هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين / صحيفة الإمام الحسين عليه السلام /
 الجزء
الرابع /  ظهور نور الإمام الحسين في الأرض بولادته وأدلة إمامته

الباب الأول
إشراق نور إمامي الهدى الحسن و الحسين عليهم السلام
في الأرض بولادتهما وصباهما والمكرمات التي حفتهما

في هذا الباب : أهم الأنوار التي حفت الحسنين عليهم السلام في يوم ولادتهما وحينه وبعده ، وما يتعلق بما شرفهما الله به من الفضائل والمناقب الكريمة لكونهما سيكونان ولاة المؤمنين وعظماء زمانهما بعد جدهم وأمهم وأبيهم صلى الله عليهم وسلم أجمعين

مصباح هدى
ولادة العظماء تحفها مكرمات تدل على فضل الله عليهم
وتعرف عباد الله أهمية وجودهم

النور الأول
أهمية ولادة العظماء وهداة الأمم بفضل الله في التأريخ الديني

 

الإشراق الأول :

الله يُعرف من كرم من البشر بفضله الدائم وقادتهم لنعيمه الأبدي:

يا طيب : إن الله سبحانه وتعالى هداه متقن ودينه حسن كما أتقن الخلق بأحسن صورة ممكنة ، وإن له حكمة كريمة في خلقه ، وغاية جميلة في هدايتهم لغايتهم التي يُشرفهم بها ، فإنه سبحانه كما خلق الخلق في مراتب الوجود من العرش والكرسي والسماوات والأرض وما بينهما ، أو المراتب والدرجات فيها كما عرفت ، فقد جعل في كل مرتبة فيها عظيما يُعرف هداه لسكان تلك المرتبة ، ويخصه بعلم يهدي به عباده ويمكنهم من الإخلاص في الظهور بنوره .

فعظيم كل مرتبة في الوجود : هو الذي يكون بفضل الله أفضل مخلوق ، ويظهر بعبودية الله بأفضل ما يمكن لموجود خلقه الله العلي العظيم فيستحق رتبة عظيم تلك المرتبة أو الدرجة ، فهو أفضل وأكمل وأعلى من يطيق اقتباس نور الله وهداه ومن ثم الظهور به بكل حال له ، فيظهر بمظهر أفضل وأحسن خلق مطيع لخالقه وبأتم أخلاص وأجمل تجلي بنوره تكوينا وعلما وعملا .

وقد عرفت يا أخي : كثيرا من الكلام عن نور الله الساري في كل مراتب الوجود ، وتنزله وظهوره بأعظم خلق الله في كل مرتبة من الوجود أو ودرجاته ، أو في كل مرحلة من الزمان فيه إذا كان خلق المرتبة تدريجي وله زمان ، كما في الزمان الأرضي في عالم الشهادة الأدنى ، كما وقد ذكرنا كثير من معارف تنزل النور في شرح الأسماء الحسنى الإلهية وبالخصوص في نور اسم الله العظيم ، وفي الباب الأول لصحيفة فاطمة الزهراء عليه السلام ومراتب نورها من مرتبة خلقها في الجبروت الأعلى حتى ولادتها في الأرض ، بالإضافة لما عرفت في الأجزاء السابقة من تنزل النور وشأنه وعظمته سواء نور الإمام الحسين عليه السلام ، أو آله صلى الله عليهم وسلم في تكوين الوجود وهداه ومحل إشراقه .

ولما كان الكلام هنا : عن ظهور نور الإمام الحسين عليه السلام في الأرض من يوم ولادته ، ومختص بتسميته وما حصل من الحوادث الشريفة في بيان الوقائع الكريمة التي حصلت حين ولادته ، نقدم في هذا الإشراق بعض الكلام عن نور الله العظيم الظاهر بالتفضيل على البشر في الأرض بصورة عامة ، وفضله الأعظم على المفضلين على البشر ، والظاهر بهداته في الأمم السابقة وأئمتهم لدينه من الأنبياء والأوصياء وكلا بحسب زمانه و بمختصر البيان .

ثم نعقد إشراقا : آخر نذكر فيه تجلي نور فضل الله العلي العظيم وظهوره في يوم ولادة هداة العباد وأولي أمره ، فنذكر الأحداث الشريفة والعناية العظيمة من الله تعالى في يوم ولادة بعض الأنبياء الكرام عليهم السلام .

ثم نذكر: أحداث كريمة ووقائع عظيمة في يوم ولادة وظهور نور  الحسين وأخيه الأكبر الحسن في الأرض لأنه حياتهما مشتركة كما ستعرف تفصيلها في الأنوار الآتية .

وفي سفينة النجاة : للإمام الحسين نذكر خصائصه الكريم في ظهوره نورهما في الأرض والأحوال الشريف في يوم ولادتهما والأحداث الكريمة الواقعة حينها وبعدها ، وتعاليم الدين التي كانا سبب لبيانها ، ونذكر ممن تمسك بهما وركب سفينة نجاتهم وتوجه بهم لله تعالى فنجا ، وبالخصوص يوم ولادة الإمام الحسين لخصائص تخصه .

وكثير من الأحداث الأخرى : التي تخص مناقبه ومكارمه في طفولته وصباه ، وفي مجالس ذكر تعرفنا شيء كريم من شأنه العظيم عند الله العظيم وعنايته به في الأرض ليعده وليعرفه بالكرامة والشرف حتى يكون عظيم أهل الأرض في زمانه ، وليرضى به المؤمنون بالإمامة والولاية لنور هدى الله لِما يعرفوا من فضله ، فيسلكوا منهجه ويسيروا بنوره لهدى الله الحق الذي يسلك بهم إلى رضوانه .

 

الإشعاع الأول :

نور نِعم الله وفضله لنقيم دينه حين إطاعة أئمة الحق :

يا طيب : عرفت إن الله العلي العظيم خلق الخلق بقدرته ، وأتقنه بفضله ورحمته وإحسانه ، وله غاية في خلقه في كل مراتبه ، وبالخصوص في مرتبة خلق الإنسان المنعم عليه بنعم لن تحصى ، والمفضل على كثير من الخلق ، وسخر له كل ما يحتاجه من النعم المادية والمعنوية الدينية ليقيم دين الله الحق ، والذي يُعرفه أئمة الحق ، كما قال الله تعالى :

{ قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31)

 الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ

و َسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32)

وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَار (33)

وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَ

 إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) } إبراهيم .

فالله سبحانه وتعالى : سخر لنا كل شيء من نعمه التي لا تحصى لكي نقيم الصلاة والزكاة وما علمنا من هداه ، بعد أن مكننا من كل ما يناسب وجودنا لطلب المعاش ورزقه الحلال والراحة بالضوء المناسب في الليل والنهار ، ووسائل العيش الكثيرة سواء الجو المنعش والهواء الملائم في مقاديره للتنفس وللحرارة ، أو وسائل الزراعة وظروفها الكثيرة من النور والأرض والماء ونباتها ، أو الحيوان الذي يكون في خدمة الإنسان أو طعاما مناسبا له ، وكثير من نعم الله في نفس وجود الإنسان  مثل الحواس الخمسة بصر وسمع وشم وذوق وإحساس ، أو أعضاء بمكانها المناسب مع دقة في الصنع والحسن في الشكل والاستقامة، وبكل خليه فيه آية تدل على عظمة الخالق .

وبهذه النعم كلها وغيره : كان تكريم الله للإنسان ليطيع الله وليقيم له العبودية مخلصا له الدين ، وبدين يُعلمه أئمة الحق المنعم عليهم بهداه لا كل دين يعلمه أي إنسان مخالف للإمام الحق ، فإن تكريم الإنسان وفضل الله عليه بنعمه ، هو ليقيم له دينه بما يحب ويرضى وبصراط مستقيم يُعلمه المنعم عليهم بدينه القيم ، فيتنعم الإنسان بفضل الله الأعظم بالعبودية والحياة الاجتماعية ويوم القيامة ، ولذا قال تعالى :

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ

وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ

وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً (70)

يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)

وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل(72) } الإسراء .

وإن الإمامة وإمارة المؤمنين : وولاية دين الله وهداه مستمرة في الإسلام في نبينا محمد وبعده آله صلى الله عليهم وسلم ، وإن الله قد زكاهم وطهرهم في كثير من آيات الولاية والإمامة والمباهلة ومودة القربى وفي سورة الكوثر والإنسان وغيرهن الكثير مما عرفت في الأجزاء السابقة، وهذا هو ما أدبنا الله به في سورة الفاتحة حين تلاوتها في كل يوم عشرة مرات وهو لكي يهدينا لصراطه المستقيم عند المنعم عليهم.

 كما إنه لم يدعي الإمامة بحق : غير نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، و غيرهم لا دليل له على إمامتهم ولا على علمه بكتاب الله ورسوخه به ، وبالخصوص الحكام المتسلطون على المسلمين بعد رسول الله ولو تسموا بأمير وأمام المؤمنين بغير حق ، فإن ولايته غصب وليس من تنصيب الله واختياره له ، ولتعرف هذا المعنى أنظر إشعاع النور الأتي للإمام المفضل على الإنسان المفضل على كثر من الخلق بل سُخر ليهديه .

 

الإشعاع الثاني :

الفضل بيده الله ويختار من يشاء فيهدي بهم عباده لنوره :

يا طيب : إن الله هو الذي يختار ويصطفي من عباده بفضله ليهدوا الإنسان المفضل لدينه الحق ، وبهذا يرتفع في فضل الله وتتم عليه نعمه ويكمل نوره فيرتفع في مراتب النور والكرامة والمجد بفضل الله ، فبهدى أئمة الحق المفضلون أنبياء أو أوصيائهم يمكنه بحق أن يتوجه لخالقه بعبودية مخلصة خالصة لوجهه الكريم وبما يحب ويرضى ، وليس كل إنسان يستحق الإمامة ويحق أن نتعلم منه كما عرفت ، بل الله سبحانه وتعالى لعلمه بأفضل خلقه وأكملهم في تحمل هداه وتبليغه وشرحه وبيانه بكل وجودهم علما وعملا وبسيرة وسلوك ، يختارهم لأن يبلغوا دينه فيظهروا به ، وبكل حركة وسكون لكل منهم تراه معلما وعابدا مخلصا له ، وهذا ما كان سبب وملاك الإمامة للإمام وأوجب الاقتداء به ، ولهذا جعلهم سبحانه يهدون بأمره كما عرفت في الأجزاء السابقة ، وكما ترى هذا المعنى مفصلا في صحيفة الثقلين وفي صحيفة شرح الأسماء الحسنى وغيرها من بحوث موسوعة صحف الطيبين ، ولكي نعرف فضل الله في اختياره لأكرم عباده ، نذكر آيات من كتاب الله قال فيها سبحانه :

 { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ

مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ الله وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68)

وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (69)

وَهُوَ الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى وَالآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (70) } القصص .

ولما كان الأمر بيد الله سبحانه : وهو الذي يختار ويصطفي لتعليم دينه ، فيختار من يعلم أنه أفضلهم ويجتبي منهم أخلصهم في تعلم وتعليم دينه ، وهو المؤمن حقا الذي لم يلبس إيمانه بظلم فيكون إمام حق ، وقد حكا الله عن مفضلين مخلصين في الأمم السابقة ، وإنهم كانوا أئمة يهدون بأمر الله لما صبروا، وذلك كما في قوله تعالى:

{ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمْ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) َتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ

نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83)

وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذريته دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (84) َزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنْ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فَضَّلْنا َعَلَى الْعَالَمِينَ (86)

وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذريتهمْ وَإِخْوَانِهِمْ
 وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ  (87)

ذَلِكَ هُدَى الله يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ

 وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (88)

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ

فَإِنْ يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاَءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ (89)

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُدَاهُمْ اقْتَدِهِ

قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90) } الأنعام .

يا طيب : هذه تعاليم كريمة تعلمنا مَن فضلهم الله على الإنسان المفضل فخصهم بالكتاب والحكم والنبوة ، وإنهم مجتبون يهدون إلى صراط مستقيم ، وهم المنعم عليهم ، ولكنهم لما كفر قومهم ولم يكن فيهم من يستحق الإمامة في تلك الأمم ، خصها وجعلها الله في قريش من أمة نبيه إبراهيم عليه السلام ، وفي بيت بنبينا وآله المطهرون ، وإنهم أكرم مَن بقي من تلك الذرية الطيبة لإبراهيم صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، وهذا هدى الله الذي يجب أن نقتدي به .

 وبهذا يجب : أن نعرف ملاك الإمامة والولاية ومن خُص بالكتاب والحكم والنبوة والإمامة والولاية ممن لم يلبس إيمانه بظلم من ذرية الأنبياء وإخوانهم كما عرفت في أول الآيات أعلاه ، وبهذا يجب أن نقتدي لمعرفتهم .

فإن الله تعالى : لما جعل الإمامة لإبراهيم عليه السلام بعد النبوة ، طلب الإمامة لذريته ، فقال له الله لا ينال عهدي الظالمين ، أي من ألبس إيمانه بظلم وأشرك لحظة ولو في الجاهلية لم يستحق الإمامة ، لأن الإمامة منصب عظيم به يُعلم دين الله وشرحه والحق في تعاليمه بفضل الله وعنايته بالإمام المختار ، ويقتدي به في تصرفه وبكل حال له ، ولابد أن يكون أفضل من يظهر بدينه علما وعملا ، وهذا ما قال في قوله تعالى :

 { وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ

قال إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قال وَمِنْ ذُرِّيَّتِي

قال لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124.

وهذا الملاك في الدين لمعرفة الإمامة والولاية في الإسلام : يجب أن نتدبر به ونسلك سبيله ، فإنه كما في الآيات قبل الآيات أعلاه عرّفنا سبحانه ملاك معرفة الإمامة والإمام والولاة الهداة لدينه والسبيل الذي به يعرفون ، وإنه ذكرى للعالمين ممن يحب أن يتذكر ويود أن يعرف ملاك الإمامة ومواصفات الإمام ، وبه يعرف إمامه الحق ويأخذ دينه منه ، وإن نبينا الكريم لا يسأل لنفسه أجرا لتعريف هداه وتبليغه .

بل ولا يأخذ أجرا : حتى على تعريف أئمة الدين وخلفاءه بعده ، بل الله جعلهم من ذريته أو أخيه كما في قبل هذه الآية وحديث المؤاخاة بل لقربه به بالنسب ، بل هو نفسه كما في آية المباهلة فيكون الإمام والهادي والشارح والمعرف لدينه بحق بعده من آله وسيدهم الأول ، وهو وصيه وخليفته بحق ، أي أقصد الإمام الحق علي بن أبي طالب بعده ، وبعده ذريته الحسن والحسين ثم ذرية الحسين ،  وهم ذرية الرسول كما علمنا الله تعالى ذرية بعضها من بعض أو أخوانهم وأبناءهم كما في الآيات أعلاه وقبلها ، وبذلك ليُعرفنا حقيقة أجر النبي في تبليغ الرسالة ، والذي هو فائدته ونفعه لنا لنهتدي لمعرفة أئمة الحق ، والذين هم يهدون للصراط المستقيم في الإسلام والمنعم عليهم بولاية أمر الله وهداه في عباده كما قال الله تعالى :

{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُمْ مِنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ

إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى الله وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) } سبأ .

والأجر الذي هو ذكرى للعالمين : هو ليعرف العباد المؤمنون هدى الله وأئمة الحق وولاة أمره ، و نفعه وفائدة لنا ولـكــم ، ولكل من يبحث عن دين الله الحق عند المنعم عليهم بتعليم هداه ، والمصطفين الأخيار بفضل الله عليهم ، وهم المفضلون على الإنسان المفضل في الإسلام ، وهذا الفضل هو لقربى نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين كمال قال الله تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

وبهذا عرفنا سبحانه : إن الهدى الذي يُتعلم من رسول الله يكون أجره معرفة أئمة الهدى ونفعه لنا ، وبه نعرف دين الله الحق وأهل تعليمه الواقعيين الصادقين المفضلين المصطفين الأخيار ، وهذا هو سبيل الهدى وصراطه المستقيم لمعرفة أئمة الحق وولاة أمر الله بعد رسوله ، وبهذا نعرف فضل الله عليه وعلى آله الكرام المفضلون وأئمة الحق بعده ، وبهذا يصح الإيمان ويمكن أن يعمل الإنسان المؤمن صالحا حقا ووفق هدى الله الواقعي ، وبه تُقترف الحسنات وتكرف وتؤخذ مضاعفة بفضل الله ، وبهذا الله الشكور يشكر السعي لعبده المؤمن لعبادته بدينه الحق ، ويغفر الله الغفور الذنوب كما علل الآيات أعلا باسميه الكريمين الغفور الشكور ، وذلك لأنه العبد طلبه بهداه الذي علمه أئمة الحق والذين عرفهم الله له ، وبكل سبيل بيّن ، وبأوضح معارف الدين في الولاية والإمامة والهداية لدينه بأئمة حق مصطفين مفضلين طيبين طاهرين .

وقد عرفنا سبحانه بكثير من الآيات : من أن قربى النبي وأئمة الحق بعده وولاة أمره هم : المطهرون الذين لا يكذبون في تعليم هدى الله ، وهم آل البيت الكرام عليهم السلام ، علي أخي رسول الله بل نفسه كما في آية المباهلة وبعده أبناء رسول الله كما في آية المباهلة إذ قال الله تعالى :

{ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ فَقُلْ : تَعَالَوْا :

نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ   وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ     وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ

ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ } آل عمران61 .

فهذه الذرية التي بعضها من بعض : والأخوان بل الأنفس المختارون المصطفون الحسن والحسين وفاطمة وعلي الذين جاء بهم النبي يوم المباهلة ولعن من يكذبهم ، وبهذا نعرف بحق أئمة هدى الله و الواجب الاقتداء بهم والسير على سبيلهم فنسلك صراط الله المستقيم عند المنعم عليهم وأئمة الحق ، بل هم نفس النبي في هداه ، وإن من يكذبهم ملعون كما في الآية أعلاه ، وإن الإمامة مستمرة في الإسلام عرفنا الله بها في قوله تعالى يوم ندعو كل أناس بإمامهم وفي قوله :

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامً(74)

 أُوْلَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وسلما (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (76) قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا (77) } الفرقان .

وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (28) لأَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ الله وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (29) } الحديد . وإذا عرفنا إن رسول الله هو رحمة للعالمين والله بفضله جعل علي نوره وكفيلي رحمته أئمة للمسلمين الحسن والحسين ، فنكتفي بهذا ونذكر عناية الله بهم من أول أمرهم .

 

 

الإشراق الثاني :

الله يعرف أهمية أئمة عباده لنعيمه من يوم ولادتهم :

يا طيب : بعد أن عرفنا فضل الله تعالى على الإنسان المسخر له كل شيء ليقيم دينه الحق الواقعي الصادق الذي يحب أن يعبد به كما أنزله وعلمه المصطفون الأخيار الذين اجتباهم وعلمهم ، وبعد إن عرفنا فضل أئمة الحق وهداة دين الله وولاة أمره في عباده ، ومعلمي معارفه وشارحي رسالته لعباده بكل وجودهم علما وعملا وسيرة وسلوكا ، ولو بمختصر البيان وفي كل التأريخ حتى نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

نذكر هنا في هذا الإشراق : عناية الله سبحانه وتعالى بهم ورعايته لهم لنعرف أهمية وجود الإمام وولي دين الله سواء رسول من أولي العزم ذو رسالة جديدة وذو معارف أكمل حسب تطور البشر ، أو نبي ووصي رسول وإمام للعباد ، وهو الرباني المعرف لهدى الله تعالى بحق وكما جاء من غير اختلاف ولا رأي من فكره ولا قياس من هواه ولا تسويل لنفسه يدعم به إمام ضال أو يشرح دين يحصل به على مطامع الدنيا وحب الظهور ، وبغير تفضيل من الله ولا عناية ورعاية له منه .

فقد عرفت إن الله : يختار بفضله من يعرف إنه أكمل خلقه في زمانه وأعلمهم وأقدرهم على تطبيق دينه والإخلاص له بكل حركة له، فيكون معصوم معتنى به وله رعاية خاصة من الله ، وهو يُعرفه للعباد بما يمكنه من علوم دينه وقدرته على تطبقيه ، وبكل حركة وسكون له وقول وسيرة وسلوك .

ولذا إن الله في كل زمان : يريد أن يجدد به عهد الدين ، ويرشد العباد لأهمية الهادي لهم ، يخص إمام الناس وولي دينه بعناية خاصة يظهرها من أول يوم ولادته ، ويحفه بمعجزات وكرامات من قبل وجوده في الأرض وبعده ، ويشيد بذكره ويعرفه للناس من أول يوم وجوده .

وهذا ما خص به الله تعالى : كثير من الأنبياء والأوصياء في الأمم السابقة وفي الإسلام ، وكلا حسب أهمية وجوده يرعاه ويعرفه بعظيم الفضل ويشيد بذكره بأهمية وجوده في الناس ، سواء بإظهار آيات وكرامات ومناقب قبل يوم ولادته وظهوره أو حينها أو بعدها ، وهذه الفضائل التي تعرف ولي دينه قد ذكرها الله لنا ، وحكا عنها في حياة كثير من الأنبياء في الأمم السابقة ، وإن بعضهم لم يكن من أولي العزم ولا صاحب رسالة خاصة بل تابع لرسول من أولي العزم قبله ، كما ذكر عن ولدي نبيه إبراهيم وهم : إسماعيل جد قريش الأعلى ومنه الإمامة والولاية في نبينا محمد وآله الإمام علي والحسن والحسين وذرية الحسن المعصومين حتى إمام العصر صلى الله عليهم وسلم، وإسحاق أب يعقوب أي إسرائيل عليهم السلام ، أو ما ذكر سبحان عن يوسف الذي هو تابع لأبيه وعلى رسالة جدهم إبراهيم عليه السلام ، بل عنايته بموسى أو سليمان، أو ما ذكر سبحانه عن عيسى ويحيى وغيرهم من الأنبياء .

وهنا في هذا الإشراق : نذكر بعض الأنبياء ، ونعرف عناية الله بهم في يوم ولادتهم ورعايته لهم وتعريف شأنهم الكريم للناس ، وذلك ليعرفوا بالإمامة والولاية لدينه ، وليتبعهم المخلصون ويقتدي بهم المؤمنون حقا ، وبكل ما يَظهرون به من فضل الله عليهم بهداه وشرح دينه بكل وجودهم ، ليكونوا متيقنين صدقهم فيقتدون بهم .

وبهذا نعرف : إن هدى الله متقن محكم عرفه بكل سبيل ، وليصل إليه العباد بما يحب أن يُعبد به، وإن هذه السُنّة في الوجود مستمرة إلى يوم القيامة وقد خُصت بنبينا وآله أئمة الحق في الإسلام ، وقد حكي الكثير عن يوم ولادتهم وما كان قبلها في رعاية الله لهم وتعريف فضلهم ، ولذا نذكر في الإشعاع الأول قصص ذكر الله للأنبياء في كتابه العزيز ، ونخص الإشعاع بعده لذكر طرف من كرامات الله لنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم بصورة مختصرة ، وبعده نذكر ما يعرفنا شأن الإمام الحسين وعناية الله به ورعايته له في يوم ولادته ، وذلك ليُعرفه للناس بأنه الإمام الحق ووارث علم رسول الله ودليل منهجه ودينه القيم الصادق ، فيُقتدى به عن يقين بهداه .

 

ويا طيب : إن الأحداث الكريمة المعرفة لراعية الله لأفضل خلقه وعنايته بهم وإعدادهم لكي يكونوا أفضل من يتوجه له بهداه ، قد ذكرها في كثير من المواطن في كتابه المجيد ، فذكر قصصهم بأحسن ما يمكن أن ينص به على تعريف رعايته لهم من أول وجود خلقهم وظهورهم في الأرض ، وإن أول كلام عرفه الله لوجود أفضل خلقه هو في خلق آدم أبو البشر عليه السلام ، وإعداده في الجنة حتى ينزل الأرض ليقيم له دينه باختياره ، وبما مكنه وفضله به من نعمه التي هيئها له ليقيم دينه الحق ، وهكذا غيره من هداة عباده في كل الأمم ، وقد ذكرنا بعض التفصيل لمعرفة هذه العناية من الله في نشر دينه وتعريفه لعباده بالمفضلين المكرمين في صحيفة الإمام علي عليه السلام في شرح ولادته في الكعبة ، ونذكر هنا بعض الآيات ونحاول أن نختصر البحث لندخل في شرف ولادة الإمام الحسين ومكارمه وفضائله الحافة به حين ولادته ، فنتيقن رعاية الله له كما كانت سنته في تأريخ الوجود كله ، وبالخصوص في هداة عباده المصطفين الأخيار .

 

 

الإشعاع الأول : في ولادة أدم عليه السلام :

{ وَإِذْ قال رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (28)  فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ (29) فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ (30) إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى أَنْ يَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (31) } الحجر .  وقصة نبي الله آدم أبو البشر عليه السلام : مذكورة في سورة البقرة وتبدأ من الآية ثلاثين وما بعدها وفي غيرها ، وراجعها في قصص الأنبياء لتعرف رعاية الله له وعنايته به وإعداده لكي يتمكن من إقامة دينه بما يحب ويرضى ، وكان شرف ولادته بخلقه هو تعريف أهمية وجوده للملائكة فسجدوا له ، ولغيرهم ممن عصى بحسده له فلعنة الله .

 

الإشعاع الثاني : في ولادة إسماعيل وإسحاق ابني إبراهيم عليهم السلام :

يا طيب : من القصص التي ذكرت في كتاب الله وكلامه المجيد للأنبياء عليهم السلام هي قصة نبي الله إبراهيم عليه السلام من شبابه في رفض الأصنام ، بل كان النمرود يقتل كل وليد وإن إبراهيم ربي رضيعا في الغار كما جاء في شرح حاله في قصص الأنبياء ، وكثير من المعجزات التي حفت ولادته ، ولكنه لكون لم يشر لولادته في كتاب الله نذكر قصة ولديه ، بل ذكرت عنه معجزات كثيرة كرؤيته للملكوت وإحياء الطير وكون النار له صارت بردا وسلاما ، وغيرها مما عُرفت شرفه وما خصه الله بالفضل والكرامة حتى نشرت مناقبه في كثير من البلاد وعرفه أغلب الناس .

وإن من القصص التي ذكرت في كتاب الله : للأنبياء بعد آدم عليهم السلام ، وتُعرف كرامتهم وشأنهم المجيد وإن كانوا ليس من أولي العزم ، هي قصة نبيي الله إسماعيل وإسحاق وقد ولدا على كبر في العمر من إبراهيم عليهم السلام ، فنقل إسماعيل لمكة ومحاولة ذبحة وفدائه وبناء الكعبة وغيرها من الأمور التي رافقته ، والتي تعرف شأنه الكريم عند الله وما يعد له من هداية البشر ، ولما يعرف الناس كرامته من صغره يقبل منه المؤمنون حين يكبر ويبلغ دينه ، ولهذا السبب وجدت الصفا والمروة وزمزم لركض هاجر تطلب الماء لرضيعها إسماعيل ، فترى مثل السراب حتى سابع شوط بين الصفا والمروة ، ثم رجعت لأبنها فوجدت الماء عند رجل أبنها إسماعيل ينبع بفضل الله عليهم ، فكان محل ومرتع لمن لحق به وعرف فضله وإلى الآن بئر زمزم بركات ماءه ينقل لأهل الدنيا ، بل بمساعدة إسماعيل كان بناء الكعبة ، وقصصه معروفه في قصص الأنبياء ومنها في كتاب الله بقوله تعالى :

{ وَآتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)  وَإِذْ قال إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (36)

رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ

 رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37)

رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى الله مِنْ شَيْءٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ (38)

الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ (39) رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ (40)

رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ (41)

 وَلاَ تَحْسَبَنَّ الله غَافِل عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ (42) مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ (43) وَأَنذِرْ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمْ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعْ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ (44) وَسَكَنتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمْ الأَمْثَالَ (45) وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ الله مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ (46) فَلاَ تَحْسَبَنَّ الله مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ الله عَزِيزٌ ذُو انتِقَامٍ (47) } إبراهيم .

فإن الله سبحانه وتعالى : في هذه الآيات من سورة إبراهيم عليه السلام ، بعد أن عرفنا بذكر جملة من الآيات التي تعرفنا نعم الله المسخرة لنا ، عرّفنا أهم نعمة وهي نعمة الهداية لنا بأكرم خلقه إبراهيم وآله عليهم السلام ، فعرفنا وضع الرضع إسماعيل أبنه في مكة لكي يكون منه نسل طاهر يهدون العباد في زمانه وبعده ، بل إلى يوم القيامة بعد إن عرفت إن الإمامة والولاية خصت بهم إلى يوم القيامة وهي منه لنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم .

وإن ذكره سبحانه : لهذه القصص وتعريف حال الأنبياء وعنايته بهم وصبرهم وبالخصوص إسماعيل من ولادته وشبابه وكبره ، وإنه تعالى كيف يَعده لأن يتحمل دينه فيبلغه ، ليس من الترف الفكري في القصص ، بل ليعرفنا أهمة الهداة لدينه وكيف يرعاهم ويحملهم المشاق والابتلاء فيصبروا ليكونوا أئمة بحق ، فيستحقون هذا المنصب من أمر الله بما صبروا سواء في البلاء أو في الطاعات وبكل جداره واقتدار حيث قال تعالى : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا

لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ } السجدة24 .

 { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا

وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ

وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ }الأنبياء73 .

وفي هذه الآيات عرّف سبحانه : أئمة الدين وأهميتهم في الوجود وعرف عنايته بهم وملاك إمامتهم ، فإنه سبحانه في الآيات التي عرف بها إسماعيل عليه السلام وأبيه أبو الأنبياء وما أعد لآلهم عليهم السلام ، ذكر آيات تحذر من يمتنع عن الاستجابة لهم ولم يهواهم ولا يحبهم ولم يودهم وبالخصوص قربى نبينا كما عرفت في آية المودة ، لأنهم هم الواجب أن نهوى هواهم كما قال: وأجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم ، في كل ما ظهروا به من دين الله تعالى وتعاليمه بكل حال لهم ، فإنه بدعاء إبراهيم وأبنه عليهم السلام ، وبجعل بيت الله مثابة للناس فيقصد بالحج ، يكون إقامة دين الله تعالى بحق ، فإنه بالإضافة لإتيان طاعة الله بالمراسم المخصوصة ، فيكون قدومهم مكة ليعرفوا معالم دين الله من أئمة الحق المصطفون من آل إبراهيم والهداة لدين الله ، وكما عرفت في الإشراق السابق إن الهداة ذرية طاهرة بعضها من بعض ، والذين يجب أن نهواهم ونهوى دينهم كما في الآيات أعلاه في قصة إسماعيل ، ونود القربى كما في آية مودة القربى ، وهم نفس سلسلة الذرية الطاهرة من إبراهيم وإسماعيل حتى نبينا وآله أهل البيت المطهرون المصدقون المفضلون ، بفضل الله عليهم ، وعلينا لنعرف ديننا من أكرم خلق الله .

 ولذا كان كلما ينحرف الناس : يجدد الله سبحانه عهده بنبي أو وصي ، فيعرفنا بعد كل انحراف أهمية وجوده ، كما في ولادة نبينا الذي خصه بالمكرمات وراجع صحيفة النبوة ، أو في ولادة الإمام علي في الكعبة ، أو ولادة الإمام الحسين لستة أشهر ورعاية رسول الله له وما ذكر من المكرمات التي حفه بها رسول الله بل الله كما ستعرف بعضها .

وبعد إن عرفنا : شيء عن قصة إسماعيل عليه السلام نذكر شيء من قصة أخيه إسحاق عليه السلام إذ قال الله تعالى :

{ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (24) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقالوا سَلاَمًا قال سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ (25) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (26) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قال أَلاَ تَأْكُلُونَ (27)

فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ (28)

فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقالتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (29) قالوا كَذَلِكِ قال رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (30) } الذاريات .

فإنه في سورة الذاريات : بعد أن عرف الله تعالى كثير من نعمه كما في سورة إبراهيم التي عرفت بها قصة إسماعيل ، ذكر قصة إبراهيم وكيف وهبه غلاما عليما وهو إسحاق ، وبعد الكبر وبالبشرى من الملائكة ، وذلك لنعرف أهمية وجوده ووجود الأنبياء في التأريخ الديني وعناية الله بهم ، وبهذا نعرف أهمية نعمة الهداية وتعريف الله لها بأفضل خلقه وعنايته بهم من يوم ولادتهم كما عرفت ، في الآيات أعلاه أو في الآيات التالية :

{ و َامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ (71)

قالتْ يَا وَيْلَتَا أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ (72) قالوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ الله

رَحْمَةُ الله وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ (73) } هود .

فإن رحمة الله على أهل البيت : وهذا هو التطهير المستمر لهداة دين الله الحميد المجيد في نبينا وآله كما كان في آل إبراهيم المصطفين الأخيار ، وكما ذكر في آية التطهير والمباهلة ومودة القربى وسورة الكوثر والضحى وغيرهن ، والله تعالى لم يدع نبينا ولم يقليه ، بل كرمه بالكتاب والحكمة وجعل الولاية لدينه في آله لأنهم ذرية من ذلك النسل الطاهر لإبراهيم من أبنه إسماعيل كما عرفت ، بل نبينا أكرم وأعلى مرتبة وله أكمل دين في الوجود ومقام محمود يوم القيامة ، بل في الدنيا والآن في ملكوت الرب يحف به آله الكرام وأجداده وإخوانهم الصالحين ومن تبعهم بيقين .

وإذا عرفنا شيء من قصص آباء نبينا وآله أجداد الإمام الحسين صلى الله عليهم وسلم ، نذكر بعض القصص عن بعض الأنبياء وعناية الله لهم من يوم ولادتهم وبكل أحوالهم من طفولتهم حتى أخذهم لمحل كرامته في ملكوته .

 

الإشعاع الثاث : في ولادة يوسف عليه السلام :

يا طيب : ورعاية الله ليوسف ذكرت في سورة كاملة ، ولا يمكن لمؤمن أن ينكرها ، لا غيرها مما ذُكر في كتاب الله إلا أن ينكر كتاب الله ويؤمن ببعض ويهجر بعض فيكون ليس من الله في شيء ، ولا نطيل الشرح فيها وتُراجع في قصص الأنبياء لمن يشاء التفصيل ، ولكن نذكر قسم من الآيات تعرفنا عناية الله به وبآبائه الكرام ، فنعرف إن الله مهتم بدينه ويعرفه بأكرم خلقه من أول الزمان إلى أخره ، وبأنه هدى الله مستمر يُعرف من المصطفين الأخيار من خلقه إلى يوم القيامة ، وقد عرفهم بكل سبيل طيب كريم ، وقد قال الله تعالى في قصة يوسف عليه السلام :

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ (1) إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (2) نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ (3)

إِذْ قال يُوسُفُ ِلأَبِيهِ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ (4)

قال يَا بُنَيَّ لاَ تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5) وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (6)

 لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (7) إِذْ قالوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (8) } يوسف .

فإن هذه الرؤيا ليوسف عليه السلام : كانت في طفولته ، ويعرفنا عناية الله بآل يعقوب وبآله منه قبل إبراهيم وإسحاق ، وعرفت قصة إسماعيل عمهم ، ثم بعد هذا تأتي باقي قصصه حتى سفره لمصر وسجنه وغيرها وملكه وجمع شملهم بفضل الله وبيان لنعمه عليهم ، وبهذا كانوا يسحقون الإمامة بعد بلاء وصبر فيكون لهم التشريف والتكريم ، وبهذا كان يعرفهم الناس في الإخلاص لله تعالى بكل وجودهم وأحوالهم في سجن أو في رفاه ، فإنه أولياء دين الله ، الله كرمهم بهداه وعلمهم ما لم يعلم غيرهم ، ومنهم يُعرف توحيد الله وكل ما يعبد به سبحانه ، وبهم يُقتدى لمعرفة دينه وكيف يخلص له بما يحب ويرضى ، وهذه السنن مستمرة في نبينا وآله إلى يوم القيمة بعد أن نقلت الإمامة والولاية لنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم .

وهذه آيات للسائلين : في قصة يوسف عليه السلام ، لنعرف كيف يحسد المفضلون ممن ليس لهم طاقة لتحمل فضل الله على المكرمين ، فيكيدوهم ويحاولوا أن ينتقصوا منهم بل يعتدوا عليهم ويبعدوهم عن حقهم ، ولم يعتنوا بفضل الله عليهم ، وهذا ما حسد به نبينا وآله إذ قال الله تعالى لقوم نبينا :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ  النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ

فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمً (54)  فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ

 وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرً (55) } النساء .

وإن الكتاب والحكمة : وإن أهل الذكر الراسخون به في الإسلام هم نبينا وآله الكرام بعده وهم الناس المفضلون وقد حسدهم من حسدهم فحاربهم وقاتلهم وأقصاهم الضالون عن أئمة الحق من محل الخلافة ظاهرا ، وعرفهم بالفضل والهدى والمؤمنون المخلصون ، لأنهم هم مطهرون ككتاب الله تعالى وهم ورثته بحق ، ومنهم يعرف كما كان يعرف من يوسف وأبيه وآباءه عليهم السلام هدى الله وشرحه وبيانه ، وهذه سنة الله في التأريخ وإلى يوم القيامة مادامت ليلة القدر وتنزل الملائكة والروح بأمر الله على الإمام ليهدي بأمر الله كما عرفت في ملاك الإمامة يهدون بأمر الله تعالى ، وهي في نبينا وآله إلى يوم القيامة أبدا ، راجع صحيفة الإمامة والثقلين .

 

الإشعاع الرابع : في ولادة موسى عليه السلام :

يا طيب : قصة موسى مع فرعون وكيف كان يذبح ويسقط وليد الحوامل قبل الولادة مشهورة في قصص الأنبياء ، ولكن الله أنجى موسى عليه السلام وجعله مع أمه في بيت فرعون يترعرع ، فيقيض ملكه لأن طغى ولم يتعظ بآيات الله ، والله عرف عظمة موسى عليه السلام من أول يوم ولادته في كثير من القصص ليؤمن به الناس حين تبليغ دعوة ربه ، وهذا هدى الله المتقن يعرفه بأعظم أسلوب وبأكرم سبله ، وبكل وسيلة يمكن أن يتيقن عظمة الله ورعايته لخلقه أقل المنصفون والذين يتبعون الحق ، وإن برهان الله واسع في كل شيء ، وهو تعالى عرف دينه وسبيله وصراطه المستقيم عند من أختارهم لتبليغ رسالته ودينه ، فيرعاهم ويكمل طاقتهم لتحمل هداه وتبليغ أمره للناس ، وبعد أن عرفهم لهم بأنهم هم المصطفون الأخيار ، وهذه قصة موسى بعد إن عرفت قصة إبراهيم وأبناءه حتى يوسف عليهم السلام ، قال الله تعالى :

{ نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَإِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (3)

 إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ (4)

 وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6)

 وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ

فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ

وَلاَ تَخَافِي وَلاَ تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ (7)

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا

إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ (8)

وَقالتْ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (9)

وَأَصْبَحَ فُؤَادُ أُمِّ مُوسَى فَارِغًا إِنْ كَادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْلاَ أَنْ رَبَطْنَا عَلَى قَلْبِهَا لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (10)

وَقالتْ ِلأَخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ (11)

وَحَرَّمْنَا عَلَيْهِ الْمَرَاضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ (12)

فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلاَ تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ (13)

وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) } لقصص .

ونبي الله موسى عليه السلام : عرفه الله بالفضل والكرامة من يوم ولادته والمعجزات الحاصلة في ولادته وصباه ، وترعرع بنعمه ، ولكنه تحمل كثير من المصائب والبلاء حين بلغ حتى هاجر واستقر عند نبي الله شعيب وبعد سنوات معه ، رجع لمصر وقام بتبليغ الرسالة بأفضل جدارة وهو من أولي العزم عليه السلام ، وقصصه مع بني إسرائيل الذين نجاهم من فرعون تُشيب الرأس لما أروه من المحن وعدم الطاعة ، ولمعرفة المزيد من رعاية الله لموسى وتعريفه بالكرامة ليعرف الناس فضله فيؤمن به الطيبون العقلاء راجع قصص الأنبياء .

وإذا عرفنا قصة موسى : ورعاية الله له من قبل ولادته وحينها وفي كل عمره نذكر شيء من قصة ولادة يحيى ومريم وعيسى عليهم السلام .

 

 

الإشعاع الخامس : في ولادة يحيى بن زكريا ومريم وعيسى عليهم السلام :

يا طيب : مريم الطاهرة البتول عرفها الله بالكرامة ليشير لمعرفة أبنها ورسالته الجديد بعد عهد طويل من وجود الأنبياء كسليمان وداود وغيرهم من أنبياء بني يعقوب ( إسرائيل ) عليهم السلام ، ونختصر قصتهم فنذكر آيات تعرفنا شأنهم الكريم ليعرفوا بالفضل فيطاعوا بما يبلغون عن الله تعالى بعد أن يعرفوا عناية الله بهم من طفولتهم إذ قال تعالى في سورة مريم ، وهو يعرف قصة زكريا ويحيى ومريم وأبنها عيسى عليه السلام في قوله تعالى : { بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ : كهيعص (1)

ذِكْرُ رَحْمَةِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا (2) إِذْ نَادَى رَبَّهُ نِدَاءً خَفِيًّا (3) قال رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا (4) وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (5) يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا (6)

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلاَمٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (7) قال رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَكَانَتْ امْرَأَتِي عَاقِرًا وَقَدْ بَلَغْتُ مِنْ الْكِبَرِ عِتِيًّا (8)

قال كَذَلِكَ قال رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَقَدْ خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُنْ شَيْئًا (9) قال رَبِّ اجْعَل لِي آيَةً قال آيَتُكَ أَلاَّ تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاَثَ لَيَالٍ سَوِيًّا (10) فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ مِنْ الْمِحْرَابِ فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَعَشِيًّا (11)

يَا يَحْيَى خُذْ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا (12) وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا (13) وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا (14) وسلم عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا (15)

وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذْ انتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّ (16) فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا (17) قالتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ تَقِيًّا (18) قال إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ ِلأَهَبَ لَكِ غُلاَمًا زَكِيًّا (19) قالتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُنْ بَغِيًّا (20)

 قال كَذَلِكِ قال رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا (21)

فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ مَكَانًا قَصِيًّا (22)   فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا (23)

فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّ (24) وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (25) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيْنَّ مِنْ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّ (26)   فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قالوا يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28)

فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قالوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا (29) قال إِنِّي عَبْدُ الله آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا (30) وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاَةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا (31) وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا (32) وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (33) } مريم .

يا طيب : تعريف الله سبحانه في كتابه المجيد لأهمية ولادة الأنبياء ورعايته بهم ليعرفهم قومهم ولنا ولأخر الدهر بالكرامة ، سواء كانوا أولي عزم أو غيرهم تابعين لهم كما في مريم أم عيسى أو عيسى المرسل أو من يجب أن يتبعه كزكريا ويحيى عليهم السلام ، وإن كانوا أكبر من عيسى عمرا ولكنه هو المرسل وصاحب الرسالة ويجب أن يطاع ، وفي كل أحوال ولادتهم فيها قصص معجزة تعرف أهمية وجودهم ، وتعرف ما يعدون له وتعرفهم للناس من أول يوم ولادتهم بل قبله ، وهكذا كان تعريف غيرهم ، وهو لنعرف أهمية وجودهم وما يبلغون له وإنهم مكرمون مفضلون ، سواء بما ينقل عن مناقبهم وشرفهم وكرامتهم عند الله ، أو ما يوجبه من وجوب طاعتهم وعدم الانحراف عنهم ، وبهذا التعريف يتيقن المؤمنون والطالبون لهدى الله إن دينه عند المصطفين الأخيار المنعم عليهم بعناية إلى يوم القيامة وقد أشاد الله بذكرهم .

وإذا عرفنا هذا : نذكر آيات تحكي عن سنة الله في تعريف أئمة هدى الله تعالى وولادة الأئمة من أول الوجود من آدم عليه السلام إلى أخر الزمان في آيات مجموعة ، وفي قصة متسلسلة واحده حتى فيها قصة زكريا ويحيى حتى الإمام الحسين عليه السلام في طفولته وصغره وتعريف فضله وكرامته مع آله في سورة آل عمران ، فتدبر بها لتعرف حكمة الله في هداه ، وتدبيره المتقن لمن يطلب الحق فيعرف أهله ويعرف دين الله وتوحيده ولإخلاص لهم منه .

ولا غروا أن تفسر : كهيعص : بالإمام الحسين ومصابه كما جاء في الآثار .



 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة الإمام الحسين عليه السلام لنتنور بما خصه رب الإسلام