هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين / صحيفة الإمام الحسين عليه السلام /
 الجزء
الرابع /  ظهور نور الإمام الحسين في الأرض بولادته وأدلة إمامته

الباب الثاني
النص والاستدلال على إمامة الحسن والحسين عليهم السلام
ومناقبهما وفضائلهم وما يوجب حبهما والاقتداء بهم

في هذا الباب : مصباح هدى ينورنا بعض الأدلة على إمامة الإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام وزمانها ومدتها والوصية لهما ، وسفينة نجاة تذكر مشارق نور مناقبهم وفضائلهم وما كرمهم الله به من الحب حتى أظهر إمامتهم ووجوب الإقتداء بهم ، وإظهاره لعظيم شأنهم عنده وعند رسوله وعند المؤمنين ، وأنوارا تخص شرفهم وكرامتهم الذاتية وبعض أو صافهم العامة والخصاصة وأقوال المؤمنين والناس فيهم .

مصباح هدى
نص واستدلال على إمامة الحسن والحسين عليهم السلام

 في هذا المصباح : أنوار كريمة عامة وخاصة تعرفنا النص على إمامة الإمام الحسن والإمام الحسين عليهما السلام ومدتها وزمانها ، والوصية لهما .

النور الأول
النص العام على أئمة الحق الحسن و الحسين وآلهم صلى الله عليهم وسلم

يا طيب : قد عرفت في الأجزاء السابقة كثير من أدلة النور على معارف الإمامة والولاية بصورة عامة وخاصة ، وهنا نشير إلى بحوث كريمة ومختصرة تعرفنا إمامة الحسن والحسين عليهم السلام وزمانها ومدتها ، وجمعنا بين الإمامين الهمامين لأن حياتهم كانت في الغالب مشتركة ، وكما عرفت في ولادتهم عليهم السلام والأحوال الحافة بها ، وكذلك أدلة الإمامة مشتركة بينهم سواء الوصية لهما ، أو في وصية الإمام الحسن للحسين بعده ، وهي تخصهم جميعا ، ونذكر بعض الآيات بعد ما عرفت في المصباح الأول أهمية معرفة ولادتهم وما كان لهم من الفضل والكرامة .

 

الإشراق الأول :

زمان ومدة أنوار إمامة الحسن والحسين عليهم السلام :

يا طيب : إن نور وجود أهل البيت عليهم السلام ، هو الحقيقة الظاهرة في كل مرتبة من مراتبه وبما يناسبها ، وبها كان تسبيحهم وتقديسهم لله سبحان وتعالى بما يناسب شأنهم هناك ، وإن نورهم هناك وإن كان مخلوقا ومقدما على الخلق لكنه منطوي تحت ولاية وإمامة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم وإن كان الملائكة والكائنات ظهرت من نورهم ومنهم تعلموا التسبيح والتقديس كما عرفت فكانوا أئمة لهم ، وكما عرفت في حديث سبحنا فسبحت الملائكة وغيره ، لكنه إن كانت الإمامة لواحد في كل مراتب الوجود ، فرسول الله في كل مرتبة هو الإمام ونبي الرحمة والمنبئ عن نور الله سبحانه في التكوين ، سواء وجودا أو هدى ، و كل شيء يكون تحت حيطته في اقتباس نور الله المتنـزل في مراتب الوجود .

 فرسول الله صلى الله عليه وآله : هو الإمام وولي أمر الله في تلك المرتبة التي لا يغيب عنها نوره بفضل الله ، وفي كل مرتبة يسيري فيها نوره تكوينا وهدى .

ثم لما كان : لكل مخلوق في تلك المرتبة شأنه ومقامه ، فآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان أول من فتقوا من نوره ، فيكونون بعده في المرتبة والظهور وتكون لهم إمامة بالتبع له وباقتباس نورهم من نوره بفضل الله سبحانه ، وبما يمده الله من نوره المشرق في كل شيء ، وبه يشرقون حسب شأنهم في مراتب التعليم والظهور بنور الله في الوجود ، وكما عرفت في الجزء الأول في شرح سورة النور .

وهنا في الأرض : وإن كانوا في زمان رسول الله ونبي الرحمة الإمام علي والحسن والحسين أئمة ، لكنه لم يكن لهم المنصب المنفرد في الظهور والحكومة والأمر والنهي إلا تحت ولاية رسول الله وإمامته ، وذلك لأنه هو المنبئ عن نور الله والمشرق به ثم منهم بما اقتبسوا منه ، وإن رسول الله بعد رحيله من الأرض لمحل نوره الأعلى ، وإن توارى جثمانه تحت الأرض لكنه حي وجمع نوره لحقيقة في الملكوت ، وكف عن الظهور العلني بالتعليم البدني في الأرض ، والذي كان بحقيقة الجسدية المناسبة لهذا العالم .

فحين رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من الأرض صارت الإمامة للإمام علي عليه السلام ، وهو الظاهر بحقيقة نور مدد الله الذي علمه به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فكان الإمام بعده بالحقيقة البدنية المقتبس نور روحها ووجودها من نور رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وإن رسول الله أيضا عرفت مقتبس نوره من الله سبحانه وبفضله عليه وبما يمده من النور ، وأنه لا نور في الوجود مستقل أصلا مهما كانت عظمته وعلو شأنه وكمال مرتبته ، بل هو يقتبس نور حقيقة في كل المراتب التي يظهر بها أو يمدها من نور الله العلي العظيم .

وهكذا يكون الإمام علي عليه السلام : الذي أقتبس نوره من رسول الله ظهر بالنور وصار معلما لهدى الله تعالى ، فمن أقتبس منه نور تعلم وتنور وجوده ، وأن آله بعده في المرتبة الحسن ثم الحسين ، وهكذا كان الحسين يقتبس نور من نور أخيه في معارف الله حتى ارتفع الإمام الحسن فصارت الإمامة للحسين ، وهو الذي كان يشرق بنور الله ومعارفه التي يقتبسها من نور آله في الملكوت الأعلى ، وبفضل تجليهم بنور الله سبحانه وتعالى ، وهكذا بعده أئمة الحق حتى أمام العصر عجل الله تعالى فرجه وجعلنا من أعوانه وأنصاره ، ورزقنا الله نور دعوته ودعاءه وخيره وبركاته .

ويا طيب : إن تحققت هذا المعنى مما عرفت في الأجزاء السابقة ومن آية النور في كتاب الله ، فبها ، وإلا تدبر الأحاديث الآتية ، فهي في الإمامة الظاهرية في الأرض :

كانت مدة النبوة لنبينا الأكرم : 23 سنة وأشهر ، كانت 13 سنة في مكة و10 سنوات وأشهر في المدينة ، لأن دخوله في ربيع الثاني ووفاته في صفر ، وكان عمره في الدنيا 63 سنة ، وكان قد بعث وعمره الشريف 40 سنة .

وأما مدة إمامة الإمام علي : 30 سنة وأشهر ، لأنه ولد 13 / رجب الشهر 7 / ـ 23 سنة قبل الهجرة إلى وفاة نبينا في   28 / صفر الشهر 2 / 11  هـ ، فصار إماما وعمره الشريف كان 33 سنة إلا أشهرا ،  إلى 21 / رمضان الشهر 9 / 40  هـ ، واستشهد وعمره الشريف 63 سنة .

وأما مدة إمامة الإمام الحسن : 10 سنوات وأشهر ، لأنه كانت ولادته  15 /9 /3 هجري  ، فصار إماما وعمره 37 سنة وأياما من  21 /شهر 9 / 40  هـ إلى  يوم  28 / 2 صفر / 50  هـ  ، واستشهد وعمره الشريف 47 سنة وأشهر .

مدة إمامة الإمام الحسين : 10 سنوات وأشهر : عرفت أنه ولد يوم 3 / شعبان الشهر 8 / 4 هـ ، وصار إماما وعمره  46 سنة وستة أشهر تقريبا أي من يوم 28 / صفر الشهر 2/ 50  هـ  إلى يوم استشهد 10 /محرم الشهر 1 / 61 سنة للهجرة ،  فكان مدة عمره الشريف  57 سنة ونصف تقريبا .

يا طيب : وقد عرفت الأقوال في الباب الأول في مدة عمر الإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام ، ويكون التفاوت حسب الأقوال ، إلا أنه هنا كانت الإمامة على الأشهر والمختار من الأقوال ، وكان لكل إمام خصائص خاصة في إمامته ووظائف عليه الظهور بها من نور هدى الله ويظهر كلا منه بما يناسب واجبه، فتدبر .

ويا طيب : قبل أن ندخل في أدلة الإمامة العامة والخاصة ، هذا حديث جامع في تعريف الإمامة في عالم الغيب والمراتب العالية حتى تشريف نبينا وآله للأرض ، وهو يعرفنا ما ذكرنا من إمامتهم في الملكوت وفي عالم الدنيا ، وقد ذكرناه سابقا فتدبر:

قال الإمام أبا عبد الله  الحسين عليه السلام :

 خطب أمير المؤمنين : خطبة بليغة في مدح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال : بعد حمد الله والصلاة على نبيه .

لما أراد الله : أن ينشئ المخلوقات ويبدع الموجودات : أقام الخلائق في صورة واحدة قبل دحو الأرض ورفع السماوات ، ثم أفاض نورا من نور عزه فلمع قبسا من ضيائه وسطع ، ثم اجتمع في تلك الصورة ، وفيها صورة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فقال له تعالى :

أنت المرتضى المختار ، وفيك مستودع الأنوار ، من أجلك أضع البطحاء و أرفع السماء وأجري الماء ، وأجعل الثواب والعقاب والجنة والنار .

وأنصب أهل بيتك : علما للهداية وأودع فيهم أسراري ، بحيث لا يغيب عنهم دقيق ولا جليل ، ولا يخفى عنهم خفي .

أجعلهم حجتي على خليقتي ، وأسكن قلوبهم أنوار عزتي ، وأطلعهم على معادن جواهر خزائني .   ثم أخذ الله تعالى : عليهم الشهادة بالربوبية والإقرار بالوحدانية ، وإن الإمامة فيهم والنور معهم .

ثم إن الله سبحانه : أخفى الخليقة في غيبه ، وغيبها في مكنون علمه ، و نصب العوالم ، و موج الماء ، و أثار الزبد ، وأهاج الدخان فطفا عرشه على الماء .

 ثم أنشأ الملائكة من أنوار أبدعها وأنواع اخترعها ، ثم خلق المخلوقات فأكملها ، ثم قرن بتوحيده نبوة نبيه .

 فشهدت له : السماوات والأرض والملائكة والعرش والكرسي والشمس والقمر والنجوم وما في الأرض ، بالنبوة و الفضيلة .

ثم خلق آدم : وأبان للملائكة فضله ، وأراهم ما خصه به من سابق العلم ، فجعله محرابا وقبلة لهم فسجدوا له ، وعرفوا حقه .

 ثم إن الله تعالى : بين لآدم عليه السلام حقيقة ذلك النور ، ومكنون ذلك السر فأودعه شيئاً وأوصاه ، وأعلمه أنه السر في المخلوقات .

ثم لم يزل ينتقل من الأصلاب الطاهرة إلى الأرحام الزكية ، إلى أن وصل إلى عبد المطلب فألقاه إلى عبد الله ، ثم صانه الله عن الخثعمية حتى وصل إلى آمنة .

 فلما أظهره الله بواسطة نبينا صلى الله عليه وآله وسلم :

 استدعى الفهوم إلى القيام بحقوق ذلك السر اللطيف .

وندب العقول إلى الإجابة لذلك المعنى المودع في الذر قبل النسل .

فمن وافقه قبس من لمحات ذلك النور ، اهتدى إلى السر ، وانتهى إلى العهد المودع في باطن الأمر وغامض العلم . ومن غمرته الغفلة وشغلته المحنة ، عشى بصر قلبه عن إدراكه . فلا يزال ذلك النور :

ينتقل فينا أهل البيت ، ويتشعشع في غرائزنا إلى أن يبلغ الكتاب أجله .

فنحن : أنوار الأرض والسماوات، ومحض خالص الموجودات ، وسفن النجاة.

وفينا : مكنون العلم ، وإلينا مصير الأمور ، وبمهدينا تنقطع الحجج ، فهو خاتم الأئمة ، ومنقذ الأمة ، ومنتهى النور ، وغامض السر .

فليهنأ من استمسك بعروتنا و حشر على محبتنا  [1].

اللهم أمنا بك وبنورك المشرق بالنبي وآله فوفقنا للتمسك بعروتهم وأحشرنا معهم ، وإذا تذكرنا أصل الإمامة وحقيقتها لنبينا وآله، نتعرف على ظاهرها في الأرض بصورة مختصرة ، سواء من كتاب الله تعالى ، أو بأحاديث شريف تعرفنا الشأن الكريم لأئمة الحق بصورة عامة لكلهم أو خاصة بالإمام الحسن والإمام الحسين فتدبر .

 

 

الإشراق الثاني :

نصوص قرآنية على أئمة الحق :

يا طيب : عرفت نص آية المباهلة وآيات الذرية ، بأن الإمامة مستمرة بنص كتاب الله ولم يدعيها غير الإمام علي والحسن والحسين والذرية المعصومين من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وقد قال الله تعالى :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِــإِمَـــامِــهِـــمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَؤُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71) ومَن كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل (72) } الإسراء .

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَـــام (74)} الفرقان .

{ بِسْمِ الله الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } الكوثر .

ويا طيب : لا معنى لأن يكون الله أعطى نبي الرحمة الكوثر وكل خير وبركه وذرية غير مقطوعة ، إذا لم يكونوا أئمة ، وأن يكون غيرهم أئمة ، لما عرفت لأنه إذا لم يكون الحسن والحسين وعلي أبوهم الذي هو خيرا منهم أئمة يكون عليهم إمام ، وهذا خلاف شأن المنة من الله في قوله أعطينا الكوثر والخير كله وأصله منبعه .

 وقد عرفت : أنه لم يكن في حياة رسول الله أمير على أمير المؤمنين ، بل كان في كل معركة وغزوة وسفرة هو الأمير بعد رسول الله وهو صاحب لوائه وقائد جيشه .

فإذا كان لابد لكل إنسان من إمام : ويدعى به يوم القيامة وبنص كتاب الله ، فلابد من وجوده ويكون إماما للمؤمنين بل إماما للمتقين ، وغيره ممن يعانده يكون من أئمة ضلال وكفر مهما كان ، ومعاندا له إذا لم يكن تحت راية الإمام الحق ، ولا يكون الأئمة بعد رسول الله إلا الحسن والحسين وأبوهم خيرا منهما ، ثم ذرية الحسين عليه السلام لما عرفت من الأدلة ، ولما يأتي ، فتدبر .

وقد الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)
ذُرِّيَّــــةً بَعْضُـهَا مِن بَعْضٍ
وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34)  ....
إلى قوله تعالى ... فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةُ الله عَلَى الْكَاذِبِينَ (61)

إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقُّ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ الله وَإِنَّ الله لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (62) }آل عمران .

فإن الآيات أعلاه : وفي ما بينها من الآيات لو تراجعها تحكي عن تطهير الأنبياء وأنهم من ذرية واحدة ، تكريم الآباء بالأبناء والأبناء بالآباء ، وتفضل من الله على من أصطفى وطهر من عبادة ليكونوا أئمة حق ، فيدعون لعبوديته ويقيمون دينه بأعلى إخلاص ممكن لمخلوق كامل تجلى فيه أعلى نور الله المشرق من أسماءه الحسنى كلها.

ويا طيب : إن أدلة الإمامة تبحث في كتب الإمامة ، ولكن هنا نبحث بما يخص إمامة الإمام الحسن والإمام الحسين ، وإنهم الذرية الطاهرة لرسول الله والمخصوصين بالكرامة والولاية بعد أبيهم وجدهم صلى الله عليهم وآلهم أجمعين ، وإنه وإن كان يكفي آية واحدة تخصهم كالتطهير والمباهلة أو الكوثر وغيرهن ، لكن نذكر بعض ما يذكرنا بإمامتهم وولايتهم ليطمئن قلبنا بأنا على الحق ونعبد الله بما يحب ويرضى من دين عرفه أئمة الحق ، ولنتعرف على بعض خصائصهم وما كرمهم الله به وما لهم من الحجة على جميع خلق الله ، وأنه غيرهم خسر لعناده دينه ونفسه لأنه تبع أئمة لا حجة لهم وأئمة ضلال قتلة ومعاندين ومنحرفين عن أئمة الحق ، وهذه الذرية الطاهرة المخصوصة بالولاية والإمامة بعد رسول الله يعرفها هذا الحديث الآتي وما بعده فتدبر :

وهذه محاورة مختصرة : فيها آيات تعرفنا بعض آيات كتاب الله ، والتي تدلنا على أحقية الإمام الحسن والحسين عليهم السلام بالإمامة ، وإن كان فيها معنى لموالي أقتبسه من الحديث أعلاه ، فتدبر فطنت المؤمنين وظلم الجائرين من أجل أسيادهم :

قال الشعبي : كنتُ بواسط ، وكان يوم أضحى ، فحضرت العيد مع الحجّاج فخطب خطبة بليغة ، فلمّا انصرف جاءني رسوله ، فأتيته فوجدته جالساً مستوفزاً ، فقال : يا شعبي ، هذا يوم أضحى ، وقد أردت أن اُضحّي برجل من أهل العراق ! وأحببت أنْ تسمع قوله فتعلم أنِّي قد أصبت الرأي فيما أفعل به ! .

 فقلت : أيُّها الأمير ، لو ترى أنْ تتسنن بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وتضحّي بما أمر أنْ يُضحّى به ، وتفعل مثل فعله ، وتدع ما أردت أنْ تفعله به في هذا اليوم العظيم إلى غيره .

 فقال : يا شعبي ، إنك إذا سمعت ما يقوله صوبتَ رأيي فيه ، لكذبه على الله وعلى رسوله ، لإدخاله الشبهة في الإسلام !

 قلت : أ فيرى الأمير أنْ يعفني من ذلك ؟

 قال : لا بد منه .

 ثم أمر بنطع فبُسط ، وبالسيّاف فاُحضر ، وقال : احضروا الشيخ .

 فأتوه به ، فإذا هو يحيى بن يعمر ، فاغتممت غماً شديداً .

وقلت في نفسي : وأي شيء يقوله يحيى مما يوجب قتله .

 فقال له الحجّاج : أنت تزعم أنك زعيم أهل العراق ؟ .

 قال يحيى : أنا فقيه من فقهاء أهل العراق .

 قال : فمن أي فقهك زعمت أن الحسن والحسين من ذرية رسول الله ؟

 قال : ما أنا زاعم ذلك ، بل قائل بحق .

 قال : وبأي حق قلت ؟

 قال : بكتاب الله عز وجل .

 فنظر إلي الحجاج وقال : اسمع ما يقول ، فإن هذا ممّا لم أكن سمعته عنه ، أتعرف أنت في كتاب الله عز وجل أن الحسن والحسين من ذرية محمد رسول الله ؟

 فجعلتُ أفكر في ذلك ، فلم أجد في القرآن شيئاً يدل على ذلك .

 وفكَّر الحجّاج ملياً ثم قال ليحيى : لعلك تريد قول الله عزَّ وجلّ :

 { فمَنْ حاجكَ منْ بَعدْ مَا جاءَكَ مِنَ العِلم فَقُلْ تَعالَوا نَدْعُ أبْناءنا وَأبناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكمْ وَأنْفُسَنا وأنْفُسَكُمْ ثم نبتهل فَنَجْعلْ لَعْنَةَ الله عَلى الكاذِبينَ } آل عمران61 .  وأن رسول الله خرج للمباهلة ومعه علي وفاطمة والحسن والحسين ؟

 قال الشعبي : فكأنما أهدى لقلبي سروراً .

 وقلتُ في نفسي : قد خلص يحيى . وكان الحجّاج حافظاً للقرآن ! !

 فقال يحيى : والله إنَّها لحجة في ذلك بليغة ، ولكن ليس منها أحتج لما قلتُ .

فاصفر وجه الحجاج وأطرق ملي ثم رفع رأسه إلى يحيى وقال: إنْ جئتَ من كتاب الله بغيرها في ذلك فلك عشرة آلاف درهم ، وإنْ لم تأتِ بها فأنا في حلٍ من دمك .

 قال : نعم .

 قال الشعبي : فغمني قوله وقلت في نفسي : أما كان في الذي نزع به الحجاج ما يحتج به يحيى ويرضيه بأنه قد عرفه وسبقه إليه ، ويتخلَّص منه حتى رد عليه وأفحمه ، فانْ جاءه بعد هذا بشيء لم آمن أنْ يدخل عليه فيه من القول ما يبطل حجته لئلا يدعي أنه قد علم ما جهله هو .

 فقال يحيى : قول الله عزّ وجلّ : { وَمِنْ ذريته دَاوُدَ وَسلَيمانَ } الأنعام84 ، مَنْ عنى بذلك ؟   قال الحجّاج : إبراهيم .

 قال : فداود وسليمان مِنْ ذريته ؟  قال : نعم .

 قال يحيى : ومَنْ نص الله تعالى عليه بعد هذا أنه مِنْ ذريته ؟

فقرأ الحجّاج:{ وَأيوبَ وَيُوسُفَ ومُوسَى وهَارُونَ وكَذلكَ نَجْزي المُحْسِنينَ }.

 قال يحيى : وَمَنْ ؟  قال : { وَزكَرِيَّا ويحيى وَعيسى } .

 قال يحيى : ومِنْ أين كان عيسى من ذرَية إبراهيم ولا أب له ؟ !

 قال : من قِبَلَ اُمِّه مريم .

 قال يحيى : فَمَنْ أقرب ، مريم مِنْ إبراهيم ، أم فاطمة مِنْ محمَد صلى الله عليه وآله ؟  وعيسى مِنْ إبراهيم ، أم الحسن والحسين عليهم السلام مِنْ رسول الله صلى الله عليه وآله ؟

 قال الشعبي : فكأنما ألقمه حجراً . فقال : أطلقوه قبحه الله ، وادفعوا إليه عشرة آلاف درهم، لا بارك الله له فيها [2].

وقد ذكر في المناقب فصلا :

في الاستدلال على إمامة الحسن والحسين : قال الله تعالى :

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذريتهم بِإِيمَانٍ و لا إتباع أحسن من إتباع الحسن و الحسين . و قال تعالى : ـ  أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذريتهمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ (21) } الطور .

فقد ألحق الله بهما ذريتهما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . و شهد بذلك كتابه فوجب لهم الطاعة بحق الإمامة مثل ما وجب للنبي لحق النبوة .

و قال تعالى حكاية عن حملة العرش : { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُو وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ (7) رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذريتهمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (8) وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ وَمَن تَقِ السَّيِّئَاتِ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمْتَهُ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (9) } غافر .

و قال أيضا : { وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا (74) } الفرقان، و لا يسبق النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فضيلة ، و ليس أحق بهذا الدعاء بهذه الصيغة منه و ذريته ، فقد وجب لهم الإمامة .

و يستدل على إمامتهم : بما رواه الطريقان المختلفان و الطائفتان المتباينتان من نص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على إمامة ألاثني عشر ، و إذا ثبت ذلك فكل من قال بإمامة ألاثني عشر قطع على إمامتهما .

 و يدل أيضا ما ثبت بلا خلاف : أنهما دعوا الناس إلى بيعتهما و القول بإمامتهما، فلا يخلو من أن يكونا محقين أو مبطلين، فإن كانا محقين فقد ثبتت إمامتهما ، و إن كانا مبطلين وجب القول بتفسيقهما و تضليلهم ، و هذا لا يقوله مسلم .

و يستدل أيضا : بأن طريق الإمامة لا يخلو : إما أن يكون هو النص ، أو الوصف ، و الاختيار ، و كل ذلك قد حصل في حقهما ، فوجب القول بإمامتهما .

ويستدل أيضا: بما قد ثبت بأنهما خرجا وادعيا ، ولم يكن في زمانهما غير معاوية ويزيد و هما قد ثبت فسقهما بل كفرهما ، فيجب أن تكون الإمامة للحسن والحسين.

و يستدل أيضا : بإجماع أهل البيت عليهم السلام لأنهم أجمعوا على إمامتهما ، و إجماعهم حجة .

و يستدل بالخبر المشهور أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم : ابناي هذان إمامان قاما أو قعد . أوجب لهما الإمامة بموجب القول سواء نهضا بالجهاد أو قعدا عنه دعوا إلى أنفسهما أو تركا ذلك .

 ويستدل :  بطريقة العصمة : و النصوص ، و كونهما أفضل الخلق يدل على إمامتهما ، و كانت‏ الخلافة في أولاد الأنبياء ، و ما بقي لنبينا ولد سواهما [3].

وفي سفينة النجاة الآتية إن شاء الله تفصيل الأحاديث فتابع البحث مشكورا :

 

 

 

 

الإشراق الثالث :

استمرار الهداية بالذرية الطيبة والمصطفين الأخيار :

 يا طيب : قد جاء في تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي رحمة الله كلاما في استمرار الهداية بأمر الله على طول الزمان ، وإنها مستمرة في إمامة الحسن والحسين وأنهما من ذرية رسول الله ، فنذكر منه ما قال :

و في تفسير العياشي : عن محمد بن الفضيل عن الثمالي عن أبي جعفر عليه السلام : في قوله : { و وهبنا له إسحاق و يعقوب كلا هدين } لنجعلها في أهل بيته ، { و نوحا هدينا من قبل }  لنجعلها في أهل بيته ، فأمر العقب من ذرية الأنبياء من كان قبل إبراهيم و لإبراهيم .وقال رحمه الله أقول:

وفيه تأييد ما قدمناه أن الآيات لبيان اتصال سلسلة الهداية .

و في الكافي : مسندا ، و في تفسير العياشي مرسلا عن بشير الدهان ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال : و الله لقد نسب الله عيسى بن مريم في القرآن إلى إبراهيم من قبل النساء ثم تلا : { و من ذريته داود و سليمان } إلى آخر الآية وذكر عيسى.

و في تفسير العياشي : عن أبي حرب عن أبي الأسود قال : أرسل الحجاج إلى يحيى بن معمر قال: بلغني أنك تزعم أن الحسن و الحسين من ذرية النبي تجدونه في كتاب الله ، و قد قرأت كتاب الله من أوله إلى آخره فلم أجده . قال: أ ليس تقرأ سورة الأنعام ؟ { و من ذريته داود و سليمان .. حتى بلغ ... يحيى و عيسى } قال : أ ليس عيسى من ذرية إبراهيم ؟ قال: نعم قرأت . أقول : و رواه في الدر المنثور، عن ابن أبي حاتم عن أبي الحرب بن أبي الأسود: مثله .

و في الدر المنثور : أخرج أبو الشيخ و الحاكم و البيهقي عن عبد الملك بن عمير قال : دخل يحيى بن معمر على الحجاج فذكر الحسين ، فقال الحجاج : لم يكن من ذرية النبي . فقال يحيى : كذبت ، فقال : لتأتيني على ما قلت ببينة ، فتل : {و من ذريته داود و سليمان .. إلى قوله .. و عيسى و إلياس } فأخبر تعالى : أن عيسى من ذرية إبراهيم بأمه . قال : صدقت .

أقول : ذكر الآلوسي في روح المعاني ، في قوله تعالى : { و عيسى }، و في ذكره دليل على أن الذرية تتناول أولاد البنات لأن انتسابه ليس إلا من جهة أمه .

و أورد عليه : أنه ليس له أب يصرف إضافته إلى الأم إلى نفسه ، فلا يظهر قياس غيره عليه في كونه ذرية لجده من الأم ، و تعقب بأن مقتضى كونه بلا أب أن يذكر في حيز الذرية .

و فيه منع ظاهر : و المسألة خلافية ، و الذاهبون إلى دخول ابن البنت في الذرية يستدلون بهذه الآية ، و بها احتج موسى الكاظم رضي الله عنه على ما رواه البعض عند الرشيد .

و في التفسير الكبير ـ للفخر الرازي ـ : أن أبا جعفر رضي الله تعالى عنه استدل بها عند الحجاج بن يوسف و بآية المباهلة ، حيث دعا (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن و الحسين رضي الله تعالى عنهما بعد ما نزل { تعالوا ندع أبناءنا و أبناءكم }. و ادعى بعضهم : أن هذا من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم ، و قد اختلف إفتاء أصحابنا في هذه المسألة ، و الذي أميل إليه القول بالدخول .انتهى .

و قال في المنار : و أقول في الباب حديث أبي بكرة عند البخاري مرفوعا : { أن ابني هذا سيد } يعني الحسن ، و لفظ ابن لا يجري عند العرب على أولاد البنات ، و حديث عمر في كتاب معرفة الصحابة لأبي نعيم مرفوعا : {و كل ولد آدم فإن عصبتهم لأبيهم خلا ولد فاطمة فإني أبوهم و عصبتهم } و قد جرى الناس على هذا ، فيقولون في أولاد فاطمة ، أولاد رسول الله  وأبناؤه وعترته وأهل بيته . انتهى .

وقال السيد الطباطبائي رحمه الله أقول :

و في المسألـة خـلـط : وقد اشتبه الأمر فيها على عدة من الأعلام ، فحسبوا أن المسألة لفظية ، يتبع فيها اللغة حتى احتج فيها بعضهم ، بمثل قول الشاعر :

بنونا بنو أبنائنا و بناتنا     بنوهن أبناء الرجال الأباعد

و قوله :

و إنما أمهات الناس أوعية    مستودعات و للأنساب آباء

و قد أخطئـوا في ذلك : و إنما هي مسألة حقوقية اجتماعية ، من شعب مسألة القرابة ، و الأمم و الأقوام مختلفة في تحديدها و تشخيصها .

و أن المـرأة هل هي داخلة في القرابة ؟ و أن أولاد بنت الرجل هل هم أولاده ؟ و أن القرابة هل تختص بما يحصل بالولادة أو تعمه و ما حصل بالادعاء ؟

و قد كانت عرب الجاهلية : لا ترى للمرأة إلا القرابة الطبيعية ، التي تؤثر أثرها في الازدواج و الإنفاق و نحو ذلك ، و لا ترى لها قرابة قانونية تسمح لها بالوراثة و نحوها .

 و أما أولاد البنات : فلم تكن ترى لها قرابة ، و كانت ترى قرابة الأدعياء ، و تسمى الدعي ابنا ، لا لأن اللغة كانت تجوز ذلك ، بل لأنهم اتبعوا في ذلك ما تجاورهم من الأمم الراقية ، ترى ذلك بحسب قوانينها المدنية أو سننها القومية ، كالروم و إيران .

و أما الإســـلام : فقد ألغى قرابة الأدعياء من رأس ، قال تعالى: { و ما جعل أدعياءكم أبناءكم }الأحزاب4 . و أدخل المرأة في القرابة : و رتب على ذلك آثارها ، و أدخل أولاد البنات في الأولاد ، قال تعالى في آية الإرث : { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين } النساء11 ، و قال : { للرجال نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون و للنساء نصيب مما ترك الوالدان و الأقربون مما قل منه أو كثر } النساء7 ن و قال في آية محرمات النكاح : { حرمت عليكم أمهاتكم و بناتكم - إلى أن قال - و أحل لكم ما وراء ذلكم } النساء24 .

فسمى : بنت البنت بنتا ، و أولاد البنات أولادا من غير شك في ذلك .

 و قال تعالى : { و يحيى و عيسى و إلياس .. الآية } فعد .. عيسى من ذرية إبراهيم أو نوح  عليهم السلام ، و هو غير متصل بهما إلا من جهة الأم .

و قد استدل أئمة أهل البيت عليهم السلام :  بهذه الآية ، و آية التحريم ، و آية المباهلة على كون ابن بنت الرجل ابنا له ، و الدليل عام ، و إن كان الاحتجاج على أمر خاص .

و لأبي جعفر الباقر عليه السلام احتجاج آخر أصرح من الجميع ، رواه في الكافي ، بإسناده عن عبد الصمد بن بشير عن أبي الجارود ، قال : قال أبو جعفر عليه السلام فعن أبي الجارود  عن أبي جعفر عليه السلام قال : قال لي أبو جعفر : يا أبا الجارود ، ما يقولون في الحسن والحسين عليهم السلام ؟

 قلت : ينكرون علينا أنهما ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله .

قال : فبأي شيء احتججتم عليهم ؟

 قلت : بقول الله عز وجل في عيسى بن مريم : {ومن ذريته داود وسليمان  - إلى قوله - وكذلك نجزي المحسنين } ، وجعل عيسى من ذرية إبراهيم .

قال : فأي شيء قالوا لكم ؟

قلت : قالو : قد يكون ولد الابنة من الولد ولا يكون من الصلب .

قال : فبأي شيء احتججتم عليهم ؟

 قال : قلت : احتججنا عليهم بقول الله تعالى :

 { قل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم } الآية ..

قال : فأي شيء قالوا لكم ؟

قلت : قالوا : قد يكون في كلام العرب ابني رجل واحد ، فيقول : أبناءنا وإنما هما ابن واحد  .

قال : فقال أبو جعفر عليه السلام : والله يا أبا الجارود ، لأعطينكها من كتاب الله تسمي لصلب رسول الله صلى الله عليه وآله لا يردها إلا كافر .

قال : قلت : جعلت فداك وأين ؟

قال : حيث قال الله : { حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم - إلى أن ينتهي إلى قوله - وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم }[4] .

فسلهم يا أبا الجارود : هل حل لرسول الله صلى الله عليه وآله نكاح حليلتهما ؟

فإن قالوا : نعم فكذبوا والله وفجروا .

وإن قالوا : لا ، فهما والله ابنــاه لصلبـه ، وما حرمتا عليه إلا للصلب [5].

و روى قريبا منه القمي في تفسيره .

و بالجملة : فالمسألة غير لفظية ، و قد اعتبر الإسلام في المرأة القرابة الطبيعية و التشريعية جميعا ، و كذا في أولاد البنات أنهم من الأولاد ، و أن عمود النسب يجري من جهة المرأة كما يجري من جهة الرجل ، كما ألغى الاتصال النسبي من جهة الدعاء ، أو من غير نكاح شرعي ، و قد روى الفريقان عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال : ( الولد للفراش و للعاهر الحجر ) غير أن مساهلة الناس في الحقائق الدينية أنستهم هذه الحقيقة ، و لم يبق منها إلا بعض آثارها كالوراثة و الحرمة ، و لم تخل السلطات الدولية في صدر الإسلام من تأثير في ذلك ، و قد تقدم البحث في ذيل آية التحريم من الجزء الثالث ( الرابع ) من الكتاب [6].

يا طيب : وسيأتي تأكيد هذا المعنى في كثير من الأحاديث الشريفة ، في الإشراق الآتي وفي سفينة النجاة فتابع البحث مشكورا ، وتيقن أنه لا أحد مطهر صادق ومختار قد اصطفاه لله لولايته على المؤمنين وإماما لهم إلا نبينا وآله وذريته الطيبين الطاهرين .

 

 

 

الإشراق الرابع :

حديث مفاخرة علي بن أبي طالب مع ولده الحسين عليه السلام :

يا طيب : قد ذكرنا أدلة الإمامة في صحيفة الثقلين وصحيفة الإمامة بل صحيفة التوحيد والأسماء الحسنى وصحيفة النبوة ، وفيهما تجد كثيرا من الأدلة على ضرورة وجود الإمام وأهمية الإمامة ، كما تجد في صحيفة الإمام علي عليه السلام أحاديث كثيرة تعرفنا إمامته عليه السلام سواء في النص عليه أو فضائله ومناقبه ، وقبل أن نذكر النص على الإمام الحسن والحسين عليهم السلام ، نذكر حديثا شريفا فيه اثنان وسبعون دليلا يبدأ بكلمة أنا يعرفنا فضله وكرامته ويدل على إمامته ، فضلا عن حديث الغدير والثقلين وغيرها التي هي نصا في إمامتهم وغيرها من الأحاديث المُعرفة لشأنهم العظيم ، والمعرفة لتفاصيل حقيقة الإمامة وولاية الله فيهم وضرورة وجودها ، فراجع ما ذكرنا من الكتب أو الكتب المختصة في الإمامة ، وهذا حديث شريف فيه كثير من فضائل الإمام علي عليه السلام ويدل على إمامته وولايته وكرامته على غيره ، ويشهد له رسول الله ، وفي صحيفة الإمام علي عليه السلام حديثا أخرا مفصلا فيه سبعون منقبة للإمام علي عليه السلام يعرفنا فضله وأحقيته في الإمامة والولاية .

وأما هذا الحديث : فهو مختصرا في الإمامة للإمام علي عليه السلام ، وتشهد لفقراته كثير من آيات كتاب الله ، وحقائق سيرة تأريخ الدين الإسلامي ، وصفات الإمام التي سلم لها المسلمون كلهم ، هذا فضلا عما فيه من الخصوصية الكريمة الخاصة ، وهي كونه جرت فيه مفاخرة بين الإمام الحسين عليه السلام وأبيه والشاهد رسول الله ، وفيه بيان لفضلهما المشترك وإمامتهم ، كما أنه فيه بيانا لبعض أحوال الإمام الحسين عليه السلام في صباه فضلا عن بيان فضله وأحقيته في الإمامة لما عرفت من الأدلة أعلاه ، بكون الإمام بالتوريث بفضل الله ولما صبروا في جنبه فكرمهم ، فتدبر .

في كتاب الفضائل قال : حدثنا سليمان بن مهران قال : حدثنا جابر عن مجاهد قال : حدثنا عبد الله بن عباس قال : حدثنا رسول الله قال ، لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنة مكتوبا ، لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، و الحسن و الحسين سبطا رسول الله ، و فاطمة الزهراء صفوة الله ، و على ناكرهم و باغضهم لعنة الله تعالى .

(و) قيل : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : كان جالسا ذات يوم و عنده الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، إذ دخـل الحسين بن علي فأخذه النبي عليه السلام و أجلسه في حجره ، و قبل بين عينيه ، و قبل شفتيه ، و كان للـحـســيـن عليه السلام ست سنين .

فقال علي عليه السلام : يا رسول الله أ تحب ولدي الحسين ؟

قال النبي صلى الله عليه وآله : و كيف لا أحبه ، و هو عضو من أعضائي .

فقال علي عليه السلام : يا رسول الله أيما أحب إليك أنا أم الحسين ؟

فقال الحسين : يا أبتي من كان أعلى شرفا كان أحب إلى النبي ، و أقرب إليه منزلة .

قال علي عليه السلام لولده : أ تفاخرني يا حسين ؟!

قال : نعم يا أبتاه إن شئت .

فقال له الإمام علي عليه السلام : يا حسين .

أنا  أمير المؤمنين ، أنا  لسان الصادقين ، أنا وزير المصطفى ، أنا  خازن علم الله و مختاره من خلقه ، أنا  قائد السابقين إلى الجنة .

أنا  قاضي الدين عن رسول الله ، أنا  الذي عمه سيد في الجنة ، أنا  الذي أخوه جعفر الطيار في الجنة عند الملائكة ، أنا  قاضي الرسول ، أن آخذ له باليمين .

أنا  حامل سورة التنزيل إلى أهل مكة بأمر الله تعالى ، أنا  الذي اختارني الله تعالى من خلقه ، أنا  حبل الله المتين الذي أمر الله تعالى خلقه أن يعتصموا به في قوله تعالى : { وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ الله جَمِيعًا (103) } آل عمران . أنا  نجم الله الزاهر ، أنا  الذي تزوره ملائكة السماوات .

أنا  لسان الله الناطق ، أنا  حجة الله تعالى على خلقه ، أنا  يد الله القوي ، أنا  وجه الله تعالى في السماوات ، أنا  جنب الله الظاهر .

أنا الذي قال الله سبحانه و تعالى في و في حقي : { بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ (26) لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ (27)} الأنبياء ، أنا  عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها و الله سميع عليم ، أنا  باب الله‏ الذي يؤتى منه ، أنا  علم الله على الصراط ، أنا  بيت الله من دخله كان آمنا فمن تمسك بولايتي و محبتي أمن من النار .

 أنا  قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين ، أنا  قاتل الكافرين ، أنا  أبو اليتامى ، أنا  كهف الأرامل ، أنا  { عَمَّ يَتَسَاءلُونَ (1)} النبأ ،  عن ولايتي يوم القيامة قوله تعالى : { ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) } التكاثر .

أنا  نعمة الله تعالى التي أنعم الله بها على خلقه ، أنا الذي قال الله تعالى في و في حقي : { الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا (3) } المائدة ، فمن أحبني كان مسلما مؤمنا كامل الدين ، أنا  الذي بي اهتديتم ، أنا  الذي قال الله تبارك و تعالى في و في عدوي : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ (24)} الصافات ، أي عن ولايتي يوم القيامة ، أنا  النبأ العظيم الذي أكمل الله تعالى به الدين يوم غدير خم و خيبر .

أنا  الذي قال رسول الله في من كنت مولاه فعلي مولاه ، أنا  صلاة المؤمن ، أنا  حي على الصلاة ، أنا  حي على الفلاح ، أنا  حي على خير العمل .

أنا  الذي نزل على أعدائي : { سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2) } المعارج . ، بمعنى من أنكر ولايتي و هو النعمان بن الحارث اليهودي لعنه الله تعالى ، أنا  داعي الأنام إلى الحوض فهل داعي المؤمنين غيري ، أنا  أبو الأئمة الطاهرين من ولدي ، أنا  ميزان القسط ليوم القيامة ، أنا  يعسوب الدين .

أنا  قائد المؤمنين إلى الخيرات و الغفران إلى ربي ، أنا  الذي أصحاب يوم القيامة من أوليائي  المبرءون من أعدائي  و عند الموت لا يخافون و لا يحزنون   و في قبورهم لا يعذبون  و هم الشهداء و الصديقون  و عند ربهم يفرحون ، أنا  الذي شيعتي متوثقون أن لا يوادوا من حاد الله و رسوله و لو كانوا آباءهم أو أبناءهم ، أنا  الذي شيعتي يدخلون الجنة بغير حساب ، أنا  الذي عندي ديوان الشيعة بأسمائهم .

 أنا  عون المؤمنين و شفيع لهم عند رب العالمين ، أنا  الضارب بالسيفين ، أنا  الطاعن بالرمحين ، أنا  قاتل الكافرين يوم بدر و حنين ، أنا  مردي الكماة يوم أحد .

أنا  ضارب ابن عبد ود لعنه الله تعالى يوم الأحزاب ، أنا  قاتل عمرو و مرحب ، أنا  قاتل فرسان خيبر ، أنا  الذي قال فيَّ الأمين جبرائيل :

لا سيف إلا ذو الفقار    و لا فـتـى إلا علي

 أنا  صاحب فتح مكة ، أنا كاسر اللات و العزى .

 أنا  الهادم هبل الأعلى و مناة الثالثة الأخرى ، أنا  علوت على كتف النبي و كسرت الأصنام ، أنا  الذي كسرت يغوث و يعوق و نسرا ، أنا  الذي قاتلت الكافرين في سبيل الله ، أنا  الذي تصدق الخاتم .

 أنا  الذي نمت على فراش النبي و وقيته بنفسي من المشركين ، أنا  الذي يخاف الجن من بأسي ، أنا  الذي به يعبد الله ، أنا  ترجمان الله ، أنا  علم الله ، أنا  عيبة علم رسول الله .

 أنا  قاتل أهل الجمل و صفين بعد رسول الله ، أنا  قسيم الجنة و النار .

فعندها سكت علي عليه السلام .

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم للحسين عليه السلام ، أ سمعت يا أبا عبد الله ما قاله أبوك ، و هو عشر عشير معشار ما قاله من فضائله ، و من ألف ألف فضيلة ، و هو فوق ذلك أعلى .

فقال الحسين عليه السلام : الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ، و على جميع المخلوقين ، و خص جدنا بالتنزيل و التأويل و الصدق ، و مناجاة الأمين جبرائيل عليه السلام ، و جعلنا خيار من اصطفاه الجليل ، و رفعنا على الخلق أجمعين .

ثم قال الحسين عليه السلام :

أما ما ذكرت يا أمير المؤمنين فأنت فيه صادق أمين .

 فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : اذكر أنت يا ولدي فضائلك .

فقال الحسين عليه السلام :

يا أبت أنا الحسين بن علي بن أبي طالب ،  و أمي فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين ، و جدي محمد المصطفى سيد بني آدم أجمعين لا ريب فيه .

يا علي : أمي أفضل من أمك عند الله و عند الناس أجمعين ، و جدي خير من جدك و أفضل عند الله و عند الناس أجمعين ، و أنا  في المهد ناغاني جبرائيل ، و تلقاني إسرافيل .

يا علي : أنت عند الله تعالى أفضل مني ، و أنا أفخر منك بالآباء و الأمهات و الأجداد .

قال ثم إن الحسين عليه السلام : اعتنق أباه وجعل يقبله ، وأقبل علي يقبل ولده الحسين وهو يقول: زادك الله تعالى شرفا وفخرا وعلما وحلما، ولعن الله تعالى ظالميك يا أبا عبد الله ، ثم رجع الحسين عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم  .

 و قال في كتاب الفضائل : هذا وجدناه مكتوبا على التمام و الكمال ، و نستغفر الله من الزيادة و النقصان ، و نعوذ بالله من سخط الرحمن[7] .

يا طيب : وإذا عرفنا أدلة الولاية والإمام العامة ، سواء بنص كتاب الله ولو مختصرا ، وبأحاديث شريفة تعرف الإمام الأول عليه السلام ، ويشهد لها كثير من الآيات والأحاديث وتأريخ الدين وصفات أمير المؤمنين وآله ، ندخل في الإمام الخاصة للإمام الحسن والحسين عليهم السلام ، ثم في سفينة النجاة فنفصل البحث .

 


[1] بحار الأنوار ج74ص300ب14ح6. الخثعمية زوجة أخرى لعبد المطلب .

[2]عن الشيخ الكراجكي المتوفى سنة 449 في كتابه الشهير كنز الفوائد ج1ص357  .

[3] المناقب ج3ص367. باب إمامة السبطين عليهم السلام . وذكره عنه في البحار بحار الإنوارج43ص277ب12ح48.

[4]{ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ الله كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) } النساء .

[5] بحار الأنوار ج43 ص228ح 9. الكافي ج8 ص317حديث الفقهاء و العلماء رقم 501.العدد القوية ص40.

[6]تفسير الميزان الجزء 7 الأنعام الآية 84 ـ 90 . والظاهر تفسير آيات التحريم في الجزء الرابع سورة النساء - 23 - 28 . كما أن العاهر ترجم بالحجر ، وإن ولد الإدعاء لمن ولد على فراشه لا للمدعي .

[7] الفضائل ص83 .

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة الإمام الحسين عليه السلام لنتنور بما خصه رب الإسلام