والولاية لهم هو محل القطب من الرحى ، والمركز ووسط القطر من الدائرة ، وإنهم تنصب لهم من الله تعاليمه ، وتنحدر منهم معارف عظمته ، ويصاب عندهم هدى الله ودينه الحق ، ولا يرقى ولا يصل لمقامهم من الناس فرد ، ولا يصل لمنزلتهم ولا يقاسم بهم أحد ، وإن من يخالفهم تنقطع نفسه كذبا مهما برر بما يتكلم ، وتشدق بما تعلم وعلم .

فالعقيلة عليها السلام : بسكوتها ، قد أسدلت دون كلامهم ثوب كظم الغيظ ، وطوت موليه عنهم جانبها ، وكاشحة المخاصمة مقهورة مظلومة ، وحتى يأتي الله بأمره ويعلم نبأه بعد حين .

فصبرت عليه السلام كأبيها : وفي العين قذى ، وهو ما يقع في العين فيؤذيها كالغبار و نحوه ، وفي الحلق شجى : وهو ما ينبت في الحلق من عظم و نحوه فيغص به ، و المثلان كنايتان : عن النقمة ، و مرارة الصبر ، و التألم من الغبن ، وما بها من المصائب التي حملها عليهم أهل الكوفة وحكامهم أولياء الشيطان .

فقد نهب الحكام الطغاة : بظلمهم منصب جعله الله سبحانه لآل محمد عليهم السلام بعد جدهم ، وولاية عرفها سبحانه لكل عباده بأنها حقهم ، وإمامة أوجب طاعتها على كل المسلمين لهم ، فإنها عليه السلام ولت عنهم غير راضية ومغاضبة لهم كأمها الزهراء عليه السلام حين زارها الاثنان والحاكمان الأولان ، وقد قال رسول الله : إن الله يرضى لرضاها ويغضب عن غضبها ، وإن رسول الله سلم لمن سالمهم وحرب لمن حاربهم ، فهي ولت عمن لم يتلوهم ، ولذا قال الراوي :

 

ثم : ولت عنهم :

 ولي :

الولي : هو القرب ، يقال : تباعد بعد ولى أي بعد قرب ، وجلس مما يليني أي يقاربني ، و كل مما يليك : أي مما يقاربك ، والولي المطر يجيء بعد الوسمي ، سمي بذلك لأنه يلي الوسمي ، والولي و المولى يطلق على : المعتق ، والمعتق ، والصاحب ، والحليف ، وابن العم ، والناصر ، والجار . كل هؤلاء من الولي ، وهو القرب ، وكل من ولى أمر آخر فهو وليه . وفلان أولى بكذا : أي أحرى به وأجدر . و الولي : ضد العدو ، و الأولياء : ضد الأعداء .

تَوَلَّى الشَّيءَ : لَزِمه ، و وَلَّى الشيءُ و تَوَلَّى: أَدْبَرَ، و وَلَّى عنه: أَعْرَضَ عنه أَو نَأَى، و تَوَلَّى عنه: أَعْرَضَ .

فمعنى الولي : هو الأولى بتولي أمر ما والاعتناء به ورعايته ، إما لحق ذاتي أو شرعي أو عرفي له أو عليه وقد تجتمع الولاية لعدة حقوق.

 فالولي : المتخذ لأمر تحت رعايته وعنايته ، أي المعتني بأمر مع المحبة والمعونة والنصرة ، أي المتولي لأمر بعناية خاصة ، أي المعتقد بأمر مع الإيمان بوجوب المحافظة عليه ، وقد يكون بحق أو لا ، وصالحا أو لا ، وقد يكون مع الإيمان وعلما وعملا ، أو لا بعدم المبالاة ، أو مع المعاندة متوليا لما لا يستحق المولاة أي مولاة مخالفة الحق وإعراض عن الحق والتولي لخلافه وهو الباطل وهو معنى تولى عنه أي عن الحق ، وقد يكون ولى عن الباطل وتولى الحق ، فهو الولي بالحق والمعرض عن الباطل .

وكل معاني ولي : ترجع لمعنى واحد ، هو التوجه لأمر مادي أو معنوي مع حب المحافظة عليه وإظهار بعض آثار التولي له كلا أو بعضا أيمانا وفعلا وحسب القدرة و الاستطاعة وأهمية الأمر ، وهو يتضمن تعهد القيام بأمر يوجب صلاحه علما وعملا.

فروح معنى الولي وأسه : وهو الأولى والأحق بالعناية والرعاية لأمر ما .

ويا طيب : قد كتبنا قسم من صحيفة في معنى الولاية ، والتولي لآل محمد صلى الله عليهم وسلم وأسأل الله تمامها ، وهنا أذكر أحاديث تشرح وتوضح أهمية وثواب من وتولى آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وعقاب من أعرض عنهم أو أعرضوا عنه ولم يقبلوا ولايته وتوليهم لهم>

 لنعرف معنى تولت عنهم: ومن يتولى عنه ويعرض عنه رسول الله وآله فهو في خزي الدنيا والآخرة ، ومن يتولوه ورضوا بولايته لهم نجى وفاز ، ولا يكون توليهم إلى مع الود لهم والتصديق بتعاليمهم دون غيرهم ، جعلنا الله معهم :

عن عمار بن موسى الساباطي قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :

 إن أبا أمية : يوسف بن ثابت حدث عنك :

 أنك قلت : لا يضر مع الإيمان عمل، و لا ينفع مع الكفر عمل .

فقال عليه السلام : إنه لم يسألني أبو أمية عن تفسيرها ، إنما عنيت بهذا :

أنه من عرف : الإمام من آل محمد عليهم السلام و تولاه ، ثم عمل لنفسه بما شاء من عمل الخير قبل منه ذلك ، و ضوعف له أضعافا كثيرة ، فانتفع بأعمال الخير مع المعرفة ، فهذا ما عنيت بذلك .

 و كذلك : لا يقبل الله من العباد الأعمال الصالحة التي يعملونها ، إذا تولوا الإمام الجائر الذي ليس من الله تعالى .

فقال له عبد الله بن أبي يعفور : أ ليس الله تعالى  قال :

{ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ (89) } النمل .

 فكيف لا ينفع العمل الصالح ممن تولى أئمة الجور ؟

فقال له أبو عبد الله عليه السلام :

و هل تدري : ما الحسنة التي عناها الله تعالى في هذه الآية :

 هي و الله : معرفة الإمام و طاعته .

و قال عز و جل : { وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ  فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (90) } النمل .

و إنما أراد بالسيئة : إنكار الإمام الذي هو من الله تعالى .

ثم قال أبو عبد الله عليه السلام :

 من جاء يوم القيامة : بولاية إمام جائر ، ليس من الله .

 و من جاء : منكرا لحقنا ، جاحدا بولايتنا ، أكبه الله تعالى يوم القيامة في النار[112].

يا طيب : ينطبق على كلام الإمام كل آيات الولاية ، والمباهلة ، وآية المودة ، وآية الإمامة وهي قوله تعالى :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ  كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

 وَمَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي  الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

فمن لم يتولى الإمام الحق : ولم يرعى حرمته ليس له من الله شيء ، وهو من أولياء الشيطان ويرعى حقوق الطغاة ويخاف سطوتهم أو يطمع بما عندهم من زينة الدنيا ، وهو أعمى في الآخرة ، وتولى الله عنه ولم يكرمه ، ومن تولى إمام الحق :دخل ولاية الله وتولاه الله بما يصلح حاله معه ويوم القيامة يجزى الجزاء الحسن .

وقد قال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ  أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَ

وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ

إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ  سَمِيعًا بَصِيرًا (58)

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ

أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ

فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) } النساء .

ويا طيب : إن أمانة الله ورسوله والثقلين النفيسين الذين خلفهما الله ورسوله في المسلمين بعد سيد المرسلين ، هم آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وهم أولياء الله ، وبهم أوصى الله ورسوله ، وكل آيات الولاية والإمامة والمودة توجب حقهم ، وإن من يخالفهم ويتولى عنهم أو تولو عنه فهو من أولياء الشيطان وولي للظالمين لآل محمد والغير حافظين لحقهم ولا مراعين لحرمته ، والله سبحانه قال :

{ وإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ

 وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (19) } الجاثية .

وهذا المعنى تجده : واضحا في آية الكرسي والآيتين بعدها أيضا .

فإن العروة الوثقى والولاية لله : وقد خصها بتولي أوليائه من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، لأنه طهرهم وصدقهم وأوجب ودهم وكرمهم بالأنفال ، وسيادة الوجود في الدنيا والآخرة ، ومن لم يتولهم ولم يرجع لهم ، فهو في ضلال أئمة الكفر وطغيانهم أعمه متحير لا ولي له ينصره من أمر الله ونبأه بعد حين ، فإنه قد أتى أمر الله فلا تسعجلوه ، ويجازي كل محسن تابع للحق بإحسانه ، والظالمين وأولياءهم حبط عملهم وخسروا الدنيا والآخرة وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ، وفي هذا المعنى جاء أيضا :

عن الإمام موسى بن جعفر عن آبائه عليهم السلام قال :

طلب النبي : علي ، قبل وفاته بقليل ، و قال : أتاني جبرائيل برسالة ، و أمرني أن أبعثك بها إلى الناس ، فأخرج و ناد فيهم و قل :

أيها الناس : يقول لكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أتاني جبرائيل برسالة من الله ، و أمرني أن أبعث بها إليكم مع أميني علي بن أبي طالب .

اخرج فناد :

 ألا من ظلم : أجيرا أجرته فعليه لعنة الله .

ألا من تولى : غير مواليه فعليه لعنة الله .

 ألا من سب : أبويه فعليه لعنة الله .

فنادى : بذلك ، فدخل عمر و جماعة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم و قالوا : هل من تفسير لما نادى به ؟

 قال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم إن الله قال :

{ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى (23) } الشورى  .

 فمن ظلمنا : فعليه لعنة الله .

و يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أ لست أولى بالمؤمنين من أنفسهم .

من كنت مولاه فعلي مولاه .

فمن توالى : غيره ، و غير ذريته ، فعليه لعنة الله .

و أشهدكم : أني أنا و علي أبوا المؤمنين ، فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله .

فلما خرجوا : قال عمر ، يا أصحاب محمد ، ما أكد النبي عليكم الولاية لعلي بغدير خم و لا غيره ، بأشد من تأكيده في يومنا هذا .

قال خباب بن الأرت : كان ذلك قبل وفاة النبي بسبعة عشر يوما  [113].

عن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 يا علي : أنت من أئمة الهدى ، و أولادك منك ، فأنتم قادة الهدى و التقى .

 و الشجرة : التي أنا أصلها و أنتم فرعها .

 فمن تمسك : بها فقد نجا ، و من تخلف عنها فقد هلك و هوى .

و أنتم الذين : أوجب الله مودتكم و ولايتكم .

و الذين : ذكرهم الله في كتابه ، و وصفهم لعباده .

فقال عز و جل من قائل : { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)

ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) } آل عمران  .

فأنتم : صفوة الله من آدم و نوح ، و آل إبراهيم ، و آل عمران .

وأنتم الأسرة : من إسماعيل .

والعترة الهادية : من محمد صلوات الله عليهم أجمعين[114].

 

الويل لمن ولت عنه العقيلة :

يا موالي : بعد أن عرفت معنى من تولاهم ومن تولوه ومن يعرض عنهم ويعرضوا عنه ، فأعرف أن هذا اليوم الذي تخاطب به العقيلة أهل الكوفة وتعرف فيه هدى الله ، وهو مثل يوم شهادة الإمام الحسين ومثل يوم وفاة رسول الله ، مثل وفاة أمها وأبيها عليهم السلام ، وهي أسيرة مظلومة مهضوم حقها .

هو يوم : من مصائب الدهر وبلائه لكل المؤمنين فضلا عن العقيلة وآلها ، والله يعرف حجته البالغة بكلام أئمة الدين وآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، فكانت في كل تصرفها حتى توليها عنهم هو من بيان غيظها وغصتها وعدم رضاها عنهم .

 وإن زينب هي فاطمة الزهراء : وإن رضا أمها ورسول الله من رضاها .

والويل : لمن أعرضت علنه وولت وجهها عنه في الدنيا والآخرة ، ولنتعرف على مقام فاطمة الزهراء ومقام من يتولاها ، ومن تتولى عنه ويعرض عنها ، وإن زينب كانت مع أمها وأبيها وجدها وأخوتها في كل أخر لحظاتهم وإن لم تذكر بالاسم ، لأنها عليها السلام ولدت في زمن النبي الأكرم صلى الله عليه وسلم وكان عمرها أكثر من خمس سنوات حين وفاته صلى الله عليه وآله ، و نختم الشرح لخطبة العقيلة ، بهذا الحديث الذي يعرفنا اجتماعها وآله بالنبي الأكرم في أخر لحظات حياته والوصية لهم وبهم :

عن موسى بن جعفر عن أبيه عليه السلام قال :

لما كانت الليلة : التي قبض النبي صلى الله عليه وآله في صبيحتها .

دعا علي : و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام .

و أغلق : عليه و عليهم ، الباب .

و قال صلى الله عليه وآله : يا فاطمة و أدناها منه فناجاها من الليل طويلا .

 فلما طال ذلك : خرج علي و معه الحسن و الحسين ، و أقاموا بالباب و الناس خلف الباب و نساء النبي ينظرن إلى علي و معه ابناه .

قال علي عليه السلام : فما لبثت أن نادتني فاطمة ، فدخلت على النبي و هو يجود بنفسه ، فبكيت و لم أملك نفسي حين رأيته بتلك الحال يجود بنفسه .

فقال لي : ما يبكيك يا علي ، ليس هذا أوان البكاء ، فقد حان الفراق بيني و بينك ، فأستودعك الله : يا أخي ، فقد اختارني ربي لما عنده .

 و إنما بكائي و غمي و حزني : عليك ، و على هذه أن تضيع بعدي‏ .

فقد أجمع القوم : على ظلمكم ، و قد أستودعكم الله ، و قبلكم مني وديعة .

يا علي : إني قد أوصيت فاطمة ابنتي بأشياء ، و أمرتها أن تلقيها إليك ، فأنفذها .

فهي : الصادقة الصدوقة ، ثم ضمها إليه ، و قبل رأسها ، و قال :

فداك أبوك : يا فاطمة ، فعلا صوتها بالبكاء ، ثم ضمها إليه .

و قال : أما و الله لينتقمن الله ربي و ليغضبن لغضبك .

فالويل

ثم الويل

ثم الويل

 للظالمين .

ثم بكى رسول الله .

 قال علي عليه السلام : فو الله لقد حسبت بضعة مني قد ذهبت لبكائه ، حتى هملت عيناه مثل المطر ، حتى بلت دموعه لحيته و ملاءة كانت عليه ، و هو يلتزم فاطمة لا يفارقها ، و رأسه على صدري ، و أنا مسنده .

و الحسن و الحسين : يقبلان قدميه ، و يبكيان بأعلى أصواتهما .

قال علي عليه السلام : فلو قلت إن جبرائيل في البيت لصدقت ، لأني كنت أسمع بكاء و نغمة لا أعرفها ، و كنت أعلم أنها أصوات الملائكة ، لا أشك فيها ، لأن جبرائيل لم يكن في مثل تلك الليلة يفارق النبي .

و لقد رأيت : بكاء منها ، أحسب أن السماوات و الأرضين قد بكت لها .

ثم قال لها : يا بنية : الله خليفتي عليكم ، و هو خير خليفة .

و الذي بعثني بالحق : لقد بكى لبكائك عرش الله و ما حوله من الملائكة و السماوات و الأرضون وما فيهما .

 يا فاطمة : و الذي بعثني بالحق ، لقد حرمت الجنة على الخلائق حتى أدخلها .

و إنك : لأول خلق الله يدخلها بعدي ، كاسية حالية ناعمة .

يا فاطمة : هنيئا لك ، و الذي بعثني بالحق ، إنك لسيدة من يدخلها من النساء .

و الذي بعثني بالحق : إن جهنم لتزفر زفرة لا يبقى ملك مقرب ، و لا نبي مرسل ، إلا صعق .

 فينادى إليه : أن يا جهنم ، يقول لك الجبار : اسكني بعزي و استقري .

حتى تجوز فاطمة بنت محمد إلى الجنان .

 لا يغشاها قتر و لا ذلة .

و الذي بعثني بالحق : ليدخلن حسن و حسين ، حسن عن يمينك ، وحسين عن يسارك .

و لتشرفن : من أعلى الجنان بين يدي الله في المقام الشريف .

 و لواء الحمد : مع علي بن أبي طالب ، يكسى إذا كسيت ، ويحبى إذا حبيت.

و الذي بعثني بالحق : لأقومن بخصومة أعدائك ، و ليندمن قوم أخذوا حقك ، و قطعوا مودتك ، و كذبوا علي ، و ليختلجن دوني .

فأقول : أمتي أمتي . فيقال : إنهم بدلوا بعدك و صاروا إلى السعير[115] .

وهذا شأنهم الكريم : عند الله وملائكته ورسله ودرجاتهم في ملكوت الله وجنته ونعيمه الأبدي لهم ولمن يتولاهم ويتولوه ولم يعرضوا عنه ولم يغضبوا عليه ، وبكائهم وحنينهم بكاء وحنين من القلب صادق ، لا بكاء وحنان متملق كاذب ، والقوم في كل زمان يبكون عليهم ويدعون حبهم ، لكن لا يرضون بعلمهم ولا يصدقوهم في شيء ، بل يهجروهم ويولون أعدائهم عليهم ويتولون من يفتي بقتلهم ويحرم قربهم والتعلم منهم ، فماتوا آل محمد النبي وفاطمة وعلي والحسن والحسين وكل من يحبهم غضبى على أعدائهم لا يرضون عنهم أبدا وقد جاء :

عن رسول الله صلى الله عليه و آله قال :

 يا فاطمة ، إن الله تعالى ليغضب لغضبك ، و يرضى لرضاك  [116].

وعن علي بن الحسين عن الحسين بن علي عن علي بن أبي طالب عليهم السلام:  عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

يا فاطمة : إن الله تبارك و تعالى ، ليغضب لغضبك ، و يرضى لرضاك .

قال : فجاء صندل ، فقال لجعفر بن محمد عليه السلام :

 يا أبا عبد الله : إن هؤلاء الشباب يجيئونا عنك بأحاديث منكرة ؟

فقال له جعفر عليه السلام : و ما ذاك يا صندل ؟

قال: جاءنا عنك أنك حدثتهم، أن الله يغضب لغضب فاطمة ، ويرضى لرضاها .

قال فقال جعفر عليه السلام : يا صندل أ لستم رويتم فيما تروون ، إن الله تبارك و تعالى ليغضب لغضب عبده المؤمن ، و يرضى لرضاه . قال : بلى .

قال عليه السلام : فما تنكرون أن تكون فاطمة عليه السلام مؤمنة ، يغضب الله لغضبها ، و يرضى لرضاها .

قال فقال صندل : الله أعلم حيث يجعل رسالته[117] .

وروى القوم عن عائشة :

فلما توفيت فاطمة : دفنها علي ليلا ، ولم يؤذن أبا بكر ، وصلى عليها.[118]

وعن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام : لأي علة دفنت فاطمة ع بالليل و لم تدفن بالنهار ؟

قال : لأنها أوصت أن لا يصلي عليها رجال [119].

قال أبو بكر : و حدثني المؤمل بن جعفر قال : حدثني محمد بن ميمون عن داود بن المبارك قال : أتينا عبد الله بن موسى بن عبد الله بن حسن بن الحسن ، و نحن راجعون من الحج في جماعة ، فسألناه عن مسائل ، و كنت أحد من سأله ، فسألته عن أبي بكر و عمر ؟

 فقال : سئل جدي عبد الله بن الحسن بن الحسن عن هذه المسألة ، فقال :

كانت أمي صديقة بنت نبي مرسل : فماتت و هي غضبى على إنسان.

 فنحن غضاب لغضبها ، و إذا رضيت رضينا [120].

 

فالصديقة سيدة النساء فاطمة وأبيها وزوجها وبنيها : قد غضبوا سابقا على من غصب حقهم ولم يحفظ حرمتهم ، ومنعهم من تعليم الهدى واختيار الصالحين لولاية المسلمين ، وتعليمهم حقائق الدين من غير فكر وقياس ، وعلى كل من رضي بقتل آلهم أو تابع أعدائهم ، سواء في زمانهم أو في آي زمان أو مكان كان ، فكيف بغضبهم على من قتل آلهم وأسر عترتهم وسبى ذريتهم ، ولله إنهم لأشد غضبا على كل من يرضى بذلك ولو كان يعبد الله بفكر أعدائهم عبادة الثقلين ، وليس لهم من شفاعة رسول الله ولا فاطمة ولا آلها نصيب .

 وإن العقيلة زينب بنتهم عليها السلام : قد تولت مغاضبة عمن أعان على قتل أخيها أو أسرها أو رضي عمن ظلمهم ، والويل الويل ثم الويل لمن تولوا عنه ولم يتولوه ، وبالخصوص من تولى أعدائهم ، والنجاة والفوز والكرامة والولاية والنعيم والرضا من الله ورسوله وآله الطيبين الطاهرين ومن كل المؤمنين المخلصين لمن تولاهم حقا ثم تولوه كما عرفت في الحديث السابق ، وهذا حق الدين وصادق الهدى وواقع القيامة .

جعلنا الله وإياكم يا طيب : مع النبي وآله في الدنيا والآخرة  ، وأسأل الله أن يجعلنا معهم في ولايته ويخرجنا من الظلمات إلى النور ، ويخرجنا من ولاية الشيطان وأتباعه الطاغين والذين هم في الناري خالدين ، ويبعدهم عنا أبد الآبدين ، فإنه ولي حميد وهو أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين

 

 

 

 

 


 

 

 

 

الإشعاع العشرون

شقيقة الإمام الحسين العقيلة بخطبتها تجعل الناس حيارى كأنهم سكارى

قال راوي خطبة العقيلة حذلم يصف حال الناس بعد خطبة العقيلة :

فولله :

لقد رأيت الناس : حيارى ، كأنهم سكارى .

يبكون : ويحزنون ، ويتفجعون ، ويتأسفون .

 وقد ردوا أيديهم في أفواههم .

والمعنى :

فو الله : الفاء : عاطفة ، و الواو : هنا تكون للقسم ، أي والله أقسم ، فالراوي : يقسم بالله ليؤكد قوله ، ويطلب تصديقه بأنه بحق ، فيقول ويؤكد تحققه مرة أخرى بقد :

 لقد رأيت الناس :

و الرِّئْيُ و الرُّواءُ و المَرْآةُ : المَنْظَر ، و فلان مِنِّي بمَرْأىً و مَسْمَعٍ : أَي بحيث أَراهُ و أَسْمَعُ قولَه  بعيني رؤية . و رأيته : رأي العين : أي حيث يقع البصر عليه ، و تراءى القوم : رأى بعضهم بعضا، و الرُّؤيَةُ : النَّظَرُ بالعَيْن و القَلْب ، و رأيته رأي العلم أي علمته .

والناس : أي أهل الكوفة : الذين اجتمعوا لرؤية الركب من آل محمد صلى الله عليه وآله وذريته و عترته أسرى مسبيين بيد أعداء الله ورسوله ، وإنهم بعد سماعهم لكلام العقيلة عليه السلام ، وكان فيهم المحزون والشامت ، فيصف الراوي حال أهل الكوفة :

 

حيارى : كأنهم سكارى :

ومعنى الكلمات هي :

حيارى :

حير : يقال : حار بصره يحار حيرة و حيرا ، و ذلك إذا نظرت إلى الشيء فغشي بصرك ، و هو حيران تائه‏ لم يهتدي لسبيل ، ولم يدري ما يفعل ، ولم يتجه لشيء وأمر يعمله ، و الحيران : المتردد في أمر لا يهتدي إلى المخرج منه ، و الفعل منه حار يحار حيرة و رجل حائر و حيران ، و الحيران وقوم حيارى : يضطربون ويختلطون تائهون .

وأهل الكوفة : بعد خطبة شقيقة أبا عبد الله الحسين العقيلة  عليه السلام كان حالهم يحكي معرفتهم بأنهم صاروا بظلمهم لآل محمد وطاعتهم لأولياء الشيطان وأئمة الضلال من أبتاع الشياطين وتركوا واقعا السير على المحجة وحادوا عن استقامة السبيل فـ.

 

كأنهم سكارى :

والكاف : للتشبيه ، و أن : حرف ، و هم : ضمير جمع يرجع لأهل الكوفة ، وهم المشبهون بالحيارى ، وشدت حيرتهم كانت كأنهم :

سكارى : المشبه به ، والسكر : نقيض الصحو ، والسكر : هو سكر الشراب، و سكر المال ، و سكر السلطان .  و سكرة الموت : غشيته ، والسَّكْرَانُ: خلاف الصاحي ، وقد أخذ الرواية تشبيهه لأهل الكوفة وحيرتهم بالسكارى بعد سماعهم للخطبة وعظيم الرزية بآل محمد عليهم السلام وتقصيرهم في نصرهم وبل أعانوا الظالمين عليهم من قوله تعالى :

{ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ  وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا

وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى

وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ (2)} الحج .

فأهل القيامة : سكارى من عذاب الله ، ومما يرون من أهوال يوم القيامة ، وما ينتظرهم من الحساب والعقاب .

وأهل الكوفة : فهم سكارى جهالتهم وما قادهم ضلالهم إليه من سوء العاقبة و ارتكاب ما يوجب الذل والسمعة السيئة ولعنة الله ، فأخذهم الخوف والفزع والهلع على ما سينالهم من عذاب الله ، وتأنيب كرام التأريخ ومنصفي الأمم ،، فصاروا كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما جهلوا وخطلهم في فعلهم وخبثه ، فإنهم يضطربون اضطراب السكران ، وهو نتيجة شدة تأنيب العقيلة لهم ، وهو كلام كريم أرعب الناس من أهل الكوفة وأفقدهم صوابهم ، ويجب أن يحسبه حق كل مؤمن بل يجب أن يعتقده.

فإن بيان العقيلة في خطبته : كان بيان صريح فصيح بليغ في شرح الفاجعة التي حلت بهم والمصيبة التي أوجدها فيهم أهل الكوفة ، فعرفوا بكلامها حقائق كريمة لم يرعوا حرمتها ، ولا حفظوا دين الله بها ، ولا سنة رسوله ووصيته في آله ، فبهتوا ودهشوا ، ولذا قال الرواية يضيف لتعريف حالهم بأنهم كانوا أيضا :

 

يبكون ، ويحزنون ، وبتفجعون :

ويبكون  : بكى : يبكي بكى و بكاء ، بالقصر و المد ، و قيل : القصر مع خروج الدموع، و المد على إرادة الصوت .

ويحزنون :

الحَزَنُ : نقيضُ الفرَح ، و هو خلافُ السُّرور ، الحزن بضم الحاء و سكون الزاء : أشد الهم ، وعام الحزن : هو العامُ الذي ماتت فيه خديجة رضي الله عنها ، و أَبو طالب عم النبي الأكرم وأبو أمير المؤمنين علي عليه السلام ، فسمّاه رسول الله صلى الله عليهم وآلهم و سلم  عامَ الحُزْنِ ؛ قال : و ماتا قَبْل الهِجرة بثلاث سنين .

ويا موالي : يوم وفاة الإمام الحسين عليه السلام ، هو كأيام موت آله من قبل جده رسول الله وجدهم أبو طالب وجدته خديجة وأمه فاطمة وأبيه علي صلى الله عليهم وسلم ، وهو عام المصائب وهو عام حزن أخر ، بل أشد حزنا وأعظم مصيبة وأكثر هما وأعظم غما للمؤمنين ، بل من قبل كما عرفته في مصباح الجزء السابق من صحيفة الإمام وعقد مجالس ذكر أبا عبد الله من آله الكرام وملائكة الله ، وبقتله وسبي آله كأن أهل الكوفة قتلوا نبي الرحمة وأم المؤمنين خديجة ، و أمهم فاطمة ، وأبو طالب وأمير المؤمنين علي عليه السلام وسبوهم يدورون بهم في البلاد ويدعون أنهم على دينهم ، ولهذا الراوي يؤكد وصفه لأهل الكوفة الخارجين لرؤية حال نبي الرحمة وآله ، بأنه فضلا عن البكاء خرجوا:

ويتفجعوا :

الواو : عاطفة ، و الفجع : أن يفجع الإنسان بشي‏ء يكرم عليه فيعدمه . فجع : بماله و ولده ، و نزلت به فاجعة من فواجع الدهر ، و موت فاجع ، و دهر فاجع : يفجع الناس بالأحداث ، و الرجل يتفجع : و هو توجعه للمصيبة المؤلمة والمؤذية وللرزية الموجعة المفجعة ، و الفَواجِعُ : المَصائِبُ المُؤْلِمَةُ التي تَفْجَعُ الإِنسان بما يَعِزُّ عليه من مال أَو حَمِيم ، الواحدة فاجِعة .

والراوي : يصف حال أهل الكوفة بأنهم يتفجعون ، وحقهم فهم ارتكبوا وأحلوا أعظم مصيبة وحزن في الدنيا وبأنفسهم ، أعانوا أو قتلوا سيدهم ومدر حجتهم ، ولم يحفظوا حرمة الله ورسوله في أئمة الوجود وسادة العباد والمصطفون المطهرون الأخيار ، وأطاعوا أئمة الضلال والطغاة الفجرة الفسقة ، فعرفوا بخطبة العقيلة مصيبتهم العظيمة ، فلذا بعد بكائهم وحزنهم وتفجعهم لما حل بهم وأحلوا ، يضيف صفة أخرى لهم بأنهم :

قدر ردوا أيديهم في أفواههم :

وهو مقتبس من قوله تعالى: { أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لاَ  يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ اللّهُ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ

فَرَدُّواْ أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ

وَقَالُواْ إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي  شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) } إبراهيم .

يا طيب : جاء في تفسير هذه الآية ورجوع الضمير في ردوا أيدهم في أفواههم عدة أقوال :

منه : أن الأنبياء منعوا من الكلام ، والكفار لم يعطوهم مجال لبيان كلامهم ، وهذا الكلام كناية عن المنع للرسل من الكلام .

ومنها : أن الكفار ردوا أيديهم في أفواههم غيضا وحنقا على الأنبياء ، وهي مثل عضوا عليهم الأنامل :

{ هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ  كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا

وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ

قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ  الصُّدُورِ (119) } آل عمران .

ولكن هنا : أهل الكوفة ردوا أيديهم في أفواه أنفسهم ، وكانوا يسمعون ، ولكن لتأسفهم وتحسفهم ولتعجبهم من خطلهم وما أتوا به من الفعل المنكر سواء بأنفسهم أو من قبل قومهم وأهل مدينتهم ، فإنهم أرجعوا أيديهم في أفواههم .

المثل : مثله كثير يحصل للناس ، وهو عندما يرى أو يسمع الإنسان خبر وكلام عجيب فيه حزن أو حادثة مؤلمة أو مخجلة أتى بها أحد أو له ، يقبض يده ويضعها في فمه وفوه ، ويكون في حالة يعض على وسط سبابته مفتوحة وإن شدة المصيبة تكون منثنية ومضمومة ، حتى تصل حنكة الأعلى ، ويكون إبهامه تحت شفته السفلى فوق الذقن ، أو تحت الذقن إذا كان متأثر كثيرا فيضغط أبهامة أسفل ذقنه ، وقد يصل أبهامه أصل رقبته ، ثم إذا كانت المصيبة عظيمة والحدث فيجيع جدا ، يقلب الإنسان يده في فمه حتى يبدأ بعض الأنام بعد أن يفتح يده المقبوضة ، ومثل الآية ، إلا أنه هنا في موقف أهل الكوفة ليس غيض على أهل البيت ، بل هو للحزن والتفجع كما مذكور في الكلمات المحيطة بردوا أيديهم في أفواههم .

يا موالي : فإنه حال كل إنسان يسمع مثل هذا الكلام من صادق أو صادقة كريمة وطاهرة طيبة ، فإنه حقا له أن يتفجع ويتفطر حزنا ويبكي دما لما أحله أهل الكوفة في ذلك الزمان بآل محمد صلى لله عليهم وسلم ، وقد يعض أنامله من الغيظ على المجرمين ، ويرد يده في فاه من شدة الحزن والأسف على ما حل بآل محمد عليهم السلام .

ويا طيب : بعد ما عرفت من حال أهل الكوفة بعد خطبة العقيلة ، نذكر حال موالي أخر يصفه الراوي :



 

[111] نهج ‏البلاغة ص48خ3 الخطبة الشقشقية.

[112] الأمالي للطوسي ص417م14ح939-87 . بحار الأنوار ج27ص170ب7ح11. تأويل ‏الآيات‏ الظاهرة ص404 .

[113] الصراط المستقيم ج2ص93ف17ح13 . بحار الأنوار ج22ص489ب1ح35.

[114] تأويل الآيات ‏الظاهرة ص112 . بحار الأنوار ج23ص221ب12ح24 .

[115] بحار الأنوار ج22ص490ب1ح36 . الصراط المستقيم ج2ص93ح12 .

[116] الأمالي للطوسي ج148ص5 ح11-954 . وراجع صحيح البخاري ج5ص36ح 255 ، أسد الغابة 3397 ، ومختصر تاريخ دمشق ج1ص243 . وغيرها الكثير من المصادر .

[117] الأمالي‏ للصدوق ص383م61ح1 ، الأمالي للطوسي ص427م15ح  954-11،الاحتجاج ج2ص354 ،بحار الأنوار ج43ص21ب3ح12 .

[118]تاريخ الطبري ج2ص448، مصنف ابن أبي شيبة ج3ص31ح 11826 ، البداية والنهاية ج5 ص286 , سيرة ابن كثير ج4ص566 .صحيح البخاري ج6ص2474ح 6346.مصنف عبد الرزاق ج5ص472ح9774 .

[119] علل‏ الشرائع ج1ص185ح149 . وتفصيل الوصية في الحديث الثاني ، وأنظر بحار الأنوار ج43ص182 ب 7 ، فيه أحاديث كثيرة تفصل القصة .

[120] شرح ‏نهج ‏البلاغة ج6ص49وج16ص232ف1.بحار الأنوار ج28ص316 .

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com