هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث
الْعَظِيمُ
النور السابع والتسعون

الإشراق الرابع  :

الله العظيم بعظمة تجلى نوره في عالم الملكوت والجبروت :

سبحان ربي العظيم وبحمده : وسبحان ربي الأعلى وبحمده :

{ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } فصلت53 .

عرفت يا طيب : بعض التدبر في الآفاق الدنيا في الإشراق السابق ، وعرفنا شيء عن عالم عظيم في سعته وأسراره ، بعد أن تدبرنا في شيء مما في الأرض في أشعته الأولى ، فعرفنا شيئا يسيرا من عالم الدنيا والشهادة ، وفي كل شيء منه تتدبر فيه ترى آية تدل على عظمة الخالق سبحانه وتعالى ، كما مر في الجزء الأول من صحيفة الكاملين بعض الشيء عن معرفة النفس الدالة على عظمة خالقها ، وإن علم النفس وقدرتها وما يمكن أن تتسع له لتنال ملك الله العظيم في التدبر بها شأنا آخرا ، لعله يأتي شيء منه هنا حين نتدبر بملكها العظيم وهداها من العظيم الذي يُعظمها فيجعلها مع العظماء في خلقه ، فيُملك الأنفس الطيبة المؤمنة منها نورا واسعا يسع أعظم مما عرفت من عظمة الكون الأدنى .

 ولا تتعجب فإن الله عظيم : وليس يساوي شيء عنده كل ما عرفت من عظائم أسرار الكون الأدنى العظيم ، لأن النفس في هذا الكون من عالم أعلى ، وهو عالم ملكوتي وقد ترجع للجبروت فتتسع بملكها في ذاتها وبما يحيطها من تمليك الله لها ملكا عظيما لا يوصف أبدا ، وما يوصف من ملك المؤمن شيئا يسيرا يأتي بعضه في أخر كل نور من نور ملك الله العظيم اللطيف الشافي .

ولكن الكلام يا طيب : بعد إن عرفنا ملك الله العظيم في السماء الدنيا الذي لا يوصف ولا يعرف منه إلا شيئا يسيرا ، ومع ما عرفت من عظمة الأرقام المذهلة التي يحير فيها الخبير ويتيه معها الإنسان المتعلم فضلا عن البسيط ، وعرفت إنه يستحيل أن يكون هذا الخلق العظيم خلق نفسه بدون خالق عظيم خلقه ودبره ، وعالم بأسراره التي ذكرنا قسما يسيرا من آياتها الكريمة في مطاوي البحث الأخير والدال على عظمة الخالق الخبير الحكيم القادر القوي العظيم .

وهناك يا أخي : موسوعات كبيرة في علم الفلك ، وكتبت كتب في كل نجم منها وبالخصوص القريبة منا ، ولها متخصصون يبحثون عن بعد بعض أسرارها ، فيتحيرون بها ويتعجبون من عظمة المدبر لها ، ولذا عقدت لها ميزانية كبيرة جدا وأموال كثيرة قد تكفي لإشباع فقراء العالم لو يصرف قسم يسير منها عليهم ، ولكن الإنسان طموح ويحب الكمال المطلق بفطرته وبما أودع الله فيه ، فيبحث في الخلود ونعيمه ، ولكن للأسف الآن بأمل كاذب ، لأنه ينسى الواجب ، فيطلب الغنى والسعة في الملك ولو بالحرام ويُضيق على نفسه وإن غنى شيئا ما ظاهرا ، لأنه عرفت لكل طالب مدد ولكل من يسعى عطاء ميسر ، ولكن فرقه مؤقت للحرام ، وعطاء دائم لمن يطلبه بالحلال وينموا حتى يكون عظيما كما عرفت في نور الوارث .

 فإن التدبر بالكون حقا عجيب : وقد يكون واجب لأنه مأمور به في كتاب الله العظيم في كثير من الآيات جدا ، ولكن بشرط أن لا يُظلم إنسانا واحدا فضلا عن دولة وشعبا كاملا فيسرقوا ماله ، ومع اللهو عن الإيمان بالله الحق بما يفتح عليهم بركات علوم الأرض والسماء ، وما يشرق عليهم من نور بركاته أسماءه الحسنى .

 ولو كان الإنسان بالحق طلب عظمة الكون : وبمال حلال مع الإيمان بالله العظيم ،  لكان الفتح أكبر و لعرجوا في ملكوت التكوين قبل السماء الدنيا ، و لكان اكتشافهم لأسرار الكون أكبر ومعه رضا الله العظيم ، والذي يكرمهم في ملك عظيم في الدنيا والآخرة فيفتح عليه بركاته العظيمة حقا ، كما ستعرف وقد نبهنا الله العظيم لهذا بقوله في كتابه العظيم :

{ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ

وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } الأعراف96 .

وقال الله تعالى : { فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10)

 يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا (11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا (12) مَا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارً (13)

وَقَدْ خَلَقَكُمْ أَطْوَارًا (14) أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ الله سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا (15) وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نورا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا (16) } نوح .

ويا طيب : عرفت تدبر الإنسان في الكون الأدنى من عالم الشهادة تحت السماء الدنيا ، فلنأتي لمعرفة أعلى وأعظم وأكمل ، وهي معرفة من أنزل الله بركاته عليهم وملكه العظيم من الكتاب والحكمة , ومعرفة من وفقهم الله العظيم لأنهم مطهرون مخلصون ، فختم بهم دينه العظيم وجعلهم شارحين له ومبينين لعظمته بطور آخر من الكلام ، لم يطلع عليه ولا يعرفه غيرهم من أهل الدنيا .

 بل تعال يا طيب : لكلام عظيم من رب عظيم لناس عظماء أو يكونوا مع العظماء ، فيعظم وجودهم حتى يكونون بحق يحققون طموح ما يسعى له الإنسان من النعيم الدائم الكامل المطلق بالنسبة لما يسعه فكر وعلم الإنسان المحدود ، حتى لا يصح أن يوصف من عظمته شيء بكل سعته ، بل لا تطيقه إفهامنا القاصرة ، وهو كون أعلى و واسع جدا وعظيم جليل الشأن كبير ، وحتى فكر المؤمن العادي لا يحده ولا يستوعبه فعلا ما لم يرتفع في مراتب الإيمان ودرجاته العظمى ، فيعرف عنه شيء وأشياء يذوب لها الوجود الإنساني شوقا ، وهي تحقق كل طموحه وما يطلبه من الكمال من النعيم الدائم العظيم المجيد .

فإنه يا أخي : قد عرفت إنه قد حكى الرب العظيم ما يصبوا له الإنسان من المعرفة في التدبر بالكون الواسع وما وصل له في كلمات قليلة ، وقد عرفت بعض آياته في أخرى الإشراق السابق ، وهذه كلمات يُعرفنا بها عظمة الكون وعظمت ما يحيطه من تدبيره ، ويبين لنا أنه لو فتش قلب العالم من الإنسان وتدبرت في حقيقته لرأيته يحكي إيمانه باطنا ، ولا يذعن بأن هذه الحُسن والدقة والنظام العجيب في الكون ، تخلقه ماده أو شيء مادي ، فضلا من أن يكون شيء محدود جزي من أجزاء الكون ، فلا يسعه إلا أن يؤمن بالله العظيم بأعلى عظمة تناسب جلاله سبحانه وتعالى ، ولذا قال العظيم في كلامه العظيم وكتابه المجيد :

{ قُلْ لِمَنْ الأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84)

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (85)

قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ العظيم (86)

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (87)

قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون (88)

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ

قُلْ فَأَنَّا تُسْحَرُونَ (89) بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِالْحَقِّ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ (90)

مَا اتَّخَذَ الله مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ   إِذًا لَذَهَبَ

كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ    وَلَعَلاَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ   سُبْحَانَ الله عَمَّا يَصِفُونَ (91)

عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (92) } المؤمنون .

يا طيب : فإنه حقا لو تدبروا في عجائب الأرض والسماء وكل ما فيها من الآفاق والأنفس ، لأذعنوا حقا بأن كل شيء لله وحده لا شريك له ، وإنه عظيم بيده ملكوت كل شيء يخلقه ويدبره بأمره ، وهو يجير فيمد من يشاء برحمته ولا يستطيع خلقه أن يتعدى عظمته أو يطغى على أمره ، وإلا لأفناه أو دمره أو أصلحه بما ينسجم مع الكون كله ، ويجب أن لا نُسحر بالمادة وعظمة الخلق بدون معرفة الخالق ، وإن توسع وعظم أو دق ولطف وتزين خلق الكون وكائناته ، ونسعى لطلب علمه وزينة الحياة الدنيا فقط ، فهذا كذب في طلب الكمال الحق ، فإن الله وحده بيده ملكوت كل شيء ويهب لمن يشاء ما يشاء .

والمادة وزينتها وملكها : وإن عظمت واتسعت ليست إله مع الله العظيم الخالق لكل شيء ، ولا شيء غيره خالق حتى باعتباره قادر عالم مدبر ، لأنه لو كان غيره لذهب كل إله بما خلق ، ولعلى بعظم على بعض ، فسبحانه الله عما يصف غير المؤمنون الذين لا يعرفون عظمة الرب ، بل لا يعرفون شأن ما يطلبون من الكمال وسبيله وأين محله ومصدر نوره بنعيم أبدي كامل مطلق بما يناسب المخلوق إن آمن ، والذي لا يتحقق بملكه والكون به إلا بفضل العظيم سبحانه وتعالى .

وبهذه الآيات العظيمة : وبلفظ يسير عرفنا الله العظيم التدبر في عالم الشهادة ، بل في الغيب وملكوته ، فسبحان ربي العظيم وبحمده ، الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، وكرمه بعظيم نوره من الكتاب العظيم وملكه العظيم .

وإذا عرفنا بعض التدبر في عالم الشهادة والسماء الدنيا : فلنرتفع بفضل الله للتدبر بعالم الملكوت العظيم بل الجبروت وعرشه ، حتى نصل لمعدن العظيم بفضل الله علينا ، فنكون به إن شاء الله وبإذنه أبدا ، ومع العظماء وما علمهم وعلمونا من أسرار الغيب وملكوت ، وهداه العظيم من العظيم للعظماء ، ولمن يحب أن يكون عظيما فيعظم حتى يكون معهم بكل عظمة ممكنة مخلوقة .

فنذكر كلام الله العظيم : الذي يعرفنا عظمة ملكه ومراتبه ودرجاته ، ثم نذكر كلاما شارحا له من العظماء الذين خصهم واصطفاهم بدينه وعلمهم معارف عظمته عيانا وقلبا ، فحكوا لنا عن مراتب الملكوت والجبروت وأمور العظمة وروحها ، والذي هو كلام فوق كلام عالم الشهادة والدنيا وسعته وعظمته وأرقامه العجيبة ، ثم نتكلم عن الهدى العظيم ونوره الكريم لمن اصطفاه وخصه الله العظيم به ، ونذكر مشارق أخرى لمن يطلب العظمة بفضل الله حقا ، فتدبر بها يا طيب لعل الله يرزقنا نورا عظيما لا يسعه ملك الدنيا الذي عرفته كله ، فإن الله عظيم وما يهب لمن يحبه عظيم ، لا تتصوره كلام خيالي تحير بأرقامه ، بل هو عين الواقع ، لأن النفس الإنسانية من عالم الملكوت ولها تكامل الآن بما تتحقق به من دين الديان فتشكره به ، وبما يحب ويرضى فتسير بصراط مستقيم لملكها العظيم وفوزها العظيم كما ستعرف بفضل الله العظيم اللطيف الشافي .

 

الإشعاع الأول :

العظيم يعرفنا عظمة عالم ملكوت الكرسي وجبروت العرش :

الله العظيم حقا : يعرفنا علوه وعظمته التي لا يحاط بها علما ، وذلك بتعريفنا بعض عظمة ملكه الأدنى في عالم الشهادة ، وضرورة التدبر به كما في كثير من سور وآيات كتابه العظيم المجيد كسورة الرعد والنحل وغيرهن ، وفي كثير من الآيات مما عرفت في الإشراق السابق ، وفي نفس الوقت يشير ويعرفنا سبحانه وتعالى بأنه هناك عالم أعلى ودرجات أرفع لملكوته ، بل ينزل أمره من مرتبة أعلى من عرشه العظيم ، والذي يخصه بالعظماء من خلقه ، ولكل شيء حسب شأنه نصيب من عظمة ظهور نور أسماءه الحسنى المتجلية في الوجود .

وإن آية الكرسي هي : سيد آي القرآن ، وهي عظيمة لما فيها من المعارف القيمة ، حيث يعرفنا العلي العظيم بها وبما يلحقها قانون الكون الأرضي والملكوتي الكلي ، بل شأن الخلق وغرضه وسبيل عظمته ، ثم يختم هذه المعرفة النازلة منه ، بأنه لأنه علي عظيم خلق وعرّف هذه المعرفة العظيمة ، فقال العظيم سبحانه :

{ الله لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ : لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ .

لَهُ : مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ  مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ : يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ

وَســـــِعَ كُــرْسِــيّـــُهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا

وَهُوَ الْعَلِيُّ العظيم (255) .

لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنْ الغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِالله فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256)

 الله وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النور

 وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النور إِلَى الظُّلُمَاتِ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النار هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) } البقرة .

الله العلي العظيم حقا : يعرفنا بأنه حي ، ويعني عالم قادر فعال ظهر نوره في الوجود ، وهو قيوم عليه لا يغفل عنه بسِنه وعدم التوجه له حظه فضلا عن النوم ، وإنه لا يعجزه شيء عن ملكه في السماوات كلها والأرض ، ولا يحيط أحد بشيء من نور علم ملكه الواسع إلا بإذنه وما يُعلم لمن يشاء ، وفوق هذا إنه تعالى له كرسي محيط بكل ما في السماوات والأرض ، يُقدر كل شيء فيه ، ومنه ينزل أمره .

فمن يهتدي : وتولى بمن علمه العظيم وأحاطه من علمه وبنور منه ، شفع له بإذنه ووصل له نور فدخل ولاية الله العظمى ، وإلا يطغى وله نار الأبد خالدا .

وهذا التدبر : تقريبا تجده في كثير من آيات الكتاب العظيم النازل من رب علي عظيم ، فإنه سبحانه في عين ما يعرفنا عظمة نعمه في الأرض ويحكي بعض تفاصيلها يشير لما عنده من العظمة في السماء وبركاتها وما ينزل منه ، وإن أعلى كرامة مختصة بالمصطفين الذين أختارهم لهداية عباده ، فمن تولى نورهم دخل في ملكه الواسع العظيم ونال كرامة عظيمة من نوره وبما يناسب شأنه .

وآيات الكرسي فيها معارف عظيمة : وهي عظيمة حتى تلاوتها ولها فضل كبير ، فضلا عن المعرفة والتدبر بها بما يُعرف شؤون العظمة في خلقه العظيم وفعله وتدبيره ، وإذا عرفنا شيء عن كرسي يسع السماوات والأرض وهو مرتبة ملكوتية من مراتب التقدير والهدى لمن خلقه العظيم ، وما يرتفع به عنده في العظمة من عباده الذين يتحققوا بهدى نوره الحق وخالصا له فيعظمهم .

فهذه آيات أخرى : تعرفنا شأن أعظم في عرش الله العظيم ، وهو محيط بالكرسي ويسمى جبروت الرب ، بعد إن كان عالم الكرسي من عالم الملكوت وهما من عالم الغيب ، وفيه مرتبة عالية للظهور، والأرض من عالم الشهادة  .

وقد عرفت يا طيب: أعلاه بعض معنى قوله تعالى في بيان عرشه العظيم :

{ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَـــرْشِ العظيـــم (86)

سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلاَ يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُون (88) }المؤمنون .

فقد عرفت يا يطب : معنى هذه الآيات بأنه الله العظيم تعالى بعد إن بين إنه رب العرش العظيم ، بين مرتبة أخرى من مراتب الغيب وهي مرتبة الملكوت بعد العرش وأنزل منه وقد عرفتها في الكرسي ، وبعده عرّف معنى مراتب الهداية والتدبير في عالم الشهادة والسماوات وكله بعظمة الله تعالى ، وقد ومر شرح في أول هذا الإشراق وتابع شرح سورة المؤمنون كلها في التفاسير ، و التي كانت الآيات أعلاه منها ، تعرف معاني تجلي نور الله العلي العظيم ونزول فيضه وظهوره في الكون وهدايته له بكل عظمة وجلال ، وبعظماء خلقه ممن لهم فضلا عظيما كبيرا .

وبعد إن عرفنا شيء عن مرتبة العرش وعظمته في العلو : نذكر معاني أخرى له تعرفنا عظمته وعلوه ، وبأنه منتهى العلم الكوني الظاهر في الوجود ، وتقريبا يُعد من أعلى المراتب في الظهور الكوني المخلوق وأعظمها ، وإن كان هناك نور مخلوق قبله ومنه خلق العرش ، وقد يأتي بيانه في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام وشرحنا بعض الشيء عن نور الله النازل في صحيفة فاطمة الزهراء من موسوعة صحف الطيبين فراجع ، ولكي نعرف بعض هذا المعنى لعظمة العرش وعلوه في خلق الله العظيم وما يتم منه التدبير الإلهي العظيم، نذكر معاني كريمة من سورة الحديد إذ قال الله العظيم:

{ سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (1)

 لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِ وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (2)

 هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ  (3)

هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ

ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْـعَــرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (4)

لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَى الله تُرْجَعُ الأُمُورُ }الحديد 5 .

سورة الحديد سورة عظيمة :  وفي الآيات التي مرت عليك عرفنا بأن كل الوجود العظيم يسبح الله بنفسه ، وإن منتهى تدبيره العرش ، فعرفنا به أعلى مراتب العلم الظاهر من العظيم في الكون ، ولكن بين الله العظيم إن إليه ترجع الأمور وإن كان تدبير يبدأ من مرتبة العرش ، لكونه تعالى بكل شيء محيط وهو الرب الخالق للعرش وما حواه وما ينزل منه وما يصعد إليه بإذنه وبما يشاء .

 وهذه كانت آيات عظيمة : في بيان غرض الكون في وجوده وفي بيان هدى الله ، وهي تشرح ما عرفت في آيات الكرسي ، وتبين فضل الله العظيم على نبينا الكريم وآله حيث تختم بهم في آخر السورة ، كما تبين الثواب العظيم لمن يؤمن بهم ، وقد عرفنا بيان لها في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، فراجع إن أحببت بعض التفصيل ، وهذا ملخص له .

إن الله العظيم : يعرفنا في هذه السورة بنوره العظيم ، الذي خلق به جميع مراتب السماوات والأرض ليسبحه ويقدسه ، وإنه هو الأول والأخر والظاهر والباطن ، فبعد إن خلق الكون استولى على العرش لا إنه جلس عليه، بل استولى وأحاط بعظمته على أعلى مرتبة من خلقه العظيم ، ومنه ينزل أمره في التكوين في جميع مراتبه المحاطة عرش ومن يقربه ويسكن في درجاته من خلقه العظيم ومن يحمله بعظمته وقدرة منه ، أو أدنى وأسفل منه أي الكرسي وما فيه وما تحت حيطته من مراتب الشهادة والسماوات والكون الواسع الذي عرفته سماوات وأرض .

 وإن العرش مرتبة العلم العظيم : وإليه بإذن الله تدبير مراتب من الكون نازلة عنها وهو محيط بها ، والله العلي العظيم مستولي عليه ومدبر له وما يدبره ، وقد عرفت إن الروح من أمر الله ينزل في ليلة القدر وهي مستمرة لآخر الدهر مادام تدبير الله من هذا المقام الرفيع العالي للعرش العظيم ، والذي ينزل منه أمره العظيم ، وهو ينزل على نبينا العظيم ثم لآله لآخر الدهر ، وإنه لهم إيمان وعلم عظيم وعمل عظيم يرتفع في مراتب الملكوت حتى ينتهي إليه في الآخرة ، بل الآن يصعد إليه الكلم الطيب والعمل الصالح كما ستعرف في هذا النور العظيم ، والذي يبين مراتب العظمة وملك العظماء الذين عظمهم الله بفضله فنعرف تجلي العظيم وعظمة ما خلق ، فتستصغر عالم الشهادة وما عرفت من عظيم وسعه ، و يكون ضئيل عندك كل ملك الدنيا فتزهد به وتطلب مراتب العظمة إن شاء الله .

 لأن العرش العظيم : وهو خلقا لله مع عظمته ، ليس مسكن لله العظيم أو محل جلوسه كما يقول المبطلون ، وأستغفر الله العظيم وأتوب إليه حتى من فكر يسكنه مكان أو يحبط به شيء من خلقه وإن عظم وعلى ، وتعالى الله عن هذا علوا كبيرا ، ولكن العرش مع عظمته مرتبة من خلق الله العظيم ومقام يرجع له أعظم خلقه ويسكن به وهو أقل شأنا من كثير من العظماء مع عظمته ، فكيف يقرن به الله أو يقاس بالله العظيم الأعظم ، والذي كل عظيم لا يقاس بنوره وعظمته ، وكل الكون العظيم وبما فيه من كل العظماء تكوينا وهدى لا يقاس به أصلا ، والله أكبر من أن يوصف أو يقاس به شيء مهما عظم كما عرفت وستعرف .

 ويمكن أن تعرف هذا من نفس سورة الحديد : إذ قال سبحانه العالم بكل شيء ، فأختار أخلص وأعظم خلقه عنده ، فخصه بأمر الهداية في مرتبة الأرض بعد أن أنزله فيها من أعظم مرتبه ، فقال سبحانه من عظيم بعد تلك الآيات يعرفنا علمه برسوله وفضله الكبير لمن يؤمن به فينال الأجر العظيم فقال :

ـ  يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَهُوَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (6) آمِنُوا بِالله وَرَسُولِهِ     وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ   فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِير (7)

وَمَا لَكُمْ لاَ تُؤْمِنُونَ   بِالله    وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (8)

هُـوَ الَّذِي يُنَـــزِّلُ عَلَى عَبْــدِهِ   آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لِيُخْرِجَــكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النور وَإِنَّ الله بِكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (9) ـ

وهذا نفس النور لهدى الله العظيم في آيات الكرسي : نازل على نبي عظيم ، ومعناه الدخول بولاية الله العظمى حين الإيمان بالنبي العظيم ، ومن يؤمن ويعمل صالحا فهو له أجر عظيم من ميراث السماوات والأرض ، بل له جنة تسع السماوات وهي ملك عظيم للمؤمن ، فتدبر ما قال العظيم بعد تلك الآيات سبحانه والآيات بعده ، لتعرف ملكك العظيم في الجنة الواسعة إن كنت مؤمن حقا بصراط مستقيم عرفه المنعم عليهم والعظماء بنور الله من الكتاب والحكمة:

{ وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ الله وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ 

 أُوْلَئِكَ أَعْـظَـمُ دَرَجَةً

مِنْ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ الله الْحُسْنَى وَالله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (10)

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ الله قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ (11) يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نورهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم (12) ـ.

وبعد إن عرّفنا الله العظيم : إن من يؤمن بالنبي الكريم العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم له الفوز العظيم ، وذكر حالات لمسلمين لم يعرفوا عظمة الله في هداه ومن يصطفيه بعظيم دينه فيعلمه ، وإنه فيهم منافقون يخسرون نور الفطرة ، فيقولون للمؤمنين حقا أعطونا من نوركم ، فيقولون لهم في الظاهر كان لكم نور دون الباطن ، والآن ليس لكم نور لأنه نور الباطن ظهر ولا ظاهر مخالف له بعد في اليوم العظيم ، وبيّن سبحانه من يعرف هداه وعظمته بهذا المعنى ، فيكون للمؤمن حقا أجرا عظيما تدبر باقي آيات سورة الحديد في قوله تعالى :

{ يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نوركُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نور فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ (13) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ الله وَغَرَّكُمْ بالله الْغَرُورُ (14) فَالْيَوْمَ لاَ يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلاَ مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النار هِيَ مَوْلاَكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (15)

أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ الله وَمَا نَزَلَ مِنْ الْحَقِّ وَلاَ يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (16)

اعْلَمُوا أَنَّ الله يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (17) إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا الله قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ (18) وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنورهُمْ

وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (19)

اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ الله وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ (20) ـ .

وإذا عرفن : حال الناس هنا في عالم الشهادة وما يكون للمؤمن من أجر كريم ، وحال غيرهم في نار الحرمان في الآخرة من غير نور بل نار وجحيم ، يجب أن نخشع ونطلب الله ونتوب ونرجع له ، فنطلب نوره حقا ظاهرا وباطنا بما يحب ويرضى ، بل نسابق لجنة عظيمة تسع السماوات والأرض من ثواب الله الكريم العظيم ، فنعظم إن آمنا حقا أنظر قول العظيم كيف يعرفنا ثوابه العظيم :

{ سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ

عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ

أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِالله وَرُسُــلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ

وَالله ذُو الْفَضْلِ العظيم (21) ـ .

والله العظيم : بعد أن نبه المسلمين أن فيهم منافقين لهم نار ، عرفنا إنه هناك مخلصين يؤمنون بالعظماء والرسل والأنبياء ولهم معهم فضل عظيم منه .

وهذا القانون الإلهي العظيم : مستمر وجوده من أول الدهر إلى آخر الدهر ، وهو قانون كلي بأنه في كل شيء يوجد عظيم وهناك من يحيط به تابع له ، سواء في المجرات والكواكب المادية كشمس لها وتدور حوله ، أو في مراتب ودرجات الكرسي والعرش ،  أو من يسكن فيه وله فضل عظيم من العظيم ، وإن الكرامة في عالم الشهادة لعظماء خصهم الله بفضله العظيم ، فأنزل عليهم هداه العظيم من الكتاب والحكمة والملك العظيم من الإمامة للناس كما عرفت ، وإنه هداه لهم فمن يؤمن بهم وينصرهم ينال فضل الله العظيم معهم كتاب وحكمة أو ملكا عظيما عند عرشه العظيم ولكل مؤمن مرتبته ودرجته وشأنه .

 وهذا القانون العظيم الإلهي من العظيم : ساري في كل تأريخ الوجود وبأي مرتبة حل ، وفي أهل الأرض بإرسال الأنبياء وعظماء خلقه في البشر ، حتى نبينا وبعده آله الطيبين الطاهرين الذين لهم فضل عظيم ولمن تبعهم ، وهم نور الله في الوجود الظاهر ويستمر بكفلين من الأئمة ذرية الأنبياء إبراهيم ونبينا ، وما دامت ليلة القدر ونزول أمر الله وصعوده و إلى يوم القيامة وفيها ، وتدبر هذه الآيات من سورة الحديد وهي تتمة لما عرفت منها :

{ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ

وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ

وَأَنْزَلْنَ الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ

وَلِيَعْلَمَ الله مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ الله قَوِيٌّ عَزِيزٌ (25)

وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ

 فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ (26)

ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا

وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ الله فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(27)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله :

وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ

يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ

وَيَجْعَلْ لَكُمْ نورا تَمْشُونَ بِهِ

وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَالله غَفُورٌ رَحِيمٌ (28)

لأَلاَّ يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ الله

وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ الله يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ

وَالله ذُو الْفَضْلِ العظيم (29) } الحديد .

فالله العظيم : عرفنا عظمة عرشه وأمره وفضله والعظماء ومن يتبعهم وما لهم من نعم عظيمة بفضله ، وإن فضل الله العظيم مستمر لمن خصهم الله به واصطفاهم به ، وقسم آمنوا بما علموا فتبعوهم وأكثر الناس فاسقون ، وهذا الفضل العظيم مقامه عظيم سواء في الدنيا أو في الآخرة ، وإنه يصعد لمقام عظيم عنده ، فإن نور الله عند ولي الله وبه يخرج من الظلمات للنور ، فإن الله العظيم يصطفي لرسالته ولشرحها ولتبليغها ما عرفت من الأنبياء والرسل ذرية بعضها من بعض فيعظمهم ويهدي بهم بنور هدى يوصله لهم فيعظم به المؤمن به حقا.

ففي الإسلام بعد نبينا عرفنا العظيم : إن هداه عند العظماء مستمر فيهم ، وهم الإمام الأول وولي النور الذي يجعله في الوجود البشري بعد نبي الرحمة والذي يخرج من الظلمات إلى النور بإذن كنبيه ، ثم بعده الكفلين ، كما عرفهم نبي الرحمة بأنهم علي وبعده الحسن والحسين ، وإن النور الفعلي بعد النبي هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كما عرف في الآيات ، ثم هو مستمر إلى يوم القيامة مادام أمره نازلا وصاعدا من وإلى العرش ثم له تعالى ، وهو الخالق والهادي وكل شيء بإذنه يحيطون بعلمه فيعظمون بما كرمهم كما عرفت في أول الآيات .

فالله العظيم : بعد ما عرف قانونه في الكون وفي البشر في الأرض للعظماء ولمن يتبعهم ، عرف أن لهم أجرا عظيما معهم ، ومن يتركهم يكون منافق كما في سابق الأمم مهما كان ، وعرفنا العظيم شأن المسلمين بأن نورهم العظيم في العظماء المختصون بفضله وإنه يجب متابعتهم ، وحذرنا بأن لا نكون مثل الأمم السابقة ، بل طالب المسلمين بأن يرجعوا لله ولما أمرهم به من متابعة نور عظمته المتجلي في هداه في الوجود من العظماء ، ليكون لمن تبعهم نور عظيم عنده في الجنة وملكها العظيم بحسب شأنه وقوة تدينه وشكره لله حقا بما يحب .

وبهذا عرفنا إن نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم  لهم فضل الله العظيم : وبعدهم يحف بهم في العظمة وفي فضل الله العظيم من تعبهم ، دون من صد عنهم وهجر معارف العظمة منهم ، والله العظيم هو الذي طهرهم وباهل بهم ورفع ذكرهم في آيات النور والبيوت المرفوعة فجعل نور هداه يشرق منهم ، وعرفهم بكل سبيل بأنهم ذرية الأنبياء والإمامة مستمرة فيهم ، ولا ينال الإمامة غيرهم فضلا عن فاسق أو له من كان له شرك عظيم في الجاهلية وإن تاب .

فقد عرفت معاني عظيمة : في الجزء السابق من قول النبي إبراهيم عليه السلام في طلب الحكمة والكتاب والإمامة العظيمة من الله لذريته ، فأخبره الله العظيم إنه لا ينال الإمامة ظالم ولو آنا ما ، وكما عرفت من أشرك بالجاهلية فهو من الظالمين لأن الشرك ظلم عظيم .

ولذا خص الله العظيم : الإمامة بالعظماء على طول التأريخ ، والذين لهم أمر الله العظيم في ليلة القدر وتنزيل الأمر والروح لهم والذي ينزل بأمره على من يختار ويصطفي ، وإن فضل الله العظيم في جنة عرضها السماوات والأرض لمن يتبع العظماء الذين خصهم بفضله العظيم واصفاهم بأمره .

 وهذه بعض الآيات العظيمة : التي تبين أمر الإمامة العظيم المختص بآل إبراهيم ونبينا العظيم ، ويعظم من يتبعهم حقا فيؤمن بكل ما أنزل من هدى الله العظيم الذي خصه بالعظماء ، فتدبر ما قال الله العظيم في أمر الإمامة ومقامها العظيم النازل من الله العظيم لنعرف تجلي الله العظيم وظهور نوره العظيم في العظماء الذين عظمهم الله فكان لهم ملكه العظيم الأبدي :

أَمْ يَحْسُدُونَ

 النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِهِ

 فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ

وَآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمً     (54) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ      وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيرً }النساء55.

 فملك الله العظيم : هو لناس كآل إبراهيم بل من آله ، وهم لهم الكتاب والحكمة حقا وملكها العظيم ، فيأتم بهم العباد ويتعلمون معارف شؤون العظيم ودين الله العظيم منهم بعد رسول الله العظيم كما قال الله تعالى :

{ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ (2) وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ (3)

  وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ (4) } القلم .

 ولا يكون عظيم خُلقه بما عرف الله العظيم وما له من الشأن إلا أن يكون ظهر بعظمة في كل دين الله وله ملكه .

 وإن الناس هم الأئمة من آل نبينا العظيم وآل إبراهيم : وهم الذين لهم الملك العظيم بعدهم يهدون به بمعارف الكتاب والحكمة إلى يوم القيامة ، كما في الآيات أعلاه ، فهم حقا الراسخون بعلم الكتاب ولهم الحكمة بعده .

وقد بانت الحكمة بكلامهم في تعريف عظمة الله : كما عرفت في كلام أمير المؤمنين وآله أعلاه في تعريف الله العظيم وشأنه العظيم في وجوده العظيم وملكه وفي ملكوته وجبروته كما عرفت كلماتهم أعلاه وكما سيأتي ، ولا توجد هذه المعرفة لغيرهم ، فهم آل الأنبياء المستمر أمر الله العظيم فيهم والظهور بهم ، ولمن تبعهم نال أجرا عظيما وفضلا عظيما معهم من الله العظيم ، لا من صد عنهم ومنع الناس من معرفة العظماء الذين عظمهم الله وآتاهم ملك عظيم من الكتاب والحكمة والإمامة ، فإنه ليس له شيء وهو فاسق منافق ضال مظلم.

فإن الإمامة الحقة في البشر هي منصب عظيم : وهي مقام تعريف شرح الكتاب والحكمة بعد النبوة ومعها يكون لها شأن عظيم ، وهي مظهر عظمة الله العظيم فيمن أشرق نوره فيهم بأعلى عظمة كما عرفت في نبينا وآله آل إبراهيم حين اصطفاهم وطهرهم وبين فضله وحكمته وعلمه حقا المتجلي فيهم ، سواء ظهر منهم هدى أو عبودية له وإخلاص وعلم وتعليم ، فكان ملكا لهم عظيما كما عرفت ، وهذا المقام لآل إبراهيم وآل محمد الذين طهرهم الله واصطفاهم وهم ذرية بعضها من بعض كما عرفت ، وإن من عاندهم وصد عنهم كان من الفاسقين كما عرفت في آيات الحديد وفي الآيات أعلاه .

 وفضل الله العظيم : هو لمن أختارهم الله العظيم لا أي إنسان مهما كان ولم يعرف له علم وموقف عظيم ، بل فضل العظيم بيد الله العظيم كما في آخر آيات سورة الحديد بل كلها ، وهذا نفسه عرفه الله العظيم في آيات الإمامة في قوله :

{ وَإِذْ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ  قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ }البقرة124 .

فعهد الله من الإمامة وملكها العظيم : لا يناله ظالم بأي نحو من الظلم وبالخصوص من أشرك ولو لحظة في عمره لأن الشرك ظلم عظيم ، بل الإمامة وملكها العظيم هو لمن كرم الله وجه ولم يشرك بظلم عظيم أبدا ولم يسجد بعمره لصنم أصلا ، بل طاهر عرف الله طهارته وعلوه ونصره للنبي العظيم ، ولم يفر في معركة ، بل بلغ دينه بعده بل معه كما عرفت في كل مواقف أمير المؤمنين وتبليغه سورة براءة (التوبة) ومنع الله العظيم غيره ، وإن من يتبع المختص بالملك العظيم من الله ، ولم يتبع الظالمين الصادين عن العظيم في خلق الله العظيم ، فيؤمن به يكون في إيمانه كالحديد حقا يتبع فضل الله العظيم وينصره فينصره الله بفضل عظيم في يوم عظيم وبملك عظيم في الجنة .

وبهذا من يتبع الإمام الحق الذي عظمه الله : يعظم معه ، وإلا يكون ظالم ومع الظالمين لا ينال عهد الله ولا له من فضله لا في عالم الدنيا ولا بعدها ، لأنه قال الله العظيم :{ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ }لقمان13 ، متى ما كان .

فمن أشرك في الجاهلية وإن تاب : قد يغفر له ولكن ليس يصل للمك العظيم من الكتاب والحكمة فيبلغه بعد رسول الله ، بل يكون تابع لعظيم مطهر خصه الله بعد الرسول بالكتاب والحكمة ، وعُرفت منه الحكمة وعظمة إيمانه ولم يبدل ولم يفر في معركة ، بل الله عظمه وبلغ دين الله في زمن رسول الله بأمر الله ، فبانت عظمته بأمر الله وخص بالليلة القدر وأمر الله وروحه ، والإمامة في ذريته إلى يوم القيامة وهم ذرية إبراهيم ونبينا وآله العظماء المحسودين بمن صد عنهم .

إذا عرفنا ظهور العظمة من الله العظيم : في التكوين الأعلى سماوات وأرض وملكوته في الكرسي وجبروته في العرش ، ونزوله هدى وتكوين في العظماء ومن تبعهم وثوابهم العظيم ، نذكر تفصيله بالأرقام والزمان وعظمته بآيات أخرى حتى تأتي روايات تبين عظمة نور العظيم وشأنه بالظهور العظيم .

 

 

 

 

الإشعاع الثاني :

زمان خلق السماوات والأرض وإحاطة العرش والكرسي بهما :

 

الله العظيم عظيم لا يتصور ولا يقاس بخلقه :

 سبحان ربي العظيم وبحمده ، سبحان ربي الأعلى وبحمد :

إن الله العظيم : تعالى وتقدس عن الزمان والمكان ، وإن الزمان والمكان مخلوق لخلقه وفي خلقه ، وهو القديم الباقي والأزلي السرمدي ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن وله الأسماء الحسنى بما يناسب شأنه تعالى ، وسبحانه أن يكون له شأن من شؤون خلقه المحدود ، فالحد بالزمان والمكان والمحيط والمساحة والسعة ليس له تعالى بل لخلق الله المخلوق مهما عظم شأنه ، والله العظيم محيط بكل شيء ، وقيوم عليه قيومية قهر وغلبة وتجلي وظهور بالنور فيه ويمده مادام باقيا ، وله ما في السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله .

ولكن عرفت لكي نعرف بعض شأن تجلي نور العظمة من العظيم : في كل مراتب الوجود العظيم المخلوق للعظيم ، لابد أن يكون عندنا مقياس ما ، ومقارنة ما لنعرف عظمة خلق الله بعض المعرفة ، وبها يكون لدينا بعض العلم البسيط ولكن كريم بشأن فعل العظيم ، ومعرفة يسيرة ولكنها تقربنا من الله الجليل الكبير الواسع العظيم ، فيهبنا بلطفه وجودا و ملكا عظيما في الدنيا والآخرة إن تحققنا بها طلبا وظهورا .

وذلك لأنه عرفت : بمعرفة عظمة خلق الله نعرف من جهة ما عظمة فعل الخالق الدال بوجه كريم على عظمته وعلوه ، ويمكن أن نرجو الله حقا ونخافه حقا ، فنخشى الله العظيم ونخضع له بكل وجودنا المادي ببدننا ، ونخشع له بوجودنا الحقيقي الروحي فنتوجه لها مخلصين له الدين ، فنسعى لمعرفة دين الديان حقا بما يحب ويرضى ، فنتدين له به ونشكره به ، فيهب لنا العظيم الشكور الديان ملكا عظيما لطيفا شافيا .

 

مقايسة عظيمة بين العالم الأدنى و الكرسي العرش :

يا طيب قد عرفنا : شيئا عجيبا في سعة وعظمة كبر الكون الأسفل المشهود والأدنى المادي تحت السماء الدنيا وعظمته بالأرقام المذهلة ، وإنه لما كانت المسافة الواسعة بين الكواكب والنجوم والمجرات بالكيلومتر والميل وغيره لا توصف ، وإن باليوم الأرض وزمان دورانها حول الشمس لا ينفع ، أخترع الفلكيون وحدات أعظم ليعرفونا عظمة الكون الأدنى ، وشيء عرفوه عن عظمة عالم الشهادة ، فاخترعوا وحدة النور وسرعته والسنة الضوئية ووحدة فلكية وفرسخ فلكي ، وكل وحده منها تعد بملايين الملايين الكيلومترات يقطعها الضوء بالمسافة وهي وحدة مسافة لا زمان لأن الزمان للأرض حول الشمس دورة يوم أو سبعة أو ثلاثون أو سنة ، وبين النجوم والكواكب يفقد دوره ، فكان عندهم كلما عظمة المسافة وحدة قياس أكبر وأعظم يعرفونا سعة المكان الكوني وحجم عظمته ، حتى صارت الأرقام عجيبة غريبة تشبه أرقام الاختبار بأنه هل تقدر قراءتها ، ولا يتصور سعتها لكبر المسافة في سعة الكون وعمقه ، حتى كان بنصف القطر للكون وخلاصة تقدير بهذه الأرقام بأنه:

يبلغ نصف قطر الكون : بحساب أينشتاين 35 بليون سنة ضوئية .

أما بذرة المادة الأصلية التي نشأ منها الكون المرئي في الفضاء السحيق ، فتغطي مسافة 64 مليار تريليون كيلومتر ( أي الرقم 64 وأمامه21 صفراً ) وعمرها الوسطي 15 مليار سنة . وظهرت في الوجود بعد 300 ألف سنة من الدويّ أو الانفجار العظيم الذي رافق خلق الكون .             

والله العظيم : بآية واحدة جمع كل هذه الأرقام التي عرفتها وما عرفوه من العظمة للكون وسعته المذهلة عندهم ، وما لم يعرفوه مما تحت السماء الدنيا ، بل وسبع سماوات فوقها وأوسع منها كلها تحت وحدة واحدة هي :

وحدة باسم الكرسي وهي ملكوتية :

 ثم جعل الكرسي أمره وملكوته وما وسعه يأتيه من تدبيره وأمره من

 العرش فكانت وحدة العرش أوسع ووحدة جبروتية .

فلله العظيم بفعله خلق أعظم : مما في السماوات السبع ، وهو الكرسي الذي وسع السماوات السبع وما فيها وهو خلق ملكوتي مجرد عن المادة مدبر لما تحته من العوالم ونسبة التدبير فيه مثل تدبير الروح للبدن ، وخلق أعلى منه علمي مجرد عن الهيئة والمادة وهو أوسع من الكرسي وما يحويه وقد سماه الله عظيم في عدة آيات بالعرش العظيم ، وهو واسع جدا لا يحد كالمعنى الكلي في العقل مثلا البياض الذي يدخل تحت معناه كل بياض متصورة بكل جزيئات فيدخل الوجود كله تحت جبروته وهو العرش ، وسوف تأتي وحدات مختلقة في الكون الغيبي وسكن ليس مادي ، بل روح مقدسة أو عقل أقدس ، يسبحون الله ويقدسونه بنحو أعظيم من الوجود الأدنى ، والذي يسبح لله كما عرفت في أول آيات سورة الحديد .

وهذا الكون العظيم : الذي عرفته ، مع ما يقال في قدمه وسعة في الزمان والمسافة والمساحة كله مع سماءه دون ذكر لمراتب الكرسي والعرش .

 وطبعا كل السماوات : وما تحيطه بعظمتها التي ستعرفها والذي تكون السماء الدنيا وما تحويه من نجوم ومساحات واسعة وأرقام مذهلة ونجوم وكواكب ومجرات تعد بالملايين الملايين ، نسبتها كلها كحلقة في صحراء واسعة بالنسبة للسماء فوقها .

 وهكذا كل سماء : بالنسبة لما فوقها حتى سبع سماوات .

 وكلها السماوات السبع : وما تحويه نسبتها للكرسي كحلقة محبس في فلاة أي صحراء واسعة جدا .

 وهكذا الكرسي وما يحويه : تكون نسبته كحلقة في فلاة أي صحراء واسعة بالنسبة للعرش .

 وكلها الله العظيم : من ورائها محيط وهناك خلق لا يعلمه إلا الله، و ذكر إشارات له يأتي لها ذكر بالاسم ولبعض السكن لعظيم لها يناسب عظمتها وحجب ونور كثيرة . كما هناك مراتب من التوحيد له في مرتبة الفيض المقدس وفوقه عالم الأسماء الحسنى وفوقه ظهور اسم الله الأعظم وفوقه الفيض الأقدس وعالم الأحدية وعالم والعماء ....

 

الله العظيم قيوم محيط مدبر بأمره لكل العوالم العظيمة :

وهذا الخلق العظيم : الموحد لله والدال على عظمة خالقه العظيم ، إن الله العظيم من ورائهم محيط به قيوم عليه مدبر له ، ويمده بنور أسماءه الحسنى ليبقى وليستمر لغاية مقضية له حسب شأنه ، فضلا عن خلقه له بابتداء ، وهو لا يستغني عن مدد الله له لحظة واحد ، ثم ذكر في آيات المعاد إنه يجمع العالم الأدنى سماوات وأرض وما تحويه بنفخة من ملك من ملائكته يسكن في عالم أعلى ، وذكر حتى ذلك العالم له شيء في الجمع والطي والعود لعالم العظمة ، ثم يعيده ويتصرف به كيف يشاء سبحانه ، ثم يعيد الخلق بما يناسب ملكه العظيم فيكرم خلق منه عظيم فيعظمه ويبين مجده وعلوه على كل الخلائق لأنه كان أخلص مستعد لنيل كرمه ، فيهبه ملك عظيم واسع جبروتي أو ملكوتي ودرجات في القرب سيأتي بعض تفصيلها في آخر النور العظيم هنا واللطيف والشافي ، وكله لا يساوي شيء في ملك الله العظيم مما لا نعرفه في العظمة في المراتب العليا التي لم يأتي لها خبر للإنسان المؤمن فقال سبحانه ولدينا مزيد ، ولا نعرفه ولم يُعرفه أحد من أهل العالم الأرضي مهما عظم شأنه .

وهذه السماوات السبع : بسعة لا تتصور أرقامها ولو من غير الكرسي والعرش ، وكلها مخلوق في ستة أيام من أيام ملكوتية ، فكيف تقدر هذه الوحدة بالأرقام لا أدري ، ولا تقدر إلا بأن يقال : أيام عظيمة لا تحد ولا تكتب بالأرقام .

 أو يقال : لا تتصور لما فيها من عظيم الخلق وعظيم المساحة والسعة والحجم سواء الملكوتي في السماوات العليا ، أو في العالم المشهود تحت السماء الدنيا ، والذي عرفت أرقامه في الإشراق السابق حتى كانت أرقامه مذهلة نسبته لما فوقه من السماء كما عرفت كلها خلقت في ستة أيام ، فقط يومين للسماوات ويومين للأرض ويومين لكي تستعد الأرض لتحمل أعظم مخلوق ، إن آمن يحصل على ملك جبروتي أو ملكوتي عرفته وستتعرف عليه أكثر ، وفيه من هم عظماء بعظمة الله العظيم الذي عظمهم ، والتعرف هذا تدبر بحوث نور العظيم واللطيف والشافي .

 

خلق العالم الأدنى سماوات وأرض في ستة أيام ملكوتية :

يا طيب : العالم الأدنى وما عرفت من سعته بالأرقام المذهلة ونسبة الحلقة فيه و المحبس الذي يحيط أصبع لإنسان ونسبته لفلاة أي صحراء كبيرة وواسعة جدا ، وسبعة مرات تتكرر هذه النسبة ، في كل سماء بالنسبة للأعلى منها ، كل هذا الكون الواسع الأدنى وعظمته وما فيه وما بين سماواته وأرضينه وكواكبه ومجراته ومجموعات شموسه وأقماره وما فيه من خلق الدخان والثقوب السوداء وما سمو له من أسماء لتدل على عظمته وكبره وهيبته وبهائه ، كله خلق في ستة أيام فقط .

نعم الله العظيم : ذكر خلق السماوات والأرض وما بينها في ستة أيام ، و ليست أيام أرضية لأن الأرض والشمس والكواكب والمجرات لم تخلق بعد ، ولكن بعد أن خلقت تنزل عليها تدبير أمر ما فيها من علو من السماء ، يعد يوم التدبير بألف سنة من أيام الأرض وعروج لمحل تدبيره في سماءه ، لا عند الله لأن الله محيط وأقرب لكل من حبل الوريد من وروح الشيء له ، فإنه عرفت في اسم الله القريب إحاطة الله وقربه ، هو ظهور نوره ومد الشيء بما يصلحه أو يناسب شأنه ليبقى زمان قُدر له ، ثم يرجع فيجازى بما يستحق ، وسيأتي بيان التدبير .

تدبر يا طيب : عظمة الكون الأدنى عالم الشهادة ومع غيب السماوات ومدة خلقه ، وفقط السماء وما فيها والأرض ، بدون ذكر للكرسي والعرش وقال العظيم :

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

فِي سِــتَّـــةِ أَيَّـــامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ } ق38 .

هذا خلق السماوات والأرض : من دون الكرسي والعرش ، فإنه لم يشر لزمان العرش والكرسي ، ولكن عرفت وسوف تعرف إنه كلما أرتفع الوجود كان أبسط وأشرف وأكمل وأعظم ، وكان علة لما تحته وسبب متوسط شافع بين أمر الله ونزول نور فيضه لما هو دونه بما يناسب كل شيء وحاله .

 وهذه الستة أيام العظيمة : التي خلق فيها الله العظيم السماوات والأرض :

يومين : فقط لخلق السماوات لأنها بسيطة وأعلى مرتبة .

ويومين : لخلق الأرض ، ويومين : معها فتكون أربعة لخلق القوت فيها.

وهذه الأيام : ليست أيام أرضية بل ملكوتية .

وهذه الأيام للأرض : أربعة للأرض مع صغرها بالنسبة للسماء والمجرات ، ليست لنقص في عظمة الله الخالق لها ، وإنه لا يستطيع خلقها خلقا آنيا ، لأنه ستعرف العالم الأعلى في الجبروت خلق نور واحد ومنه خلق كل شيء عرش وكرسي وما دونه ، ولكن لكون كون الأرض لكي يتحدد بهذه الصورة وينموا بما يكونه مادي صالح لخلق مفضل سخر له كل شيء يستوجب أن يتهيأ ويتفاعل ، ثم ينتج خير موجود وهو حين يستوي وقتها المحدد ، وإلا لو لم يكن بهذا الزمان المحدد يكون شيء آخر وتكوين آخر ملكوتي أو جبروتي أو ليس كهذا الخلق ، وليس متهيئ لإنسان لكي يكون فيه خلقا عظيما إن آمن بالله حقا وعمل صالحا بهداه الحق .

 فقد عرفت يا طيب : إن كل شيء سخر للإنسان لكي يصلح وينموا ويعظم بشكره للديان سبحانه ، نعم عرفت في آيات كثيرة إنه كل ما في السماوات والأرض سخر للإنسان لتتزين له الأرض فتكون له مع الكون جاذبية وسرعة مناسبة لتكوين الليل والنهار والفصول والثمار وآلاف الأمور والنعم التي لا تحصى في روحه وبدنه ، لكي يتوجه لخالقه العظيم فيعظمه في ملك ملكوتي عظيم أبدي وفي يوم عظيم سيأتي بعض ذكره وهو يوم القيامة العظيم ، وإن الإنسان وإن كان حجمه المادي صغير ، ولكن روحه وعمله له عظمة ستعرف بعض منها حتى تعرف إنه منطوي فيه كون عظيم وله شأن كبير إن كان مؤمنا حقا ، وله ملك عند المقام المحمود بل حول العرش العظيم يحف بأعظم إنسان كامل وآله والعظماء في الوجود ودورهم كلا حسب شأنه ، وتدبر كلام الله العظيم تعرف هذا في ما مر ويأتي ، وإذا عرفنا هذا نذكر آيات أيام خلق السماوات والأرض بكلام العظيم :

{ قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي

خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَـوْمَـيْـنِ   وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (9)

وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا

فِي أَرْبَــعَـــةِ أَيّـــَامٍ سَـوَاءً لِلسَّــائِـلـِيـنَ (10)

ثُمَّ اسْـتَـوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (11) 

 فَقَضَاهُنَّ سَـبْــعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَـوْمَـيْــنِ

وَأَوْحَـــى فِي كُلِّ سَـمَـاءٍ أَمْــرَهَ وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ }فصلت12 .

يا طيب : إن هذه الآيات من سورة فصلت هي بيان لعظمة الله واستنكار لفعل من يكفر ، فإنه في أول آيات السورة ذكر عظمة القرآن وكان يجب عليهم أن يؤمنوا به وبمن أنزله ومن أُنزل عليه ، ثم عرفهم إن منزل القرآن العظيم هو نفس الله العظيم الخالق لهذا الكون العظيم ، ويجب أن لا يكفروا برب العالمين ، فراجع الآيات .

ثم هذا الذكر والعطف في كلام الله العظيم : لليومين للأرض وللقوت أربع لا يعني ستة ، بل يومين ويومين جمعت صارت أربعة أي يومين للخلق ويومين لتقدير صلاحها لما فيها من القوت للسائلين لفضل الله ونعمه من خلقه ، والذين كانوا في هذين اليومين من حيوان ونبات وإنسان وجو وظروف بعد خلق الأرض ومكوناتها، فتكونت لهم ظرف ومكان مناسب لأن ينموا ويتكاملوا ليعظم وجود الإنسان المفضل فيها لأنه جاءت آية : وآتاكم كل ما سألتموه .

وأما زمان التراخي بثم لخلق السماوات : ليس تراخي زماني وبعد خلق الأرض بل تراخي للخبر ، أي ترقي فإنه خلق السماء قبل في يومين واستولى عليها ودبر منها أمر تكوين الأرض وقوتها وما تستعد به لتحمل الإنسان ، وهذا التدبير من أمر الله في السماء للأرض مستمر ما دامت السماوات والأرض ، بل حتى بعد جمعها وبسطها للنشر والحشر ويوم القيامة والجنة ، فإنه لا يخلو شيء عن تدبير الله وتجلي نور يناسبه حسب شأنه من الأسماء الحسنى ، والتي تظهر بما يناسب وجود الشيء وشأنه بالعدل والإحسان للمؤمن ، بل بالفضل حتى يكرم بجنة عظيمة ، أو بالحلم والإمهال للكافر حتى يهان في العذاب الشديد وعظيم إن لم يتوب ويرجع للطف الله ورحمته .

ثم إن الأيام الستة: ليست من زمان الأرض لأنه توجد أيام ملكوتية وأيام مداولة بين الأمم وتمليك قوم مكان قوم ، أو حكومة مكان حكومة ، وأيام تأريخ أمم ، كما إنه هناك أيام تدبير ويوم جمع لكل شيء من سماوات وأرض ، ويوم للحشر والنشر والحساب ، ولكل له حسابه فبعضها يعادل خمسين ألف سنة مما نعد كيوم عروج الملائكة ، أو ألف سنة كيوم تدبير الأمر من السماء للأرض مع رجوع أمرها ، وهناك ليلة تساوي ألف شهر مما نعد أو في الفضل للعمل فيها وسيأتي بعض بيان الأيام .

فإنه بعد أن مهدت الأرض : وسخر للإنسان كل ما سأل حتى كان لو عد نعم الله لم يحصيها ، وخلق الله الإنسان أنزل له هداه الخاص في التشريع فضلا عن الهدى الكوني ، فإنه خلق له كل شيء وسخر له ما يناسب وجوده بأحسن صورة تمكنه لكي يتوجه لخالقه بروح ملكوتية ومجردة عن المادة ، وهي نفسه التي لا يغفل عنها ويطلب راحتها ليل نهار ، وبكل تصرف حتى حين يسعى لجمع المادة وزينتها يتصور بها الإنسان كمال روحه أولا قبل بدنه .

ولكن الله العظيم عرفنا : إن الروح لها هدى إن تحققت به يكون لها فضل وثواب ، وشأن تحصل عليه في ليلة خاصة مثلا يعادل العمل بها عمل ألف شهر ، ولكل إنسان شأنه في ألف شهر من عمله وثوابه ، وأعظمه لإمام القوم والزمان بعد إن كان نبي كل زمان مختص بها بأفضل عمل ، ولما وصل الكلام : كما في أخر الآيات أعلاه لتدبير الأمر من السماء للأرض بعد خلقها وقوتها من العظيم ، نتحدث في إشعاع خاص عن تدبير الأمر وأيامه وستأتي عظمة أرقام الثواب بعده ، وإما زينة الدنيا والكواكب وسعة الكون في أخر آية فقد عرفته بالأرقام الهائلة .

 

 

الإشعاع الثالث :

تدبير التكوين بأمر العظيم من السماء  للأرض  ورجوعه :

سبحان ربي العظيم وبحمده سبحان ربي الأعلى وبحمده :

إن الله العظيم : يا طيب أمره عظيم وعظيم جدا ، وهو أمر خلق وهداية وعظمة لمن يأتيه أمر الله بما يكرمه الله من نور الأسماء الحسنى حتى يعظم ويكون أعظم خلقه ، ولكل شيء في الوجود شأنه فتدبر يا عظيم إن كنت مؤمنا حقا .

فيا أخي : بعد إن عرفنا أيام ملكوتية عظيمة تحيط بخلق كل ما عرفنا من ملايين المجرات والكواكب والنجوم والكون الواسع الأدنى والأعلى في السماوات ، وهي أيام خلق للسماوات والأرض وما بينها من نجوم كثيرة وعظيمة ، يعني كان الكلام في الإشعاع السابق أعلى من الكلام في الإشراق قبله في سعة الكون بالأرقام الفكلية ، لأنه كانت تبين سعته بالسنة الضوئية وغيرها ، والكلام في الإشعاع السابق عن أيام خلق وسعة بالنسبة لما هو أعلى من العالم الأدنى أو قياسه لما هو أعلى منه  ، فكان كلام عظيم من يتدبر عظمة الخلاق العظيم وما أعد للكون من أيام ، يتكرم بها من يتكرم ويعظم في نفسه وملك ملكوته ، ويصغر فيها من يصغر ويحقر والعياذ بالله .

وكانت آخر آية : في الإشراق السابق بعد خلق السماوات والأرض وما بينها من نجوم في ستة أيام ، آية تتحدث عن خلق أخر وأمر آخر ، هو عالم أمر كل سماء وما هو وضيفتها وما يجب أن يكون فيها من قوت وتقدير وغرض وغاية ، وما يجب أن تكون عليها بنفسها وسكنها ، وكيف ينموا ويعرج ويعظم ويرتفع أو ينزل ، وهو أمر تدبير بعد خلق ، وإن كان الكون كله خلق بكلمة كن فكان ، ولكن عرفت إنه لكونه محدود وفيه أسباب لابد أن تتهيأ وتستعد لنور الجبار العظيم حتى يأتي منها معلولها وأمر وجوده وتدبيره بإذن الله تعالى .

فإن الله العظيم قال : في آخر آيات بعد الخلق بستة أيام للسماء وللأرض وما بينهما من الكائنات العظيمة واللطيف :

 { وَأَوْحَـــى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْــرَهَـــــا

وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } فصلت12.

يا طيب : إن أمر الله فوري كن فيكون كما عرفت ، ولكن عرفت إن شأن الخلق لا يمكن أن يوجد منه مرتبة إلا أن توجد المرتب الأعلى والأشرف منه ، وإن المرتبة العالية تكون علة متوسطة بين من هي أعلى منها والأسفل ، ومحيط بالدانية منها ومعلولها ، والله من ورائهم محيط لا يغفل عن خلقه وتدبيره ولا تأخذه سنة ولا نوم ، وما يكون من وسائط التدبير في كل سماء سواء قضاء ووجود نفس تكوينها وشأنها وفعلها أو الملائكة الذين هم سكنها ، فإنه قد قدر الله لها أمرها وأوحى لها ما يجب أن تكون عليه قضاء فعليا أو في دوام بقائها واستمرارها وما يصدر منها في التكوين الداني لها ، ولذا ما عرفت من وحي أمر كل سماء لما يناسبها إن أمرها يأتي من مرتبة عالية هي العرش ، ويتنزل بطرق السماء سماء  فسماء حتى يصل الأرض ولذا أختصر تدبير أمر الكون سبحانه بعد خلقه كله بكلمة كن ، وظهر كلا بما ينساب شأنه والوقت المحدد له حسب الأيام الملكوتية العظيمة يأتي الأمر للأرض ثم يرجع لها في يوم كان مقداره ألف سنة مما نعد ، فهذا تدبير آخر غير الخلق الأولي بكلمة كن ، ولا الخلق المتدرج للأشياء حسب عللها ومراتبها في ستة أيام بل تدبير ، وهذه آية  تعرفنا بعض أمر الله ونزوله من مرتبة العرش ورجوعه إليه في ألف سنة فقال تعالى :

{ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتّـَةِ أَيّـــــَامٍ

ثُمَّ اسْتَــوَى عَلَى الْعَـــــرْشِ

مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (4)

يُـــدَبِّرُ الأَمْـــرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ   ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ
فِي يَـــــوْمٍ كَانَ مِقْــدَارُهُ أَلْــفَ سَنَـةٍ مِمَّا تَعُـدُّون
َ
(5) }السجدة.

وقال العظيم :{ وَإِنَّ يَــوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْـفِ سَـنـَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ }الحج47.

وقال الله تعالى : { الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ  

يَتَنَزَّلُ الأَمْـــــــرُ بَيْنَهُنَّ } الطلاق12 .

يا طيب : في الآيات العظيمة من الرب العظيم ، عرفنا إن خلق السماوات والأرض ، سبع سماوات تحيط بسبع أرضين سيأتي شرحها في الأحاديث وبيان سعتها وإن عرفت شيء عنها ، بأنه كل سماء أعظم من التي أسفلها صحراء لمحبس صغير بالنسبة لها قد لا يجده للناظر فيها إلا بعد الفحص الكثير بل قد يحتاج لمرصد يبحثه، وإنه خلقها كان بستة أيام ، وإن اليوم عند الله كألف سنة مما نعد ، هذا في الخلق .

 أما التدبير : فنزول أمر تدبيرها ورجوعه بعد خلقها فيوم واحد يقدر بألف سنة مما نعد ، يعني ثلاثمائة وخمسة وستون ألف يوم فقط أمره الله يقطع الكون حتى يصل الأرض ويدبرها ويصلح حالها ويرجع ، وهذا الزمان لو قسته بسرعة الضوء لكان أضعاف مضاعفة ملايين المرات ، لأنه يقدر بالأرقام التي عرفتها أعلاه نصف قطر الكون المرئي وفقاً لنظرية أنيشتاين في النسبية يبلغ : 35 بليون سنة ضوئية ، والكون في توسع مستمر ، مع هذا ، يقدّر قطره حالياً بحوالي مائة ألف مليار مليار كلم ، وهذا تخمين ولا يعلم سعة الكون الأدنى إلا الله ، ويقطعه أمره في يوم .

وهذا الرقم لما دون السماء الدنيا : واليوم الواحد لنزول أمر تدبير الله من مرتبة في السماء للأرض ورجوعه ، يقدر بألف سنة مما نعد ، فتكون سرعته جدا عالية لا تقاس وبنور مخزون في السماء ونازل للأرض يدبرها ويصلحاها ثم يرجع , فسرعة التدبير عالية كالخلق ، والله العظيم ليس بغافل عما خلق وبالخصوص أمر الإنسان المسخر له كل هذا الكون الذي ينزل في طرقه من السماء للأرض أمر الله كما قال سبحانه : { وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَـبْـعَ طَـرَائِــقَ    وَمَا كُنـَّــا عَنْ الْخَلْقِ غَـافِـلِـيـنَ } المؤمنون17. ولتعرف عناية الله بخلقه بتدبير نفس أمورهم بعد إن عرفنا تدبير الكون ، تدبر الإشراق الآتي لتعرف بعض شأن العظيم .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها