هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث
الْعَظِيمُ
النور السابع والتسعون

الإشراق السادس :

علو وعظمة أمر الله العظيم لنبينا العظيم وآله وعلو شأنهم :

سبحان ربي العظيم وبحمده سبحان ربي الأعلى وبحمده :

الله العظيم الحق : لا معرفة بعظمته بما هو ، وقد عرفت هذا في أول الكلام ، ولكن المعرفة بعظمة خلقه ومن عظمه لنقتدي به فنعظم بفضل الله .

وإن أمر الله عظيم : ولن يتحمله بعظمته إلا من أدبه الله فأحسن تأديبه ورباه بيد القدرة فتمكن من الظهور بأمر الله العظيم ، وعرفت إن له مراتب يتنزل من أعلى المراتب من العرش العظيم كما عرفت ، ولذا خصوا من عظمهم العظيم بالقرآن العظيم تنزيلا وبيانا وشرحا وتعليما وظهورا ، فنزل به الروح بأمر الله ، وقد أذن لهم وشفعهم بنوره يعلموه ويظهروا به بكل وجودهم وصفاتهم وأفعالهم ، ولذا كانوا أئمة الحق وولاة أمره الله بعد رسول الله بحق .

وليس لأحد أن يختار ولي أمر الله : وإمام يهدي بأمر الله ، ثم يتعلم منه ما يقول ، وليس لأحد أن يُنصب نفسه بهذا المنصب العظيم ، ويعترف بنفسه أنه بفلته تسلط على الحكم ، وإن المسلمين اختاروه بخدعه خدعهم بها ، ثم يقول لي شيطان قوموني إن خالفت شرع الله ، ثم حين يقال له خالفت يغضب ويهدد ، ولمعرفة قصة إمام الحق مع ثلاث أئمة بل أربعة مع معاوية أومن يأتي بعده ، راجع الغدير لتعرف بعض قصصهم ، ولكن هنا ليس بيان سيرة الخليفة الحق وغيره ، بل نبين الخليفة العظيم بتعظيم الله له وجعله بحق إمام حق وولي أمره بعد نبيه العظيم ، وبما عرفنا من طهارته ومواقفه العظيمة في الإسلام في بدر وأحد والأحزاب وخيبر وحنين وغيرهن ، وإنه كان الفتح على يده بأمر الله وفر غيره في كثير من المواقف ، بل في صلاة الجمعة فروا ، وتركوا النبي العظيم مع ولي الله ، هذا فضلا عن تعريف الله لعظمته بأنه لم يبدل وأخلص لله في كثير من الآيات .

يا طيب : إنه دين الله قيم وواحد ذو صراط مستقيم لمن نعمهم الله العظيم بنعمة الكتاب والحكمة وآتاهم ملكه العظيم من الإمامة وولاية أمره ، فعظمهم به ، ولن يقبل الله دين أو مذهب مخالف لدينه الحق ، ويدعي إن القرآن إمامنا ، فإن القرآن العظيم إمامنا ، ولكن مع ذلك أختلف المسلمون مذاهب وكلا يدعي الإمامة له ، ولم يكن لأحد برهان من الله تعالى إلا نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم فكانوا مظهر لنور الله الأعظم بجميع أنواعه ومراتبه الظاهر بكل صفات أسماءه الحسنى ، فهم كانوا مصداقا عظيما لها كلها بكل أحوالهم وشهد الله لهم ، فباهل بهم وطهرهم وعرفهم بالثبات والولاية وبعدم التبديل، وصدقتهم سيرتهم ، والله هو الذي يختار من يشاء لتبليغ دينه وتعليم كتابه لأن الأمر عظيم ، وبه يُعبد ويتوجه له فيطلب من عظمته وكل نور ظهر من أسماءه الحسنى ، وظهور أمر الله وإن كان من مقام رفيع عالي في العرش لمن يختار سبحانه كما قال العظيم :

{ رَفِيــعُ الدَّرَجَــــاتِ

 ذُو الْعَـــرْشِ    يُلْقِي الــرُّوحَ مِنْ أَمْــرِهِ  

 عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَــادِهِ    لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاَقِ  (15) } غافر .

{ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْــلاَمِ دِينـًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ

وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ (85) }آل عمران .

فالله العظيم : وإن جعل أمره من مرتبة عالية يلقيه فعلم نبينا دينه وظهر به ، وإن دينه واحد لا يقبل غيره ، لكن لا يعني أن الله في علوه بعيد عنا ، ولا إنه لم يحط بنا ، ولا أنه لا يعرف ما ننوي فضلا عما نعلم ونعمل ، فإنه لعلمه بأفضل عباده أختارهم لدينه أو يجيب دعائنا وهو قريب منا كما عرفت بنور اسمه القريب ، ولمعرفة عظمة أمر الله وقربه نذكر معارف أنس من كلامه العظيم تعرفنا علوه وعظمته وقربه وإحاطته العظيمة وتجلي عظمته على أعظم خلقه بقرب وعناية سريعة مع عظمته وعلوه العظيم .

 

الإشعاع الأول :

أمر الله عظيم وسريع قريب في تعريف ولي أمره ودينه :

سبحان ربي العلي العظيم : إن عظمة الله ليس بُعد عن خلقه ولا قربه لصق بهم ، فليس بين العلي القريب مع عظمته بُعد عن خلقه لا بُعد مسافة ولا قرب مسافة عنهم ، فلا يتصور إن الله العظيم أو عرشه و جبروته أو كرسيه و ملكوته يكون بعدما ينتهي الكون والسماء الدنيا ، فالله العظيم ليس بَعد السماوات والعرش والكرسي ، ولا إنه من بعيد يدير أمور عباده ، بل هي مظاهر علمه تقدير وقضاء ، وتحقق وجود لمراتب الظهور ، وسعة وعظمة لملك أوجده ، ولكنه بعده محتاج له بكل لحظة ، ويمده ليبقى، وبدون نور مدده يفنى .

