هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية

 

الجواد

النور الحادي والتسعون

 

الجواد : هو الجيد في نفسه وصفاته وأفعاله ، فيُظهر حُسن كماله بالجود ، فيكرم بالخير والبركة التي لا سوء ولا نقص فيها ومن غير سؤال ومع السؤال أجود .

والله تعالى هو الجواد الحق : وله الغنى المطلق الذي لا يحد لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله ، وله أجمل بهاء ونور لكمال عظيم كبير علي جليل واحد أحد صمد ، فيهب لمن يشاء ما يشاء كيف يشاء من غير سؤال ، فهو الجواد الكريم الذي تطول ومنح ، ولا بخل في ساحة جوده تعالى لا في التكوين وسعة الكائنات ولا في هداه لكل شيء لغايته بأحسن صورة ، حتى جعل كل شيء جيد في نفسه وصفاته وأفعاله ، ولكن البخل يكون لضيق الموجودات ولتعصيها على قبول جوده وقلت المحل في نفسها ولصغر شأنها ، فسبحان الجواد الواسع الكريم ، والجواد الذي لا يبخل أبدا ، فهو الله الجواد ذو الجود والنعم والإحسان والكرم .

والله تعالى هو الجواد : الذي يهب قبل السؤال لكل شيء وجوده بجوده ، وهو الجواد الذي يهب نعمه لمن يتوجه له بحاله فضلا عن سؤاله ، فيعطيه ما به كل كماله ويرفع نقصه ويُحسن وجوده فيجعله جيدا جوادا مجيدا في كل شيء ينتسب له ، فسبحان الرب الجليل الجواد والكريم الحنان ، والحليم المتفضل المنان الواسع في كل عطائه لكل شيء بحسب شأنه ، بل يوسع وجوده ويعظم شأنه ، فيجعله جوادا ويتصف بالجود والكرم والحسن والجمال بكل شيء ينتسب له ، وهو الجواد الكريم وكل جيد في وجوده من كرمه وفيض عطائه ومن نعمه التي لا تحصى في الوجود، فسبحان الجواد المنان ذو الطول المحسن الذي لا يبخل أبدا .

وخير من تجلى عليه الجواد : هم الأنبياء والأوصياء فخصهم بأشرف وأكرم المناقب والفضائل في كل شيء ينتسب لهم وأثنى عليهم وشكر سعيهم ، بل غفر بعض غفلتهم المحيطة بالممكن وجعلهم في حسنات دائمة ولهم منه أعلى مراتب الكرامة ، حتى خصهم بهداه وأتاهم الكتاب والحكمة وتعاليم دينه وهداه .

وخير من تجلى عليه الله الجواد : بجود نور أسماءه الحسنى الواسعة ، وبأتم تجلي وأكمل جود حتى قبل خلقهم في علمه ، وفي كل مراتب الوجود ، فجعلهم النور الأولى في الخلق ، وفي كل مرتبة تنزل الوجود ، هم نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، فخصهم بنور الكرامة والمجد والإمامة والولاية والهدى بأكمل هدى وأقوم دين وأعلى تعاليم نزلت من جود رب العالمين ليهدي عباده لأتم سعادة تصلح لهم في كل شيء ينتسب لهم و بأرقى نعيم ظهر في الكون من الله الجواد حتى في الآخرة والجنة .

فكانوا بأجمل جود : يتصرفون في طاعة الله وتبليغ دينه حتى أجادوا بأنفسهم وبكل سيرتهم وسلوكهم وعلمهم وعملهم وأحوالهم في الظهور بنور هدى الله ، وبكمال الكتاب والحكمة والدين القيم المرضي لله بحق وبأخلص توجه له وعبادة ، فساروا بالعباد على صراط مستقيم لعبوديته الله الخالصة ، فشرفوهم بأكرم معارف ذكر الله التواب الجليل الجواد وطاعته والتوجه له بما يحب ويرضى ، حتى كان من يقتدي بهم يكون معهم مع الشهداء والصديقين وحسن أولئك رفيقا عند مليك مقتدر في ملكا عظيما جميل مجيدا بكل بهاء ونور وسناء وحسن لا يوصف ، بل حورية فيه لو أشرق نورها لبهت له أهل الأرض كلهم ولتوله بالنظر لها ولشغلتهم عن الدنيا وما فيها من ملك وسلطان وزينة ، وهي مطيعة خادمة للمؤمن بل مؤنسه حبيبة لمن يقتدي بهدى رب العالمين النازل على نبينا والمحُافظ عليه بحق بأجمل شرح لآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، وجعلنا الله معهم الآن مقتدين متأسين ، وبكل مجد وكرامة في يوم الدين في المقام المحمود المشكور السعي لمن يكون فيه ، والمغفور ذنوب من كان فيه فلا ينغص نعيمه شيء أبدا ، فسبحان من رب تواب جليل جواد ، يغفر الذنب ويُكرم العبد حتى ليجعله في شأن جليل عظيم كريم مجيد بجوده وكرمه وإحسانه ، فيتجلى بالجود حتى يجعل من يقتدي به جوادا ، وله أحلى وأجمل تجلي نور من فيض كرم الجواد الجليل ، وذو الشأن الكبير والقدر العظيم ، فيجلله الله بكل كرامة وبهاء فيجود بحسب شأنه علما وعملا بل وجودا ونعيما .

وإن الله الجواد : جاد وجيَّدَ وكرم نبينا وآله لعلمه بهم بأنهم أكمل وأجمل من يتشرف بإظهار الطاعة له ، والإخلاص في الجود بأنفسهم وعلمهم وعملهم في الظهور بجود عبوديته وهداه ، وهو العليم الخبير بهم فصدق الله ورسوله وآل نبينا الذين جاد الله بهم على نبينه وعلينا ، إذ عرفنا شأنهم الكبير وقدرتهم على الظهور بجوده بكل شيء جاد به عليهم ، حتى كانوا مظهر حق للجود بالهدى ، بل بما كرمهم به من الخمس والأنفال وبكل شيء كان لهم ، حتى أجادوا بوجودهم في سبيله وهو غاية الجود للمكن ، فكان ما من إمام منهم إلا مسموما أو مقتولا من أجل الله الجواد .

فكانوا أولياء لله : وشهداء على العباد فيصدقوا من يتبعهم ويزكوه في الدنيا والآخرة ، فيجود عليه هدى الله ويأخذ به لصراط الله المستقيم ، فيجعله يصل لكل نعيم يمكن أن يحصل عليه مؤمن يخلص لله ، فيخلص من كل ضلال ومن كل غضب من الله يتبعه على الطغاة العاصين من أعداء أئمة الدين ، وقد عرفت هذا المعنى في اسم الله الوفي لمن يفي له وراجع سيرتهم وكل أحولهم في صحفهم .

والمؤمن : جواد يجود بنفسه وصفاته وعلمه وعمله وبكل شيء ينتسب له بقدر الاستطاعة في سبيل الله تعالى ، فيجود ويهب كل ما يقدر عليه من نفسه وماله وكل نعم الله التي يقدر عليها في طاعة الله وفي سبيل الله ويطلب به وجه الله تعالى ، فلا يبخل بشيء يقربه لله لا في تعلمه لدينه ولا تعليمه ولا بذل ماله ولا شأنه ولا جاه في سبيله ، فيقضي حق الطاعات ويتفقد الإخوان المؤمنين بقدر الإمكان،  فيجود بما مكنه الله الجواد من علمه وماله وشأنه حتى يكون مظهرا طيبا للرب الجواد سبحانه .

ويا طيب : لأنسنا بالرزق المادي والمعنوي ، وحبنا لما نتمكن أن نطيع الله به ، نذكر دعاء عن الإمام محمد الجواد عليه السلام يقول في المناجاة لطلب الرزق :

بسم الله الرحمن الرحيم :

 اللهم أرسل علي سجال رزقك مدرارا ، وأمطر سحائب إفضالك علي غزارا ، وأدم غيث نيلك إلي سجالا ، وأسبل مزيد نعمك على خلتي إسبالا .

 وأفقرني بجودك إليك : وأغنني عمن يطلب ما لديك ، و داو داء فقري بدواء فضلك ، وأنعش صرعة عيلتي بطولك ، وتصدق على إقلالي بكثرة عطائك ، وعلى اختلالي بكريم حبائك ، وسهل رب سبل الرزق إلي ، وأثبت قواعده لدي ، وبجس لي عيون سعة رحمتك ، وفجر أنهار رغد العيش قبلي برأفتك ورحمتك ، وأجدب أرض فقري ، وأخصب جدب ضري ، واصرف عني في الرزق العوائق ، واقطع عني من الضيق العلائق ، وارمني اللهم من سعة الرزق بأخصب سهامه ، واحبني من رغد العيش بأكثر دوامه ، واكسني اللهم أي رب سرابيل السعة وجلابيب الدعة ، فإني يا رب منتظر لإنعامك بحذف الضيق ولتطولك بقطع التعويق ولتفضلك بإزالة التقتير ، ولوصل حبلي بكرمك بالتيسير ، وأمطر اللهم علي سماء رزقك بسجال الديم ، وأغنني عن خلقك بعوائد النعم ، وارم مقاتل الإقتار مني ، واحمل عسف الضر عني على مطايا الإعجال ، واصرف عني الضيق بسيف الاستيصال ، وامحقه عني رب منك بسعة الإفضال ، و أمددني بنمو الأموال ، واحرسني من ضيق الإقلال ، واقبض عني سوء الجدب ، وابسط لي بساط الخصب ، وصبحني بالاستظهار ، ومسني بالتمكن من اليسار ، إنك ذو الطول العظيم والفضل العميم [الجسيم‏] .

و أنت الجواد الكريم  الملك الغفور الرحيم ، اللهم اسقني من ماء رزقك غدقا ، و انهج لي من عميم بذلك طرقا ، و أفجأني بالثروة والمال ، و انعشني فيه بالاستقلال ، يا أرحم الراحمين[57].  

وعن الحسين بن علوان قال : كنا في مجلس نطلب فيه العلم وقد نفدت نفقتي في بعض الأسفار فقال لي بعض أصحابنا : من تؤمل لما قد نزل بك فقلت : فلانا ، فقال : إذا والله لا تسعف حاجتك ولا يبلغك أملك ولا تنجح طلبتك . قلت : وما علمك رحمك الله ؟ قال : إن أبا عبد الله عليه السلام حدثني أنه قرأ في بعض الكتب أن الله تبارك وتعالى يقول :

 وعزتي وجلالي ومجدي : وارتفاعي على عرشي لا قطعن أمل كل مؤمل [ من الناس ] غيري باليأس ، ولأكسونه ثوب المذلة عند الناس ، ولأنحينه من قربي ، ولأبعدنه من فضلي ، أيؤمل غيري في الشدائد والشدائد بيدي ؟ !  ويرجو غيري ، ويقرع بالفكر باب غيري ، وبيدي مفاتيح الأبواب وهي مغلقة ؟ !

وبابي مفتوح لمن دعاني فمن ذا الذي أملني لنوائبه فقطعته دونه ؟ ! ومن ذا الذي رجاني لعظيمة فقطعت رجاءه مني ؟ ! جعلت آمال عبادي عندي محفوظة فلم يرضوا بحفظي ، وملأت سماواتي ممن لا يمل من تسبيحي ، وأمرتهم أن لا يغلقوا الأبواب بيني وبين عبادي ، فلم يثقوا بقولي ؟ ألم يعلم  أن من طرقته نائبة من نوائبي أنه لا يملك كشفها أحد غيري إلا من بعد إذني ، فمالي أراه لا هيا عني ؟؟!

 أعطيته بجودي : ما لم يسألني ثم انتزعته عنه فلم يسألني رده وسأل غيري ; أ فيراني أبدأ بالعطاء قبل المسألة ثم اسأل فلا أجيب سائلي ؟ !

أبخيل أنا فيبخلني عبدي . أوليس الجود والكرم لي ؟ !

أوليس العفو والرحمة بيدي ؟ ! أوليس أنا محل الآمال ؟ ! فمن يقطعها دوني ؟ أفلا يخشى المؤملون أن يؤملوا غيري ، فلوا أن أهل سماواتي و أهل أرضي أملوا جميعا ، ثم أعطيت كل واحد منهم مثل ما أمل الجميع ما انتقص من ملكي مثل عضو ذرة ، وكيف ينقص ملك أنا قيمه ، فيا بؤسا للقانطين من رحمتي ، ويا بؤسا لمن عصاني ولم يراقبني [58].  

 يا طيب تذكره في الصلاة وأنت تتوجه له وحين الدعاء بالخصوص!!

ويا طيب : إن الله جليل قادر عظيم رفيع لا ينال ما عنده إلا بجوده لمن يستحق ، لأنه هو العزيز الجواد العظيم والغني الواسع الجليل ، فلا يهب شيء دائما وأبدا إلا لمن يستحق جود الله الجواد ، فمن أيقن بالبعث وإن الله يرث ويورث كل شيء لمن يشاء من نور جمال أسماءه الحسنى لا يسعه إلا أن يصلح نفسه مع الله التواب الجواد ، ويرجع له بكله فيتوكل عليه ويفوض الأمر له ليجود نور أسماءه الحسنى عليه بأعظم وأجل بهاء ، فيرفع شأنه ويسد حاجته ونقصه ويصلحه بفضله ويكمل نوره بجوده .

وبهذا عرّفنا : الله التواب لمن يرجع له يصلحه بل يعظم شأنه ويجلله بجوده ، وهذا المعنى المتقارن في الأسماء الحسنى تشعر به في كلها ، وتحسب بحق إن تسلسلها في هذا الحديث لغاية كريمة وغرضا جميلا يُعرف شؤون عظمة الله بأعلى معرفة كريمة ، ولا تجده في غير الأحاديث المنسوبة بالسند لغير أئمة الحق والهدى في ذكرها كما ستعرف في صحيفة العارفين إن شاء الله ، وبعد إن عرفنا الله بشؤون العظيمة والجلال لتجلي نور الله العلي العظيم الجليل الجواد ، فلابد أن نخاف الله الجليل فنتوب ونرجع له ليجود علينا ، ولا يأخذنا أخذ عزيز مقتدر منتقم شديد العقاب بالغفلة عن كرمه وعصيانه بنعمه بعدم الطاعات وارتكاب المحرمات ، وهذا المعنى تراه في كثير من الأدعية ، وقد عرفت شيئا منه في نور الجليل والحديث السابق ، وكما في دعاء كل يوم من رجب والذي منه : يا ذَا الْجَلالِ وَالأكرم ، يا ذَا النَّعْماءِ وَالْجُودِ ، يا ذَا الْمَنِّ وَالطَّوْلِ ، حَرِّمْ شَيْبَتي عَلَى النّارِ .

فإنه لجلال الله : ولشأنه العظيم نخافه ونطلبه بالتوبة وأن يحرمنا على النار ، كما هو كريم منه النعيم وبجوده تظهر في الوجود ، فيكرم بها خلقه ويمن عليهم بطوله ، و إن الله خبير بصير عالم يعرف حقائق العباد ومن يستحق منه جوده وكرمه وإعلاء شأنه ، وإنه قد أصلح نفسه معه فطلبه حقا بما يحب من الطلب والتوجه ، فيجود عليه بنور أسماء الحسنى بكل كرامة وشأن جليل ومجد وعزة وبما يناسبه حاله، ويتممه بأعلى كمال ونور نعيم دائم إن سأله بمقال ، فسبحان الله التواب الجيل الجواد الخبير .


 

[57] المصباح ‏للكفعمي ص171ف20 في أدعية الأرزاق .

[58] الكافي ج2ص66ح7. وأنظر إرشاد القلوب ج1ص121ب35 .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها