بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نرحب بكم يا طيب في

موسوعة صحف الطيبين

في أصول الدين وسيرة المعصومين




التحكم بالصفحة + = -
❀✺✸☼❋❉❈❊

تكبير النص وتصغيره


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

____ لون النص ____

أحمر | أزرق | أخضر | أصفر |
أسود | أبيض | برتقالي | رمادي |

____ لون الخلفية ____




صحيفة الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين

عليه السلام

المقدمة : تعريف مختصر :

اسم الإمام وكنيته ولقبه :

قال الطبري  في دلائل الإمامة :

و نسبه : علي ، بن الحسين ، بن علي ، بن عبد مناف ، بن عبد المطلب، بن هاشم.

و يكنى : أبا محمد ، و أبا الحسن ..، و الأول أشهر و أثبت .

و لقبه : ذو الثفنات ، لأنه كان من طول سجوده ، و شدة عبادته ، و نحافة جسمه ، أثر السجود في جبهته و هرأ جلدها ، فكان يقصه حتى صار كثفنة البعير من جهات الجبهة .

 ( ويا طيب كانت تزين وجهه الثفنات وتزيد من هيبته وتجمل وجهه بم يعرف العبودية لله وترفعه ذكره في شد اجتهاده في الطاعات من غير تشويه ) .

و المتهجد : و الرهباني .

وأشهرها :  زين العابدين ، و سيد العباد ، و السجاد ، وسيد الساجدين.

و كان له خاتم : نقشه :

شقي و خزي قاتل الحسين .

و بوابه : يحيى ابن أم طويل ، المدفون بواسط ، قتله الحجاج .

و قيل : أبو خالد الكابلي‏ .

دلائل‏ الإمامة ص80.

مختصر أدوار عمره الكريم :

ذكر المرحوم الكليني في أصول الكافي وغيره ممن عقد بابا في الإمامة :

ومنه في مولد الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، فقال :

اسم الإمام عليه السلام :

علي : بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

اسم : أم أبيه فاطمة بنت محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .

لقبه : السجاد ، زين العابدين .

كنيته : أبو محمد .

ولد : الإمام علي بن الحسين عليه السلام : في سنة : 38  ثمان و ثلاثين للهجر في زمن جده أمير المؤمنين عليه السلام .

و قبض في سنة : 95  خمس و تسعين للهجرة .

و له ( أي طول عمره في الدنيا ) : 57 هـ سبع و خمسون سنة .

عاش في زمن جده أمير المؤمنين : 2 سنتين .

وفي زمن إمامة عمه الحسن بن علي : 10 سنوات

 ومع والده الإمام الحسين : 10 سنوات

 عاش : بعد الحسين عليه السلام : 35 خمسا و ثلاثين سنة وهي مدة إمامته عليه السلام  .

الكافي ج1ص469ح6 .

وقال الطبري : في دلائل الإمامة :

معرفة ولادة أبي محمد علي بن الحسين عليه السلام :

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني عليه السلام :

ولد علي : في المدينة ، في المسجد في بيت فاطمة .

 سنة : 38 ثمان و ثلاثين من الهجرة ، قبل وفاة جده أمير المؤمنين .

فأقام : مع جده 2 سنتين .

و مع عمه الحسن : 10 عشر سنين .

ومع أبيه بعد وفاة عمه : 10 عشر سنين.

و بعد ما استشهد أبوه : 35 خمسا و ثلاثين سنة ( وهي مدة إمامته ) .

فكانت أيام إمامته : ملك يزيد بن معاوية ، و ملك معاوية بن يزيد ، و ملك مروان بن الحكم ، و ملك عبد الملك بن مروان ، و ملك الوليد بن عبد الملك .

و قبض بالمدينة : في المحرم ، عام 95 خمسة و تسعين من الهجرة .

و قد كمل عمره : 57 سبعا و خمسين سنة .

و كان سبب وفاته : أن الوليد سمه ، و دفن في البقيع مع عمه .

دلائل‏ الإمامة ص80.

وقال المفيد رحمه الله :

و كان مولد علي بن الحسين عليهم السلام : بالمدينة سنة 38 ثمان و ثلاثين من الهجرة .

فبقي مع جده : أمير المؤمنين 2 سنتين .

و مع عمه : الحسن 10 عشر سنين . و مع أبيه : الحسين 11 إحدى عشرة سنة .

و بعد أبيه : 34 أربعا و ثلاثين سنة .

و توفي بالمدينة : سنة 95 خمس و تسعين للهجرة .

و له يومئذ : 57 سبع و خمسون سنة.

و كانت إمامته : 34 أربعا و ثلاثين سنة.

و دفن بالبقيع : مع عمه الحسن بن علي عليهم السلام

الإرشاد ج2ص137 . والمرحوم المفيد لم يحسب سنة الشهادة لأنه في أول شهر منها استشهد ، فذكر إمامة 34 سنة .

يا طيب : وقد ذكروا :

ولد في المدينة المنورة ، ٥ شعبان سنة ٣٨ ه .

<

روابط الصحيفة لتبليغها :

فهرس صحف الإمام علي عليه السلام
https://www.alanbare.com/4

الصحيفة السجادية
https://www.alanbare.com/4/s

الصحيفة كتاب الكتروني
https://www.alanbare.com/4/4.pdf

ويا طيب تجد تفاصيل الصحيفة في البحوث الآتية :

المؤلف

الراجي لرحمة الله وشفاعة نبيه وآله عليهم السلام

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن جليل الأنباري

موسوعة صحف الطيبين


صحيفة الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

 صحيفة

أوبوذية ودارمي يشوقنا لقراءة الصحيفة

صحيفة الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله على السجاد زين العابدين

علمنا وآله الهدى الحق لا العابدين

الولي فخالفه وديانته كلها العابدين

لأنه ترك الحقوق و الطاعات الإلهية


صحيفة الإمام السجاد علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام

علي بن الحسين السجاد إمامنا الرابع

يا طيب تدبر صحيفته بجد ولها تابع

 

المعصوم السادس زين العابدين لنا شافع

للمقتدي به وبآله ومن منهل علمهم راتع

 صحيفة الإمام علي بن الحسين السجاد زين العابدين

من هنا
تَنْزِيلُ الصَّحِيفَةُ وَقِرَاءتُها
كتاب الكتروني بي دي اف pdf
جيد للقراءة والمطالعة على الجوال والحاسب





سلام الله على السجاد زين العابدين

معنى لقب زين العابدين :

العبادين : جمع اسم العابِدُ ، للمجرور ولو بالإضافة أو المنصوب عابدين والمرفوع عابدون ، وعَبَدَةٌ وعُبَّدٌ وعُبَّادٌ ، وعابد اسم فاعل من عبَدَ ، والعابِدُ هو الموحِّد المطيع لله تعالى ، و رَجُلٌ عَابِدٌ مُتَفَرِّغٌ لِلْعِبَادَةِ نَاسِكٌ مُتَعَبِّدٌ . و زَيْن : اسم مصدر زانَ لكل شيء حسن وجميل ومحبوب غير معيوب ولا نقص فيه فهو كامل وتام في ذاته وصفاته وأفعاله وأحواله فهو زين مرضي .

وزين العابدين : اسم لقب مركب لسيد الساجدين وخير العابدين وحجة رب العالمين وولي أمر الله في عباده المؤمنين ، وهو خير المتقين والصديقين بعد آباءه الطيبين الطاهرين ، وهو الإمام الرابع والمعصوم السادس أبو محمد علي بن الحسين وأخ الحسن ابناء علي بن أبي طالب زوج فاطمة الزهراء بنت محمد بن عبد الله سيد المرسلين صلى الله عليهم وسلم ، وقد ولد عليه السلام في المدينة المنورة ٥ شعبان سنة ٣٨ للهجرة وعاش 2 سنتين مع جده أمير المؤمنين ، و10 سنوات في إمامة عمه الحسن المجتبى عليه السلام و10 في إمامة أبيه الحسين عليه السلام ، ومدة إمامته ٣٥ سنة فعمره الشريف ٥٧ عاماً ، و أستشهد في ٢٥ محرم سنة ٩٥ للهجرة .



معانى عبد وعابدين :

عَبَدَ : فعل عبَدَ يَعبُد عِبادةً وعُبُوديَّةً فهو عابِد والمفعول مَعْبود ، و العَبْدُ الإنسانُ حُرًّا كان أو رقيقًا ؛ لأنه مربوبٌ لله عزَّ وجلَّ . والجمع : عبيدٌ وعُبُد  وأعْبُدٌ وعُبْدَانٌ ، عَبَدَ اللهَ  عَبَدَ اللهَ ُعِبَادَةً ، وعُبُودِيَّةً انقادَ له وخضَع وذَلَّ ، و عَبْدُ اللَّهِ : اِسْمُ عَلَمٍ مُرَكَّبٌ ، وَيَعْنِي أَنَّ صَاحِبَ الاِسْمِ هُوَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَخِدْمَته.

والعابد : من عبَد اللهَ وحَّدَه وأطاعَه وانقادَ وخضَع وذلَّ له ، والتزمَ شرائعَ دينه ، وأدَّى فرائِضَه ، و العُبُودِيَّةِ الخضوع والخشوع لله عن إيمان ويقين بكل تعاليمه تعالى علما وعملا ، والله هو المعبود بحقٍّ { إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ } ، و جاء في الحديث : مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ وَ مَا عَرَفْنَاكَ‏ حَقَّ مَعْرِفَتِكَ .

وعِباد الله : مخلوقاته الذين يعبدونه ، وعبدة الطاغوت من أطاع الشيطان في معصية الله ، أو تبع من أضلهم الشيطان فأتخذهم أئمة وهم على ضلال وباطل.

و الإمام زين العابدين : وآله الطيبين الطاهرين المعصومين أئمة حق وصدق وهم مطهرون أنتجبهم الله وأختارهم لهداية عباده ، فمن تبعهم عرف عظمة الله بحق وهداه الصادق وعبد الله واقعا كما يحب ويرضى ، وتزين بالدين والعبودية الحقة وكان مع زين العابدين وآله في رضا الله وثوابه ، وستأتي أحاديث معنى زين العابدين ، ومن ترك آل فقد ترك هدى الله تعالى وضل وشان نفسه وقبح روحه بما أعتقد من خلاف هدى نبي الله سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين ، وتبع من أنحرف عن هداهم ، وما ترك نبي الرحمة وآله إلا وقد عاب هداهم وأختار ضلال غيرهم دينا له ، فكانت عبودية لعب بالدين وتظاهر بالإيمان وقول باللسان دون حقيقته في الجنان ، وسيأتي بيان عاب الدين ولعب بعبادته لخطل اعتقاده بالمنحرفين .



معنى زين :

زَيَّنَ : الزَّيْنُ ضد الشين ، فعل زيَّنَ لـ ، يزيِّن تزيينً فهو مُزيِّن والمفعول مُزيَّن ، زَيَّنَ الغُرْفَةَ جَمَّلَها حَسَّنَها وكلّ م يُزيَّن به ، وزَيْن الديك عُرْفه ، وَلَدٌ زَيْنٌ جَميل حَسَنٌ وعاقل مؤدب حباب .

وزَيَّنَ : زَيَّنْتُ أُزَيِّنُ ، زَيِّنْ مصدر تَزْيِينٌ ، زَيَّنَتِ الْمَرْأَةُ وَجْهَها ، زَيَّنُوا شَوارِعَ الْمَدينَةِ بِالرَّاياتِ وَالصُّوَرِ والْمَصابيحِ الْمُلَوَّنَةِ زَوَّقوها َزخرفوها . زَيَّن لَهُ الأَمْرَ جَعَلَهُ يَعْتَقِدُ بِأَنَّ الأَمْرَ على أَحْسَنِ وَجْهٍ . و الزِّينَةُ  م يُتزيَّن به ، ويومُ  الزِّينَة يومُ العيد.

وفي الشعر : ليس الجمال بأثواب تُزيِّننا ... إن الجمال جمالُ العلم والأدبِ ، وقال الله تعالى : { وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَ لِلنَّاظِرِينَ (16) الحجر } ، وزيَّن عقلَه : أغناه ، وكثرة الاطِّلاع تزيِّن العقول .

وزين العابدين : لقب لـ علي بن الحسين عليه السلم أحسن العباد عباده وأجملهم حقيقة في الإيمان والعبودية ، وأكملهم هيئة في الخضوع ، وأتمهم بالخشوع لله والعلم والعمل بطاعته ، وأفضلهم أيمانا والتزاما بدينه ، والإمام زين العابدين عليه السلام ، سيد الساجدين بشهادة آباءه له بل الله عرفه بهذا المعنى لزينه في العبودية وكرامته على الله في الشأن الكريم والتحقق برضاه تعالى لما له من الإخلاص ، بل هو من أهل البيت الطيبين الطاهرين ، والمصطفين الأخيار والذين أنتجبهم الله وأنتخبهم الله سبحانه وتعالى ليكونوا أئمة دينه وهداه عباده بحق ، هم أفضل العابدين وأزين المتدينين وخير عباد الله أجمعين ، و لقب زين العابدين كذلك سيد الساجدين والسجاد وسيد العابدين ،وهي مختصة بعلي ابن الحسين عليه السلام ، كما سيأتي بيانه بالحديث ، وقد فصلنا البحث في معنى الزين في شرح أبوذية معنى الزين في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فراجع تتعرف على جمال المحنى وحسنه لأهل البيت كلهم عليهم السلام وبالخصوص الإمام الحسين عليه السلام زين السماوات والأرضين .

صحيفة الإمام زين العابدين علي بن الحسين

عليه السلام

وفيها ذكر أسمه ونسبه ومختصر أدوار حياته الكريمة وأدلة إمامته ومعارف عبادته وأدعيته وأخلاقه وحكمه ومواعظه وشعره وأحواله مع أهل زمانه وأمور تتعلق بحياته وشهادته والصلاة عليه زيارته وعدد أولاده وما قالوا في حقه من الشعر

أين زين العابدين :

عن عبد الله بن الفضل الهاشمي : عن الإمام الصادق جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده عن أبيه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله:

‏ إذا كان يوم القيامة : نادى مُنَادٍ ، أَيْنَ زَيْنُ الْعَابِدِينَ ؟

فَكَأَنِّي‏ أَنْظُرُ : إِلَى وَلَدِي عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عليهم الصلاة والسلام .

 يَخْطِرُ : بَيْنَ الصُّفُوفِ .

الأمالي للصدوق ص331م53ح12 . يخطر : يمشي بفخر المكرم وأنس المنعم .

 




مختصر حياته الكريمة :

التهنئة بالمولد :

يا طيب : رزقنا الله سبحانه أن نبلغ في المنتديات والمواقع الاجتماعية بعض المعارف عن سيرة وسلوك وأقوال الإمام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين عليه السلام ، في أيام ولادته أو شهادته ، ونذكر ما يناسب من المواضيع الخاصة به سواء عن حياته أو أحاديثه ، وأسأل الله أن ينتفع بها المؤمنون ومن ينقله للطيبين أو يصيغ مثلها أو أحسن منها ، فنذكر هنا التهنئة ، وستأتي التعزية في ذكر شهادته عليه السلام، ومنها :

التهنئة الأولى :

بارك الله لكم يا أخوتي الطيبين : ويا أحبتي الموالين ، الأفراح والسرور ولكم المودة والحبور بمناسبة أيام الله الشعبانية ، وأفراح آل محمد الطيبة الزكية ، وبخصوص هذه الليلة المباركة العلية ، بميلاد الإمام زين العابدين السجاد أبو محمد : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم الصلاة و السلام .

وأهدي لكم ولأحبتكم : ومن في حيطتكم وأهل مودتكم التبريك ، والمحبة والتهاني والمحبة ، وأطيب الأطعمة والمرطبات المادية والروحانية ، وبالخصوص نفحات طيب عطرة ، وقبسات نور مضيئة ، من ميلاد وحياة خير البرية ، وسيد العابدين بعد آباءه الطيبين الطاهرين ، الإمام السجاد عليه السلام :

التهنئة الثانية :

أبارك لكم يا أخوتي للطيبين : ميلاد الإمام زين العابدين ، وأهنئكم يا موالين بحلول ميلاد سيد الساجدين ، وأدام الله فرحكم وسروركم بأفراح آل محمد صلى الله عليهم وسلم الطيبين الطاهرين ، وأعاد عليكم أيامه بالخير والبركة واليمن والمحبة ، وأهدي لكم : ولأحبتكم ومن في حيطتكم ولأهل مودتكم ، أطيب الفواكه والمرطبات والأطعمة الطازجة والكرزات ، وبالخصوص عن بعد الروحية منها بأجمل الكلمات ، و الشهية النفسية واللذيذة المعنوية بألطف العبارات ، وما فيها من كرائم معارف حياة ولي الله سيد الساجدين وزين العابدين ، إمامنا الرابع وولي أمر الله في عباده وحجته الناطقة : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام  ، وإليكم أولا يا طيبين : مختصرا في مدة حياة الإمام علي بن الحسين عليه السلام :

التهنئة الثالثة :

يا أخوتي الطيبين : هنيئا لكم أعياد آل محمد عليهم السلام ، وأدام الله سروركم وأفراحكم بحبهم ومودته ، والسير على صراط هداهم المستقيم إلى طاعته والإخلاص له في عبوديته ، وهذا حديث كريم شامل لأحول سيد الساجدين وجامع لكثير من خصال وصفات سيرة زين العابدين الإمام علي بن الحسين عليه السلام .

حديث في أحواله الجامعة بصورة مختصرة ستأتي فيمكن نقله .

تهنئة مختصرة :

هنيئا لكم يا طيبين : الأفراح والسرور لفرح نبي الرحمة وآله بمناسبة ميلاد الإمام زين العابدين عليه السلام ولحضرتكم يا طيبين هذه الهدية من الإمام السجاد عليه السلام :

رسالة الحقوق للإمام زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام .

 وسيأتي ذكرها فيمكن نقلها بعد هذا الكلام أو نقل غيرها ونشره :




اسم الإمام وكنيته ولقبه :

قال الطبري  في دلائل الإمامة :

و نسبه : علي ، بن الحسين ، بن علي ، بن عبد مناف ، بن عبد المطلب، بن هاشم.

و يكنى : أبا محمد ، و أبا الحسن ..، و الأول أشهر و أثبت .

و لقبه : ذو الثفنات ، لأنه كان من طول سجوده ، و شدة عبادته ، و نحافة جسمه ، أثر السجود في جبهته و هرأ جلدها ، فكان يقصه حتى صار كثفنة البعير من جهات الجبهة .

 ( ويا طيب كانت تزين وجهه الثفنات وتزيد من هيبته وتجمل وجهه بم يعرف العبودية لله وترفعه ذكره في شد اجتهاده في الطاعات من غير تشويه ) .

و المتهجد : و الرهباني .

وأشهرها :  زين العابدين ، و سيد العباد ، و السجاد ، وسيد الساجدين.

و كان له خاتم : نقشه :

شقي و خزي قاتل الحسين .

و بوابه : يحيى ابن أم طويل ، المدفون بواسط ، قتله الحجاج .

و قيل : أبو خالد الكابلي‏ .

دلائل‏ الإمامة ص80.




مختصر أدوار عمره الكريم :

ذكر المرحوم الكليني في أصول الكافي وغيره ممن عقد بابا في الإمامة :

ومنه في مولد الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، فقال :

اسم الإمام عليه السلام :

علي : بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام .

اسم : أم أبيه فاطمة بنت محمد سيد المرسلين صلى الله عليه وآله وسلم .

لقبه : السجاد ، زين العابدين .

كنيته : أبو محمد .

ولد : الإمام علي بن الحسين عليه السلام : في سنة : 38  ثمان و ثلاثين للهجر في زمن جده أمير المؤمنين عليه السلام .

و قبض في سنة : 95  خمس و تسعين للهجرة .

و له ( أي طول عمره في الدنيا ) : 57 هـ سبع و خمسون سنة .

عاش في زمن جده أمير المؤمنين : 2 سنتين .

وفي زمن إمامة عمه الحسن بن علي : 10 سنوات

 ومع والده الإمام الحسين : 10 سنوات

 عاش : بعد الحسين عليه السلام : 35 خمسا و ثلاثين سنة وهي مدة إمامته عليه السلام  .

الكافي ج1ص469ح6 .

وقال الطبري : في دلائل الإمامة :

معرفة ولادة أبي محمد علي بن الحسين عليه السلام :

قال أبو محمد الحسن بن علي الثاني عليه السلام :

ولد علي : في المدينة ، في المسجد في بيت فاطمة .

 سنة : 38 ثمان و ثلاثين من الهجرة ، قبل وفاة جده أمير المؤمنين .

فأقام : مع جده 2 سنتين .

و مع عمه الحسن : 10 عشر سنين .

ومع أبيه بعد وفاة عمه : 10 عشر سنين.

و بعد ما استشهد أبوه : 35 خمسا و ثلاثين سنة ( وهي مدة إمامته ) .

فكانت أيام إمامته : ملك يزيد بن معاوية ، و ملك معاوية بن يزيد ، و ملك مروان بن الحكم ، و ملك عبد الملك بن مروان ، و ملك الوليد بن عبد الملك .

و قبض بالمدينة : في المحرم ، عام 95 خمسة و تسعين من الهجرة .

و قد كمل عمره : 57 سبعا و خمسين سنة .

و كان سبب وفاته : أن الوليد سمه ، و دفن في البقيع مع عمه .

دلائل‏ الإمامة ص80.

وقال المفيد رحمه الله :

و كان مولد علي بن الحسين عليهم السلام : بالمدينة سنة 38 ثمان و ثلاثين من الهجرة .

فبقي مع جده : أمير المؤمنين 2 سنتين .

و مع عمه : الحسن 10 عشر سنين . و مع أبيه : الحسين 11 إحدى عشرة سنة .

و بعد أبيه : 34 أربعا و ثلاثين سنة .

و توفي بالمدينة : سنة 95 خمس و تسعين للهجرة .

و له يومئذ : 57 سبع و خمسون سنة.

و كانت إمامته : 34 أربعا و ثلاثين سنة.

و دفن بالبقيع : مع عمه الحسن بن علي عليهم السلام

الإرشاد ج2ص137 . والمرحوم المفيد لم يحسب سنة الشهادة لأنه في أول شهر منها استشهد ، فذكر إمامة 34 سنة .

يا طيب : وقد ذكروا :

ولد في المدينة المنورة ، ٥ شعبان سنة ٣٨ ه .



اسم أمه الكريمة :

اسم والدة : الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، وقصة زواجه من الحسين عليه السلام :

عن جابر عن الإمام أبي جعفر الباقر بن علي بن الحسين قال :

لما أقدمت : بنت يزدجرد على عمر ، أشرف لها عذارى المدينة ، و أشرق المسجد بضوئها لما دخلته .

فلما نظر إليها : عمر ، غطت وجهها ، و قالت : أف بيروج بادا هرمز ؟

 فقال عمر : أ تشتمني هذه ، و هم بها .

فقال له أمير المؤمنين عليه السلام : ليس ذلك لك ، خيرها رجل من المسلمين ، و احسبها بفيئه .

فخيرها : فجاءت حتى وضعت يدها على رأس الحسين عليه السلام .

فقال لها أمير المؤمنين : ما اسمك ؟

 فقالت : جهان شاه .

فقال لها أمير المؤمنين عليه السلام : بل شهربانويه .

ثم قال للحسين : يا أبا عبد الله ، لتلدن لك منها خير أهل الأرض .

فولدت : علي بن الحسين عليه السلام .

و كان يقال : لعلي بن الحسين ، ابن الخيرتين .

فخيرة الله : من العرب ، هاشم ، و من العجم فارس .

و روي أن أبا الأسود الدؤلي قال فيه :

و إن غلاما بين كسرى و هاشم

لأكرم من نيطت عليه التمائم

الكافي ج1ص467ح1 .

و في ربيع الأبرار عن الزمخشري : روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

لله من عباده خيرتان : فخيرته من العرب قريش ، و من العجم فارس .

و كان يقول علي بن الحسين : أنا ابن الخيرتين ، لأن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، و أمه بنت يزدجرد الملك .

وذكر الشعر أعلاه .

المناقب ج4ص167 .

وفي التذكرة الحمدونية :

كانت قريش : لا ترغب في أمهات الأولاد ، حتى ولدت ثلاثةً ، هم خير أهل زمانهم : علي بن الحسين ، والقاسم بن محمد ، وسالم بن عبد الله .

وذلك أن عمر : أتي ببنات يزدجرد بن شهريار بن كسرى مسبيات ، فأراد بيعهن .

فقال له علي : إن بنات الملوك لا يبعن ، ولكن قوموهن ، فقوموهن ، فأعطاه فقسمهن بين الحسين بن علي ، ومحمد بن أبي بكر ، وعبد الله بن عمر، فولدن الثلاثة .

التذكرة الحمدونية ج3ص130 .

وقال المفيد رحمه الله :

و أمه : شاه زنان بنت يزدجرد بن شهريار بن كسرى .

و يقال : إن اسمها شهربانو .

و كان أمير المؤمنين عليه السلام : ولى حريث بن جابر الحنفي جانب من المشرق ، فبعث إليه بنتي يزدجرد بن شهريار بن كسرى .

فنحل ابنه الحسين عليه السلام : شاه زنان منهما ، فأولده زين العابدين عليه السلام ، و نحل الأخرى محمد بن أبي بكر فولدت له القاسم بن محمد بن أبي بكر ، فهما ابنا خاله .

الإرشاد في معرفة حج الله على العباد ج2ص137 .

خبر آخر في تزويجها :

قال الطبري الشيعي : بسند ذكره عن سلمة بن كهيل عن المسيب بن نجبة قال:

 لما ورد سبي الفرس : إلى المدينة ، أراد عمر بن الخطاب بيع النساء ، و أن يجعل الرجال عبيدا للعرب ، و أن يرسم عليهم أن يحملوا العليل و الضعيف و الشيخ الكبير في الطواف على ظهورهم حول الكعبة .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن رسول الله قال : أكرمو كريم كل قوم .

فقال عمر : قد سمعته يقول : إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه و إن خالفكم .

فقال أمير المؤمنين : فمن أين لك أن تفعل بقوم كرماء ما ذكرت ، أن هؤلاء قوم ألقوا إليكم السلم ، و رغبوا في الإسلام ، و لا بد من أن يكون لي منهم ذرية .

 و أنا أشهد الله : و أشهدكم ، أني قد أعتقت نصيبي منهم لوجه الله .

فقال جميع بني هاشم : قد وهبنا حقنا لك . فقال علي : اللهم اشهد ، و إني قد أعتقت جميع ما وهبونيه من نصيبهم لوجه الله .

فقال المهاجرون و الأنصار : قد وهبنا حقنا لك يا أخا رسول الله ، فقال عليه السلام : اللهم اشهد أنهم وهبوني و قبلت و إني قد أعتقهم لوجه الله .

فقال عمر : لم نقضت عزمتي في الأعاجم ، و ما الذي رغبك عن رأيي فيهم ؟

 فأعاد عليه : ما قال رسول الله في الحديث ، وما هم عليه من الرغبة في الإسلام.

فقال عمر : قد وهبت لله و لك ما يخصني ، و سائر ما لم يوهب لك .

فقال علي : اللهم اشهد على ما قال ، و قبولي ، و عتقي .

فرغبت : جماعة من قريش في أن يستنكحوا النساء .

فقال أمير المؤمنين علي : أن لا يكرهن ، و لكن يخيرن فما اخترنه عمل به ، فأشار جماعة إلى شهربانويه بنت كسرى ، فخيرت و خوطبت من وراء حجاب ، و الجمع حضور ، فقيل لها : من تختارين من خطابك ، و هل أنت تريدين بعلا ، فسكتت .

فقال علي عليه السلام : قد أرادت و بقي الاختيار .

فقال عمر : و ما علمك بإرادتها البعل .

فقال علي عليه السلام : أن رسول الله كان إذا أتته كريمة قوم لا ولي لها و قد خطبت ، أمر أن يقال لها أنت راضية بالبعل ، فإن استحيت و سكتت جعل رضاها سكوتها ، و أمر بتزويجها .

و إن قالت : لا ، لم يكرهها على ما تختاره.

و إن شهربانويه : بعد أن فهمت الخطاب ، أشارت إلى الحسين بن علي ، فأعيد عليها الكلام .

فقالت : بلغتها هذا إن كنت مخيرة ، و جعلت عليا وليها ، فخطب حذيفة عن الحسين .

و قال علي لها : ما اسمك ؟ قالت : شاه‏زنان . فقال : نه شاه زنان نيست مگر دختر محمد ، و هي سيدة النساء ، و أنت شهربانويه .

و خيرت أختها : مرداريد ، فاختارت الحسن بن علي .

دلائل‏الإمامة ص82 .




أدلة إمامة الإمام :

يا طيب : إن الإمامة أصل من أصول الدين ، وهي بعد التوحيد والعدل والنبوة وقبل المعاد ، ويجب الإيمان بها للأدلة الكثيرة القطعية بنص كلام الله المجيد ، والأحاديث النبوية الكريمة والمتواترة لفظا ومعنى في عدة جوانب ، كما يؤيدها العقل السليم والوجدان الصاحي والضمير الحي ، وسيرة المجتمع وأسس الحياة وتأريخ البشرية ، وأسس التعليم وحفظه .

ولمعرف تفاصيل الإمامة : راجع صحيفة الثقلين من موسوعة صحف الطيبين ، أو صحيفة الإمام علي عليه السلام ، أو صحيفة الإمام الحسين عليه السلام الجزء الرابع ، أو الكتب المطولة كإحقاق الحق ، والغدير ، أو عبقات الأنوار ، أو المختصر كالمراجعات لشرف الدين ، ومنهاج الحق والألفين للعلامة الحلي ، وغيره ، بل راجع هنا في أخر شرح لمعنى عابدين بمعنى لاعب بالدين من لم يتبع أئمة الحق من آل محمد عليهم السلام .

وما نذكره هنا : فقط النص على الإمام علي بن الحسين عليه السلام من أبيه ، بعد الإيمان بالإمامة وضرورة كونها أصلا من أصول الدين ، وركيزة يعتمد عليها معرفة الهدى الحق وعظمة الله تعالى ، وكل ما يحيط بها من معارف العصمة وقدسية الإمام وتقاه ، وضرورة وجوده في الأمة بأمر الله ، وإنه حجة الله وولي أمره في عباده ، وأنه صاحب ليلة القدر في زمانه ، وغيرها من مسائل التطهير والاصطفاء والاختيار و الاجتباء الإلهي ، ووراثة الكتاب والحكمة والرسوخ بعلم كلام الله ومعرفة ما يحتاجه العباد ، وبالرجوع له يعتصمون من الخطأ في الدين والاختلاف في الهدى ، وأنه هو الصراط المستقيم لتعريف نعيم الله وخالص عبوديته ، وبكل أحواله بشخصه وبعلمه وعمله وسيرته وسلوكه وإخلاصه وثباته ، وحكمه ومواعظه ودعائه ورسالة الحقوق التي علمه الإمام زين العابدين عليه السلام ، بل تدبر بكل ما يأتي من تاريخ حياته وحكمه ومواعظه .

قال الشيخ المفيد رحمه الله :

الإمام بعد الحسين بن علي عليه السلام : ابنه أبو محمد علي بن الحسين زين العابدين ، و كان يكنى أيضا أبا الحسن ...

 و ثبتت له الإمامة من وجوه :

 أحدها : أنه كان أفضل خلق الله بعد أبيه علما و عملا ، و الإمامة للأفضل دون المفضول بدلائل العقول .

و منها: أنه كان أولى بأبيه الحسين عليه السلام ، و أحقهم بمقامه من بعده بالفضل و النسب ، و الأولى بالإمام الماضي أحق بمقامه من غيره ، بدلالة آية ذوي الأرحام و قصة زكريا عليه السلام .

و منها : وجوب الإمامة عقلا في كل زمان ، و فساد دعوى كل مدع للإمامة في أيام علي بن الحسين عليه السلام ، أو مدعي له سواه ، فثبتت فيه ، لاستحالة خلو الزمان من إمام .

 و منها : ثبوت الإمامة أيضا في العترة خاصة بالنظر ، و الخبر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و فساد قول من ادعاها لمحمد بن الحنفية رضي الله عنه بتعريه من النص عليه بها ، فثبت أنها في علي بن الحسين عليه السلام ، إذ لا مدعى له الإمامة من العترة سوى محمد رضي الله عنه ، و خروجه عنها بما ذكرناه.

و منها : نص رسول الله صلى الله عليه وآله بالإمامة عليه ، فيما روي من حديث اللوح الذي رواه جابر عن النبي ، و رواه محمد بن علي الباقر عن أبيه عن جده عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليهم وسلم ، و نص جده أمير المؤمنين في حياة أبيه الحسين عليه بما تضمن ذلك من الأخبار، ووصية أبيه الحسين عليه السلام إليه ، و إيداعه أم سلمة رضي الله عنها ما قبضه علي من بعده، و قد كان جعل التماسه من أم سلمة علامة على إمامة الطالب له من الأنام ، و هذا باب يعرفه من تصفح الأخبار، و لم نقصد في هذا الكتاب إلى القول في معناه فنستقصيه على التمام .

الإرشاد ج2ص138 .



 

أحاديث عامة في الإمامة :

يا طيب : آيات وأحاديث الإمامة كثيرة ، وتبحث في كتب الإمامة ، وفي آخر هذا الكتاب بحث بالآيات ، من بحوث كثيرة قدمناها في كثير من الأبوذيات وفي صحيفة الثقلين وصحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وصحيفة الإمام علي عليه السلام ، وفي بحوث كثيرة متفرقة ، كما أن أحديث اللوح كتبناه في صحيفة الإمام الباقر عليه السلام ومن أحبه فليراجعه ، وهنا نذكر بعض الأحاديث العامة في الإمامة لكل الأئمة ، وستأتي أحاديث النص على أبيه عليه :

عن أبي الطفيل عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام عن آبائه عليهم اسلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  لأمير المؤمنين عليه السلام : اكتب ما أملي عليك .

فقال : يا نبي الله أ تخاف علي النسيان ؟ قال : لست أخاف عليك النسيان ، و قد دعوت الله لك أن يحفظك و لا ينسيك ، و لكن اكتب لشركائك .

قال قلت : و من شركائي يا نبي الله ؟

قال : الأئمة من ولدك ، بهم تسقى أمتي الغيث ، و بهم يستجاب دعاؤهم ، و بهم يصرف الله عنهم البلاء ، و بهم ينزل الرحمة من السماء .

و هذا أولهم : و أومى بيده إلى الحسن بن علي ، ثُمَّ أَوْمَى بِيَدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ ، ثُمَّ قَالَ الْأَئِمَّةُ مِنْ وُلْدِهِ .

و عن محمد الكناني عن جده عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

 إن الله عز و جل : أنزل على نبيه  كتابا قبل أن يأتيه الموت ، فقال : يا محمد هذا الكتاب ، وصيتك إلى النجيب من أهلك .

فقال : و من النجيب من أهلي يا جبرئيل؟

فقال :  علي بن أبي طالب ، و كان على الكتاب خواتيم من ذهب ، فدفعه النبي إلى علي ، و أمره أن يفك خاتما منها و يعمل بما فيه ، ففك خاتم و عمل بما فيه .

ثم دفعه إلى ابنه الحسن : ففك خاتما و عمل بما فيه .

ثم دفعه  إلى الحسين : ففك خاتما ، فوجد فيه أن اخرج بقوم إلى الشهادة ، فلا شهادة لهم إلا معك ، و اشتر نفسك لله عز و جل ، ففعل .

ثُمَّ دَفَعَهُ : إِلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عليه السلام : فَفَكَّ خَاتَماً ، فَوَجَدَ فِيهِ :

 اصْمُتْ وَ الْزَمْ مَنْزِلَكَ‏ ، وَ اعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ‏ ، فَفَعَلَ .

ثم دفعه : إلى محمد بن علي ، ففك خاتما ، فوجد فيه حدث الناس و أفتهم ، و لا تخافن إلا الله ، فإنه لا سبيل لأحد عليك .

ثم دفعه : إلي ، ففككت خاتما ، فوجدت فيه حدث الناس و أفتهم ، و انشر علوم أهل بيتك ، و صدق آباءك من الصالحين ، و لا تخافن أحدا إلا الله ، و أنت في حرز و أمان ، ففعلت .

ثم أدفعه : إلى موسى بن جعفر ، و كذلك يدفعه موسى إلى الذي من بعده ، ثم كذلك أبدا إلى قيام المهدي ، صلى الله وعلى آباءه الكرام وعجل الله ظهور .

الأمالي للصدوق ص 401م63ح1 ، 2.



أحاديث أبيه في إمامته :

وأما خصوص النص والإشارة على إمامة الإمام زين العابدين عليه السلام :

عن أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام قال :

إن الحسين بن علي عليه السلام : لما حضره الذي حضره ، دع ابنته الكبرى فاطمة بنت الحسين عليه السلام .

فدفع إليها : كتابا ملفوفا ، ووصية ظاهرة.

و كان علي بن الحسين عليه السلام : مبطونا معهم ، لا يرون إلا أنه لما به .

فدفعت فاطمة : الكتاب إلى علي بن الحسين ، ثم صار و الله ذلك الكتاب‏ إلينا ، يا زياد .

قال قلت : ما في ذلك الكتاب جعلني الله فداك ؟

قال : فيه و الله ما يحتاج إليه ولد آدم ، منذ خلق الله آدم إلى أن تفنى الدنيا ، و الله إن فيه الحدود حتى أن فيه أرش الخدش .

الكافي ج1ص304ح1 .

وعن أبي بكر الحضرمي عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إن الحسين صلوات الله عليه : لما صار إلى العراق ، استودع أم سلمة رضي الله عنها الكتب و الوصية .

فلما رجع : علي بن الحسين عليه السلام دفعتها إليه .

الكافي ج1ص304ح3.

يا طيب : لا فرق بين كون الوصية ، عند فاطمة بنت الحسين أو أم سلمه ، لأنه فاطمة بنت الحسين كانت مريضة لم تأتي كربلاء ، وأستودعها الإمام عند أم سلمه في المدينة المنورة في بيت جدها .

وعن محمد بن مسلم قال : سألت الصادق جعفر بن محمد عليه السلام عن خاتم الحسين بن علي عليه السلام إلى من صار ، و ذكرت له أني سمعت أنه أخذ من إصبعه فيما أخذ ؟

قال عليه السلام : ليس كما قالوا .

 إن الحسين عليه السلام : أوصى إلى ابنه علي بن الحسين عليه السلام ،  و جعل خاتمه في إصبعه ، و فوض إليه أمره كما فعله رسول الله بأمير المؤمنين ، و فعله أمير المؤمنين بالحسن ، و فعله الحسن بالحسين .

ثم صار : ذلك الخاتم إلى أبي بعد أبيه ، و منه صار إلي فهو عندي ، و إني ألبسه كل جمعة و أصلي فيه.

 قال محمد بن مسلم : فدخلت إليه يوم الجمعة ، و هو يصلي ، فلما فرغ من الصلاة مد إلي يده فرأيت في إصبعه خاتما .

 نقشه : لا إله إلا الله عدة للقاء الله .

فقال : هذا خاتم جدي أبي عبد الله الحسين بن علي عليهم السلام .

الأمالي للصدوق ص144م27ح13 .

يا طيب : يتبين بهذا الحدي أن الخاتم المسلوب في كربلاء ، خاتم آخر ليس خاتم الإمامة أي خاتم رسول الله ، أو أنه ورثوا عن جدهم عدة خواتم ولباس وعمامة وغيرها .

وبالإسناد عن أبي الجارود عن الإمام أبي جعفر عليه السلام قال : سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

كان و الله علي عليه السلام : أمين الله على خلقه ، و غيبه ، و دينه الذي ارتضاه لنفسه .

ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حضره الذي حضر .

فدعا عليا فقال : يا علي ، إني أريد أن أئتمنك على ما ائتمنني الله عليه ، من غيبه و علمه ، و من خلقه ، و من دينه الذي ارتضاه لنفسه .

فلم يشرك : و الله فيها يا زياد أحدا من الخلق .

ثم إن عليا عليه السلام : حضره الذي حضره .

فدعا ولده : و كانوا اثني عشر ذكرا ، فقال لهم : يا بني إن الله عز و جل قد أبى إلا أن يجعل في سنة من يعقوب ، و إن يعقوب دعا ولده ، و كانو اثني عشر ذكرا ، فأخبرهم بصاحبهم ، ألا و إني أخبركم بصاحبكم .

ألا إن هذين : ابنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، الحسن و الحسين ، فاسمعوا لهما ، و أطيعوا ، و وازروهما ، فإني قد ائتمنتهما على ما ائتمنني عليه رسول الله مما ائتمنه الله عليه من خلقه ، و من غيبه و من دينه الذي ارتضاه لنفسه .

فأوجب الله : لهما من علي ، ما أوجب لعلي من رسول الله .

فلم يكن : لأحد منهما فضل على صاحبه إلا بكبره .

و إن الحسين : كان إذا حضر الحسن لم ينطق في ذلك المجلس ، حتى يقوم .

ثم إن الحسن عليه السلام : حضره الذي حضره .

فسلم ذلك : إلى الحسين عليه السلام .

ثم إن حسينا : حضره الذي حضره .

فدعا ابنته الكبرى : فاطمة بنت الحسين ، فدفع إليها كتاب ملفوفا ، و وصية ظاهرة .

و كان علي بن الحسين : مبطونا ، لا يرون إلا أنه لما به .

فدفعت فاطمة : الكتاب إلى علي بن الحسين ، ثم صار و الله ذلك الكتاب إلينا .

الكافي ج1ص290ح6 .

وعن فليح بن أبي بكر الشيباني قال : و الله إني لجالس عند علي بن الحسين ، و عنده ولده ، إذ جاءه جابر بن عبد الله الأنصاري  فسلم عليه .

ثم أخذ بيد أبي جعفر عليه السلام : فخلا به .

فقال جابر : إن رسول الله أخبرني ، أني سأدرك رجلا من أهل بيته .

يقال له : محمد بن علي .

يكنى : أبا جعفر ، فإذا أدركته ، فأقرئه مني السلام .

قال : و مضى جابر ، و رجع أبو جعفر عليه السلام فجلس مع أبيه علي بن الحسين عليهم السلام و إخوته .

فلما : صلى المغرب .

قال علي بن الحسين : لأبي جعفر ، أي شيء قال لك جابر بن عبد الله الأنصاري .

فقال : قال : إن رسول الله ، قال : إنك ستدرك رجلا من أهل بيتي ، أسمه محمد بن علي ، يكنى : أبا جعفر ، فأقرئه مني السلام.

فقال له أبوه : هنيئا لك يا بني ، ما خصك الله به من رسوله ، من بين أهل بيتك ، لا تطلع إخوتك على هذا ، فيكيدوا لك كيدا ، كما كادوا إخوة يوسف ليوسف .

وعن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين قال : لما حضر علي بن الحسين عليه السلام الوفاة .

قبل ذلك : أخرج صندوقا عنده .

فقال : يا محمد ، أحمل هذا الصندوق .

قال : فحمل بين أربعة ، فلما توفي جاء إخوته يدعون ما في الصندوق .

فقالوا : أعطنا نصيبنا في الصندوق ؟

فقال : و الله ما لكم فيه شيء ، و لو كان لكم فيه شيء ، م دفعه إلي.

و كان : في الصندوق ، سلاح رسول الله ، و كتبه .

الكافي ج1ص305ح1.

 

ويا طيب إن كتبه : القرآن المخطوط بخط الإمام علي عليه السلام ، ومصحف فاطمة وما فيه من أخبار الأمم ، وما في الجفر بأنواعه وهي مخطوطة على جلود فيها أحاكم الكتاب وتعاليم الهدى ، وبحثها مفصل في الكافي .

وأسال الله تعالى : لكم ولنا جمعيا ، التوفيق بالطاعة لمعارف الله تعالى الصادرة من معدن الإيمان والحكمة ، والثبات عليها بالعبودية الخالصة له تعالى ، وبكل ما يحب ويرضى من هداه الذي علمه الطيبين الطاهرين والمصطفين الأخيار عليهم الصلاة والسلام .




فضائل الإمام وشأنه الكريم :

 يا طيب : عرفت شأنه الكريم من حديث جده رسول الله في أول الصحيفة ، حيث يناد باسمه بالخصوص فيخطر مرتفعا يوم القيامة ويتخطى الصفوف ليصل لأعلى مقام مع آباءه عليهم السلام ، وهذه بعض المعارف عن علو فضله وشأنه الكريم :

عن عبد الله بن موسى عن أبيه عن جده قال : كانت أمي فاطمة بنت الحسين عليه السلام ، تأمرني أن أجلس إلى خالي علي بن الحسين عليه السلام.

 فما جلست إليه قط : إلا قمت بخير قد أفدته ، إما خشية لله تحدث في قلبي لما أرى من خشيته لله تعالى ، أو علم قد استفدته منه

الإرشاد ج2ص141وعنه في حلية الأبرار ج‏4ص286 وفي حاشيته : عبد اللّه بن موسى الجون بن عبد اللّه بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، و يقال له : عبد اللّه السويقي الرضا، و هو الذي أراد المأمون أن يقيمه مقام علي بن موسى الرضا عليه السلام فأبى و اعتزل، و له رسالة إلى المأمون و كتب فيها : بأيّ شيء تغرّني ؟ بما فعلته بأبي الحسن صلوات اللّه عليه بالعنب الذي أطعمته إيّاه فقتلته ، قاموس الرجال ج 6ص 156 .

وعن ابن شهاب الزهري قال :

حدثنا : علي بن الحسين عليه السلام ، و كان أفضل هاشمي أدركناه .

قال : أحبونا حب الإسلام ، فما زال حبكم لنا ، حتى صار شين علينا .

 و روى أبو معمر عن عبد العزيز بن أبي حازم قال : سمعت أبي يقول :

ما رأيت هاشميا : أفضل من علي بن الحسين .

الإرشاد ج2ص141.

 

قال اليعقوبي :

 قال سعيد بن المسيب : ما رأيت قط أفضل من علي بن الحسين.

وما رأيته قط : إلا مقت نفسي ، ما رأيته ضاحكا يوما قط .

وكان يقول بعض الاشراف :

إذا ذكر : علي ابن الحسين ، يود الناس كلهم أن أمهاتهم إماء .

وذكره يوما عمر بن عبد العزيز فقال:

ذهب : سراج الدنيا، وجمال الاسلام ، وزين العابدين .

تأريخ اليعقوبي  ص303 ، 305.

 

وعن سعيد بن كلثوم قال :  كنت عند الصادق جعفر بن محمد عليه السلام ، فذكر أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأطراه و مدحه بم هو أهله .

ثم قال : و الله ، ما أكل علي بن أبي طالب عليه السلام من الدنيا حراما قط حتى مضى لسبيله ، و ما عرض له أمران قط هما لله رضى إلا أخذ بأشدهم عليه في دينه ، و ما نزلت برسول الله صل الله عليه وآله نازلة قط إلا دعاه فقدمه ثقة به .

و ما أطاق : عمل رسول الله من‏ هذه الأمة غيره ، و إن كان ليعمل عمل رجل كان وجهه بين الجنة و النار ، يرجو ثواب هذه و يخاف عقاب هذه .

و لقد أعتق : من ماله ، ألف مملوك في طلب وجه الله و النجاة من النار ، مما كد بيديه و رشح منه جبينه ، و إن كان ليقوت أهله بالزيت و الخل و العجوة ، و ما كان لباسه إلا الكرابيس ، إذا فضل شي‏ء عن يده من كمه دعا بالجلم فقصه .

و ما أشبهه : من ولده و لا أهل بيته أحد ، أقرب شبها به في لباسه و فقهه .

من علي بن الحسين : و لقد دخل أبو جعفر أبنه عليه السلام عليه ، فإذا هو قد بلغ من العبادة ما لم يبلغه أحد ، فرآه قد اصفر لونه من السهر ، و رمصت عيناه من البكاء ، و دبرت جبهته ، و انخرم أنفه من السجود ، و ورمت ساقاه و قدماه من القيام في الصلاة .

فقال أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام : فلم أملك حين رأيته بتلك الحال البكاء ، فبكيت رحمة له ، و إذا هو يفكر ، فالتفت إلي بعد هنيئة من دخولي .

فقال : يا بني ، أعطني بعض تلك الصحف التي فيها عبادة علي بن أبي طالب عليه السلام ، فأعطيته فقرأ فيها شيئا يسيرا ، ثم تركها من يده تضجر .

و قال : من يقوى على عبادة علي عليه السلام .

الإرشاد ج2ص141.

يا طيب : وسيأتي حديث يقاربه في المعنى في عبادته وبأسلوب آخر يحكي عبوديته ، بل كل ما يأتي من الأحاديث فهي تحكي فضائله وتبين مناقبه وطاعته المخلصة لله تعالى ، فتدبر .

وعن زرارة بن أعين قال : سمع سائل في جوف الليل ، و هو يقول :

أين الزاهدون : في الدنيا ، الراغبون في الآخرة .

فهتف به : هاتف من ناحية البقيع ، يسمع صوته و لا يرى شخصه .

ذاك : علي بن الحسين عليه السلام .

و روى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري قال :

 لم أدرك أحدا : من أهل هذا البيت ، يعني بيت النبي صلى الله عليه وآله .

 أفضل : من علي‏ بن الحسين عليه السلام .

وعن يونس محمد بن أحمد قال : حدثني أبي و غير واحد من أصحابن ، أن فتى من قريش جلس إلى سعيد بن المسيب .

 فطلع : علي بن الحسين عليه السلام .

فقال القرشي لابن المسيب : من هذا يا أبا محمد ؟

قال : هذا سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .

الإرشاد ج2ص144.




تسميته زين العابدين :

قال الخصيبين : قال الحسين بن حمدان رضي الله عنه ، حدثني عتاب بن يونس الديلمي ، عن عسكر مولى أبي جعفر الإمام التاسع عليه السلام عن أبيه عليهما السلام عن علي بن موسى بن جعفر عن جعفر بن محمد صلوات الله عليهم أجمعين قال :

دخلت عليه طائفة من شيعة الكوفة فقالوا : يا ابن رسول الله الأنبياء كلهم عابدون لله ، فكيف سمي جدك علي بن الحسين سيد العابدين ؟

فقال الصادق صلوات الله عليه : ويحكم أ ما سمعتم قول الله عز و جل : { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء (83) } الأنعام ، و قوله تعالى : { لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ (4) } الأنفال ، و قوله تعالى : { وَلَقَدْ  فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ (55) } الإسراء ، فما ذا أنكرتم ؟

قالوا : أحببنا أن نعلم ما سألنا عنه .

فقال : ويحكم إن إبليس لعنه الله ناجى ربه ، فقال : إني قد رأيت العابدين لك من عبادك منذ أول العهد إلى عهد علي بن الحسين عليه السلام ، فلم أر أعبد لك و لا أخشع منه فأذن لي يا إلهي أن أكيده و أبتليه ، لأعلم كيف صبره فنهاه الله عز و جل عن ذلك ، فلم ينته و تصور لعلي بن الحسين و هو قائم يصلي في صلاته .

 فتصور : في صورة أفعى لها عشر رؤوس محددة الأنياب متقلبة الأعين‏ بحمرة ، و طلع عليه من الأرض من موضع سجوده ، ثم تطاول في قبلته فلم يرعه و لم يرعبه ذلك و لم ينكس رأسه إليه .

فانتفض : إبليس لعنه الله إلى الأرض في صورة الأفعى ، و قبض على عشر أنامل رجلي علي بن الحسين صلوات الله عليه ، و أقبل يكدمها بأنيابه و ينفخ عليها من نار جوفه ، و كل ذلك لا يميل طرفه إليه ، و لا يحول قدميه عن مقامه ، و لا يختلجه شك ، و لا وهم في صلاته و قراءته .

فلم يلبث : إبليس لعنه الله ، حتى انقض عليه شهاب من نار محرق من السماء ، فلما أحس به صرخ و قام إلى جانب علي بن الحسين في صورته الأولى .

ثم قال : يا علي أنت سيد العابدين كما سميت و أنا إبليس كم جنيت ، و الله لقد شهدت عبادة النبيين و المرسلين من عهد أبيك آدم إليك،  فما رأيت مثلك و لا مثل عبادتك ، و لوددت أنك استغفرت لي فإن الله كان يغفر لي ، ثم تركه و ولى / و هو في صلاته لا يشغله كلامه حتى قضى صلاته على تمامها.

فكان هذا من دلائله عليه السلام .

 الهداية الكبرى ص215 .




أرث رسول الله عنده :

ذكر الفتال النيسابوري في روضة الواعظين : في خبر طويل عن سعيد بن جبير ، قال أبو خالد الكابلي : أتيت علي بن الحسين عليه السلام ، على أن أسأله هل عندك سلاح رسول الله ؟

فلما بصر بي قال : يا أبا خالد ، أ تريد أن أريك سلاح رسول الله .

 قلت : و الله يا ابن رسول الله ما أتيت إلا لأسألك عن ذلك ، و لقد أخبرتني بما في نفسي .

قال : نعم ، فدعا بحق كبير و سفط ، فأخرج لي خاتم رسول الله .

ثم أخرج لي : درعه ، و قال : هذا درع رسول الله .

و أخرج إلي : سيفه ، فقال : هذا و الله ذو الفقار .

و أخرج : عمامته ، و قال : هذه السحاب .

و أخرج : رايته ، و قال : هذه العقاب .

و أخرج : قضيبه (عصاه وعكازته) ، و قال : هذا السكب .

و أخرج : نعليه ، و قال : هذان نعلا رسول الله .

و أخرج : رداءه ، و قال : هذا كان يرتدي به رسول الله و يخطب أصحابه فيه يوم الجمعة .

و أخرج لي : شيئا كثيرا .

قلت‏ : حسبي جعلني الله فداك .

 المناقب ج4ص135 .




الختم على الحصى :

وقال ابن شهرآشوب المازندراني : عن العامري في الشيصبان ، و أبو علي الطبرسي في إعلام الورى ، عن عبد الله بن سليمان الحضرمي في خبر طويل :

 أن غانم ابن أم غانم : دخل المدينة و معه أمه ، و سأل هل تحسون رجلا من بني هاشم ، اسمه علي ، قالوا : نعم ، هو ذاك .

قال : فدلوني على علي بن عبد الله بن عباس ؟

فقلت له : معي حصاة ختم عليها علي و الحسن و الحسين عليهم السلام ، و سمعت أنه يختم عليها رجل اسمه علي .

فقال : علي بن عبد الله بن عباس ، يا عدو الله ، كذبت على علي بن أبي طالب و على الحسن و الحسين ، و صار بنو هاشم يضربونني ، حتى أرجع عن مقالتي ، ثم سلبوا مني الحصاة .

فرأيت : في ليلتي في منامي الحسين عليه السلام ، و هو يقول لي هاك الحصاة يا غانم ، و امض إلى علي ابني ، فهو صاحبك ، فانتبهت و الحصاة في يدي.

 فأتيت علي بن الحسين عليه السلام : فختمها .

و قال لي : إن في أمرك لعبرة ، فلا تخبر به أحدا .

فقال في ذلك غانم ابن أم غانم :

أتيت عليا أبتغي الحق عنده _ و عند علي عبرة لا أحاول‏

فشد وثاقي ثم قال لي اصطبر _ كأني مخبول عراني خابل‏

فقلت لحاك الله و الله لم أكن _ لا كذب في قولي الذي أنا قائل‏

و خلى سبيلي بعد ضنك فأصبحت _ مخلاته نفسي و سربي سائل‏

فأقبلت يا خير الأنام مؤمما _ لك اليوم عند العالمين أسائل‏

و قلت و خير القول ما كان صادقا _ و لا يستوي في الدين حق و باطل‏

و لا يستوي من كان بالحق عالما _ كآخر يمسي و هو للحق جاهل‏

و أنت الإمام الحق يعرف فضله _ و إن قصرت عنه النهى و الفضائل‏

و أنت وصي الأوصياء محمد _ أبوك و من نيطت إليه الوسائل‏

 المناقب ج4ص136 .




حقائق ألقاب الإمام :

يا طيب : جاء لقب زين العابدين للإمام علي بن الحسين عليه السلام ، في حديث اللوح ، وإن أسماء الأئمة وألقابهم ، أسماء قديمة عن رسول الله عن الله تعالى ، وفي أحاديث كثيرة ، ومنها :

زين العابدين :

عن عمران بن سليم قال : كان الزهري إذا حدث عن علي بن الحسين عليه السلام قال : حدثني زين العابدين علي بن الحسين.

 فقال له سفيان بن عيينة : و لم تقول له زين العابدين ؟

قال : لأني سمعت سعيد بن المسيب يحدث عن ابن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

إذا كان يوم القيامة : ينادي مناد أين ، زين العابدين ، فكأني أنظر إلى ولدي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، يخطو بين الصفوف .

علل الشرائع ج‏1ص229ب165ح1 .

وقال الصدوق رحمه الله : بسنده عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:

ينادي مناد : يوم القيامة ، أين زين العابدين ، فكأني أنظر إلى علي بن الحسين يخطو بين الصفوف .

علل الشرائع ج‏1ص230ب165ح2 .

 

السجاد :

عن جابر بن يزيد الجعفي‏ قال : قال أبو جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام :‏ إن أبي علي بن الحسين عليه السلام :

ما ذكر : نعمة الله عليه  إلا سجد .

و لا قرأ : آية من كتاب الله عز و جل فيها سجود  إلا سجد .

و لا دفع : الله تعالى عنه سوء يخشاه  أو كيد كائد  إلا سجد .

و لا فرغ : من صلاة مفروضة  إلا سجد.

و لا وفق : لإصلاح بين اثنين  إلا سجد.

و كان : أثر السجود في جميع مواضع سجوده  فسمي السجاد لذلك.

علل الشرائع ج‏1ص232ب166ح1 .

ذو الثفنات :

و عن محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : كان لأبي علي بن الحسين عليه السلام ، في موضع سجوده آثار نأتيه ، و كان يقطعها في السنة مرتين ، في كل مرة خمس ثفنات  فسمي ذا الثفنات لذلك .

علل الشرائع ج‏1ص233ب167ح1 .

وعن عبد العزيز بن أبي حازم قال : سمعت أبا حازم يقول‏ :

ما رأيت هاشميا : أفضل من علي بن الحسين ، و كان عليه السلام يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، حتى خرج بجبهته و آثار سجوده ، مثل كركرة البعير .

علل الشرائع ج‏1ص232ب165ح10 .

أبو حازم خادم الإمام وبوابه .




أخلاق الإمام عليه السلام :

يا طيب : الأخلاق تشمل كل شؤون حياة الإنسان ، وكل ما عرفت وسيأتي تبين فهي تبين نوع من أخلاقه ، ونذكر منها هنا قسم ، وتدبر كل أحواله تعرف علو همته في كون كل تصرف له هو خلق الإسلام وهدى دين رب العالمين بكل إخلاص وبأعلى معاني المصاديق له تطبيقا ، فتدبر :

تواضع الإمام :

روى سفيان الثوري عن عبيد الله بن عبد الرحمن بن موهب قال :

 ذكر : لعلي بن الحسين فضله ؟

فقال عليه السلام : حسبنا أن نكون من صالحي قومنا .

الإرشاد ج2ص143.

وعن محمد بن جعفر و غيره قالوا : وقف على علي بن الحسين عليه السلام ، رجل من أهل بيته فأسمعه و شتمه ، فلم يكلمه ، فلما انصرف.

 قال لجلسائه : قد سمعتم ما قال هذا الرجل ، و أنا أحب أن تبلغوا معي إليه حتى تسمعوا ردي عليه .

قال فقالوا له : نفعل ، و لقد كنا نحب أن تقول له و نقول .

قال : فأخذ نعليه و مشى ، و هو يقول : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} آل عمران ، فعلمنا أنه لا يقول له شيئا .

قال : فخرج حتى أتى منزل الرجل ـ فصرخ به .

فقال قولوا له : هذا علي بن الحسين .

قال : فخرج إلينا متوثبا للشر ، و هو لا يشك أنه إنما جاءه مكافئا له على بعض ما كان منه .

فقال له علي بن الحسين عليه السلام :

 يا أخي : إنك كنت قد وقفت علي آنفا ، فقلت و قلت ، فإن كنت قلت ما في فأستغفر الله منه ، و إن كنت قلت ما ليس في فغفر الله لك .

قال : فقبل الرجل ما بين عينيه .

و قال : بل قلت فيك ما ليس فيك ،  أنا أحق به .

قال الراوي للحديث : و الرجل هو الحسن بن الحسن .

الإرشاد ج2ص145.



قصص حلم الإمام وعفوه :

عن عبد الرزاق يقول‏ : جعلت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام تسكب الماء عليه ، و هو يتوضأ للصلاة ، فسقط الإبريق من يد الجارية على وجهه فشجه .

فرفع علي بن الحسين عليه السلام : رأسه إليها .

فقالت الجارية : إن الله عز و جل يقول : { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ} .

فقال لها : قد كظمت غيظي .

قالت‏ : { وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ‏ } .

قال : قد عفى الله عنك .

قالت‏ : { وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134)} آل عمران .

قال : اذهبي فأنت حرة .

الأمالي للصدوق ص201م35ح12 .

يا طيب : الظاهر كانت الجارية تصب ما الإبريق في أناء ليتوض منه لا أنها تصب على يده مباشرة . وعن المفيد : عن عبد الرزاق يقول جعلت جارية لعلي بن الحسين عليه السلام ، تسكب عليه الماء ليتهيأ للصلاة ، فنعست ، فسقط الإبريق من يد الجارية فشجه ..... الإرشاد ج2ص146.

و روى الواقدي قال : حدثني عبد الله بن محمد بن عمر بن علي ، قال : كان هشام بن إسماعيل يسيء جوارنا ، و لقي منه علي بن الحسين عليه السلام أذى شديدا .

فلما عزل : أمر به الوليد ، أن يوقف للناس .

قال : فمر به علي بن الحسين ، و قد وقف عند دار مروان .

قال : فسلم عليه ، و كان علي بن الحسين عليه السلام قد تقدم إلى حامته ، ألا يعرض له أحد .

الإرشاد ج2ص147.

 

و روي أن علي بن الحسين عليه السلام : دعا مملوكه مرتين فلم يجبه ، ثم أجابه في الثالثة .

فقال له : يا بني أ ما سمعت صوتي ؟

قال : بلى . قال : فما بالك لم تجبني ؟ قال : أمنتك .

قال عليه السلام : الحمد لله ، الذي جعل مملوكي يأمني .

الإرشاد ج2ص147.

وقال القاضي النعمان : و قيل : إن مولى لعلي بن الحسين عليه السلام كان يتولى له عمارة ضيعة ، فجاء ليطلعها ، فأصاب منها فسادا و تضيّعا كثير ، أغاضه من ذلك ما رآه ، فغمه .

 فقرع المولى : بسوط كان في يده ، و كان ذلك ما لم يكن منه الى أحد قبله مثله ، و ندم على ما كان منه ندامة شديدة .

فلما انصرف : إلى منزله أرسل يطلب المولى ، فأتاه فوجده مقارب و السوط بين يديه ، فظنّ يريد عقوبته ، فاشتدّ خوفه .

 فأخذ علي بن الحسين عليه السلام : السوط ، و مدّ يده إليه .

 و قال : يا هذا قد كان مني إليك ما لم يتقدم لي مثله ، و كانت هفوة و زلة ، فدونك السوط اقتصّ مني.

فقال المولى : يا مولاي و اللّه إن ظننت إلا أنك تريد عقوبتي ، و أنا مستحق العقوبة ، فكيف أقتصّ منك.

قال عليه السلام : ويحك اقتص .

قال : معاذ اللّه ، أنت في حلّ وسعة .

فكرر عليه مرارا : و المولى في ذلك يتعاظم قوله ويجلله، فلم لم يره يقتصّ .

قال له عليه السلام : أما إذا أبيت ، فالضيعة صدقة عليك ، فأعطاه إياه.

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام، ج‏3ص262ح 1146 .



كرم الإمام وجوده :

قال الإمام الصادق عليه السلام:

و كان علي بن الحسين عليه السلام ، يخرج في الليلة الظلماء .

فيحمل : الجراب ، فيه الصرر من الدنانير و الدراهم ، حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ، ثم ينيل من يخرج إليه .

فلما مات علي بن الحسين عليه السلام : فقدوا ذاك .

فعلموا : أن عليا عليه السلام كان يفعله .

الكافي ج1ص468ح4 .

وعن يونس بن بكير عن ابن إسحاق قال : كان بالمدينة كذا و كذا أهل بيت يأتيهم رزقهم و ما يحتاجون إليه ، لا يدرون من أين يأتيهم .

فلما مات : علي بن الحسين عليه السلام ، فقدوا ذلك .

الإرشاد ج2ص149.

قال اليعقوبي :

 ولما غسل : وجد على كتفيه جلب كجلب البعير ، فقيل لأهله : ما هذه الآثار ؟  قالوا : من حمله للطعام في الليل يدور به على منازل الفقراء .

تأريخ اليعقوبي  ص303 .

ذكر في موسوعة الشعراء : علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، الهاشمي القرشي، أبو الحسن، الملقب بزين العابدين.

38 - 94 هـ / 658 - 712 م

رابع  : الأئمة الاثني عشر عند الإمامية ، وأحد من كان يضرب بهم المثل في الحلم والورع ، وهو سادس المعصومين مع جدته فاطمة الزهراء وابيه سيد المرسلين محمد بن عبد الله عليهم السلام .

يقال له : (عليّ الأصغر) للتمييز بينه وبين أخيه (عليّ) الأكبر، مولده ووفاته بالمدينة .

 أحصي : بعد موته عدد من كان يقوتهم سراً، فكانوا نحو مئة بيت .

قال بعض أهل المدينة : ما فقدنا صدقة السرّ إلا بعد موت زين العابدين .

وقال محمد بن إسحاق : كان ناس من أهل المدينة يعيشون ، ل يدرون من أين معايشهم ومآكلهم .

فلما مات : علي بن الحسين فقدوا ما كانوا يؤتون به ليلاً إلى منازلهم ، وليس للحسين (السبط) عقب إلاّ منه.

فهرس شعراء الموسوعة الشعرية ج1ض1754 .علي بن الحسين بتصرف.

وعن إسماعيل بن المنصور عن بعض أصحابنا قال :

لما وضع علي بن الحسين عليه السلام : على السرير ليغسل ، نظر إلى ظهره ، و عليه مثل ركب الإبل مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء و المساكين .

علل الشرائع ج‏1ص231ب165ح6 .

وعن‏ أبي حمزة الثمالي قال : .... كان علي بن الحسين عليه السلام : ليخرج في الليلة الظلماء فيحمل الجراب فيه الصرر من الدنانير و الدراهم ، حتى يأتي بابا بابا فيقرعه ، ثم يناول من يخرج إليه.

 فلما مات علي بن الحسين عليه السلام : فقدوا ذلك ، فعلمو أن علي بن الحسين عليه السلام : الذي كان يفعل ذلك .

علل الشرائع ج‏1ص231ب165ح8 . وذكرنا أول الحديث في عبادته .



صدقات الإمام :

و روي عن جعفر بن محمد أنه قال : كان علي بن الحسين عليه السلام يعجبه العنب ، فدخل منه الى المدينة شيء حسن .

 فاشترت منه : أمّ ولده شيئا ، و أتت به عند افطاره، فأعجبه .

فمن قبل : أن يمدّ يده إليه ، وقف بالباب سائل ، فقال لها : احمليه إليه ، فقالت : يا مولاي بعضه يكفيه ، قال : لا ، و أرسله إليه كله .

و اشترت له : من غد ، و أتت به إليه ، فوقف السائل ، ففعل مثل ذلك فأرسله إليه‏ . و اشترت له : في الليلة الثالثة ، و لم يأت السائل ، فأكل .

 وقال : ما فاتنا عنه شيء و الحمد اللّه .

شرح الأخبار ج3ص273ح1183 .

وقال القاضي النعمان : و كان إذا انقضى الشتاء تصدق بكسوته في الشتاء، و إذا انقضى الصيف تصدق بكسوته في الصيف. و كان يلبس من خير الثياب.

فقيل له : تعطيها من لا يعرف بقيمتها و لا يليق به لباسه ، فلو بعتها و تصدقت بثمنها .

فقال عليه السلام : اني لأكره أن أبيع ثوبا صلّيت فيه.

شرح الأخبار ج3ص263ح1167 .

 



أحاديثه في الكرم :

وعن الشيخ الطوسي رحمه الله في الأمالي بإسناده :

قال حدثنا القاسم بن إسماعيل الأنباري ، قال حدثنا عبد الله بن جبلة، عن حميد بن جنادة العجلي ، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر ، عن أبيه علي بن الحسين ، عن أبيه الحسين بن علي، عن أبيه علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن النبي صلى الله عليه و آله  قال :

من أفضل الأعمال عند الله عز و جل :

 إبراد : الأكباد الحارة .

و إشباع : الأكباد الجائعة .

و الذي : نفس محمد بيده ، لا يؤمن بي عبد يبيت شبعان و أخوه  .

أو قال : جاره المسلم جائع .

الأمالي ‏للطوسي ص598م26ح 1241-15 . الشك من الراوي .

وذكر الكليني في الكافي : بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي ، عن علي بن الحسين عليه السلام قال : كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول في آخر خطبته :

طوبى :

لمن : طاب خلقه ، و طهرت سجيته .

و صلحت : سريرته ، و حسنت علانيته .

و أنفق : الفضل من ماله .

 و أمسك : الفضل من قوله ، و أنصف الناس من نفسه .

الكافي ج2ص144ح1 .

و بسنده : عن علي بن الحسين عن أبيه عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله .

 من رد : عن قوم من المسلمين .

عادية : ماء أو نار ، أوجبت له الجنة .

الكافي ج2ص164ح8 .




عبادة الإمام السجاد :

يا طيب : ذكرة عدة أحوال كريم في عبادة الإمام علي بن الحسين عليه السلام ، ولكثرة عبادته وأدعيته وتوجهه لله في كل أحواله ، سمي بألقاب : زين العابدين ، وسيد الساجدين ، السجاد ، ذو الثفنات ، وهذا مختصر من عبادة الإمام السجاد عليه السلام :

الإمام عارف بربه :

يا طيب : معارف الإمام في عظمة الله كثيرة ، وهو أعرف الناس بعظمة الله وجلاله وتقديسه ، وما ترى من أحاديث في بيان شدة خشيته وخشوعه وخضوعه وما يحكى عنه لكثير نذكر ما تيسر لنا :

عن أبان بن تغلب قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام :

 إني رأيت علي بن الحسين عليه السلام : إذا قام في الصلاة غشي لونه لون آخر .

فقال لي : و الله إن علي بن الحسين ، كان يعرف الذي يقوم بين يديه.

علل الشرائع ج‏1ص231ب165ح7 .

وعن‏ أبي حمزة الثمالي قال : رأيت علي بن الحسين عليه السلام ، يصلي فسقط رداؤه عن أحد منكبيه .

قال : فلم يسوه حتى فرغ من صلاته .

قال : فسألته عن ذلك ؟

فقال : ويحك أ تدري بين يدي من كنت ، إن العبد لا يقبل من صلاته إلا ما أقبل عليه منها بقلبه ...

علل الشرائع ج‏1ص231ب165ح8 .



تشبه عبادته بجده :

يا طيب : مر حديث في فضائله حديث عن محاولة إقامة عبادة جده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، وهذا حديث يقاربه في المعنى :

عن محمد بن قيس عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنه قال :

 و الله إن كان علي عليه السلام : ليأكل أكل العبد ، و يجلس جلسة العبد ، و إن كان ليشتري القميصين السنبلانيين ، فيخير غلامه خيرهما ، ثم يلبس الآخر ، فإذا جاز أصابعه قطعه ، و إذا جاز كعبه حذفه .

 و لقد ولي خمس سنين : ما وضع آجرة على آجرة ، و لا لبنة على لبنة ، و لا أقطع قطيعا ، و لا أورث بيضاء و لا حمراء .

 و إن كان ليطعم الناس : خبز البر و اللحم ، و ينصرف إلى منزله و يأكل خبز الشعير و الزيت و الخل ، و ما ورد عليه أمران كلاهما لله رضى إلا أخذ بأشدهما على بدنه.

و لقد أعتق : ألف مملوك من كد يده ، تربت فيه يداه و عرق فيه وجهه .

و ما أطاق عمله : أحد من الناس ، و إن كان ليصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة .

وَ إِنْ كَانَ أَقْرَبُ النَّاسِ : شَبَهاً بِهِ ، عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ عليه السلام ، وَ مَا أَطَاقَ عَمَلَهُ أَحَدٌ مِنَ النَّاسِ بَعْدَهُ ......

الأمالي للصدوق ص281م47ح14 .



صلاته ووضوئه وتوجهه لله :

عن عبد الله بن محمد القرشي قال :

 كان علي بن الحسين عليه السلام : إذا توضأ اصفر لونه .

فيقول له‏ أهله : ما هذا الذي يغشاك ؟

فيقول : أ تدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه .

وعن جابر الجعفي عن أبي جعفر عليه السلام قال :

كان علي بن الحسين عليه السلام : يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة .

الإرشاد ج2ص142 .

 وعن النعمان المغربي قال : و روي عنه عليه السلام ، أنه كان إذا قام الى الصلاة تغير لونه ، و أصابته رعدة ، و حال أمره .

 و ربما يسأله : عن حاله من لا يعرف أمره في ذلك ؟

فيقول : إني اريد الوقوف بين يدي ملك عظيم .

شرح الأخبار ج3ص258ح1158 .

وقال القاضي النعمان : و كان إذا وقف في الصلاة لم يشتغل بغيره و لم يسمع شيئا لشغله بالصلاة .

 و سقط : بعض ولده في بعض الليالي ، فانكسرت يده ، فصاح أهل الدار، و أتاهم الجيران، و جيء بالمجبّر فجبّر الصبي‏ و هو يصيح من الألم ، و كل ذلك لا يسمعه .

فلما أصبح : رأى يد الصبي مربوطة الى عنقه.

 فقال : ما هذا ؟ فأخبروه .

شرح الأخبار ج3ص263ح‏‏1168 .



حدود الصلاة :

عن أبو حازم في خبر قال رجل لزين العابدين عليه السلام : تعرف الصلاة ؟ فحملت عليه .

فقال عليه السلام : مهلا يا أبا حازم ، فإن العلماء هم الحلماء الرحماء .

ثم واجه السائل فقال : نعم أعرفها .

فسأله : عن أفعالها و تروكها و فرائضها و نوافلها ، حتى بلغ :

قوله : ما افتتاحها ، قال : التكبير .

قال : ما برهانها ؟ قال : القراءة .

قال : ما خشوعها ؟ قال : النظر إلى موضع السجود .

قال : ما تحريمها ؟ قال : التكبير .

قال : ما تحليلها ؟ قال : التسليم .

قال : ما جوهرها ؟ قال : التسبيح .

قال : ما شعارها ؟ قال : التعقيب .

قال : ما تمامها ؟ قال : الصلاة على محمد و آل محمد .

قال : ما سبب قبولها ؟

قال : ولايتنا و البراءة من أعدائنا .

قال : ما تركت لأحد حجة ، ثم نهض يقول : الله أعلم حيث يجعل رسالته ، و توارى .

المناقب ج4ص131.

أحواله في طريق الحج :

  عن الأصمعي : كنت بالبادية ، و إذا أنا بشاب منعزل عنهم في أطمار رثة ، و عليه سيماء الهيبة .

فقلت : لو شكوت إلى هؤلاء حالك ، لأصلحوا بعض شأنك .

فأنشأ يقول :

لباسي للدنيا التجمل و الصبر _ و لبسي للأخرى البشاشة و البشر

إذا اعترني أمر لجأت إلى العرا _ لأني من القوم الذين لهم فخر

أ لم تر أن العرف قد مات أهله _ و أن الندى و الجود ضمهما قبر

على العرف والجود السلام فما بقي _ من العرف إلا الرسم في الناس والذكر

و قائلة لما رأتني مسهدا _ كأن الحشى مني يلذعها الجمر

أباطن داء لو حوى منك ظاهرا _ لقلت الذي بي ضاق عن وسعه الصدر

تغير أحوال و فقد أحبة و موت _ ذوي الإفضال قالت كذ الدهر

 فتعرفته : فإذا هو علي بن الحسين عليه السلام .

فقلت : أبى أن يكون هذا الفرخ ، إلا من ذلك العش .

المناقب ج4 ص166.

و عن إبراهيم بن علي عن أبيه قال : حججت مع علي بن الحسين عليه السلام ،  فالتاثت عليه الناقة في سيرها ، فأشار إليها بالقضيب .

ثم قال : آه لو لا القصاص ، و رد يده عنها .

و بهذا الإسناد قال : حج علي بن الحسين عليه السلام ماشي .

فسار : عشرين يوما من المدينة إلى مكة .

الإرشاد ج2ص144. فالتائت أي أبطئت في مسيرها .



دعائه عند الكعبة :

وقال الأصمعي : كنت أطوف حول الكعبة ليلة ، فإذا شاب ظريف الشمائل ، و عليه ذؤابتان ، و هو متعلق بأستار الكعبة ، و يقول :

نامت العيون : و علت النجوم ، و أنت الملك الحي القيوم ، غلقت الملوك أبوابها ، و أقامت عليها حراسها .

و بابك مفتوح : للسائلين ، جئتك لتنظر إلي برحمتك ، يا أرحم الراحمين ، ثم أنشأ يقول :

يا من يجيب دعا المضطر في الظلم _ يا كاشف الضر و البلوى مع السقم‏

قد نام وفدك حول البيت قاطبة _ و أنت وحدك يا قيوم لم تنم‏

أدعوك رب دعاء قد أمرت به _ فارحم بكائي بحق البيت و الحرم‏

إن كان عفوك لا يرجوه ذو سرف _ فمن يجود على العاصين بالنعم‏

قال : فاقتفيته ، فإذا هو زين العابدين عليه السلام .

المناقب ج4ص150 .



طوافه في السحر :

وعن طاووس الفقيه قال : رأيته يطوف من العشاء إلى السحر ، و يتعبد ، فلما لم ير أحدا رمق السماء بطرفه ، و قال :

إلهي : غارت نجوم سماواتك ، و هجعت عيون أنامك ، و أبوابك مفتحات للسائلين ، جئتك : لتغفر لي ، و ترحمني ، و تريني وجه جدي محمد في عرصات القيامة .

ثم بكى و قال : و عزتك و جلالك ، ما أردت بمعصيتي مخالفتك ، و ما عصيتك إذ عصيتك و أنا بك شاك ، و لا بنكالك جاهل ، و لا لعقوبتك متعرض .

و لكن : سولت لي نفسي ، و أعانني على ذلك سترك المرخى به علي .

فأنا الآن : من عذابك من يستنقذني ، و بحبل من أعتصم إن قطعت حبلك عني .

فوا سوأتاه : غدا من الوقوف بين يديك ، إذا قيل للمخفين جوزو ، و للمثقلين حطوا ، أ مع المخفين أجوز ، أم مع المثقلين أحط .

ويلي : كلما طال عمري كثرت خطاياي و لم أتب ، أ ما آن لي أن أستحي من ربي .

ثم بكى ثم أنشأ يقول :

أ تحرقني بالنار يا غاية المنى _ فأين رجائي ثم أين محبتي‏

أتيت بأعمال قباح ردية _ و ما في الورى خلق جنى كجنايتي‏

ثم بكى وقال : سبحانك ، تعصى كأنك لا ترى ، وتحلم كأنك لم تعصى .

تتودد : إلى خلقك بحسن الصنيع ، كأن بك الحاجة إليهم .

و أنت يا سيدي : الغني عنهم .

ثم خر إلى الأرض ساجدا : فدنوت منه ، و شلت رأسه ، و وضعته على ركبتي .

و بكيت : حتى جرت دموعي على خده .

فاستوى : جالسا ، و قال : من ذا الذي أشغلني عن ذكر ربي .

فقلت : أنا طاووس ، يا ابن رسول الله ، ما هذا الجزع و الفزع ، و نحن يلزمنا أن نفعل مثل هذا ، و نحن عاصون ، جافون أبوك الحسين بن علي ، و أمك فاطمة الزهراء ، و جدك رسول الله .

قال : فالتفت إلي ، و قال : هيهات هيهات يا طاووس ، دع عني حديث أبي و أمي و جدي .

خلق الله : الجنة لمن أطاعه و أحسن ، و لو كان عبدا حبشيا .

و خلق النار : لمن عصاه ، و لو كان قرشيا .

أ ما سمعت قوله تعالى : { فَإِذَا نُفِخَ  فِي الصُّورِ فَلَ أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ (101) ‏ } المؤمنون .

و الله : لا ينفعك غدا ، إلا تقدمة تقدمها من عمل صالح .

وقال ابن حماد رحمه الله :

و راهب أهل البيت كان و لم يزل _ يلقب بالسجاد حسن تعبد

يقضي بطول الصوم طول نهاره _ منيبا و يفني ليله بتهجد

فأين به من علمه و وفائه _ و أين به من نسكه و تعبده‏

المناقب ج4ص150 . وطاووس هو أبو عبد الرحمن بن كيسان اليماني الخولاني و أمه قادسية و أبوه من النمر بن قاسط ، ولد سنة 33 ه ، توفي حاجا بمكة قبل التروية سنة 106 و صلّى عليه هشام بن عبد الملك .



دعائه عند الحجر :

عن سويد بن غفلة عن طاوس اليماني قال : مررت بالحجر فإذا أن بشخص راكع و ساجد فتأملته ، فإذا هو علي بن الحسين عليه السلام فقلت : ي نفس ، رجل صالح من أهل بيت النبوة ، و الله لأغتنمن دعاءه ، فجعلت أرقبه حتى فرغ من صلاته ، و رفع باطن كفيه إلى السماء ؟

 و جعل يقول :

سَيِّدِي سَيِّدِي : هَذِهِ يَدَايَ قَدْ مَدَدْتُهُمَا إِلَيْكَ بِالذُّنُوبِ مَمْلُوَّةٌ ، وَ عَيْنَايَ بِالرَّجَاءِ مَمْدُودَةٌ ، وَ حَقٌّ لِمَنْ دَعَاكَ بِالنَّدَمِ تَذَلُّلًا أَنْ تُجِيبَهُ بِالْكَرَمِ تَفَضُّلً .

سَيِّدِي : أَ مِنْ أَهْلِ الشَّقَاءِ خَلَقْتَنِي  فَأُطِيلَ بُكَائِي ، أَمْ مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ خَلَقْتَنِي  فَأُبَشِّرَ رَجَائِي .

سَيِّدِي : أَ لِضَرْبِ الْمَقَامِعِ خَلَقْتَ أَعْضَائِي ، أَمْ لِشُرْبِ الْحَمِيمِ خَلَقْتَ أَمْعَائِي.

سَيِّدِي : لَوْ أَنَّ عَبْداً اسْتَطَاعَ الْهَرَبَ مِنْ مَوْلَاهُ ، لَكُنْتُ أَوَّلَ الْهَارِبِينَ مِنْكَ ، لَكِنِّي أَعْلَمُ أَنِّي لَا أَفُوتُكَ . سَيِّدِي : لَوْ أَنَّ عَذَابِي مِمَّا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ ، لَسَأَلْتُكَ الصَّبْرَ عَلَيْهِ ، غَيْرَ أَنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَزِيدُ فِي مُلْكِكَ طَاعَةُ الْمُطِيعِينَ ، وَ لَا يَنْقُصُ مِنْهُ مَعْصِيَةُ الْعَاصِينَ.

سَيِّدِي : مَا أَنَا وَ مَا خَطَرِي ، هَبْ لِي بِفَضْلِكَ ، وَ جَلِّلْنِي بِسَتْرِكَ ، وَ اعْفُ عَنْ تَوْبِيخِي بِكَرَمِ وَجْهِكَ .

 إِلَهِي وَ سَيِّدِي : ارْحَمْنِي مَصْرُوعاً عَلَى الْفِرَاشِ تُقَلِّبُنِي أَيْدِي أَحِبَّتِي ، وَ ارْحَمْنِي مَطْرُوحاً عَلَى الْمُغْتَسَلِ يُغَسِّلُنِي صَالِحُ جِيرَتِي ،  وَ ارْحَمْنِي مَحْمُولًا قَدْ تَنَاوَلَ الْأَقْرِبَاءُ أَطْرَافَ جَنَازَتِي ، وَ ارْحَمْ فِي ذَلِكَ الْبَيْتِ الْمُظْلِمِ وَحْشَتِي وَ غُرْبَتِي وَ وَحْدَتِي .

قال طاوس : فبكيت حتى علا نحيبي .

 فالتفت إلي فقال : ما يبكيك يا يماني ، أ و ليس هذا مقام المذنبين .

فقلت : حبيبي ، حقيق علي أن الله لا يردك ، و جدك محمد صلى الله عليه وآله .

 قال : فبينا نحن كذلك ، إذ أقبل نفر من أصحابه .

فالتفت إليهم فقال :

معاشر أصحابي : أوصيكم بالآخرة ، و لست أوصيكم بالدنيا فإنكم بها مستوصون ، و عليها حريصون ، و بها مستمسكون .

معاشر أصحابي : إن الدنيا دار ممر ، و الآخرة دار مقر ، فخذو من ممركم لمقركم ، و لا تهتكوا أستاركم عند من لا يخفى عليه أسراركم ، و أخرجو من الدنيا قلوبكم ، قبل أن تخرج منها أبدانكم .

أ ما رأيتم و سمعتم : ما استدرج به من كان قبلكم من الأمم السالفة ، و القرون الماضية ، أ لم تروا كيف فضح مستورهم ، و أمطر مواطر الهوان عليهم ، بتبديل سرورهم بعد خفض عيشهم ، و لين رفاهيتهم ، صاروا حصائد النقم ، و مدارج المثلات ، أقول قولي هذا و أستغفر الله لي و لكم .

الأمالي للصدوق ص219م39ح5 .

وقال طاووس : دخلت الحجر في الليل ، فإذا علي بن الحسين عليه السلام  قد دخل فقام يصلي ، فصلى ما شاء الله ، ثم سجد ، قال فقلت : رجل صالح من أهل بيت الخير لأستمعن إلى دعائه ، فسمعته يقول في سجوده :

 عُبَيْدُكَ بِفِنَائِكَ : مِسْكِينُكَ بِفِنَائِكَ ، فَقِيرُكَ بِفِنَائِكَ ، سَائِلُكَ بِفِنَائِكَ .

 قال طاووس : فما دعوت بهن في كرب ، إلا فرج عني .

الإرشاد ج2ص143.



عمته تعرف شدة عبادته :

عن عمرو بن عبد الله بن هند الجملي : عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي عليهما السلام :

أن فاطمة بنت علي بن أبي طالب عليه السلام :

لما نظرت : إلى ما يفعل ابن أخيها علي بن الحسين بنفسه ، من الدأب في العبادة .

أتت : جابر بن عبد الله بن عمرو بن حزام الأنصاري .

فقالت له : يا صاحب رسول الله ، إن لنا عليكم حقوقا ، و من حقنا عليكم ، أن إذا رأيتم أحدنا يهلك نفسه اجتهادا ، أن تذكروه الله ، و تدعوه إلى البقيا على نفسه .

و هذا علي بن الحسين : بقية أبيه الحسين ، قد انخرم أنفه ، و ثفنت جبهته و ركبتاه و راحتاه ، دأبا منه لنفسه في العبادة .

فأتى جابر بن عبد الله : باب علي بن الحسين عليهما السلام .

و بالباب : أبو جعفر محمد بن علي عليهما السلام ، في أغيلمة من بني هاشم ، قد اجتمعوا هناك .

فنظر جابر إليه : مقبلا ، فقال : هذه مشية رسول الله صلى الله عليه و آله و سجيته ، فمن أنت يا غلام ؟

 قال فقال : أنا محمد بن علي بن الحسين.

فبكى : جابر بن عبد الله رضي الله عنه .

ثم قال : أنت و الله الباقر عن العلم حقا ، ادن مني بأبي أنت و أمي .

فدنا منه : فحل جابر أزراره ، و وضع يده في صدره ، فقبله ، و جعل عليه خده و وجهه .

و قال له : أقرئك عن جدك رسول الله صلى الله عليه و آله السلام .

و قد أمرني : أن أفعل بك ما فعلت .

و قال لي : يوشك أن تعيش و تبقى ، حتى تلقى من ولدي من اسمه محمد يبقر العلم بقرا .

و قال لي : إنك تبقى حتى تعمى ثم يكشف لك عن بصرك .

ثم قال لي : ائذن لي على أبيك .

فدخل أبو جعفر : على أبيه ، فأخبره الخبر.

و قال : إن شيخا بالباب ، و قد فعل بي كيت و كيت .

فقال : يا بني ذلك جابر بن عبد الله .

ثم قال : أ من بين ولدان أهلك ، قال لك ما قال ، و فعل بك ما فعل .

قال : نعم إنا لله ، إنه لم يقصدك فيه بسوء ، و لقد أشاط بدمك .

ثم أذن لجابر : فدخل عليه ، فوجده في محرابه ، قد أنضته العبادة .

فنهض علي عليه السلام : فسأله عن حاله سؤالا حفيا ، ثم أجلسه بجنبه .

فأقبل جابر عليه يقول : يا ابن رسول الله ، أ ما علمت أن الله تعالى إنما خلق الجنة لكم و لمن أحبكم ، و خلق النار لمن أبغضكم و عاداكم .

فما هذا الجهد : الذي كلفته نفسك ؟

 قال له علي بن الحسين عليهما السلام : يا صاحب رسول الله ، أ ما علمت أن جدي رسول الله صلى الله عليه و آله قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه و ما تأخر ، فلم يدع الاجتهاد له ، و تعبد بأبي هو و أمي ، حتى انتفخ الساق و ورم القدم .

و قيل له : أ تفعل هذا ، و قد غفر لك ما تقدم من ذنبك و م تأخر ؟

 قال صلى الله عليه وآله وسلم : أ فلا أكون عبدا شكورا .

فلما نظر جابر : إلى علي بن الحسين عليهما السلام ، و ليس يغني فيه من قول ، يستميله من الجهد و التعب إلى القصد .

قال له : يا ابن رسول الله ، البقيا على نفسك ، فإنك لمن أسرة بهم يستدفع البلاء ، و تستكشف اللأواء ( الأجواء ) ، و بهم تستمطر السماء .

فقال يا جابر : لا أزال على منهاج أبوي مؤتسيا بهما ، حتى ألقاهما .

فأقبل جابر : على من حضر ، فقال لهم : و الله ما أرى في أولاد الأنبياء مثل علي بن الحسين ، إلا يوسف بن يعقوب عليهما السلام .

و الله : لذرية علي بن الحسين عليهما السلام ، أفضل من ذرية يوسف بن يعقوب ، إن منهم لمن يملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا .

الأمالي ‏للطوسي ص636م31ح1314- 16.

 



طلبه لما عند الله :

عن الحسن بن علي بن أبي حمزة عن أبيه قال : سألت مولاة لعلي بن الحسين عليه السلام بعد موته ، فقلت : صفي لي أمور علي بن الحسين .

 فقالت : أطنب أو أختصر ؟

فقلت : بل اختصري .

قالت : ما أتيته بطعام نهارا قط ، و لا فرشت له فراشا بليل قط .

علل الشرائع ج‏1ص232ب165ح9 .

و عن سفيان بن عيينة قال : رأى الزهري علي بن الحسين ليلة باردة مطيرة و على ظهره دقيق و حطب و هو يمشي .

فقال له : يا ابن رسول الله ما هذا ؟

قال عليه السلام : أريد سفرا ، أعد له زادا ، أحمله إلى موضع حريز .

فقال الزهري : فهذا غلامي يحمله عنك ، فأبى . قال : أنا أحمله عنك ، فإني أرفعك عن حمله .

فقال : علي بن الحسين ، لكني لا أرفع نفسي عما ينجيني في سفري ، و يحسن ورودي على ما أرد عليه ، أسألك بحق الله لما مضيت لحاجتك وتركتني .

فانصرفت عنه : فلما كان بعد أيام .

قلت له : يا ابن رسول الله ، لست أرى لذلك السفر الذي ذكرته أثرا .

قال : بلى يا زهري ، ليس ما ظننته ، و لكنه الموت ، و له كنت أستعد .

إنما الاستعداد للموت : تجنب الحرام ، و بذل الندى و الخير.

علل الشرائع ج‏1ص231ب165ح5 .



حديث جامع لأهم أحواله :

يا طيب : هذا حديث كريم شامل وجامع لأهم أحوال الإمام وسيرته وسلوكه وبالخصوص عبوديته وأخلاقه ، فتدبر فيه :

ذكر الصدوق في الخصال : عن حمران بن أعين ، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال :

ان علي بن الحسين عليه السلام : يصلي في اليوم و الليلة ألف ركعة ، كما كان يفعل أمير المؤمنين عليه السلام .

كانت له : خمسمائة نخلة ، فكان يصلي عند كل نخلة ركعتين .

و كان إذا قام في صلاته : غشي لونه لون آخر .

و كان قيامه في صلاته : قيام العبد الذليل بين يدي الملك الجليل ، كانت أعضاؤه ترتعد من خشية الله عز و جل .

و كان يصلي صلاة مودع : يرى أنه لا يصلي بعدها أبدا .

و لقد صلى ذات يوم : فسقط الرداء عن أحد منكبيه ، فلم يسوه حتى فرغ من صلاته.

فسأله : بعض أصحابه عن ذلك ؟

 فقال : ويحك أ تدري بين يدي من كنت.

إن العبد : لا يقبل من صلاته ، إلا ما أقبل عليه منها بقلبه .

فقال الرجل : هلكنا .

فقال : كلا إن الله عز و جل متمم ذلك بالنوافل .

و كان عليه السلام : ليخرج في الليلة الظلماء ، فيحمل الجراب على ظهره ، و فيه الصرر من الدنانير و الدراهم .

و ربما حمل على ظهره : الطعام أو الحطب ، حتى يأتي بابا باب ، فيقرعه ، ثم يناول من يخرج إليه .

و كان يغطي وجهه : إذا ناول فقيرا ، لئلا يعرفه .

فلما توفي عليه السلام : فقدوا ذلك فعلموا أنه كان علي بن الحسين .

و لما وضع عليه السلام : على المغتسل ، نظروا إلى ظهره و عليه مثل ركب الإبل ، مما كان يحمل على ظهره إلى منازل الفقراء و المساكين .

و لقد خرج : ذات يوم ، و عليه مطرف خز ، فعرض له سائل ، فتعلق بالمطرف ، فمضى و تركه .

و كان يشتري : الخز في الشتاء ، فإذا جاء الصيف باعه فتصدق بثمنه .

و لقد نظر عليه السلام : يوم عرفة إلى قوم يسألون الناس .

فقال عليه السلام : ويحكم ، أ غير الله تسألون في مثل هذ اليوم ، إنه ليرجى في هذا اليوم لما في بطون الحبالى ، أن يكونوا سعداء.

و لقد كان عليه السلام : يأبى أن يؤاكل أمه ، فقيل له يا ابن رسول الله أنت أبر الناس و أوصلهم للرحم ، فكيف لا تؤاكل أمك ؟

 فقال : إني أكره أن تسبق يدي إلى ما سبقت عينها إليه .

و لقد قال له عليه السلام رجل : يا ابن رسول الله ، إني لأحبك في الله حبا شديدا .

فقال : اللهم إني أعوذ بك أن أحب لك ، و أنت لي مبغض .

و لقد حج : على ناقة له ، عشرين حجة ، فما قرعها بسوط ، فلم توفت : أمر بدفنها لئلا تأكلها السباع .

و لقد : سألت عنه ، مولاة له .

فقالت : أطنب أو أختصر .

فقيل لها : بل اختصري .

فقالت : ما أتيته بطعام نهارا قط ، و ما فرشت له فراشا بليل قط .

و لقد انتهى : ذات يوم ، إلى قوم يغتابونه.

فوقف عليهم فقال : إن كنتم صادقين فغفر الله لي، وإن كنتم كاذبين فغفر الله لكم.

فكان عليه السلام : إذا جاءه طالب علم.

فقال : مرحبا بوصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

ثم يقول : إن طالب العلم إذا خرج من منزله ، لم يضع رجله على رطب و لا يابس من الأرض ، إلا سبحت له إلى الأرضين السابعة .

و لقد كان عليه السلام : يعول مائة أهل بيت من فقراء المدينة ، و كان يعجبه أن يحضر طعامه اليتامى  و الأضراء و الزمنى و المساكين الذين ل حيلة لهم ، و كان يناولهم بيده .

و من كان : لهم منهم عيال حمله إلى عياله من طعامه .

و كان : لا يأكل طعاما حتى يبدأ فيتصدق بمثله .

و لقد كان : يسقط منه كل سنة سبع ثفنات ، من مواضع سجوده ، لكثرة صلاته ، و كان يجمعها .

فلما مات : دفنت معه .

و لقد كان : بكى على أبيه الحسين عليه السلام عشرين سنة .

و ما وضع : بين يديه طعام إلا بكى .

حتى قال له مولى له : يا ابن رسول الله أ ما آن لحزنك أن ينقضي ؟

 فقال له : ويحك إن يعقوب النبي عليه السلام كان له اثنا عشر ابنا ، فغيب الله عنه واحدا منهم ، فابيضت عيناه من كثرة بكائه عليه ، و شاب رأسه من الحزن ، و احدودب ظهره من الغم و، كان ابنه حيا في الدنيا .

و أنا نظرت : إلى أبي ، و أخي ، و عمي ، و سبعة عشر من أهل بيتي ، مقتولين حولي ، فكيف ينقضي حزني .

الخصال ج2ص517 ذكر23ح4 .



حديث آخر لأهم أحواله :

عن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام :

كان علي بن الحسين عليهما السلام :

 يصلي : في اليوم و الليلة ألف ركعة، و كانت الريح تميله بمنزلة السنبلة .

 و كان : إذا توضأ اصفر لونه .

فيقول له أهله : ما هذا الذي يغشاك ؟

فيقول: أتدرون لمن أتأهب للقيام بين يديه.

 و إذا قام إلى الصلاة : أخذته الرعدة، فقيل له فيه ؟

فقال : أتدري إلى من أقوم ، و من أريد أن أناجي .

 و حج ماشيا : فسار من المدينة إلى مكة في عشرين يوما، و لقد حج على راحلة عشر حجج، و على ناقته عشرين حجة ما فزعهما بسوط.

و كان يقرأ القرآن : فربما مر به المار يصعق من حسن صوته.

و قيل له : ما آن لحزنك أن ينقضي، فقال: شكى يعقوب إلى ربه من أقل مما رأيت حتى .

قال : يا أسفي إنه فقد ابنا واحدا، و أنا رأيت أبي و أخي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي .

و البكاؤون‏: آدم على فراق الجنة، و يعقوب عليه السلام، و يوسف عليه السلام، و فاطمة عليها السلام.

و علي بن الحسين عليهما السلام.

 و هو علي الثاني.

 و قيل له : ذي الثفنات ، لأن طول السجود أثر في مساجده و ثفناته ، و ثفنات البعير ما يقع على الأرض من أعضائه إذا استناخ و غلظ كالركبتين و غيرهما.

مجموعة نفيسة في تاريخ الأئمة عليهم السلام لعدة علماء ص 186 .



أحواله في شعبان :

قال الشيخ الصدوق في فضائل شعبان : قال الإمام أبو عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام سمعت أبي قال :

كان أبي زين العابدين عليه السلام : إذا هل شعبان ، جمع أصحابه .

فقال : معاشر أصحابي ، أ تدرون أي شهر هذا ، هذا شهر شعبان .

و كان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول:

شعبان : شهري ، ألا فصوموا فيه محبة لنبيكم ، و تقربا إلى ربكم .

فو الذي : نفس علي بن الحسين بيده ، لسمعت أبي الحسين بن علي يقول : سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول :

من صام شعبان : محبة نبي الله عليه السلام ، و تقربا إلى الله عز و جل .

أحبه الله عز و جل : و قربه من كرامته يوم القيامة ، و أوجب له الجنة .

فضائل‏ الأشهر الثلاثة ص61ح43 .

ويا طيب : له أحوال كثيرة في شهر محرم ورمضان وأدعيته ، نكتفي بهذ لنعرف أنه في غير شعبان أيضا في العبودية .



حزنه على الحسين وآله :

يا طيب : إن الإمام السجاد عليه السلام واكب أحداث كربلاء كلها ، وكان من رواة قصصها المؤلمة وأحوالها الصعبة وكان سيد موقفها بعد أبيه عليه السلام.

وذكرنا هذا مفصلا : في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام وبالخصوص الجزء الثامن والتاسع والعاشر ، ولذا ننقبل بعض أحواله :

عن الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال : بكى علي بن الحسين على أبيه حسين بن علي عشرين سنة ، أو أربعين سنة.

و ما وضع : بين يديه طعاما إلا بكى على الحسين .

حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين ؟

قال‏ عليه السلام : إنما أشكوا بثي و حزني إلى الله ، و أعلم من الله ما لا تعلمون‏ .

إني : لم أذكر مصرع بني فاطمة ، إلا خنقتني العبرة لذلك.

وفي كامل الزيارات : عن إسماعيل بن منصور عن بعض أصحابنا قال : أشرف مولى لعلي بن الحسين عليه السلام ، و هو في سقيفة له ساجد يبكي .

فقال له : يا مولاي ، يا علي‏ بن‏ الحسين‏ ، أ ما آن لحزنك أن ينقضي .

فرفع رأسه إليه و قال : ويلك أو ثكلتك أمك ، و الله لقد شك يعقوب‏ إلى ربه في أقل مما رأيت .

حتى قال‏ : { وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَى عَلَى يُوسُفَ  وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ (84) ‏ } يوسف ، أنه فقد ابنا واحدا .

و أنا رأيت : أبي و جماعة أهل بيتي يذبحون حولي .

قال و كان علي بن الحسين عليه السلام : يميل إلى ولد عقيل .

فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفر .

فقال : إني أذكر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي عليهم السلام ، فأرق لهم.

كامل الزيارات ص 107ب35ح1ح2.





البكاءون خمسة :

في أمال الصدوق والخصال : عن الإمام أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد عليه السلام قال :

البكاءون خمسة :

آدم : و يعقوب ، و يوسف عليهم السلام .

و فاطمة : بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

و علي بن الحسين عليه السلام .

فأما آدم : فبكى على الجنة ، حتى صار في خديه أمثال الأودية .

و أما يعقوب : فبكى على يوسف حتى ذهب بصره ، و حتى قيل له تالله تفتؤا تذكر يوسف حتى تكون حرضا ، أو تكون من الهالكين .

و أما يوسف : فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن ، فقالوا : إما أن تبكي بالنهار و تسكت بالليل ، و إما أن تبكي بالليل و تسكت بالنهار ، فصالحهم على واحد منهما .

و أما فاطمة بنت محمد صلى الله عليه وآله وسلم : فبكت على رسول الله حتى تأذى بها أهل المدينة .

و قالوا لها : قد آذيتنا بكثرة بكائك ، فكانت تخرج إلى المقابر مقابر الشهداء ، فتبكي حتى تقضي حاجتها ، ثم تنصرف .

و أما علي بن الحسين عليه السلام : فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة ، أو أربعين سنة ، و ما وضع بين يديه طعام إلا بكى .

حتى قال له مولى له : جعلت فداك يا ابن رسول الله ، إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين .

قال عليه السلام : إنما أشكو بثي و حزني إلى الله ، و أعلم من الله ما لا تعلمون ، إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة .

الأمالي ‏للصدوق ج140م29ح5 . الخصال ج1ص272ح15 . البكاء كان 34 سنة من كربلاء إلى شهادته ، والترديد من الراوي أو أراد توسط العشرين والأربعين ، ويضاف له بكائه في عبوديته قبل كربلاء فيكون البكاء أربعون سنة .

 

وقال في المناقب : أو قد ذكر في الحلية نحوه .

و قيل : إنه بكى حتى خيف على عينيه.

و كان : إذا أخذ إناء يشرب ماء بكى ، حتى يملأها دمعا .

فقيل له : في ذلك ؟

 فقال : و كيف لا أبكي ،و قد منع أبي من الماء الذي كان مطلق للسباع و الوحوش.

و قيل له : إنك لتبكي دهرك ، فلو قتلت نفسك لما زدت على هذ .

فقال : نفسي قتلتها ، و عليها أبكي .

المناقب ج4 ص166.





معجزات الإمام عليه السلام:

يا طيب : ذكرت كثير من الكرامات التي تحصل بدعائه أو حتى بمجرد وجدوه المبارك ، أو الأمور المعجزة التي يتحدى بها غيره ، فيجريها الله على يديه ليبرهن سبحانه إمامته وشأنه عنده ، وإن التدبر بنفس وجوده المبارك وعبوديته وطاعته لله وإخلاصه له هو معجزة عظيمة لا يطيقها أحد من البشر ، وكما سترى في مطاوي البحوث كثير منها ، ونذكر مختصر منها هنا :

مع أبو خالد الكابلي :

عن أبي الصباح الكناني : عن أبي جعفر عليه السلام قال :

سمعته يقول : خدم أبو خالد الكابلي علي بن الحسين عليهما السلام دهرا من عمره .

ثم إنه أراد : أن ينصرف إلى أهله ، فأتى علي بن الحسين عليه السلام ، فشكا إليه شدة شوقه إلى والديه .

فقال : يا أبا خالد ، يقدم غدا رجل من أهل الشام له قدر و مال كثير .

و قد أصاب : بنتا له عارض من أهل الأرض ، و يريدون أن يطلبو معالجا يعالجها .

فإذا أنت : سمعت قدومه ، فأته .

 و قل له : أنا أعالجها لك ، على أني أشترط عليك ، أني أعالجه على ديتها عشرة آلاف درهم ، فلا تطمئن إليهم ، و سيعطونك ما تطلب منهم .

فلما أصبحوا : قدم الرجل و من معه ، و كان رجلا من عظماء أهل الشام في المال و المقدرة .

فقال : أ ما من معالج يعالج بنت هذا الرجل ؟

 فقال له أبو خالد : أنا أعالجها على عشرة آلاف درهم ، فإن أنتم وفيتم وفيت لكم ، على ألا يعود إليها أبدا ، فشرطوا أن يعطوه عشرة آلاف درهم .

ثم أقبل : إلى علي بن الحسين عليه السلام فأخبره الخبر .

فقال عليه السلام : إني أعلم أنهم سيغدرون بك و لا يفون لك .

انطلق : يا أبا خالد ، فخذ بإذن الجارية اليسرى .

ثم قل : يا خبيث ، يقول لك علي بن الحسين اخرج من هذه الجارية ، و لا تعد .

ففعل : أبو خالد ما أمره ، و خرج منها ، فأفاقت الجارية .

فطلب أبو خالد : الذي شرطوا له فلم يعطوه ، فرجع مغتما كئيب .

قال له علي بن الحسين عليه السلام : ما لي أراك كئيبا يا أب خالد ، ألم أقل لك إنهم يغدرون بك ، دعهم فإنهم سيعودون إليك .

فإذا لقوك فقل لهم ، لست أعالجها حتى تضعوا المال على يدي علي بن الحسين عليه السلام ، فإنه لي و لكم ثقة .

فرضوا : و وضعوا المال على يدي علي بن الحسين .

فرجع : أبو خالد إلى الجارية ، و أخذ بإذنها اليسرى .

ثم قال : يا خبيث ، يقول لك علي بن الحسين عليهما السلام : اخرج من هذه الجارية ، و لا تعرض لها إلا بسبيل خير ، فإنك إن عدت أحرقتك بنار الله الموقدة الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ .

فخرج منها : و لم يعد إليها ، و دفع المال إلى أبي خالد فخرج إلى بلاده .

رجال‏ الكشي ص121ح193. المناقب ج4ص145.





الإمام والكوفي :

عن حماد بن حبيب الكوفي القطان قال : خرجنا سنة حجاجا فرحلن من زبالة ، فاستقبلتنا ريح سوداء مظلمة ، فتقطعت القافلة ، فتهت في تلك‏ البراري ، فانتهيت إلى واد قفر ، و جنني الليل ، فأويت إلى شجرة ، فلما اختلط الظلام ، إذا أنا بشاب عليه أطمار بيض .

قلت : هذا ولي من أولياء الله ، متى ما أحس بحركتي خشيت نفاره ، فأخفيت نفسي ، فدنا إلى موضع ، فتهيأ للصلاة ، و قد نبع له ماء ، ثم وثب قائم يقول :

يَا مَنْ حَازَ : كُلَّ شَيْ‏ءٍ مَلَكُوتاً ، وَ قَهَرَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ جَبَرُوتاً ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَوْلِجْ قَلْبِي فَرَحَ الْإِقْبَالِ إِلَيْكَ ، وَ أَلْحِقْنِي بِمَيْدَانِ الْمُطِيعِينَ لَكَ .

و دخل في الصلاة : فتهيأت أيضا للصلاة ، ثم قمت خلفه ، و إذ بمحراب مثل في ذلك الوقت قدامه ، و كلما مر بآية فيها الوعد و الوعيد يرددها بانتحاب و حنين .

فلما تقشع الظلام قام فقال :

يَا مَنْ قَصَدَهُ : الضَّالُّونَ ، فَأَصَابُوهُ مُرْشِداً ، وَ أَمَّهُ الْخَائِفُونَ فَوَجَدُوهُ مَعْقِلًا ، وَ لَجَأَ إِلَيْهِ الْعَائِدُونَ فَوَجَدُوهُ مَوْئِلًا ،  مَتَى رَاحَةُ مَنْ نَصَبَ لِغَيْرِكَ بَدَنَهُ ، وَ مَتَى فَرَحُ مَنْ قَصَدَ سِوَاكَ بِهِمَّتِهِ ، إِلَهِي قَدِ انْقَشَعَ الظَّلَامُ ، وَ لَمْ أَقْضِ مِنْ خِدْمَتِكَ وَطَراً ، وَ لَا مِنْ حِيَاضِ مُنَاجَاتِكَ صَدْراً ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ افْعَلْ بِي أَوْلَى الْأَمْرَيْنِ بِكَ .

و نهض : فتعلقت به ( فخفت أن يفوتني شخصه ، و أن يخفى علي أمره ، فتعلقت به فقلت : بالذي أسقط عنك ملاك التعب ، و منحك شدة لذيذ الرهب ، إلا ما لحقتني منك جناح رحمة ، و كنف رقة ، فإني ضال ) .

فقال : لو صدق توكلك ما كنت ضالا ، و لكن اتبعني و اقف أثري و أخذ بيدي ، فخيل إلي أن الأرض تميد من تحت قدمي ، فلما انفجر عمود الصبح .

 قال : هذه مكة .

فقلت : من أنت بالذي ترجوه .

فقال : أما إذا أقسمت فأنا علي بن الحسين ابن أبي طالب .

الخرائج و الجرائح ج‏1ص265ح9 . زبالة مدينة في طريق الحاج من الكوفة لمكة المكرمة ، فصلنا محلها في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، حين وصولها إليه عند ذهابه إلى كربلاء ، والطمر الثوب الخلق والمآل الملجأ تميد تحركت مهتزة . وم بين القوسين من المناقب ج4ص142 .






صاحب الدين والسمكة :

عن سفيان بن عيينة عن الزهري قال : كنت عند علي بن الحسين عليه السلام ، فجاءه رجل من أصحابه .

 فقال له علي بن الحسين عليه السلام : ما خبرك أيها الرجل ؟

فقال الرجل : خبري يا ابن رسول الله،  أني أصبحت و علي أربعمائة دينار دين ، لا قضاء عندي لها ، و لي عيال ثقال ليس لي ما أعود عليهم به .

قال : فبكى علي بن الحسين بكاء شديدا.

فقلت له : ما يبكيك يا ابن رسول الله ؟

فقال : و هل يعد البكاء إلا للمصائب و المحن الكبار ؟

قالوا : كذلك يا ابن رسول الله .

قال : فأية محنة و مصيبة أعظم على حر مؤمن ، من أن يرى بأخيه المؤمن خلة ، فلا يمكنه سدها ، و يشاهده على فاقة فلا يطيق رفعها .

قال فتفرقوا : عن مجلسهم ذلك .

فقال بعض المخالفين : و هو يطعن على علي بن الحسين ، عجب لهؤلاء ، يدعون مرة أن السماء و الأرض ، و كل شيء يطيعهم ، و أن الله لا يردهم عن شيء من طلباتهم ، ثم يعترفون أخرى بالعجز عن إصلاح خواص إخوانهم .

فاتصل ذلك : بالرجل صاحب القصة ، فجاء إلى علي بن الحسين ، فقال له : يا ابن رسول الله بلغني عن فلان كذا و كذا ، و كان ذلك أغلظ علي من محنتي .

فقال علي بن الحسين : فقد أذن الله في فرجك ، يا فلانة احملي سحوري و فطوري ، فحملت قرصتين .

 فقال علي بن الحسين : للرجل ، خذهما فليس عندنا غيرهما ، فإن الله يكشف عنك بهما ، و ينيلك خيرا واسعا منهما ، فأخذهما الرجل و دخل السوق لا يدري ما يصنع بهما ، يتفكر في ثقل دينه و سوء حال عياله ، و يوسوس إليه الشيطان أين مواقع هاتين من حاجتك .

فمر بسماك : قد بارت عليه سمكته ، قد أراحت .

فقال له سمكتك : هذه بائرة عليك ، و إحدى قرصتي هاتين بائرة علي ، فهل لك أن تعطيني سمكتك البائرة ، و تأخذ قرصتي هذه البائرة .

فقال : نعم ، فأعطاه السمكة و أخذ القرصة .

ثم مر برجل : معه ملح قليل مزهود فيه .

فقال له : هل لك أن تعطيني ملحك هذا المزهود فيه بقرصتي هذه المزهود فيها .

قال : نعم ، ففعل ، فجاء الرجل بالسمكة و الملح .

فقال : أصلح هذا بهذا ، فلما شق بطن السمكة ، وجد فيه لؤلؤتين فاخرتين ، فحمد الله عليهما ، فبينما هو في سروره ذلك ، إذ قرع بابه ، فخرج ينظر من بالباب فإذا صاحب السمكة وصاحب الملح ـ قد جاءا .

 يقول كل واحد منهما له : يا عبد الله جهدنا أن نأكل نحن أو أحد من عيالنا هذا القرص فلم تعمل فيه أسناننا ، و ما نظنك إلا و قد تناهيت في سوء الحال ، و مرنت على الشقاء ، قد رددنا إليك هذا الخبز ، و طيبنا لك ما أخذته منا ، فأخذ القرصتين منهما ، فلما استقر بعد انصرافهما عنه .

 قرع بابه : فإذا رسول علي بن الحسين  فدخل .

فقال إنه يقول لك : إن الله قد أتاك بالفرج ، فاردد إلين طعامنا ، فإنه لا يأكله غيرنا .

و باع الرجل : اللؤلؤتين ، بمال عظيم ، قضى منه دينه ، و حسنت بعد ذلك حاله .

فقال بعض المخالفين : ما أشد هذا التفاوت ، بينا علي بن الحسين ، لا يقدر أن يسد منه فاقة ، إذ أغناه هذا الغناء العظيم ، كيف يكون هذا ، و كيف يعجز عن سد الفاقة من يقدر على هذا الغناء العظيم .

فقال علي بن الحسين عليه السلام : هكذا قالت قريش للنبي ،  كيف يمضي إلى بيت المقدس ، و يشاهد ما فيه‏ من آثار الأنبياء من مكة ، و يرجع إليه في ليلة واحدة ، من لا يقدر أن يبلغ من مكة إلى المدينة إلا في اثني عشر يوما .

و ذلك : حين هاجر منها .

ثم قال علي بن الحسين عليه السلام : جهلوا و الله أمر الله ، و أمر أوليائه معه ، إن المراتب الرفيعة لا تنال إلا بالتسليم لله جل ثناؤه ، و ترك الاقتراح عليه ، و الرضا بما يدبرهم به .

إن أولياء الله : صبروا على المحن و المكاره ، صبرا لم يساوهم فيه غيرهم ، فجازاهم الله عز و جل عن ذلك ، بأن أوجب لهم نجح جميع طلباتهم ، لكنهم مع ذلك لا يريدون منه إلا ما يريده لهم .

الأمالي للصدوق ص 453م69ح3 . والزهري من العامة محسوب على بني أمية ومختص بهم .






تفكره في فتنة ابن الزبير :

عن أبي حمزة الثمالي : عن علي بن الحسين عليه السلام قال :

خرجت : حتى انتهيت إلى هذا الحائط ، فاتكأت عليه ، فإذا رجل عليه ثوبان أبيضان ينظر في تجاه وجهي .

ثم قال : يا علي بن الحسين ما لي أراك كئيبا حزينا ، أ على الدنيا حزنك ؟ فرزق الله حاضر للبر و الفاجر ؟

قال قلت : ما على هذا أحزن ، و إنه لكما تقول .

قال : فعلى الآخرة ؟ فهو وعد صادق يحكم فيه ملك قاهر .

قال قلت : و لا على هذا أحزن ، و إنه لكما تقول .

قال : فعلام حزنك ؟

قال قلت : أتخوف من فتنة ابن الزبير،  فضحك ثم قال : يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا قط توكل على الله فلم يكفه ؟ قلت : لا .

قال : يا علي بن الحسين ، هل رأيت أحدا قط خاف الله فلم ينجه ؟ قلت : لا ، قال : يا علي بن الحسين هل رأيت أحدا قط قد سأل الله فلم يعطه ، قلت : لا .

ثم نظرت : فإذا ليس قدامي أحد .

الإرشاد ج2ص148.






الإمام يفك قيده :

قال بن شهر آشوب رحمه الله : في حلية الأولياء و وسيلة المل و فضائل أبي السعادات ، بالإسناد عن ابن شهاب الزهري قال :

شهدت علي بن الحسين عليه السلام : يوم حمله عبد الملك بن مروان من المدينة إلى الشام ، فأثقله حديدا و وكل به حفاظا في عدة و جمع ، فاستأذنتهم في التسليم عليه و التوديع له ، فأذنوا ، فدخلت عليه و الأقياد في رجليه و الغل في يديه .

فبكيت و قلت : وددت أني مكانك و أنت سالم .

فقال : يا زهري ، أ و تظن هذا بما ترى علي و في عنقي يكربني ، أما لو شئت ما كان ، فإنه و إن بلغ بك و من أمثالك ليذكرني عذاب الله ، ثم أخرج يديه من الغل و رجليه من القيد .

ثم قال يا زهري : لأجزت معهم على ذا منزلتين من المدينة ، فما لبثنا إلا أربع ليال حتى قدم الموكلون به يطلبونه بالمدينة ، فما وجدوه ، فكنت فيمن سألهم عنه .

فقال لي بعضهم : إنا نراه متبوعا ، إنه لنازل و نحن حوله ل ننام نرصده ، إذ أصبحنا فما وجدنا بين محمله إلا حديدة .

فقدمت : بعد ذلك على عبد الملك فسألني عن علي بن الحسين ، فأخبرته.

فقال : إنه قد جاءني في يوم فقده الأعوان ، فدخل علي .

فقال : ما أنا و أنت ؟

فقلت : أقم عندي .

فقال : لا أحب ، ثم خرج ، فو الله لقد امتلأ ثوبي منه خيفة .

قال الزهري فقلت : ليس علي بن الحسين حيث تظن ، أنه مشغول بنفسه .

فقال : حبذا شغل مثله ، فنعم ما شغل به.

المناقب ج4ص132.

يا طيب : لا يعارض أنه ذهب مقيد إلى الشام في زمن الطاغية يزيد ، وهنا حل قيده ، فإنه في كربلاء أراد الله أن يعرف شدة ضلال أعداءه وقسوتهم على الله ورسوله ودينه وعدم حرمة شيء من عهود الإسلام ومواثيق الهدى الدين ، وإنهم أخذوهم أسرى سبايا بجمع عرفه كل المسلمون ، فتبين لهم صبر أهل البيت وثباتهم على الحق ، وشدة ضلال أعداء آل محمد وقسوتهم ، كما أن الإمام حل قيده ودفن شهداء كربلاء ورجع ليبين مظلوميته ، وفي هذه القصة لم تكن ضرورة ليبقى في القيد.






قصص مع أهل بيته :

يا طيب : قصصه مع أهل بيته في كربلاء وما بعدها كثيرة ، ذكرنا قسم وافر منها في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فيمكن مراجعة الأجزاء بعد كربلاء ، فترى أحواله وخطبه ، وهنا نذكر ما بعد رجوعه من الشام.

تذكره لعمه العباس :

عن علي بن سالم عن أبيه عن ثابت بن أبي صفية قال :

نظر سيد العابدين : علي بن الحسين عليه السلام إلى عبيد الله بن عباس بن علي بن أبي طالب فاستعبر .

ثم قال : ما من يوم أشد على رسول الله صلى الله عليه وآله من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله و أسد رسوله ، و بعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب .

ثم قال عليه السلام : و لا يوم كيوم الحسين عليه السلام ، ازدلف عليه ثلاثون ألف رجل ، يزعمون أنهم من هذه الأمة ، كل يتقرب إلى الله عز و جل بدمه ، و هو بالله يذكرهم فلا يتعظون ، حتى قتلوه بغيا و ظلما و عدوانا .

ثم قال عليه السلام : رحم الله العباس ، فلقد آثر و أبلى ، و فدى أخاه بنفسه ، حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عز و جل‏ بهما جناحين يطير بهم مع الملائكة في الجنة ، كما جعل لجعفر بن أبي طالب .

و إن للعباس : عند الله تبارك و تعالى منزلة ، يغبطه بها جميع الشهداء يوم القيامة .

الأمالي للصدوق ص458م71ح10 .






كلام المعرفة مع ابنه زيد :

عن عمرو بن خالد عن زيد بن علي قال : سألت أبي سيد العابدين عليه السلام ، فقلت له :

 يا أبت : أخبرني عن جدنا رسول الله لما عرج به إلى السماء ، و أمره ربه عز و جل بخمسين صلاة  ، كيف لم يسأله التخفيف عن أمته حتى قال له موسى بن عمران عليه السلام ، ارجع إلى ربك فسله التخفيف ، فإن أمتك لا تطيق ذلك .

فقال : يا بني ، إن رسول الله ص لا يقترح على ربه عز و جل و لا يراجعه في شيء يأمره به ، فلما سأله موسى عليه السلام ذلك و صار شفيعا لأمته إليه لم يجز له رد شفاعة أخيه موسى ، فرجع إلى ربه يسأله التخفيف إلى أن ردها إلى خمس صلوات .

قال فقلت له : يا أبت ، فلم لم يرجع إلى ربه عز و جل و لم يسأله التخفيف من خمس صلوات ، و قد سأله موسى أن يرجع إلى ربه و يسأله التخفيف ؟

فقال يا بني : أراد صلى الله عليه وآله أن يحصل لأمته التخفيف مع أجر خمسين صلاة ، لقول الله عز و جل : { مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا (160) } الأنعام ، أ لا ترى أنه صلى الله عليه وآله وسلم لما هبط إلى الأرض .

نزل عليه جبرئيل فقال : يا محمد إن ربك يقرئك السلام ، و يقول : إنها خمس بخمسين { مَا  يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ (29)} ق.

قال فقلت له : يا أبت ، أ ليس الله تعالى ذكره لا يوصف بمكان ؟

فقال : بلى ، تعالى الله عن ذلك .

فقلت : فما معنى قول موسى لرسول الله ، أرجع إلى ربك ؟

فقال : معناه ، معنى قول إبراهيم عليه السلام :‏ { إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) ‏} الصافات ، و معنى قول موسى عليه السلام : { وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى (84)  } طه، و معنى قوله عز و جل‏ : { فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ (50) } الذاريات ، يعني حجوا إلى بيت الله .

يا بني : إن الكعبة بيت الله ، فمن حج بيت الله ، فقد قصد إلى الله ، و المساجد بيوت الله ، فمن سعى إليها فقد سعى إلى الله و قصد إليه ، و المصلي ما دام في صلاته ، فهو واقف بين يدي الله جل جلاله ، و أهل موقف عرفات هم وقوف بين يدي الله عز و جل .

و إن لله تبارك و تعالى : بقاعا في سماواته ، فمن‏ عرج به إلى بقعة منها ، فقد عرج به إليه ، أ لا تسمع الله عز و جل يقول : { تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ (4)‏ } المعارج، و يقول عز و جل في قصة عيسى عليه السلام : { بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ (158)} النساء، و يقول عز و جل : { إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ (10)} فاطر.

الأمالي للصدوق ص458م71ح6 .






قضائه دين أبيه الحسين :

و روي عن جعفر بن محمد أنه قال : أصيب الحسين عليه السلام و عليه دين بضع و سبعون ألف دينار .

قال : و كفّ يزيد عن أموال الحسين عليه السلام ، غير أن سعيد بن العاص هدم دار علي بن أبي طالب و دار عقيل و دار الرباب بنت امرئ القيس ، و كانت تحت الحسين، و هي أم سكينة.

قال: و اهتمّ أبي علي بن الحسين عليه السلام : بدين أبيه هم شديدا،  حتى امتنع من الطعام و الشراب و النوم في اكثر أيامه و لياليه .

فأتاه آت في المنام فقال له : لا تهتمّ بدين أبيك فقد قضاه اللّه بمال بجيش.

 فقال علي له : و اللّه ما أعرف في أموال أبي مالا يقال له: بجيش .

فلما كان : في الليلة الثانية رأى مثل ذلك ، فسأل عنه أهله .

فقالت له امرأة من أهله : كان لأبيك عبد رومي يقال له بجيش ، استنبط له عينا بذي خشب ، فسأل عن ذلك ، فأخبر به ، و أن الحسين كان قد أعطى الرباب بنت امرئ القيس منها سقي يوم السبت و ليلة السبت نحلة ، فورثت ذلك سكينه بنتها .

فما مضت بعد ذلك :  قلائل ، حتى أرسل الوليد بن عتبه بن أبي‏ سفيان الى علي بن الحسين عليه السلام ، يقول له : انه ذكرت لي عين أبيك بذي خشب تعرف بجيش ، فان أحببت بيعها ابتعتها منك .

قال له علي بن الحسين عليه السلام : خذها بدين الحسين عليه السلام ، و ذكر له . قال : أخذتها .

و استثنى منها : ما كان لسكينة .

 و أوفى : دين الحسين عليه السلام .

شرح الأخبار ج‏3ص269ح1173 .






أستجاب الله دعاء الإمام :

وقال القاضي النعمان : و كان علي بن الحسين عليه السلام يدعو في كل يوم و ليلة أن يريه اللّه قاتل أبيه مقتولا .

 فلما قتل المختار : قتلة الحسين عليه السلام ، بعث برأس عبيد اللّه بن زياد و رأس عمر بن سعد ، مع رسول من قبله الى علي بن الحسين عليه السلام .

 و قال لرسوله : إنه يصلّي من الليل ، فإذا أصبح و صلّى الغداة هجع‏ (نام) ثم يقوم فيستاك‏ ، يؤتى بغذائه ، فاذا أتيت بابه ، فاسأل عنه ، فاذ قيل لك إن المائدة وضعت بين يديه ، فاستأذن عليه ، وضع الرأسين على مائدته‏ .

و قل له : المختار يقرئ عليك السلام .

و يقول لك : يا ابن رسول اللّه قد بلغك اللّه ثارك.

ففعل الرسول ، ذلك .

فلما رأى علي بن الحسين : رأسين على مائدته‏ ، خرّ للّه ساجد .

 و قال : الحمد للّه الذي أجاب دعائي‏ ، و بلغني ثاري من قتلة أبي .

و دعا للمختار : و جزاه خيرا  .

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام ج3ص269 وعنه في المناقب ج 4ص 144 .

وذكر محقق شرح الأخبار في الهامش : المختار : هو بن أبي عبيدة مسعود الثقفي ، كنيته : أبو إسحاق ، ولد في السنة الاولى للهجرة ، و هو من أهل الطائف ، انتقل منها الى المدينة مع أبيه في زمن عمر، و توجه أبوه إلى العراق ، فاستشهد بوم الجسر ، و بقى المختار في المدينة منقطعا الى بني هاشم و عمه سعد بن مسعود الثقفي أمير المدائن ، و سكن البصرة .

 و لما قتل الحسين عليه السلام : قبض عليه ابن زياد أمير البصرة و نفاه بشفاعة عبد اللّه بن عمر زوج اخت المختار إلى الطائف، و لما مات يزيد بن معاوية رجع الى العراق و دخل الكوفة و قتل قتلة الحسين عليه السلام ، قاتله مصعب بن الزبير، فقتله .

تاريخ الطبري ج7ص146، الحور العين ص 182، الكامل ج3ص404 .

و عن الامام الباقر عليه السلام : لا تسبوا المختار ، فإنه قتل قتلتنا و طلب ثارنا و زوّج أراملنا ، و قسّم فيئنا .

بحار الأنوار ج10ص283 .

 قالت فاطمة بنت أمير المؤمنين عليه السلام : ما تحنأت امرأة منا و لا أجالت في عينها مرودا، و لا امتشطت حتى بعث المختار برأس عبيد اللّه بن زياد .

و قال الكشي في رجاله ص 115: و صفوة القول في شأن المختار: كان رجل صادقا في أخذه لثار الحسين عليه السلام.

وأما عمر بن سعد بن أبي وقاص : أرسله عبيد اللّه بن زياد على أربعة آلاف لقتال الديلم ، و كتب له عهده على الري .

 ثم لما علم ابن زياد : بمسير الحسين عليه السلام من مكة الى الكوفة ، كتب الى عمر بن سعد أن يعود بمن معه ، فولاه قتال الحسين عليه السلام، فاستعفاه أولا ، ثم أطاع ، فكانت الفاجعة بمقتل الحسين عليه السلام ، و عاش الى أن خرج المختار فقتل بيده .

طبقات ابن سعد ج5ص935، والكامل ج4ص31 .






الإمام مع عمه :

 و روى هارون بن موسى قال حدثنا عبد الملك بن عبد العزيز :

قال لما ولى : عبد الملك بن مروان الخلافة رد إلى علي بن الحسين صدقات رسول الله و علي بن أبي طالب صلى الله عليهم وسلم ، و كانتا مضمومتين .

فخرج عمر بن علي : إلى عبد الملك يتظلم إليه من نفسه .

فقال : عبد الملك أقول ، كما قال ابن أبي الحقيق :

إنا إذا مالت دواعي الهوى _ و أنصت السامع للقائل‏

و اصطرع الناس بألبابهم _ نقضي بحكم عادل فاصل‏

لا نجعل الباطل حقا و لا _ نلظ دون الحق بالباطل‏

نخاف أن نسفه أحلامنا _ فنخمل الدهر مع الخامل‏

  الإرشاد ج2ص149.

يا طيب : الظاهر يتظلم من نفسه ، من ضيق المعيشة ، لأنه رأى في خير على أبن أخيه برد فدك ، فكان يتوقع أن يعطيه من فيئهم وحق بني هاشم ، ل أنه يشتكي الإمام الحسين عليه ، وإن ذكرت القصة في حياة الإمام زين العابدين عليه السلام ، ولكن الحاكم لم يفهمه فتمثل بشعر .






الإمام وابن عمه :

عن عيسى بن عبد الله قال : احتضر عبد الله ، فاجتمع عليه غرماؤه فطالبوه بدين لهم ، فقال : لا مال عندي فأعطيكم ، و لكن أرضوا بما شئتم من أبني عمي علي بن الحسين عليه السلام ، و عبد الله بن جعفر .

فقال الغرماء : عبد الله بن جعفر ملي مطول .

 و علي بن الحسين عليه السلام : رجل‏ لا مال له صدوق ، و هو أحبهم إلينا ، فأرسل إليه ، فأخبره الخبر .

فقال عليه السلام : أضمن لكم المال إلى غلة ، و لم تكن له غلة تجملا .

 فقال القوم : قد رضينا ، و ضمنه ، فلما أتت الغلة أتاح الله عز و جل له المال فأداه . الكافي ج5ص97ح7 . ابن عمه عبدالله بن الحسن عليه السلام . وملي يعني غني ، ومطول إما ذي طول وكثرة مال أو يسوف وهذا بعيد ، ولكن حبهم للإمام ، لم تكن له غلة أي مال زرع فعلا ، وإنما حين حصلت أعطاهم .






قضاء دين زيد بن اسامه :

و عمرو بن دينار قال : حضرت زيد بن أسامة بن زيد الوفاة ، فجعل يبكي.

 فقال له علي بن الحسين عليه السلام : ما يبكيك ؟

قال : يبكيني أن علي خمسة عشر ألف دينار ، و لم أترك لها وفاء .

فقال له علي بن الحسين عليه السلام : لا تبك ، فهي علي ، و أنت منها بري‏ء ، فقضاها عنه .

  الإرشاد ج2ص149.






حب خادم الإمام له :

روي عن سعيد بن المسيب قال : قحط الناس يمينا و شمالا ، فمددت عيني فرأيت شخصا أسود على تل قد انفرد ، فقصدت نحوه فرأيته يحرّك شفتيه ، فلم يتمّ دعاءه حتى أقبلت غمامة ، فلما نظر إليها حمد اللّه و انصرف ، و أدركنا المطر حتى ظنناه الغرق.

 فاتبعته : حتى دخل دار علي بن الحسين عليه السّلام ، فدخلت إليه .

فقلت له : يا سيدي في دارك غلام أسود تفضّل علي بيعه .

فقال : يا سعيد و لم لا يوهب لك ؟

ثم أمر القيم : على غلمانه يعرض كلّ من في الدار عليه ، فجمعو فلم أر صاحبي بينهم.

فقلت : فلم أره .

 فقال : انّه لم يبق إلّا فلان السائس ، فأمر به فأحضر ، فاذ هو صاحبي .

فقلت له : هذا هو .

فقال له : يا غلام ان سعيدا قد ملكك فامض معه .

فقال لي الأسود : ما حملك على ان فرّقت بيني و بين مولاي ؟

فقلت له : اني رأيت ما كان منك على التل .

فرفع يده الى السماء مبتهلا ثم قال : ان كانت سريرة ما بينك و بيني قد أذعتها عليّ ، فاقبضني إليك .

فبكى علي بن الحسين : و بكى من حضره ، و خرجت باكيا .

 فلما صرت الى منزلي : وافاني رسوله .

فقال لي : ان أردت أن تحضر جنازة صاحبك فافعل .

فرجعت معه : و وجدت العبد قد مات بحضرته.

اثبات الوصية ص174.

يا طيب : وهناك قصص أخرى إن شاء الله نذكرها في مستقبل الأيام إن رزقنا الله عمرا.






الإمام مع أهل زمانه :

قصص الإمام عليه السلام : مع أهل زمانه كثيرة ، ونذكر منه ما تيسر :

موعظة الإمام للزهري :

وقال النعمان المغربي : و قيل : إن الزهري‏ قارف ذنبا فخاف منه على نفسه ، فاستوحش من الناس ، و هام على وجهه .

 فلقيه علي بن الحسين عليه السلام فقال له : يا زهري ، لقنوطك من رحمة اللّه التي وسعت كل شيء ، أعظم من الذنب الذي خشيت منه على نفسك .

فسكن الزهري : الى قوله .

 و قال : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته .

 ثم وعظه علي بن الحسين عليه السلام : بمواعظ ، و تلا عليه آيات من القرآن‏ فيما قاربه في التوبة و الاستغفار.  

فتاب و استغفر : و رجع الى أهله، و لزم علي بن الحسين عليه السلام، و كان يعدّ من أصحابه ، و كان يروي عنه و يحدث بفضله.

و كذلك قال له بعض بني مروان: يا زهري ما فعل نبيك ؟

 يعني : علي بن الحسين عليه السلام ، لما كان يرفع‏ به الزهري و يذكر من فضله .

شرح الأخبار ج3ص259ح1159 ، وقال محقق الكتاب في الهامش : الزهري بالضم و سكون الهاء، و هو محمد بن عبيد اللّه بن شهاب الزهري، ولد سنة 58 ه، و هو من فقهاء المدينة و من التابعين و كان مع عبد الملك بن مروان و مع ابنه هشام، و استقصاه يزيد بن عبد الملك ، و كان يبغض عليا و ينال منه، قال السيد ابن طاوس : إنه عدوّ منهم و توفي سنة 135 ه ..

روى الزهري عن عائشة، قالت: كنت عند النبي إذ أقبل العباس و علي، فقال: يا عائشة: إن سرك أن تنظري الى رجلين من أهل النار فانظري الى هذين قد طلعا، فنظرت فاذا هما العباس و علي بن أبي طالب شرح النهج ج1ص355 ، و توفي سنة 135 ه و دفن في ضيعة خلف وادي القرى تسمى سغب. معجم البلدان ج5ص277 .






يحاولون أثارة الفتنة عليه :

وعن سفيان بن عيينة قال : قيل للزهري من أزهد الناس في الدني ؟

قال : علي بن الحسين حيث كان .

و قد قيل له : فيما بينه و بين محمد ابن الحنفية من المنازعة في صدقات علي بن أبي طالب ، لو ركبت إلى الوليد بن عبد الملك ركبة ، لكشف عنك من غرر شره و ميله عليك بمحمد ، فإن بينه و بينه خلة .

قال : و كان هو بمكة و الوليد بها .

فقال : ويحك أ في حرم الله أسأل غير الله عز و جل ، إني آنف أن أسأل الدنيا خالقها ، فكيف أسألها مخلوقا مثلي ؟

و قال الزهري : لا جرم أن الله تعالى ألقى هيبته في قلب الوليد حتى حكم له على محمد ابن الحنفية .

علل الشرائع ج‏1ص230ب165ح3 .






شدة مداراته :

عن سفيان بن عيينة قال : قلت للزهري لقيت علي بن الحسين ؟

 قال : نعم لقيته ، و ما لقيت أحدا أفضل منه .

و الله : ما علمت له صديقا في السر ، و لا عدوا في العلانية .

فقيل له : و كيف ذلك ؟

قال : لأني لم أر أحدا  و إن كان يحبه  ، إلا و هو لشدة معرفته بفضله يحسده ، و لا رأيت أحدا  و إن كان يبغضه ، إلا و هو لشدة مداراته له يداريه .

علل الشرائع ج‏1ص229ب165ح4 .






الإمام يستقرض بهدبه :

عن العباس بن عيسى قال : ضاق على علي بن الحسين عليه اسلام ضيقة ، فأتى مولى له ، فقال له : أقرضني عشرة آلاف درهم إلى ميسرة .

فقال : لا ، لأنه ليس عندي ، و لكن أريد وثيقة .

قال : فشق له من ردائه هدبة .

فقال له : هذه الوثيقة ، قال : فكأن مولاه كره ذلك .

فغضب و قال : أنا أولى بالوفاء أم حاجب بن زرارة ـ فقال : أنت أولى‏ بذلك منه .

فقال : فكيف صار حاجب يرهن قوسا ، و إنما هي خشبة على مائة حمالة ، و هو كافر فيفي ، و أنا لا أفي بهدبة ردائي .

قال : فأخذها الرجل منه و أعطاه الدراهم ، و جعل الهدبة في حق .

 فسهل الله عز و جل : له المال فحمله إلى الرجل .

ثم قال له : قد أحضرت مالك ، فهات وثيقتي .

فقال له : جعلت فداك ضيعتها .

فقال : إذن لا تأخذ مالك مني ، ليس مثلي من يستخف بذمته .

قال : فأخرج الرجل الحق ، فإذا فيه الهدبة.

فأعطاه : علي بن الحسين عليه اسلام الدراهم ، و أخذ الهدبة ، فرمى بها و أنصرف.

الكافي ج5ص96ح6 . هدبة خيط من الثوب ، و قال الفيروزآبادي في مادة القوس كتابه القاموس : حاجب بن زرارة : أتى كسرى في جدب أصابهم بدعوة النبي صلى الله عليه و سلم يستأذنه لقومه أن يصيروا في ناحية من بلاده حتى يحيوا .

 فقال : إنكم معاشر العرب غدر حرص ، فإن أذنت لكم أفسدتم البلاد و أغرتم على العباد،  قال حاجب: إني ضامن للملك أن لا يفعلوا .

 قال: فمن لي بأن تفي ؟

قال : أرهنك قوسي ، فضحك من حوله ، فقال كسرى : م كان ليسلمها أبدا ، فقبلها منه و اذن لهم ، ثم احيى الناس بدعوة النبي صلى الله عليه و سلم

 و قد مات حاجب :  فارتحل عطارد أبنه رضي الله عنه إلى كسرى يطلب قوس أبيه ، فردها عليه و كساه حلة .

 فلما رجع : أهداها للنبي صلى الله عليه و سلم فلم يقبله ، فباعها من يهودي بأربعة آلاف درهم . و الحمالة بالفتح: ما يتحمله عن القوم من الغرامة و بالكسر: علاقة السيف كالمحمل و الجمع حمائل.






الإمام مع الحكام :

يا طيب : تفصيل رواياته ومواقفه في كربلاء ومع ابن زياد في الكوفة ومسيره للشام وأحواله في كربلاء والكوفة ودمشق ومع طاغية زمانه يزيد ورواياته ، ذكرناها في صحيف الإمام الحسين عليه السلام ، فراجعها فيه ، وهذه بعض أحوال الإمام مع حكام زمانه في المدينة المنورة :

مختصر حياته مع الحكام :

قال المسعودي رحمه الله : و كان يسمّى عليه السّلام سيّد العابدين ‏؛ لأنّه روي انّه كان يصلّي في اليوم و الليلة ألف ركعة .

و حضر يوم الطف : مع أبيه عليه السلام ، و كان عليلا به بطن قد سقط عنه الجهاد ، فلما قرب استشهاد أبي عبد اللّه عليه السّلام دعاه و أوصى إليه و أمره أن يتسلّم ما خلّفه عند أم سلمة رحمها اللّه ، مع مواريث الأنبياء و السلاح و الكتاب .

فلما استشهد : حمل علي بن الحسين عليه السلام مع الحرم ، و أدخل على اللعين يزيد ، و كان لابنه‏ أبي جعفر عليه السّلام سنتان و شهور ، فأدخل معه .

فلما رآه يزيد قال له : كيف رأيت يا علي بن الحسين صنع اللّه ؟

قال : رأيت ما قضاه اللّه عز و جل قبل أن يخلق السماوات و الأرض.

فشاور يزيد : جلساءه في أمره .

 فأشاروا : بقتله ، و قالوا له : لا تتخذ من كلب سوء جروا.

فابتدر أبو محمّد عليه السلام : الكلام ، فحمد اللّه و أثنى عليه ، ثم قال ليزيد ، لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار جلساء فرعون عليه ، حيث شاورهم في موسى و هارون ، فانّهم قالوا له : أرجه و أخاه ، و قد أشار هؤلاء عليك بقتلنا ، و لهذا سبب .

فقال يزيد : و ما السبب ؟

فقال : ان أولئك كانوا لرشدة و هؤلاء لغير رشدة ، و لا يقتل الأنبياء و أولادهم إلّا أولاد الأدعياء .

فأمسك : يزيد مطرقا ، ثم أمر بإخراجهم على ما قص و روي

فاستخفى : علي بن الحسين عليه السّلام بالإمامة مع من اتّبعه من المؤمنين.

و في السنة الثالثة من إمامته : مات يزيد اللعين ، و بويع لابنه معاوية بن يزيد ، فأقام في الملك ثلاثة أشهر و مات ، ثم كانت فتنة ابن الزبير بالحجاز في سنة أربع و ستين و كانت مدّتها تسع سنين .

و في سنة اثني عشر من إمامة علي بن الحسين : بويع اللعين طريد رسول اللّه و ابن طريده و لعينه و ابن لعينه الأزيرق مروان بن الحكم بن أبي العاص، فاستخفى في أيامه المؤمنون ، و صعب الزمان و اشتد على أهله ، و كانت الشيعة تطلب في أقطار الأرض .. تهدر دماؤهم و أموالهم .

و أظهروا : لعن أمير المؤمنين عليه السّلام على منابرهم ، و أقام لعنه اللّه في ملكه عشرة أشهر و أياما ثم توفي .

و بويع : ابنه عبد الملك بن مروان ، فقلّد عبد الملك الحجاج بن يوسف خلافته على العراقين ، ثم كتب إليه :

 بسم اللّه الرحمن الرحيم ، أما بعد ، فانظر في دماء بني عبد المطلب فاحقنها ، و احذر سفكها و تجنبها ، فإني رأيت آل أبي سفيان لمّا و لغو فيها لم يلبثوا إلّا قليلا حتى اخترموا.

و أنفذ الكتاب : سرّا من كلّ قريب و بعيد و خاص به و عام ، الى الحجاج و أمره أن يكتمه .

قال العالم : فكتب إليه علي بن الحسين عليهما السّلام في ذلك اليوم من ذلك الشهر : بسم اللّه الرحمن الرحيم. من علي بن الحسين الى عبد الملك بن مروان.

أما بعد : فانّك كتبت في ساعة كذا من يوم كذا في شهر كذا الى الحجاج بن يوسف ، بكذا و كذا و كذا ، و ان اللّه عز و جل قد عرف ذلك لك و أمهلك في ملكك و زاد فيه برهة من دهرك.

و طوى الكتاب : و أنفذه إليه .

 فلما قرأه عبد الملك : اشتدّ سروره ، فأوقر راحلة الرسول عينا و ورقا.

و كانت مدّة عبد الملك  نيفا و عشرين سنة ثم مات .

و بويع : لابنه الوليد في سنة ست و ثمانين من الهجرة ، و ذلك في سنة ست و عشرين من إمامة أبي محمّد علي بن الحسين عليه السّلام .

اثبات الوصية ص170.






الإمام والسفاح مسرف :

وقال القاضي النعمان : و انتهى الى علي بن الحسين عليه السلام ، أن مسرفا استعمل على‏ المدينة ، و أنه يتواعده بسوء .

 و كان يقول عليه السلام : لم أر مثل التقدم في الدعاء له ، لأن العبد ليس يحضره الاجابة في كل وقت‏ ، فجعل يكثر من الدعاء لما اتصل به عن مسرف.

و كان من دعائه :

رَبِّ : كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ أَنْعَمْتَ بِهَا عَلَيَّ ، قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا شُكْرِي ، وَ كَمْ مِنْ بَلِيَّةٍ ابْتَلَيْتَنِي بِهَا  قَلَّ لَكَ عِنْدَهَا صَبْرِي ، فَيَا مَنْ قَلَّ عِنْدَ نِعْمَتِهِ شُكْرِي  فَلَمْ يَحْرِمْنِي ، وَ قَلَّ عِنْدَ بَلَائِهِ صَبْرِي  فَلَمْ يَخْذُلْنِي ، يَا ذَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي لَا يَنْقَطِعُ أَبَداً ، وَ يَا ذَا النَّعْمَاءِ الَّتِي لَا تُحْصَى عَدَداً ، صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ ادْفَعْ عَنِّي شَرَّهُ ، فَإِنِّي أَدْرَأُ بِكَ فِي نَحْرِهِ ، وَ أَسْتَعِيذُ بِكَ مِنْ شَرِّهِ .

 

فلما قدم مسرف الى المدينة : أرسل الى علي بن الحسين و عنده مروان بن الحكم ، و قد علم ما ذكره من وعيده ، فجعل يغريه به ، فلما دخل عليه ، قام إليه ، فاعتنقه و قبّل رأسه ، و أجلسه الى جانبه ، و أقبل عليه بوجهه ليسأله عن حاله و أحوال أهله .

 فلما رأى ذلك : مروان ، جعل يثني على علي بن الحسين عليه السلام و يذكر فضله.

فقال مسرف : دعني عن كلامك ، فاني إنما فعلت ما فعلت من بره و اكرامه و قضاء حوائجه ، ما قد أمرني به أمير المؤمنين .

ثم قال لعلي بن الحسين عليه السلام : إنما جعلت الاجتماع معك لما سبق إليك عني ، لأن لا تستوحش مني ، و أنا احب الاجتماع معك و الانس بك ، و التبرك بقربك ، و النظر فيما تحب من صلتك و برك و أنا على ذلك ، لكني أخاف أن يستوحش أهلك إن طال عندي مقامك ، فانصرف إليهم ليسكنوا و يعلموا و يعلم الناس مالك عند أمير المؤمنين و عندي من الجميل .

ثم قال : قدّموا دابته .

قالوا : ماله دابة .

قال مسرف : قدّموا له دابتي .

فقدّموها له : بين يديه ، و عزم عليه أن يركبها ، فركب ، و انصرف الى أهله ، و هم و الناس ينظرون ما يكون منه فيه .

شرح الأخبار ج‏3ص275ح1184 . وذكر القصة في الإرشاد  ج2ص152. وفي البحار مع اختلاف يسير ، ومسرف هو مسلم بن عقبة ، سفاح وقاعة الحرة في المدينة المنورة ، والذي بعثه يزيد ليستبيحها إن لم حاربوه وقصتها معروفة .






الإمام مع والي المدينة :

يا طيب : ذكرنا القصة برواية المفيد رحمه الله في حلم الإمام وعفوه ، وهذه برواية القاضي النعمان بن حيون المغربي رحمه الله و المتوفى سنة 363 للهجرة وفيها بعض التفصيل والشرح ، قال :

و ولّي : هشام بن اسماعيل المخزومي المدينة ، فنال علي بن الحسين عليه السلام من الاذى و المكروه عظيما ، ثم عزله الوليد بن عبد الملك بعد ذلك و أمر أن يوقف للناس ، فلم يكن أخوف من أحد كخوفه‏ من علي بن الحسين عليه السلام لما ناله منه أن يرفع ذلك عليه و يقول فيه و يشكره .

 فلم يقل فيه علي بن الحسين عليه السلام : شيئا ، و نهى خاصته و أهل بيته ، و كل من سمع له من القول فيه بسوء .

ثم أرسل إليه :  و هو واقف عند دار مروان ، انظر ما أعجزك من مال تؤخذ به فعندنا ما يسعك ، و طب نفسا منا ، و من كل من يطيعنا .

فنادى هشام : و هو قائم ، بأعلى صوته : اللّه أعلم حيث يجعل رسالته.

شرح الأخبار ج3ص260ح1162 . وذكر في الهامش : و كان يؤذي علي بن الحسين و يشتم عليا على المنبر و ينال منه. تذكرة الخواص ص 328.






مع عبد الملك :

وكتب ملك الروم : إلى عبد الملك يتوعده ، فضاق عليه الجواب ، وكتب إلى الحجاج ، وهو إذ ذاك على

الحجاز : أن ابعث إلى علي بن الحسين فتوعده وتهدده وأغلظ له ، ثم انظر ماذا يجيبك، فاكتب به إلي ! ففعل الحجاج ذلك.

 فقال له علي بن الحسين : إن لله في كل يوم ثلاثمائة وستين لحظة ، وأرجو أن يكفينك في أول لحظة من لحظاته .

 وكتب بذلك إلى عبد الملك : فكتب به إلى صاحب الروم كتاب .

فلما قرأه قال : ليس هذا من كلامه ، هذا من كلام عترة نبوته .

وكان عبد الملك : قد كتب إلى الحجاج ، وهو على الحجاز : جنبني دماء آل بني أبي طالب ، فإني رأيت آل حرب لما تهجموا بها لم ينصروا .

فكتب إليه علي بن الحسين : إني رأيت رسول الله ليلة كذا في شهر كذا يقول لي : إن عبد الملك قد كتب إلى الحجاج في هذه الليلة بكذا وكذا ، وأعلمه أن الله قد شكر له ذلك، وزاده برهة في ملكه .

تأريخ اليعقوبي  ص304 .






قصة قصيدة الفرزدق :

يا طيب : هذه قصة كريمة فيها نعرف شأن الإمام علي بن الحسين عليه السلام وهيبته واحترام العباد له مع أنهم من بلاد شتى وقد لا يعرفوه ، ولكن وجوده المبارك يلقي عليهم هيبته وضرورة احترامه وتوقيره والاعتناء بأمره ، حتى لم يكن لحاكم زمانه هشام بن عبد الملك بن مروان الأموي مع فخفخته وسلطانه ما له من الشأن والهيبة ، ولمعرفة هذا تدبر هذه القصة والقصية لموالي للإمام .

ذكر في المناقب : عن الحلية ، و الأغاني ، و غيرهما .

حج : هشام بن عبد الملك ، فلم يقدر على الاستلام ( للحجر ) من الزحام ، فنصب له منبر ، و جلس عليه ، و أطاف به أهل الشام  .

فبينما هو : كذلك .

إذ أقبل : علي بن الحسين عليه السلام ، و عليه إزار و رداء ، من أحسن الناس وجها ، و أطيبهم رائحة .

بين عينيه : سجادة ، كأنها ركبة عنز .

فجعل يطوف : فإذا بلغ إلى موضع الحجر ، تنحى الناس حتى يستلمه ، هيبة له .

فقال شامي : من هذا يا أمير المؤمنين ؟

 فقال : لا أعرفه ، لئلا يرغب فيه أهل الشام .

فقال الفرزدق : و كان حاضرا ، لكني أنا أعرفه .

فقال الشامي : من هو يا أبا فراس .

فأنشأ قصيدة : ذكر بعضها في الأغاني ، و الحلية ، و الحماسة .

و القصيدة : بتمامها هذه :

يا سائلي أين حل الجود و الكرم _ عندي بيان إذا طلابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته _ و البيت يعرفه و الحل و الحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلهم _ هذا التقي النقي الطاهر العلم‏

هذا الذي أحمد المختار والده _ صلى عليه إلهي م جرى القلم

لو يعلم الركن من قد جاء يلثمه _ لخر يلثم منه م وطي القدم‏

هذا علي رسول الله والده _ أمست بنور هداه تهتدي الأمم‏

هذا الذي عمه الطيار جعفر _ و المقتول حمزة ليث حبه قسم‏

هذا ابن سيدة النسوان فاطمة _ و ابن الوصي الذي في سيفه نقم‏

إذا رأته قريش قال قائلها _ إلى مكارم هذا ينتهى الكرم‏

يكاد يمسكه عرفان راحته _ ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم‏

و ليس قولك من هذا بضائره _ العرب تعرف من أنكرت و العجم‏

ينمي إلى ذروة العز التي قصرت _ عن نيلها عرب الإسلام و العجم‏

يغضي حياء و يغضى من مهابته _ فما يكلم إلا حين يبتسم‏

ينجاب نور الدجى عن نور غرته _ كالشمس ينجاب عن إشراقه الظلم‏

بكفه خيزران ريحه عبق _ من كف أروع في عرنينه شمم‏

ما قال لا قط إلا في تشهده _ لو لا التشهد كانت لاؤه نعم‏

مشتقة من رسول الله نبعته _ طابت عناصره و الخيم و الشيم‏

حمال أثقال أقوام إذا قدحوا _ حلو الشمائل تحلو عنده نعم‏

إن قال قال بما يهوى جميعهم _ و إن تكلم يوما زانه الكلم‏

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله _ بجده أنبياء الله قد ختموا

الله فضله قدما و شرفه _ جرى بذاك له في لوحه القلم‏

من جده دان فضل الأنبياء له _ و فضل أمته دانت له الأمم‏

عم البرية بالإحسان و انقشعت _ عنها العماية و الإملاق و الظلم‏

كلتا يديه غياث عم نفعهما _ تستوكفان و لا يعروهم عدم‏

سهل الخليقة لا تخشى بوادره _ يزينه خصلتان الحلم و الكرم‏

لا يخلف الوعد ميمونا نقيبته _ رحب الفناء أريب حين يعترم‏

من معشر حبهم دين و بغضهم _ كفر و قربهم منجى و معتصم‏

يستدفع السوء و البلوى بحبهم _ و يستزاد به الإحسان و النعم‏

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم _ في كل فرض و مختوم به الكلم‏

إن عد أهل التقى كانوا أئمتهم _ أو قيل من خير أهل الأرض قيل هم‏

لا يستطيع جواد بعد غايتهم _ و لا يدانيهم قوم و إن كرموا

هم الغيوث إذا ما أزمة أزمت _ و الأسد أسد الشرى و البأس محتدم‏

يأبى لهم أن يحل الذم ساحتهم _ خيم كريم و أيد بالندى هضم‏

لا يقبض العسر بسطا من أكفهم _ سيان ذلك إن أثرو و إن عدموا

إن القبائل ليست في رقابهم _ لأولية هذا أوله نعم‏

من يعرف الله يعرف أولية ذا _ فالدين من بيت هذا ناله الأمم‏

بيوتهم في قريش يستضاء بها _ في النائبات و عند الحلم إن حلموا

فجده من قريش في أزمتها _ محمد و علي بعده علم‏

بدر له شاهد و الشعب من أحد _ و الخندقان و يوم الفتح قد علموا

و خيبر و حنين يشهدان له _ و في قريضة يوم صيلم قتم‏

مواطن قد علت في كل نائبة _ على الصحابة لم أكتم كم كتموا

 فغضب هشام : و منع جائزته .

و قال : ألا قلت فينا مثلها .

قال الفرزدق : هات جدا كجده ، و أبا كأبيه ، و أما كأمه .

حتى أقول : فيكم مثلها .

فحبسه : بعسفان بين مكة و المدينة .

فبلغ ذلك : علي بن الحسين عليه السلام ، فبعث إليه باثني عشر ألف درهم.

و قال : أعذرنا يا أبا فراس ، فلو كان عندنا أكثر من هذا ، لوصلناك به .

فردها و قال : يا ابن رسول الله ، ما قلت هذا الذي قلت ، إل غضبا لله و لرسوله ، و ما كنت لأرزأ عليه شيئا .

فردها إليه و قال : بحقي عليك لما قبلتها ، فقد رأى الله مكانك ، و علم نيتك .

فقبلها : فجعل الفرزدق يهجو هشاما ، و هو في الحبس ، فكان مما هجاه به ، قوله :

أ تحبسني بين المدينة و التي _ إليها قلوب الناس تهوى منيبها

تقلب رأسا لم يكن رأس سيد _ و عينا له حولاء باد عيوبها

 فأخبر هشام : بذلك ، فأطلقه .

و في رواية أبي بكر العلاف : أنه أخرجه إلى البصرة .

المناقب ج4ص170 . وذكر أغلبها في الجليس الصالح والأنيس الناصح ج1ص444 .

وروى القاضي النعمان المغربي وهو من المتقدمين :

و كان علي بن الحسين عليه السلام : ورعا حليما وقورا جميلا، و حجّ في بعض السنين فجعل الناس ينظرون الى جماله و كماله .

و يقول : من لم يعرفه لمن عسى أن يعرفه ؛ من هذا ؟! ليخبروه .

قال قائل : من الناس لفرزدق‏ من هذا ؟

فأنشأ يقول :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته‏ _ و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم‏

هذا ابن خير عباد للّه كلّهم‏ _ هذا التقيّ النقيّ الطاهر العلم‏

يكاد يمسكه عرفان راحته‏ _ ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم‏

يغضي حياء و يغضي من مهابته‏ _ فلا يكلم إلّا حين يبتسم‏

إذا رأته قريش قال قائلها‏ _ إلى مكارم هذا ينتهي الكرم‏

شرح الأخبار في فضائل الأئمة الأطهار عليهم السلام ج3ص265ح1169 .

وقال محقق الكتاب في الهامش : الفرزدق : هو همام بن غالب بن صعصعة، و أمه : ليلى بنت عابس، قيل إنه ولد سنة 10 ه .

دخل أبوه على أمير المؤمنين عليه السلام : في البصرة و معه ابنه فرزدق ، فأخبره أنه يقول الشعر ، و كان له أخ و هو هميم بن غالب و اخت جعثن و كانت امرأة صدق، و كان جرير يذكرها في مهاجاته للفرزدق، و كان يقول: أستغفر اللّه فيما قلت لجعثن. تزوج ابنة عمه، النوار بنت أعين بن صعصعة. توفي سنة 110 ه عن عمر يناهز المائة سنة. و دفن في مقابر البصرة.

و أما القصيدة : فمؤلفة من 28 بيتا ذكرها عبد الوهاب المكي في طبقات الشافعية الكبرى ج1ص153.

و قال ابن شهرآشوب : في المناقب ج4ص169، إنها مؤلفة من 41 بيتا و ذكر تمام القصيدة. و كذا في حلية الابرار ج2ص50، و في مجمع فنون الشعر ص 70 ط حجر 1335: عدها 40 بيتا.

المناسبة : لما حجّ هشام بن عبد الملك، فلم يقدر على استلام الحجر من الزحام، فنصب له منبر، و جلس عليه، و أطاف به أهل الشام. فبينما هو كذلك .

 اذ أقبل علي بن الحسين عليه السلام : و عليه ازار و رداء من أحسن الناس وجها و أطيبهم رائحة، بين عينيه سجادة كأنها ركبة عنز، فجعل يطوف .

 فاذا بلغ موضع الحجر : تنحى الناس حتى يستلمه هيبة .

 فقال له شامي: من هذا يا أمير المؤمنين؟ فقال: ل أعرفه!! لئلا يرغب فيه أهل الشام.

فقال الفرزدق:  أنا أعرفه (و كان حاضرا) . فقال الشامي : من هو، يا أبا الفراس؟ فأنشأ القصيدة التي مطلعها:

يا سائلي أين حلّ الجود و الكرم‏  عندى بيان إذا طلّابه قدموا

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته‏  و البيت يعرفه و الحلّ و الحرم‏

أيّ القبائل‏  ليست في رقابهم‏ لأولية هذ أوله نعم‏

 الى آخر الأبيات.

فغضب هشام و منع جائزته، و قال: أ لا قلت فينا مثلها ، فحبسه بعسفان (بين مكة و المدينة) .

فبلغ ذلك علي بن الحسين : فبعث إليه باثني عشر ألف درهم، و قال: اعذرنا يا أبا فراس. فلو كان عندنا أكثر من هذه لوصلناك به.

 فردها، و قال : يا بن رسول اللّه ما قلت هذا الذي قلت إل غضبا للّه و لرسوله، و ما كنت لأرزأ عليه شيئا، فردها عليه.

فقال له علي بن الحسين عليه السلام: بحقي عليك لما قبلتها، فقد رأى اللّه مكانك و علم نيتك، فقبلها. فجعل فرزدق يهجو هشاما، و هو في الحبس، فكان مما جاء به قوله :

أ يحبسني بين المدينة و التي‏ _ إليها قلوب الناس يهوى منيبها

يقلب رأسا لم يكن رأس سيد _ و عينا له حولاء تبدو عيوبها

 فاخبر : هشام بذلك فأطلقه. و في رواية أبي بكر العلاف: أنه أخرجه الى البصرة.





خطب وحكم الإمام ومواعظه ووصاياه

رسالة الحقوق :

للإمام زين العابدين  علي بن الحسين عليه السلام قال :

اعلم رحمك الله : أن لله عليك حقوقا محيطة بك في كل حركة تحركته ، أو سكنة سكنتها ، أو منزلة نزلتها ، أو جارحة قلبتها ، و آلة تصرفت بها ، بعضه أكبر من بعض.

 و أكبر حقوق الله عليك : ما أوجبه لنفسه تبارك و تعالى من حقه الذي هو أصل الحقوق ، و منه تفرع .

 ثم أوجبه عليك لنفسك : من قرنك إلى قدمك على اختلاف جوارحك .

 فجعل : لبصرك عليك حقا ، و لسمعك عليك حقا ، و للسانك عليك حقا ، و ليدك عليك حقا ، و لرجلك عليك حقا ، و لبطنك عليك حقا ، و لفرجك عليك حق ، فهذه الجوارح السبع التي بها تكون الأفعال.

ثم جعل عز و جل لأفعالك عليك حقوقا : فجعل لصلاتك عليك حق ، و لصومك عليك حقا ، و لصدقتك عليك حقا ، و لهديك عليك حقا ، و لأفعالك عليك حق .

 ثم تخرج الحقوق منك إلى غيرك : من ذوي الحقوق الواجبة عليك :

 و أوجبها عليك : حقوق أئمتك ، ثم حقوق رعيتك ، ثم حقوق رحمك :

 فهذه حقوق يتشعب منها حقوق :

فحقوق أئمتك ثلاثة : أوجبها عليك حق سائسك بالسلطان ، ثم سائسك بالعلم ، ثم حق سائسك بالملك ، و كل سائس إمام .

 و حقوق رعيتك ثلاثة : أوجبها عليك حق رعيتك بالسلطان ، ثم حق رعيتك بالعلم ؛ فإن الجاهل رعية العالم ، و حق رعيتك بالملك من الأزواج و م ملكت من الأيمان .

و حقوق رحمك :  كثيرة متصلة ، بقدر اتصال الرحم في القرابة :

فأوجبها عليك : حق أمك ، ثم حق أبيك ، ثم حق ولدك ، ثم حق أخيك ، ثم الأقرب فالأقرب و الأول فالأول ، ثم حق مولاك المنعم عليك ، ثم حق مولاك الجارية نعمتك عليه ، ثم حق ذي المعروف لديك ، ثم حق مؤذنك بالصلاة ، ثم حق إمامك في صلاتك ، ثم حق جليسك ، ثم حق جارك ، ثم حق صاحبك ، ثم حق شريكك ، ثم حق مالك ، ثم حق غريمك الذي تطالبه ، ثم حق غريمك الذي يطالبك ، ثم حق خليطك ، ثم حق خصمك المدعي عليك ، ثم حق خصمك الذي تدعي عليه ، ثم حق مستشيرك ، ثم حق المشير عليك ، ثم حق مستنصحك ، ثم حق الناصح لك ، ثم حق من هو أكبر منك ، ثم حق من هو أصغر ، منك ثم حق سائلك ، ثم حق من سألته ، ثم حق من جرى لك على يديه مساءة بقول أو فعل أو مسرة بذلك بقول أو فعل عن تعمد منه أو غير تعمد منه ، ثم حق أهل ملتك عامة ، ثم حق أهل الذمة .

 ثم الحقوق الجارية : بقدر علل الأحوال و تصرف الأسباب .

 فطوبى: لمن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ووفقه وسدده:


فأما حق الله الأكبر :

فإنك تعبده لا تشرك به شيئا ، فإذا فعلت ذلك بإخلاص ؛ جعل لك على نفسه أن يكفيك أمر الدنيا و الآخرة ، و يحفظ لك ما تحب منها (1) .


و أما حق نفسك عليك :

 فأن تستوفيها في طاعة الله (2) .

 فتؤدي إلى :

لسانك حقه ، و إلى سمعك حقه ، و إلى بصرك حقه ، و إلى يدك حقها ، و إلى رجلك حقها ، و إلى بطنك حقه ، و إلى فرجك حقه ، و تستعين بالله على ذلك .

و أما حق اللسان : فإكرامه عن الخنا (الكلام بذيء والفحش) ، و تعويده على الخير ، و حمله على الأدب ، و إجمامه إلا لموضع الحاجة  و المنفعة للدين و الدنيا ، و إعفاؤه عن الفضول الشنعة القليلة الفائدة ؛ التي لا يؤمن ضرره مع قلة عائدتها ، و يعد شاهد العقل و الدليل عليه ، و تزين العاقل بعقله حسن سيرته في لسانه ، و لا قوة إلا بالله العلي العظيم (3) .

و أما حق السمع : فتنزيهه عن أن تجعله طريقا إلى قلبك ؛ إل لفوهة كريمة تحدث في قلبك خيرا ، أو تكسب خلقا كريما ، فإنه باب الكلام إلى القلب يؤدي إليه ضروب المعاني على ما فيها من خير أو شر ، ولا قوة إلا بالله (4) .

و أما حق بصرك : فغضه عما لا يحل لك ، و ترك ابتذاله إلا لموضع عبرة تستقبل بها بصرا أو تستفيد بها علما ، فإن البصر باب الاعتبار (5) .

و أما حق رجليك : فأن لا تمشي بهما إلى ما لا يحل لك ، و ل تجعلهما مطيتك في الطريق المستخفة بأهلها فيها ؛ فإنها حاملتك و سالكة بك مسلك الدين ، و السبق لك ، و لا قوة إلا بالله (6) .

و أما حق يدك : فأن لا تبسطها إلى ما لا يحل لك ، فتنال بم تبسطها إليه من الله العقوبة في الأجل ، و من الناس بلسان اللائمة في العاجل ، و لا تقبضها مما افترض الله عليها ، و لكن توقرها بقبضها عن كثير مما يحل لها ، و بسطها إلى كثير مما ليس عليها ، فإذا هي قد عقلت و شرفت في العاجل ، وجب له حسن الثواب في الآجل (7) .

و أما حق بطنك : فأن لا تجعله وعاء لقليل من الحرام و لا لكثير ، و أن تقتصد له في الحلال ، و لا تخرجه من حد التقوية إلى حد التهوين و ذهاب المروة ، و ضبطه إذا هم بالجوع و الظمأ ، فإن الشبع المنتهي بصاحبه إلى التخم : مكسلة ، و مثبطة ، و مقطعة عن كل بر و كرم . و إن الري المنتهي بصاحبه إلى السكر : مسخفة ، و مجهلة ، و مذهبة للمروة (8) .

و أما حق فرجك : فحفظه مما لا يحل لك و الاستعانة عليه بغض البصر فإنه من أعون الأعوان و كثرة ذكر الموت و التهدد لنفسك بالله و التخويف له به و بالله العصمة و التأييد و لا حول و لا قوة إلا به (9) .





ثم حقوق الأفعال :

فأما حق الصلاة : فأن تعلم أنها وفادة إلى الله ، و أنك قائم بها بين يدي الله ؛ فإذا علمت ذلك ؛ كنت خليقا أن تقوم فيها مقام : الذليل الراغب ، الراهب الخائف ، الراجي المسكين ، المتضرع ، المعظم من قام بين يديه : بالسكون و الإطراق ، و خشوع الأطراف و لين الجناح ، و حسن المناجاة له في نفسه ، و الطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت به خطيئتك ، و استهلكتها ذنوبك ، و ل قوة إلا بالله (10) .

و أما حق الصوم : فأن تعلم أنه حجاب ضربه الله ، على : لسانك ، و سمعك ، و بصرك ، و فرجك ، و بطنك ليسترك به من النار ، و هكذا جاء في الحديث : الصوم جنة من النار ، فإن سكنت أطرافك في حجبتها ؛ رجوت أن تكون محجوبا ، و إن أنت تركتها تضطرب في حجابها و ترفع جنبات الحجاب فتطلع إلى ما ليس لها بالنظرة الداعية للشهوة و القوة الخارجة عن حد التقية لله ؛ لم تأمن أن تخرق الحجاب و تخرج منه ، و لا قوة إلا بالله (11) .

و أما حق الصدقة : فأن تعلم أنها ذخرك عند ربك ، و وديعتك التي لا تحتاج إلى إشهاد ، فإذا علمت ذلك كنت بما استودعته سرا أوثق بما استودعته علانية ، و كنت جديرا أن تكون أسررت إليه أمرا أعلنته ، و كان الأمر بينك و بينه فيها سرا على كل حال ، و لم تستظهر عليه فيما استودعته منها بإشهاد الأسماع و الأبصار عليه بها ، كأنها أوثق في نفسك لا كأنك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك ، ثم لم تمتن بها على أحد ؛ لأنها لك ، فإذا امتننت بها لم تأمن أن تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى من مننت بها عليه ؛ لأن في ذلك دليلا على أنك لم ترد نفسك بها ، و لو أردت نفسك بها لم تمتن بها على أحد ، و لا قوة إلا بالله (12) .

و أما حق الهدي : فأن تخلص بها الإرادة إلى ربك ، و التعرض لرحمته ، و قبوله ، و لا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلف و لا متصنعا ، و كنت إنما تقصد إلى الله . و اعلم : أن الله يراد باليسير ، و لا يراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التيسير ، و لم يرد بهم التعسير ، و كذلك التذلل أولى بك من التدهقن ؛ لأن الكلفة و المئونة في المتدهقنين . فأما التذلل و التمسكن فلا كلفة فيهما و لا مئونة عليهما ؛ لأنهما الخلقة ، و هما موجودان في الطبيعة ، و لا قوة إلا بالله  (13) .





ثم حقوق الأئمة :

فأما حق سائسك بالسلطان : فأن تعلم أنك جعلت له فتنة ، و أنه مبتلى فيك بما جعله الله له عليك من السلطان ، و أن تخلص له في النصيحة ، و أن لا تماحكه و قد بسطت يده عليك ؛ فتكون سبب هلاك نفسك و هلاكه ، و تذلل و تلطف لإعطائه من الرضا ما يكفه عنك ، و لا يضر بدينك ، و تستعين عليه في ذلك بالله ، و لا تعازه و لا تعانده ؛ فإنك إن فعلت ذلك عققته ، و عققت نفسك فعرضتها لمكروهه ، و عرضته للهلكة فيك ، و كنت خليقا أن تكون معينا له على نفسك ، و شريكا له فيما أتى إليك ، و لا قوة إلا بالله (14).

و أما حق سائسك بالعلم : فالتعظيم له ، و التوقير لمجلسه ، و حسن الاستماع إليه ، و الإقبال عليه ، و المعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم : بأن تفرغ له عقلك ، و تحضره فهمك ، و تزكي له قلبك ، و تجلي له بصرك ، بترك اللذات ، و نقص الشهوات ، و أن تعلم أنك فيما ألقى إليك رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل ، فلزمك حسن التأدية عنه إليهم ، و لا تخنه في تأدية رسالته ، و القيام بها عنه إذا تقلدتها ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (15) .

و أما حق سائسك بالملك : فنحو من سائسك بالسلطان ، إلا أن هذا يملك ما لا يملكه ذاك ، تلزمك طاعته فيما دق و جل منك ، إلا أن تخرجك من وجوب حق الله ، و يحول بينك و بين حقه ، و حقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعت إلى حقه فتشاغلت به ، و لا قوة إلا بالله (16) .

ثم حقوق الرعية :

فأما حقوق رعيتك بالسلطان : فأن تعلم أنك إنما استرعيتهم بفضل قوتك عليهم ، فإنه إنما أحلهم محل الرعية لك ضعفهم و ذلهم ، فما أولى من كفاكه ضعفه و ذله حتى صيره لك رعية ، و صير حكمك عليه ، نافذا لا يمتنع منك بعزة و ل قوة ، و لا يستنصر فيما تعاظمه منك ، إلا بالله بالرحمة و الحياطة و الأناة و م أولاك ، إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزة و القوة التي قهرت بها ، أن تكون لله شاكرا ، و من شكر الله أعطاه فيما أنعم عليه ، و لا قوة إلا بالله (17).

و أما حق رعيتك بالعلم  : فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم فيم آتاك من العلم ، و ولاك من خزانة الحكمة ، فإن أحسنت فيما ولاك الله من ذلك ، و قمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده ، الصابر المحتسب الذي إذ رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه ، كنت : راشدا ، و كنت لذلك آمل معتقدا ، و إلا كنت له خائنا ، و لخلقه ظالما ، و لسلبه و عزه متعرضا (18).

 و أما حق رعيتك بملك النكاح : فأن تعلم أن الله جعلها : سكن و مستراحا ، و أنسا و واقية ، و كذلك كل واحد منكما ، يجب أن يحمد الله على صاحبه ، و يعلم أن ذلك نعمة منه عليه ، و وجب أن يحسن صحبة نعمة الله و يكرمها ، و يرفق بها ، و إن كان حقك عليها أغلظ و طاعتك بها ألزم ، فيما أحببت و كرهت ما لم تكن معصية ، فإن لها حق الرحمة و المؤانسة ، و موضع السكون إليها قضاء اللذة التي ل بد من قضائها، وذلك عظيم، ولا قوة إلا بالله (19) .

و أما حق رعيتك بملك اليمين : فأن تعلم أنه خلق ربك و لحمك و دمك ، و أنك تملكه لا أنت صنعته دون الله ، و لا خلقت له : سمعا و لا بصرا و لا أجريت له رزقا ، و لكن الله كفاك ذلك ، ثم سخره لك و ائتمنك عليه و استودعك إياه ، لتحفظه فيه و تسير فيه بسيرته ، فتطعمه مما تأكل ، و تلبسه مما تلبس ، و لا تكلفه ما لا يطيق ، فإن كرهته خرجت إلى الله منه ، واستبدلت به ، و لم تعذب خلق الله ، و لا قوة إلا بالله (20) .

 فهذه (20) حقا و إليك (30) أخرى :

و أما حق الرحم :

فحق أمك : فأن تعلم أنها حملتك حيث لا يحمل أحد أحدا ، و أطعمتك من ثمرة قلبها ما لا يطعم أحد أحدا ، و أنها وقتك بسمعها و بصرها و يدها و رجله و شعرها و بشرها و جميع جوارحها ، مستبشرة بذلك فرحة موابلة محتملة لما فيه مكروهه ، و ألمها و ثقلها و غمها حتى دفعتها عنك يد القدرة ، و أخرجتك إلى الأرض ، فرضيت أن تشبع و تجوع هي ، و تكسوك و تعرى ، و ترويك و تظمأ ، و تظلك و تضحى ، و تنعمك ببؤسها ، و تلذذك بالنوم بأرقها ، و كان بطنها لك وعاء ، و حجرها لك حواء ، و ثديه لك سقاء ، و نفسها لك وقاء ، تباشر حر الدنيا و بردها لك و دونك ، فتشكرها على قدر ذلك و لا تقدر عليه ، إلا بعون الله و توفيقه (21) .

و أما حق أبيك : فتعلم أنه أصلك ، و أنك فرعه ، و أنك لولاه لم تكن فمهما ، رأيت في نفسك مما يعجبك ، فاعلم أن أباك  أصل النعمة عليك فيه ، و احمد الله و اشكره على قدر ذلك ، و لا قوة إلا بالله (22) .

و أما حق ولدك : فتعلم أنه منك ، و مضاف إليك في عاجل الدني بخيره و شره ، و أنك مسئول عما وليته : من حسن الأدب ، و الدلالة على ربه ، و المعونة له على طاعته فيك و في نفسه ، فمثاب على ذلك و معاقب ، فاعمل في أمره عمل المتزين بحسن أثره عليه ، في عاجل الدنيا ، المعذر إلى ربه فيما بينك و بينه ، بحسن القيام عليه ، و الأخذ له منه ، و لا قوة إلا بالله (23) .

و أما حق أخيك : فتعلم أنه يدك التي تبسطها ، و ظهرك الذي تلتجئ إليه ، و عزك الذي تعتمد عليه ، و قوتك التي تصول بها ، فلا تتخذه سلاح على معصية الله ، و لا عدة للظلم بحق الله ، و لا تدع نصرته على نفسه و معونته على عدوه ، و الحول بينه و بين شياطينه ، و تأدية النصيحة إليه ، و الإقبال عليه في الله ، فإن انقاد لربه و أحسن الإجابة له ، و إلا فليكن الله آثر عندك و أكرم عليك منه (24) .

و أما حق المنعم عليك بالولاء : فأن تعلم أنه أنفق فيك ماله ، و أخرجك من ذل الرق و وحشته إلى عز الحرية و أنسها ، و أطلقك من أسر الملكة ، و فك عنك حلق العبودية ، و أوجدك رائحة العز ، و أخرجك من سجن القهر ، و دفع عنك العسر ، و بسط لك لسان الإنصاف ، و أباحك الدنيا كلها ، فملكك نفسك ، و حل أسرك ، و فرغك لعبادة ربك ، و احتمل بذلك التقصير في ماله ، فتعلم أنه أولى الخلق بك بعد أولى رحمك في حياتك و موتك ، و أحق الخلق بنصرك و معونتك ، و مكانفتك في ذات الله ، فلا تؤثر عليه نفسك ما احتاج إليك (25) .

و أما حق مولاك الجارية عليه نعمتك  : فأن تعلم أن الله جعلك : حامية عليه و واقية ، و ناصرا و معقلا ، و جعله لك : وسيلة و سببا بينك و بينه ، فبالحري أن يحجبك عن النار ، فيكون في ذلك ثواب منه في الآجل ، و يحكم لك بميراثه في العاجل ، إذا لم يكن له رحم مكافأة لما أنفقته من مالك عليه ، و قمت به من حقه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقم بحقه ، خيف عليك  أن لا يطيب لك ميراثه ، و لا قوة إلا بالله (26) .

و أما حق ذي المعروف عليك : فأن تشكره ، و تذكر معروفه ، و تنشر له المقالة الحسنة ، و تخلص له الدعاء فيما بينك و بين الله سبحانه ؛ فإنك إذا فعلت ذلك كنت قد شكرته سرا و علانية ، ثم إن أمكن مكافأته بالفعل كافأته ، و إلا كنت مرصدا له موطنا نفسك عليها (27) .

و أما حق المؤذن : فأن تعلم أنه مذكرك بربك ، و داعيك إلى حظك ، و أفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك ، فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك ، و إن كنت في بيتك مهتما لذلك لم تكن لله في أمره متهما ، و علمت أنه نعمة من الله عليك لا شك فيها ، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليه على كل حال ، و لا قوة إلا بالله (28) .

و أما حق إمامك في صلاتك : فأن تعلم أنه قد تقلد السفارة فيم بينك و بين الله ، و الوفادة إلى ربك ، و تكلم عنك و لم تتكلم عنه ، و دعا لك و لم تدع له ، و طلب فيك و لم تطلب فيه ، و كفاك هم المقام بين يدي الله و المساءلة له فيك ، و لم تكفه ذلك ، فإن كان في شيء من ذلك تقصير ، كان به دونك ، و إن كان آثما لم تكن شريكه فيه ، و لم يكن له عليك فضل ، فوقى نفسك بنفسه ، و وقى صلاتك بصلاته ، فتشكر له على ذلك ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (29) .

و أما حق الجليس : فأن تلين له كنفك ، و تطيب له جانبك ، و تنصفه في مجاراة اللفظ ، و لا تغرق في نزع اللحظ إذا لحظت ، و تقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت ، و إن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار ، و إن كان الجالس إليك كان بالخيار ، ولا تقوم إلا بإذنه ، و لا قوة إلا بالله (30) .

و أما حق الجار : فحفظه غائبا ، و كرامته شاهدا ، و نصرته و معونته في الحالين جميعا ، لا تتبع له عورة ، و لا تبحث له عن سوءة لتعرفها ، فإن عرفتها منه عن غير إرادة منك ، و لا تكلف كنت لما علمت حصنا حصينا ، و ستر ستيرا ، لو بحثت الأسنة عنه ضميرا لم تتصل إليه لانطوائه عليه ، لا تستمع عليه من حيث لا يعلم ، لا تسلمه عند شديدة ، و لا تحسده عند نعمة ، تقيل عثرته ، و تغفر زلته ، و لا تدخر حلمك عنه إذا جهل عليك ، و لا تخرج أن تكون سلما له ترد عنه لسان الشتيمة ، و تبطل فيه كيد حامل النصيحة ، و تعاشره معاشرة كريمة ، و لا حول و ل قوة إلا بالله (31) .

و أما حق الصاحب : فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلا ، و إلا فلا أقل من الإنصاف ، و أن تكرمه كما يكرمك ، و تحفظه كما يحفظك ، و لا يسبقك فيما بينك و بينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته ، و لا تقصر به عما يستحق من المودة تلزم نفسك نصيحته و حياطته و معاضدته على طاعة ربه ، و معونته على نفسه فيما ل يهم به من معصية ربه ، ثم تكون عليه رحمة و لا تكون عليه عذابا ، و لا قوة إل بالله (32) .

و أما حق الشريك : فإن غاب كفيته ، و إن حضر ساويته ، و ل تعزم على حكمك دون حكمه ، و لا تعمل برأيك دون مناظرته ، و تحفظ عليه ماله ، و تنفي عنه خيانته فيما عز أو هان ، فإنه بلغنا أن يد الله على الشريكين ما لم يتخاون ، و لا قوة إلا بالله (33) .

و أما حق المال : فأن لا تأخذه إلا من حله ، و لا تنفقه إل في حله ، و لا تحرفه عن مواضعه ، و لا تصرفه عن حقائقه ، و لا تجعله إذا كان من الله إلا إليه ، و سببا إلى الله ، و لا تؤثر به على نفسك من لعله لا يحمدك ، و بالحري أن لا يحسن خلافته في تركتك ، و لا يعمل فيه بطاعة ربك ، فتكون معينا له على ذلك ، أو بما أحدث في مالك ، أحسن نظرا لنفسه ، فيعمل بطاعة ربه ، فيذهب بالغنيمة ، و تبوء بالإثم و الحسرة و الندامة مع التبعة ، و لا قوة إلا بالله (34) .

و أما حق الغريم الطالب لك : فإن كنت موسرا أوفيته و كفيته و أغنيته ، و لم تردده و تمطله ، فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : مطل الغني ظلم ، و إن كنت معسرا أرضيته بحسن القول ، و طلبت إليه طلبا جميل ، و رددته عن نفسك ردا لطيفا ، و لم تجمع عليه ذهاب ماله و سوء معاملته ، فإن ذلك لؤم ، و لا قوة إلا بالله (35) .

و أما حق الخليط : فأن لا تغره ، و لا تغشه ، و لا تكذبه ، و لا تغفله ، و لا تخدعه ، و لا تعمل في انتقاضه عمل العدو الذي لا يبقى على صاحبه ، و إن اطمأن إليك استقصيت له على نفسك ، و علمت أن غبن المسترسل ربا ، و لا قوة إلا بالله (36) .

و أما حق الخصم المدعي عليك : فإن كان ما يدعي عليك حقا : لم تنفسخ في حجته ، و لم تعمل في إبطال دعوته ، و كنت خصم نفسك له ، و الحاكم عليها ، و الشاهد له بحقه دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حق الله عليك . و إن كان ما يدعيه باطلا : رفقت به ، و روعته ، و ناشدته بدينه ، و كسرت حدته عنك بذكر الله ، و ألقيت حشو الكلام و لغطه الذي لا يرد عنك عادية عدوك ، بل تبوء بإثمه ، و به يشحذ عليك سيف عداوته ، لأن لفظة السوء تبعث الشر ، و الخير مقمعة للشر ، و لا قوة إلا بالله (37) .

و أما حق الخصم المدعى عليه : فإن كان ما تدعيه حقا ، أجملت في مقاولته بمخرج الدعوى ، فإن للدعوى غلظة في سمع المدعى عليه ، و قصدت قصد حجتك بالرفق ، و أمهل المهلة ، و أبين البيان ، و ألطف اللطف ، و لم تتشاغل عن حجتك بمنازعته بالقيل و القال ، فتذهب عنك حجتك ، و لا يكون لك في ذلك درك ، و لا قوة إلا بالله (38) .

و أما حق المستشير : فإن حضرك له وجه رأي جهدت له في النصيحة ، و أشرت عليه بما تعلم أنك لو كنت مكانه عملت به ، و ذلك ليكن منك في رحمة و لين ، فإن اللين يؤنس الوحشة ، و إن الغلظ يوحش موضع الأنس ، و إن لم يحضرك له رأي ، و عرفت له من تثق برأيه ، و ترضى به لنفسك دللته عليه ، و أرشدته إليه ؛ فكنت : لم تأله خيرا ، و لم تدخره نصحا ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (39) .

و أما حق المشير عليك : فلا تتهمه فيما لا يوافقك عليه من رأيه إذا أشار عليك ، فإنما هي الآراء و تصرف الناس فيها و اختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار ، إذا اتهمت رأيه : فأما تهمته فلا تجوز لك إذا كان عندك ممن يستحق المشاورة ، و لا تدع شكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، و حسن وجه مشورته . فإذ وافقك : حمدت الله ، و قبلت ذلك ، من أخيك بالشكر و الإرصاد بالمكافأة في مثله ، إن فزع إليك ، و لا قوة إلا بالله (40) .

و أما حق المستنصح : فإن حقه أن تؤدي إليه النصيحة على الحق الذي ترى له ، أنه يحمل و تخرج المخرج الذي يلين على مسامعه ، و تكلمه من الكلام بما يطيقه عقله ، فإن لكل عقل طبقة من الكلام يعرفه و يجتنبه ، و ليكن مذهبك الرحمة ، و لا قوة إلا بالله (41) .

و أما حق الناصح : فأن تلين له جناحك ، ثم تشرئب له قلبك ، و تفتح له سمعك حتى تفهم عنه نصيحته ، ثم تنظر فيها فإن كان وفق فيها للصواب ، حمدت الله على ذلك ، و قبلت منه ، و عرفت له نصيحته . و إن لم يكن وفق لها فيه رحمته ، و لم تتهمه ، و علمت أنه لم يألك نصحا ، إلا أنه أخطأ ، إلا أن يكون عندك مستحقا للتهمة ، فلا تعبأ بشيء من أمره على كل حال ، و لا قوة إلا بالله (42) .

و أما حق الكبير : فإن حقه توقير سنه ، و إجلال إسلامه إذ كان من أهل الفضل في الإسلام ، بتقديمه فيه ، و ترك مقابلته عند الخصام ، و ل تسبقه إلى طريق ، و لا تؤمه في طريق ، و لا تستجهله ، و إن جهل عليك تحملت ، و أكرمته بحق إسلامه مع سنه ، فإنما حق السن بقدر الإسلام ، و لا قوة إلا بالله (43) .

و أما حق الصغير : فرحمته ، و تثقيفه ، و تعليمه ، و العفو عنه ، و الستر عليه ، و الرفق به ، و المعونة له ، و الستر على جرائر حداثته ، فإنه سبب للتوبة و المداراة له ، و ترك مماحكته ، فإن ذلك أدنى لرشده (44) .

و أما حق السائل : فإعطاؤه : إذا تيقنت صدقه ، و قدرت على سد حاجته ، و الدعاء له فيما نزل به ، و المعاونة له على طلبته . و إن شككت في صدقه : و سبقت إليه التهمة له ، و لم تعزم على ذلك ، لم تأمن أن يكون من كيد الشيطان أراد أن يصدك عن حظك ، و يحول بينك و بين التقرب إلى ربك ، فتركته بستره ، و رددته ردا جميلا . و إن غلبت نفسك في أمره و أعطيته على ما عرض في نفسك منه ، فإن ذلك من عزم الأمور (45).

و أما حق المسئول : فحقه إن أعطى قبل منه ما أعطى ؛ بالشكر له ، و المعرفة لفضله ، و طلب وجه العذر في منعه ، و أحسن به الظن ، و اعلم أنه إن منع فما له منع ، و أن ليس التثريب في ماله ، و إن كان ظالما ، فإن الإنسان لظلوم كفار (46) .

و أما حق من سرك الله به و على يديه : فإن كان تعمدها لك : حمدت الله أولاً ، ثم شكرته على ذلك بقدره في موضع الجزاء ، و كافأته على فضل الابتداء ، و أرصدت له المكافأة . و إن لم يكن تعمدها : حمدت الله و شكرته ، و علمت أنه منه توحدك بها ، و أحببت هذا إذ كان سببا من أسباب نعم الله عليك ، و ترجو له بعد ذلك خيرا ، فإن أسباب النعم بركة حيث ما كانت ، و إن كان لم يتعمد ، و لا قوة إلا بالله (47) .

و أما حق من سائك القضاء على يديه بقول أو فعل : فإن كان تعمده : كان العفو أولى بك ، لما فيه له من القمع ، و حسن الأدب مع كثير أمثاله من الخلق ، فإن الله يقول : { وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُوْلَئِكَ مَ عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ {41} إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ {42} وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ } الشورى43 ، و قال عز و جل : { وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ } النحل126 ، هذا في العمد . فإن لم يكن عمدا : لم تظلمه بتعمد الانتصار منه ، فتكون قد كافأته في تعمد على خطأ ، و رفقت به ، و رددته بألطف ما تقدر عليه ، و لا قوة إلا بالله (48) .

و أما حق أهل ملتك عامة : فإضمار السلامة ، و نشر جناح الرحمة ، و الرفق بمسيئهم ، و تألفهم و استصلاحهم ، و شكر محسنهم إلى نفسه و إليك ، فإن إحسانه إلى نفسه إحسانه إليك ، إذا كف عنك أذاه و كفاك مئونته ، و حبس عنك نفسه ، فعمهم جميعا بدعوتك ، و انصرهم جميعا بنصرتك ، و أنزلتهم جميعا منك منازلهم كبيرهم ، بمنزلة الوالد ، و صغيرهم بمنزلة الولد ، و أوسطهم بمنزلة الأخ ، فمن أتاك تعاهدته بلطف ورحمة ، وصل أخاك بما يجب للأخ على أخيه (49) .

و أما حق أهل الذمة : فالحكم فيهم أن تقبل منهم ما قبل الله ، و تفي بما جعل الله لهم من ذمته و عهده ، و تكلهم إليه فيما طلبوا من أنفسهم ، و أجبروا عليه ، و تحكم فيهم بما حكم الله به على نفسك فيما جرى بينك و بينهم من معاملة ، و ليكن بينك و بين ظلمهم من رعاية ذمة الله ، و الوفاء بعهده و عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حائل ، فإنه بلغنا أنه قال : من ظلم معاهد كنت خصمه ، فاتق الله ، و لا حول و لا قوة إلا بالله (50) .

فهذه خمسون حقا : محيطا بك ، لا تخرج منها في حال من الأحوال ، يجب عليك رعايتها ، و العمل في تأديتها ، و الاستعانة بالله جل ثناؤه على ذلك ، و لا حول و لا قوة إلا بالله ، و الحمد لله رب العالمين .

تحف ‏العقول ص255. وذكره الأمالي للصدوق ص368م59ح1 .

يا طيب : هذه كانت أهم الحقوق التي يجب على الإنسان أن يلتزم بها ، ولا يحق للطيب أن يفرط بها ويضيعها إن كان حقا يحب الله وهداه ودينه القيم ، فقد عرفنا كل خير وصلاح وهدى نور يجعلنا في محل الكرامة والخير والفضيلة والخلق والخُلق الحسن والآداب الكريمة ، وبها يكون الإنسان فاضل كريم شريف في نفسه وفي قومه وعند الله ، وبهجرها يكون قد ضيع حق لله أو حق نفسه أو لعلمه أو لعمله أو لأهله أو لقومه ، فيكون مقصر ليس في محل الكرامة بل يضع من نفسه بقدر تفريطه ، ويألم به ويطالب به ، بل قد يكون لئيم في واقعه والعياذ بالله .

والطيب : يقرأ ويتعلم ويعلم ، ليعمل وليتصف بها ، ليكون في نفسه عزيز النفس كريم الطبع شريف الحقيقة والأصل ، فيطيب وجوده بكل خير ، وفضيلة متجلية منه ، ويكون بارا حقا ، بل من المقربين عند الله ، وأسأل الله أن يمكنن وإياكم منها بحق نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، وإنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .





مواعظ الإمام الطويلة :

يا طيب : توجد مواعظ كثيرة للإمام ونختار منها بعضا ، وأسأل الله أن يوفقنا لكتابة كل ما وجدنا من المواعظ عنه :

موعظة الإمام في الزهد :

يا طيب : بارك الله فيكم وتقبل الله طلبكم للعلم ومتابعة الحكم الكريمة لأهل البيت عليه السلام ، ولكم هذه المواعظ الكريمة عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام في الزهد وترغيب بالآخرة  :

عن الحسن بن محبوب قال أخبرنا عبد الله بن غالب الأسدي عن أبيه عن سعيد بن المسيب قال : كان علي بن الحسين عليه السلام :

 يعظ الناس : و يزهدهم في الدنيا ، و يرغبهم في أعمال الآخرة ، بهذا الكلام ، في كل جمعة في مسجد الرسول صلى الله عليه وآله ، و حفظ عنه و كتب ، كان يقول :

أيها الناس : اتقوا الله ، و أعلموا أنكم إليه ترجعون ، فتجد كل نفس ما عملت في هذه الدنيا من خير محضرا ، و ما عملت من سوء تود لو أن بينه و بينه أمدا بعيدا ، و يحذركم الله نفسه، ويحك ابن آدم الغافل و ليس بمغفول عنه.

ابن آدم : إن أجلك أسرع شيء إليك ، قد أقبل نحوك حثيثا يطلبك ، و يوشك أن يدركك ، و كان قد أوفيت أجلك ، و قبض الملك روحك ، و صرت إلى منزل وحيدا ، فرد إليك فيه روحك ، و اقتحم عليك فيه ملكاك منكر و نكير لمساءلتك ، و شديد امتحانك .

ألا و إن أول ما يسألانك :

 عن : ربك الذي كنت تعبده .

و عن : نبيك الذي أرسل إليك .

و عن : دينك الذي كنت تدين به .

و عن : كتابك الذي كنت تتلوه .

و عن : إمامك الذي كنت تتولاه .

ثم عن : عمرك فيما أفنيته ، و مالك من أين اكتسبته ، و فيم أتلفته .

 فخذ حذرك : و انظر لنفسك ، و أعد للجواب قبل الامتحان ، و المساءلة و الاختبار .

فإن تك مؤمنا تقيا : عارفا بدينك ، متبعا للصادقين ، موالي لأولياء الله ، لقاك الله حجتك ، و أنطق لسانك بالصواب ، فأحسنت الجواب ، فبشرت بالجنة و الرضوان من الله ، و الخيرات الحسان ، و استقبلتك الملائكة بالروح و الريحان .

و إن لم تكن كذلك : تلجلج لسانك ، و دحضت حجتك ، و عميت عن الجواب ، و بشرت بالنار ، و استقبلتك ملائكة العذاب ، بنزل من حميم ، و تصلية جحيم .

 فأعلم ابن آدم : أن من وراء هذا ما هو أعظم ، و أقطع و أوجع للقلوب ، يوم القيامة :

 ذلك يوم : مجموع له الناس ، و ذلك يوم مشهود ، و يجمع الله فيه الأولين و الآخرين.

 ذلك يوم : ينفخ فيه في الصور ، و تبعثر فيه القبور .

 ذلك يوم : الآزفة ، إذ القلوب لدى الحناجر كاظمة .

ذلك يوم : لا يقال فيه عثرة ، و لا تؤخذ من أحد فيه فدية ، و لا تقبل من أحد فيه معذرة ، و لا لأحد فيه مستقبل توبة .

ليس إلا : الجزاء بالحسنات ، و الجزاء بالسيئات .

فمن كان من المؤمنين : و عمل في هذه الدنيا مثقال ذرة من خير وجده ، و من كان من المؤمنين عمل في هذه الدنيا ، مثقال ذرة من شر وجده .

 فاحذروا أيها الناس : من المعاصي و الذنوب ، فقد نهاكم الله عنها ، و حذركموها في الكتاب الصادق ، و البيان الناطق ، و لا تأمنوا مكر الله ، و شدة أخذه ، عند ما يدعوكم إليه الشيطان اللعين  من عاجل الشهوات و اللذات في هذه الدنيا .

 فإن الله يقول :

{ إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ } .

فأشعروا قلوبكم : خوف الله ، و تذكروا ما قد وعدكم الله في مرجعكم إليه من حسن ثوابه ، كما قد خوفكم من شديد العقاب ، فإنه من خاف شيئا حذره ، و من حذر شيئا نكله ، فلا تكونوا من الغافلين المائلين إلى زهرة الحياة الدني ، فتكونوا من الذين مكروا السيئات .

وقد قال الله تعالى : { أَ فَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ } .

فاحذروا : ما قد حذركم الله ، و اتعظوا بما فعل بالظلمة في كتابه ، و لا تأمنوا أن ينزل بكم بعض ما تواعد به القوم الظالمين في الكتاب .

تالله لقد : وعظتم بغيركم ، و إن السعيد من وعظ بغيره ، و لقد أسمعكم الله في الكتاب ما فعل بالقوم الظالمين من أهل القرى قبلكم .

حيث قال : { وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ كانَتْ ظالِمَةً وَ أَنْشَأْنا بَعْدَها قَوْماً آخَرِينَ فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ يعني يهربون لا تَرْكُضُوا وَ ارْجِعُوا إِلى ما أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَ مَساكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْئَلُونَ } .

فلما أتاهم العذاب قالُوا : { يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ  فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ  حَتَّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ } .

و ايم الله : إن هذه لعظة لكم و تخويف إن اتعظتم و خفتم .

ثم رجع إلى القول : من الله في الكتاب على أهل المعاصي و الذنوب ، فقال : { وَ لَئِنْ مَسَّتْهُمْ نَفْحَةٌ مِنْ عَذابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ } .

فإن قلتم أيها الناس : إن الله إنما عنى بهذا أهل الشرك ، فكيف ذاك ، و هو يقول : { وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْن بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ } .

أعلموا عباد الله : أن أهل الشرك لا تنصب لهم الموازين ، و لا تنشر لهم الدواوين .

و إنما تنشر الدواوين : لأهل الإسلام .

 فاتقوا الله : عباد الله .

و أعلموا : أن الله لم يختر هذه الدنيا و عاجلها لأحد من أوليائه ، و لم يرغبهم فيها ، و في عاجل زهرتها ، و ظاهر بهجتها .

و إنما خلق الدنيا : و خلق أهلها ، ليبلوهم أيهم أحسن عملا لآخرته .

و ايم الله : لقد ضرب لكم فيها الأمثال ، و صرف الآيات لقوم يعقلون .

فكونوا : أيها المؤمنون ، من القوم الذين يعقلون ، و لا قوة إلا بالله .

 و ازهدوا فيما زهدكم الله فيه : من عاجل الحياة الدنيا ، فإن الله يقول و قوله الحق : { إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاء فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ  وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَآ  أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَارًا  فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ } .

فكونوا عباد الله : من القوم الذين يتفكرون .

 و لا تركنوا إلى الدنيا : فإن الله قد قال : لمحمد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم و لأصحابه : { وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ } .

 و لا تركنوا : إلى زهرة الحياة الدنيا .

و ما فيها ركون : من اتخذها دار قرار ، و منزل استيطان ، فإنه دار قلعة و بلغة ، و دار عمل ، فتزودوا الأعمال الصالحة منها ، قبل أن تخرجوا منه ، و قبل الإذن من الله في خرابها ، فكان قد أخربها الذي عمرها أول مرة و ابتدأه ، و هو ولي ميراثها .

و أسأل الله : لنا و لكم العون على تزود التقوى و الزهد فيه ، جعلنا الله و إياكم من الزاهدين في عاجل زهرة الحياة الدنيا ، و الراغبين العاملين لأجل ثواب الآخرة ، فإنما نحن به و له .

الأمالي ‏للصدوق ص504م 76 ح1 .





حديث المقاصة يوم الحساب :

يا طيب : هذا حديث شريف في بيان كيفية المقاصة بين العباد في الحساب وأخذ حقوق المظلوم من الظالم من صحيفة الطيبين :

عن ثوير بن أبي فاختة قال : سمعت علي بن الحسين عليه السلام يحدث في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : حدثني أبي ( الحسين بن علي عليه السلام ) أنه سمع أباه علي بن أبي طالب عليه السلام يحدث الناس قال :

إذا كان يوم القيامة : بعث الله تبارك و تعالى الناس من حفرهم عزلا بهما جردا مردا في صعيد واحد ، يسوقهم النور و تجمعهم الظلمة ، حتى يقفو على عقبة المحشر ، فيركب بعضهم بعضا ، و يزدحمون دونها ، فيمنعون من المضي ، فتشتد أنفاسهم ، و يكثر عرقهم ، و تضيق بهم أمورهم ، و يشتد ضجيجهم ، و ترتفع أصواتهم ، قال : و هو أول هول من أهوال يوم القيامة :

قال : فيشرف الجبار تبارك و تعالى عليهم من فوق عرشه في ظلال من الملائكة ، فيأمر ملكا من الملائكة فينادي فيهم :

يا معشر الخلائق : أنصتوا و استمعوا منادي الجبار ، قال : فيسمع آخرهم كما يسمع أولهم ، قال : فتنكسر أصواتهم عند ذلك و تخشع أبصارهم ، و تضطرب فرائصهم و تفزع قلوبهم ، و يرفعون رءوسهم إلى ناحية الصوت مهطعين إلى الداع .

قال : فعند ذلك يقول : الكافر هذا يوم عسر .

قال : فيشرف الجبار عز و جل الحكم العدل عليهم فيقول : أن الله لا إله إلا أنا الحكم العدل الذي لا يجور اليوم ، أحكم بينكم بعدلي و قسطي ، لا يظلم اليوم عندي أحد اليوم ، آخذ للضعيف من القوي بحقه ، و لصاحب المظلمة بالمظلمة بالقصاص من الحسنات و السيئات ، و أثيب على الهبات .

و لا يجوز هذه العقبة اليوم : عندي ظالم و لأحد عنده مظلمة ، إلا مظلمة يهبها صاحبها ، و أثيبه عليها ، و آخذ له بها عند الحساب .

فتلازموا أيها الخلائق : و اطلبوا مظالمكم عند من ظلمكم بها في الدنيا ، و أنا شاهد لكم عليهم ، و كفى بي شهيدا .

قال : فيتعارفون و يتلازمون ، فلا يبقى أحد له عند أحد مظلمة أو حق إلا لزمه بها .

قال : فيمكثون ما شاء الله ، فيشتد حالهم ، و يكثر عرقهم و يشتد غمهم و ترتفع أصواتهم بضجيج شديد ، فيتمنون المخلص منه بترك مظالمهم لأهله .

قال : و يطلع الله عز و جل على جهدهم ، فينادي مناد من عند الله تبارك و تعالى ، يسمع آخرهم كما يسمع أولهم : يا معشر الخلائق أنصتوا لداعي الله تبارك و تعالى ، و اسمعوا إن الله تبارك و تعالى يقول لكم‏ :

أنا الوهاب : إن أحببتم أن تواهبوا ، فتواهبوا .

و إن لم تواهبوا أخذت لكم بمظالمكم .

قال : فيفرحون بذلك لشدة جهدهم و ضيق مسلكهم و تزاحمهم .

قال : فيهب بعضهم مظالمهم رجاء أن يتخلصوا مما هم فيه ، و يبقى بعضهم ، فيقول : يا رب مظالمنا أعظم من أن نهبها .

قال : فينادي مناد من تلقاء العرش أين رضوان خازن الجنان ، جنان الفردوس ، قال : فيأمره الله عز و جل أن يطلع من الفردوس قصرا من فضة بما فيه من الأبنية و الخدم .

قال : فيطلعه عليهم في حفافة القصر الوصائف و الخدم .

قال : فينادي مناد من عند الله تبارك و تعالى يا معشر الخلائق ارفعوا رءوسكم فانظروا إلى هذا القصر .

قال : فيرفعون رءوسهم فكلهم يتمناه .

قال فينادي مناد من عند الله تعالى : يا معشر الخلائق هذ لكل من عفا عن مؤمن ، قال : فيعفون كلهم إلا القليل .

قال : فيقول الله عز و جل : لا يجوز إلى جنتي اليوم ظالم ، و لا يجوز إلى ناري اليوم ظالم و لأحد من المسلمين عنده مظلمة حتى يأخذها منه عند الحساب ، أيها الخلائق استعدوا للحساب .

قال : ثم يخلى سبيلهم فينطلقون إلى العقبة يكرد بعضهم بعض حتى ينتهوا إلى العرصة ، و الجبار تبارك و تعالى على العرش ، قد نشرت الدواوين ، و نصبت الموازين ، و أحضر النبيون و الشهداء ، و هم الأئمة يشهد كل إمام على أهل عالمه ، بأنه قد قام فيهم بأمر الله عز و جل ، و دعاهم إلى سبيل الله .

قال : فقال له رجل من قريش : يا ابن رسول الله إذا كان للرجل المؤمن عند الرجل الكافر مظلمة ، أي شيء يأخذ من الكافر و هو من أهل النار ؟

 قال : فقال له علي بن الحسين عليه السلام : يطرح عن المسلم من سيئاته بقدر ما له على الكافر ، فيعذب الكافر بها مع عذابه بكفره ، عذابا بقدر ما للمسلم قبله من مظلمة.

قال : فقال له القرشي : فإذا كانت المظلمة للمسلم عند مسلم كيف ، تؤخذ مظلمته من المسلم ؟

 قال : يؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر حق المظلوم ، فتزاد على حسنات المظلوم ؟

 قال : فقال له القرشي : فإن لم يكن للظالم حسنات ؟

 قال : إن لم يكن للظالم حسنات ، فإن للمظلوم سيئات يؤخذ من سيئات المظلوم فتزاد على سيئات الظالم  .

الكافي ج8ص104ح79 .

يا طيب : على فرض إن الله يحبنا ، و يعفو عن المؤمن فيعوضه الله حسنات كما عرفت ، ولكن نحن الظالمين بالغيبة أو بالحسد والنميمة والسخرية والخداع والمكر وغيرها والعياذ بالله منها ، وأستغفر الله من شيء منها إن فعلناه ، وأسأله أن يوفقنا للخروج منها في الدنيا ، فإن هناك الموقف صعب ، إذا لم نتب قد خسرنا الحسنات واكتسبنا سيئات ، أو تنزلنا في المرتبة عند الله والعياذ بالله من ذلك الموقف وأن لا يجعلنا أن نقف فيه ظالمين ، وهذه أحاديث أخرى مناسبة تحذرن وتنبهنا لعدم التوجه حتى بالفكر للأعمال الطالحة الخبيثة :

يا أخي : قبل الطاعة وعمل المستحبات يجب أن لا نتعب عليه ثم نعطيها لغيرنا ، فهذا هراء في العلم والعمل والعقل والبصيرة ، وعلى فرض قبول طاعتنا نعطي ثوابها الجزيل لمن نكره ونبغض ونحسد ، أو الأتعس والأنكى أن نأخذ سيئات غيرنا ليرضى عنا، ونحن شاكرين له لكي يتجاوز عنا ولا ندخل النار فيقل شأننا عند الله ورسوله ونعيمنا الأبدي ، فإن العلم والمنزلة والشأن والجاه ولمال لنا قد قسمه الله لنا بما يصلحنا وحسب جدنا في طلب الحلال منه ليثيبنا ، وإن فقدنا شيء منه غير محاسبون عليه ، وإنه لابد أن نغبط من وفقه الله لشيء منها ليثيبنا الله تعالى ويعطينا كما يعطيه ، لا نتمنى زواله أو السعي لزواله بأي طريق كان ، وبالخصوص بالغش والمكر والخداع والغيبة والكذب فإنه مهبط لعملنا ومحبطه:

فيا طيب : الأحاديث كثيرة في بيان حبط هذه الأعمال السيئة والخبيثة للحسنات وذهبها بالثواب فتجعله هباء منثورا ، وتأخذه فيعطيه لغيره ، وقد عدة كتب كثيرة لبيان الكبائر والصغائر وآثارها والتحذير منها ، وهنا نذكر بعض الأحاديث في أس المنكرات ونحذر منها وراجع بعضها في الكافي الجزء الثاني، وسيأتي بحث آخر في أحوال المؤمنين ونزاهتم عن مثل هذه ، ونذكرها لأنه أولا التخلي ثم التحلي بالأمور الطيبة الحسنة ، ثم التجلي بنورها وبركاتها ، وهذه أحاديث في بعض المسائل المنكرة الواجب التخلي و التطهر منها ومن أمثالها .





قصة خوف الله ورحمته :

عن أبي حمزة الثمالي عن زين العابدين علي بن الحسين عليه السلام قال :

 كان في بني إسرائيل : رجل ينبش القبور ، فاعتل جار له ، فخاف الموت ، فبعث إلى النباش ، فقال له : كيف كان جواري لك ؟ قال : أحسن جوار .

قال : فإن لي إليك حاجة ؟ قال : قضيت حاجتك .

قال : فأخرج إليه كفنين ، فقال : أحب أن تأخذ أحبهم إليك ، و إذا دفنت فلا تنبشني .

فامتنع النباش : من ذلك ، و أبى أن يأخذه .

فقال له الرجل : أحب أن تأخذه ، فلم يزل به ، حتى أخذ أحبهم إليه .

و مات الرجل :  فلما دفن ، قال النباش : هذا قد دفن ، فما علمه بأني تركت كفنه‏ أو أخذته ، لآخذنه ، فأتى قبره فنبشه .

فسمع صائحا يقول : و يصيح به ، لا تفعل ، ففزع النباش من ذلك ، فتركه و ترك ما كان عليه .

و قال لولده : أي أب كنت لكم ؟

قالوا : نعم الأب كنت لنا .

قال : فإن لي إليكم حاجة ؟

قالوا : قل ما شئت ، فإنا سنصير إليه إن شاء الله .

قال : و أحب إذا أنا مت ، أن تأخذوني فتحرقوني بالنار ، فإذ صرت رمادا ، فادفنوني ، ثم تعمدوا بي ريحا عاصفا ، فذروا نصفي في البر ، و نصفي في البحر .  قالوا : نفعل .

فلما مات : فعل به ولده ما أوصاهم به ، فلما ذروه .

قال الله جل جلاله  للبر : أجمع ما فيك ، و قال للبحر : أجمع ما فيك .

فإذا الرجل: قائم بين يدي الله جل جلاله.

فقال الله عز و جل : ما حملك على ما أوصيت به ولدك أن يفعلوه بك ؟

قال : حملني على ذلك و عزتك خوفك .

فقال الله جل جلاله : فإني سأرضي خصومك ، و قد آمنت خوفك ، و غفرت لك .

الأمالي للصدوق ص327م53ح3 .





مواعظ الإمام المتوسطة :

يا طيب : ذكرنا قسم منها في المواضيع السابقة ، وسيأتي في أخرى وهذ قسما منها ، فتدبر فيها ، فإنه فيها حكم كريمة :

وصيته لبعض بنيه :

قال عليه السلام :  لِبَعْضِ بَنِيهِ‏ يَا بُنَيَّ انْظُرْ خَمْسَةً : فَلَا تُصَاحِبْهُمْ وَ لَا تُحَادِثْهُمْ وَ لَا تُرَافِقْهُمْ فِي طَرِيقٍ .

فقال : يا أبه منهم ؟ قال عليه السلام :

يَّاكَ : وَ مُصَاحَبَةَ الْكَذَّابِ ، فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ السَّرَابِ ، يُقَرِّبُ لَكَ الْبَعِيدَ،  وَ يُبَعِّدُ لَكَ الْقَرِيبَ .

وَ إِيَّاكَ : وَ مُصَاحَبَةَ الْفَاسِقِ ، فَإِنَّهُ بَايَعَكَ بِأُكْلَةٍ أَوْ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ .

وَ إِيَّاكَ : وَ مُصَاحَبَةَ الْبَخِيلِ ، فَإِنَّهُ يَخْذُلُكَ فِي مَالِهِ ، أَحْوَجَ مَا تَكُونُ إِلَيْهِ .

وَ إِيَّاكَ : وَ مُصَاحَبَةَ الْأَحْمَقِ ، فَإِنَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَنْفَعَكَ فَيَضُرُّكَ .

وَ إِيَّاكَ : وَ مُصَاحَبَةَ الْقَاطِعِ لِرَحِمِهِ ، فَإِنِّي وَجَدْتُهُ مَلْعُوناً فِي كِتَابِ اللَّهِ‏ . ( عزّ و جلّ في ثلاثة مواضع : قال اللّه عزّ و جلّ : { فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُو فِي الْأَرْضِ وَ تُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ ، أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَ أَعْمى‏ أَبْصارَهُمْ‏ } ، و قال عزّ و جلّ : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَ لَهُمْ سُوءُ الدَّارِ} ، و قال في البقرة : { الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ وَ يَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ } ) .ما بين القوسين رواه الكليني في الكافي ج2ص641 .




موعظة في الزهد :

قال الإمام علي بن الحسين عليه السلام :

 إِنَّ الدُّنْيَا : قَدِ ارْتَحَلَتْ مُدْبِرَةً ، وَ إِنَّ الْآخِرَةَ قَدْ تَرَحَّلَتْ مُقْبِلَةً ، وَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَنُونَ .

 فَكُونُوا : مِنْ أَبْنَاءِ الْآخِرَةِ  ، وَ لَا تَكُونُو مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا ،

فَكُونُوا : مِنَ الزَّاهِدِينَ فِي الدُّنْيَا ، الرَّاغِبِينَ فِي الْآخِرَةِ .

لِأَنَّ الزَّاهِدِينَ : اتَّخَذُوا أَرْضَ اللَّهِ بِسَاطاً ، وَ التُّرَابَ فِرَاشاً ، وَ الْمَدَرَ وِسَاداً ، وَ الْمَاءَ طِيباً ، وَ قَرَضُو الْمَعَاشَ مِنَ الدُّنْيَا تَقْرِيضاً .

اعْلَمُوا : أَنَّهُ مَنِ اشْتَاقَ إِلَى الْجَنَّةِ ، سَارَعَ إِلَى الْحَسَنَاتِ ، وَسَلَا عَنِ الشَّهَوَاتِ.

وَمَنْ أَشْفَقَ مِنَ النَّارِ : بَادَرَ بِالتَّوْبَةِ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذُنُوبِهِ ، وَرَاجَعَ عَنِ الْمَحَارِمِ .

وَ مَنْ زَهِدَ  : فِي الدُّنْيَا ، هَانَتْ عَلَيْهِ مَصَائِبُهَ ، وَ لَمْ يَكْرَهْهَا، .

وَ إِنَّ لِلَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ : لَعِبَاداً ، قُلُوبُهُمْ مُعَلَّقَةٌ بِالْآخِرَةِ وَ ثَوَابِهَا ، وَ هُمْ كَمَنْ رَأَى أَهْلَ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ مُخَلَّدِينَ مُنَّعَمِينَ ، وَ كَمَنْ رَأَى أَهْلَ النَّارِ فِي النَّارِ مُعَذَّبِينَ ، فَأُولَئِكَ شُرُورُهُمْ وَ بَوَائِقُهُمْ عَنِ النَّاسِ مَأْمُونَةٌ ، وَ ذَلِكَ أَنَّ قُلُوبَهُمْ عَنِ النَّاسِ مَشْغُولَةٌ بِخَوْفِ اللَّهِ ، فَطَرْفُهُمْ عَنِ الْحَرَامِ مَغْضُوضٌ ، وَ حَوَائِجُهُمْ إِلَى النَّاسِ خَفِيفَةٌ ، قَبِلُوا الْيَسِيرَ مِنَ اللَّهِ فِي‏ الْمَعَاشِ وَ هُوَ الْقُوتُ فَصَبَرُوا أَيَّاماً قِصَاراً لِطُولِ الْحَسْرَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ .

تحف العقول ص281.





وصية الإمام للشيعة :

 عن جابر بن يزيد الجعفي قال : خدمت سيدنا الإمام علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .

و ودعته و قلت : أفدني .

فقال : يا جابر بلغ شيعتي مني السلام  ، و أعلمهم : أنه ل قرابة بيننا و بين الله عز و جل ، ولا يقترب إليه إلا بالطاعة له .

يا جابر : من أطاع الله و أحبنا فهو ولينا ، و من عصى الله لم ينفعه حبنا ، و من أحبنا و أحب عدونا فهو في النار .

يا جابر : من هذا الذي سأل الله تعالى فلم يعطه ، و توكل عليه فلم يكفه ، و وثق به فلم ينجه .

يا جابر : أنزل الدنيا منك كمنزل نزلته ، فإن الدنيا للتحويل عنها ، و هل الدنيا إلا دابة ركبتها في منامك ، فاستيقظت ، و أنت على فراشك .

هي عند ذوي الألباب : كفيء الظلال .

لا إله إلا الله : إعذار لأهل دعوة الإسلام.

و الصلاة : تثبيت للإخلاص ، و تنزيه عن الكبر .

و الزكاة : تزويد في الرزق .

و الصيام و الحج : لتسكين القلوب .

و القصاص و الحدود : لحقن الدماء .

فإن أهل البيت : نظام الدين .

جعلنا الله : و إياكم ، من الذين يخشون ربهم بالغيب ، و هم من الساعة مشفقون .

الفضائل ص8 .





أنواع الذنوب وعقابها :

عن أبي خالد الكابلي يقول : سمعت زين‏ العابدين‏ علي‏ بن‏ الحسين‏ عليه السلام يقول‏:

 الذنوب التي تغير النعم :  البغي على الناس ، و الزوال عن العادة في الخير ، و اصطناع المعروف ، و كفران النعم ، و ترك الشكر ، قال الله عز و جل : { إِنَّ  اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَ بِأَنْفُسِهِمْ (11) ‏ } الرعد .

 و الذنوب التي تورث الندم : قتل النفس التي حرم الله ، قال الله تعالى‏ : { ) وَلاَ  تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ (33) } الإسراء ، و قال عز و جل في قصة قابيل حين قتل أخاه هابيل فعجز عن دفنه : { فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ (30) } المائدة ، و ترك صلة القرابة حتى يستغنوا ، و ترك الصلاة حتى يخرج وقتها ، و ترك الوصية و رد المظالم ، و منع الزكاة حتى يحضر الموت و ينغلق اللسان .

و الذنوب التي تنزل النقم : عصيان العارف بالبغي ، و التطاول على الناس و الاستهزاء بهم‏  و السخرية منهم .

و الذنوب التي تدفع القسم : إظهار الافتقار ، و النوم عن العتمة ، و عن صلاة الغداة ، و استحقار النعم ، و شكوى المعبود عز و جل .

و الذنوب التي تهتك العصم : شرب الخمر ، و اللعب بالقمار ، و تعاطي ما يضحك الناس من اللغو و المزاح ، وذكر عيوب الناس ، و مجالسة أهل الريب .

و الذنوب التي تنزل البلاء : ترك إغاثة الملهوف ، و ترك معاونة المظلوم ، و تضييع الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .

و الذنوب التي تديل الأعداء : المجاهرة بالظلم ، و إعلان الفجور ، و إباحة المحظور ، و عصيان الأخيار ، و الانطباع‏ للأشرار .

و الذنوب التي تعجل الفناء : قطيعة الرحم ، و اليمين الفاجرة ، و الأقوال الكاذبة ، و الزناء ، و سد طرق المسلمين ، و ادعاء الإمامة بغير حق .

و الذنوب التي تقطع الرجاء : اليأس من روح الله ، و القنوط من رحمة الله ، و الثقة بغير الله ، و التكذيب بوعد الله عز و جل .

و الذنوب التي تظلم الهواء : السحر ، و الكهانة ، و الإيمان بالنجوم ، و التكذيب بالقدر ، و عقوق الوالدين .

و الذنوب التي تكشف الغطاء : الاستدانة بغير نية الأداء ، و الإسراف في النفقة على الباطل ، و البخل على الأهل و الولد و ذوي الأرحام ، و سوء الخلق ، و قلة الصبر ، و استعمال الضجر و الكسل ، و الاستهانة بأهل الدين .

و الذنوب التي ترد الدعاء : سوء النية «4»و خبث السريرة ، و النفاق مع الإخوان ، و ترك التصديق بالإجابة ، و تأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها ، و ترك التقرب إلى الله عز و جل بالبر و الصدقة ، و استعمال البذاء ، و الفحش في القول .

و الذنوب التي تحبس غيث السماء : جور الحكام في القضاء ، و شهادة الزور ، و كتمان الشهادة ، و منع الزكاة ، و القرض و الماعون ، و قساوة القلوب على أهل الفقر و الفاقة ، و ظلم اليتيم و الأرملة ، و انتهار السائل و رده بالليل.

معاني الأخبار ص270ح2 .





ما يحب الله منا :

عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت علي‏ بن‏ الحسين‏ زين‏ العابدين‏ عليه السلام يقول ‏:

 ما من خطوة : أحب إلى الله عز و جل ، من خطوتين :

 خطوة : يسد بها المؤمن صفا في سبيل الله .

و خطوة : إلى ذي رحم قاطع .

و ما من جرعة : أحب إلى الله عز و جل ، من جرعتين :

جرعة غيظ : ردها مؤمن بحلم .

و جرعة مصيبة : ردها مؤمن بصبر .

و ما من قطرة : أحب إلى الله عز و جل ، من قطرتين :

قطرة دم : في سبيل الله .

و قطرة دمعة : في سواد الليل لا يريد بها عبد إلا الله عز و جل.

الخصال ج1ص50ح60 .





أحاديث في أبواب متنوعة :

يا طيب : أحاديثه عليه السلام كثيرة ، وتجدها في كل أبواب الهدى وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف ، نختار منها :

في طلب العلم :

  وعن أبي حمزة عن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال :

لو يعلم الناس : ما في طلب العلم .

لطلبوه : و لو بسفك المهج ، و خوض اللجج .

إن الله تبارك و تعالى : أوحى إلى دانيال :

أن أمقت : عبيدي إلي ، الجاهل ، المستخف بحق أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم .

و أن أحب : عبيدي إلي ، التقي الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء .

الكافي ج1ص35ح5 .

و عن علي بن هاشم بن البريد عن أبيه قال : جاء رجل إلى علي بن الحسين عليه السلام ، فسأله عن مسائل فأجاب ، ثم عاد ليسأل عن مثلها .

فقال علي بن الحسين عليه السلام : مكتوب في الإنجيل ، لا تطلبو علم ما لا تعلمون ، و لما تعملوا بما علمتم .

فإن العلم : إذا لم يعمل به ، لم يزدد صاحبه إلا كفرا ، و لم يزدد من الله إلا بعدا .

الكافي ج1ص44ح4 .





أحاديث في التوحيد :

عن عاصم بن حميد قال: قال سُئل علي بن الحسين عليه السلام عن التوحيد؟

 فقال : إن الله عز و جل ، علم أنه يكون في آخر الزمان ، أقوام متعمقون .

فأنزل الله تعالى : { قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1)} الإخلاص.

 و الآيات من سورة الحديد ، إلى قوله : { و هو عليم بذات الصدور } .

فمن رام : وراء ذلك ، فقد هلك .

الكافي ج1ص91ح3 .

وتمام الآيات : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (1) اللَّهُ الصَّمَدُ (2) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (3) وَلَمْ يَكُن لَّهُ  كُفُوًا أَحَدٌ (4) } الإخلاص .

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1) لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُحْيِي  وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2) هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (3) هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَ يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ  مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَ يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4) لَهُ  مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (5) يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ  وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) } الحديد .

وعن أبي حمزة قال : قال لي علي بن الحسين عليه السلام :

يا أبا حمزة : إن الله لا يوصف بمحدودية ، عظم ربنا عن الصفة .

فكيف : يوصف بمحدودية ، من لا يحد ، و لا تدركه الأبصار ، و هو يدرك الأبصار ، و هو اللطيف الخبير .

الكافي ج1ص100ح1 .

وعن ثابت بن دينار قال : سألت زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، عن الله جل جلاله ، هل يوصف بمكان ؟

فقال عليه السلام : تعالى الله عن ذلك .

قلت : فلم أسرى بنبيه محمد صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء ؟

قال عليه السلام : ليريه ملكوت السماء ، و ما فيها من عجائب صنعه ، و بدائع خلقه .

قلت: فقول الله عز و جل: { ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى(9)‏} النجم.

قال : ذاك رسول الله ، دنا من حجب النور ، فرأى ملكوت السماوات ، ثم تدلى فنظر من تحته إلى ملكوت الأرض ، حتى ظن أنه في القرب من الأرض ، كقاب قوسين أو أدنى .

الأمالي للصدوق ص150م30ح21 .

وعن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال :

لو اجتمع : أهل السماء و الأرض ، أن يصفوا الله بعظمته ، لم يقدرو .

الكافي ج1ص102ح4 .

و جاءت الرواية : أن علي بن الحسين عليه السلام : كان في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ذات يوم إذ سمع قوما يشبهون الله‏ تعالى بخلقه ، ففزع لذلك و ارتاع له ، و نهض حتى أتى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فوقف عنده و رفع صوته يناجي ربه .

فقال في مناجاته له :

إلهي بدت قدرتك و لم تبد هيئة ، فجهلوك و قدروك بالتقدير على غير ما به أنت ، شبهوك و أنا بريء يا إلهي من الذين بالتشبيه طلبوك ليس كمثلك شيء ، إلهي و لم يدركوك ، و ظاهر ما بهم من نعمة دليلهم عليك لو عرفوك و في خلقك ، يا إلهي مندوحة أن يناولوك بل سووك بخلقك ، فمن ثم لم يعرفوك و اتخذو بعض آياتك ربا فبذلك وصفوك ، فتعاليت يا إلهي عما به المشبهون نعتوك .

 الإرشاد ج2 ص153 .





الإمامة وشؤون الإمام :

عن أحمد بن محمد عن الوشاء : عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال : سمعته يقول : قال علي بن الحسين عليه السلام :

على الأئمة : من الفرض ما ليس على شيعتهم .

و على شيعتنا : ما ليس علينا ، أمرهم الله عز و جل أن يسألون .

قال : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) } النحل.

فأمرهم : أن يسألونا ، و ليس علينا الجواب ، إن شئنا أجبنا، و إن شئنا أمسكنا.

الكافي ج1ص212ح8 .

وعن سليمان بن مهران الأعمش عن الصادق جعفر بن محمد عن أبيه محمد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عليه السلام قال :

 نحن : أئمة المسلمين ، و حجج الله على العالمين ، و سادة المؤمنين ، و قادة الغر المحجلين ، و موالي المؤمنين .

و نحن : أمان أهل الأرض ، كما أن النجوم أمان لأهل السماء .

و نحن : الذين بنا يمسك الله‏ السماء أن تقع على الأرض إل بإذنه‏ ، و بنا يمسك الأرض أن تميد بأهلها ، و بنا ينزل الغيث ، و بنا ينشر الرحمة ، و يخرج بركات الأرض ، و لو لا ما في الأرض منا لساخت بأهلها .

قال عليه السلام : و لم تخلو الأرض منذ خلق الله آدم ، من حجة الله فيها ظاهر مشهور ، أو غائب مستور ، و لا تخلو إلى أن تقوم الساعة من حجة لله فيها ، و لو لا ذلك لم يعبد الله .

قال سليمان فقلت للصادق عليه السلام : فكيف ينتفع الناس بالحجة الغائب المستور .

قال عليه السلام : كما ينتفعون بالشمس إذا سترها السحاب .

الأمالي للصدوق ص186ح15 .

وعن أبي الجارود قال : قال علي بن الحسين عليه السلام :

ما ينقم : الناس منا ، فنحن و الله شجرة النبوة ، و بيت الرحمة ، و معدن العلم ، و مختلف الملائكة .

الكافي ج1ص221ح1 .

عن شريك عن أبي إسحاق قال : قلت لعلي بن الحسين عليه السلام : ما معنى قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 من كنت مولاه فعلي مولاه ؟

قال عليه السلام : أخبرهم أنه الإمام بعده .

الأمالي للصدوق ص123م26ح2 .





خصال العقلاء :

وعن الإمام : موسى بن جعفر عليه السلام قال في حديث العقل مع هشام .. : و قال علي بن الحسين عليه السلام :

مجالسة : الصالحين ، داعية إلى الصلاح .

و آداب : العلماء ، زيادة في العقل .

و طاعة : ولاة العدل ، تمام العز .

و استثمار : المال ، تمام المروءة .

و إرشاد : المستشير ، قضاء لحق النعمة .

و كف : الأذى ، من كمال العقل ، و فيه راحة البدن عاجلا و آجلا .

الكافي ج1ص20ح12 .





أهمية الأمانة :

عن أبي حمزة الثمالي قال : سمعت سيد العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام ، يقول لشيعته :

عليكم : بأداء الأمانة ، فو الذي بعث محمدا بالحق نبيا .

لو أن قاتل : أبي الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام .

ائتمنني : على السيف الذي قتله به ، لأديته إليه .

الأمالي‏ للصدوق ص246م43ح6 .





خصال الإيمان الكامل :

  عن أبي حمزة الثمالي، عن الإمام أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه السلام قال : كان أبي علي بن الحسين عليهما السلام يقول :

أربع : من كن فيه كمل إيمانه ، و محصت عنه ذنوبه ، و لقي ربه و هو عنه راض .

من وفى لله : بما جعل على نفسه للناس .

و صدق لسانه : مع الناس .

و استحيا : من كل قبيح عند الله و عند الناس.

و حسن خلقه : مع أهله .





الأمالي‏ للمفيد ص299م35ح9.الأمالي ‏للطوسي ص73م3ح106-15.

أحاديث في الأخلاق :

عن أبي حمزة الثمالي : عن علي بن الحسين عليه السلام قال :

 القول الحسن : يثري المال ، و ينمي الرزق ، و ينسي في الأجل ، و يحبب إلى الأهل ، و يدخل الجنة .

الأمالي للصدوق ص2م1ح1 .

وعن عمرو بن ثابت عن الإمام الصادق جعفر بن محمد عن أبيه عليهم السلام قال :  قال لي : علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام :

 في قول الله عز و جل‏ : { فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ (85) } الحجر .

قال : الْعَفْوَ مِنْ غَيْرِ عِتَابٍ .

الأمالي للصدوق ص336م54ح14 .

 

وقال أبو خالد الكابلي : سمعت علي بن الحسين يقول :

 من عف : عن محارم الله كان عابدا ، ومن رضي بقسم الله كان غنيا ، ومن أحسن مجاورة من جاوره كان مسلما ، ومن صاحب الناس بما يحب أن يصاحبوه به كان عدلا .

وقال : إن المعرفة بكمال المرء تركه الكلام فيما لا يعنيه، وقلة مرائه ، وصبره، وحسن خلقه.

 وقال : كلكم سيصير حديثا ، فمن استطاع أن يكون حديثا حسنا، فليفعل.

وكان يقول : ابن آدم لن تزال بخير ما كان لك واعظ من نفسك ، وما كانت المحاسبة من همتك ، وما كان لك الخوف شعارا ، والحزن دثارا .

تأريخ اليعقوبي  ص304 .

ذكر الكليني في الكافي : بالإسناد عن أبي حمزة الثمالي قال : أتيت باب علي بن الحسين عليه السلام ، فوافقته حين خرج من الباب .

فقال عليه السلام :

بسم الله : آمنت بالله ، و توكلت على الله .

ثم قال عليه السلام : يا أبا حمزة ، إن العبد إذا خرج من منزله عرض له الشيطان .

فإذا قال : بسم الله .

قال الملكان : كفيت .

فإذا قال : آمنت بالله .

قالا : هديت .

فإذا قال : توكلت على الله .

قالا : وقيت .

فيتنحى : الشيطان ، فيقول بعضهم لبعض.

 كيف لنا بمن : هدي ، و كفي ، و وقي .

قال ثم قال عليه السلام :

اللهم : إن عرضي لك اليوم .

ثم قال عليه السلام : يا أبا حمزة ، إن تركت الناس لم يتركوك ، و إن رفضتهم لم يرفضوك .

قلت : فما أصنع ؟

قال عليه السلام : أعطهم من عرضك ، ليوم فقرك و فاقتك .

الكافي ج2ص541ح2 .

يا طيب : وأعطهم من عرضك : إي إن نالك سوء وظلم وتصرف غير منصف من أحد ، سواء بشتم أو بذكر سوء أو غيرها ، فتحمله وأصبر ، وأجعله في عين الله تعالى ، وأستخدم الحلم ولا تعاجل بالعقوبة ، وأحتسبه عند الله تعالى ليجزيك ثوابه ، ويأخذ لك حقك يوم العرض الأكبر والحساب الأوفى .

كما أنه يحسن : ويستحب أن يعطي الإنسان من عرض ماله ، لمن يطلب منه شيء ، ويسأله مما تمكن منه ، كالصدقة ، أو الإحسان والنفقة ، وغيرها من مستحبات التوسعة .

بل حتى يشمل : عرض الجاه والوجاه لمن عنده كلمة مسموعة وطيبة بين الناس ، فيسعى لقضاء حاجة المؤمنين والسعي في تكريمهم ومساعدتهم والوساطة بالخير لهم حتى تفلح حاجتهم بوجاهته وسعة عرضه وجاهه.

بل والأهم : تحمل الأذى وعدم ملاحات الرجال ، ولا التعرض لمجادلة السفهاء والأعداء ، وتوقي شر أذاهم بالمجادلة بالحسنى وترك مجالستهم ، وإن أبتي بهم حلم وصبر وكظم غيظه ويكرم نفسه عنهم ، حتى يحكم الله له .

وعن حمزة اليماني قال : سمعت علي بن الحسين يقول : ما احب أن لي بنصيبي من الدنيا حمر النعم ، و ما تجرعت جرعة هي أحب إليّ من جرعة غيظ ل اكاف عليها صاحبها.

شرح الأخبار ج3ص273ح1182 .





أنواع العباد في القيامة :

قال علي بن الحسين : إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل ، فيقوم ناس من الناس ، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة بغير حساب .

فتتلقاهم الملائكة فيقولون : ما فضلكم ؟  فيقولون : كنا إذ جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسئ علينا عفونا .

فيقولون: ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .

 ثم ينادي مناد : ليقم أهل الصبر، فيقوم ناس من الناس .

فيقال لهم : انطلقوا إلى الجنة بغير حساب ، فتتلقاهم الملائكة .

 فيقولون : ما كان صبركم ؟

فيقولون : صبرنا أنفسنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معاصي الله .

فيقولون لهم : ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .

ثم ينادي فيقول : ليقم جيران الله ! فيقوم ناس من الناس ، وهم الاقل .

فيقال لهم : بم جاورتم الله في داره ؟

فيقولون : كنا نتجالس في الله ، ونتذاكر في الله ، ونتزاور في الله .

 فيقولون : ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين .

 وقال : بئس القوم قوم ختلوا الدنيا بالدين ، وبئس القوم قوم عملوا بأعمال يطلبون بها الدنيا .

تأريخ اليعقوبي  ص304 .





قصار الحكم والمواعظ البليغة :

يا طيب : حكم الإمام ومواعظه كثيرة ، وقد جمع قسم منها في تحف العقول عما جاء عن آل الرسول المرحوم ابن شعبة الحسن بن علي الحراني من أعلام القرن الرابع عشر ، فقال رحمه الله : وروي و روي عن علي بن الحسين عليه السلام في قصار هذه المعاني‏ :

قال عليه السلام : الرِّضَا بِمَكْرُوهِ الْقَضَاءِ ، أَرْفَعُ دَرَجَاتِ الْيَقِينِ .

قال عليه السلام : مَنْ كَرُمَتْ عَلَيْهِ نَفْسُهُ ، هَانَتْ عَلَيْهِ الدُّنْيَا .

وقيل له : من أعظم الناس خطرا { أي ذو قدر ومقام ) .

فقال عليه السلام : مَنْ لَمْ يَرَ الدُّنْيَا خَطَراً لِنَفْسِهِ .

و قال بحضرته رجل : اللهم أغنني عن خلقك‏ .

فقال عليه السلام : لَيْسَ هَكَذَا ، إِنَّمَا النَّاسُ بِالنَّاسِ ، وَ لَكِنْ قُلِ : اللَّهُمَّ أَغْنِنِي عَنْ شِرَارِ خَلْقِكَ .

قال عليه السلام : مَنْ قَنِعَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَهُ ، فَهُوَ مِنْ أَغْنَى النَّاسِ‏ .

قال عليه السلام : لَا يَقِلُّ عَمَلٌ مَعَ تَقْوَى ، وَ كَيْفَ يَقِلُّ مَا يُتَقَبَّلُ .

قال عليه السلام : اتَّقُوا الْكَذِبَ الصَّغِيرَ مِنْهُ وَ الْكَبِيرَ ، فِي كُلِّ جِدٍّ وَ هَزْلٍ ، فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَذَبَ فِي الصَّغِيرِ اجْتَرَأَ عَلَى الْكَبِيرِ .

قال عليه السلام : كَفَى بِنَصْرِ اللَّهِ لَكَ ، أَنْ تَرَى عَدُوَّكَ ، يَعْمَلُ بِمَعَاصِي اللَّهِ فِيكَ .

قال عليه السلام : الْخَيْرُ كُلُّهُ ، صِيَانَةُ الْإِنْسَانِ نَفْسَهُ .

قال عليه السلام :  لِبَعْضِ بَنِيهِ‏ ، يَا بُنَيَّ : إِنَّ اللَّهَ رَضِيَنِي لَكَ وَ لَمْ يَرْضَكَ لِي ، فَأَوْصَاكَ بِي وَ لَمْ يُوصِنِي بِكَ ، عَلَيْكَ بِالْبِرِّ تُحْفَةً يَسِيرَةً .

وقال له رجل ما الزهد ؟

 فقال عليه السلام : الزُّهْدُ عَشَرَةُ أَجْزَاءٍ ، فَأَعْلَى دَرَجَاتِ الزُّهْدِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْوَرَعِ ، وَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْوَرَعِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الْيَقِينِ ، وَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْيَقِينِ أَدْنَى دَرَجَاتِ الرِّضَا ، وَ إِنَّ الزُّهْدَ فِي آيَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ {  لِكَيْلا تَأْسَوْ عَلى‏ ما فاتَكُمْ‏ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ‏ (23) } الحديد .

قال عليه السلام : طَلَبُ الْحَوَائِجِ إِلَى النَّاسِ : مَذَلَّةٌ لِلْحَيَاةِ ، وَ مَذْهَبَةٌ لِلْحَيَاءِ ، وَ اسْتِخْفَافٌ بِالْوَقَارِ ، وَ هُوَ الْفَقْرُ الْحَاضِرُ ، وَ قِلَّةُ طَلَبِ الْحَوَائِجِ مِنَ النَّاسِ  هُوَ الْغِنَى الْحَاضِرُ .

قال عليه السلام :

 إِنَّ أَحَبَّكُمْ : إِلَى اللَّهِ ، أَحْسَنُكُمْ عَمَلً .

 وَ إِنَّ أَعْظَمَكُمْ : عِنْدَ اللَّهِ عَمَلًا  ، أَعْظَمُكُمْ فِيمَا عِنْدَ اللَّهِ رَغْبَةً .

وَ إِنَّ أَنْجَاكُمْ : مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، أَشَدُّكُمْ خَشْيَةً لِلَّهِ .

وَ إِنَّ أَقْرَبَكُمْ : مِنَ اللَّهِ ، أَوْسَعُكُمْ خُلُقاً.

 وَ إِنَّ أَرْضَاكُمْ : عِنْدَ اللَّهِ ، أَسْبَغُكُمْ عَلَى عِيَالِهِ‏ .

وَ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ : عَلَى اللَّهِ ، أَتْقَاكُمْ لِلَّهِ .

قال عليه السلام : إِنَّ الْمَعْرِفَةَ وَ كَمَالَ دِينِ الْمُسْلِمِ ، تَرْكُهُ الْكَلَامَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ ، وَ قِلَّةُ مِرَائِهِ ، وَ حِلْمُهُ ، وَ صَبْرُهُ ، وَ حُسْنُ خُلُقِهِ‏ .

قال عليه السلام : ابْنَ آدَمَ ، إِنَّكَ لَا تَزَالُ بِخَيْرٍ مَا كَانَ لَكَ وَاعِظٌ مِنْ نَفْسِكَ ، وَ مَا كَانَتِ الْمُحَاسَبَةُ مِنْ هَمِّكَ ، وَ مَا كَانَ الْخَوْفُ لَكَ شِعَاراً وَ الْحَذَرُ لَكَ دِثَاراً ، ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَ مَبْعُوثٌ وَ مَوْقُوفٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ جَلَّ وَ عَزَّ ،  فَأَعِدَّ لَهُ جَوَاباً .

قال عليه السلام :

لَا حَسَبَ : لِقُرَشِيٍّ وَ لَا لِعَرَبِيٍّ إِلَّا بِتَوَاضُعٍ.

وَ لَا كَرَمَ : إِلَّا بِتَقْوَى .

وَ لَا عَمَلَ : إِلَّا بِنِيَّةٍ .

وَ لَا عِبَادَةَ : إِلَّا بِالتَّفَقُّهِ‏ .

أَلَا وَ إِنَّ : أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ / مَنْ يَقْتَدِي بِسُنَّةِ إِمَامٍ  وَ لَا يَقْتَدِي بِأَعْمَالِهِ .

قال عليه السلام : الْمُؤْمِنُ مِنْ دُعَائِهِ عَلَى ثَلَاثٍ :

 إِمَّا أَنْ : يُدَّخَرَ لَهُ .

وَ إِمَّا أَنْ : يُعَجَّلَ لَهُ .

وَ إِمَّا أَنْ : يُدْفَعَ عَنْهُ بَلَاءٌ يُرِيدُ أَنْ يُصِيبَهُ .

قال عليه السلام :

إِنَّ الْمُنَافِقَ : يَنْهَى وَ لَا يَنْتَهِي ، وَ يَأْمُرُ وَ لَا يَأْتِي،  إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ اعْتَرَضَ‏ (التفت) وَ إِذَا رَكَعَ رَبَضَ ( اسقط نفسه ) وَ إِذَا سَجَدَ نَقَرَ (يسرع) ، يُمْسِي وَ هَمُّهُ الْعَشَاءُ ، وَ لَمْ يَصُمْ‏ ( يصمت ليسلم‏ ، و ينطق ليغنم ، لا يحدث أمانته الاصدقاء ، و لا يكتم شهادته من البعداء ) ، وَ يُصْبِحُ وَ هَمُّهُ النَّوْمُ ، وَ لَمْ يَسْهَرْ (في عباده) .

وَ الْمُؤْمِنُ : خَلَطَ عَمَلَهُ بِحِلْمِهِ ، يَجْلِسُ لِيَعْلَمَ‏ ، وَ يُنْصِتُ لِيَسْلَمَ ، لَا يُحَدِّثُ بِالْأَمَانَةِ الْأَصْدِقَاءَ ، وَ لَا يَكْتُمُ الشَّهَادَةَ لِلْبُعَدَاءِ ، وَ لَا يَعْمَلُ شَيْئاً مِنَ الْحَقِّ رِئَاءً ، وَ لَا يَتْرُكُهُ حَيَاءً إِنْ زُكِّيَ ، خَافَ مِمَّا يَقُولُونَ ، وَ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِمَا لَا يَعْلَمُونَ ، وَ لَا يَضُرُّهُ جَهْلُ مَنْ جَهِلَهُ .

وَ رَأَى عليه السلام : عَلِيلًا قَدْ بَرِئَ .

 فقال عليه السلام : لَهُ يَهْنَؤُكَ الطَّهُورُ مِنَ الذُّنُوبِ ، إِنَّ اللَّهَ قَدْ ذَكَرَكَ فَاذْكُرْهُ ، وَ أَقَالَكَ فَاشْكُرْهُ .

قال عليه السلام : خَمْسٌ لَوْ رَحَلْتُمْ فِيهِنَّ ، لَأَنْضَيْتُمُوهُنَ‏ (وهزلت دوابكم حت الوصول لهن) وَ مَا قَدَرْتُمْ عَلَى مِثْلِهِنَّ :

 لَا يَخَافُ : عَبْدٌ  إِلَّا ذَنْبَهُ .

 وَ لَا يَرْجُو : إِلَّا رَبَّهُ .

وَ لَا يَسْتَحْيِي : الْجَاهِلُ إِذَا سُئِلَ عَمَّا لَ يَعْلَمُ أَنْ يَتَعَلَّمَ .

 وَ الصَّبْرُ : مِنَ الْإِيمَانِ بِمَنْزِلَةِ الرَّأْسِ مِنَ الْجَسَدِ . وَ لَا إِيمَانَ : لِمَنْ لَا صَبْرَ لَهُ .

قال عليه السلام :  يَقُولُ اللَّهُ‏ :

يَا ابْنَ آدَمَ : ارْضَ بِمَا آتَيْتُكَ  تَكُنْ مِنْ أَزْهَدِ النَّاسِ ، ابْنَ آدَمَ : أعْمَلْ بِمَا افْتَرَضْتُ عَلَيْكَ  تَكُنْ مِنْ أَعْبَدِ النَّاسِ ، ابْنَ آدَمَ : اجْتَنِبْ مِمَّا حَرَّمْتُ عَلَيْكَ  تَكُنْ مِنْ أَوْرَعِ النَّاسِ .

قال عليه السلام : كَمْ مِنْ مَفْتُونٍ بِحُسْنِ الْقَوْلِ فِيهِ ، وَ كَمْ مِنْ مَغْرُورٍ بِحُسْنِ السَّتْرِ عَلَيْهِ ، وَ كَمْ مِنْ مُسْتَدْرَجٍ بِالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ .

قال عليه السلام : يَا سَوْأَتَاهْ لِمَنْ غَلَبَتْ إِحْدَاتُهُ عَشَرَاتِهِ ، يُرِيدُ أَنَّ السَّيِّئَةَ بِوَاحِدَةٍ وَ الْحَسَنَةَ بِعَشَرَةٍ .

وقال له رجل : إِنِّي لَأُحِبُّكَ فِي اللَّهِ حُبّاً شَدِيداً ، فنكس عليه السلام رأسه ثم قال : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُحَبَّ فِيكَ وَ أَنْتَ لِي مُبْغِضٌ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : أُحِبُّكَ لِلَّذِي تُحِبُّنِي فِيهِ .

قال عليه السلام : إِنَّ اللَّهَ لَيُبْغِضُ الْبَخِيلَ السَّائِلَ الْمُلْحِفَ .

قال عليه السلام : رُبَّ مَغْرُورٍ مَفْتُونٍ ، يُصْبِحُ لَاهِياً ضَاحِكاً ، يَأْكُلُ وَ يَشْرَبُ وَ هُوَ لَا يَدْرِي لَعَلَّهُ قَدْ سَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّهِ سَخَطَةٌ يَصْلَى بِهَا نَارَ جَهَنَّمَ‏  .

قال عليه السلام : إِنَّ مِنْ أَخْلَاقِ الْمُؤْمِنِ : الْإِنْفَاقَ عَلَى قَدْرِ الْإِقْتَارِ (الضيق) ، وَ التَّوَسُّعَ عَلَى قَدْرِ التَّوَسُّعِ ، وَ إِنْصَافَ النَّاسِ مِنْ نَفْسِهِ ، وَ ابْتِدَاءَهُ إِيَّاهُمْ بِالسَّلَامِ .

قال عليه السلام : ثَلَاثٌ مُنْجِيَاتٌ لِلْمُؤْمِنِ : كَفُّ لِسَانِهِ عَنِ النَّاسِ وَ اغْتِيَابِهِمْ ، وَ إِشْغَالُهُ نَفْسَهُ بِمَا يَنْفَعُهُ لِآخِرَتِهِ وَ دُنْيَاهُ ، وَ طُولُ الْبُكَاءِ عَلَى خَطِيئَتِهِ .

قال عليه السلام : نَظَرُ الْمُؤْمِنِ فِي وَجْهِ أَخِيهِ الْمُؤْمِنِ لِلْمَوَدَّةِ وَ الْمَحَبَّةِ لَهُ عِبَادَةٌ .

قال عليه السلام : ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَانَ فِي كَنَفِ (رعاية) اللَّهِ‏ ، وَ أَظَلَّهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ ، وَ آمَنَهُ مِنْ فَزَعِ الْيَوْمِ الْأَكْبَرِ ، مَنْ أَعْطَى النَّاسَ مِنْ نَفْسِهِ مَا هُوَ سَائِلُهُمْ لِنَفْسِهِ ، وَ رَجُلٌ لَمْ يُقَدِّمْ يَداً وَ لَا رِجْلًا حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّهُ فِي طَاعَةِ اللَّهِ قَدَّمَهَ أَوْ فِي مَعْصِيَتِهِ ، وَ رَجُلٌ لَمْ يَعِبْ أَخَاهُ بِعَيْبٍ حَتَّى يَتْرُكَ ذَلِكَ الْعَيْبَ مِنْ نَفْسِهِ ، وَكَفَى بِالْمَرْءِ شُغُلًا بِعَيْبِهِ لِنَفْسِهِ عَنْ عُيُوبِ النَّاسِ.

قال عليه السلام : مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ بَعْدَ مَعْرِفَتِهِ ، مِنْ عِفَّةِ بَطْنٍ وَ فَرْجٍ ، وَ مَا مِنْ شَيْءٍ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يُسْأَلَ .

وقال لأبنه محمد الباقر عليه السلام : افْعَلِ الْخَيْرَ إِلَى كُلِّ مَنْ طَلَبَهُ مِنْكَ ، فَإِنْ كَانَ أَهْلَهُ فَقَدْ أَصَبْتَ مَوْضِعَهُ ، وَ إِنْ لَمْ يَكُنْ بِأَهْلٍ كُنْتَ أَنْتَ أَهْلَهُ ، وَ إِنْ شَتَمَكَ رَجُلٌ عَنْ يَمِينِكَ ثُمَّ تَحَوَّلَ إِلَى يَسَارِكَ وَ اعْتَذَرَ إِلَيْكَ فَاقْبَلْ عُذْرَهُ‏ .

قال عليه السلام : مَجَالِسُ الصَّالِحِينَ دَاعِيَةٌ إِلَى الصَّلَاحِ‏ ، وَ آدَابُ الْعُلَمَاءِ زِيَادَةٌ فِي الْعَقْلِ ، وَ طَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ تَمَامُ الْعِزِّ ، وَ اسْتِنْمَاءُ الْمَالِ تَمَامُ الْمُرُوَّةِ ، وَ إِرْشَادُ الْمُسْتَشِيرِ قَضَاءٌ لِحَقِّ النِّعْمَةِ ، وَ كَفُّ الْأَذَى مِنْ كَمَالِ الْعَقْلِ  وَ فِيهِ رَاحَةٌ لِلْبَدَنِ عَاجِلًا وَ آجِلًا  .

وكان علي بن الحسين عليه السلام : إِذَا قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ : { وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوها (37) } إبراهيم .

 يقول عليه السلام : سُبْحَانَ مَنْ :
لَمْ يَجْعَلْ : فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ نِعَمِهِ ، إِلَّا الْمَعْرِفَةَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَتِهَا ، كَمَا لَمْ يَجْعَلْ فِي أَحَدٍ مِنْ مَعْرِفَةِ إِدْرَاكِهِ ، أَكْثَرَ مِنَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا يُدْرِكُهُ .

 فَشَكَرَ عَزَّ وَ جَلَّ : مَعْرِفَةَ الْعَارِفِينَ بِالتَّقْصِيرِ عَنْ مَعْرِفَتِهِ ، وَ جَعَلَ مَعْرِفَتَهُمْ بِالتَّقْصِيرِ شُكْراً .

 كَمَا جَعَلَ عِلْمَ الْعَالِمِينَ : أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَهُ إِيمَاناً ، عِلْماً مِنْهُ أَنَّهُ قَدْرُ وُسْعِ الْعِبَادِ ، فَلَا يُجَاوِزُونَ ذَلِكَ .

قال عليه السلام : سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الِاعْتِرَافَ بِالنِّعْمَةِ لَهُ حَمْداً ، سُبْحَانَ مَنْ جَعَلَ الِاعْتِرَافَ بِالْعَجْزِ عَنِ الشُّكْرِ شُكْر .

تحف العقول ص278-284 .

 





بعض أدعية الإمام :

يا طيب : أدعية الإمام كثيرة جدا ، ولا يسعها المجال هنا ، ومنها أدعية كثير في الأشهر الثلاثة رجب وشعبان ورمضان ، ومنهى دعاء أبو حمزة الثمالي وغيره الكثير ، ومنها زبور آل محمد الصحيفة السجادية ، وقد وضعناها مستقلة في كاملة مع أدعية الأيام والمنجاة وغيرها ، وقد أستخرجنا منها مئتين صلاة على النبي يسبقه تعظيم وتجليل وتقديس لله تعالى مختصر  ثم صلاة على النبي وآله ثم دعاء طلب مناسب لم لما ذكر من التقديس والتسبيح لله قبل الصلاة على النبي .

ويا طيب : تم ذكر بعض أدعية الإمام في عبادته لأنه معها قصة ، كما ذكرت بعض أدعيته في مواضيع أخرى مرت ، وهنا نذكر بعض الأدعية الأخرى ليس لها قصة في أحواله فنذكرها هنا .

 



أحاديث في العبادة :

عن يونس رفعه قال : قال علي بن الحسين عليه السلام :

إن أفضل الأعمال : عند الله ، ما عمل بالسنّة ، و إن قل .

الكافي ج1ص70ح7 .

وفي الكافي بالإسناد عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

إن علي بن الحسين عليه السلام : كان إذا أصبح قال :

أبتدئ : يومي هذا ، بين يدي نسياني و عجلتي ، بسم الله : و ما شاء الله .

فإذا : فعل ذلك العبد ، أجزأه مما نسي في يومه .

الكافي ج2ص523ح5 .

 



دعاء الإمام في كل ليلة :

وَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏ : أَنَّهُ كَانَ إِذَ صَلَّى مِنَ اللَّيْلِ دَعَا ، فَقَالَ :

 إِلَهِي : مَارَتْ‏ (غارت) نُجُومُ سَمَاوَاتِكَ ، وَ نَامَتْ عُيُونُ خَلْقِكَ ، وَ هَدَأَتْ‏ ، أَصْوَاتُ عِبَادِكَ ، وَ غَلَّقَتْ‏ مُلُوكُ‏ ( الأرض ) بَنِي أُمَيَّةَ عَلَيْهَا أَبْوَابَهَا ، وَ طَافَ عَلَيْهَا حُجَّابُهَ ، وَ احْتَجَبُوا عَمَّنْ يَسْأَلُهُمْ حَاجَةً أَوْ يَبْتَغِي مِنْهُمْ فَائِدَةً .

وَ أَنْتَ إِلَهِي : حَيٌّ قَيُّومٌ لَا تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَ لَا نَوْمٌ ، وَ لَا يَشْغَلُكَ شَيْ‏ءٌ عَنْ شَيْ‏ءٍ ، أَبْوَابُ سَمَاوَاتِكَ لِمَنْ دَعَاكَ مُفَتَّحَاتٌ ، وَ خَزَائِنُكَ غَيْرُ مُغَلَّقَاتٍ ، وَ رَحْمَتُكَ غَيْرُ مَحْجُوبَةٍ ، وَ فَوَائِدُك غَيْرُ مَحْظُورَةٍ .

وَ أَنْتَ إِلَهِي : الْكَرِيمُ الَّذِي لَا تَرُدُّ سَائِلً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ سَأَلَكَ ، وَ لَا تَحْتَجِبُ عَنْ طَالِبٍ مِنْهُمْ أَرَادَكَ ، وَ لَا وَ عِزَّتِكَ مَا تُخْتَزَلُ حَوَائِجُهُمْ دُونَكَ ، وَ لَا يَقْضِيهَ أَحَدٌ غَيْرُكَ.

اللَّهُمَّ : وَ قَدْ تَرَى وُقُوفِي‏ فِي ذُلِّ مُقَامِي بَيْنَ يَدَيْكَ ، وَ تَعْلَمُ سَرِيرَتِي ، وَ تَطَّلِعُ عَلَى مَا فِي قَلْبِي ، وَمَ يُصْلِحُنِي لآِخِرَتِي وَ دُنْيَايَ‏.

إِلَهِي : وَ تَرَقُّبُ الْمَوْتِ ، وَ هَوْلُ الْمُطَّلَعِ‏ ، وَ الْوُقُوفُ بَيْنَ يَدَيْكَ ، نَغَّصَنِي مَطْعَمِي وَ مَشْرَبِي ، وَ غَصَّنِي بِرِيقِي ، وَ أَقْلَقَنِي عَنْ وِسَادِي ، وَأَهْجَعَنِي وَ مَنَعَنِي عَنْ‏ ،  رُقَادِي.

إِلَهِي : وَ كَيْفَ يَنَامُ ، مَنْ يَخَافُ بَغَتَاتِ مَلَكِ الْمَوْتِ فِي طَوَارِقِ اللَّيْلِ ، وَ طَوَارِقِ النَّهَارِ ، بَلْ كَيْفَ يَنَامُ الْعَاقِلُ ، وَ مَلَكُ الْمَوْتِ لَا يَنَامُ بِاللَّيْلِ وَ لَا بِالنَّهَارِ ، يَطْلُبُ قَبْضَ رُوحِهِ حَثِيثاً بِالْبَيَاتِ ، أَوْ فِي أَيَّةِ السَّاعَاتِ .

ثُمَّ يَبْكِي : عِنْدَ هَذَا الْقَوْلِ وَ يَنْتَحِبُ .

حَتَّى يَفْزَعَ : أَهْلُهُ وَ مَوَالِيهِ‏ لِبُكَائِهِ .

فَيَقُومُونَ إِلَيْهِ : فَيَجِدُونَهُ قَدْ أَلْصَقَ خَدَّهُ بِالتُّرَابِ .

وَ هُوَ يَقُولُ : رَبِّ أَسْأَلُكَ الرَّاحَةَ وَ الرُّوحَ عِنْدَ الْمَوْتِ وَ الْمَصِيرَ إِلَى الرَّحْمَةِ وَ الرِّضْوَانِ .

دعائم الإسلام ج‏1 ص212. ونقله أيضا في شرح الأخبار ج3ص256ح1154 .و كان علي بن الحسين عليه السلام يصوم النهار و يقوم الليل، فاذا أرقدت كل عين دع بدعاء ، و كان يدعو به كل ليلة يقول فيه ، ويا طيب : أما مارت تحركت وغارت ظهرت متباعدة ، والداعي في زماننا يقول ملوك الأرض بدل بني أمية كما في مصباح المتهجد ج1ص132 ، والإقبال ج1ص145 .

 



دعاء التقصير في الشكر :

عن عمران بن سليم عن طاوس اليماني قال :  كان علي بن الحسين سيد العابدين عليه السلام ، يدعو بهذا الدعاء :

إِلَهِي : وَ عِزَّتِكَ وَ جَلَالِكَ وَ عَظَمَتِكَ .

لَوْ أَنِّي : مُنْذُ بَدَعْتَ فِطْرَتِي مِنْ أَوَّلِ الدَّهْرِ ، عَبَدْتُكَ دَوَامَ خُلُودِ رُبُوبِيَّتِكَ ، بِكُلِّ شَعْرَةٍ فِي كُلِّ طَرْفَةِ عَيْنٍ ، سَرْمَدَ الْأَبَدِ ، بِحَمْدِ الْخَلَائِقِ ، وَ شُكْرِهِمْ أَجْمَعِينَ ، لَكُنْتُ مُقَصِّراً فِي بُلُوغِ أَدَاءِ شُكْرِ ، أَخْفَى نِعْمَةٍ مِنْ نِعَمِكَ عَلَيَّ .

وَ لَوْ أَنِّي : كَرَبْتُ‏ مَعَادِنَ حَدِيدِ الدُّنْيَا بِأَنْيَابِي ، وَ حَرَثْتُ أَرْضَهَا بِأَشْفَارِ عَيْنِي ، وَ بَكَيْتُ مِنْ خَشْيَتِكَ مِثْلَ بُحُورِ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرَضِينَ دَماً وَ صَدِيداً ، لَكَانَ ذَلِكَ قَلِيلً فِي كَثِيرِ مَا يَجِبُ مِنْ حَقِّكَ عَلَيَّ .

وَ لَوْ أَنَّكَ : إِلَهِي عَذَّبْتَنِي بَعْدَ ذَلِكَ بِعَذَابِ الْخَلَائِقِ أَجْمَعِينَ ، وَ عَظَّمْتَ لِلنَّارِ خَلْقِي وَ جِسْمِي ، وَ مَلَأْتَ جَهَنَّمَ وَ أَطْبَاقَهَا مِنِّي ، حَتَّى لَا يَكُونَ فِي النَّارِ مُعَذَّبٌ غَيْرِي ، وَ لَا يَكُونَ لِجَهَنَّمَ حَطَبٌ سِوَايَ ، لَكَانَ ذَلِكَ بِعَدْلِكَ عَلَيَّ قَلِيلًا فِي كَثِيرٍ اسْتَوْجَبْتُهُ مِنْ عُقُوبَتِكَ .

الأمالي للصدوق ص299م49ح15 .

 



دعاءه عند زياراته لجده &nbsh3;:

زيارة الإمام السجاد عليه السلام لجده رسول الله:

عن  الإمام : أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عن أبيه عن جده عليه السلام قال : كان أبي علي بن الحسين عليه السلام : يقف على قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، فيسلم عليه ، و يشهد له بالبلاغ ، و يدعو بما حضره .

ثم يسند ظهره : إلى المروة الخضراء ، و الدقيقة العرض مم يلي القبر ، و يلتزق بالقبر ، و يسند ظهره إلى القبر ، و يستقبل القبلة .

 فيقول :

اللَّهُمَّ : إِلَيْكَ أَلْجَأْتُ ظَهْرِي‏ ، وَ إِلَى قَبْرِ مُحَمَّدٍ عَبْدِكَ‏ وَ رَسُولِكَ أَسْنَدْتُ ظَهْرِي ، وَ الْقِبْلَةَ الَّتِي رَضِيتَ لِمُحَمَّدٍ  اسْتَقْبَلْتُ .

اللَّهُمَّ : إِنِّي أَصْبَحْتُ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي خَيْرَ مَا أَرْجُو ، وَ لَا أَدْفَعُ عَنْهَا شَرَّ مَا أَحْذَرُ عَلَيْهَا ، وَ أَصْبَحَتِ الْأُمُورُ بِيَدِكَ ، فَلَا فَقِيرَ أَفْقَرُ مِنِّي‏ ، إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ .

اللَّهُمَّ : ارْدُدْنِي مِنْكَ بِخَيْرٍ ، فَإِنَّهُ لَا رَادَّ لِفَضْلِكَ .

اللَّهُمَّ : إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ تُبَدِّلَ اسْمِي ، أَوْ تُغَيِّرَ جِسْمِي ، أَوْ تُزِيلَ نِعْمَتَكَ عَنِّي .

اللَّهُمَّ : كَرِّمْنِي بِالتَّقْوَى ، وَ جَمِّلْنِي بِالنِّعَمِ ، وَ اغْمُرْنِي بِالْعَافِيَةِ ، وَ ارْزُقْنِي شُكْرَ الْعَافِيَةِ .

الكافي ج4ص551ح2 . و المرو: حجارة بيض براقة تورى النار أو أصلب الحجارة . مسائل ‏علي ‏بن ‏جعفر عليه السلام ص318ح 798 .كامل ‏الزيارات ص 19ح8 .

دعاءه في مسجد الكوفة :

عن ابن محبوب عن أبي حمزة الثمالي قال : دخلت مسجد الكوفة ، فإذ أنا برجل عند الأسطوانة السابعة قائما يصلي ، يحسن ركوعه و سجوده ، فجئت لأنظر إليه ، فسبقني إلى السجود فسمعته يقول في سجوده :

اللَّهُمَّ : إِنْ كُنْتُ قَدْ عَصَيْتُكَ ، فَقَدْ أَطَعْتُكَ فِي أَحَبِّ الْأَشْيَاءِ إِلَيْكَ ، وَ هُوَ الْإِيمَانُ بِكَ ، مَنّاً مِنْكَ بِهِ عَلَيَّ لَا مَنّاً بِهِ مِنِّي عَلَيْكَ .

وَ لَمْ أَعْصِكَ : فِي أَبْغَضِ الْأَشْيَاءِ إِلَيْكَ ، لَمْ أَدْعُ‏ لَكَ وَلَداً وَ لَمْ أَتَّخِذْ لَكَ شَرِيكاً ، مَنّاً مِنْكَ عَلَيَّ لَا مَنّاً مِنِّي عَلَيْكَ .

وَ عَصَيْتُكَ : فِي أَشْيَاءَ ، عَلَى غَيْرِ مُكَاثَرَةٍ مِنِّي ، وَ لَا مُكَابَرَةٍ وَ لَا اسْتِكْبَارٍ عَنْ عِبَادَتِكَ ، وَ لَا جُحُودٍ لِرُبُوبِيَّتِكَ ، وَ لَكِنِ اتَّبَعْتُ الْهَوَى ، وَ أَزَلَّنِي الشَّيْطَانُ بَعْدَ الْحُجَّةِ وَ الْبَيَانِ .

فَإِنْ تُعَذِّبْنِي : فَبِذُنُوبِي‏ ، غَيْرَ ظَالِمٍ لِي .

وَ إِنْ تَرْحَمْنِي : فَبِجُودِكَ وَ رَحْمَتِكَ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ .

ثم انفتل : و خرج من باب كندة ، فتبعته حتى أتى مناخ الكلبيين ، فمر بأسود فأمره بشيء لم أفهمه .

فقلت : من هذا ؟ فقال : هذا علي بن الحسين .

 فقلت : جعلني الله فداك ما أقدمك هذا الموضع .

فقال : الَّذِي رَأَيْتَ .

الأمالي للصدوق ص312م50ص12 .

وسيأتي في أخر البحث زيارته لأبيه و لجده أمير المؤمنين عليه السلام:

بزيارة أمين الله وبها يزار كل إمام :

 





قصائد وشعر الإمام :

يا طيب : ذكرت بعض الأبيات والقصائد فيما ذكرنا من أحواله عليه السلام في المواضيع السابقة وهذه قصيدة رائعة تروى ومنها :

ليس الغريب غريب

للإمام السجَّاد زين العابدين علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم

بسم الله الرحمن الرحيم


لَيْسَ الغَريبُ غَريبَ الشَّأمِ واليَمَنِ

إِنَّ الغَريبَ غَريبُ اللَّحدِ والكَفَنِ

إِنَّ الغَريِبَ لَهُ حَقٌّ لِغُرْبَتِهِ

على الْمُقيمينَ في الأَوطانِ والسَّكَنِ

سَفَري بَعيدٌ وَزادي لَنْ يُبَلِّغَني

وَقُوَّتي ضَعُفَتْ والموتُ يَطلُبُني

وَلي بَقايا ذُنوبٍ لَسْتُ أَعْلَمُها

الله يَعْلَمُه في السِّرِ والعَلَنِ

مَا أَحْلَمَ اللهَ عَني حَيْثُ أَمْهَلَني

و قَدْ تَمادَيْتُ في ذَنْبي ويَسْتُرُنِي

تَمُرُّ ساعاتُ أَيَّامي بِلا نَدَمٍ

ولا بُكاءٍ وَلاخَوْفٍ ولا حَزَنِ

أَنَا الَّذِي أُغْلِقُ الأَبْوابَ مُجْتَهِداً

عَلى المعاصِي وَعَيْنُ اللهِ تَنْظُرُني

يَا زَلَّةً كُتِبَتْ في غَفْلَةٍ ذَهَبَتْ

يَ حَسْرَةً بَقِيَتْ في القَلبِ تُحْرِقُني

دَعْني أَنُوحُ عَلى نَفْسي وَأَنْدِبُها

وَأَقْطَعُ الدَّهْرَ بِالتَّذْكِيرِ وَالحَزَنِ

كَأَنَّني بَينَ تلك الأَهلِ مُنطَرِحَاً

عَلى الفِراشِ وَأَيْديهِمْ تُقَلِّبُني

وَقد أَتَوْا بِطَبيبٍ كَيْ يُعالِجَني

وَلَمْ أَرَ الطِّبَّ هذا اليومَ يَنْفَعُني

واشَتد نَزْعِي وَصَار المَوتُ يَجْذِبُها

مِن كُلِّ عِرْقٍ بِلا رِفقٍ ولا هَوَنِ

واستَخْرَجَ الرُّوحَ مِني في تَغَرْغُرِها

وصَارَ رِيقي مَريراً حِينَ غَرْغَرَني

وَغَمَّضُوني وَراحَ الكُلُّ وانْصَرَفوا

بَعْدَ الإِياسِ وَجَدُّوا في شِرَا الكَفَنِ

وَقامَ مَنْ كانَ حِبَّ لنّاسِ في عَجَلٍ

نَحْوَ المُغَسِّلِ يَأْتيني يُغَسِّلُني

وَقالَ يا قَوْمِ نَبْغِي غاسِلاً حَذِقاً

حُراً أَرِيباً لَبِيباً عَارِفاً فَطِنِ

فَجاءَني رَجُلٌ مِنْهُمْ فَجَرَّدَني

مِنَ الثِّيابِ وَأَعْرَاني وأَفْرَدَني

وَأَوْدَعوني عَلى الأَلْواحِ مُنْطَرِحاً

وَصَارَ فَوْقي خَرِيرُ الماءِ يَنْظِفُني

وَأَسْكَبَ الماءَ مِنْ فَوقي وَغَسَّلَني

غُسْلاً ثَلاثاً وَنَادَى القَوْمَ بِالكَفَنِ

وَأَلْبَسُوني ثِياباً لا كِمامَ لها

وَصارَ زَادي حَنُوطِي حينَ حَنَّطَني

وأَخْرَجوني مِنَ الدُّنيا فَوا أَسَفاً

عَلى رَحِيلٍ بِلا زادٍ يُبَلِّغُني

وَحَمَّلوني على الأْكتافِ أَربَعَةٌ

مِنَ الرِّجالِ وَخَلْفِي مَنْ يُشَيِّعُني

وَقَدَّموني إِلى المحرابِ وانصَرَفوا

خَلْفَ الإِمَامِ فَصَلَّى ثمّ وَدَّعَني

صَلَّوْا عَلَيَّ صَلاةً لا رُكوعَ لها

ولا سُجودَ لَعَلَّ اللهَ يَرْحَمُني

وَأَنْزَلوني إلى قَبري على مَهَلٍ

وَقَدَّمُو واحِداً مِنهم يُلَحِّدُني

وَكَشَّفَ الثّوْبَ عَن وَجْهي لِيَنْظُرَني

وَأَسْكَبَ الدَّمْعَ مِنْ عَيْنيهِ أَغْرَقَني

فَقامَ مُحتَرِماً بِالعَزمِ مُشْتَمِلاً

وَصَفَّفَ اللَّبِنَ مِنْ فَوْقِي وفارَقَني

وقَالَ هُلُّوا عليه التُّرْبَ واغْتَنِموا

حُسْنَ الثَّوابِ مِنَ الرَّحمنِ ذِي المِنَنِ

في ظُلْمَةِ القبرِ لا أُمٌّ هناك ولا

أَبٌ شَفيقٌ ولا أَخٌ يُؤَنِّسُني

وَهالَني صُورَةً في العينِ إِذْ نَظَرَتْ

مِنْ هَوْلِ مَطْلَعِ ما قَدْ كان أَدهَشَني

مِنْ مُنكَرٍ ونكيرٍ ما أَقولُ لهم

قَدْ هَالَني أَمْرُهُمْ جِداً فَأَفْزَعَني

وَأَقْعَدوني وَجَدُّوا في سُؤالِهِمُ

مَالِي سِوَاكَ إِلهي مَنْ يُخَلِّصُنِي

فَامْنُنْ عَلَيَّ بِعَفْوٍ مِنك يا أَمَلي

فَإِنَّني مُوثَقٌ بِالذَّنْبِ مُرْتَهَنِ

تَقاسمَ الأهْلُ مالي بعدما انْصَرَفُوا

وَصَارَ وِزْرِي عَلى ظَهْرِي فَأَثْقَلَني

واستَبْدَلَتْ زَوجَتي بَعْلاً لها

بَدَلي وَحَكَّمَتْهُ فِي الأَمْوَالِ والسَّكَنِ

وَصَيَّرَتْ وَلَدي عَبْداً لِيَخْدُمَها

وَصَارَ مَالي لهم حِلاً بِلا ثَمَنِ

فَلا تَغُرَّنَّكَ الدُّنْيا وَزِينَتُها

وانْظُرْ إلى فِعْلِها في الأَهْلِ والوَطَنِ

وانْظُرْ إِلى مَنْ حَوَى الدُّنْيا بِأَجْمَعِه

هَلْ رَاحَ مِنْها بِغَيْرِ الحَنْطِ والكَفَنِ

خُذِ القَنَاعَةَ مِنْ دُنْيَاك وارْضَ بِها

لَوْ لم يَكُنْ لَكَ إِلا رَاحَةُ البَدَنِ

يَا زَارِعَ الخَيْرِ تحصُدْ بَعْدَهُ ثَمَراً

يَا زَارِعَ الشَّرِّ مَوْقُوفٌ عَلَى الوَهَنِ

يَا نَفْسُ كُفِّي عَنِ العِصْيانِ واكْتَسِبِي

فِعْلاً جميلاً لَعَلَّ اللهَ يَرحَمُني

يَا نَفْسُ وَيْحَكِ تُوبي واعمَلِي حَسَناً

عَسى تُجازَيْنَ بَعْدَ الموتِ بِالحَسَنِ

ثمَّ الصلاةُ على الْمُختارِ سَيِّدِنا

مَ وَصَّا البَرْقَ في شَّامٍ وفي يَمَنِ

والحمدُ لله مُمْسِينَا وَمُصْبِحِنَا

بِالخَيْرِ والعَفْوْ والإِحْسانِ وَالمِنَنِ

ذكرت في قصائد من عيون الشعر .

 





شهادة الإمام السجاد

عليه السلام

تقديم التعزية بالشهادة :

عظم الله أجوركم يا موالين : بمناسبة شهادة الإمام سيد الساجدين وزين العابدين أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في 25 محرم سنة 95 للهجرة ، وبارك الله فيكم وشكر سعيكم ، وعظم أجوركم ، لما تقيمون من المآتم التي تحيون بها ذكر آل محمد عليهم السلام ، وتعرفون سيرتهم وسلوكهم ومعارف هداهم ، وتعرفون خطبهم وتنشرون أقوالهم وأحاديثهم وحكمهم وتعالميهم وهداهم ، والتي تسيرون بها بصراط مستقيم لحقيقة الهدى وعبودية الله وبما يحب ويرضا ، ولكم النعيم الدائم المقيم إن شاء الله ، ولكم يا طيبين مختصرا من حياة الإمام عليه السلام وبعض المعارف عنه :

تعزية أخرى :

عظم الله أجورنا بمصابنا : بشهادة الإمام سيد الساجدين وزين العابدين الإمام أبو محمد علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ، وجعلن الله وإياكم من المتمسكين بولايتهم ورقنا الله شفاعتهم في الدنيا والآخرة ، ولكم أخوتي الكرام مختصر من حياته الكريمة

الإمام علي عليه السلام وكنيته أبو الحسن والأشهر أبو محمد .

والده : الإمام الحسين عليه السلام ، وأُمه : شاه زنان ، ولد في المدينة المنورة ٥ شعبان سنة ٣٨ ه

 عاش مع جده أمير المؤمنين : 2 سنة .

وفي إمامة عمه الحسن : 10 سنة .

وفي إمامة أبيه الحسين : 10 سنة .

مدة إمامتة : ٣٥ سنة

 وعمره الشريف ٥٧ عاماً

 أستشهد في ٢٥ محرم سنة ٩٥ ه

 مرقده الشريف : البقيع مع عمه الحسن عليه السلام .

فسلام الله عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا .

 



وفاة الإمام عليه السلام :

يا طيب : ذكرة عدة أقول في سنة وفاة الإمام السجاد عليه السلام ، وأصحها ما عرفت في المختصر أعلاه ، وما مر في ولادته ، ومنها :

قال اليعقوبي :  وفاة علي بن الحسين وتوفي علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب في سنة 99، وقال قوم سنة 100، وله ثمان وخمسون سنة، وكان أفضل الناس، وأشدهم عبادة، وكان يسمى زين العابدين ..

تأريخ اليعقوبي 303 .

قال اليعقوبي : ومرض علي بن الحسين عليه السلام ، ثلاث مرضات ، في كل ذلك يوصي بوصية ، فإذا برئ وأفاق أنفذها .

تأريخ اليعقوبي  ص304 .

وعن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام قال : لما حضرت علي بن الحسين عليه السلام الوفاة ، ضمني إلى صدره .

ثم قال : يا بني أوصيك بما أوصاني به أبي حين حضرته الوفاة ، و بما ذكر أن أباه أوصاه به .

فقال : يا بني ، إياك و ظلم ، من لا يجد عليك ناصرا إلا الله .

الأمالي للصدوق ص128م34ح10 .

وعن الحسن بن علي بن بنت إلياس : عن أبي الحسن الكاظم موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام قال :

سمعته يقول : إن علي بن الحسين عليه السلام :

 لما حضرته الوفاة : أغمي عليه .

ثم فتح عينيه : و قرأ إذا وقعت الواقعة ، و إنا فتحنا لك .

و قال : الحمد لله الذي صدقنا وعده ، و أورثنا الأرض نتبو من الجنة حيث نشاء ، فنعم أجر العاملين ، ثم قبض من ساعته ، و لم يقل شيئا .

الكافي ج1ص469ح5 .

وعن أبي عمارة : عن رجل عن أبي عبد الله الصادق جعفر بن محمد بن علي بن الحسين عليه السلام قال :

لما كان في الليلة : التي وعد فيها علي بن الحسين عليه السلام قال : لمحمد ، يا بني ، أبغني وضوء ؟

 قال : فقمت فجئته بوضوء .

قال : لا أبغي هذا ، فإن فيه شيئا ميتا .

قال : فخرجت فجئت بالمصباح ، فإذا فيه فأرة ميتة ، فجئته بوضوء غيره .

فقال : يا بني ، هذه الليلة التي وعدتها .

فأوصى بناقته : أن يحظر لها حظار ، و أن يقام لها علف ، فجعلت فيه .

قال : فلم تلبث أن خرجت حتى أتت القبر فضربت بجرانها ، و رغت و هملت عيناها .

فأتي : محمد بن علي ، فقيل له : إن الناقة قد خرجت ، فأتاها ، فقال : صه الآن ، قومي بارك الله فيك ، فلم تفعل .

فقال : و إن كان ليخرج عليها إلى مكة ، فيعلق السوط على الرحل ، فما يقرعها حتى يدخل المدينة .

الكافي ج1ص468ح4 .

 وقال في دلائل الإمامة :

و لما دفن : ضربت امرأته ، على قبره فسطاطا .

دلائل‏ الإمامة ص80.

وقال القاضي النعمان المغربي :

و لمّا أن جرد ليغسّل : وجدوا على عاتقه حبلا قد أثر مثل ذلك .

 فسألوا عنه :  ابنه محمد عليه السلام؟

 فقال: و اللّه ما علم بهذا غيري، و ما كان أطلعني عليه ، و لكني علمته من حيث لم يكن يعلم أني علمت به .

 كان إذا جنّ الليل : و هدأت العيون ، قام الى منزله ، فجمع كلما يبقى فيه من قوت أهله ، و جعله في جراب ، و رمى به على عاتقه ، و خرج .

 فكنت : أخرج في أثره مخافة عليه ، فأراه يقصد قوما في دورهم من أهل الفقر يفرق ذلك ، و هو متلثم لا يعرفونه ، و كنت كثيرا ما أجدهم قياما ل يعرفونه ، و كنت كثيرا ما أجدهم قياما على أبوابهم ينتظرون .

 فاذا أقبل : و أنا وراءه مستتر منه تباشروا ،  و قالوا : قد جاء صاحب الجراب ، فلا يزال كذلك يختلف حتى لا يكون في منزله‏ شيء ما يفضل من قوت أهله ، فهذا هو أثر ذلك الجراب .

و قيل : إنه كان في المدينة عدة بيوت يأتيهم قوتهم من علي بن الحسين عليه السلام ، و لا يدرون من حيث يأتيهم ذلك، فما عرفوا ذلك حتى مات. فانقطع ذلك عنهم و علموا أن ذلك كان من عنده.

و انما فعل ذلك : لما جاء في الصدقة بالسرّ من الفضل‏ . و قيل : إن تلك البيوت حصيت‏ فوجدت مائة بيت، في كل بيت جماعة من الناس .

شرح الأخبار ج‏3ص255ح1152وح 1153.

 



وفاء ناقته له :

 و روي أن ناقته المسماة : ذرة جاءت إلى الفسطاط ، و كانت ترعى ، فجعلت تحن فيه ، فجاء غلام له فأخذ بمشفرها ، و اقتادها .

فلما كان الليل : خرجت إلى الفسطاط .

فأخبر أبو جعفر عليه السلام فقال : ردوها ، ففعلت ذلك مرار ، فخرج أبو جعفر فردها إلى موضعها .

ثم إنهم : أقاموها فلم تقم .

فقال أبو جعفر : دعوها ، فإنها مودعة ، فلم تلبث إلا هنيهة ، حتى ماتت ، فأمر أبو جعفر فحفر لها و دفنت.

دلائل‏ الإمامة ص81.

وعن ابن بكير عن زرارة قال : سمعت أبا جعفر الباقر محمد بن علي بن الحسين عليه السلام يقول :

كان لعلي بن الحسين عليه السلام : ناقة ، حج عليها اثنتين و عشرين حجة ، ما قرعها قرعة قط .

قال : فجاءت بعد موته ، و ما شعرنا بها ، إلا و قد جاءني بعض خدمنا أو بعض الموالي .

فقال : إن الناقة قد خرجت ، فأتت قبر علي بن الحسين ، فانبركت عليه ، فدلكت بجرانها القبر و هي ترغو .

فقلت : أدركوها أدركوها ، و جيئوني بها ، قبل أن يعلموا به ، أو يروها .

قال : و ما كانت رأت القبر قط .

الكافي ج1ص467ح2 .

وفي رواية أخرى :عن حفص بن البختري عمن ذكره ، عن أبي جعفر عليه السلام قال:

لما مات أبي : علي بن الحسين عليه السلام ، جاءت ناقة له من الرعي ، حتى ضربت بجرانها على القبر و تمرغت عليه .

فأمرت بها : فردت إلى مرعاها .

و إن أبي عليه السلام : كان يحج عليها و يعتمر ، و لم يقرعها قرعة قط .

الكافي ج1ص467ح3 .

 





الصلاة على الإمام السجاد :

الصلاة : على الأئمة عن الإمام العسكري أبا محمد الحسن بن علي عليه السلام ، قسم الإمام زين العابدين عليه السلام :

اللَّهُمَّ : صَلِّ عَلَى عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، سَيِّدِ الْعَابِدِينَ ، الَّذِي اسْتَخْلَصْتَهُ لِنَفْسِكَ .

وَ جَعَلْتَ مِنْهُ : أَئِمَّةَ الْهُدَى ، الَّذِينَ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَ بِهِ يَعْدِلُونَ .

الَّذِي : اخْتَرْتَهُ لِنَفْسِكَ ، وَ طَهَّرْتَهُ مِنَ الرِّجْسِ وَاصْطَفَيْتَهُ ، وَ جَعَلْتَهُ هَادِياً مَهْدِيّاً.

اللَّهُمَّ : فَصَلِّ عَلَيْهِ ، أَفْضَلَ مَا صَلَّيْتَ عَلَى أَحَدٍ ، مِنْ ذُرِّيَّةِ أَنْبِيَائِكَ .

حَتَّى يَبْلُغَ بِهِ : مَا تُقِرُّ بِهِ عَيْنَهُ  فِي الدُّنْيَ وَ الْآخِرَةِ ، إِنَّكَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ  .

  مصباح المتهجد و سلاح المتعبد للطوسي ج1ص400 .

 



صلاة أخرى على الإمام :

يا طيب : ذكر في بحار صلوات على كل المعصومين ومنها : السلام و الصلاة : على سيد العابدين السجاد ذي الثفنات علي بن الحسين .

السَّلَامُ وَ الصَّلَاةُ : عَلَى سَيِّدِ الْعَابِدِينَ  ، السَّجَادِ ذِي الثَّفِنَاتِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ‏ .

السَّلَامُ عَلَى : زَيْنِ الْعَابِدِينَ ، وَ قُرَّةِ عَيْنِ النَّاظِرِينَ ، عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، الْإِمَامِ الْمَرْضِيِّ ، وَ ابْنِ الْأَئِمَّةِ الْمَرْضِيِّينَ .

السَّلَامُ عَلَيْكَ : يَا سَيِّدِي وَ مَوْلَايَ ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ .

اللَّهُمَّ : صَلِّ عَلَى إِمَامِ الْعَدْلِ الْأَمِينِ ، عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ ، إِمَامِ الْمُتَّقِينَ ، وَ وَلِيِّ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ وَصِيِّ الْوَصِيِّينَ ، وَ خَازِنِ وَصَايَا الْمُرْسَلِينَ ، وَ وَارِثِ عِلْمِ النَّبِيِّينَ ، وَ حُجَّةِ اللَّهِ الْعُلْيَا ، وَ مَثَلِ اللَّهِ الْأَعْلَى ، وَ كَلِمَتِهِ الْوُثْقَى .

اللَّهُمَّ : صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ اخْصُصْهُ بَيْنَ أَوْلِيَائِكَ ، مِنْ شَرَائِفِ صَلَوَاتِكَ ، وَ كَرَائِمِ تَحِيَّاتِكَ ، فَقَدْ نَاصَحَ فِي عِبَادِكَ ، وَ نَصَحَ فِي عِبَادَتِكَ ، وَ نَصَحَ فِي طَاعَتِكَ ، وَ سَارَعَ فِي رِضْوَانِكَ ، وَ انْتَصَبَ لِأَعْدَائِكَ ، وَ بَشَّرَ أَوْلِيَاءَكَ ، بِالْعَظِيمِ مِنْ جَزَائِكَ ، وَ عَبَدَكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ ، وَ أَطَاعَكَ حَقَّ طَاعَتِكَ ، وَ قَضَى مَا كَانَ عَلَيْهِ فِي دَوْلَتِهِ ، حَتَّى انْقَضَتْ دَوْلَتُهُ ، وَ فَنِيَتْ مُدَّتُهُ ، وَ أَزِفَتْ مَنِيَّتُهُ .

 وَ كَانَ : رَءُوفاً بِشِيعَتِهِ ، رَحِيماً بِرَعِيَّتِهِ ، مَفْزَعاً لِأَهْلِ الْهُدَى ، وَ مُنْقِذاً لَهُمْ مِنْ جَمِيعِ الرَّدَى ، وَ دَلِيلًا لِأَهْلِ الْإِسْلَامِ ، عَلَى الْحَلَالِ وَ الْحَرَامِ ، وَ عِمَادَ الدِّينِ ، وَ مَنَارَ الْمُسْلِمِينَ ، وَ حُجَّةَ اللَّهِ عَلَى الْعَالَمِينَ‏ .

 اللَّهُمَّ : صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ عَلَى آلِ مُحَمَّدٍ ، وَ أَبْلِغْهُ مِنَّا التَّحِيَّةَ ، وَ ارْدُدْ عَلَيْنَا مِنْهُ التَّحِيَّةَ وَ السَّلَامَ ، وَ السَّلَامُ عَلَيْهِ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ .

بحار الأنوار ج99ص223ح1 .

 



زيارة أمين الله يزار بها كل إمام :

عن علي بن بلال المهلبي قال : حدثنا أحمد بن علي بن مهدي الرقي بمصر ، قال حدثنا أبي قال حدثنا علي بن موسى الرضا عليه السلام ، قال حدثني أبي عن أبي جعفر عليه السلام قال :

زار أبي علي بن الحسين عليه السلام : و ذكر زيارته هذه لأمير المؤمنين .

قال ابن أبي قرة في مزاره ما صورته : بسنده عن جابر بن يزيد الجعفي ، عن أبي جعفر محمد بن علي عليه السلام قال :

كان أبي علي بن الحسين عليه السلام :

 قد اتخذ منزله : من بعد مقتل أبيه الحسين بن علي عليه السلام ، بيتا من شعر .

و أقام بالبادية : فلبث بها عدة سنين كراهية لمخالطة الناس و ملاقاتهم .

و كان يصير : من البادية بمقامه بها إلى العراق ، زائرا لأبيه و جده عليهم السلام ، و لا يشعر بذلك من فعله .

قال محمد بن علي : فخرج سلام الله عليه متوجها إلى العراق ، لزيارة أمير المؤمنين و أنا معه و، ليس معنا ذو روح إلا الناقتين .

فلما انتهى إلى النجف : من بلاد الكوفة ، و صار إلى مكان منه ، فبكى حتى اخضلت لحيته بدموعه .

ثم قال عليه السلام :

السَّلَامُ عَلَيْكَ : يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَكَاتُهُ .

السَّلَامُ عَلَيْكَ : يَا أَمِينَ اللَّهِ فِي أَرْضِهِ وَ حُجَّتَهُ .

أَشْهَدُ : أَنَّكَ جَاهَدْتَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ ، وَ عَمِلْتَ بِكِتَابِهِ ، وَ اتَّبَعْتَ سُنَنَ نَبِيِّهِ .

حَتَّى دَعَاكَ اللَّهُ : إِلَى جِوَارِهِ ، فَقَبَضَكَ إِلَيْهِ بِاخْتِيَارِهِ ، لَكَ كَرِيمُ ثَوَابِهِ .

وَ أَلْزَمَ أَعْدَاءَكَ : الْحُجَّةَ ، مَعَ مَا لَكَ مِنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ عَلَى عِبَادِهِ .

اللَّهُمَّ : صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اجْعَلْ نَفْسِي مُطْمَئِنَّةً بِقَدَرِكَ ، رَاضِيَةً بِقَضَائِكَ .

مُولَعَةً : بِذِكْرِكَ وَ دُعَائِكَ ، مُحِبَّةً لِصَفْوَةِ أَوْلِيَائِكَ ، مَحْبُوبَةً فِي أَرْضِكَ وَ سَمَائِكَ ، صَابِرَةً عِنْدَ نُزُولِ بَلَائِكَ ، شَاكِرَةً لِفَوَاضِلِ نَعْمَائِكَ ، ذَاكِرَةً لِسَابِغِ آلَائِكَ ، مُشْتَاقَةً إِلَى فَرْحَةِ لِقَائِكَ مُتَزَوِّدَةً التَّقْوَى لِيَوْمِ جَزَائِكَ ، مُسْتَنَّةً بِسُنَنِ أَوْلِيَائِكَ ، مُفَارِقَةً لِأَخْلَاقِ أَعْدَائِكَ ، مَشْغُولَةً عَنِ الدُّنْيَا بِحَمْدِكَ وَ ثَنَائِكَ .

 

ثم وضع خده على قبره و قال :

اللَّهُمَّ : إِنَّ قُلُوبَ الْمُخْبِتِينَ إِلَيْكَ وَالِهَةٌ ، وَ سُبُلَ الرَّاغِبِينَ إِلَيْكَ شَارِعَةٌ ، وَ أَعْلَامَ الْقَاصِدِينَ إِلَيْكَ وَاضِحَةٌ ، وَ أَفْئِدَةَ الْوَافِدِينَ إِلَيْكَ فَازِعَةٌ ، وَ أَصْوَاتَ الدَّاعِينَ إِلَيْكَ صَاعِدَةٌ ، وَ أَبْوَابَ الْإِجَابَةِ لَهُمْ مُفَتَّحَةٌ ، وَ دَعْوَةَ مَنْ نَاجَاكَ مُسْتَجَابَةٌ ، وَ تَوْبَةَ مَنْ أَنَابَ إِلَيْكَ مَقْبُولَةٌ ، وَ عَبْرَةَ مَنْ بَكَى مِنْ خَوْفِكَ مَرْحُومَةٌ ، وَ الْإِغَاثَةَ لِمَنِ اسْتَغَاثَ بِكَ مَوْجُودَةٌ ، وَ الْإِعَانَةَ لِمَنِ اسْتَعَانَ بِكَ مَبْذُولَةٌ ، وَ عِدَاتِكَ لِعِبَادِكَ مُنْجَزَةٌ ، وَ زَلَلَ مَنِ اسْتَقَالَكَ مُقَالَةٌ ، وَ أَعْمَالَ الْعَامِلِينَ لَدَيْكَ مَحْفُوظَةٌ ، وَ أَرْزَاقَ الْخَلَائِقِ مِنْ لَدُنْكَ نَازِلَةٌ ، وَ عَوَائِدَ الْمَزِيدِ مُتَوَاتِرَةٌ ، وَ جَوَائِزَ الْمُسْتَطْعِمِينَ مُعَدَّةٌ ، وَ مَنَاهِلَ الظِّمَاءِ مُتْرَعَةٌ .

اللَّهُمَّ : فَاسْتَجِبْ دُعَائِي ، وَ اقْبَلْ ثَنَائِي ، وَ اجْمَعْ بَيْنِي وَ بَيْنَ أَوْلِيَائِي وَ أَحِبَّائِي ، بِحَقِّ مُحَمَّدٍ وَ عَلِيٍّ وَ فَاطِمَةَ وَ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ آبَائِي ، إِنَّكَ وَلِيُّ نَعْمَائِي ، وَ مُنْتَهَى مُنَايَ ، وَ غَايَةُ رَجَائِي فِي مُنْقَلَبِي وَ مَثْوَايَ .

قال جابر : قال الباقر عليه السلام : ما قال هذا الكلام ، و لا دعا به أحد من شيعتنا عند قبر أمير المؤمنين ، أو عند قبر أحد من الأئمة عليهم السلام ، إلا رفع دعاؤه في درج من نور ، و طبع عليه بخاتم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، و كان محفوظا كذلك ، حتى يسلم إلى قائم آل محمد عليه السلام ، فيلقى صاحبه بالبشرى و التحية و الكرامة ، إن شاء الله تعالى .

قال جابر : حدثت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام .

و قال لي : زد فيه إذا ودعت أحدا من الأئمة ، فقل :

السلام عليك : أيها الإمام و رحمة الله و بركاته ، أستودعك الله ، عليك السلام و رحمة الله ، آمنا بالرسول و بما جئتم به و دعوتم إليه .

اللهم : لا تجعله آخر العهد من زيارتي وليك .

اللهم : لا تحرمني ثواب مزاره الذي أوجبت له ، و يسر لنا العود إن شاء الله تعالى .

فرحة الغري ص43 4. إقبال ‏الأعمال ص470. بحار الأنوار ج97ص266ب4ح9.

 





أولاده عليه السلام :

و ولده : محمد الباقر الإمام .

و زيد : الشهيد بالكوفة رضي الله عنه .

و عبيد الله ، و الحسن ، و الحسين ، و علي ، و عمر ، و لم تكن له بنت .

دلائل‏ الإمامة ص81.

وقال اليعقوبي : وكان له من الولد : أبو جعفر محمد ، والحسين ، وعبد الله ، وأمهم أم عبد الله بنت الحسن بن علي ، وعلي ، والحسن ، والحسين الاصغر، وسليمان، توفي صغيرا، وزيد .

تأريخ اليعقوبي  ص305 .

 

وقال المفيد رحمه الله :

و ولد علي بن الحسين عليه السلام : خمسة عشر ولدا :

محمد : المكنى أبا جعفر الباقر عليه السلام ، أمه أم عبد الله بنت الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام .

و عبد الله : و الحسن و الحسين أمهم أم ولد .

 و زيد و عمر : لأم ولد .

 و الحسين الأصغر : و عبد الرحمن و سليمان لأم ولد .

 و علي : و كان أصغر ولد علي بن الحسين و خديجة أمهم أم ولد .

و محمد الأصغر : أمه أم ولد .

و فاطمة : و عليه و أم كلثوم أمهن أم ولد .

الإرشاد ج2ص155.

ابن الإمام زيد بن علي :

يا طيب : لزيد بن علي بن الحسين البطل الصنديد الشهيد حياة مفعمة بالنشاط الفقهي والعلمي في تبليغ هدى الله ، وكان من الناصر لأخيه الإمام محمد الباقر ثم لأبن أخيه جعفر الصادق عليهم السلام ، ورويت عنه أحاديث كثيرة ، ولشهادته قصة كريمة ، ولا يسعها هذا المختصر ، ولكن نذكر قسما من أحاديثه وأسأل الله أن يوفقني لكتابة موضوعا مستقلا عنه ، وهذه بعض الأحاديث الكريمة عنه ، كم ذكرنا حديث المعرفة سابقا عنه :

عن سعيد بن خيثم عن أبي حمزة الثمالي قال : حججت ، فأتيت علي بن الحسين عليه السلام .

 فقال لي : يا أبا حمزة أ لا أحدثك عن رؤيا رأيتها ، رأيت كأني أدخلت الجنة ، فأتيت بحوراء لم أر أحسن منها ، فبينا أنا متكئ على أريكتي .

 إذ سمعت قائلا يقول :

يَا عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ : لِيَهْنِئْكَ‏ زَيْدٌ ، يَ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ لِيَهْنِئْكَ‏ زَيْدٌ ، فَيَهْنِئْكَ‏ زَيْدٌ .

قال أبو حمزة : ثم‏ حججت بعده ، فأتيت علي بن الحسين ، فقرعت الباب ، ففتح لي ، فدخلت .

فإذا هو : حامل زيدا على يده .

أو قال حامل : غلاما على يده .

فقال لي : يا أبا حمزة ، هَذِهِ‏ تَأْوِيلُ رُءْيايَ مِنْ قَبْلُ ، قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا .

الأمالي للصدوق ص335م54ح12 .

وعن عمرو بن خالد قال : حدثني زيد بن علي عليه  السلام و هو آخذ بشعره قال : حدثني أبي علي بن الحسين عليه السلام و هو آخذ بشعره ، قال حدثني الحسين بن علي و هو آخذ بشعره ، قال حدثني علي بن أبي طالب عليه السلام و هو آخذ بشعره ، عن رسول الله و هو آخذ بشعره ، قال :

 مَنْ آذَى شَعْرَةً مِنِّي : فَقَدْ آذَانِي ، وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ عَزَّ وَ جَلَّ ، وَ مَنْ آذَى اللَّهَ جَلَّ وَ عَزَّ ، لَعَنَهُ اللَّهُ مِلْ‏ءَ السَّمَاءِ وَ مِلْ‏ءَ الْأَرْضِ .

الأمالي للصدوق ص330م53ح10 .

ويؤيده هذا المعنى : بآن آل محمد كلهم من رسول الله وهو منهم في نشر هداه واستمرار وجوده البدني والمعنوي ، قوله :

و عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

‏ إِنَّ فَاطِمَةَ : شَعْرَةٌ مِنِّي ، فَمَنْ آذَى شَعْرَةً مِنِّي فَقَدْ آذَانِي ، وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى اللَّهَ ، وَ مَنْ آذَى اللَّهَ ، لَعَنَهُ مِلْأَ السَّمَاوَاتِ وَ الْأَرْضِ.

كشف الغمة ج1ص467 .

وعن علي بن إبراهيم و قوله‏ : { إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) } الأحزاب.

 قال : نزلت فيمن غصب أمير المؤمنين حقه ، و أخذ حق فاطمة  و آذاها

وَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وآله :‏ مَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، كَمَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي ، وَ مَنْ آذَاهَا بَعْدَ مَوْتِي كَمَنْ آذَاهَا فِي حَيَاتِي، وَ مَنْ آذَاهَا فَقَدْ آذَانِي وَ مَنْ آذَانِي فَقَدْ آذَى‏ اللَّه‏ .

تفسير القمي ج2ص196 .

وقد قال النبي : يوم قال له جبرئيل في مبيت علي على الفراش : يا محمد هذه المواساة  ، قال له : يا جبرئيل إنه مني ‏، و أنا منه‏ ، فقال جبرئيل : و أنا منكما.

المسترشد في الإمامة ص 312 .

 عن يعلى بن مرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :‏ حسين‏ مني‏ و أنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ،  حسين سبط من الأسباط.

كامل الزيارات ص52 ب14ح11 .

 قال أبو نعيم : قال : عن المقدام ابن معدي  قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم : الحسن‏ منّي‏ : و الحسين من عليّ.

حلية الأبرار ج4ص78ب13ح15 .

ويا طيب : هكذا النبي من ذريته وذريته منه وأولادهم منهم ، وهم أسباطه ومن آذاهم سواء أصحاب الكساء فاطمة والحسن والحسين أو أولادهم وبالخصوص المعصومين والمقربين كعلي بن الحسين أو زيد بن علي عليم الصلاة والسلام فهو قد أذى رسول الله بل الله ولعنه الله ملأ السماء والأرض ، وعرفت قصة فاطمة الزهراء وبعلها وأبناءها في صحفهم ، وزين العابدين أخذ اسيرا للشام وزيد أبنه قتل وصلب وضل سنوات على خشبه بمرأى من الناس.



علمنا وآله الهدى الحق لا العاب‏دين
العابدين العائب لدين الولي :

العابدين : كلمة مركبة من العاب دين ، العاب عاب اسم فاعل معرف بأل وهو العائب لدين وهدى الإمام زين العابدين وآله والشائن له والنافر منه والماقت له ، لأنه لم يرضى أن يتعبد لله به وأتخذ فكر غيره دينا له، وعاب فعل عابَ يَعيب عِبْ عَيْبًا فهو عائب والمفعول مَعِيب ومعيوب ، و الدِّينُ  : اسمٌ لجميع ما يُعبد به الله ، وهو العَقيدَةِ والمِلَّةِ والشَّريعَةِ والإيمان بها ، وما اتَّخذه العبد دينًا وتعبَّد به معتنقا له و ما يَلْتَزِمُ بِقَواعِدِ الدِّينِ وبِأَحْكامِ العِبادَةِ فيه ، وهي الدِّيانَةِ ، و الدِّينُ الإِسْلامِيُّ هو ما عرفه رسول الله محمد بن عبد الله وآله بعده ، لأنهم أوصيائه بالصدق حتم ، وخلفاءه بالواقع جزما ، وأولياء الله الواجب طاعتهم بأمر الله المطهر لهم والموجب مودتهم نصا وعقلا ودليلا وبرهانا ، ومن لم يطعهم وخالفهم فقد عاب دين الله والهدى الحق ، والذي جعل سبحانه الراسخون بعلمه من آله محمد صلى الله عليهم وسلم أولياء له ، ولهم الولاية على العباد في تعليمه ، فمن لم يقبل منهم هدى الله إلا أن يكون قبله قد عاب منهجهم وترك صراطه عائب له وأنتقص مبادئهم لعيب يتصوره في هداهم ، ولم يرتض هداهم لاعتقاده الكمال في غيره ممن خالفهم ولم يرضا بهم أئمة هدى ودين ، فتبع غيرهم وضل عنهم بالحوق بمن لم يتبعوهم وأفتوا وعلموا بتعاليم مخالفه لهم ، وارتضى تعاليم غيرهم عقيدة ومنهجا له ودينا يعتبره لا نقص فيه ولا خلل ، والخلل والنقص في دين وهدى آل محمد وآهل البيت عليهم السلام .

 وكل من عاب : شيء تركه و لم يزم نفسه به، وبالخصوص إن كان يمكنه حسب فكره وعقله أن يأخذ غيره مع مصلحة دنيوية له أو مع اعتقاد خاطئ أخروية فيه .



مزيد بيان العاب عائب :

العَابُ : أسم فاعل من عاب وأعاب ، أعابَ  يُعيب أَعِبْ إعابةً ، فهو مُعيب ، والمفعول مُعاب ، العَابُ الوَصْمةُ ، والجمع أعيابٌ وعُيُوبٌ ، وعاب يعيب عيبا وعابا ، عاب صار ذا عيب ، عاب الشيء جعله ذا عيب ، عابه نسبه إلى العيب ، أعاب الشَّخصَ عابَه ذمَّه بفعل معاب ، وعَابَ فلانًا نَسَبَهُ إِلى العَيْبِ .

وعاب : من  عَبَّ الجمع أعيابٌ و عُيُوبٌ و العَابُ الوَصْمةُ بالشين والقبيح والمنكر والنقيصة وعدم الكمال وغيرها ، سواء بالحقيقة أو بالصفات أو بالفعل أو بالهيئة والشكل أو يشمل الأخلاق والآداب والعبودية والإيمان وغيره من صفات الهدى والإسلام وتعاليمه ، ومنه عاب البناءُ : صار ذا نقيصة أو وَصْمة أو شَيْن ، عَابَ شُغْلَهُ صَيَّرَهُ ذَا عَيْبٍ ، عَابَ سُلُوكَهُ نَسَبَهُ إِلَى  الْعَيْبِ ، و عاب  عليه فِعْلَ كذا عدَّ فعلَه عيبًا ، عاب الشَّيءَ جعله معيبً .

وعيَّبَ : يعيِّب تعييبًا فهو معيِّب والمفعول معيَّب ، عيَّب فلانًا جعله ذا عيبٍ ومَنْقصةٍ بإظهار مساوئه ، نسبه إلى العيب عيَّب مؤلّفاتِ فلان أو فكره .

و تَعْيِيبٌ : مصدر عَيَّبَ ، تَعْيِيبُ  بِضَاعَةٍ جَعْلُهَ ذَاتَ عَيْبٍ ، تَعْيِيبُ  أَعْمَالِ الغَيْرِ شَيْنُهَا وتَشْوِيهُهَا . تَعْيِيبُ  النَّاسِ ذِكْرُ عُيُوبِهِمْ .

و تَعَايَبَ : فعل خماسي لازم ، تَعَايَبَ يَتَعَايَبُ ، مصدر تَعَايُبٌ ، تَعَايَبَ  الجِيرَانُ عَابَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً ، تعايب القوم : قَدح بعضُهم بعضًا أو ذكر كُلٌّ منهم نقائصَ الآخر . تعايبَ : تعايبَ يتعايب تعايُبًا ، فهو مُتعايب .

ويا طيب : الترك للشيء واستبداله بغيره من غير ضرورة ، فهو تعييب له ، وترك هدى آل محمد وولايتهم وقبول غيرهم ، تعييب لهم ورؤية النقص في آل البيت ، ورؤية الكمال فيمن خالفهم وهذا عين الخطل في الفكر والضلال في الهدى والتلاعب بالدين المبين ، حيث قبوله من أهل الباطل وترك أهل الحق الصادقين  .



معنى دين :

دَيِّن : اسم ، رَجُلٌ دَيِّنٌ ، مُتَمَسِّكٌ بِأَهْدابِ  الدِّينِ ، الجمع : أَدْيُنٌ  و دُيونٌ  ،  الدِّينُ : الدِّيانة ، و الدِّينُ  : اسمٌ لجميع ما يُعبد به الله ، وعلم  الأديان  المقارن : الدراسة الموضوعيّة للأديان جميعها من أجل فهم دورها في الحياة الإنسانيّة ، و الأَدْيانُ  السَّماوِيَّةُ : اليَهودِيَّةُ والْمَسيحِيَّةُ والإِسْلامُ . رَجُل الدِّين : عالم الدِّين ، المتخصِّص في الدِّراسات الدِّينيّة .

و دَيَّنَ : فعل رباعي متعد دَيَّنْتُ أُدَيِّنُ دَيِّنْ ، مصدر تَدْيِينٌ ، دَيَّنَ القَوْمَ جَعَلَهُمْ يَتَدَيَّنونَ بِدينِهِ ، دَيَّنَهُ مَبْلَغاً كَبيراً مِنَ المالِ  أَقْرَضَهُ إِيَّاهُ . دَيَّنَهُ قِطْعَةً مِنَ الأَرْضِ مَلَّكَهُ إِيَّاها .

دِينٌ : جمع أَدْيانٌ ، مصدر دانَ ،  يَلْتَزِمُ بِقَواعِدِ الدِّينِ بِأَحْكامِ العِبادَةِ والعَقيدَةِ والمِلَّةِ والشَّريعَةِ والدِّيانَةِ ، والدِّينُ الإِسْلامِيُّ هو الدين الحق قال الله تعالى :

{ إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ ... (19)

وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ  دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85) } آل عمران . يومُ الدِّين : يوم الجزاء والحساب في الآخرة ، قال تعالى { مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ (4) } الفاتحة ، ونحن نسأل الله في كل يوم أن يهدينا للصراط المستقيم عند للمنعم عليهم في سورة الفاتحة عشر مرات في الصلاة ، وهم أئمة العبودية والإخلاص لله تعالى سبحانه من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وغيرهم ممن تركهم فقد عابهم وأنف عنهم وأشمئز حين ذكرهم وتنفر من معارفهم ، وهو في الحقيقة ممن عَبِد عَلَيْهِم وقطب وجهه وغَضِبَ عليهم وأَنِفَ منهم وأنكرهم ، لا من العابدين بدينهم وهداهم ، ولو لم يعب دينهم وعاب هداهم وتعاليمهم لتبعهم وتعلم منهم وعمل ب بمعارفهم لا أن يتبع غيرهم .





الولي فخالفه وديانته كلها العابدين<
لأنه ترك الحقوق و الطاعات الإلهية

معنى العابدين لعب بدينه :

العابدين : مركبة من ألعاب دين ، و لَعِب : اسم الجمع ألعاب مصدر لعِبَ ، لعِبَ بـ ، لعِبَ على ، لعِبَ في ، لَعِبًا ولِعْبًا ، فهو لاعب ، والمفعول ملعوب ، لَعِب لهو وتسلية ، باطل وعبث ، والدين هو ما يلتزم به من مبادئ العقيدة والعمل بتعاليمها على نحو التعبد بها ورؤية قدسية واحترام لها ، ومن وترك هدى آل محمد أجمعين أو أي واحد منهم كزين العابدين ، فهو عابه وعائب له لنقص فيه ولأنفة منه صار عائبا مستنكفا منه ، وأخذ غيره من أفكار الناس المخالفة لهم دين له ، فهو عائب للدين الحق عند آل البيت عليهم السلام ، ومن ترك الدين الحق فهو على دين باطل ، وإذا تعبد لله بالباطل والضلال فهو كالعابث والاعب الاهي بدينه وتدينه ، و هو في الحقيقة يتلاعب بالدين ، ولم يكن على الحق من دين الله المرضي له تعالى ، ولم يكن من العابدين الصادقين لله ، بل عاب الدين الحق ، وتبع غيره فلعب بعقله ودينه ونفسه وكل علمه وعمله وحركاته ، سواء علم بذلك أو لا بجهل مركب لم يعلم أنه لا يعلم ويعتقد أنه يعلم بأن ما يخلف هدى آل محمد هو الحق ، وهذا تلاعب ولعب بالدين ، حيث جعل الحق باطل والباطل حق .

فيا طيب : إن كثير من الناس يدعي حب أهل البيت صلى الله عليهم وسلم ، ولكنه إن جاء أسمهم وذكر معارفهم ، أشمئز منها وأنقبض ، وتركها بل يتشاغل عنها وعن ذكرهم ، لكي لا يتعلمها بحقها فيعمل بها ، ويترك ما عمله سلفه ممن غصب حق آل محمد وحاربهم وقاتلهم وهذا عين العيب لهم واللعب بالدين سواء يدري أو لا.



مزيد بيان لعب بالدين :

العابدين : العاب دين ، لعب بالدين العابا وجعله لُعبه ، و لَعِبَ فعل ثلاثي لازم ومتعد بحرف ، لَعِبْتُ أَلْعَبُ اِلْعَبْ مصدر لَعِبٌ  لَعْبٌ :

و لَعِب : رياضة ، ألعاب أولمبيَّة : مهرجان يُقام مرّة كلّ أربع سنوات وتُجرى فيه مباريات دوليّة في  الألعاب الرِّياضيّة ، ألعاب سحريّة ألعاب تعتمد على خِفَّة اليد ، الألعاب  النَّاريّة : موادّ تُحضَّر كيماويًّ وتُحْدث عند اشتعالها دويًّا وضياءً ، وهي تُستخدم في الأعياد والمناسبات ويلعب بها .

لَعِبَ : مَعَ أَقْرَانِهِ لَهَا لهوا ومَزَحَ ، لَعِبَ بِالكُرَةِ اِتَّخَذَهَا لُعْبَةً ، لَعِبَتِ الرِّياحُ بِالدَّارِ تَسَلَّطَتْ عَلَيْهَ دَرَسَتْهَا ، لَعِبَ  بِعَقْلِهِ خَدَعَهُ ، لَعِبَتْ بِهِمُ الْهُمُومُ عَبَثَتْ بِهِمْ ، لعِب بأعصابه .

لعب  الصبيّ : تسلّى وقام بما يلهيه ، لعب  مع أصدقائه ، لعب بالكرة :  اتّخذها لُعبة ، لعب  دورا في كذا  أثَّر فيه  ، يلعب الاقتصادُ دورًا خطيرًا في السِّياسة .

و لُعَب : جمع لُعبة ، ولُعبة اسم الجمع لُعُبات ولُعْبات ولُعَب ، و اللُّعْبَةُ  : كل ما يُلْعَبُ به ، الدُّميةُ ونحوُها يُلعب بها .

ولعَّبَ : فعل يلعِّب ، تلعيبًا ، فهو مُلعِّب ، والمفعول مُلعَّب .

ويلعَّب : يَقْضِي وَقْتَهُ فِي اللَّعِبِ : فِي اللَّهْوِ وَالتَّسْلِيَةِ .

اللُّعْبَةُ  : الأحمقُ الذي يُسخَرُ به ويُلعَب .

 رجل  لُعبْة  : يُلعب به ، ولُعب عليه .

لعب الرّجل على فلان : احتال عليه ومكَر به ، سخِر منه وهزِئ .

اللَّعِبُ بِالنَّارِ : مَا يَقُومُ بِهِ الإِنْسَانُ مِنْ عَمَلٍ يُمْكِنُ أَنْ يُعَرِّضَهُ لِلْخَطَرِ .

و لَعِبَ : عَمِلَ عَمَلاً لاَ يُجْدِي نَفْعاً . اِتَّخَذَهُ لَعِباً سُخْرِيَةً وعبث به .

لَعِبَ  فِي الدِّينِ : اِتَّخَذَهُ سُخْرِيَةً .



اللعب في كتاب الله :

يا طيب : جاء في كتاب الله تعالى القرآن المجيد كثير من الآيات تذم من يقضي وقته في اللعب واللهو ، وبالخصوص اللعب الذي يلهي ويبعد عن الله تعالى ، وإن قضاء الوقت بما لا ينفع في دين ودنيا مذموم في الدين الإسلامي بنصوص كثيرة ، وبالخصوص التلاعب بمعارف الإسلام واللعب بها تحريفا ، و جعل الحق باطل والباطل حق ، والمنكر معروف والمعروف منكر ، وترك أولياء الهدى الحق ، وجعل أعدائهم ومخالفيهم أولياء .

والعيب والتعييب : للمخلصين في تطبيق هدى الدين ، وتشيين فكرهم ، هو بنفسه عيب وشيء ولعب وتلاعب بالدين وممقوت عند الله تعالى .

 فترك أهل البيت : وآل محمد صلى الله عليهم وسلم والابتعاد عنهم واتباع ممن ليس له شأن كريم كما للطيبين الطاهرين ، وبالخصوص حين بان نفاق من غصب حقوقهم وأصروا على مخالفتهم ومحاربتهم ، حتى أسروا وسبوا زين العابدين مع اعترافهم بفضله ومع حريم آله آل محمد عليهم السلام للكوفة ثم للشام مسبيين مقيدين ، فضلا عن عدائهم ومخالفتهم لآله من قبل جده وجدته وأبيه وأخوته حيث ظلموهم وقتلوهم وهم أطهر خلق الله وأزكاهم وأطيبهم وأشرفهم ، وهم ثقل القرآن والمصدقين من الله تعالى ، فأكبر اللعب بالدين وحقائقه هو تزكية من خالف أئمة الحق وقاتل أولياء الله وأوصياءه في حروب كثيرة في الجاهلية والإسلام ، سواء حرب عداء وبغض وتظاهر بالسلم لهم ، أو أعلنه بحرب كالجمل وصفين والنهروان وخذلان لهم في زمن الإمام الحسن عليه السلام ، وتل الحسين وآله في كربلاء ، وسبهم على المنابر سبعين سنة ، عدم الدفاع عنهم .

وهذا يا طيب : العيب لآل محمد ولهداهم ، واللعب بالدين والتلاعب ببيان حقائقه ، سواء أنتبه لهذا الإنسان أو لا ، فمن تابع لغيرهم عائب لاعب بالحق والعدل والإنسان والدين المبين والهدى الصادق وسار على غير الصراط المستقيم لكل لعنة الله والعذاب الأليم كما تبينه الآيات الآتية ، فتدبر .



تفسير آيات اللعب :

يا طيب : آيات كثيرة في القرآن الكريم تبين معنى اللعب بالدين والتلاعب به سواء باللهو والعب بغيره وتركه ، أو اللعب بحقيقته وتعاليمه وتغييره ، فنذكر بعض الآيات مع بيان مختصر ببركة ذكر الإمام زين العابدين عليه السلام :

لا ولي ولا شفيع للاعب :

قال الله تعالى : يصف من يتخذ دينه لعبا ولهوا :

{ وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ  دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا

وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَذَكِّرْ بِهِ أَن تُبْسَلَ نَفْسٌ بِمَا كَسَبَتْ

 لَيْسَ لَهَا مِن دُونِ اللّهِ

 وَلِيٌّ وَلاَ شَفِيعٌ

وَإِن تَعْدِلْ كُلَّ عَدْلٍ لاَّ يُؤْخَذْ مِنْهَا أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أُبْسِلُواْ بِمَا كَسَبُواْ لَهُمْ شَرَابٌ مِّنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ  بِمَا كَانُواْ يَكْفُرُونَ (70) } الأنعام.

فالله تعالى : حذر بأشد العذاب من يتخذ الدين لعبا ولهوا ، فيتساهل لاهيا بترك أولياء دين الله الصادقين وشفعاء نعيم الهدى والدين والسير بهم على صراط مستقيم لرضاه تعال ولما عنده لأوليائه من الشهداء والصديقين ورفقائهم ممن تبعهم مما تقر به الأنفس وتلذ به الأعين ، ويتركهم ويتعبد بفكر من خالفهم وقاتلهم طمعا بالدنيا أو تعامي وتغافل عن الحق وتساهل بحب ما تهوى النفس ولو لم يرضي الله تعالى به لهيا لاعبا ، و يجحد الحق عند أولياء الله وشفعاء تعاليمه ، فحتما يكون لا ولي له ولا شفيع ولا نصير ، كما عرفت وكما سترى ؟

 وكما قال سبحانه فينسى حتى من الله ولا يذكر بخير :

{ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ دِينَهُمْ

 لَهْوًا وَلَعِبًا

 وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

فَالْيَوْمَ نَنسَاهُمْ كَمَا نَسُواْ لِقَاء يَوْمِهِمْ هَذَا  وَمَ كَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ (51) } الأعراف.

بل يا طيب : الدنيا كلها لهو ولعب ، إلا ما يقرب لله ويوصل للحياة الآخرة الأبدية التي فيها نعيم دائم ، ولذا حذرنا الله أن نعلب بالدني ونلهو بها عن العبودية والدين الحق والتوجه لله بما يحب ويرضى ، فضلا عن اللهو بنفس الدين والتلاعب به ، ففي الآيات الأول يعلبون بالدين ، وفي الآيات الآتية يلهون ويعلبون بالدنيا عن الدين ومعارفه فينسون الله كما عرفت ، وكما قال سبحانه:

{ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَعِبٌ وَلَهْوٌ

 وَلَلدَّارُ الآخِرَةُ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يَتَّقُونَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ (32) } الأنعام .

كما أن الدنيا : لهو ولعب ، وما عند الله خيرا وأبقى ، وإن الآخرة فيها نعيم حقيقي لا ينغصه شيء ولا يزيله ، وهي للمتقين كما عرفت ويؤكده سبحانه بقوله :

{ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا

 إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ

وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُو يَعْلَمُونَ (64) } العنكبوت .

{ إِنَّمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ

وَإِن تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلَ يَسْأَلْكُمْ  أَمْوَالَكُمْ (36) } محمد .

{ اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ  بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا 

وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ    وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ

وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) } الحديد .

يا طيب : يجب طلب الله بكل ما في الدنيا وجودا وملكا وعلم وعملا ، مصدقين بأن ما عند الله خيرا وأبقى ، فيجب بإخلاص أن نقيم العبودية له تعالى ، ونكون عابدين له بما يحب ويرضى من الدين ، ووفق الهدى الحق عند المنعم عليهم أولياءه وشفعاء الهدى الحق ويوم الدين وأولياء الله الصادقين المصدقين ، ولا نكذب ما وعد الله بشيء لنا من المغفرة ، أو لمن لم يدخل في ولايته ولم يتعبد له بدينه ، كما قال سبحانه :

{ فَوَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (11) الَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ (12)} الطور.

يا طيب : الله لا يفوته شيء ويمهل ولا يهمل ، ويترك العباد لزمن مؤجل ، وحتما يأتي كل فرد فيجزيه بما يستحقه ، فمن صدق وعده وتبع الحق من هداه تنعم ، ومن لعب في دنياه ولم يطلب الله فضلا عن اللعب بالدين فيذره أيام ثم ينال جزاء تمرده ، والله تعالى له بالمرصاد كما قال :

{ فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ (42) } المعارج.

{ أَوَ أَمِنَ أَهْلُ  الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى

وَهُمْ يَلْعَبُونَ (98)}الأعراف.

يا طيب : لله تعال لم يحرم زينة الحياة الدنيا ، بل هي للذين أمنوا خلقت وإن شاركهم الكفار والمنافقون ، لتسير الدنيا بالكل كلا حسب أجله وعلمه وعمله ، ولكنه عرفت أنه يجب أن يستفيد المخلوق منها بكل ما فيها حتى وجوده ويجعله بما يقرب لله ليحصل على النعيم الدائم ، ولا يكون إلا بإقامة دينه الحق الزين ، ولا يخلطه بفكر شين من أعداء أئمة الحق وأولياء أمر الله في عباده من أهل الكتاب السابقين أو ممن تسموا بالمسلمين وهم أهل كتاب خالد حق ، فيكون لاعب بالدين ، وبعضهم يلعب بالدنيا وينسى الدين كلا ، فيكون قد عبد الدنيا وزينتها بدل الأشخاص ، وبعض كما يبينهم الله ممن لا يصلي ولا يقيم أهمية لأمر الدين ، كما تبيه الآيات الآتية في قوله تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ

لاَ تَتَّخِذُواْ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ

دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا

 مِّنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (57)

وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا

هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (58) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ هَلْ  تَنقِمُونَ مِنَّا إِلاَّ أَنْ آمَنَّ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ (59) } المائدة .

ويا طيب : تلك الآيات في الكفار والمشركين وإن كان ممكن أن تطبق على المنافقين من أهل كتاب الإسلام ممن لم يعتني به ويبتغي بتأويله بل بتفسيره الفتنة والجاه والدنيا ، ولكن هذه الآيات نصا في لعب المنافقين ممن تسموا بالإسلام ولم يدخل في قلوبهم :

{ يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ  عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم قُلِ اسْتَهْزِؤُواْ إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَّا تَحْذَرُونَ (64) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ

 إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِؤُونَ (65) } التوبة.

فيا طيب : المنافق مظهر للإسلام ، ولكنه يتحين به الفرص ليستفيد مما فضل الله المسلمين وفتح عليهم من خيرات البلاد ، ويتستر بالإسلام لينال جاه ومنصبا ومالا ، وبالخصوص إن تمكن وتسلط ، تراه أظهر أضغانه على النبي وآله ، وهؤلاء أيضا يحذرهم الله تعالى بقوله :

{ اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ (الأنبياء1)

مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ

إِلَّا اسْتَمَعُوهُ  وَهُمْ يَلْعَبُونَ (2)

 لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ

 هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ  وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ (3) } الأنبياء .

فيا طيب : هذه الدنيا وزينتها ، وفيها من يكون ظالم لا يهمه الحق والهدى الصادق وأهله وضرورة أتباعهم ، فبعد النبي الأكرم ممن ظلموا ظهر نفاقهم وانقلب على آله وغصب حقهم وهم أحق بالولاية والإمامة منه ، ولمعرفة هذا تجد تفصيله في كتب الإمامة ، وما نذكره هنا مختصر فيه لفظ ومعنى اللعب ، لنعرف بإن الله أحكم دينه ، ومن عاب ولعب بمن أختارهم لدينه فلا يلوم إلا نفسه ، ويكون لعب بفهمه وعاب عقله في الحقيقة وبالخصوص يوم يعظ الظالم على يديه يوم القيامة ، وذلك لما فرط في جنب الله وأهل ولايته ، فتدبر هذه الآيات تعرف معنى عاب ولعب بنفسه من ترك زين العبادة وهداه عند زين العابدين وآله صلى الله عليهم وسلم .





الهدى عند أهل البيت لا للاعب :

 قال الله تعالى :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

حم (1) وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ (2)

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّ مُنذِرِينَ (3)

 فِيهَا  يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (4)

 أَمْرًا مِّنْ عِندِنَا إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ (5)

رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ إِنَّهُ هُوَ  السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (6) رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ (7)

لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ  يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (8)

 بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (9)

 فَارْتَقِبْ يَوْمَ  تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ (10) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (11) } الدخان .

يا طيب : الله سبحانه علمنا معارف قيمة عن نزول القرآن الحكيم ، ونزول كل أمر حكيم في ليلة مباركة ، وخص بها نبي الرحمة وآله إلى يوم القيامة ، ولكن بعضهم شك ولعب بعقله ودينه ، فلم يؤمن فوعده الله عز وجل بعذاب أليم ، وقد عرفت أن البركة والخير من الله ينزل على رسوله في الآيات أعلاه ، وإنها دائمة ينزل الأمر الحكيم في ليلة مباركة بعده على آل محمد الطيبين الطاهرين وأهل بيته الصدقين .

 ومستمر نزول أمر الله : بل من كل أمر الله بما يهم أمر الدين والدنيا على أكرم خلقه وأشرفهم وأعبدهم وأخلصهم له ، وهم أولياء أمر الله كلا في زمانه إمام بعد إمام من آل محمد صلى الله عليه وآله ، وقد عرفته على النبي الأكرم وسيد رسله ، وسورة إنا أنزلناه تؤكد هذا المعنى أنه مستمر لآله الطيبين الصدقين الثابتة إمامتهم باليقين بعده ، لأنهم مطهرين وأمر الله بودهم ، وتدبر سورة إن أنزلناه تعرف أن نزول الأمر الحكيم لهم ، كما قال الله تعالى :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)

 تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا

بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4)

 سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } القدر.

يا طيب : عرفت أن ليلة القدر مستمرة إلى يوم القيامة ، ولابد من نزول أمر الله وهداه وما يحتاجه ولي الأمر في كل زمان من تعاليم الله ، وهي ليلة مباركة خير من ألف شهر ، مختصة بولي الله وولي أمره في عباده وهو الإمام الحق ، وهو الراسخ بعلم الكتاب ووارثه بالحق ، وهو الذي له ملك الله العظيم من الكتاب والحكمة ، ولا يجوز منعه من تعليم هدى الله وغصب حقه في خلافة رسول الله وتنصيب أنفسهم أولياء لحكم الله وليس لهم ليلة القدر المباركة ، كما قال الله:

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُواْ نَصِيبًا مِّنَ الْكِتَابِ

 يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ

وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ هَؤُلاء أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ سَبِيلاً (51) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَمَن يَلْعَنِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا (52)

 أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِّنَ الْمُلْكِ فَإِذًا لاَّ  يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا (53)

 أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ

 فَقَدْ آتَيْنَآ آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ  وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا (54)

فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ

وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِآيَاتِنَا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ نَارًا كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ  الْعَذَابَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَزِيزًا حَكِيمًا (56)

 وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي  مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاًّ ظَلِيلاً (57)

 إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ  أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا

 وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ

 إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ  سَمِيعً بَصِيرًا (58)

 يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ

 فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) } النساء .

يا طيب : الذين أوتوا الكتاب تشمل المسلمين لأنه أهل كتاب الله القرآن الكريم ، فمنهم تبعوا الجبت والطاغوت من أعدائهم ، فعابوا الله ودينه وأولياءه وقالوا لغيرهم أهدى منهم وأحق بالملك وليس عندهم علم الكتاب والحكمة وهو ملك الله العظيم ، فلعبوا بعقلهم ودينهم ، لأنهم من لم يمكنوا آل محمد من تعريف وشرح وتفسير هدى الله وتعليمه وحجبوا أهل البيت عن الناس ونشر معارف الله التي خصهم الله من الكتاب والحكم ، ولم يأخذوا منهم هم ومن تبعهم .

 بل لم يأتوهم : من الملك الدنيوي نقيرا وهو الخيط الأبيض في نواة التمر ، فضلا عن الملك ، بل غصبوهم ما بأيدهم كما في فدك ، حسدا لمن خصهم الله بفضله وخيره وزينهم بالكتاب والحكمة ، وهم آل إبراهيم عليهم السلام وهم آل محمد في زمان الإسلام ، وهم ذريته الطيبين الطاهرين ، وهم أولي الأمر وأمانة الله التي يجب أن نرعاها ونحافظ عليها ونودهم ونسلم لهم بل نصلي عليهم ونسلم عليهم ، وهذا حق أمانة الله ورسوله والحكم بالعدل حين طلب الرجوع للدين كما في الآيات أعلاه ، وكما أمر الله في آية المودة والتطهير والصلاة والسلام عليهم ، بل صدقهم ولعن من يعاندهم لما آتاهم من العلم كما في آية المباهلة بل في آيات الولاية والشفاعة والإمامة والشهداء وغيرها من المواضع التي أكدها الله فيك كثير من الآيات في حق آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، وهم الثقلين الكتاب والعترة كما تشهد له روايات كثيرة جدا ، فضلا عن آيات الولاية والإمامة وغيرها ، و لا توجد لغيرهم أبدا بل لم يدعيها غيرهم لنفسه ، ومن أولها بأعداء آل محمد فهو كاذب مدعي عائب لدين الله ولاعب متلاعب به  .

ويا طيب : تدبر في الآيات أعلاه تعرف ما ذكرنا ، وتتيقن أن من ترك آل محمد عليهم السلام ، تبع من ظلمهم ، وعاب دينهم واستحسن دين أعدائهم ، فلعب بعقله ودينه ، وله عذاب أليم ، والفوز والنجاة للنبي وآله ومن حفظ ورعى الله فيهم ، فتعلم منهم وعبد الله تعالى بهداهم فكان من العابدين لا من العائبين للدين واللاعبين به كما عليه ممن خالف آل محمد صلى الله عليهم وسلم .



بالتدبر بالأديان الهدى لآل محمد :

يا طيب : يؤكد ما ذكرنا من أن دين الله الذي يعبد به هو عند من اصطفاهم الله تعالى وأختارهم ، وهم من ذرية إبراهيم ممن لم يلبسوا أيمانهم بظلم من نفس الأنبياء بالتسلسل وأخواهم وذرياتهم ، فيذكر قسما منهم الله تعالى ، ثم يأمر النبي بأن يقتدي بهم ، فيذكر ذرية وأخيه ممن لم يلبس إيمانه بظلم ، فيعرف آله آل محمد وأهل البيت الطيبين الطاهرين بعده أئمة وولاة أمر الله تعالى ، ويجب على المؤمنين أن يصدقوه ولا يلعبون كما لعب بني إسرائيل وحرفوا الناس عن ولاة أمر الله الصادقين ، فقتلوا الأنبياء وآذوهم كما في آيات كثيرة من القرآن ، ولمعرفة هذا المعنى بالإضافة لما عرفت تدبر قوله تعالى :

{ الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ

أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ (82)

وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا  إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) وَوَهَبْنَ لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ  هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي  الْمُحْسِنِينَ (84) وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ (85) وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ  وَيُونُسَ وَلُوطً وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ (86)

وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ  إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ (87)

ذَلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا  كَانُواْ يَعْمَلُونَ (88) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلاء فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا  قَوْمًا لَّيْسُواْ بِهَا بِكَافِرِينَ (89)

 أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ

فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ

قُل لاَّ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ  إِلاَّ ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ (90)

وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى  نُورًا وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيرًا وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ

قُلِ اللّهُ ثُمَّ

 ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) } الأنعام .

يا طيب : ذكر سبحانه هذا المعنى بتعريف أولياء الله الذين خصهم بتعاليمه وهداه ، لكي ينتبه المسلم لمن عنده الكتاب والحكمة ممن عرفهم نبي الرحمة بل الله عرفهم بالتطهير بآية التطهير والمباهلة وأمر بودهم وبكثير من الآيات والروايات التي تعرف شأنهم الكريم ، وهم آل محمد بعده صلى الله عليه وآله ، وبالخصوص أخيه ونفسه أمير المؤمنين ، ثم بعده سيدي شباب أهل الجنة الحسن والحسين وذرية الحسين المعصومين إمام بعد إمام صلى الله عليهم ، فهذا معنى أن يقتدي النبي بهم بالأنبياء هو أن يعرف آله وذريته بعده ، فتتم سيرة المخلصين وزين العابدين والأئمة المعصومين الذين عندهم الكتاب والحكمة ، وفي تفسير الآيات أعلاه بالآيات والروايات ، مجال واسع ، ولكن نذكر تفسير آية واحدة وهي الأولى من المجموعة أعلاه لتعرف هذا المعنى بأن آل محمد هم ممن لم يلبسوا إيمانهم بظلم فهم أئمة وأولياء أمر الله ، لأنه الله طهرهم بآية التطهير وصدقهم بالمباهلة وعرفهم وبأية المودة أمر ودهم وجعلهم أجر الرسالة وهو ذكر للعالمين وأجره لنا.

وأما تفسيرها : بقوله تعالى يحكي إن إبراهيم عليه السلام :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ

 قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي

قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) } البقرة .

يا طيب : عرفت أن شرط النبوة هي لمن لم يبلس إيمانه بظلم كم في أول آية للمجموعة السابقة ، وفي الآية أعلاه أكدها للإمامة بعد النبوة ، فمن ظلم لحظه فقد لبس إيمانه بظلم فضلا عن كون كان مشرك قبل الإيمان .

بل كل من كان : في زمن النبي من أصحابه ، كان يعبد صنم وهو شرك والظلم كما قال الله تعالى : { إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ (13) } لقمان ، فمن عبد صنم وهو شرك أو كفر فهو لا يستحق الإمامة ، كما طلب إبراهيم عليه السلام لذريته .

 فبقي : النبي الأكرم لم يسجد لصنم وكذا أخيه بل نفسه الإمام علي عليه السلام لم يسجد لصنم ، حتى أن كل المسلمين ممن أقتدى به أو لا يقول كرم الله وجه بعد ذكر اسمه لأنه لم يسجد لصنم ، فهو بالحقيقة ممن عرفه الله إماما لم يكن من الظالمين ولم يلبسه بظلم وعهد الله بعد رسوله له وهو الإمام الحق .

فإن في آية : طلب إبراهيم عليه السلام الإمامة لذريته ، أجابه الله أن يجعلها لهم ، ولكن منفي عنها لشأنها العظيم من ظلم وأشرك وعبد صنم حتى قبل الإسلام ، لأنه إبراهيم لم يطلب الإمام للعاصي كل عمره ، ولا طلبها لمن يعصي أخر عمره من ذرية ، وطلبها لمن عصى وتاب أو لم يعصي أبدا، والله تعالى نفاها عمن ظلم ولو لحظه حتى قبل إيمانه ، وأثبت عهده بالإمامة لذرية إبراهيم ممن لم يلبس إيمانه بظلم أبدا ولم يشرك ، وهو الإمام علي عليه السلام بعد النبي الأكرم ، ثم كما عرفهم الله آلهم المعصومين عليهم السلام ، وهم آهل الكتاب والحكمة.

وبهذا يا طيب : تعرف أن من لم يتبع علي وآله آل محمد وأهل بيته بعد النبي الأكرم ، فقد عاب دينهم لأنه لم يقبلهم ، ولعب بنفسه ودينه وعقله ، لأنه تبع غيرهم ، وبهذا عرفنا ببركة لقب زين العابدين وآله وكلهم أفضل وأخلص العابدين ، هم أهل دين الله ومعرفي عبوديته بكل وجودهم وصفاتهم وأفعالهم مخلصين لله الدين ، ويجب على المؤمن أن يقتدي بهم ويسير على نهجهم ويتعبد لله بتعاليم الله التي عرفوها ، ولا يتبع من خالفهم فضلا عمن قاتلهم أو حاربهم ، أو لم يرضى بهم له أئمة وولاة لأمر الله ، وإن من تركهم فهو عابهم وعاب دينهم وتعاليمهم ، ولعب بنفسه ودينه حين تبع غيرهم ، وقد وعده الله بعذاب أليم كما عرفت .

وأسأل الله تعالى : أن يثبتنا على ولاية النبي وآله صلى الله عليهم وسلم ، ويرسخ إيماننا بمعارف حق إمامتهم ، ويجعلهم شفعاء لنا في الدنيا والآخرة ، فنتعلم منهم هداه ونتعبد له به فنكون من العابدين المخلصين له ، ويجزينا خير الجزاء فيجعلنا معهم في مقام الصادقين والمصدقين والصديقين ، إنه ولي التوفيق وهو سبحانه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .



غرض الخلق العبودية لا لعب :

يا طيب : إن الله سبحانه خلق كل شيء من أجل الإنسان  ليتمكن من الحياة الكريمة ، ثم يشكره ويقيم له العبودية ، وهذا الخلق بالحق وليس لعب ، بل الدنيا اختبار ولا ينجى منه إلا من طلب الحق ورحمة الله عند النبي وآله ، ولهذ قال سبحانه :

{  وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ (55)

 وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) } الذاريات .

يا طيب : والله سبحانه وتعالى ، بين أيضا أن كل شيء خلقه يسر به حياة كريمة للإنسان ، ليستطيع أن يقيم له العبودية بأحسن وجه ممكن حتى كانت نعمه لا تحصى للإنسان ، ثم يبين أن الهدى والدين وإبراهيم وفيهم الكتاب والحكمة كما عرفت ، وفيهم الإمام كما عرفت ، وفي هذه الآيات يطلب الله أن يتعلموا تعاليم الدين الإسلامي منهم على حب ومودة وقلوب تهواهم وتهفوا لهم مصدقة مذعنة بأن هدى الله عندهم دون غيرهم  وبه تكتسب الحسنات ، فقال سبحانه :

{ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ  فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الأَنْهَارَ (إبراهيم32) وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ  وَالنَّهَارَ (33)

وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ

وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا

إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34)

وَإِذْ  قَالَ إِبْرَاهِيمُ

رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا

وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ (35) رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا  مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (36)

 رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي 

بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَ لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ

 فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

وَارْزُقْهُم مِّنَ  الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) } إبراهيم .

يا طيب : عرفت أن غرض الخلقة العبودية وسخر الله لنا كل شيء بنعم لا تحصى ، وأقام البيت وجعل فيه ذرية إبراهيم ووهبهم الكتاب والحكمة والإمامة ، وطلب من الله أن يجعل قلوب الناس أن تهواهم مصدقة بهم وبهداه الذي جعله عند المنعم عليهم منهم ، وهم آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، كما عرفت في الكتاب والحكمة والإمامة بل والشفاعة الولاية من قبل ، والآن يأمر الله ويجعل حبهم وودهم أمرا مقضيا حتم واجبا على كل العباد ، بأن يتبعهم وإن كانوا حقيقة صالحين ومؤمنين مسلمين له ، فيجب أن يهوهم أي يودوهم ويحبوهم ويتعبدوا لله بهداهم ، كما قال الله تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُو وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

 وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً

نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا

إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

يا طيب : المودة للقربى لتعلم الدين والعمل به لا تكون إلا للنبي وآله ، فمن آمن وحب أن يعبد الله ويعمل صالحا عليه بمودة قربى النبي وآله الطيبين الطاهرين ويحب ويهواهم بصدق حين يتعلم منهم ، بل بحب يعمل بهداهم أي متيقن أن الحق لهم ومعم ، وحين يقترف الحسنة بعلمه وعبوديته وعمله ، ويزيده الله كل خير ويغفر له ويشكره كما في الآيات السابقة .

فمن ترك : هدى آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، فهو عائب له ومنتقص له ولا يرى الكمال فيه ، ويتعبد بغيره ممن لم يجعل له الله سلطان بل أعتبره ضلال ، ومن يتعبد لله بالضلال فهو بالحقيقة لاعب بالدين بل لا لاعب بعقله وفكره وعبادته وبكل حركاته في الصلاة وغيرها ، لا عبادي ولا هو من العابدين الحقيقين الذين فضلهم الله وجعل عندهم الكتاب والحكمة ، وهم الراسخون به وشفعاء دينه وورثة الكتاب .



العابدين الحقيقين النبي وآله :

يا طيب : عرفت أن غرض الخلقة العبودية له وشكره والتحقق بكل هداه وتعاليمه ليصل البشر الذي عرفت أن سخر له كل شيء ، ولم يخلق سبحانه التكوين لاعبا ولا لهوا ولا عبثا ، ذلك ظن الذين ظلموا ، كما قال الله سبحانه وتعالى في عدة مواضع :

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ (16)

لَوْ أَرَدْنَا أَن نَّتَّخِذَ لَهْوًا لَّاتَّخَذْنَاهُ مِن لَّدُنَّا إِن كُنَّا  فَاعِلِينَ (17)

بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَ هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ (18) } الأنبياء .

وقال سبحانه وتعالى :

{ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَ لَاعِبِينَ (38)

مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (39) } الدخان .

يا طيب : الله سبحانه وتعالى يؤكد أن الحق بهداه وغرض الخلقة ، ولا لعب بالتكوين وإرسال المرسلين ، بل الأمر جد جدا و يجب أن يطاعوا ويتعلم منهم ، والله يفصل بين من صدقهم وتولاهم ، ومن كذبهم وتبع من خالفهم سواء تعبد له أو لا ، فيوم الفصل يصدق الله أولياءه وينجي أتباعهم ، ومن كذبهم لا مولى له ولا شفيع كما عرفت وكما قال سبحانه وتعالى :

{ إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ (40)

 يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئًا

وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ (41)

 إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ

إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (42) } الدخان .

يا طيب : لا يغني مولى عن مولى ، إلا من رحم الله ، فيجب أن نعرف عند من رحمة الله وعلى من تنزل رحمة ومن هو رحمة الله ، فإذا عرفنا فنتولاه ونتعبد لله بدينه لأنه دين حق فيه رحمة الله وهدى صادق مؤيد برحمة الله ، وإن كانت رحمة الله الرحمن الرحيم واضحة في سورة الفاتحة بصراط المنعم عليهم لا من خالفهم من الضالين ، ولكن فلمتابعة رحمة الله بأسلوب أخر نتابع رحمة الله لنتولى من رحمهم الله وجعلهم رحمة للعالمين ، قال الله تعالى :

{ قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ  اللّهِ

رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ

 إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ (73) } هود .

يا طيب : هم آل إبراهيم كما عندهم الكتاب والحكمة والإمامة كما عرفت ويجب أن نهواهم ، عرف الله سبحانه أن رحمته عندهم ولهم تنزل ، ومستمرة لهم في الإسلام عند نببي الرحمة محمد صلى لله عليه وآله ، فآل البيت سواء في زمن إبراهيم أو في زمن نبينا فهي مستمرة لهم في أهل البيت رحمته لأهل البيت النبوي الإبراهيمي كم عرفت والمحمدي كما قال الله تعالى :

{ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ

أَهْلَ الْبَيْتِ

 وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا (33) } الأحزاب .

يا طيب : أهل البيت الذين لهم الرحمة مستمرة من إبراهيم لنبينا وآله ، فهو بيت واحد طاهر مرحوم ، فإذهاب الرجس عن أهل البيت عين الرحمة بل هو الرحمة ، لأنه لا شك في دينهم وهداهم وتعاليمهم الطاهرة ، فكما كتاب الله طاهر مطهر في معارفة ، فهم ترجمانه عيانه ومعناه وتطبيقه وتصديقه بكل معارفهم وتعاليمهم وسيرتهم وسلوكهم ، فمن أقتدى بهم طلب رحمة الله وتحقق بها ، ومن هجرهم فلم يكن من أهل البيت ولا رحمة له ولا مولى ولا شفيع حق له ، والولاية لله ومن أختارهم وطهرهم الله ، وكل من خالفهم فهو عائب لهم لاعب بدينه وعقله وعبادته ، فضلا عمن يتعبد بأفكار من قاتلهم وحاربهم وآذاهم من الأولين والآخرين .

ويا طيب : خلاصة القصة في الرحمة لمن تعبد بهدى النبي وآله وتحصيل رحمة الله لمن أطاعهم ، ولا يكون عائب لهم ولا لاعب بدينه ، حكاها الله ملخصة في قوله :

{  فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ

 رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا

 وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (84)

وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ

  يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ (105)

 إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغًا لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ (106)

وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا  رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ (107)  } الأنبياء

يا طيب : أربع آيات أعلاه ، أهلك الله كل آل أيوب يختبره الله يجزع أم يصبر ، فصبر فوهبه الله أهل بيته بقدرهم بل ضاعفهم وكانوا رحمة الله لأيوب لإخلاصه في سبيل الله وطاعته وحبه ، وهذا مثل ضربه لله لما يجري في هذه الأمة ولنبينا الأكرم كما في تسلسل الآيات .

وهذه سنة الله : من يصبر في ذات الله ويخلص له وهو من الصالحين ، كما عرفت في آية المودة وهم قربى نبينا الأكرم يرثون الأرض ولهم رحمة الله وتكون فيهم الولاية والإمامة .

والثالثة : هذا بلاغ وموعظة وبيان لمحل الهدى عند الصابرون في بيان تعاليم الدين .

ويا طيب : الآية الرابعة نبينا رحمة للعالمين ، وهي مستمرة في آله وقد عرف أن آله وأهل بيته يهلكون كقصة أيوب في أحاديث كثيرة رواه العامة والخاصة في قصة الإمام الحسين عليه السلام وتربة كربلاء ، فصبر النبي وصبر آله ولا اعتراض لهم على حكم الله .

ولم يبقى : منهم إلا زين العابدين والحسن المثنى ، وهم صبرو ورأيت سيرة الإمام زين العابدين وهو إمام حق لكل من بقي من أهل البيت أو غيرهم ممن طاعهم ورأيت وعبوديته ، فوهب الله من آل البيت وذرية النبي أضعاف مضاعفة بآلاف بل ملايين المرات ، من الذرية للنبي من ذرية زين العابدين ، ورحمة الله ومثلهم بل أمثالهم للنبي ، فهم رحمة الله وبلاغ للعابدين بأن آل البيت هم آل النبي وهم من ذرية زين العابدين وبالخصوص الأئمة منهم ، فمن تبعهم وتولاهم له رحمة الله ومن تركهم وعاب سيرتهم فقد عابهم و لعب بدينه وليس له من رحمة الله المنجية من العذاب والمدخلة للجنة شيء مهما برر لأئمة .

وإن أهل البيت : الصابرون العابدون هم آل محمد صلى الله عليهم وسلم ولهم الكتاب والحكمة والرحمة والولاية والشفاعة والإمامة ، ورحمة للعالمين كرسول الله بل هم وراثوا رحمته وهم الثقلين وبقية الله ورحمته لعباده لمن تمسك بهم ، فمن تحقق بهداهم وودهم وطاعهم ، طهر وطاب وعبد بالله بما يحب ويرضى من الهدى الحق ، وكان من العابدين ، ومن تركب لعب بنفسه وعابها يوم الدين ، وببركة لقب الإمام زين العابدين عرفنا الدين الحق والعابدين بصدق ، ومن عاب الدين ولعب بالدين من مخالفيهم الضالين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وجعلن الله وإياكم من المتمسكين بولايتهم ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ (1) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (2) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (3) وَلَا أَنَا عَابِدٌ مَّا عَبَدتُّمْ (الكافرون4) وَلَا أَنتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ (5) لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ  دِينِ (6) } الكافرون .





أبوذيات العابدين والسجاد :

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله على السجاد زين العابدين

علمنا وآله الهدى الحق لا العاب‏دين

الولي فخالفه وديانته كلها العاب‏دين

لأنه ترك الحقوق و الطاعات الإلهية

يا طيب : نقرأ الأبوذية هكذا :

سلام الله على السجاد زين العابدين

علمنا وآ له الهدى الحق ، لا العاب،دين

الولي ، فخالفه و ديانته كلها العاب‏دين

لأنه ترك الحقوق و الطاعات الإلهية

العابدين : العابد بدين الحق لقب الإمام.

العابدين : عائب دين الولي

العابدين : لاعب بدينه .

وهذه الأبوذية نفسها مفصلة :

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله على مولاي الأمام سيد السجادين زين العابدين

علم وآله الهدى الحق و من يقتدي بهم يكون من العابدين

يدعو الله بصحيفته و لا يكن هواه اعتقاده ولا له العابدين

ويراعي ما في رسالة الحقوق ووصيته فتكون أخلاقه عليه

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام الله على إمامنا البر زين العابدين

في الصحيفة السجادية صلاة العابدين

على النبي وآله مئتين تامه لا العابدين

مع تمجيد لله ودعاء مناسب للعبودية

يا طيب : هذه الأبوذية تعرف معنى بأسلوب آخر لمعنى العابدين ومعارفه ونريد أن نُعرف بها الصحيفة السجادية ، والشرح متقارب ، ولمعرفة الصحيفة السجادة والصلاة على النبي وآله المستخرجة منها ، وهي مئتي صلاة ، قبل كل صلاة مختصر تسبيح وذكر لله ثم صلاة على النبي وآله ثم دعاء مناسب لتمجيد الله في كل صلاة ، وتجده على الروابط الآتية ، فتدبرها في العناوين المفيدة أتفحها وصلي به ، فإنها كريمة كثيرة الدعاء.




<

 





  ف

       

ت