فسبحان ربي العلي العظيم : الذي ليس كمثله شيء ، وكل شيء في الوجود متساوي المسافة والبعد لله العلي العظيم تعالى ، وهو محيط قيوم ، وقيومية وإحاطة قهر وغلبه وهو الله لا إله إلا هو الواحد القهار سبحانه ، وهو القريب حقا ، فهو الأول والآخر و الظاهر والباطن وحده لا شريك له ، ولا يقاس بخلقه ، وإنما كلامنا لبيان عظمة خلقه في مراتب منه أدنى مادي عنصري مشهود ، أو غيبي كعظمة الكرسي الملكوتي ، أو عظمة العرش الجبروتي ، وبيان لما له من العظمة الواسعة لا يعني أن الله بعيدا عنا ، أو إن العظيم لا يعرف حقائقنا وليس قريب وبمدده نبقى .

 بل لعلم الله العلي العظيم : بعباده ، أختار وأصطفى أكرمهم وكرمهم بالفوز العظيم لهم ولمن تبعهم ، ولمعرفة هذه الحقيقة يجب أن نعرف إنه وإن كان مراتب أمر الله في السماء والعرش أو سع من العالم الأدنى بما لا يسعه ذكر رقم لا وحدة فلكية ولا سنة ضوئية ، وذلك لما عرفت إن خلق السماوات والأرض في ستة أيام وتدبير أمرها ورجوعه كله في يوم وحد وهو ألف سنة مما نعد . ولكن تدبير الله العظيم أمر الهداية للعظماء : بأفضل عظمة في الكون هو من العرش ومن المراتب العالية ، فهو خمسين ألف سنة مما نعد ، ولكن مع ذلك هو قريب إلينا اقرب من حبل الوريد ، ولمعرفة قرب الله تعالى أولا أتلو:

{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ   وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ

وَنَحْنُ أَقْـــرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيــدِ (16) } ق.

{ و َإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي  فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) } البقرة .

سبحان ربي العظيم وبحمده : فإذا عرفنا شيء عن شأن وجلالة علو العظيم وقربه منا فلنأنس بأمره معنا بذكره بأسمائه الحسنى ، وبما يُعرف شؤون عظمته حقا بما علمنا سبحانه ، وبما ظهر من مظاهر العظمة لنور اسمه العظيم وبكل نور الأسماء الحسنى في الكون لنكون معه أبدا فكرا وعملا فلا نتعصى على ما يقربنا من نوره العظيم المتجلي من كل نور أسمائه الحسنى ، ولنذكره وندعوه بسورة الفاتحة وبكل دعاء علمه لنا في كتابه أو أولي أمره وأئمة الحق بقدر الوسع والطاقة ، والسعي المجد لتفريغ حالنا معه زمانا معتد به ولو ساعة أو أقل أو أكثر في كل يوم وليلة .

وإذا عرفنا معنى العظيم والقريب : ولله الأول والأخر والظاهر والباطن ، هنا و في نور أسمه القريب وفي أول البحث ، فلنأتي لبيان تجلي العظيم بسرعة في أمر الهدى ودينه وما يوصل لمعارف توحيده إن تحداه العباد ، وهذا كان ظاهر في أمر المعجزات المتحقق في الخلق عند الأنبياء وذكر سرعة ظهورها على يديهم مع أنه بإذن الله وأمره الذي يؤيدهم به ، فنزل عليهم النور العظيم المناسب من الأسماء الحسنى لكي يحقق المعجزة بسبب لم يعرفه العباد ، وهو تجلي بعظمة ذلك الاسم وظهور نوره في الخلق بما يناسب كل واقعة ، لأنه به اقتضت الضرورة أن يظهر بأعظم تجلي لم يألفه البشر ولا علموا به ، فيخرق عادة ما عرفوه ويظهر عظمة الله وعظمة دينه وعظمة ولي أمره الذي كرمه بالإمامة أو الولاية أو النبوة والرسالة .

ولمعرفة بعض معاني العظمة في الظهور العظيم السريع نذكر معاني عظيمة :

 

 

ظهور العظمة في أمر الله في يوم كمال الدين وتمام النعمة :

سبحان ربي العظيم وبحمده  سبحان ربي الأعلى وبحمده :

ظهر في يوم كمال الدين : بتنصيب ولي أمر الله بعد النبي العظيم أمرا عظيما لله ، به يعرفنا عظمة تدبير هداه لعباده العظماء وشأنهم العظيم عنده ، وبين اهتمامه بأمر دينه الحق وولي أمره بعد أعظم خلق الله وأكرمهم ، وهو يوم الغدير حين نصب الله بأمره الإمام علي بن أبي طالب وليا له ، وخصه بإمامة المسلمين ليهديهم بعد رسول الله بأمره ، في ذلك اليوم المشهود فقال الله العظيم :

{ الْيَـــــوْمَ

أَكْمَلْـتُ لَكُـمْ دِينَكُـــمْ

وَأَتْمَمْــتُ عَلَيْكُــمْ نِعْمَتِي

وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلـاَمَ دِين (3) } المائدة .

وعرفنا العظيم بهذه الآية العظيمة : إنه كمل الدين وتمت نعمة الرب ورضا الله العظيم بالإسلام دينا لنا ، وذلك حين حافظ عليه بولي أمره وإمام حق مطهر صادق قوي عظيم في إيمانه ، له يرجع المسلمون بمعارف شؤون العظمة بعد رسوله العظيم ، وفعلا ظهر منه علم يؤيد عظمته في معارف شؤون العظمة وبكل دين الله ومعارف الكتاب العظيم ، وهو الذي له كانت مواقف مشهودة بسيرته وشجاعته وزهده وعبادته ، وبكل شيء ظهر به يعرفنا عظمته في دين الله والظهور به ، فكانت الحكمة بعد كتاب الله العظيم وكلام نبيه العظيم لا يعرف ملكها العظيم إلا به ، كما عرفت في آية ويحسدون الناس على ما آتاهم الله من فضله من الكتاب والحكمة والملك العظيم المختص بالنبي وعلي وآلهم المعظمون .

ولكن بعد أن نصبه رسول الله بأمر الله العظيم : فعظم شأنه لم يطق من قتل آباءهم حين جاهليتهم وحروبهم مع الإسلام فحسدوه ، وظهر بعضه بعد نزول هذه الآية العظيمة والتنصيب لولي أمر الله بعد نبيه ، فجاءوا يتنكرون لولايته ، وبقصة لطيفة عظيمة نرويها لك لتعرف عظمة أمر الله وأهميته حين يريد به تمام دينه الحق ، وحين يريد أن يبين أمرا عظما يُعرف به ولي دينه الحق لكي لا يختلف حين وجوده عن دينه وبالخصوص بعد نبيه الكريم ، فإنه جاء في تفسير هذه الآيات العظيمة التي تعرفنا تدبير الله بأمره كيف يكون من أعلى مراتب العظمة في التكوين الظاهر بأمر الله العظيم بأعظم تجلي في قول العظيم تعالى :

بسم الله الرحمن الرحيم :

{ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (1) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (2)

 مِنْ الله ذِي الْمَعَــارِجِ (3)

تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَـــةُ وَالــــرُّوحُ إِلَيْهِ

فِي يَــوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْــفَ سَنَـةٍ (4)

فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلاً (5) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيدًا (6) وَنَرَاهُ قَرِيبًا (7)} المعارج .

قال فرات‏ الكوفي : حدثني جعفر بن محمد بن بشرويه القطان معنعنا عن الأوزاعي عن صعصعة بن صوحان و الأحنف بن قيس قالا : جميعا سمعنا ابن عباس رضي الله عنه قال :

كنت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إذ دخل علينا عمرو بن الحارث الفهري ، قال : يا أحمد أمرتنا بالصلاة و الزكاة ، أ فمنك كان‏ هذا أم من ربك يا محمد ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : الفريضة من ربي و أداء الرسالة مني ، حتى أقول ما أديت إليكم إلا ما أمرني ربي .

قال‏ : فأمرتنا بحب علي بن أبي طالب ، زعمت أنه منك كهارون من موسى ، و شيعته على نوق غر محجلة يرفلون في عرصة القيامة ، حتى يأتي الكوثر فيشرب و يسقي هذه الأمة ، و يكون زمرته في عرصة القيامة .

 أ بهذا الحب سبق من السماء أم كان منك يا محمد ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : بلى سبق من السماء ، ثم كان مني ،
 لقد خلقنا الله نورا تحت العرش .

فقال عمرو بن الحارث : الآن علمت أنك ساحر كذاب ي محمد ، أ لستما من ولد آدم ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : بلى و لكن خلقنا الله نورا تحت العرش قبل أن يخلق الله آدم باثني عشر ألف سنة ، فلما أن خلق الله آدم ألقى النور في صلب آدم، فأقبل ينتقل ذلك النور من صلب إلى صلب حتى تفرقنا في صلب عبد الله بن عبد المطلب وأبي طالب فخلقنا ربي من ذلك النور لكنه لا نبي بعدي .

قال : فوثب عمرو بن الحارث الفهري مع اثني عشر رجلا من الكفار و هم ينفضون أرديتهم ، فيقولون : اللهم إن كان محمد صادقا في مقالته فارم عمرا و أصحابه بشواظ من نار .

قال : فرمي عمرو و أصحابه بصاعقة من السماء ، فأنزل الله هذه الآية :

  سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ لِلْكافِرينَ لَيْسَ لَهُ دافِعٌ مِنَ الله ذِي الْمَعارِجِ ، فالسائل عمرو و أصحابه [10].

وخرّج هذا الحديث : في الغدير من ثلاثون مصدرا بهذا المعنى وغيرها على اختلاف عباراته حتى كان متواترا ، وهكذا خرجه في مستدرك المراجعات وغيرها من الكتب كإحقاق الحق وغيره ، فراجعه بنفس النص أو ما يشابهه .

وبهذا يا طيب : نعرف أمر الله العظيم في هذه الآية ، وإن أمر تدبير الدين وولي الأمر أعظم شأنا وعلوا من تدبير ما بين الأرض والسماء والذي يكون في يوم بألف سنة مما نعد نزولا ورجوع ، فإن أمر التشريع عظيم به يُعظم خلاصة وجود التكوين وأفضل العباد ودين الله وما به يُعبد ويتوجه له وبه تدار شؤونه ، فتعرف عظمة الرب ، وبه يتم وصول الأمر لأفضل خلق الله فيظهر به بكل عظمة حتى يسكن العرش في يوم القيامة والجنة ، فيكون في المقام المحمود في رضا الرب ، ولذا كان يومه بسرعة خمسين ألف سنة مما نعد لا يوما واحدا ألف سنة نزوله وعروجه ، وهذا يوم لأمر الهداية يخص بالعظمة بما لا يوصف شأنه أبدا .

فإن أمر الأرض وشؤون إدارتها من السماء ينزل مقضي : وفي يوم طوله ألف سنه ثم يرجع في نفس اليوم ، وهذا يوم التدبير الإلهي لأفضل دين وخلق أعظم شأنا وأعلى مرتبة ، ومن محل رفيع عالي من العلي العظيم وسرعته خمسين ألف يوم مما نعد.

ويكون أكثر إحاطة وعظمة وعلو : بل اقرب ، ولا يعني بعده اليومي أو الجبروتي أن يكون بعيد عن ما يحيطه من قهره وغلبته أو هدايته والظهور به ، بل عرفت إن النزول أسرع ، وإنه قريب الإجابة وسريع مع إنه خمسين ألف سنة لنا لا له ، فإنه له في مقام الجبروت يوم واحد منه سريع وعلينا أن لا نراه بعيدا بل قريب ، فلا يحتاج أمر الهداية لزمان حتى يتم أمر الله فيه ، وهذا نفسه نعرف في معجزات الأنبياء وظهورها حين دعوتهم بإذن الله ، وبالسرعة يظهره أمرهم ، وبمثل هذه العظمة أتى أمر الله العظيم للعظماء في التكوين مثل مريم وعيس موسى وإبراهيم وغيرهم صلى الله عليهم وسلم ممن فضلهم الله التفضيل العظيم وخصهم بأمر العظيم .

وهذا شأن أمر الهداية : بولي أمر الله عظيم ، وهو نزول أمر الله بتكريمه في آية الولاية وإتمام الدين ورضا الرب ، أو بالعذاب على من أنكر عظيم أمر ربوبية الله العظيم وولايته في الأرض التي عرفت عظمتها ، فإن جعل ولي الأمر بعد النبي وإمام الحق الذي يهدي بأمر الله بعد نبي الله العظيم كان أمرا عظيما ، ولذا من يهتدي يحصل على رضا الرب ، ومن ينكره ويصد عنه يخسر نفسه بل يأخذه الله العزيز العظيم أخذ عزيز منتقم لأنه كان في موقف عظيم في يوم عظيم أكمل به الدين  ، وإذا عرفت هذا فقبل أن نذكر شأنا عظيما أخر نبين هذا التجلي العظيم في أمر الدين سواء الهدى أو نتائجه أو الأخذ ، وبهذا نتعرف على شأن عظيم آخر .

 

الإشعاع الثاني :

أمر الوحي والإيمان به عظيم وأمر الشرك عظيم عند العظيم :

يا طيب : بعد إن عرفنا أمر الله في الهداية عظيم ويومه خمسين ألف سنة مما نعدل ، فينزل أسرع من البرق وأي قدرة ضوئية أو زمانية متصورة ، ومن المحل الرفيع العالي من العرش يتم تدبير أمر الهداية ، وهكذا يكون شأن يوم القيامة والجنة والمقام المحمود للمفضلين الفائزون فوزا عظيما ، ويحف بهم المهتدون في أعلى مقام عظيم في رضا الرب وكرامة تجليه بالعظمة على خلقه ، وبهذا يتم تفضيل الإنسان بالكون في الدنيا والآخرة ، بأمر عظيم من تجلي نور العلي العظيم سبحانه وبألطف تجلي ، ولما كانت هذه العظمة للكرامة هي لمن يؤمن بهدى الله المنزل على عظماء خلقه ومعلميه وأئمته ، كذلك كان الشرك ظلما عظيم وكذا النفاق والكفر وكل أمر لا يناسب حرمة الخالق وهداه ، ولذا كان للضالين بل للعاصين عذاب عظيم أيضا فيحترقوا بنار الجحيم بأشد عذاب والعياذ بالله .

ولما عرفنا : عظمة أمر الهداية في النعيم والملك والفضل العظيم ، وما لخلافه من النكال والخسران العظيم لبعده عن تكريم الله العظيم وعدم تقبل نوره ، نذكر أمرا آخر بغير السرعة وأهمية في نزوله من محله الرفيع العظيم ، ولكنه يبين أهميته عند الله العظيم ، وفي مراتب نزوله في السماوات ، وإن أمر الهداية لعظمته لم تطقه السماوات ولا أرض ولا أحد من الملائكة ، ولذا قال تعالى :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا الله وَقُولُوا قَوْلاً  سَدِيدً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ
 وَمَنْ يُطِعْ الله وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَـظِيــمً (71)

إِنَّا عَرَضْنَــا الأَمَانَــــةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ

 فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا

وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومــًا جَهُـــول (72) } الأحزاب .

وقال الله تعالى :

{حم (1) عسق (2) كَذَلِكَ يُوحِي إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ الله الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (3) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ العظيم (4)

 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْ فَوْقِهِنَّ وَالْمَلاَئِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الأَرْضِ أَلاَ إِنَّ الله هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (5) } الشورى .

يا طيب : أمر الوحي ونزوله عظيم من السماء للأرض للهداية ، ليس مثل أمر نفس السماء والأرض وتدبيرها في نفسها وهي مسبحة بنفسها ، ولذا لم تتحمله السماوات والأرض وأشفق كل موجود من تحمل أمانة الله والكون خليفة متصرف بكائنات ثم يعبد الله بإخلاص يرضي الله ، ولذا لم يتحملها شيء كما في الآيات الأولى وأشفقن منه السماوات والأرض لأنه أمر عظيم ، وتحمل أمانة الله الإنسان فسخر كل شيء له ليعظـم وليتحمل ما يبلغه عظيـم الأرض وخلاصة التكوين من أمانة الله وأمر هداه ، ولذا كان الوحي وهداه أمرا عظيم من المراتب العالية تكاد السماوات تتفطر من فوقهن لعلوا أمره وعظيم متربته وشرف كرامته ، ولذا تضج الملائكة بالتسبيح بحمد الله ويستغفرون لمن في الأرض ليصلحوا ، فيتحملوا الأمانة ويطيعوا أمر هدى الله المنزل على عظيم الأرض ، وهو النبي أو الإمام كما عرفت في أمر الرسالة وفي أمر الولاية والإمامة العظيم من أمر الله العظيم في ظهوره بالعظمة .

ولذا لما كان أمر الهداية عظيم : ونزول أمر الله والوحي فيه وحتى ليلة القدر التي ينزل بها كانت خير من ألف شهر وإن الأئمة يهدون بأمر الله وكان ملك الكتاب والحكمة عظيم لمن عظمهم الله ، ليكون من يتبع المنعم عليهم على صراط مستقيم فينعم ويعظم ويكون له فوزا عظيما ، وهذا النزول من المحل الرفيع فهو ينزل ويصعد بكل عظمة ، وسترى بعض العظمة لمعاني المعراج فأنتظر وثواب الإيمان العظيم ، وإذا عرفنا أمر الهداية وعظمته وأهميته ولم يتحمله شيء غير الإنسان ، فنتدبر أمر الضلال والكفر والنفاق ولشرك وما شابهه في عظمته في البعد عن الله وعلى السماوات .

قال الله العظيم : { وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا (88)

 لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)

 تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90)

 أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَانِ وَلَدًا (91) وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَانِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا (92)

 إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْدًا (93)

لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا (94) وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا (95)

إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمْ الرَّحْمَانُ وُدًّا (96)

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا (97)} مريم .

سبحان ربي العظيم وبحمده : واستغفر الله وأتوب إليه من كل ظلم وما يبعد عنه ، ولكن يا طيب رأيت أمر الهداية وعظمته لأنه يدل على التوحيد ومعارف شؤون العظمة بحق ، ولذا خص بالعظماء الذين يعرفوه وقد أختارهم لأنهم حقا يعلمون معارف عظمة الله ، ولذا كان علينا الدقة في معرفتهم والتيقن بإمامتهم ، ولذا لا تكاد السماوات ولأرض أن تتحمله بتفكر وتوجه عالي يهيئها لأعظم نور ظهر .

كذلك في هذه الآيات عرفنا الله العظيم : أمر الشرك وقول إن لله ولد ، وهو عدم معرفة شأنه العظيم ، عرفت كيف تكاد تتفطر السماوات من هذا القول العظيم الذي لا تتحمل أن تسمع به وتخاف أن يدمره الله ، كما كانت لا تتحمل هداه وتوحيده بكل عظمة كما يتحملها أشرف خلق الله من نبي أو إمام ، فكذلك الشرك وكل ما يبعد عن الله العظيم هو عظيم ولا يتحمل وله عذاب عظيم ولا تتحمله لا سماء ولا أرض ولا جبال .

فيا طيب : إن الإيمان والتوحيد الحق ومعرفة الله بشئون العظمة حقا بما هو فيقام له به العبودية بهداه الحق الذي علمه من خصه بهم ، هو المرجو من بني آدم وتشفق منه السماوات رحمة ولطف وعدم تحمل لكرامته ولفضله العظيم ، وإما أن يجعل له ولد ، فهذا أيضا تخافه وتشفق منه لكي لا ينزل عذاب يمسها ، ولكن إذا الإنسان أمن وعمل صالحا فله البشرى ، ويجعل له الرحمان ودا ، وكذلك من لم يعرف عظمة هدى الله وأهميته يفقد العمل الصالح وهذا يجب أن ينذر به نبي الرحمة ، وهذا تعريف الوحيد في التهديد والوعيد والبشرى وإنه سيجعل لناس ود يجب أن نودهم فعمل صالح بما علموا من الهدى .

وهذا الآيات العظيمة : وفي آخر ما ذكرنا أعلاه ، تعرفنا حرمة الشرك ولكن الله كرم عبادا فجعل ودهم في رضاه وبه يعرف هداه العظيم ، لا أن يؤخذوا له ولد ، بل هم مع عظمتهم بفضله هم عباد مكرمون مخلوقون مخصوصون بهدى عظيم من الله وتجلى لهم بعظمة ، وهو أمر هداه وأمانته التي لم تتحملها السماء وتحملها الإنسان فكان ظالم جعل له ولد أو عصاه بعدم معرفته بحق ، فحسد من كرمهم الله بالكتاب والحكمة وجعل عندهم ملكه العظيم ، والذي به تعرف شؤون عظمته حقا .

فالله العظيم في آخر الآيات السابقة عرفنا أمرا عظيما : إنه من يؤمن ويعمل صالح يجعل الله ودا وهذه البشرى علمنا بها ومحلها ، وبه نعرف من نود لنكون منهم مكرمون عاملون صالحا بإيمان وأداء أمانة لم تتحملها السماء وأشفقت منها الأرض والجبال ، وهذه الآية فيها ثواب عظيم وتحقق لشكر الله لنا إن عملنا بها ، وهذا عين تجلي نور العظمة لنا إن عملنا به ، وهي في قول الله العظيم :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ الله عِبَادَهُ  الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

 قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا  

إِنَّ الله غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى.

وهذا غاية تجلي أمر الهداية : بأنه نطيع من أمر الله بوده لأنه أجر لتبليغ الرسالة فإنه لا يسأل شيء من أجر له ، بل لنا لنهتدي بمن أمر الله بوده من قربى النبي وآله المطهرون الذين باهل بهم وجعل نور الهدى في بيوتهم ورفع ذكرهم ، فكان لهم دين الله العظيم وهداه العظيم فعظموا بإذن الله ، ومن أطاعهم وودهم فسار على نهجهم وعرف أمر الله وحقيقة هداه من تبليغ رسالته حقا عبد نبيه لكي يصلحنا فيغفر لنا ، وننال شكر الله وكرمه النازل من نور أسماءه الحسنى ، ونفس الشيء من لدهم فله عذاب عظيم لأنه ابتعد عن هدى الله ومعرفته بحق ولذا يكون ظلوم جهول .

وراقب يا طيب : معارف أهل البيت في تعريف شأن عظمة الله، وغيرهم فإنهم أجلسوا الله على عرشه ، وأهل البيت يعرفونا عظمته بأنه لا يحاط به علما وإن عرش الله هو مقام لأعظم خلقه ، ومنه ينزل أمره لأعظم خلقه ويحف بهم حولهم من يقتدي بهم ويودهم، لأنه الله غفر له وشكره فكان له معهم العظمة من تجلي نور الله العظيم .

وهذه المعارف العظيمة : عرفها الله في حق رسوله وآله في كثير من المواضع التي عرفتها ، فتعرفنا عبادا لله مكرمون من قبل نبينا ومن آله آل إبراهيم وقبله من نوح وغيرهم من الأنبياء ، حتى وصلت لأشرف دين في أشرف وأكرم عباد وهم نبينا وآله ، وهم ليس إلا عباد مكرمون بفضل الله العظيم ولهم تعريف دينه بعده ، ولهم أمر الله ورح معارفه في ليلة القدر وهم أئمة الحق الذي يدعى بهم المؤمنون ، وهذا التعريف لعظمة هدى الله على أولي الأمر الإلهي من قبل وللنبي عرفه الله في قوله العظيم :

{ وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُول ٍإِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ

أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِي (25)

وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَانُ وَلَدًا   سبحانه بَلْ عِبَــادٌ مُكْرَمُــونَ (26)

لاَ يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْــرِهِ يَعْمَلُـــونَ (27)

يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ

وَلاَ يَشْفَعُـــونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ (28)

وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ
 ( 29) }الأنبياء .

أهل هدى الله العظيم : مكرمون الله كرمهم ووهب لهم ملكا عظيما ، وبه يشفعون بتعليمه هنا فيعرف شئون عظمة الرب وهداه الحق الذي يحب أن يعبد به ، ويشفعون يوم القيامة لمن آمن بهم ويعرفوه بالإيمان ويشهدون له بطلب الحق ، وإن خالف بعض المخالفة ، فالله يغفر له بفضل شفاعتهم ، لأن الله رضاه مؤمنا وكان يخشى الله ولكن قصر بعض التقصير ، ولذا كان أمر المؤمن عظيما وهداه عظيم لا تتحمله السماء كما عرفت ، وإن القرآن عظيم وتعلميه مخصوص بالراسخين به المكرمون الذين لهم ملكه العظيم والذين حسدهم الناس حين خصهم الله به وهم آل نبينا وإبراهيم كما عرفت آياتها ، وهم أئمة الحق الطاهرون من التحريف والانحراف عنه أو من تعليم لم يرضى به الله ، فلذا خصهم الله بهداه ، ومن تحقق بهدى الله العظيم الحق يكون له كل تجلي الأسماء الحسنى فيعظم شأنه كما قال الله تعالى :

 { وَالْقُرْآنَ العظيم }الحجر87 .

{ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ  خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ الله وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (21)

هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ  هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ (22)

هُوَ الله الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلاَمُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ الله عَمَّا يُشْرِكُونَ  (23)

هُوَ الله الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسماء الحسنى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24) } الحشر .

والتفكر يا طيب : بعظمة الله تعالى  وهداه العظيم ، والذي لو نزل على جبل لأشفق وتصدع خاشعا من خشية الله ، لأهميته فإنه يعرف دين من له الأسماء الحسنى بكل عظمة ويطالب بالتحقق خالصا من غير معصية ، ولذا من ينزل على قلبه كان أعظم أهل الأرض في زمانه بل في الإسلام عظيما وبالسماء عظيما وله الكرامة من الله بأعلى ظهور عظيم ، وهذا ما كان لنبينا وآله ومن سار على نهجهم لهدى الله العظيم فيفوز معهم فوزا عظيما ، وإذا عرفنا هذا فنتعرف على بعض عظمة رسول الله في هداه وكرامته العظيمة فتدبر .

 

 

 

الإشعاع الثالث :

هدى الله العظيم لنبي عظيم كريم من أعلى مراتب الكرامة :

سبحان ربي العظيم وبحمده : إن هدى الله عظيم ، وينزل من مراتب عالية على نبي عظيم ، وينزله من مكنه الله العظيم وقواه من عند العرش ، وعرفت إن الروح من أمر الله وينزل بهدى الله على من يشاء الله ، وكانت هذه الكرامة عظيمة لنبينا محمد صلى الله عليه وآله ، فكان حقا قد هداه الله بأمره العظيم فقال العظيم :

{ إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ (19) ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَـرْشِ مَكِينٍ (20)
 مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ (21) وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ (22) وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ (23) وَمَا هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ (24
) }التكوير .

يا طيب : أمر الهداية أمر عظيم كريم من المراتب العالية من العرش كما في الآيات أعلاه ، وهو ينزل على نبينا الكريم ، ولذا كان لا يتحمله إلا من هو أفضل مفضل قد سخر له الكون سماء وأرضا لا فقط المفضل العادي بل أعظمهم شأنا ، وأفضل سكان العرش ينزل بأمر العظيم عليه وهو الروح ، وإن نبينا حقيقة كان يراه في مراتب عالية سواء في المعراج أو حين ينزل عليه الوحي بأمر الله تعالى وبتعاليمه التي يعظم بها النبي ، حتى كان ذو خلق عظيم يتحمل هدى الله ويبلغه ولم يكن ضنين به وبخيل ، بل كان كريم يبلغ لكريم حتى يكرم الإنسان إن أطاعه واستقام معه على صراطه المستقيم من هدى العظيم الذي به أعظم نعيم ومن يتحقق به منه يفوز معه فوز عظيم .

يا طيب : عرفت إن أمر هدى الله عظيم وينزل به عظيم خلق الله من مراتب العرش بسرعة غير متصورة وبكرامة وحفاوة تتطيب لها الملائكة والسماوات وتفرح بها وتعظمها ، وتشفق أن لا يطيقها غيرها فتكاد أن تتفطر من الخشية وعظيم أمر ما ينزل ، لأنه هدى العظيم ويعلم توحيده ومعارف عظمته .

 وبهذا عرفنا يا طيب : إن المراتب العالية وسكانها أيضا مسخرون لتنزيل أمر الله وهداه على أكرم خلق الله وأعظمهم ، وليس فقط السماوات والأرض مسخرة للإنسان ليعظم وليتكرم بفضل عظيم وقد فضل على كثير من الخلق بنور الفطرة ويعظم إن آمن بحق ، بل كل شيء من خلق الله حتى ولو كان في مرتبة عظيمة أو هو عظيم سخره الله العظيم لتنزل على عظيم يعرف شؤون عظمة الله ليظهر بها ويعلمها فيعظم من يطيعه ، ولذا كان أمر الله وهداه العظيم المعرف لشؤون عظمته بل المحقق بنورها ، مخصوص بأكرم خلق الله وأفضلهم ومَن فضلهم تفضيلا لا فقط مفضل كالإنسان العادي وإن سخر له كل شيء .

بل ولاة أمر الله وهداه : مخصوصون بأمر الله العظيم مادامت ليلة القدر ويتنزل أمر الهدى العظيم من العظيم ويشرق نوره في رجال البيت المرفوع كما في آيات النور والبيوت المرفوعة ، ويفرق لهم أمر الله الحكيم ، ليصلحوا ويعظموا ويصلح كل من يتبعهم ، فينال مراتب العظمة بإذن الله ، وعرفت هذا .

وهذه يا طيب : أعلى معرفة بسورة عظيمة كونية ملكوتية جبروتية وأعلى في العظمة ، فإذا كان العرش عظيم والملك النازل بأمر الله كريم عظيم ، والقرآن عظيم لأنه كلام الله ، فهو مخصوص بالناس العظماء ومنهم يعظم بعظمة الله وفضله لمن يريد عظمة الله ولا يحسدهم ، فالآن نتكلم عن أعلى مراتب العظمة لعظيم خلق الله العظيم تعالى ، وبعد هذا لا كرامة ولا عظمة أعلى منها .

سورة النجم : سميت بهذا الاسم لأنها لها قصة كرامة عظيمة عالية تعرفنا شأن أعلى عظيم عظمه الله العظيم ، بل ومعه فيها أمر وصي له ، وهو عظيم وولي أمر الله العظيم بعده ، ولنعرف أمر القصة العظيمة العالية في العظمة والتعريف ، لابد أن نعرف شأن نزول سورة النجم :

عن ابن عباس قال : صلينا العشاء الآخرة ذات ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فلما سلم أقبل علينا بوجهه ثم قال : أما إنه سينقض كوكب من السماء مع طلوع الفجر فيسقط في دار أحدكم ، فمن سقط ذلك الكوكب في داره فهو وصيي و خليفتي و الإمام بعدي .

فلما كان قرب الفجر : جلس كل واحد منا في داره ينتظر سقوط الكوكب في داره ، و كان أطمع القوم في ذلك أبي العباس بن عبد المطلب ، فلما طلع الفجر أنقض الكوكب من الهواء ، فسقط في دار علي بن أبي طالب .

 فقال رسول صلى الله عليه وآله وسلم الله لعلي عليه السلام :

 يا علي : و الذي بعثني بالنبوة ، لقد وجبت لك الوصية و الخلافة و الإمامة بعدي .

 فقال المنافقون : عبد الله بن أبي و أصحابه ، لقد ضل محمد في محبة ابن عمه و غوى ، و ما ينطق في شانه إلا بالهوى ، فأنزل الله تبارك وتعالى : وَ النَّجْمِ إِذا هَوى‏ .

 يقول الله عز و جل و خالق النجم إذا هوى : ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ ، يعني في محبة علي بن أبي طالب عليه السلام ،  وَ ما غَوى‏ وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى‏ ، يعني في شأنه ، إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى[11].

يا طيب : هذا شأن النزول عظيم في تعرف ولي أمر الله العظيم في الأرض بل وله أعلى عظمة في يوم تكريم الرب ، وقد عرفت عظمة هدى الله وأهمية وعلو مرتبته وثوابه العظيم وسيأتي بيانا آخرا ، وقد عرفه الله العظيم في كلامه العظيم في كثير من الموارد التي عرفتها و في تعريف الإمام وولي الأمر الطاهر المرفوع ذكره , ونور الله في بيته ينزل ويصعد هدى وعبودية خالصة للعظيم ، بل كان مصداق حق عظيم لتجلي الأسماء الحسنى وظهورها بالكون بأعلى مراتبها ، وكما عرفت في شرح الوفي والولي والبر والوارث وغيرها من الأسماء الحسنى ، وهكذا عرفه رسول الله في عدة موارد وبكثير من الأحاديث راجع صحيفة ذكر علي عبادة من موسوعة صحف الطيبين لتعرف بعض فضله عليه السلام .

وأما فضل العظيم : المعظم بفضل الله بأعلى مراتب العظمة في الخلق نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فهو تحكيه القصة بعد ما تحكي بالإشارة وبالنص لشأن نزول سورة النجم وما تبين من مراتب العظمة ، وإن من يؤمن بمعارف هدى النبي العظيم يجب أن يؤمن بمن فضله وعرّفه وصيا له وخليفة بعده في كثير من المواقف ، وهذا كلام الله يغني في تعريف أعظم خلقه سواء إشارة لكي لا يُحرف من قبل أعداء الله حين تسلطهم ، أو نصا كما عرّف نبينا العظيم ، وهو الشارح لهدى الله العظيم والمعرف لمن هو العظيم بعده ، كما عرّف شأن كثير من الأحكام التي سماها الله العظيم في كتابه ، فشرح نبينا الصلاة والصوم والزكاة وكل أحكام الله التي عًرفت تفصيل حدودها وعددها منه ولم تذكر في الكتاب العظيم بهذا الشرح ولم يبني كيفيتها ولا عددها ولا حدودها وترك للنبي تعريفها ، ولكن شأن نبينا العظيم فصله وشرحه الله العظيم بكل عظمة وجلال لا عظمة بعدها أعلى منها فأتلو قول الله العظيم :

بسم الله الرحمن الرحيم  :  وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1)

مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (3)

إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (5)

ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (6) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (7)

ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9)

فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى (10)

مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى (11)  أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى (12)

وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِـدْرَةِ الْمُنْتَـهَــى (14)

عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15) إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى (16)

 مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى (17) لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَـاتِ رَبِّهِ الْكُبْـرَى (18)}النجم.

يا طيب : سورة عظمية تحكي أمرا عظيما لأعلى مراتب العظمة ، ولا يوجد مثلها تعريف لمخلوق أعظم منه لا في هذه السورة ولا في غيرها ، إلا أن يكون معرفة شؤون الخالق العظيم خالق العظمة ، والمتجلي بالأسماء الحسنى كلها بأعلى عظمة ، وهو الأول والآخرة والظاهر والباطن وهو العلي العظيم .

آيات كبرى : ومعارف في منتهى العظمة وعليا في أعلى مراتب التكوين والخلق ، والعظيم عرفنا في هذه السورة سواء في بيان النبي لتفضيل أهل بيته ، أو في تعريف الله العظيم لشأن نبيه حتى تجاوز العرش العظيم ووصل إلى منتهى العلم والشأن والكرامة ، وبالعلو والعظمة الذي يمكن أن يُعرف شؤون العظمة عيانا وتحققا فضلا عن العلم ، ولا شرح بعد تفصيل قول الله لهذه المراتب أعلى منه ولا أحلى منه ، وحببت أن أبين شرح شيء من سورة النحل وغيرها لما فيها من بيان الشهداء من أنفسنا واستمرار أمر الله العظيم في خلقه وتعظيمه لهم بإمام عظيم وبيان لشأنهم الكريم عنده صلى الله عليهم وسلم ، ولكن يطول الكلام وبعد هذا لا كلام .

وإذا وعرفنا : شيء من شؤون تجلي عظمة العظيم في كلامه ، لنتعرف على بيان عظمة التكوين ومراتبه ، وما تجلى الله به من العظمة على نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم في تعريف فضلهم ومراتب الملكوت والجبروت ، وفضله على الإنسان وفوزه العظيم إن تبعهم ، وغيرها مما يبين أمر شؤون ظهور الله العظيم في أعلى المراتب ، وأعظم الخلق ومن يلتحق بهم فيعظمه الله ، فيجعله الله العظيم بكل كرامة عظيمة ، ندخل في معارف أحاديث شريفة تعرفنا شيء عن نور العظيم وتجلي وظهوره في التكوين العظيم ملكا ومالك عظيم بفضل العظيم سبحانه وتعالى ، وهو لمن خصه بنور أسماءه الحسنى بأعلى عظمة وجلال وكرامة وشأن ومجد ظهر من نورها في التكوين كله وبأعلى وأعظم مراتبه .

{ فَلاَ أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لاَ تُبْصِرُونَ (39)

 إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُــولٍ كَـــرِيمٍ (40) ... وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ (51)

 فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العظيم } (52) الحاقة .


[10] تفسير فرات ‏الكوفي ص504و من سورة سأل سائل رقم 504-662.

[11] الأمالي‏ للصدوق ص565م83ح4. وذكرت في تفسير فرات الكوفي والقمي وغيرهم.

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها