هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث
الْعَظِيمُ
النور السابع والتسعون

 

الإشراق الحادي عشر :

العظيم يُعظم من يقبل أمانه النبأ العظيم ولا يختلف عنه :

يا عظيم سبحانك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك :

يا طيب : حقا أمانة عظيمة من العظيم في الوجود تعرفنا غرض الخلق وتجلي نور العظيم ، ولكن الإنسان ظلوما جهولا يظلم نفسه فلا يطلب لها علم العظمة حقا ، فإنه قد عرفت إن الله سخر لنا ما في السماوات والأرض مع تسبيحهم لله تعالى ، وقد فضل العظيم سبحانه الإنسان على كثير مما خلق .

بل والأعظم من هذا يا طيب : إن الله العظيم سخرنا عظماء خلقه وعظيم هداه لنعظم إن طلبنا هدى الله منهم وتعلمناه وظهرنا به عبودية خالصة لله وحده لا شريك له ، فإنه ليس فقط إن ما في سماء والأرض وما بينها مسخر لنا وحده ، بل لنا كل ما ظهر من شؤون صاحب النبأ العظيم وأمره العظيم هو وسيده الأعظم بعظمة الله وفضله ، نعظم به إن توجها حقا للعظيم وظهوره في كل شيء حقا وجودا فأمنا وهدى فعبدنا بما يعلمه أعظم عباده معرفة به ، وطلبنها بكل ما سخر لنا من نعمه التي لا تحصى فأطعناه بها ، وأصلها بعد الإيمان بالله العظيم هو تولي ولايته عند عظماء خلقه ومن كان نبأهم وتعليم دين الله وخبر شؤون عظمتهم عظيم بفضله ، فيكون لنا نبأ عظيم وملك عظيم في نفسنا وفي محيطنا فنكون منه ومعه في كل مراتب العظمة.

فبعد إن عرفنا يا طيب : نبأ الله العظيم وإنه يجب أن لا نعرض عنه وحرمة الاختلاف فيه وعنه لأنه نبأه عظيم وما يعلمنا من هدى الله ، نذكر في هذا الإشراق شيء من معارف العظمة لعظماء خلق الله ، وبعض المعرفة عن ملكهم العظيم من العلم العظيم وبالأحاديث بالإضافة لما عرفت ، ونذكر كيف نسكن معهم في مراتب العظمة علما وملكا عظيما عند عرش الله العظيم .

ولذا سنتذكر : عظمة العرش ومعناه العلمي الجبروتي العظيم ، والمعد هدى ومنزلة ومقام لمن يتحقق بالهدى العظيم النازل منه ، حتى يكون في حقيقته ويسكن فيه مع عظماء خلق الله العظيم بكل عظمة وجلال وبهاء ، وبعده يأتي تفصيلا أخر فتدبر يا طيب عظمة العظيم التي تعظمنا إن طلبنا عظمته حقا :

 

الإشعاع الأول :

العرش والكرسي مقام علمي للعظماء وسكنا لهم :

سبحان ربي العظيم وبحمده  سبحان ربي الأعلى وبحمده :

يا طيب : ذكرنا إن الله نبأه عظيم في الوجود وفي كل مراتبه ، وذكرنا إنه كل شيء حتى عظماء خلقه مسخرون للإنسان بما يعلمون من هدى الله العظيم الذي ينزل من أعلى مراتب العظمة ، وهذا لكي يهتدي الإنسان بهدى عظيم فيعظم إن أطاع الله به ، ولكي نعرف إن أعظم وجود جاء الكلام عنه وعرف ببعض معارف العظمة هو العرش المحيط بالكرسي الذي يسع السماوات والأرض ، وإن أمر الله وهداه عرفنا يأتي من مراتب عليا هي عندهما بل منهما ، وإن العرش مرتبة عالية علميه واسعة الوجود محيطة بالتكوين والله محيط بهم .

وإن عظماء خلق الله : لهم هذه المرتبة علما بل سكنانا وجوديا محيط بالتكوين ، ولكي لا ندخل بمعرفة قد يصعب معرفتها على من لم يحط بعظمة الله وتعظيمه لخلقه وتمكينهم من مراتب العظمة المحيطة ، نذكر أحاديث تعرفنا عظمة أمر هدى الله العظيم لنا وبعظماء خلقه ، لكي نعظم بطاعتهم وتولي نور الله العظيم المشرق منهم ، فتدبر هذه الأحاديث يا طيب :

عن حنان بن سدير قال : سألت أبا عبد الله عليه السلام :

عن العرش و الكرسي ؟

فقال : إن للعرش صفات كثيرة مختلفة له :

في كل سبب ، وضع في القرآن صفة على حدة .

 فقوله : { رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (129)} التوبة ، , يقول : المُلك العظيم ؟

 و قوله : { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) } طه ، يقول : على الملك احتوى ، و هذا ملك الكيفوفية في الأشياء .

ثم العرش في الوصل متفرد من الكرسي : لأنهما بابان من أكبر أبواب الغيوب ، و هما جميعا غيبان ، و هما في الغيب مقرونان .

 لأن الكرسي : هو الباب الظاهر من الغيب ، الذي منه مطلع البَدع ، و منه الأشياء كلها .

و العرش : هو الباب الباطن ، الذي يوجد فيه علم الكيف و الكون ، و القدر و الحد ، و الأين و المشية ، و صفة الإرادة ، و علم الألفاظ و الحركات و الترك ، و علم العود و البدء .

فهما في العلم : بابان مقرونان ، لأن ملك العرش سوى ملك الكرسي ، و علمه أغيب من علم الكرسي ، فمن ذلك قال : رَبُّ الْعَرْشِ العظيم ، أي صفته أعظم من صفة الكرسي ، و هما في ذلك مقرونان .

قلت : جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسي ؟

 قال : إنه صار جاره لأن علم الكيفوفية فيه ، و فيه الظاهر من أبواب البداء و أينيتها ، و حد رتقها و فتقه ، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الصرف ، و بمثل صرف العلماء ، و يستدلوا على صدق دعواهما ، لأنه يختص برحمته من يشاء ، و هو القوي العزيز .

فمن اختلاف صفات العرش : أنه قال تبارك و تعالى :{ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ (82) } الزخرف ، و هو وصف عرش الوحدانية ، لأن قوما أشركوا كما قلت لك .

 قال تبارك و تعالى : رَبِّ الْعَرْشِ ، رب الوحدانية عما يصفون ، و قوما وصفوه بيدين فقالوا :{ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ (64) } المائدة .

و قوما وصفوه بالرجلين فقالوا : وضع رجله على صخرة بيت المقدس فمنها ارتقى إلى السماء .

و قوما وصفوه بالأنامل ، فقالوا : إن محمدا صلى الله عليه وآله قال : إني وجدت برد أنامله على قلبي ، فلمثل هذه الصفات قال : رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ ، يقول : رب المثل الأعلى عما به مثلوه ، و لله المثل الأعلى الذي لا يشبهه شي‏ء ، و لا يوصف و لا يتوهم ، فذلك المثل الأعلى .

 و وصف الذين : لم يؤتوا من الله فوائد العلم ، فوصفوا ربهم بأدنى الأمثال ، و شبهوه بالمتشابه منهم فيما جهلوا به ، فلذلك قال : { وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) }الإسراء ، فليس له شبه و لا مثل  و لا عدل ، و له الأسماء الحسنى التي لا يسمى بها غيره ، و هي التي وصفها في الكتاب فقال :{ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ (180)}الأعراف، جهلا بغير علم ، فالذي يلحد في أسمائه بغير علم يشرك و هو لا يعلم ، و يكفر به و هو يظن أنه يحسن فلذلك ، قال :

{ وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِالله إِلاَّ وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106) } يوسف .

 فهم الذين يلحدون في أسمائه بغير علم ، فيضعونها غير مواضعها .

يا حنان : إن الله تبارك و تعالى أمر أن يتخذ قوم أولياء .

 فهم الذين أعطاهم الله الفضل ، و خصهم بما لم يخص به غيرهم ، فأرسل محمدا صلى الله عليه وآله ، فكان الدليل على الله بإذن الله عز و جل ، حتى مضى دليلا هاديا ، فقام من بعده وصيه عليه السلام دليلا هاديا على ما كان هو دل عليه من أمر ربه من ظاهر علمه ، ثم الأئمة الراشدون عليهم السلام [43].

يا طيب : ما عرفت من مراتب العظمة والعلم في العرش والكرسي ، قد خص به الله العظيم أعظم خلقه ، بل هو نفس علمهما ووجودهما ظاهر فيهم ، فإذا كان العرش كما عرفت محيط بالكرسي ومنه ينزل أمر الله لهم ، ومنهم يظهر في باقي مراتب الوجود ، وبهذا نعرف أنه مخصوص في كل مراتبه بأعظم خلق الله فيها وهم نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، ولهم تعليم سكان كل مرتبة ، وعند نزولهم للمرتبة الدنيا لكي تظهر عظمة الله بكل مراتب التكوين الممكن ، خُص في الأرض بنفس عظماء الوجود حتى ولو تنزلوا للمراتب الدانية وهم بنفس العظمة والله محيط بهم.

فهذا التشريف : لولي أمر الله وأئمة الحق وتعظيمهم ، هو ليعظم من يتصل بهم ويأخذ أمر الله ونبأ هداه العظيم ويعرف خبره بحق ، فلا يشبه الله ويجعل له يد وقدم ووجه وأعضاء ، أو يجلسه على كرسي وعرش ، فإنها معارف عظيمة في الحديث السباق تعرفنا أسس البعد عن الله ممن لم يعرف عظمته ولا تجلي نوره في الوجود ، فكانوا يعبدون رب مخلوق لأئمة الضلال والكفر وأهل القياس الإنساني والفكر البشري وما يسوله الشيطانه لهم من الرب الكاذب بحدود كاذبة وأوصاف باطلة .

وهذا الجهل بمظهر العلم : الكاذب لأئمة الضلال ، أين هو من علم العظماء الذين عندهم النبأ والخبر الصحيح والأمانة العظيمة من هدى الله والعلم به والرسوخ به ، فإن أول العلم معرفة الجبار وعظمته ، ثم معرفة ما يتوجه له به من هداه العظيم كالصلاة والصوم وغيرها من العبادات ، فإذا كان أول العلم شؤون عظمة الله باطل ضال مجسم ، فكيف يتوجه له ، ثم والأتعس يعبد بصلاة لم تكن مرضية بحدودها ولا بعبادات واقعية يرضاها العظيم ، بل بها الخسران والبعد عن العظمة وحرف الناس عن طلب الكمال العظيم حقا من العظماء .

وإذا عرفت يا طيب : شيئا من علم مراتب العظمة في العرش والكرسي وما خص به من عظماء خلق الله به ، إليك حديثا آخرا يفصل بعض هذه المعرفة في شؤون عظمة الله تعالى ، يعرفها عظيم بفضل الله العظيم عليه بتعليمه :

سأل الجاثليق ـ عالم للنصارى ـ أمير المؤمنين عليه السلام فقال :

أخبرني : عن الله عز وجل ، يحمل العرش ، أو العرش يحمله ؟ 

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : الله عز وجل حامل العرش والسماوات والأرض وما فيهما وما بينهما ، وذلك قول الله عز وجل :

( إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليما غفور ) فاطر : 41 .

 قال : فأخبرني عن قوله : ( ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية )  الحاقة 17 ، فكيف قال ذلك ، وقلت : إنه يحمل العرش والسماوات والأرض ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : إن العرش خلقه الله تعالى من نور أربعة : نور أحمر ، منه احمرت الحمرة ، ونور أخضر منه اخضرت الخضرة ، ونور أصفر منه اصفرت الصفرة ، ونور أبيض منه ابيض البياض ، وهو العلم الذي حمله الله الحملة .

وذلك نور من عظمته : فبعظمته ونوره ، أبصر قلوب المؤمنين ، وبعظمته ونوره عاداه الجاهلون ، وبعظمته ونوره ابتغى من في السماوات والأرض من جميع خلائقه إليه الوسيلة ، بالأعمال المختلفة والأديان المشتبهة .

 فكل محمول : يحمله الله بنوره وعظمته وقدرته ، لا يستطيع لنفسه ضرا ولا نفعا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا ، فكل شيء محمول ، والله تبارك وتعالى الممسك لهما أن تزولا ، والمحيط بهما من شيء ، وحياة كل شيء ، ونور كل شيء ، سبحانه وتعالى عما يقولون علوا كبيرا . 

قال له : فأخبرني عن الله عز وجل أين هو ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : هو ههنا وههنا ، وفوق وتحت ، ومحيط بنا ومعنا ، وهو قوله :

{ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلاَ خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ
 وَلاَ أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلاَ أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُو
(7)} المجادلة .

فالكرسي :  محيط بالسماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى ، وإن تجهر بالقول ، فإنه يعلم السر وأخفى وذلك قوله تعالى : { وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ العظيم (255) } البقرة .

فالذين يحملون العرش : هم العلماء  الذين حملهم الله علمه .

 وليس يخرج عن هذه الأربعة شيء ، خلق الله في ملكوته الذي أراه الله أصفياءه ، وأراه خليله عليه السلام فقال : { وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنْ الْمُوقِنِينَ (75) } الأنعام .  وكيف يحمل حملة العرش الله ، وبحياته حييت قلوبهم ، وبنوره اهتدوا إلى معرفته[44] ؟ ! .

وإذا عرفت : عظمة الله في خلقه بنوره العظيم ، والذي تنزل بكل مراتب الوجود بأعظم خلقه ، فظهر منهم علم يُعرف شؤون عظمة الله في التكوين والهدى ، وإنهم هم حملة العرش وملكوته علما وظهورا في كل مرتبة حلوا فيها بفضل الله العظيم لهم ، وحشا الله العظيم أن يكون بنفسه يحمل العرش ويظهر في الخلق بنفس وجوده العظيم فيُحد ، بل ظهور نوره في مراتب الوجود بأعظم خلقه ، ومنهم يتحلى بالعظمة كل من يتحقق بنورهم الذي يكون مدده بفضل الله الذي علمهم وأذن لهم بالإشراق بنوره وفضله العظيم عليهم ، وهو من ورائهم ووراء كل شيء محيط وممد له ، وقد ذكرنا معارف كريمة عن النور في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فراجع بحوث العلم وما قبله في الجزء الأول .

 فالعلماء : هم حملة العرش لأنه مرتبة العلم العظيم بفضل الله ، وكانوا يوصلون نوره لخلقه ، ولذا من يزورهم ويعرف حقهم يعرف شيء عن ظهور عظمة الله ويكون معهم يحف بعرش الله علما وعملا كما جاء في الحديث الآتي :

فعن أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام قال : من زار قبر ولدي ، كان له عند الله سبعين حجة مبرورة . قال قلت : سبعين حجة ؟ !  قال : نعم و سبعمائة حجة . قلت : سبعمائة حجة ؟! قال : نعم و سبعين ألف حجة . قلت : و سبعين ألف حجة ؟ !  قال : نعم و رب حجة لا تقبل ، من زاره و بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه . قلت: كمن زار الله في عرشه ؟ !

قال : نعم إذا كان يوم القيامة ، كان على عرش الله أربعة من الأولين و أربعة من الآخرين .

أما الأربعة الذين هم من الأولين : فنوح و إبراهيم و موسى و عيسى عليهم السلام .  و أما الأربعة الذين هم من الآخرين : فمحمد و علي و الحسن و الحسين صلوات الله عليهم أجمعين .

 ثم يمد المضمار : فيقعد معنا من زار قبور الأئمة ، إلا أن أعلاهم درجة و أقربهم حبوة من زار قبر ولدي علي ـ الإمام الثامن علي بن موسى الرضا عليه السلام ـ[45].

يا طيب : إن الإنسان سخر له كل شيء حتى عظماء خلق الله ، فإن حقا طلب العظمة بصراط مستقيم كما أمر الله مالك يوم الدين العظيم ، تحقق بهدى عظيم ونال أعلى مراتب العظمة ، وكان مع العظماء يحف بهم ويسكن عرش الله معهم ، فتعظم روحه ونفس وجوده وملكه فيتسع له ملك جنة تسع ملك السماوات والأرض ، وقد عرفت صغرهما بالنسبة للكرسي والعرش ، وإنهما كحلقة في فلاة ، فهذه معارف قد يغفل عنها كثير من الناس لعدم توجههم لمعارف عظمة الله حقا بما يحب من عظماء خلقه ، والذي بها يعظموا بنور العظيم من كل نور أسماءه الحسنى المشرق في الكون.

والبعض بل الأكثر : لكون شأنهم مختلف عن النبأ العظيم وهاجر للأمانة العظيمة فهو صغير لا يتصور ظهور نور عظمة الله ولا ملكه العظيم ، ولكن لو عرف عظماء خلق الله وما يملكون من الملك العظيم بفضل الله ، لعرف عظيم وجوده وما أعده له من الملك العظيم، فيعرف شيء من عظمة الله ، وإذا عرفنا شأن العظماء ومن تبعهم في أعلى المراتب العظيمة ، نتدبر بعض الشأن هنا في الدنيا في تبليغ أمر الله العظيم .

 

الإشعاع الثاني :

أعظم خلق الله في الأرض يُنبأ عن أمر هدى الله لعباده :

يا عظيم سبحانك ربي وبحمدك وحدك لا شريك لك بنورك اهتدينا :

يا طيب : بعد إن عرفنا شيء عن ظهور مراتب العظمة في الوجود على نحو النبأ العظيم والأمانة العظمى في تعريف هدى الله وأمره في خلقه وغرض الوجود ، نذكر ظهور مراتب العظمة في الأرض في أعظم خلق الله نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم وبعده آله الكرام عليهم السلام ، لأنه عرفت إن أمر كل مرتبة من الوجود لا يخلوا من عظيم يدبر فيها أمر الهدى بإذن الله تعالى ، فإنه أوحي لكل شيء أمره سواء تكويني أو تشريعي ، وبه يبقى أو يتكامل فيصل لمحل عظيم ، وبالخصوص من خص بأعظم أمر الله في التكوين ، وفُضل حتى سخر له كل شيء في الوجود حتى عظماء الخلق كانوا يوصلون هدى الله إليه مع عظمتهم ، بل الله العظيم بما له من العلو والجلال والكبرياء والعظمة فهو لطيف بخلقه معتني بهم يمدهم بكل ما يمكن أن يوصلهم لأعظم منزلة عنده فيفوزا فوزا عظيما .

ويا طيب : عرفت في إشراق سابق إن الله العظيم وإن عرّفنا تبيان كل شيء في كتابه العظيم ، وكلامه العظيم في القرآن العظيم ، وبالخصوص ما يصلحنا معه لنتقبل نور أسماءه الحسنى بأعلى عظمة ممكنة أن يتحقق بها مخلوق .

لكن يا أخي : عرفت إنه تعالى لم يفصل أمر العبادات ولا المعاملات ولا الأخلاق كلها ، وإن كان كلها منطوية وباطنه في معارف الأسماء الحسنى وشرحها ، فإن الإيمان بالله موجب للتوجه له بهداه العظيم ، وهو الذي عرفه نبيه العظيم وحافظ عليه بأعظم خلقه إلى يوم الدين ومادامت ليلة القدر ، ومادام هناك إنسان مفطور لطلب العظمة الأبدية من العظيم ، ولمعرفة شرح عظيم لكلام الله العظيم وبيانه لأمر هداه العظيم ونبأه في الوجود الأدنى إليك أحاديث كريمة في هذا المعنى :

 في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام في قوله :

{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيـمٍ (4) } القلم .

 يقول : على ديـن عظيـم[46] .

وعَنْ فُضَيْلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِ قَيْسٍ الْمَاصِرِ : إِنَّ الله عَزَّ وَ جَلَّ أَدَّبَ نَبِيَّهُ فَأَحْسَنَ أَدَبَهُ ، فَلَمَّا أَكْمَلَ لَهُ الْأَدَبَ ، قَالَ : { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) } القلم .

 ثُمَّ فَوَّضَ إِلَيْهِ أَمْرَ الدِّينِ وَ الْأُمَّةِ : لِيَسُوسَ عِبَادَهُ ، فَقَالَ عَزَّ وَ جَلَّ :

{ وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) } الحشر .
وَإِنَّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وآله : كَانَ مُسَدَّداً مُوَفَّقاً ، مُؤَيَّداً بِـرُوحِ الْقُدُسِ ، لَا يَزِلُّ وَ لَا يُخْطِئُ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا يَسُوسُ بِهِ الْخَلْقَ ، فَتَأَدَّبَ بِــآدَابِ الله [47].

وآداب الله العظيم : هو دينه وحقيقته الظهور بنور الأسماء الحسنى وصفات الله العليا الظاهر بالخلق بأعظم تجلي في كل مراتب العظمة وبالعدل والإحسان ، وهي كانت له ولآله لأنهم أئمة الحق وولاة أمر الله وهداه وأمر الروح المقدس لهم ، فهم أول متحقق بنوره بأحسن وجه ممكن بل عظمة بفضل الله عليهم ، وبهذا كان هداهم بأمر الله وهم المنبئون عن أمانته لخلقه حتى يعظموا حين يطلبون منهم أمر هداهم فيمدوهم بنوره ، وهو لمن يقبل منهم ولا يهجرهم ، وأنظر أدبهم في اسم الله الشافي .

 فنبينا وآله صلى الله عليهم وسلم : لهم كان أعظم نور ما يمكن أن يتحمله مخلوق بالوجود وفقه الله العظيم فعظمه ، فنبينا وعلي وآله إمام بعد إمام إلى يوم القيامة هم ممن كان حقا خلفاء الله العظيم في خلقه ، وبهم يسير خلق الله لعظمة الله والتحقق بكل نور عظيم ظهر من ممده الله العظيم لعباده ، فيعظموا حين يخلصون التوجه له بهداه الحق العظيم ، ولمعرفة هذا أتلو ما عن أبي إسحاق النحوي قال سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول :

إن الله أدب نبيه صلى الله عليه وآله وسلم على محبته فقال :

{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) } القلم .  ثم فوض إليه فقال :

 { وَمَا آتَاكُمْ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا (7) } الحشر .

و قال : { مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ الله (80)} النساء .

 و إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فوض إلى علي عليه السلام ، و ائتمنه ، فسلمتم ، وجحد الناس ، و نحن فيما بينكم و بين الله ، ما جعل الله لأحد من خير في خلاف أمرنا ، فإن أمرنا أمر الله عز و جل .

ومصداقه قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله

وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ   وَأُوْلِــي الأَمْـرِ مِنْكُـمْ (59) } النساء [48] .

يا طيب : تفويض ليس من دون الله ومدده ، فإنه لا مستقل بوجوده عن الله تعالى ، فلا تفويض خلق بل ولا حتى تفويض هدى ، بل هو ظهور بمدد نور الله وهداه في الخلق بما يحب ويرضى وبكل عظمة تجلى بها العظيم في الوجود ، فإن كل نور الأسماء الحسنى الهادي والديان والمبين والعليم والخبير والصادق وكل الأسماء الحسنى نورها بأعظم عظمة تجلي في النبي وآله ، وظهر بهم عبودية وتعليم حقا خالصا لله لا شك ولا شبه فيه ، فهو تفويض طاهر مطهر مصطفى مختار خالص لله العظيم ، وهو حكاية لتجلي نور الله العظيم بكل أسماءه الحسنى وهداه وظهوره في الوجود بأعلى عظمة حقيقة وعلما وعملا وملك عظيم واقعي بأعلى مراتب التكوين كلها.

وقد عرفت يا طيب : إن الله سبحانه وتعالى لم يشرح كل تعاليم الصلاة ولا الصوم ولا غيرها من العبادات والمعاملات في كتابه العظيم ، بل فوض شرحه للنبي الكريم وهو الذي يبين تفاصيلها وينبئنا عن خبرها العظيم ، وما لها من التحقق بنور الله المشرق من كل أسماءه الحسنى بأعلى عظمة ، وبنفس وجوده العالم بها والعامل بها حقا ، فيتحقق بعبودية خالصة لله بما شرحه وبينه نبي الله العظيم في نفسه وبعلمه ودينه الحق ولم يختلف عنه ، وهكذا كانوا ولاة أمر الله بعده من آله عليهم السلام مطهرون وراسخون بعلم الكتاب حقا وورثة له واقعا علما وعملا وكما عرفت في نور الاسم العظيم الوارث ، وهم الذين فوض لهم الشرح والبيان والإنباء عن خبر الله ملكوتا وملكا وهدى إلى أخر الدهر ، وهم يعلمون كل ما يعظم به الناس حقا من الهدى إن طلبوه منهم وظهورا به مخلصين الدين لله العظيم فيعظموا، وإن من يختلف عنهم يختلف عن الحق ويظهر ضلاله ويبطل علمه وعمله ويكون عليه ظلمات يوم القيامة ونار .

ولولا هذه المعرفة الظاهرة ممن عظمهم الله : لم تكن عظمة ظاهر بالوجود أبدا ولا حتى خلق عظيم ولا دني ولا هدى ، لا لأنهم شركاء الله ، ولكن هذا هو خلق الله العظيم الظاهر من نوره كان هو في نبينا وآله في كل مراتب الوجود ، وتنزل في مراتبه علما وعملا وحقيقةً ، ومن ظهر من خلق الله بالوجود ومفطور ليطلب العظمة بما قدر الله له من غير إكراه له ، وتدين بدينه الحق الذي ظهر به عظماء خلق الله صار عظيما مع العظماء يحف بهم بالعرش وبأعلى مراتبه ، ويكون له ملك يتصرف به بالعلم والنية فينفذ أمره وهو في جنة ملكه بعد هذه الدنيا ، ولكن هنا تكون الإنسان عظمته بالتوجه لله بدين عظيم علمه عظماء خلق الله .

فعن بريد بن معاوية قال : كنت عند أبي جعفر عليه السلام فسألته عن قول الله :

 { أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِــي الأَمْــرِ مِنْكُمْ (59) } ؟

قال : فكان جوابه أن قال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ  ـ فلان و فلان ـ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاَءِ هدى مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً } و يقول‏ : الأئمة الضالة و الدعاة إلى النار هؤلاء أهدى من آل محمد و أوليائهم سبيل :

أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمْ الله وَمَنْ يَلْعَنْ الله فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيرًا

أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنْ الْمُلْكِ ـ يعني الإمامة و الخلافة ـ  فَإِذًا لاَ يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيرًا }  نحن الناس الذين عنى الله ، و النقير : النقطة التي رأيت في وسط النواة ،  { أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ } .

 فنحن المحسودون على ما آتانا الله من الإمامة دون خلق الله جميعا .

{ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمً }

يقول : فجعلنا منهم الرسل و الأنبياء و الأئمة .

 فكيف يقرون بذلك في آل إبراهيم .

 و تنكرونه في آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ؟

{ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا (55) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلاَّ ظَلِيل } النساء 51ـ57 .

 قال قلت : قوله في آل إبراهيم : { وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا }  ما الملك العظيم ؟  قال : إن جعل منهم أئمة ، من أطاعهم أطاع الله ، و من عصاهم عصى الله ، فهو الملك العظيم .

قال ثم قال : { إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } .

 قال : إيانا عنى أن يؤدي الأول منا إلى الإمام الذي بعده الكتب و العلم و السلاح { وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ } الذي في أيديكم .

ثم قال للناس : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا } فجمع المؤمنين إلى يوم القيامة { أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ }، إيانا عنى خاصة .

 فإن خفتم تنازعا في الأمر : فارجعوا إلى الله و إلى الرسول و أولي الأمر منكم ، هكذا نزلت ، و كيف يأمرهم بطاعة أولي الأمر و يرخص لهم في منازعتهم ، إنما قيل ذلك للمأمورين الذين قيل لهم : أَطِيعُوا الله وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ أُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ[49].

يا طيب : كثير من المسلمين ينكرون الإمامة وملكها العظيم لآل محمد ويقرون بها لغيرهم من آل إبراهيم ، فيقرون لليهود وللمسيح بأن لهم أئمة هدى من الأنبياء والأوصياء ويعتبرونهم منعم عليهم ، ولكنهم لما يصل الكلام لآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، يرفضون نعمة الله على النبي وآله ويمنعون الحديث عنها ويقطعون الإمامة ومقامها العظيم في تعليم ما يعظم به البشر فيفوزون فوزا عظيما أبدا هم ومن تبعهم وتحقق بنور هداهم وما أنبئوا من دين الله وشؤون عظمته حقا ، وكثير من الناس تبعا لأئمة ضلال غصبوا حكومة المسلمين ، هجروا تعاليم ما يعظم به الإنسان حقا من معارف أئمة الحق ، وليس إلا تقلدا أعمى دون تحقق لمعارف العظمة وأمر الهدى والروح الدائم النزول بأمر الله على أعظم عباد الله وإمام الحق الذي يهدي بأمر الله ، وإن معنى كون ملك الله العظيم وهو الإمامة لنبينا وآله كثر ذكره في أحاديث أئمة الحق ومهجور عند من أختلف عن نبأهم العظيم :

فعن أبي عبد الله عليه السلام قوله في آل إبراهيم: وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيم.

قال : الملك العظيم ، إن جعل منهم أئمة من أطاعهم أطاع الله ، و من عصاهم عصى الله ، فهذا الملك العظيم [50]. وعن أبي خالد الكابلي عن أبي جعفر عليه السلام : « مُلْكاً عَظِيم » أن جعل فيهم أئمة ، من أطاعهم أطاع الله ، و من عصاهم عصى الله ، فهذا ملك عظيم : « وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيم » [51].
  عن أبي حمزة عن أبي جعفر عليه السلام : « فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ » فهو النبوة « وَ الْحِكْمَةَ » فهم الحكماء من الأنبياء من الصفوة ، و أما الملك العظيم فهم الأئمة الهداة من الصفوة [52].

و قال الحسن بن علي‏ عليه السلام قال أمير المؤمنين عليه السلام :

و إن « بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » آية من فاتحة الكتاب ، و هي سبع آيات تمامها بسم الله الرحمن الرحيم .

 وقال‏ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول : إن الله عز و جل قال لي : يا محمد : { وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُـرْآنَ العظيم (87) } الحجر  ، فأفرد الامتنان عليَّ‏ بفاتحة الكتاب ، و جعلها بإزاء القرآن العظيم .

و إن فاتحة الكتاب : أشرف ما في كنوز العـرش ، و إن الله تعالى خص بها محمدا صلى الله عليه وآله و شرفه بها ، و لم يشرك معه فيها أحدا من أنبيائه ما خلا سليمان عليه السلام ، فإنه أعطاه منها « بسم الله الرحمن الرحيم » ، أ لا ترى أنه يحكي عن بلقيس حين قالت : « إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ إِنَّهُ مِنْ سُلَيْمانَ وَ إِنَّهُ بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ » .

إلا فمن قرأها : معتقـدا لموالاة محمد و آله الطيبين ، منقادا لأمرهم ، مؤمنا بظاهرهم و باطنهم ، أعطاه الله عز و جل بكل حرف منها حسنة ، كل حسنة منها أفضل له من الدنيا و ما فيها من أصناف أموالها و خيراتها ، و من استمع قارئا يقرؤها كان له قدر ثلث ما للقارئ ، فليستكثر أحدكم من هذا الخير المعرض لكم ، فإنه غنيمة لا يذهبن أوانه ، فتبقى في قلوبكم الحسرة[53] .

فالمنعم عليهم : وأهل الصراط المستقيم ولهم ملك الدين نبينا وآله ومن تبعهم حقا ، وصبر على دينهم متحققا به عبودية لله مخلصا له الدين بما علموه ينال ثوابه العظيم في نفسه وفي ملكه في الآخرة .

 

 

 

الإشعاع الثالث :

ملاك الإمامة وولاية أمر الله العظيم الصبر  على الطاعة والبلاء :

يا عظيم سبحانك وبحمدك لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك :

يا طيب : عرفت إن كل شيء في الوجود أشفق عن تحمل أمانة الله وأمره العظيم في خلقه ، وإن الإنسان حمل هذا الأمر العظيم ، فكان عليه لكي يعظم أن يعرف أعظم خلق الله فيأخذ عنهم نبأ الله وخبره عن هداه وشؤون عظمته ، لأنهم مطهرون من كل ما يبعد عن الله ، ومنعم عليهم بهداه العظيم فكان لهم ملكا في وجودهم ومحيطهم ، علما وعملا وثوابا ومحيطا في أعلى مراتب العظمة كلها ، ويحف بهم من تبعهم بأعظم ثواب حسن ونعيما كاملا كما ستعرف بعض ثوابه في آخر النور هذا والأنوار الآتية لشرح الأسماء ، وإن ترك أمر الله وأمانته التي بها يعظم العبد يكون الإنسان ضالا وظلوما وجهولا وله عذابا عظيما بأعظم حرمان ممكن لممكن مخلوق قد ضل وطغى ، فكان إمام كفر وضلال وبعده معلم فكره الضال من أتباعه وأقربهم منه من تولاه وتعبد بدينه بجد ثم بعده وهكذا لهم دركات .

ولذا كان الإنسان عليه : في هذه المرتبة الدنيا حتى أعظم الخلق فيها أن يصبر على طاعة الله مخلصا له الدين حقا ، وطاهرا من الشرك والضلال بأي نوعا كان منه ، سواء ما يعلمه أئمة الضلال أو وعاظهم أو فكره والشيطان ، بل عليه أن يطيع إطاعة تامة أعظم خلق الله حقا ، ولا يهجر شيء من دين الله العظيم الذي يعظم به ، وبهذه الطاعة لولاية أمر الله ونبأ دينه العظيم يعظم الإنسان .

وكذلك على كل البشر المؤمنين : أن يتحملوا بلاء الله واختباره حتى ينالوا نور العظمة بوجودهم ، فإن هذه المرتبة من وجود الإنسان في الدنيا وعالم الشهادة حتى أعظم إنسان فيه ليس له دار نعيم تام ، بل هنا عليه أن يتحمل تقلب أحوالها مع الإخلاص في طاعة الله في أي حال يمر به ، وبذلك يظهر صدقه في طاعة الله العظيم في كل الأحوال ، وإن أعظم أجر هو لأعظم الناس صبرا وتحملا لأمر هدى الله تعالى ، سواء تحقق به أو في حال تقلب الأحوال التي يمر بها .

وأعلم : إنه لم تكن الإمامة لعظماء الأرض إلا لكون حالهم في كل حال كان في أخلص عبودية لله العظيم بما يحب ويرضى ، وبكل عظمة ظهروا بالدين علما وعملا وتحملا له ، وهذا ما أشفقت منه السماوات والأرض والجبال ، فإنه لا مجرد لكونه مفضل أو أفضل المفضلين كان عظيما بالإكراه وبدون صبر وثبات منه في أمر الله والظهور به ، بل لتحمله حقا بكل عظمة خص بأمر الله العظيم .

فإنه عرفت : إن نبينا وآله كانت لهم السكينة والثبات في كل المواقف التي مروا بها ، سواء قبل الهجرة وعداء الناس لهم حتى شعب أبي طالب وما أوذوا به ، أو حين الهجرة والغزوات والثبات فيها ولم يفروا أبد بل كان النصر على يد ولي الله بعد رسول الله ، أو في التبليغ والظهور به في كل المواقف بأعلى ظهور علما وعملا وتبليغا حتى كان في زمن رسول الله وبعده مبلغا عنه عن الله أمره في البراءة من المشركين ، وغيره من تعاليمه التي ظهر بها في تعريف شؤون العظمة وهدى الله بكل عبودية وإخلاص وتعليم ، ولهذا نال منصب الإمامة والولاية علي بن أبي طالب وآله آل رسول الله بعده إماما بعد إمام إلى يوم القيامة ، حيث لا يخلوا زمان من إمام وولي أمر الله العظيم ، والذي ينزل به الروح في ليلة القدر ، وهو عظيم الأرض بل وعظيما في السماء وعند الله بفضله ويعظم بفضل الله كل من تبعه .

ولمعرفة إنه بالطاعة : نال ولي أمر الله وهداه في الأرض عظمة الإنباء عن الله وتحمل أمره ، وكان أمانة موصولة لنا وإنه كان سباقا بالخيرات وفعل الطاعات ، وصبر في تحمل أمر الله وتعريفه حقا بكل طاعة وإخلاص ، نذكر يا طيب بعض الآيات والأحاديث التي تعرفنا ملاك الإمامة والإمام من الطاعة والصبر في جنب الله في كل اختبار وبلاء ظهر لهم ، أو كان مقدرا لكي يتحققوا به بفضل الله الذي عظمهم ليظهر مكنون قدرتهم على الكون في أخذ نور عظمته بكل حال لهم وبكل ثبات .

قال الله العظيم تعالى في بيان ملاك الإمامة في فعل الخيرات والعبادات :

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْـرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) } الأنبياء .

وإن الأئمة يهدون بأمر الله والذي ينزل به الروح ، وذلك لكونهم تحملوا كل أمر في سبيل تبليغ هدى الله وثبتوا وصبروا في الظهور به وعن يقين ، كما قال الله العظيم :

 { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّـــةً يَهْـدُونَ بِأَمْـرِنَا

لَمَّا صَبَــرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُـــونَ (24) } السجدة .

وأما أنه جعل الإمام بفضل الله العظيم ، هو بعد الثبات والطاعة والإخلاص وإنها في آل إبراهيم إمام بعد إمام إلى آخر الدهر ، وهم الذين أتوا الكتاب والحكمة والملك العظيم ، وهم في الإسلام نبينا وآله إمام بعد إمام، فبيانه في فقول العظيم تعالى:

{ وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ

قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَــامًــا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِـــي

قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124) } البقرة .

وإما أن الإمامة مستمرة : حتى في زمان نبينا في آل نبينا لأنهم وحدهم المطهرون المصدقون الثابتون المباهل بهم ، وهم فاعلون الخيرات وأولياء أمر الله ، فهو دعاء النبي والإمام علي صلى الله عليهم وآلهم في قول الله العظيم :

{ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ

وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمــَاماً (74) } الفرقان .

 وهذا نبأ الإمام وعظيم أمر ولي الله : قد عرفته يكون عظيم الأرض بفضل الله ويهدي بأمره الذي ينزل به الروح ، ويكون هو الفعال له علما وعملا والظاهر به والصابر المتحمل الأذى في سبيله من أعدائهم أئمة الضلال الذي يحاربون أئمة الحق بعد رسول الله وحينه كما قال الله تعالى :

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النار وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ يُنصَرُونَ (41) }القصص.

ولهذا يدعى كل أناس بإمامهم يوم القيامة : فيكون إمام الحق هو الشاهد له والمتكلم عن المؤمنين ، كما عرفت في بيان سورة النبأ وسرها العظيم ، وقول الإمام علي عليه السلام أنا حجيجكم يوم القيامة كما مر في الأشعة السابقة ، وهذا معنى إن كل أناس يدعون بإمامهم كما قال الله العظيم :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيل (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً (72) } الإسراء .

وهذا معنى شهيد يوم القيامة الحق : والمتكلم عن المؤمن الذي أطاع ولي أمر الله العظيم ، فكان شاهد له ، ونبينا شاهد على كل شاهد كما قال الله تعالى :

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيــدًا عَلَيْهِمْ مِنْ أَنفُسِهِــمْ

وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاَء وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهدى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

 إِنَّ الله يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَـــى

 وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

وَأَوْفُوا بِعَهْدِ الله إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ الله عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ الله يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)

وَلاَ تَكُونُو كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ    أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ

إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ الله بِهِ : وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)

وَلَوْ شَاءَ الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93)

وَلاَ تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا وَتَذُوقُوا السُّوءَ بِمَا صَدَدْتُمْ عَنْ سَبِيلِ الله وَلَكُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (94) وَلاَ تَشْتَرُوا بِعَهْدِ الله ثَمَنًا قَلِيل إِنَّمَا عِنْدَ الله هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (95) مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ
وَمَا عِنْدَ الله بَاقٍ

وَلَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَــرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (96)

مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (97) } النحل .

يا طيب : إن الإنسان يدعى بإمامه يوم القيامة ، وهو الشاهد له مع رسول الله ، ولكل زمان إمام يدعى به ويشهد له ويحاجج له في يوم التكريم والعظمة في يوم القيامة إذا كان إمام حق ، ولذا كانت الآيات أعلاه تعرف مقام عظيم لولاة أمر الله وشهداء يوم القيامة من أئمة الحق الذي يصبروا فنالوا أجرهم بأحسن أجر ظهر من نور الأسماء الحسنى الإلهية في التكوين وبأعلى عظمة ، وما ذلك لأنهم صبروا سواء في الطاعة أو عما حرم الله أو تقلب الأحوال .

 ولله تعالى بعد رسول الله : عرفنا إن من المسلمين ممن أتخذ إيمانه دخلا يتسلط على المسلمين وقد حذره الله وحذر المسلمين منه ، وبالخداع تسلط على المسلمين ولم يكن له حق ، والله يبلوا المسلمين به مع أنهم عرفوه ولم يفي بعهد الله ولم يقر لإمام زمانه ، بل عاداه وحاربه وضل عن هداه العظيم وعلم غير ما يريد الله ، والله يختبر العبد ليرى من يطيعه ويبحث بحق عن شئون العظمة في الهدى والتكوين ممن عظمه، ممن يقلد ويتبع من أضل السبيل، ولم يكره أحد على دينه بعد أن بين كل شيء في كتابه وفي سنة رسول وفي سنن التأريخ والتكوين .

وعرفنا سبحانه : أنه في كل زمان إمام وشاهد وهادي بأمر الله تعالى وينزل عليه الروح في ليلة القدر ، وعرفنا الثبات في نفسه وصبره وإخلاصه ، وإنه لم يتوانى عن الطاعة وتعريف أمر الله وهداه في أي حال كان له وهو الإمام علي بعد نبينا ، حتى كان شهداء هو وآله في سبيل الله شهيد حرب ، وشهيد علم ، وعالم بمن أطاعه فيحاج عنه يوم القيامة ، والإنسان مخير والله يجازي من يتبع أئمة الحق بأعظم الجزاء الحسِن ، وغيرهم لهم النار والعذاب ، ولنعرف هذا نتدبر بعض الأحاديث في تعريف صبر أئمة الحق .

فعن حفص بن غياث قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

 يا حفص : إن من صبر صبر قليلا ، وإن من جزع جزع قليلا .

 ثم قال : عليك بالصبر في جميع أمورك ، فإن الله عز وجل بعث محمدا صلى الله عليه وآله فأمره بالصبر والرفق ، فقال :

{ وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْرًا جَمِيلاً (10) وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيل (11) } المزمل .

وقال تبارك وتعالى : { ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ (35) } فصلت .

فصبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حتى نالوه بالعظائم ورموه بها ، فضاق صدره فأنزل الله عز وجل : { وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّـحْ بِحَمْـدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِيـنَ (98) } الحجر .

 ثم كذبوه ورموه : فحزن لذلك ، فأنزل الله عز وجل { قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لاَ يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ الله يَجْحَدُونَ (33) وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ الله وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ (34) } الأنعام .

فألزم النبي صلى الله عليه وآله نفسه الصـبـر .

 فتعدوا فذكروا الله تبارك وتعالى وكذبوه .

 فقال : قد صبرت في نفسي وأهلي وعرضي ولا صبر لي على ذكر إلهي ، فأنزل الله عز وجل : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ (38) فَاصْبِـــرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ (39) } ق .

فصبر النبي صلى الله عليه وآله : في جميع أحواله ، ثم بشر في عترته بالأئمة و وصفوا بالصبر ، فقال : جل ثناؤه : { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ (24) } السجدة ، فعند ذلك قال صلى الله عليه وآله :

 الصبـر من الإيمان كالرأس من الجسد ، فشكر الله عز وجل ذلك له ، فأنزل الله عز وجل :  { وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَـرُوا

 وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ (137) }الأعراف.

 فقال صلى الله عليه وآله : إنه بشرى وانتقام ، فأباح الله عز وجل له قتال المشركين ، فأنزل الله : { فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ (5) } التوبة .

{ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ (191) } البقرة .

فقتلهم الله : على يدي رسول الله صلى الله عليه وآله و أحبائه ، وجعل له ثواب صبره مع ما ادخر له في الآخرة ، فمن صبر واحتسب لم يخرج من الدنيا حتى يقر [ الله ] له عينه في أعدائه ، مع ما يدخر له في الآخرة[54]

يا طيب : عرفت في سورة صاد خبر النبأ العظيم والروح المؤيد للإمام في كل زمان ، سواء كان مثل داود وسليمان أو مثل أيوب أو موسى والمسيح ونبينا ، فكهم أوذوا مع ملكهم ، لأن ملك الدنيا لم يكن يهمهم أمره وكان يهمهم أمر الإنباء عن الله وخبر أمره الذي يعظم به عباد الله ، وهذه أمانة كانت في أعناقهم وكان عليهم أن يظهروها بها بكل حال لهم ، ولذا كان يهمهم أمر التبليغ ، ولذا كان من أجل الله تحملوا أذى الكفار ولولا التبليغ لم يؤذوا في الله .

والله ينصر أولياءه : حين يظهروهم بأمره بإخلاص ، إما في زمانهم وفورا أو بنشر دينهم ومبادئهم فيجعلها باقية بعدهم ، ويريهم من آياته ما يتيقنون به ، ولهذا يذكر قصص الأنبياء وإنهم يفرحون بنشر الدين وقبول أمانتهم من قبل الناس وأمر الله الظاهر منهم علما وعملا ، ويحزنون حين يهجر الناس هداهم لا لأجل الدنيا بما هي ولا لملكها المادي بما هو ، فالنصر نصر الدين ونشر أمر هدى الله تعالى ، والملك العظيم هو أمر هدى الله ، وبه يتحول كل شيء حسنة مضاعفة جدا حتى ليكون التسبيح الواحد حسنة تساوي الدنيا وما فيها ملكا ملكوتي لا أذى فيه في الآخرة .

 ولكن الله العظيم : في تدبيره وأمره في التكوين وبالخصوص في أحوال الإنسان بالدنيا ، قد يُمكن الطغاة وأئمة الكفر ليبتلي الناس وليعرف إخلاصهم في دينه حين التوجه له بدين العظماء في أي حال كان لهم من ملك الدنيا ، كما عرفت في حال أيوب ، أو نبينا في شعب أبي طالب وغيره والإمام علي في بيته بعد النبي بل حين ملكه ، وهكذا الحسن والحسين وآله  ، فإنه لم ينقص من أمر الله لهم في هجر الناس لهم .

فإنه يمكن الطغاة : ليعرف الإنسان العادي بل حتى المؤمن ليعرف ثباته في إطاعة ولاة أمره في كل حال يمرون به ، ولو كان فقط في حال واحد في الكرامة لطمع الناس بما عندهم و لأمنوا بما عندهم من الدنيا ، ويكون حتى المؤمن عنده شرك أو شرك خفي وطمع بزينة الحياة الدنيا ، وينسى أمر الغيب وعظمة الرب وملكوته ولم يفكر بما يتوعده من البقاء والملك الخالد ، ولا كان هناك معنى للثواب الأخروي للمقام الرفيع والفوز العظيم لمن صبر في جنب الله بكل الأحوال في طاعته ، فكانوا منهم أئمة دين أو أتباع لهم مخلصين ، ولمعرفة سر الإنسان مع البلاء في الكون الأدنى حين يفوز بالاختبار فيعظم نتدبر الإشعاع والإشراق الآتيان .

 

 

 

الإشعاع الرابع :

عظمة صبر الأنبياء والرسل وأئمة الحق في سبيل الله :

سبحان ربي العظيم وحده لا شريك له بيده الأمر وهو على كل شيء قدير :

يا طيب : إن في الأنبياء من هم أولي العزم والثبات بأعلى مراتبه ، وهم من نزلت عليهم كتب الله تعالى فكانوا أصحاب شريعة بكتاب خاص مصححة لما حُرف أو مكملة لما يريده الله من تعاليم حسب أحوال الناس في زمانهم وتطورهم ، وقد ذكرنا بعض الكلام عنهم في صحيفة النبوة ، وكذا عرفنا شيء من ثبات النبي وآله صلى الله عليهم في صبرهم في طاعة الله تعالى وإنهم معصومون لا يعصون ولا يتقولون على الله برئيهم ولا بقياسهم في دين الله ، بل كانوا ورثة الكتاب حقا والراسخون بعلمه ولهم شرح الكتاب وبيانه والظهور به بكل وجودهم علما وعملا خالصا لله تعالى .

وقد حكى الله العظيم : عن عبادة أهل البيت عليهم السلام وأئمة الحق وولاة الأمر بعد رسول الله ، سواء في سورة الإنسان الدهر أو سورة الجمعة وثباتهم مع رسول الله ، أو آيات الإنفاق في سبيل الله سرا وجهرا وليلا ونهارا أو آيات إتيان الزكاة في الركوع أو آية النجوى التي لم يعمل بها كسابقتها إلا الإمام علي عليه السلام ، أو آيات الثبات والسكينة في بدر وأحد وحنين وخيبر والخندق الأحزاب أو آيات العلم والهاد لكل قوم وآيات الإمامة والولاية وغيرهن ، بل آيات التطهير والمباهلة وآية النور وبالبيوت المرفوع حتى كانوا لا يلههم شيء عن ذكر الله ، وتعليم دين الله بكل حركة وسكون لهم بل حتى بيعهم وشراءه في تعليم هدى الله العظيم .

ولكن يا أخي : بعد إن عرفنا شيء عن صبر سول الله في طاعة الله وتحمله للأذى في سبيل الله ، نذكر نموذج من تحمل الأنبياء وأهل البيت في الطاعة في سبيل الله في هذا الإشعاع من النور ، ولمعرفة المزيد راجع صحيفة الإمام الحسين وفاطمة الزهراء والإمام الرضا وغيرها من صحف الطيبين ، لتعرف طاعة أئمة الحق وولاة أمر والإخلاص للظهور في عبوديته بأعلى مراتب العبودية .

وهذا حديث مشترك : بين أبو الأنبياء وآله الكرم من ذرية محمد صلى الله عليهم وسلم ، يعلمنا شيء من ثباتهم على طاعة الله والإخلاص له ، وقد عرفت أن جعل الإمامة وولاية أمر الله في إبراهيم بعد أن أختبره بكلمات وأعمال وأمور صعبه في زمن نمرود وكيف حاججه بالحسنى ، ورفض الطاغية للحق حتى إلقائه لنبي الله في النار ، وما ترك إبراهيم ذريته في وادي غير ذي زرع ، وبناء الكعبة والأمر بذبح أبنه وفداءه بالكبش لما علم صدقه ، وهذا حديث مشترك لنبي الله إبراهيم حتى الإمام الحسين عليه السلام ، وللمزيد من هذه المعارف للثبات والإخلاص في طاعة الله في كل حال ومع أذى الناس والتحمل في سبيل الله راجع صحف الأئمة عليهم السلام وأما الحديث :

فعن الفضل بن شاذان قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول :

لما أمر الله عز و جل : إبراهيم عليه السلام أن يذبح مكان ابنه إسماعيل الكبش الذي أنزله عليه ، تمنى إبراهيم عليه السلام ، أن يكون قد ذبح ابنه إسماعيل بيده ، و أنه لم يؤمر بذبح الكبش مكانه ليرجع إلى قلبه ما يرجع إلى قلب الوالد الذي يذبح أعز ولده عليه بيده ، فيستحق بذلك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب .

 فأوحى الله عز و جل إليه : يا إبراهيم من أحب خلقي إليك ؟

 فقال : يا رب ما خلقت خلقا هو أحب إلي من حبيبك محمد صلى الله عليه وآله . فأوحى الله تعالى إليه : أ فهو أحب إليك أم نفسك ؟ قال : بل هو أحب إلي من نفسي . قال : فولده أحب إليك أم ولدك ؟ قال : بل ولده ؟

 قال : فذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبك أو ذبح ولدك بيدك في طاعتي ؟ قال : يا رب بل ذبح ولده ظلما على أيدي أعدائه أوجع لقلبي .

قال : يا إبراهيم فإن طائفة تزعم أنها من أمة محمد ستقتل الحسين ابنه من بعده ظلما و عدوان كما يذبح الكبش ، و يستوجبون بذلك سخطي .

 فجزع إبراهيم عليه السلام : لذلك و توجع قلبه ، و أقبل يبكي ، فأوحى الله عز و جل إليه يا إبراهيم ، قد فديت جزعك على ابنك إسماعيل لو ذبحته بيدك بجزعك على الحسين و قتله ، و أوجبت لك أرفع درجات أهل الثواب على المصائب ، و ذلك قول الله عز و جل :{ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) } الصافات [55].

يا طيب : ذبح عظيم لابد أن يكون له عظمة حقيقية مثل القرآن والعرش ، وإلا لا معنى لأن يسمى عظيم ، في كتاب الله العظيم الذي هو تجلي عظيم لكل أنواره .

وعن الإمام علي بن الحسين عليه السلام قال :

إن أيوب عليه السلام : ابتلي من غير ذنب ، و إن الأنبياء لا يذنبون لأنهم معصومون مطهرون ، لا يذنبون و لا يزيغون و لا يرتكبون ذنبا صغيرا و لا كبيرا .

و قال عليه السلام : إن أيوب عليه السلام مع جميع ما ابتلي به ، لم ينتن له رائحة ، و لا قبحت له صورة ، و لا خرجت منه مدة من دم و لا قيح ، و لا استقذره أحد رآه ، و لا استوحش منه أحد شاهده ، و لا يدود شي‏ء من جسده ، و هكذا يصنع الله عز و جل بجميع من يبتليه من أنبيائه و أوليائه المكرمين عليه ، و إنما اجتنبه الناس لفقره و ضعفه في ظاهر أمره ، لجهلهم بما له عند ربه تعالى ذكره من التأييد و الفرج .

و قد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 أعظم الناس بلاء : الأنبياء ، ثم الأمثل فالأمثل ، و إنما ابتلاه الله عز و جل بالبلاء العظيم ، الذي يهون معه على جميع الناس لئلا يدعوا له الربوبية إذا شاهدوا ما أراد الله أن يوصله إليه من عظائم نعمه متى شاهدوه .

 ليستدلوا بذلك على أن الثواب من الله تعالى ذكره على ضربين :

 استحقاق  و اختصاص .

 و لئلا يحتقروا : ضعيفا لضعفه ، و لا فقيرا لفقره ، و لا مريضا لمرضه.

 و ليعلموا : أنه يسقم من يشاء ، و يشفي : من يشاء ، متى شاء ، كيف شاء ، بأي سبب شاء ، و يجعل ذلك عبرة لمن يشاء ، و شقاوة لمن يشاء ، و سعادة لمن يشاء . و هو في جميع ذلك عدل في قضائه ، و حكيم في أفعاله .

لا يفعل بعباده إلا الأصلح لهم ، و لا قوة لهم إلا به   [56] .

وفي تفسير : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الله لاَ يَسْتَوُونَ عِنْدَ الله وَالله لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ الله بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ الله وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُون (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ الله عِنْدَهُ أَجْــرٌ عَظِيـمٌ (22)}التوبة.

وعن فرات قال حدثني علي بن محمد الزهري بسنده عن جعفر عن أبيه عليهم السلام قال : لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  مكة ، أعطى العباس السقاية ، و أعطى عثمان بن طلحة الحجابة ، و لم يعط عليا شيئا .

فقيل لعلي بن أبي طالب عليه السلام : إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى العباس السقاية ، و أعطى عثمان بن طلحة الحجابة ، و لم يعطك شيئا ، قال فقال‏ : ما أرضاني بما فعل الله و رسوله .

قال‏ : فأنزل الله تعالى‏ هذه الآية . ( أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِالله وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ الله لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ الله ....إلى : أَجْرٌ عَظِيمٌ ) ، نزلت في علي بن أبي طالب عليه السلام [57].

وقد عرفت : إن الإمام علي بات على فراش النبي وهاجر بآله بعد أن أنجز عداته ، وقد وعده الله الأجر العظيم لأن علمه وعمله عظيم وكلامه عظيم بفضل ما مكنه الله العظيم سبحانه وتعالى .


[43] التوحيد ص321ب50باب العرش و صفاته حديث 1 .

[44] الكافي ج1ص129ح1 باب العرش والكرسي .

[45] كامل ‏الزيارات ص 307 ب101ح13 . عيون ‏أخبار الرضا عليه السلام ج2ص259ب66ح20 . روضة الواعظين ج1ص234.

[46] تفسير القمي ج2ص382.

[47] الكافي ج1ص266ح4 .

[48] الاختصاص  ص330 . والكافي ج1ص265ح1. أنظر بصائر الدرجات ص384ب5ح4و5 .

[49] تفسير العياشي ج1ص246 ح153 .

[50] تفسير فرات‏ الكوفي ص107ح107-102 .

[51] تفسير العياشي ج1ص248ح 158 .

[52] تفسير العياشي ج1ص248 ح 161 .

[53] تفسير الإمام‏ العسكري ص 29 ح10 .

[54] الكافي ج2 ص 88 ح3 باب الصبر .

[55] الخصال ج1ص58قول النبي أنا ابن الذبيحين الحديث 79 .

[56] الخصال ج2ص399 ابتلي أيوب ع سبع سنين بلا ذنب حديث 108.

[57] تفسير فرات ‏الكوفي ص168و من سورة التوبة حديث 168-216 . ص164و من سورة التوبة حديث 107.

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها