هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين / صحيفة الإمام الحسين عليه السلام /
 الجزء
الرابع /  ظهور نور الإمام الحسين في الأرض بولادته وأدلة إمامته

الباب الأول
إشراق نور إمامي الهدى الحسن و الحسين عليهم السلام
في الأرض بولادتهما وصباهما والمكرمات التي حفتهما

المجلس الثاني
الإمام الحسين مع جده رسول الله وأمه وأبيه وأخيه
في مراحل حياته الأولى

في هذا المجلس: نذكر مشارق أنوار الفضائل والمناقب والأحوال الكريمة التي عاشها الإمام الحسين في طفولته وصباه مع جده الأكرم رسول الله وأبيه أمير المؤمنين وأمه سيدة النساء ، و أخيه الأكبر الإمام الحسن لكون حياتهم صلى الله عليهم وسلم مشتركة .

 

الذكر الأول
نور الاعتقاد بمناقب سادة العباد

يا طيب : قبل أن ندخل في تعريف فضائل ومناقب الإمام الحسين وآله الكرام معه في أيام طفولته وصباه ، نذكر معارف كريمة تدعونا للإيمان بما سنذكر من قصصهم الحقة والحسنة الكريمة ، والتي كانت وما زالت تُعرف فضائل الله وكرامته لهم في الدنيا قبل الآخرة ، وإنه لهم قصص تساوي أو تفوق قصص الأنبياء وكراماتهم عند الله سبحانه وتعالى ، وهي تعرفنا إن اعتقادنا بالنبي وآله المعصومين صلاة الله وسلمه عليهم أجمعين ، اعتقاد ولاية ودين وإمامة ، وإن لهم علينا حق الطاعة في جميع ما يصدر منهم من أمر ونهي ، وكأنه نص في القرآن أو مسموع من الله تعالى بوحي .

وفي الحقيقة : هم الرابطة والواسطة بيننا وبين الله تعالى لمعرفة تعاليمه وما أوجب علينا من أحكامه ، وأن النبي بالأصالة وآله بتبعه بكونهم معلمين ومبينين ومفسرين لتعاليم الله تعالى على الحقيقة دون رأي مخالف أو هوى نفس ، وإنهم هم الذين قد اختارهم الله على علم على العالمين ، ولا يرضى بمخالفتهم ويكفر من يرد فتواهم وأوامرهم وأقوالهم وأفعالهم وسيرتهم وسلوكهم وتقريرهم .

بل والأكثر : إن اعتقادنا بأن لنبينا الكريم محمد وآله المعصومين لهم علينا حق الولاية على الأنفس والمال والأعراض ، ويجب علينا طاعتهم في كل شيء ولا يحق لنا رد شيء من أحكمهم ، إلا أن يكون الإنسان يريد أن لا يطيع الله تعالى ، ويريد أن يتمرد على أمر الله تعالى ونهيه ، ويصر على دخول النار ولا تقبل له توبة أبد ، وذلك لرده لتعاليمهم بل لتعاليم الله التي خصهم بتعليمها .

وإن ما ذكرنا : من وجوب حق الطاعة لنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، صادق على كل من يقلد إنسان ويعتقد به بأنه هو إمامه ودليله على الله وتعاليمه ، فإنه يعتقد أنه لا تصح مخالفته لأنه دليله على معارف ربه ، ألا أن الفارق بيننا وبينه أنه ليس له دليل قطعي على تقليد أئمته ولا نص يدعم حجته ، ولنا لدليل القطعي والبرهان المحكم على أئمتنا وسادتنا محمد وآله صلاة الله عليهم أجمعين ، وأنهم هم المبينين الحقيقيين لأحكام الله تعالى ، وهم المختارون من قبل الله تعالى لتعليم الناس حقيقة دينه وتعاليمه ، دون غيرهم من الناس والأئمة الآخرين .

ويا طيب : إن هذا البحث تمامه يتم بحثه في موضوع إثبات الإمامة وإقامة الأدلة عليها ، ومن أراد فليرجع للكتب المختصة كإحقاق الحق أو عبقات الأنوار أو المراجعات أو الغدير أو إلى كتابنا صحيفة الثقلين وفي بحث الإمامة من موسوعة صحف الطيبين ، بل لصحيفة التوحيد وصحيفة شرح الأسماء الحسنى وصحيفة النبوة ، بل راجع هذا المعنى في كل أجزاء من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام .

فلذا يجب الاعتقاد : على أن من يكون لهم هذا المقام الكريم ، يكون لهم حق الطاعة والعلم والعمل وفق هديهم كطاعة الله تعالى ، بل هو استمرار لطاعته تعالى وبإذنه وهو سبحانه الذي لا يرضى بمخالفتهم ، فتكون طاعتهم هي طاعة الله عز وجل وبأمره ، ولذا كان وما زال لا يمكن إطاعة الله ولا إقامة العبودية له تعالى على الحقيقة ما لم يكن قد أُخذ تعاليمه الحقيقية منهم ، فلابد أن يكون لمثل هؤلاء القادة الذين أعدهم واختارهم واصطفاهم الله تعالى لبيان تعاليمه وأحكامه مقاما محمودا عنده تعالى وجاها عريضا لديه ، ولهم من المناقب والمواصفات والفضائل والكرامات من عند الله عزّ وجلّ فوق وصف البشر وفوق تقييم العقل الإنساني ، كيف لا وقد جاء أن المؤمن الحقيقي أنه لا يمكن أن يوصف فكيف يمكن أن يوصف أئمته وسادته ومن لهم حق الطاعة عليه ومن هم أولى به من نفسه ، وبالمناسبة نذكر هذا الخبر :

عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام قال : سمعته يقول : إن الله عز وجل لا يوصف وكيف يوصف وقال في كتابه : " وما قدروا الله حق قدره " فلا يوصف بقدر إلا كان أعظم من ذلك .

وإن النبي صلى الله عليه وآله لا يوصف : وكيف يوصف عبد احتجب الله عز وجل بسبع وجعل طاعته في الأرض كطاعته في السماء فقال :

{ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا (7)} الحشر . ومن أطاع هذا فقد أطاعني ومن عصاه فقد عصاني ، وفوض إليه .

و إنّا ( يعني هم آل النبي وأهل بيته المعصومين ، لأن هذا الخبر منقول عن الإمام الصادق حفيد النبي السادس ) لا نوصف وكيف يوصف قوم رفع الله عنهم الرجس وهو الشك ( كما في آية التطهير والمباهلة وكونوا مع الصادقين والولاية وغيرهن ) .

والمؤمن لا يوصف : وإن المؤمن ليلقى أخاه فيصافحه فلا يزال الله ينظر إليهما والذنوب تتحات عن وجوههما كما يتحات الورق عن الشجر [84].

ولكن مع ذلك كله : توجد أوصاف ظاهرية وسيرة عمليه ومناقب وحوادث واقعة في حياة نبينا الكريم محمد وآله المعصومين الذين هم أئمة الدين الحقيقيين صلى الله عليهم وسلم ، وقد ذكرها القرآن المجيد أو جاءت على لسان النبي الكريم وتناقلها المسلمون في صدورهم قبل مدوناتهم ، وإنها تحكي عن بعض ما ل نبينا الأكرم محمد وآله صلوات الله عليهم من المناقب والكرامات عند الله ، سواء وقعت في حياتهم الدنيوية أو قبلها أو بعدها في يوم القيامة ، وإن ما نقل إليك في هذا المختصر إلا القليل منها ولو أردت المزيد راجع الكتب المختصة في ذكر المناقب والفضائل تجد صدق كلامنا ، وبمراجعة صحيفة الإمام علي عليه السلام تعرف حقائق ذكره وأهميته .

ويكفيك أن ترجع للقرآن الكريم : فترى أن الله تعالى في كتابه المحكم يحكي لحادثة مختصرة وهي لصيام آل البيت أيام معدودة ثلاثة أيام وفاء بنذر قد نذروه بسبب طلب الشفاء للإمام الحسن والحسين من مرض أصابهم ، ولما شفيا صاموا شكر الله ، ولكن حين الإفطار يأتي مسكين ويتيم وأسير فيعطوه إفطارهم ويطوون ليلهم على الماء ، فنزلة سورة كاملة تعرف أخلاصهم وما أعد الله سبحانه وتعالى لهم من النعيم المقيم وأوصافه الكبيرة الكثير ، وهي سورة يعتد بطولها بالنسبة لما في القرآن من بيان التعاليم كلها _ كالأحكام الإلهية والأخلاق والموعظة والاقتصاد والسياسة والاجتماع والثقافة الإسلامية والعبر وغيرها بأصولها أو تفصيلها _ ألا وأن هذه السورة المبينة لصفاء روحهم وطهارة نيتهم وصدق عبوديتهم هي سورة الدهر (الإنسان) وترى فيها من عظيم المقام والجاه العريض عند لله تعالى لهم صلاة الله عليهم أجمعين ما يُفرح قلب المؤمن ويسر الموالي لهم ، ويتطلع لها لعله أن يصيبه منها شيء لكونه من أتباعهم .

فأتلو هذه السورة المباركة : وعلم أنه كل من ذكرها ذكر أن شأن نزولها في الإمام علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ، وإن الإمام الحسين هو أصغر من كان فيهم ، وقد صام معهم عليه السلام ، ولتعلم إنه قد بين الله تعالى فيها وفق وصف رائع وجميل لكثير من الكرامات والبشارات والرضى الإلهي بفعل وقبول طاعات آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وحتى لتتوق النفس لذكرها فضلاً عن تحصيلها وتملكها ، فتعرف عندها أن عند الله في الدنيا والآخرة لآل محمد عليهم السلام الكثير من أمثال هذه الكرامات المذكور في هذه السورة الكريمة ، ولتكون لك هذه السورة أصل وشاهد صدق على جميع ما يذكر من مناقب نبينا الكريم محمد وآله الطيبين الطاهرين وكراماتهم بل وتتوقع المزيد و الكثير من مثلها .

هذا ولك يا طيب : المزيد في آيات كريمة وفي محتواها عظيمة ، تدل على ما لآل محمد صلاة الله عليهم أجمعين من الكرامات والمناقب والمقام المحمود عند الله تعالى ، كأية المباهلة التي نزههم الله تعالى فيها من الكذب حيث طلب المباهلة بهم بجعل اللعنة على الكاذبين قال تعالى : (( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

 فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَـاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ
 ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ
(61)

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ الله وَإِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62))) آل عمران  ، وقد عرفت شرحها سابقا .

حيث جعل الله الحسن والحسين أبناء رسول الله : وهي نزلت والحسين عليه السلام بعد لم يتجاوز السادسة أو كاد ، وعوض نساءه فاطمة الزهراء ، وكان نفس النبي علي ابن أبي طالب أبو الحسن والحسن ليباهل بهم كما عرفت ، وبعد أن أختارهم النبي بأمر الله الذي زكاهم وأراد أن يعرفهم بأن هؤلاء هم الذين أختارهم لإتمام حجته وصدق دعوة نبيه ، وعلم الناس صدقهم وطهارتهم وبهم يستجاب الدعاء وتعرف دعوته ، وجعل لعنته على من يكذبهم .

وإذا أردت المزيد فراجع آية الطهارة :

حيث قال تعالى : (( إِنَّمَا يُرِيدُ الله لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً )) .فهل تجد أحد شهد له الله بطهارة الاعتقاد و التعلم والتعليم وصفاء النية من المسلمين غيرهم ، وإن الحسين ركن لها مع صغره ولعلم الله بإخلاصه كل عمره وصفه بهذا الوصف الكريم ، والله للمنصف كافية هذه الآية للاعتقاد بإمامتهم عليهم السلام فضلاً عن كل ما يتلى من مناقبهم وكراماتهم ، فتدبر فيها تعرف أنه لا يحق لأحد أن يتعلم من غيرهم ويترك تعاليمهم وبيانهم لما جاء به جدهم رسول الله تعالى من رب العالمين لتطهير عباده ، وتنزيههم وتعليمهم الكتاب والحكمة على أيديهم .

وإذا أردت المزيد فعليك بآية الولاية : التي نزلت بسبب تصدق الإمام علي عليه السلام بخاتمه في الصلاة حيث هذه الآية الكريمة كما بينت ولايته وإمامته وخلافته ووصاية على المسلمين بعد نبي الله تبين صفاء روحة وطيب نفسه وقبول أعماله كلها ليكون قدوة وأمام وسيد للمسلمين حيث قال تعالى : (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ

وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الْغَالِبُونَ ))المائدة 55. تدبرها حيث جعل الله تعالى الولي من المؤمنين على المسلمين بعده تعالى وبعد رسوله هو المؤمن الذي أعطى الزكاة وهو راكع ، وهذا لا يصدق إلا على علي بن أبي طالب عليه السلام لأن هذه الآية باتفاق المسلمين نزلت في حقه ، وأي مكرمة ومنقبة بعد النبوة إلا هذه حيث جعل الله تعالى النجاة والفوز برضاه بقبول هذه الولاية الكريمة لسـيـد آل محمد علي بن أبي طالب صلاة الله عليهم أجمعين ، وإن الولاية مستمرة بعد الإمام علي للإمام الحسن ثم للإمام الحسين ثم لذرية الإمام الحسين عليهم السلام وتؤيدها كثير من الآيات والشواهد .

هذا فضلاً عن الآيات الأخرى : التي نزلت في حق الإمام علي عليه السلام ، وتنطبق على الإمام الحسين عليه السلام بأعلى مصداق بعده ، وبالخصوص لمن يعلم هجرته إلى كربلاء وتضحيته بكل شيء يملكه من أهله وماله ، كقوله تعالى :

 (( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ الله وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ

الَّذِينَ آمَنُـواْ وَهَاجَـرُواْ وَجَاهَـدُواْ فِي سَبِيلِ الله بِأَمْـوَالِهِمْ وَأَنفُسِـهِمْ أَعْظَـمُ دَرَجَةً عِندَ الله وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِـزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ الله عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ )) التوبة 19-20، وأنظر كيف بين الله تعالى مقام الإمام علي وعلوه على غيره ممن كان يسق الحاج ومن عنده عمارة المسجد الحرام ، ولم يكفي بتفضيله فقط بل بين تعالى ماله من الآجر والمقام المحمود عنده والأجر العظيم المعد له , وهذه الآيات أيضاً باتفاق المسلمين إنها نزلة في بيان أفضلية الإمام علي بن أبي طالب ، وهي جرت بينه وبين على من حاوره في الفضائل والكرامات ، وهي تنطبق على الحسين بأعلى مصداق تدبر حياته وسيرته في التضحية والفداء في سبيل الإصلاح وإعلاء كلمة الحق .

ويكفيك للنظر في الكرامات : سورة الكوثر حيث تجد جعل كرامة رسول الله هو نسله وجعل نسله كما عرفت من ابنته فاطمة الزهراء وجعل أبوهم الإمام علي كما عرفت في آية المباهلة تفصيل هذا ، وجعل في سورة الكوثر شانئ النبي هو الأبتر الذي لا نسل له ، وإن الإمامة هي أعلى مقام في كوثر الخير كانت بعد الإمام الحسن هي للإمام الحسين عليه السلام ثم في المعصومين إمام بعد إمام  من ذريته صلى الله عليهم وسلم ، وهذا نسله مستمر من السادة العلويين من نسل الحسين وهم نسل الإمام علي والنبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهذا كرامة ظاهرة وباطنة في كثرة نسل وإمامة الناس إلى يوم القيامة منهم .

وهذا قليل مما ذكر من الآيات و السور النازلة : في شأن مناقب آل البيت عليهم السلام ، وقد عرفت الكثير من البحوث التي تصب في تعريف مقام أهل البيت ورعاية الله لهم أو في بيان إمامتهم ، وبكلها ترى إن الإمام الحسين عليه السلام له سهما وافرا منها ، ويكفيك منها أي آية أو سورة مما ذكرنا ، فتتبين عظمة مناقب آل محمد عليهم الصلاة والسلام كلهم أو بالخصوص الإمام الحسين عليه السلام ، وتعرف ما ذكرنا وما سنذكر من المناقب والكرامات له عليه السلام بحق ويستحقها بفضل الله تعالى وهو الذي كرمه بها .

وبعد ما عرفت ما مر أعلاه : تعرف لماذا جعل الله تعالى خلاصة آجر الرسالة المحمدية هو مودة آل محمد حيث قال تعالى :

(( ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ )) الشورى 23 .

وفي هذه الآية الكريمة : بيان منقبة عظيمة لآل محمد صلاة الله عليهم أجمعين حيث تبين أن أجر أتعاب رسول الله وتبليغه الرسالة وحق النعمة التي جاء بها من الله تعالى وهي الإسلام بكل تعاليمه هي مودة القربى .

و إنك كلما وددت وحببت : وتلوت منقبة وذكرت فضيلة عن إيمان بأن آل محمد صلاة الله عليهم وسلم أنه واجب مودتهم ومتابعتهم والإقتداء بهم ، وذلك حيث إنك تعلم إن الحب ما هو إلا إتباع المحبوب والإقتداء به واللهج بذكره في اللسان والقلب وذكر مناقبه وخصاله ومكارمه ، وحسن أفعاله وطيب روحه وجمال نفسه ، بل تعاليمه وسيرته وسلوكه وكيفية إخلاصه وعبوديته لله ، فعند ذلك تكون قد اقترفت حسنه وتزداد حُسناً ، وتحصل على شكر من الله ويغفر لك ، وبذلك تحصل على البشارة من الله ، وإن ذكرك هذا وهو من أعمالك ، والتي تكون حقا صالحة وإنها صدرت منك عن إيمان كما أمرك به الله تعالى ، ومن غير انحراف ، وكما تراه مذكور في آية المودة أعلاه .

ولذا يا طيب : لما ذكرنا من المقال لو تدبرت فيه بإنصاف ، لعرفت أنه يكفيك بأن تصدق بأن لمحمد وآله عند الله وفي قلوب المؤمنين الحقيقيين ، فوق ما يذكر لهم في التاريخ من المناقب والفضائل والمكرمات والأحوال المعجزة التي رافقت حياتهم ، وتصدق حتى بالرواية المرفوعة والمرسلة من الروايات الذاكرة لمكارم وفضائل آل محمد وبما لها من الغرابة ، وذلك باعتبارها روايات راوية لما هو أقل من المقام المحمود لآل محمد عند الله تعالى ، وإنها حاكية لشيء يسير من الكرامات الإلهية لآل محمد الطيبين الطاهرين ، والذين اصطفاهم وأختارهم لهداية البشر رب العالمين ، فطهرهم وزكاهم وأعدهم لتعليم عباده تعاليم دينه وشرحه وتبيينه .

واعلم يا أخي : علم اليقين أن منزلة ومقام آل محمد كلهم وما تتلو هنا من مناقب وفضائل الإمام الحسين بالخصوص ، إنها عند الله تعالى في أعلى مقام ، ولها أفضل منزلة في الوجود أعدها الله تعالى لأفضل وأكرم موجودات خلقه ، وإن مقام ومنزلة آل محمد عليهم الصلاة والسلام فوق مقام ومنزلة آل جميع الأنبياء والمرسلين ، وأفضل من آل إبراهيم و من آل يعقوب (إسرائيل) و من آل موسى وهارون وداود ومن آل عمران ومن آل يحيى وغيرهم من آل الأنبياء والمرسلين الآخرين ، والذين حكا الله تعالى لهم في القرآن الكريم مناقب وكرامات وفضائل بل معجزات لا يمكن أن تحصل للبشر بصورة عامة .

وإن آل محمد صلى الله عليهم وسلم : سادت البشر كما أن سيدنا محمد هو سيد المرسلين وأفضلهم ووصيه سيد الوصيين وابنته سيدة نساء العالمين وابنيه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ، وإن آله أفضل آل في الوجود وأهل بيته أفضل أهل بيت في التكوين في كل مراتبه ، ولهذا شاركوه صلاة الله عليهم في الولاية والتطهير والمودة والصلاة والسلام عليه والطاعة والتسليم له ولهم ، وفي جميع المكرمات إلا النبوة ، وما ذلك إلا لكونها ختمت به ولو كانت مفتوحة لنالوها كما نالها آل غيره من الأنبياء ، وإن الإمامة والولاية لدين الله وهداه بعده لهي في مقامها وإن لم تكن نبوة ولا وحي مستقل لهم عن رسالته .

ويكفيهم فخر : أنه لا صلاة مقبولة لمن لا يصلي عليهم في الصلاة الواجبة في التشهد ، ومن صلى على محمد ولم يصلي على آله تكون صلاته مبتورة وغير مقبولة ولا مرضية عند الله ، ومن لا يود ولا يحب آل النبي في الحقيقة لم يحب الله ولا رسوله ، بل لم يطع الله ولم تكن له أعمال مقبول ، و أخطأ باب طاعة الله تعالى وضل عن الصراط المستقيم .

وعلى هذا يا طيب : فليطمئن قلب بأن لمحمد وآله الطيبين الطاهرين بصورة عامة والإمام الحسين الذي نذكر مناقبه وفضائله في هذا المجلس ، فوق ما ذكر له من المكرمات ، وأعلى في المناقب والفضائل في محل الكرامة والمجد في ملكوت الرب ، ويجب أن تؤمن بها وتصدق بأنه له أعلى منها وأكرم ، ومن دون حزازة في النفس .

 ولذا يجب : إن ما تذكره الروايات متواترها ومرسلها من مكرمات آل محمد والإمام الحسين بالخصوص ، ما هو إلا سبيل لتحصيل فضيلة اللهج بذكر الأحبة عند الله تعالى ورسوله والمؤمنون ، و بذلك يمكننا أن نعتبر أنفسنا من مواليهم ومحبيهم حتى يرضى الله تعالى عنا ، ويقبل أعمالنا ويحشرنا معهم في المقام المحمود الذي أعده لسادة الدنيا والآخرة ، وبالإضافة لما لهذه الروايات من التعليم والعبر والدروس الحقيقية في التربية و التقييم الظاهري لأفضل البشر وأعلى الناس مرتبة عند الله تعالى ، بل تعلمنا آداب المعاشرة العائلية والآداب والأخلاق الإسلامية في البيت والعائلة وتربية الأبناء بأحسن تربية ، ومَن أفضل من نبينا وآله في تربية أبناهم وأولادهم ، وبالخصوص في تربية الإمام الحسين والحسين الذي ستعرف عن مناقبهم في الذكر الآتي وما بعده ما يفرح القلب ويقر العين فلا يطلب بهم العقل بدلا والإيمان حولا .

فيا أخي في الإيمان : أذكر فضائل محمد وآله بقلبك قبل لسانك ، وعن أيمان ويقين بأن لهم هذه المكرمات وأعلى منها ، وعلمها لأحبتك وتداولها في ما يمكن من مجالسك ، فلا تجد أحلى وأعذب منها قصص في والرضا الإلهي والطاعة ، ولا يوجد أفضل منها حكايات في تعليم المبادئ والاعتقاد والأخلاق الإسلامية ، بل لا يوجد غيرها تكون تشريع ودين ، وفيها سيد المرسلين ناظر ومقرر بل معلم ومباشر .

ولتتيقن يا طيب : إن ما نقل إليك من الفضائل والمناقب أقل مما ظهر منها في حياة آل محمد الدنيوية ، حيث ليس كل ما حصل لهم من الكرامات أطلع عليه الناس حتى ينقلوها لنا وبالخصوص الحياة العائلية لهم إلا ما أشار الله تعالى إليه في القرآن المجيد من التطهير والمباهل والكوثر والضحى والدهر وآيات النور والبيوت المرفوعة وغيرهن مما يختص بالإمامة وولاية الله في أرضه عند الطيبين الطاهرين ، وكيف لا ومحمد وآله صلاة الله عليهم أجمعين أكرم من وجد على وجه الأرض من خلق الله تعالى ، ولهم أعلى المقام والجاه والمنزلة والكرامة في ملكوت الرب سبحانه بل جبروته ومنتهاه .

ولذا مع ما يمكن أن يقال بحق : من قلّة ما وصل إلينا من مناقبهم لأنها إما خاصة ولم تنقل أو لم يطلع عليها أحد ، فإنه هناك عدة أسباب أخرى أهمها أنه في زمان الخلفاء قد منع الناس من نقل الحديث ، وفي زمان بني أمية وبني العباس منع الناس من نقل وتلاوة فضائل آل محمد بين الناس لكي لا يميل لهم الناس وتسلب شرعية سلطة الحكام في ذلك الزمان ، ولكن مع ذلك ظهرت لنا كرامات وحكيت لنا وقائع كريمة في حياتهم ستعرف يسير منها هنا ، وتجد غيرها في صحيفة نبينا الكريم ، أو في صحيفة الإمام علي ، أو في صحيفة فاطمة الزهراء ، أو في صحيفة الإمام الحسن صلى الله عليهم وسلم ، وهنا قسما منها .

ولهذا حق أن يقال : أن أعداء آل محمد كتموا فضائلهم حسداً وبغضا ، وأحبائهم كتموا الفضائل تقية وخوفا ، وظهر من بين الكتمانين ما ملء الخافقين ، هذا وأنك تعرف قد جُبر كل من ألف في الفضائل والمكارم على نقل فضائلهم ، سواء من الموالين فعن حب ، أو من المخالفين على غضاضة لكي لا يتهم بالنفاق والانحراف عن محمد وآله صلاة الله عليهم أجمعين ، فظهر ما ظهر من كراماتهم ومناقبهم وأحوالهم الخاصة الشريفة .

وعلى كل الأحوال يا أخي : إن ما بين أيدينا من المناقب والفضائل في حق آل محمد صلاة الله عليهم أجمعين ما يشفي الغليل وتقر به العين ويفرح به القلب ، وما وضعناه الآن بين يديك يسرك أن شاء الله تعالى ، وسوف نتبعه في المستقبل بنقل فضائل ومناقب آل البيت جمعهم وبالخصوص الآيات والأحاديث المبينة لمناقب أصحاب الكساء ككل أو منفردة في كل معصوم ، ويمكن أن تراجع لمعرفة معجزات النبي وما خصه الله من الكرامة في صحيفة النبوة لترى الكثير من الأمور الخاصة به ، وأما هنا فما مذكور من المكارم له مع آله الكرام الطيبين الطاهرين وكوثر الخير والبركة التي كرمه الله بها في آله وفي الدنيا قبل الآخرة ، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى ونسألكم الدعاء .

وإذا عرفنا ضرورة : نقل وتلاوة وتعلم فضائل ومناقب نبينا وآله بصورة عامة أو ما خص به الإمام الحسين بصورة خاصة وهي تشمله مع آله ، لأنها تعرفنا تأريخ الدين وآدابه وسننه وهداه ، وما يستحب أو يجب مراعاته من الأخلاق الإسلامية والعائلية في التربية والتهذيب ،  نذكر الآن قسما من مناقب الإمام الحسن والإمام الحسين في آله وكرامته فيهم ، سواء كرامات من الله لهم أو ما كانت معاملة رسول الله له من بينهم أو معهم ، ونسأل الله أن يوفقنا لأداء حقا يسيرا من فضائله ، ويرزقنا ولايته مع آله ويجعلها سبحانه لنا ولكم إيمانا ودينا ، وحبا لهم  وعن يقين بتعلم هداه بما يحب ويرضى من معارف أحوالهم وتعاليمهم ، وهو أرحم الراحمين وولي التوفيق ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 


[84] أصول الكافي الجزء الثاني باب المصافحة الحديث 16.

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة الإمام الحسين عليه السلام لنتنور بما خصه رب الإسلام