هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث
الْعَظِيمُ
النور السابع والتسعون

الإشراق الخامس :

التدبير التشريعي بأمر الله العظيم في الكون كله وسرعته :

سبحان ربي العظيم وبحمده سبحان ربي الأعلى وبحمده :

إن الله العظيم : ليس يعجزه شيء في نفوذ أمره في التكوين وكائناته ، وإن أمره تعالى نافذ لا يمنعه شيء وله تعالى العزة والكمال بأعظم مما يتصوره إنسان وخلق الله كله ، وإن أمر الله سواء في الخلق والتكوين لكل الوجود أو هداه وترتيبه أسرع من لمح البصر ، وإن أمره كن فيكون ، ولا يتصور في حق الله زمان ولا مكان ولا كيف ولا غيره من المادة والأعراض التي يوصف بها الوجود الكوني بكل مراتبه حتى المجرد الجبروتي، فهو أعلى من التعقل ولا يقاس به شيء وليس كمثله شيء ، وإنما القياس بين الخلق ومراتب عظمة فعله العظيم ، والذي يعد البشر سعة الكون الأدنى بالبلايين من الكيلومترات والسنين الضوئية والله تعالى يعده بالأيام، فلا مقاسية بيننا وبينه أصلا .

ولكن نذكر هذه الأمور لنستشعر عظمة الله تعالى : فنرجو فضله العظيم بكل كرامة ومجد يخص به أولياءه ، وليس غرضنا هو سرعة الكون وسعته ، ولكن حين نعرف هذا العظيم القدير العليم الخبير الذي له الأسماء الحسنى معتني بنا عناية خاصة وسخر الكون لنا ، وليس غافل عنا ويحصي ما تخفي الصدور ليثيبنا وليصلحنا وليهيئنا لأحسن كرامة ومجد عظيم حقا ، توسعنا بمعرفة عظمة فعله ، لكي لا نطلب كرس ومنصب وجاه ومال وشيء من زينة الحياة الدنيا بالحرام وبما يبعد عن الله ، ولا نعصي أمر يجعلنا في كل كرامة ومجد ويصلحنا لأن يكون لنا ملك عظيم في يوم الدين .

ولذا نتوسع في شرح معنى العظيم : لنعرف عظمة الخالق العظيم سواء بأخذه أو بعطائه العظيم ، فنرجو ما عنده حقا ونخافه حقا ، فنكون بأحسن حال من الخضوع والخشوع والخشية معه ، وقد أمرنا الله في كثير من الآيات التدبر بالكون وبالآفاق والأنفس وبكل شيء ، لنعرف عظمته وحكمته في الوجود ، حتى نتوجه له بكل هداه الذي يصلحنا معه حقا وبصراط مستقيم لمنعم عليهم بنعم الله التي لا تحصى ، ، فنحب ونتجلى بالظهور بها كلها مخلصين له الدين ، ومقتدين بأوليائه المصطفين لها حقا ، فنكون إن شاء الله مثلهم في كل كرامة وفضل عظيم يخصهم به الله العظيم .

فإن ذكر عظمة الخلق : والمسافة فيه وطولها لنعرف عظمته وحجمه المهيب الكبير الواسع فنستصغر أنفسنا أمام عظمة الله خالقه وخالقنا ، ولا نعصيه في أمر من أوامره وقد أوعد المخالف أن يأخذ أخذ عزيز مقتدر منتقم شديد العقاب ، وكذلك لنرجو أن نكون عظماء عنده بأوسع جنة وملك عظيم بفضله العظيم .

وإما عظمة الله تعالى : في إيجاد الخلق فليس يحدها زمان ولا مكان كما عرفت ، ولكن حُسن الخلق أن يكون بهذه المسافة والمساحة الواسعة العظيمة ، وأن يكون له هذا الزمان العظيم الواسع ، حتى يتم وجوده وتدبيره في التكوين ، وإلا لو كان وجوده وتدبيره كأمر الله بما هو أهله لا بما هو مخلوق ، لكان وجوده وتدبيره وبقاءه وفناءه كله لحظة واحده كلمح البصر ورمش العين لأنه تعالى قال :

{ بَـدِيــعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ   وَإِذَا قَـضَـى أَمْـــرًا

فَإِنَّمَا يَـقُـولُ لَــهُ كُـــنْ فَـيَـكُـــونُ } البقرة117 .

{ وَمَا أَمْــرُنَا إِلاَّ وَاحِــدَةٌ كَـلَـمْـحٍ بِـالْبَصَـرِ }القمر50.

 فالله العظيم : إذا قال لشيء كن يكون لا يتأخر ومثل لمح البصر أو هو أسرع ، وبه يكون وجوده وتدبيره وبقائه وبلحظة واحدة أو أسرع حسب أمر الله لا حسب أمر المخلوق وتنزله التدريجي في التكوين وتكونه وكبره حسب شأنه ، فإن الإنسان لكي يوجد لابد أن تستعد له الأرض والجو وكل شيء من نعم الله ، ثم هو يكبر من النطفة والرحم والتولد والصغر ، وحسب شأنه في إيمانه وعلمه وعمله وعدمه يعظم ، وإلا لو لم يمر بهذه المراحل لكان خلقا آخر ملكا أو غيره مما خلق الله ، وهذا خلاف حسن وجود الإنسان بهذه الصورة الكريمة المفضلة ، والتي بها يعظم نعيما وخلقا وخلقا في الدنيا والآخرة ، وحسب طلبه لهما أو لأحدهما ، فيكون بها شأنه ثوابا أو عقابا أو ملكا دنيويا أو مع الأخروي دائم لإيمانه .

 وإلا لو كان أمر الله حسب أمر المخلوق وشأنه بكل تطوره لحظة واحدة ، لا يكون تكوين ولا خلق ولا سماء ولا عرش ولا كرسي ولا أرض ولا نجوم ولا مجرات ولا كواكب ولا ما فيها من خلق الله ، ولا إنسان يعبد ولا ملك يقدس ويسبح ، وهذا خلاف شؤون العظمة في أن يكون له خلق عظيم واسع يدل على عظمته ، ويُظهر نور غناه ومجده وكبرياءه بكل عظمة وبهاء ونور عظيم كبير .

فقياس عظمة : المكان والزمان في الكون كله حتى الأيام الستة وما قبلها وما بعدها من ظهور الخلق والتدبير وكونه في يوم واحد يعد بألف سنة بالأمر ، أو خمسين إلف سنة يوم القيامة ، هو قياس بين الخلق وما يتنزل به وما يعرج فيه وما يتكون بأدواره وأطواره وأممه وكائناته ، وهو قياس بالنسبة لنا لا لله حسب شأنه العظيم .

فإن أمر الله عظيم : بالنسبة له وهو علمه بما يكون فيكون حسب أمره وحبه لظهور عظمته بأعلى وأحلى تجلي بالعدل والإحسان ، وهناك أمر في التكوين هو من أمر الله ظهر ، وينسب له ويقال أمر الله ويقاس بالأيام وهو الذي بين مراتب العوالم الجبروتية والملكوتية وزمانها ، ومنها يتنزل ومنها توجد حقائق يكون بها تقدير الأمر وقضاءه وما يستحقه من شأن ، وإن الله عظيم في أمره كله ، وله بكن حسب علمه الأزلي ، وبه يظهر ويوجد الخلق أو المخلوق أو هداه كله أو بعضه في زمانه ومكانه المناسب وشأنه وماله من النور وما يستحقه من النعيم والمدد من نور أسماءه الحسنى وظهورها وبطونها في تجليها له حسب طلبه بحاله أو مع مقاله ، ولذا يظهر ويكون أمر الأيام والتدبير من عالم الأمر وتنزله بالأيام حسب شأن الخلق وما يصلحه بأحسن حال هو أهلا له ، وحسب كون الأيام ملكوتية فيوم بألف سنة ، أو أعلى جبروتية فاليوم بخمسين ألف سنة ، أو أعلى إلهية فتكون كلمح البصر أو هو أقرب أي بكلمة كن ، وحسب الأمر الأزلي وشأن التجلي والظهور لنور الأسماء الحسنى بالوجود. وإذا عرفنا الأمر الإلهي والتكويني وأيامه، فلنتدبر الأمر التشريعي وأحواله:

 

الإشعاع الأول :

غرض الكون العظيم وتسخير الله العظيم لخلقه المفضل ليعظم :

يا طيب : قبل أن نذكر أمر الهداية بأمر الله العظيم ، نذكر شيء من شأن الإنسان الكوني ومرتبته في الكون الأدنى ، ثم نذكر فضله بهداه وسبيله العظيم وثوابه العظيم ، وكيف يكون العبد المؤمن عظيما بفضل الله العظيم ، وهو بيان لتجلي نور الله العظيم المشرق من أسماءه الحسنى فينا إن شاء الله بأعظم فضل .

ويا طيب : إن الإنسان بأول خلقه بنور الفطرة ، هو إنسان كريم يحب الكمال المطلق العظيم جمالا وحسنا وسعتا ونفسا وملكا ومحيطا ، ويحب الطيب الطاهر الكامل الذي لا نقص به ، ويحب أن يكون خالدا بالنعيم بكل عظمة .

وهذا الغريزة في الإنسان : الله العظيم خلقها ، ومكنه منها إن تبع هداه وسار على صراطه المستقيم ، فيكرمه الله العظيم إن توجه له مخلصا صادقا بدينه القيم العظيم ، والذي يعظم من يطبقه بحق ، فينال فضل الله العظيم .

وبنفس الوقت : إن الإنسان إذا لم يتوجه لنور العظيم ، وضلعن الصراط المستقيم ، وطغى على نور العظيم برفض التوجه له حقا بما يحب سبحانه من هداه الحق ، يفقد نور الفطرة ونور مدده الله العظيم له ، فيتصاغر المتعصي على نوره ومن لم يهيئ المحل له ، فيخسر نوره أبدا وله عذاب عظيم .

فهنا للإنسان : حسب توجه لله العظيم وعدمه له نور عظيم وملك عظيم ، وقد عرفت إنها جنة عرضها السماوات والأرض بل قد يصل للملكوت والجبروت ورضا الله أكبر وله منه المزيد من المجد والبهاء والنور ، أو يصغر ويكون أضل من الحيوان بل يكون أقل شيء مخلوق أفضل منه ، بل لا يقاس بشيء له نور ولو صغير ، فيحقر وجوده ويحترق أبدا بنار عظيمة تكويه.
فيا طيب : ما عرفت من الكون العظيم وعظمته كله ، خلاصته وثمرته هو الإنسان بروحه وبدنه في هذه الدنيا ، وهو لكي ينموا الطيب منه في العظمة بنور الله ورعايته وهداه ودينه القيم فيعظم، ولنعرف هذا السبيل وكيف نحصل على العظمة من العظيم.

 نذكر عدة آيات كريمة تعرفنا ، أولاً : إن الإنسان هو ثمرة الوجود الأدنى من سماوات وأرض وما بينها ، وهو المفضل في هذا الكون في أول وجوده بفطرته النورانية الطالبة للكمال الحق ، ثم نذكر أنه يجب عليه أن يَتبع من فضّله الله فجعله عظيما ، فطهره وخصه بهداه وعرفه بكل سبيل ليأخذ نور هدى الله العظيم منه ، ثم نذكر شيء من فضله العظيم ، وكله بنص كتاب الله العظيم في هذا الإشراق الذي يعرفنا هدى الله التشريعي وعظمته ، وبعد إن عرفنا عظمة أمر الله وتدبيره بعد الخلق في التكوين كله بشيء من الاختصار وبآيات كريمة من كتاب العظيم .

ولمعرفة طلب الإنسان للكمال المطلق بفطرته ويحب البقاء أنظر هذه المجادلة بين من طغى فرعون ، ونبي مفضل هو موسى عليه السلام :

{ قَالَ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى (49) قَالَ رَبـُّنَا الَّذِي أَعْطَـى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَـهُ ثُمَّ هدى (50)

قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (51)

قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لاَ يَضِلُّ رَبِّي وَلاَ يَنسَى (52) الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الأَرْضَ مَهْدًا  وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلاً  وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى (53) كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآياتٍ ِلأَوْلِي النُّهَى (54)

 مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى }طه55 .

يا طيب : إن الله فطر الإنسان لطلب لكمال العظيم منه ، ولذا كان عليه إن يصدق رسله ويصدق آياته العظيمة في الكون فيتوجه له ، فإن الله خلق كل شيء ثم هداه وعرفه سبيل دينه القيم عند العظام من خلقه ، وطلب منه أن يؤمن ليأتيه مدد عظيم من نوره الأبدي ، وإن فروعن سأل عن القرون الأولى ويريد أن يعرف مصيره ولم يكتفي بملكه هذا بل يريده ملكا خالدا ، ولكنه لم يقنع بكلام العظيم موسى ولم تنفعه آيات التكوين والهدى فيه والتشريعي فطغى، والله عرفنا بعد عدة آيات مصيره ثم ومصير من اهتدى بموسى عليه السلام فقال بعد عدة آيات :
{ إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لاَ يَمُوتُ فِيهَا وَلاَ يَحْيَا (74)

وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ الدَّرَجَاتُ الْعُلاَ (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى(76)}طه .

وهذا السبيل الله عرفه للمسلمين : في سورة طه أي اسم نفس النبي العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، و الذي سماه الله طه ليعتبر المسلمون وغيرهم بما بذل في طاعة الله ، فلا يطغوا على الله فيكون لهم مصير أسود مظلم في جنهم فيفقدوا حتى نور الفطرة الأولي وكل كمال وعظمة تأتي للمؤمن الحق ، فيعظ الله المسلمين وكل من يسمعها ، وهذا القانون عرفه الله بشكل كلي في قوله العظيم تعالى :

{ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا (1) وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا (2) وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا (4) وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا  (5) وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا

(6) وَنَـفْـسٍ وَمَا سَـوَّاهَـا (7) فَأَلْهَمَهَا فُجُــورَهَ وَتَقْـوَاهَا (8)

قَدْ أَفْـلَـحَ مَنْ زَكَّـاهَـا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَ (10) }الشمس.

فقد عرفنا الله العظيم سبحانه : إنه علّم الإنسان بالكون وفي نفسه ، كيفية التوجه له ودله على سبيل الإيمان به ، وإنه حذر الإنسان الفجور وعرفه التقى في نفسه ، فإن آمن بالله العظيم وأقام دينه العظيم المختص بأفضل خلقه فهو يفلح ، وإلا يخيب ويخسر نفسه وملكه مهما حصل على ملك الدنيا ، وعرفت هذا وما سبقه في آيات الكرسي ، وأن هدى العظيم مختص بمن يأذن له فيشفع في تعريف نور الله ويتنور من يتولى الله ومن خصهم بنور هداه ، ويخسر ويضل من يطغى ، وبكلها سبحانه يعرفنا نور الكون وهداه ، ونور التشريع العظيم وسبيله ، وهذا تجده في أكثير من آيات القرآن ، بل في كل السور يعرفنا الله هداه في كتابه ويطلب الإيمان به ، فيُذكر بآياته في الكون العظيم و في النفس ، وبهداه عند من عظمهم ، لكي يؤمن الإنسان فيقيم هدى الله الحق فيعظم بنفسه وبكل شيء يملكه حتى يكون له أبدي لا ينقطع .

وإذا عرفنا هذا يا طيب : بأن الله لم يغفل عن خلقه ودبرهم بأمر منه وهداهم ليعظموا ، سواء في تعريف أمره في الكون المسخر للإنسان أو في نفسه أو في إرسال الرسل ومن كرمهم وعظمهم بدينه وعبوديته حقا ، نتعرف على شأن الإنسان وأهميته وعظمة في الكون ، والذي سخر له الكون كله لكي يقيم دين الله العظيم ويعبده به بما يحب ويرضى ، ولتعرف هذا أتلو قول الله العظيم :

{ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ الله سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ

 وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَة

وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الله بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هدى وَلاَ كِتَابٍ مُنِيرٍ (20)

وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ الله قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمْ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ (21) وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى الله وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى الله عَاقِبَةُ الأُمُورِ (22) } لقمان .

يا طيب كلام العظيم حقا عظيم : ومن يحب العظمة والكمال المطلق يجب أن يتدبر به ، ويدل على نعم الله التي لا تحصى بستخير كل شيء في الكون لنا وأرشدنا للتدبر بالنفس وأحوالها والكون العظيم ، لنرى إن الإنسان الوحيد فعلا الذي يتصرف بالكون والكائنات الأرضية ، وصعد يفكر ليتصرف بالكواكب وحب أن يغزو الفضاء كيف يشاء ، فتراه المكرم والمفضل في الكون ويجعله في مقاصده وغاياته بعد أن تمكن من كثير من علومه فسخر كثيرا منه في مصالحه .

هذا فضلا عما وهب العظيم للإنسان ليعظم : من نعم الكون كاختلاف الليل والنهار للراحة وللكسب ، ووهبه الفصول ليتنوع حاله فينشط وتتنوع له الأثمار ، والشمس تهبه ضوء مناسب والقمر نور مناسب ، والنجوم زينة له ولتهبه التوازن في أرضه وفي الكون كله ، وكل شيء تتدبر به في النفس والأرض تراه في خدمة الإنسان لمجرد نور الفطرة فيه قبل إعلان إيمانه بالله ، وترى هذا يُعرفه الله العظيم في كتابه العظيم لكي يصلحه ليعظم الإنسان وليصل لما يصبوا له من الكمال الخالد والنعيم المقيم الذي يطلبه كل إنسان ، وإنه مهما وصل ملكه وإمكانياته ، فإنه يصرفها ليطلب بها الكمال ولا يشبعه شيء لكي يعظم بوجوده وجاهه وملكه ، وبكل ما يحيطه يحب النعيم ويحبه خالص لا ينغصه شيء أبدا .

وهذا الله العظيم : عرف للإنسان الهدى الحق وبين له آيات العظمة والمقدرة له في كل شيء في الكون الواسع العظيم وكائناته المخلوقه لخالق عظيم ، ولأرض وما فيها ، والخلود وما يطلبه من النعيم المقيم ، كله الله العظيم مكنه منه ، إن طلبه بصراط مستقيم . فهذا الإنسان المفضل على كثير من خلق الله : إن توجه الله بإقامة دينه الحق يعظم ويأتيه فضل الله العظيم ، ومن يطغى يخسر نفسه ويخيب ويضل سعيه ويفقد نوره ، ولتعرف هذا أتلوا قوله الله العظيم :

{ قُلْ لِعِبَادِي الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلاَةَ وَيُنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلاَنِيَةً

مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خِلاَلٌ (31)

الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ    وَسَخــَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ   وَسَــخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ (32)   وَسَخَّــرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ   وَسَخَّــرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَار (33)    وَآتَـاكُـمْ مِنْ كُلِّ مَا سَـأَلْـتُـمُـوهُ

وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَ إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ (34) }إبراهيم.
{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ  وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ   وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ  

وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيل }الإسراء70.

فيا طيب : هذا التفضيل للإنسان والتكريم وتسخير نعم لا تحصى له في كل الكون ، هو لكي يعظم وليحصل على فضل الله العظيم حين عبادة العظيم ، وهذا ما عرفه في قوله العظيم:

{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ } الذاريات56 .

و{ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَالله ذُو الْفَضْلِ العظيم } آل عمران74 .

 

 

الإشعاع الثاني :

أفضل فضل الله العظيم لنبينا وآله أئمة الحق ولمن تبعهم :

يا طيب : إن الإنسان مفضل على كثير من الخلق مع عظمة الخلق وسعته التي عرفتها ، وسخر له الكون الأدنى بل الأعلى الذي عرفت وسعه كله لكي يعبد الله تعالى ، ولكن عرفت إنه من هذا الإنسان المفضل هناك من اختصوا بفضل الله العظيم فعظمهم الله تعالى ، فهذا الفضل العظيم للإنسان ، ومن الإنسان يوجد فيهم أأعاظم وفي هؤلاء المعظمون تفضيل أيضا ، حتى كان أفضل خلق الله العظيم هم نبينا الكريم وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليم وسلم ، وهكذا التفضيل بين الأنبياء والرسل ولهم درجات ، وأفضل الأمم أفضل من تبع أفضل دين لله وأفضل أئمة الدين الذين عظمهم الله العظيم سبحانه .

 فإذا تدبرت يا طيب : فضل الله العظيم على الإنسان من تسخير الكون الواسع العظيم له ، الآن نذكر عظمة المفضلون الأعاظم الذين بهم يعظم الإنسان حين يتبعهم ، وإلا إن طغى على دينهم ولم يتبعهم يخسر نور عظمته الفطري ، وضل عن نور الله بهجره لهم وصد عنهم ، فيكون تركهم هو عين ترك العظمة والملك الخالد والنور الأبدي الذي يطلبه الإنسان بنفسه وبكل ما يسعى له .

فإن رضا الله العظيم : وعبوديته تتم بدين عظيم عرفه العظيم لعظماء خلقه ومن تبعهم عَظَمَ وإلا خسر ، وهذا ما عرفته بكثير من الآيات ، وهذا الإشعاع فيه نور آيات من كتاب الله العظيم نعرف بها تسخير الكون ونعمه التي لا تحصى لنا ، وبها ترى الإنسان مفضل على كثير من خلق الله فتدبرها وما يأتي بعدها لترى هداه :

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ  وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

 وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ

وَفَضَّـلْنَاهُـمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيــل }الإسراء70.

والله العظيم : بعد ما عرفنا تفضيل الإنسان بصورة عامة ، عرفنا إن من بني الإنسان أفاضل مفضلون مصطفون و أخيار أختارهم الله العظيم رسلا وأنبياء وأئمة وأوصياء أنبياء فخصهم بدينه العظيم وهداه العظيم ، فجعلهم أئمة وولاة أمر الله في عباده بإذنه ، فكان لهم أعلى نصيب من تجلي نور أسمه العظيم ، وأمر العباد المؤمنين أن يأخذوا دينه العظيم منهم وبإقامته حقا يعظموا ، وقد ذكر الله العظيم في كتابه العظيم في سورة البقرة قصص الأنبياء العظام من آدم إلى إبراهيم وذريته من إسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وداود وعيسى وغيرهم من الأنبياء المفضلين الذين ورزقهم العظيم من نور العظمة فعظموا بكل شيء نسب لهم ، ثم ذكر إن هؤلاء الرسل المفضلون على البشر من بني أدم أيضا بينهم تفضيل ودرجات وعظيم وأعظم بفضل الله العظيم الذي قال :

{ تِلْكَ الرُّسُلُ

فَضَّـلْنَــا بَعْضَـــهُمْ عَلَى بَعْــضٍ مِنْهُـــمْ

مَنْ كَلَّمَ الله وَرَفَـعَ بَعْضَــهُمْ دَرَجَـــاتٍ }(البقرة/253).

وإن الفضل العظيم هو لنبينا العظيم : وقد عرفة إنه قال له العظيم :

{ وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ } القلم4 .

وما جعله عظيما : بخلقه الذي يمثل امتثاله لكل آداب الدين والعبودية ، إلا لأنه خصه بدينه العظيم ، وإنه بلغه وطبقه بأحسن وجه حتى كان عظيما بكل ما يظهر به من خُلقه وجعله ذو فضل عظيم ، فإن الفضل العظيم الذي عرفته ملك عظيم من الكتاب والحكمة وإمامة الناس بتبليغ دينه ، وهذا الفضل العظيم له ، وبه يعظم كل عظيم تدبر ما قال الله العظيم في نبينا العظيم محمد صلى الله عليه وآله وسلم :

{ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ (2)

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3)

ذَلِكَ فَضْــلُ الله يُؤْتِيـــهِ مَنْ يَشَـــاءُ

وَالله ذُو الْفَضْــلِ العظيم (4) } الجمعة .

يا طيب : فضل الله العظيم لنبينا ولمن تبعه ولحقه حقا ولم يفر عنه ، سواء في نفس سورة الجمعة وقد عرفت الثابتون معه ولم يلههم لهو وتجارة عن ذكر الله و هو أمير المؤمنين ومن أقر له بالإمامة بعد رسول الله وحينه ، وإما غيره من لم يرضى به إماما فقد فر للتجارة وترك النبي يصلي وحده مع وصيه ومن ثبت معه يؤيده ، وقد عاتب الله العظيم من ترك صلاة الجمعة في ذلك اليوم ، فلم يكن له فضل عظيم من الإمامة ، بل إن تبع الإمام الحق المفضل المطهر المصدق الذي عنده علم الكتاب والحكمة ، كان له فضل إن أخلص بهداه العبودية لله العظيم ، وقد عظم بفضل الله أبدا ، وإلا لا فقد خسر نفسه وضل سعيه مهما كان اسمه في المسلمين وما تصدى له من المناصب مدام مخالف للإمام الحق الذي فضله الله ، وليس له شأن عند الله بل يكون إمام ضلال إن خالف الإمام الحق في هداه .

والله العظيم : بيّن إن دينه واحد وإنه مالك بوم الدين ومن يتبع صراطه المستقيم من الكتاب والحكمة عند المنعم عليهم الذين رفع ذكرهم  وطهرهم من أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعده ، والذي جعل نور الكتاب والحكمة عندهم بعد رسوله ، والذين لهم ملك الإمامة العظيم ، فهو يكون معهم عظيما ، وله ملك الله العظيم من النعيم ، وقد عرفت معنى هذا في سورة الحديد .

فالله العظيم : له قانون في الكون كله بوجوده يسبح وبما جعله مسخر للإنسان الذي فضله فيه وسخره له ، وغرض عظيم في وجود الإنسان المفضل وهو إقامة دينه وعبوديته بهدى ممن عظمهم فخصهم بدينه ، وبهذا يصلح الإنسان ويعظم إن تبع المفضلون الأعاظم الذين عظمهم الله العظيم ، وظهر نور عظمته فيهم فجعلهم أفضل وأكرم خلقه وأعظمهم ، وإلا من يخالف العظماء الذي عظمهم الله العظيم يضل ويطغى ويخوى ويخسر وعليه غضب العظيم بنار عظمية والعياذ بالله ، ومن يتبع من عظمهم الله بفضله العظيم يعظم حقا ويصير له فوز عظيم وفضل عظيم من العظيم أتلو قول العظيم :

{ تِلْكَ حُدُودُ الله وَمَنْ يُطِعْ الله وَرَسُولَهُ

يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا

وَذَلِكَ الْفَوْزُ العظيم } النساء13 .  

نعم له فوز عظيم : من يتبع نبينا وإمام زمانه من آله أهل البيت المطهرون صلى الله عليهم وسلم ، والذين عظمهم الله وخصهم بالكتاب والحكمة بعد رسول الله ، وخسر نوره وأظلّم وجوده من تبع غير أئمة الحق ، فإنه يكون قد تبع ضلال وخداع وحيل وقياس وستحسان ناس تصورا أنهم أئمة دين وخلفاء على المسلمين بالغصب لمنصب الإمامة ظاهرا وبالمكر والفلتة واستغلال ظروف تهيئة لهم فحكموا بها ، إن تبع كل أحد ولو لم يتبين شيء من عظمته بحق وحكمته بحق ودينه بحق ، فإنه تدنس دينه ونجست نفسهم من تبع من لم تتبين بحق طهارته ولا أنه بحق خصه العظيم بكتابه العظيم بالتبليغ والبيان بعد نبيه ولم جعله راسخ بعلمه ، فإنه كانت للناس أئمة من غير آل نبينا ممن لم يعرف آيات كتاب الله العظيم ، ولم يحفظها ولم يعرف عنه علم عظيم يذكر بها وفي تأوليها وتعليمها حقا ، لا في نفسه ولا في تعريف الله وشؤون عظمته ولا رسول الله العظيم عرفه بالعظمة ، ويضل من يقول هذا عنده هدى الله العظيم ويتخذه إمام ويتبعه ، فإن الله العلي العظيم له نور عند العظماء الذين فضلهم ، ومن تبعهم يوم القيامة يعظم ويكون معهم ، وإلا فلا ، وأتلو قول الله العلي العظيم تعالى :

{ يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ

فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (71)  وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل (72) }الإسراء .

يا طيب : عرفت إن فضل الله العظيم مستمر من أول الخلق العظيم ، الذي كان بسعته العظيمة ، وبالإنسان المفضل ولكن إن أطاع من عظمهم الله بفضله وفضلهم على البشر ، وإن الله لم يغفل عن خلقه لحظة واحده لا بسنة ولا بنوم ، بل هو القيوم على الوجود ويهدي بالعظام وإنه بعد الرسل خصنا بأئمة ، فيدعى به كل ناس بإمام زمانهم ، وهذا أمر الله ساري في الوجود ولم ينتهي بعد نبينا ، ولم يترك الله الخلق إلى يوم القيامة بدون عظيم ذو فضل عظيم به تتم عظمة العباد ، وبطاعته يعرفون دين الله العظيم فيعظمون ، فإن أمر الله عظيم في خلقه خلقا وله هدى عظيم مستمر لم ينقطع أبدا مهما طال الزمان وتغيرت الظروف .

 فإنه يا طيب : ولو لم يكن في كل زمان عظيم يختص بفضل الله العظيم والله عظمه بعظمته ، لكان تجلي العظيم وهو باطن العظمة في كل الأسماء وأعظمها ظهورا وبه تظهر عظمتها ، لكان فاقد مصداق الظهور بالفضل العظيم كل تجلي الأسماء في التكوين ، وفاقد الوجود لأعظم غرضه في كل الكون ، ولم تظهر عظمة الأسماء الحسنى كلها بأعظم تجلي لها في وجود نعرف عظمته بحق ، فإنها وإن تجلت فلها تجلي عظيم بأعظم تجلي هو في الكون العظيم المسخر لأفضل خلق الله ، وبالخصوص للعظيم فيه وهو بقية الله وإمام العصر والزمان من المفضلون العظام ، والذي يهتدي به بني الإنسان فيكون لهم الفوز العظيم معه ، وعرفته إن في الإسلام في زماننا هو أخر السلالة والذرية ممن هم عندهم ملك الله العظيم في أرضه وهو الكتاب والحكمة ، وبه نعرف أنه وآله السابقون آل نبينا الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، هم العظماء وكما قال الله العظيم في كتابه العظيم :

{ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّـــاسَ عَلَى مَا آتَاهُمْ الله مِنْ فَضْلِــهِ

فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيــمَ الْكِتَــابَ وَالْحِكْمَــةَ

وَآتَيْنَاهُــمْ مُلْـكــًا عَـظِـيـم }النساء54 .

وهذا خطاب الله العظيم للمسلمين وغيرهم : يمنعهم من أن يحسدوا أو يتبعوا من حسد من آتاهم الله الملك العظيم ، وهو المطهرون نبينا وآله ، فإنه في عين إنه بين أنه آتاهم كجدهم الكتاب والحكمة عرف إنه عندهم ملك الله العظيم ، وهم آل نبينا وآل إبراهيم لأنهم من ذريته وهم أئمة الحق العظام ، فكان لهم ملكا عظيما في الدنيا لأنهم قد خصوا وقد أقاموا الكتاب العظيم كلام الله العظيم وظهرت حكمة الله فيهم فتجلوا بها فكانوا حكماء الوجود ، وظهورا به كما ظهر رسول الله بمظهر عظيم من التوجه لله العظيم ، فخصهم الله بنور اسمه العظيم ، وإن إمام الحق عظيم بأمر الله العظيم ، والله العظيم تجلى به أعلى تجلي وأكمل تجلي بنور أسماءه الحسنى كلها .

فقد عرفت يا طيب : إن للأسماء الحسنى كلها تجلي عظيم في الخلق ، وهو التجلي بأكبر ظهور في أكبر خلق الله شأنا عنده في كل زمان ، وهو أعلى تجلي وأكرم تجلي وأجود تجلي وأتم ظهور وأكمل تحلي في الخلق في كل مرتبة منه ، وهو للأنبياء وللأئمة المفضلون على الإنسان المفضل في الكون ، والذي هو مظهر الله العظيم ، وأعظم تجلي له في أولياء نوره ومن تبعهم فهو بعدهم في الدرجة .

وعرفت يا طيب : إن الوجود العظيم كله مسخر للإنسان ليعظم ، والله فضله العظيم مختص بعظماء يهدون بأمر الله العظيم وهم أئمة الوجود ، ولو فقد إمام الإنسان في لحظة من الزمان فقد عظيم الوجود المخلوق المفضل ، وهذا يستحيل في أمر الله العظيم الذي عرفت عظمته وعنايته بتجلي نور أسماءه الحسنى بكل عظمة ، فظهر منها في كل مرتبة من مراتب الوجود أعظم مصداق مخلوقا لها حقا ، وواقعا عظيما بنورها بأحسن ظهور ، ثم تأتي المراتب في عظمة الخلق ، أي يأتي بعد بنور العظمة المخلوق للعظيم من يعظم حين يكون قريب في دينه وصفاته من أعظم الخلق .

ولذا حين قال الله العظيم يوم ندعو كل أناس بإمامهم : يعني إمام ذو فضل عظيم وملك عظيم ، وإنه حقا هناك إمام عظيم ، وهناك أئمة كفر وضالين عنه معادين له ، ويدعى كل فئة بإمام زمانه ، لأن أمر الله في التدبير مستمر ويهدي به عباده ، ومن يتبع العظيم الذي يعظمه الله بأمره يكون هو الإمام الحق ويهدي بأمر الله ، ومن ينحرف عنه يكون إمام ضال وأتباعه ضالين .

ويا طيب : وهذا المعنى نستفيده من كثير من الآيات حتى لو لم يكن بها نص اسم المعنى العظيم ولكن للقرائن الحافة وللمعرفة السابقة بشأن تجلي وظهور عظمة الله وغرض الخلقة نعرف هذا المعنى بوضوح ، فتدبر قول الله العظيم تعالى :

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَق السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ  وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاء

لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَل (7) } هود .

{ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1)

 الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ

 لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ (2) } الملك .

فإن هذه الآيات الكريم : تعرفنا أن الله خلق العرش وهو عظيم وملك السماوات والأرض التي هي تحت الكرسي والكرسي تحت العرش ، وكلا له عظمته ، والغرض من وجود الإنسان وحياته وموته ، هو لكي يختبر فيظهر أحسنهم عملا ، أي أعظمهم أجرا وأكرمهم عند الله,وبعده الناس في المراتب لأن اختبار الله جاري في الوجود ، ويغربل المؤمنون حتى يصفى الثابتون ، ثم يغربلون حتى يكون أحسنهم عملا وهو إمامهم وصاحب الكتاب والحكمة وهو بقية الله وثقل رسول الله النفيس مع كتابه .

ويا طيب : هذه التدبر بأمر الله العظيم في تفضيل خلقه ، من الكون العظيم كله ، للإنسان المفضل فيه ، ولأئمته المفضلون فيه ، للإنسان الذي يكون في عظيم التفضيل إذا تبع أئمة الحق حين يدعى بهم يوم القيامة ، هو سُنّة الكون في ظهور نور الأسماء الحسنى كلها بحسب شأن كل مخلوق فيه ، وبأعظم تجلي لها . و بعد إن عرفنا عظمة : الكون والهدى العظيم فيه ، وشأن الإنسان فيه بأنه يعظم بإتباع من عظمهم العظيم ، نذكر عدم غفلة الله عن خلقه ، وإنه دبرهم بأمره العظيم الذي خص به العظماء من أئمة الحق وأولي أمره ، وإن من تبعهم يصير عظيما بفضل العظيم .

 

 

الإشعاع الثالث :

بإطاعة أمر الله العظيم لأولي الأمر المفضلون يعظم فضلنا :

سبحان ربي العظيم وبحده سبحان ربي الأعلى وبحمده :

الله العلي العظيم : أمره عظيم ، وقد عرفت في آيات الكرسي والعرش ، وغرض السماوات والأرض وإن كان كل شيء يسبح بحمد الله العظيم ، ولكن يا طيب ، أمر الله عظيم في خلقه ، لم يغفل عنه ولا تأخذه سِنة عنه لحظة واحده من تدبيره ، وإن كل شيء سماء وأرض وما بينها سخر للإنسان الذي فُضل على كثير مما خلق ، وجعل فيه مفضلون ، عظمهم وبهم يتم أمر الله وتدبيره لخلقه وتظهر ربوبية رب العالمين بكل عظمة وجلال وحسن وبهاء .

فإن الله العظيم : في عالم الشهادة هذا ، وإن كان بين كل عوالم إحاطة وعليّه ومعلولية ، وبين العالي والداني بأمر الله سبب ومسبب ، وتدبير بنزول أمر الله المقضي في السماء للأرض لأنها منها فتقت وانشقت وظهر نور التكوين الأدنى في كل سماء ، إلا أنه سبحانه جعل كل خلقه الأعلى والأدنى مسخر للإنسان المفضل فيه ، وجعل فيه أفضل خلقه ، أي أعظم خلقه ، ودبره بأمره النازل من السماء للأرض بل من العرش ويرجع له ويعود .

ولكن أعلم يا طيب : إن أمر السماء والأرض ليتهيأ للإنسان أمرا عظيما من العظيم ، وأمر الإنسان المفضل فيها أمر أعظم ، وأمر ولي أمر الله في الإنسان وإمامه الحق هو أعظم تجلي لله العلي لعظيم ، وقد تكلمنا بصورة عامة عن التفضيل العظيم لله من ناحية خلق التكوين العظيم المفضل تقريبا ، وإن كان يعرف به أمر الهداية بأمر الله العظيم لأنهما لا ينفكان ، ولكن نتدبر بتمعن بأمر الله العظيم في تدبير أعظم خلقه ومن يعظم بهم إن طلب العظيم بما عظمه به الله العظيم ، فتدبر :

 

 

أمر الله العظيم في التكوين مقضي وينزل من السماء للأرض :

يا طيب : نُذكر بسرعة أمر الله العظيم في تدبير أمر هداه في التكوين بعد الخلق ونزوله من المساء للأرض ، وذلك لكي تستعد لأمر أعظم ينزل على إنسان مفضل فيها ليعظم بأمر الله العظيم ، وهذا أمر الله بالتكوين الواسع العظيم وسرعته بالأيام بعد الأرقام المذهلة التي عرفتها في الوحدات الفلكية والسنة الضوئية وقد قال العظيم :

{ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (4)

يُــدَبِّــــــرُ الأَمْـــــــرَ
مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ
ثُمَّ يَعْــــــرُجُ إِلَيْهِ

 فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ (5)
 ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (6) }السجدة.

{ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَــوْمَـيْـــــنِ
وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْــــــرَهَا
 وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ } فصلت12 .

{ أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَ } الأنبياء30 .

{ الله الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنْ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ

يَتَنَزَّلُ الأَمْـــــــــرُ بَيْنَهُنَّ   لِتَعْلَمُوا   أَنَّ الله عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ

وَأَنَّ الله قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا } الطلاق12 . 

يا طيب : إن الله بأمر مقضي من العرش العظيم ظهر أمر السماء والأرض ودبر أمرها ، ولكن لما خلقت السماوات قضى في كل سماء أمرها ، ثم لما خلقت وأخذت السماء الدنيا زينتها بخلق الكواكب ، كما خلقت الأرض منها لأنها كالزينة ، وكانتا رتقا ثم فتقت ، ولما تم أمر الخلق أخذ يتنزل أمر الله بينها بالتدبير بأمره ، والله المحيط بها علما ، وعرفت فضل الإنسان في الخلق ، الآن نذكر أمر مهم وهو تدبير أمر الإنسان بأمر الله العظيم على أعظم خلقه ويتنزل من مرتبة عالية عظيمة .

 

أمر الله العظيم في الهدى من العرش العظيم لأعظم أولي أمره نبينا وآله :

أمر الله العظيم : يأتي للأرض على أعظم خلق العظيم ، ومن محل عظيم وهو العرش العظيم ، وهو وحي ينزل به الروح بأمر الله العظيم من مرتبة عاليه عظيمة ، سواء كان الأنبياء والمرسلين السابقين أو نبينا الكريم أو إمام العصر والزمان الآن وإلى يوم القيامة ، ولنعرف هذا نذكر أمر الله العظيم ونزوله على الأنبياء و نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم ، فنعرف تجلي اسم الله العظيم فيهم وظهور أعظم أمر خلقه في الأرض ، ليهدينا ويعظم أمر الإنسان المفضل إن تحقق بنور أمر الله العظيم المشرق عليه من عظماء خلقه قال العظيم :

{ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1)

أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرْ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2)

إِنَّ رَبَّكُمُ الله الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ

اسْتَوَى عَلَى الْعَــرْشِ يُــدَبّـِرُ الأَمـْرَ

مَا مِــنْ شَــفِــيــعٍ إِلاَّ مِنْ بَـعْـدِ إِذْنِـــهِ

ذَلِكُمُ الله رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (3)

إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ الله حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4) } يونس .

 يا طيب : تدبير الله من العرش بعد أن أوحى أمر كل سماء ونزل أمره للأرض حتى صلحت للإنسان ، وإن الأمر لله وحده لا شريك له ولكنه يأذن فيشفع في تعريف أمـر الله وتبليغـه كما في آيات الكرسي التي عرفتها ، فيهب ما يشاء من أمره العظيم ، وهو وحيا فينزل بأمر الله العظيم الروح من المرتبة العالية ، وهذا غير تدبير أمر الأرض والسماء المقضي ، هذا أمر أعظم ومرتبته عالية له مراتب ومعارج وليس يـومـــه ألـف سنـة مما نعـد بل خمسيـن ألـف سنة ويأتي بيانه .

فإن أمر الله العظيم : ينزل على أعظم خلقه في الأرض ، فينزل على النبي أو الرسول أو الإمام ، هو ليس أمر من السماء مقضي بيوم تدبريه ورجوعه كما عرفت أمر التكوين ، بل هو أمر من العرش به يتم التدبير وفي يوم أعظم يتم به تدبير أمر ولي أمر الله ليتم تدبير أمر الإنسان بأعظم مفضل فيه ، وهو أفضل خلق العظيم المفضل على كثير مما في الكون ، وهو من أذن له فشفع له بأمره كما عرفت في الآيات أعلاه وفي آيات الكرسي وأتلو قول الله العظيم في بيان أمره :

{ أَتَى أَمْرُ الله فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سبحانه وَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1)

 يُنَـزِّلُ الْمَلاَئِكَــةَ بِالـرُّوحِ مِنْ أَمْــرِهِ   عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَـادِهِ

 أَنْ أَنذِرُوا أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاتَّقُونِي (2)

خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ تعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ (3)

خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ (4) } النحل .

يا طيب : الأمر الذي ينزل به الروح الذي هو من أمر الله ربنا ، هو منزل على نبينا ويجب أن نؤمن بالله في تدبير عباده ، ويجب أن نتوجه له بما يعرفنا بأعظم خلقه ، والذين يخصهم بأمره الذي ينزل به الروح ، ويجب على العبد المؤمن أن لا يخاصم الله في العظماء الذين أختارهم لنزول الروح بأمره وخصهم بإذن تبليغه ليعظم العبد المؤمن حين يطيعهم ويقتدي بهم ، وبالخصوص بعد أن عرّفنا آياته في الكون وفي أنفسنا فأمنا به ، ومنها إن الإنسان كان نطفة وأبيه هكذا وكل من في الأرض لم يخلقه ، بل الخالق أختار وأصطفى بعلمه من يشاء من عباده وأذن له أن ينذر بأمر الله العظيم ، ولذا حينما سؤل الله العظيم عن أمر الروح الذي ينزل بأمر الرب لنبينا العظيم ، عرفنا إنه لا طاقة لنا بتحمل علم معرفته بعظمته ، وعرفنا بأن النبي ليس له من الأمر شيء إلا بإذن الله وما يعلمه بأمره مع أن فضل الله على النبي كبير عظيم ، فتدبر أمر العظيم :

{ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الــرُّوحِ    قُلِ الــرُّوحُ مِنْ أَمــْرِ رَبِّـي

وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً (85) وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلاً (86)

إِلاَّ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّ فَضْلَـهُ كَانَ عَلَيْـكَ كَبِيــرً (87) } الإسراء.

وإذا عرفنا يا طيب : إن أمر الله العظيم عظيم حقا ينزل على أعظم خلقه وله فضل كبير ، وليس لكل أحد تحمل علمه ، وإن الروح النازل على نبينا الكريم هو بفضل الله الكبير العظيم عليه ، وتهديد النبي هو لنا فإذا كان العظيم ليس له شيء من الأمر إلا بإذن الله ، فكيف بالإنسان العادي المأمور بأتباعه ، فحقا عليه أن يؤمن بأمر العظيم وبما يعلمه النبي العظيم ومن خص بأمر ما ينزل به الروح بأمر الله .

وإذ عرفنا أمر الله مختص بالعظماء من خلقه : ويجب علينا الطاعة ، عرفنا العظيم إن أئمة الحق هم أولي أمر الله بعد النبي الكريم ، وهم لهم أمر الله بإذنه ، وإن أمر الله مستمر على إمام الحق وهو صاحب ليلة القدر هو مستمر لآخر الدهر إمام بعد إمام من آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، فتدبير أمر الله العظيم :

{ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِـمَّـةً يَهْــدُونَ بِـأَمْـرِنَا

 لَمَّا صَبَــرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُـــونَ (24) } السجدة .

{ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمــَّةً يَهْـدُونَ بِـأَمْـرِنَا

 وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ

 وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ (73) } الأنبياء .

{ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3)

 تَنَزَّلُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّــهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْـرٍ (4) } القدر .

{ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ

وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ  وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيل (70)  يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ فَمَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَأُوْلَئِكَ يَقْرَءُونَ كِتَابَهُمْ وَلاَ يُظْلَمُونَ فَتِيل (71) وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيل ( 72)} الإسراء .

يا طيب: أمر الإمامة كالنبوة والرسالة بأمر الله العظيم فهو يتخذ من يشاء من عباده ويأذن له فيشفعه ويمده بأمره بالروح النازل من أعلى مراتب التكوين ، فينزل بأمر الله على أعظم خلقه ليفعل الخيرات ويقيم الصلاة والزكاة ويعبد الله العظيم هو ومن يطيعه ويقتدي به ، وهذا أمر الله مستمر إلى يوم القيامة مادامت ليلة القدر التي ينزل به بها الروح بأمر الله على من يشاء من عباده فيأذن له بفعل الخيرات ويقيم الصلاة والزكاة ويعبد الله العظيم حقا مخلصا له ، ويتعلم منه عباد الله ليعظموا .

وهذا تكريم العظيم : بأعظم تكريم لبني آدم الذين نزل الله عليهم أمره بتوسط الروح لينذروا عباده ويعلموهم معارف دينه ، ولذا يدعون بهم يوم القيامة ، وكل إنسان بإمام زمانه ، لأنه عرفت ذرية مطهرة كريمة مختارة مصطفاة بأمر الله تعالى ، فجعل نوره يشرق من بيتهم لأنهم به يقيمون ذكر الله ويُعلمون معارف الله بصلاتهم وزكاتهم وبفعلهم للخيرات ومن يقتدي بهم يفلح ويفوز فوزا عظيما، ومن يعاندهم وينحرف عما يعلموه يضل ضلال بعيد ويخسر نوره .

 وليس لأحد بنفسه يختار أمر الله ومن ينزل عليه أمره الذي ينزل به الروح بإذنه .

 لأنه الله هو العالم بعباده : وهو الخبير بالطيبين الطاهرين المخلصين العظماء الذين عظمهم  ، ومد أمره لهم ليظهروا به بأعلى ظهور عظيم ، وبكل ما أنزل من نور أسماءه الحسنى فكانوا شفعاء ومأذون لهم وأئمة وولاة أمر الله يعرفوه ، لمن يختار ما قضى الله له من أمره في دينه وبما يعلمه أئمة الحق وولاة الأمر .

 ولذا قال الله العظيم : بعد قضاءه في أمره وما أختار له من أئمة وولاة أمر ، إنه لا يحق لأحد أن يختار خلافه ، ومن يختار خلاف ما عرف الله ورسوله فقد عصى وضل ضلالا بعيدا وبينا واضح العناد لأمر الله أتلو قول الله العظيم :

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى الله وَرَسُولُهُ أَمْـرًا

أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِــمْ

وَمَنْ يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلاً مُبِينً (36) }الأحزاب .

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا  أَطِيعُوا الله وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ  

وَأُوْلِــي الأَمْــــرِ مِنْكُمْ

فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى الله وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالله وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً (59) } النساء .

يا طيب : الله يختار أئمة الحق الذين يهدون بأمر الله تعالى ، وهم أولي الأمر وهم امتداد لولاية الله يخرجون من الظلمات إلا النور بأمر الله النازل لهم ، وإذا أختلف المسلمون في تعريف الإمام الحق وولي الأمر بعد رسول الله ، يجب أن نرجع لله لنعرف من عرفه ولي أمره ، ونرجع للرسول وأتلو قول الله العظيم في تعريف ولي أمره بعد نبيه وهو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :

{ إِنَّمَا وَلِيُّكُــمْ الله وَرَسُولُهُ

وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُــونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُـونَ (55)

وَمَنْ يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمْ الْغَالِبُونَ (56)} المائدة .

وعرفت شأن نزول الآية : في إمام الحق وولي الله علي بن أبي طالب باتفاق المسلمين لأنه هو الذي أعطى الزكاة في الركوع وأثناء الصلاة فعرفه الله بأنه ولي المؤمنين وأمر بتوليه ، وحين يكون من يتولاه من حزب الله يكون ولي لله وبفوز فوزا عظيما لأنه أختار ما أختاره الله العظيم له من ولي أمر:

{ أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ الله لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (62)  الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ الله ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ العظيم (64) } يونس . لأنه تولى الله ودعي بإمام له أمره ، وجعلنا الله العظيم مع ولي أمره وإمام زماننا صاحب ليلة القدر من آل محمد ، وهو محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام فنفوز فوزا عظيما بفضله العظيم يا عظيم يا الله .

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها