هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين / صحيفة الإمام الحسين عليه السلام /
 الجزء
الرابع /  ظهور نور الإمام الحسين في الأرض بولادته وأدلة إمامته

الباب الثاني
النص والاستدلال على إمامة الحسن والحسين عليهم السلام
ومناقبهما وفضائلهم وما يوجب حبهما والاقتداء بهم

مصباح هدى
نص واستدلال على إمامة الحسن والحسين عليهم السلام

النور الثاني

النص على الإمام الحسن والحسين والوصية لهاما عليهم السلام

يا طيب : بعد ما عرفنا أدلة عامة على ضرورة وجود الإمام ، وعرفنا بعض خصائص الإمام الأول وحجته في الإمامة وأحقيته في الولاية والخلافة لرسول الله ، وقد ذكرنا في أخر بحوث صحيفة النبوة الوصية الأخيرة من النبي للإمام علي ثم منه لآله وذريته ، وعرفت نورا مختصرا منها هنا في أول البحث ، نذكر نص الوصية من الإمام علي للإمام الحسن بل وللإمام الحسين عليه السلام ، ثم في الإشراق الآتي من الحسن إلى الحسين عليه السلام .

 

الإشراق الأول :

 النص والوصية بالإمامة من الإمام علي للإمام الحسن عليهم السلام :

عن سليم بن قيس قال : شهدت وصية أمير المؤمنين عليه السلام حين أوصى إلى ابنه الحسن عليه السلام ، وأشهد على وصيته الحسين عليه السلام ومحمدا وجميع ولده ورؤساء شيعته وأهل بيته .

 ثم دفع إليه الكتاب والسلاح ، وقال لابنه الحسن عليه السلام : يا بني أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله أن أوصي إليك ، وأن أدفع إليك كتبي وسلاحي كما أوصى إلي رسول الله صلى الله عليه وآله ودفع إلى كتبه وسلاحه ، وأمرني أن آمرك إذا حضرك الموت أن تدفعها إلى أخيك الحسين عليه السلام .

ثم اقبل على ابنه الحسين عليه السلام فقال : وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله أن تدفعها إلى ابنك هذا ، ثم أخذ بيد علي بن الحسين عليه السلام .

ثم قال لعلي بن الحسين : وأمرك رسول الله صلى الله عليه وآله أن تدفعها إلى ابنك محمد بن علي ، واقرأه من رسول الله صلى الله عليه وآله ، ومني السلام . 

وعن أبي الجارود ، عن أبي جعفر عليه السلام قال :

إن أمير المؤمنين صلوات الله عليه :  لما حضره الذي حضره ، قال لابنه الحسن : ادن مني حتى اسر إليك ما أسر رسول آله صلى الله عليه وآله إليَّ ، وأئتمنك على ما ائتمنني عليه ، ففعل . 

وعن شهر بن حوشب : أن عليا صلوات الله عليه وآله حين سار إلى الكوفة ، استودع أم سلمة كتبه والوصية فلما رجع الحسن دفعتها إليه . 

وعن إبراهيم بن إسحاق الاحمري رفعه قال : لما ضرب أمير المؤمنين عليه السلام حف به العواد ، وقيل له : يا أمير المؤمنين أوصِ ، فقال : اثنوا لي وسادة ، ثم قال :

الحمد لله : حق قدره متبعين أمره وأحمده كما أحب ، ولا إله إلا الله الواحد الأحد الصمد كما انتسب  ، أيها الناس كل امرؤ لاق في فراره ما منه يفر ، والأجل مساق النفس إليه ، والهرب منه موافاته ، كم اطردت الأيام أبحثها عن مكنون هذا الأمر فأبى الله عز ذكره إلا إخفاءه ، هيهات علم مكنون .

أما وصيتي : فأن لا تشركوا بالله جل ثناؤه شيئا ، ومحمدا صلى الله عليه وآله فلا تضيعوا سنته ، أقيموا هذين العودين وأوقدوا هذين المصباحين ، وخلاكم ذم ما لم تشردوا حمل كل امرئ مجهوده ، وخفف عن الجهلة ، رب رحيم ، وإمام عليم ، ودين قويم . 

أنا بالأمس صاحبكم : و أنا اليوم عبرة لكم ، وغدا مفارقكم ، إن تثبت الوطأة في هذه المزلة فذاك المراد ، وإن تدحض القدم ، فإنا كنا في أفياء أغصان وذرى رياح ، وتحت ظل غمامة اضمحل في الجو متلفقها ، وعفا في الأرض محطها ، وإنما كنت جارا جاوركم بدني أياما وستعقبون مني جثة خلاء ، ساكنة بعد حركة ، وكاظمة بعد نطق ، ليعظكم هدوي وخفوف إطراقي ، وسكون أطرافي ، فإنه أوعظ لكم من الناطق البليغ ، ودعتكم وداع مرصد للتلاقي .

 غدا ترون أيامي ، ويكشف الله عز وجل عن سرائري ، وتعرفوني بعد خلو مكاني ، وقيام غيري مقامي ، إن أبق فأنا ولي دمي ، وإن أفن فالفناء ميعادي وإن أعف فالعفو لي قربة ، ولكم حسنة ، فاعفوا واصفحوا ، ألا تحبون أن يعفو الله لكم ، فيالها حسرة على كل ذي غفلة أن يكون عمره عليه حجة أو تؤديه أيامه إلى شقوة ، جعلنا الله وإياكم ممن لا يقصر به عن طاعة الله رغبة ، أو تحل به بعد الموت نقمة ، فإنما نحن له وبه .

ثم أقبل على الحسن عليه السلام فقال : يا بني ضربة مكان ضربة ولا تأثم .

 

روي أيضا الحديث عن الإمام أبي جعفر الباقر و في أخره :

 ثم  أقبل على ابنه الحسن ، فقال : يا بني أنت ولي الأمر ، وولي الدم .

 فإن عفوت فلك وإن قتلت فضربة مكان ضربة ولا تأثم [8].

 

 

 

الإشراق الثاني :

النص والوصية من الإمام الحسن للإمام الحسين عليهم السلام :

عن جنادة بن أبي أميد قال : دخلت على الحسن بن علي عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه ، و بين يديه طشت يقذف فيه الدم ، و يخرج كبده قطعة قطعة من السم الذي أسقاه معاوية ... إلى أن قال .... و دخل الحسين ، و الأسود بن أبي الأسود ، فانكب عليه حتى قبل رأسه و بين عينيه ، ثم قعد عنده ، و تسارا جميع .

فقال أبو الأسود : إن لله ، إن الحسن قد نعيت إليه نفسه .

و قد أوصى إلى الحسين  .

 و توفي عليه السلام : في يوم الخميس في آخر صفر سنة خمسين من الهجرة و له سبع و أربعون سنة [9].

وذكر في الكافي : بالإسناد عن محمد ابن مسلم قال : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول : لما حضر الحسن بن علي عليهم السلام الوفاة ، قال للحسين عليه السلام : يا أخي إني أوصيك بوصية فأحفظها ، إذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله لاُحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى أمي عليه السلام ، ثم ردني فادفني بالبقيع .

 واعلم : أنه سيصيبني من عائشة ما يعلم الله والناس صنيعها وعداوتها لله ولرسوله وعداوتها لنا أهل البيت ، فلما قبض الحسن عليه السلام ، و وضع على السرير ، ثم انطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلى عليه الحسين عليه السلام ، وحمل وادخل إلى المسجد .

فلما أوقف : على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله ، ذهب ذو العوينين ( 1 ) إلى عائشة فقال له : إنهم قد أقبلوا بالحسن ليدفنوا مع النبي صلى الله عليه وآله فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فقالت :

نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنه لا يدفن في بيتي ويهتك على رسول الله حجابه .

 فقال لها الحسين عليه السلام : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ، وأدخلت عليه ببيته من لا يحب قربه ، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة[10]

 

وعن أبي عبد الله عليه السلام قال : لما حضرت الحسن بن علي عليهم السلام الوفاة ، قال : يا قنبر انظر هل ترى من وراء بابك مؤمنا من غير آل محمد عليهم السلام ؟ فقال : الله تعالى ورسوله وابن رسوله أعلم به مني ، قال : ادع لي محمد بن علي ، فأتيته فلما دخلت عليه ، قال : هل حدث إلا خير ؟ قلت : أجب أبا محمد فعجل على شسع نعله ، فلم يسوه وخرج معي يعدو ، فلما قام بين يديه سلم .

 فقال له الحسن بن علي عليهم السلام : اجلس فإنه ليس مثلك يغيب عن سماع كلام يحيى به الأموات ، ويموت به الإحياء ، كونوا أوعية العلم ، ومصابيح الهدى ، فإن ضوء النهار بعضه أضوء من بعض . 

أما علمت : أن الله جعل ولد إبراهيم عليه السلام أئمة ، وفضل بعضهم على بعض ، وآتى داود عليه السلام : زبورا ، وقد علمت بما استأثر به محمدا صلى الله عليه وآله يا محمد بن علي إني أخاف عليك الحسد وإنما وصف الله به الكافرين ، فقال الله عز وجل : ( كفارا حسدا من عند أنفسهم من بعد ما تبين لهم الحق )( 1 ) ، ولم يجعل الله عز وجل للشيطان عليك سلطانا .

يا محمد بن علي : ألا أخبرك بما سمعت من أبيك فيك ؟ قال : بلى .

 قال : سمعت أباك عليه السلام يقول يوم البصرة : من أحب أن يبرني في الدنيا والآخرة فليبر محمدا ولدي .

 يا محمد بن علي : لو شئت أن أخبرك وأنت نطفة في ظهر أبيك لأخبرتك .

 يا محمد بن علي : أما علمت أن الحسين بن علي عليهم السلام بعد وفاة نفسي ، ومفارقة روحي جسمي ، إمام من بعدي ، وعند الله جل اسمه في الكتاب .

وراثــة : من النبي صلى الله عليه وآله ، أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه ، فعلم الله أنكـم خيـرة خلقه ، فاصطفـى منكم محمـدا صلى الله عليه وآله ، واختـار محمـد عليـا عليه السلام ، واختارنـي علـي عليه السلام بالإمامة ، واختــرت أنـا الحسين عليه السلام .

فقال له محمد بن علي : أنت إمام وأنت وسيلتي إلى محمد صلى الله عليه وآله ، والله لوددت أن نفسي ذهبت قبل أن أسمع منك هذا الكلام ، ألا وإن في رأسي كلاما لا تنزفه الدلاء( 2 ) ، ولا تغيره نغمة الرياح ، كالكتاب المعجم في الرق المنمنم( 3 ) ، أهم بإبدائه فأجدني سبقت إليه سبق الكتاب المنزل أو ما جاءت به الرسل، وإنه لكلام يكل به لسان الناطق ، ويد الكاتب حتى لا يجد قلما ، ويؤتوا بالقرطاس حمما ( 4 ) فلا يبلغ إلى فضلك وكذلك يجزي الله المحسنين ولا قوة إلا بالله .

 الحسين : أعلمنا علما ، و أثقلنا حلما ، وأقربنا من رسول الله صلى الله عليه وآله رحما ، كان فقيها قبل أن يخلق ، وقرأ الوحي قبل أن ينطق ، ولو علم الله في أحد خيرا ما اصطفى محمدا صلى الله عليه وآله ، فلما اختار الله محمدا ، واختار محمـد عليـا ، واختـارك علي إمامـا ، واختـرت الحسين ، سلمنا ورضينا ، من هو بغيره يرضى و من غيره كنا نسلم به من مشكلات أمرن [11]

وعن محمد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول : لما احتضر الحسن بن علي عليهم السلام قال للحسين : يا أخي إني أوصيك بوصية فأحفظها ، فإذا أنا مت فهيئني ثم وجهني إلى رسول الله صلى الله عليه السلم لأحدث به عهدا ، ثم اصرفني إلى أمي فاطمة عليه السلام ، ثم ردني فادفني بالبقيع .

واعلم : أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها وعداوتها لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وعداوتها لنا أهل البيت ، فلما قبض الحسن عليه السلام و وضع على سريره ، فانطلقوا به إلى مصلى رسول الله صلى الله عليه وآله الذي كان يصلي فيه على الجنائز ، فصلى على الحسن عليه السلام ، فلما أن صلى عليه حمل فادخل المسجد ، فلما أوقف على قبر رسول الله صلى الله عليه وآله .

بلغ عائشة الخبر وقيل له : إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ليدفن مع رسول الله ، فخرجت مبادرة على بغل بسرج - فكانت أول امرأة ركبت في الإسلام سرجا - فوقفت ، وقالت : نحوا ابنكم عن بيتي ، فإنه لا يدفن فيه شيء ولا يهتك على رسول الله حجابه .

فقال لها الحسين بن علي صلوات الله عليهما : قديما هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله ، وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله قربه ، وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة ، إن أخي أمرني أن أقربه من أبيه رسول الله صلى الله عليه وآله ليحدث به عهدا .

واعلمي : أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله ، وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله ستره .

لان الله تبارك وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)} النور ، وقد أدخلت أنت بيت رسول الله صلى الله عليه وآله الرجال بغير أذنه .

وقد قال الله عز وجل : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ (2) } الحجرات ، ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند إذن رسول الله صلى الله عليه وآله المعاول .

وقال الله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ الله أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ الله قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (3)} الحجرات .

 ولعمري : لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله صلى الله عليه وآله بقربهما منه الأذى ، وما رعيا من حقه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله ، إن الله حرم من المؤمنين أمواتا ما حرم منهم أحياء .

 وتالله يا عائشة : لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن عند أبيه رسول الله صلوات الله عليهما جائزا ، فيما بيننا وبين الله لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك .

 قال : ثم تكلم محمد بن الحنفية ، وقال : يا عائشة يوما على بغل ، ويوما على جمل ، فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم ، قال : فأقبلت عليه ، فقالت : يا ابن الحنفية هؤلاء الفواطم يتكلمون فما كلامك ؟

 فقال لها الحسين عليه السلام : وأنى تبعدين محمدا من الفواطم ، فوالله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم ، وفاطمة بنت أسد بن هاشم ، وفاطمة بنت زائدة بن الاصم ابن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر ، قال فقالت عائشة للحسين عليه السلام : نحوا ابنكم واذهبوا به فإنكم قوم خصمون . 

قال : فمضى الحسين عليه السلام إلى قبر أمه ، ثم أخرجه فدفنه بالبقيع[12]

ثم إن الإمام الحسين لما سار إلى العراق سلم الإمامة وأسرار كتبها لأبنه علي بن الحسين كما ستأتي الروايات في صحيفة الإمام زين العابدين عليه السلام .

ويا طيب : قبل أن نذكر حديث إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة ، من المناسب أن نذكر ما ذكره الشيخ المفيد في إمامة الحسن والحسين عليهم السلام :

فقد ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد : ... وحجة اختصاص الله لهما بعد الذي ذكرناه من مباهلة رسول الله صلى الله عليه وآله  بهما .

 بيعة رسول الله لهما ، و لم يبايع صبيا في ظاهر الحال غيرهما

و نزول القرآن : بإيجاب‏ ثواب الجنة لهما على عملهما مع ظاهر الطفولية فيهما ، و لم ينزل بذلك في مثلهما قال الله عز اسمه في سورة هل أتى : { وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى‏ حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ الله لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً إِنَّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً فَوَقاهُمُ الله شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً } .

فعمهما هذا القول : مع أبيهما و أمهما عليهم السلام ، و تضمن الخبر نطقهما في ذلك ، و ضميرهما الدالين على الآية الباهرة فيهما ، و الحجة العظمى على الخلق بهما ، كما تضمن الخبر عن نطق المسيح عليه السلام في المهد ، و كان حجة لنبوته ، و اختصاصه من الله بالكرامة الدالة على محله عنده في الفضل و مكانه .

و دلت وصية الحسن عليه السلام إليه : على إمامته كما دلت وصية أمير المؤمنين إلى الحسن على إمامته ، بحسب ما دلت وصية رسول الله إلى أمير المؤمنين على إمامته من بعده .

فكانت إمامة الحسين عليه السلام : بعد وفاة أخيه بما قدمناه ثابتة ، و طاعته لجميع الخلق لازمة ، و إن لم يدع إلى نفسه عليه السلام للتقية التي كان عليها ، و الهدنة الحاصلة بينه و بين معاوية بن أبي سفيان ، فالتزم الوفاء بها و جرى في ذلك مجرى أبيه أمير المؤمنين عليه السلام و ثبوت إمامته بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، مع الصموت ، و إمامة أخيه الحسن عليه السلام بعد الهدنة مع الكف و السكوت ، فكانوا في ذلك على سنن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم و هو في الشعب محصور ، و عند خروجه مهاجرا من مكة مستخفيا في الغار و هو من أعدائه مستور .

فلما مات : معاوية ، و انقضت مدة الهدنة التي كانت تمنع الحسين بن علي عليه السلام من الدعوة إلى نفسه ، أظهر أمره بحسب الإمكان ، و أبان عن حقه للجاهلين به حالا بحال ، إلى أن اجتمع له في الظاهر الأنصار ، فدعا عليه السلام إلى الجهاد و شمر للقتال و توجه بولده و أهل بيته من حرم الله و حرم رسوله نحو العراق للاستنصار بمن دعاه من شيعته على الأعداء .

 و قدم أمامة : ابن عمه مسلم بن عقيل رضي الله عنه و أرضاه للدعوة إلى الله و البيعة له على الجهاد ، فبايعه أهل الكوفة على ذلك و عاهدوه و ضمنوا له النصرة و النصيحة ، و وثقوا له في ذلك و عاقدوه ، ثم لم تطل المدة بهم حتى نكثوا بيعته و خذلوه و أسلموه ، فقتل بينهم و لم يمنعوه .

و خرجوا : إلى الحسين عليه السلام ، فحصروه و منعوه المسير في بلاد الله ، و اضطروه إلى حيث لا يجد ناصرا و لا مهربا منهم ، و حالوا بينه و بين ماء الفرات حتى تمكنوا منه و قتلوه ، فمضى عليه السلام ظمآن مجاهدا صابرا محتسبا مظلوما قد نُكثت بيعته و استحلت حرمته ، و لم يُوف له بعهد و لا رعيت فيه ذمة عقد ، شهيدا على ما مضى عليه أبوه و أخوه عليهما أفضل الصلاة و الرحمة و التسليم .

وقد صرّحَ رسول الله صلى الله عليه وآله : بالنّصِّ على إِمامتهِ وإمامة أخيه من قبلهِ ، بقولهِ : « ابناي هذانِ إِمامانِ قاما أو قعد » .

 ودَلّت وصيّةُ الحسن عليه السلام إِليه على إِمامتِه ، كما دَلّتْ وصيّةُ أمير المؤمنين إِلى الحسن على إِمامتهِ ، بحسبِ ما دَلّتْ وصيّةُ رسولِ الله صلى الله عليه وآله إِلى أمير المؤمنين على إِمامتهِ من بعدِه .

وعن علي بن موسى الرضا عليه السلام : . .  إن الإمامة هي منزلة الأنبياء ، وارث الأوصياء ، إن الإمامة خلافة الله ، وخلافة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ومقام أمير المؤمنين عليه السلام ، وميراث الحسن والحسين عليهم السلام .

 إن الإمامة زمام الدين ، ونظام المسلمين ، وصلاح الدنيا ، وعز المؤمنين ، إن الإمامة أس الإسلام النامي ، وفرعه السامي ، بالإمام تمام الصلاة والزكاة [13].

 

 



[8] الكافي ج1ص297ح1 وفي الحديث رقم 5 ، 2 ، 3 وعن أبي عبد الله في الحديث رقم 4 ، 6 ، 7 . باب الإشارة والنص على الحسن بن علي عليهم السلام .

[9] كفاية الأثر ص226 .

[10] الكافي ج1ص300بالاشارة والنص على الحسين بن علي عليهم السلام الحديث 1 ( 1 ) الصحيح ذو العوينتين بل ذو العيينتين تثنية عينية وهو كناية عن الجاسوس . وعنه في بحار الأنوار ج40ب24ص174ح1 وإعلام الورى ج1ص421 .

[11] الكافي ج1ص300ح2 ،( 1 ) البقرة : 10 ؟ ( 2 ) النزف : النزح ، النغمة : الصوت ،  3  والمنمنم : المزين .( 4 ) الحمم : الرماد : وهو كناية عن تفسخها . قال المجلسي بيان : قوله : " فقال : الله " أي لا تحتاج إلى أن أذهب وأرى فإنك بعلومك الربانية أعلم بما أخبرك بعد النظر ، ويحتمل أن يكون المراد بالنظر : النظر بالقلب ، بما علموه من ذلك ، فإنه كان من أصحاب الأسرار ، فلذا قال : أنت أعلم به مني من هذه الجهة ، ولعل السؤال لأنه كان يريد أولا أن يبعث غير قنبر لطلب ابن الحنفية فلما لم يجد غيره بعثه . ويحتمل أن يكون أراد بقوله " مؤمنا " ملك الموت عليه السلام ، فإنه كان يقف ويستأذن للدخول عليهم ، فلعله أتاه بصورة بشر فسأل قنبرا عن ذلك ليعلم أنه يراه أم لا ، فجوابه حينئذ أني لا أرى أحدا وأن أعلم بما تقول ، وترى مالا أرى ، فلما علم أنه الملك بعث إلى أخيه .

 فعجل عن شسع نعله : أي صار تعجيله مانعا عن عقد شسع النعل ، قوله : " عن سماع كلام " أي النص على الخليفة ، فان السامع إذا أقر فهو حي بعد وفاته ، وإذا أنكر فهو ميت في حياته ، أو المعنى أنه سبب لحياة الأموات بالجهل والضلالة بحياة العلم والإيمان ، وسبب لموت الأحياء بالحياة الظاهرية أو بالحياة المعنوية إن لم يقبلوه ، وقيل يموت به الأحياء أي بالموت الإرادي عن لذات هذه النشأة الذي هو حياة أخروية في دار الدنيا وهو بعيد . 

" كونوا أوعية العلم " تحريص على استماع الوصية ، وقبولها ونشرها ، أو على متابعة الإمام والتعلم منه ، وتعليم الغير ، قوله عليه السلام " فإن ضوء النهار " أي لا تستنكفوا عن التعلم وإن كنتم علماء ، فإن فوق كل ذي علم عليم ، أو عن تفضيل بعض الإخوة على بعض . 

والحاصل : أنه قد استقر في نفوس الجهلة بسبب الحسد أن المتشعبين من أصل واحد في الفضل سواء ، ولذا يستنكف بعض الأخوة والأقارب عن متابعة بعضهم ، وكان الكفار يقولوه للأنبياء : { مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ }  يس : 15 . فأزال عليه السلام تلك الشبهة بالتشبيه بضوء النهار في ساعاته المختلفة ، فإن كله من الشمس ، لكن بعضه أضوء من بعض كأول الفجر ، وبعد طلوع الشمس ، وبعد الزوال وهكذا ، فباختلاف الاستعداد والقابليات تختلف إفاضة الأنوار على المواد . 

وقوله : " أما علمت أن الله " تمثيل لما ذكر سابقا وتأكيد له ، وقوله : " فجعل  ولد إبراهيم أئمة " إشارة إلى قوله تعالى : { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ نَافِلَةً وَكُلاًّ جَعَلْنَا صَالِحِينَ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا }الأنبياء : 73 ـ72.   وقوله " وفضل " الخ إشارة إلى  قوله سبحانه : { فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا } إسراء : 55 . 

" وقد علمت بما استأثر " أي علمت بأي جهة استأثر الله محمدا أي فضله ، إنما كان لوفور علمه ، ومكارم أخلاقه ، لا بنسبه وحسبه ، وأنت تعلم أن الحسين أفضل منك بجميع هذه الجهات ، ويحتمل أن تكون " ما " مصدرية والباء لتقوية التعدية أي علمت استئثار الله إياه . قوله " إني لا أخاف " فيما عندنا من نسخ الكافي " إني أخاف " ولعل ما هنا أظهر . 

قوله عليه السلام : " ولم يجعل الله " الظاهر أن المراد قطع عذره في ترك ذلك ، أي ليس للشيطان عليك سلطان يجبرك على الإنكار ، ولا ينافي ذلك قوله تعالى : {إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ } النحل : 100، لأن ذلك بجعل أنفسهم لا بجعل الله ، أو السلطان  في الآية محمول على ما لا يتحقق معه الجبر ، أو المعنى أنك من عباد الله الصالحين وقد قال تعالى : {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ }الحجر42.ويحتمل أن تكون جملة  دعائية . 

قوله عليه السلام " وعند الله " في الكافي : " وعند الله جل اسمه في الكتاب وراثة من النبي صلى الله عليه وآله أضافها الله عز وجل له في وراثة أبيه وأمه صلى الله عليهما ، فعلم  الله " أي كونه إماما مثبت عند الله في اللوح أو في القرآن ، وقد ذكر الله وراثته مع  وراثة أبيه وأمه كما سبق في وصية النبي صلى الله عليه وآله ، فيكون " في " بمعنى " إلى " أو " مع " ويحتمل أن تكون " في " سببية كما أن الظاهر مما في فضائلك ومناقبك " لا تنزفه الدلاء " أي لا تفنيه كثرة البيان ، من قولك نزفت ماء البئر ، إذا نزحت كله ، " ولا تغيره بعد الرياح " كناية عن عذوبته وعدم تكدره بقلة ذكره ، فإن ما لم تهب عليه الرياح تتغير ، وفي الكافي " نغمة الرياح " وإن ذلك أيضا قد يصير سببا للتغير أي لا يتكرر ولا يتكدر بكثرة الذكر ومرور الأزمان ، أو كنى بالرياح عن الشبهات التي تخرج من أفواه المخالفين الطاعنين في الحق كما قال تعالى : { يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ الله بِأَفْوَاهِهِمْ } الصف : 8 . 

قوله كالكتاب المعجم : من الأعجام بمعنى الاغلاق يقال : أعجمت الكتاب خلاف أعربته ، وباب معجم كمكرم مقفل ، كناية عن أنه من الرموز والأسرار ، أو من التعجيم ، أو الاعجام بمعنى إزالة العمجمة بالنقط والأعراب ، أشار به إلى إبانته عن المكنونات " والرق " ويكسر جلد رقيق يكتب فيه ، والصحيفة البيضاء ، ويقال : نمنه أي زخرفه ، ورقشه ، والنبت المنمنم الملتف المجتمع ، وفي بعض نسخ الكافي المنهم من النهمة بلوغ الهمة في الشيء كناية عن كونه ممتلئا أو من قولهم : أنهم البرد والشحم ، أي ذابا كناية عن إغلاقه كأنه قد ذاب ومحي . 

قوله : فأجدني : أي كلما أهم أن أذكر من فضائلك شيئا أجده مذكورا في كتاب الله وكتب الأنبياء ، وقيل : أي سبقتني إليه أنت وأخوك لذكره في القرآن وكتب الأنبياء ، وعلمها عندكما ، والظاهر أن " سبق " مصدر ويحتمل أن يكون فعلا ماضيا على الاستئناف ، وعلى التقديرين سبقت على صيغة المجهول و" إنه " أي ما في رأسي .

وفي بعض نسخ الكافي بعد قوله ويد الكاتب : " حتى لا يجد قلما ويؤتي بالقرطاس حمما " وضمير يجد للكاتب وكذا ضمير يؤتى أي يكتب حتى تفني الأقلام وتسود جميع القراطيس ، والحمم بضم الحاء وفتح الميم جمع الحممة كذلك أي الفحمة يشبه بها الشيء الكثير السواد ، وضمير يبلغ للكاتب . 

أعلمنا علما : علما تميز للنسبة على المبالغة والتأكيد . كان إماما ، وفي الكافي كان فقيها قبل أن يخلق : أي بدنه الشريف كما مر أن أرواحهم المقدسة قبل تعلقا بأجسادهم المطهرة كانت عالمة بالعلوم اللدنية ومعلمة للملائكة . قبل أن ينطق : أي بين الناس كما ورد أنه عليه السلام أبطأ عن الكلام أو مطلقا إشارة إلى علمه في عالم الأرواح وفي الرحم . 

وفي الكافي في آخر الخبر " من بغيره يرضى ومن كنا نسلم به من مشكلات أمرنا " فقوله " من بغيره يرضى " الاستفهام للإنكار ، والظرف متعلق بما بعده وضمير يرضى راجع إلى من ، وفي بعض النسخ بالنون وهو لا يستقيم إلا بتقدير الباء في أول الكلام أي بمن بغيره نرضى ، وفي بعضها من بعزه نرضى أي هو من بعزه وغلبته نرضى ، أو الموصول مفعول رضينا " ومن كنا نسلم به " أيضا إما استفهام إنكار بتقدير غيره ، ونسلم إما بالتشديد فكلمة من تعليلية أو بالتخفيف أي نصير به سالما من الابتلاء بالمشكلات ، وعلى الاحتمال الأخير في الفقرة السابقة معطوف على الخبر أو على المفعول ويؤيد الأخير فيهما ما هنا . بحار الأنوار ج40ب24ص174ح2.

 

[12] الكافي ج1ص302ح3 ،الأحزاب : 3 5 . الحجرات : 3 .

[13] الهداية للشيخ الصدوق ص 26 وروي في الكافي ج1ص200 ضمن ح1، وكمال الدين ، والعيون ، والأمالي .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة الإمام الحسين عليه السلام لنتنور بما خصه رب الإسلام