هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث
الْعَظِيمُ
النور السابع والتسعون

الإشراق التاسع :

أهمية أمر التشريع وأمر ولاة الأمر ونزوله من العالم الأعلى : 

بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، سبحان ربي العظيم وبحمده :

يا طيب : عرفت بنص كلام الله العظيم إن كل شيء في السماء والأرض وما بينها ، مسخر لأفضل مخلوق لكي يعبد الله وأن يخلص له الدين بما يحب ليفوز فوزا عظيما ، بل حتى كان أمر الله العظيم وهداه بالروح ينزل في يوم عظيم ليهدي به الإنسان بأعظم خلق له ، وبعد إن عرفنا إن أعظم الخلق هم نبينا وآله صلى الله عليه وآله وسلم ، وعرفنا عظمة التكوين كله في جميع مراتبه .

حان الآن يا مؤمن : أن نتعرف على ما يدور من أمر الهدى الذي تعرج فيه الملائكة والروح ، أي تنزل به علما وتصعد به عملا صافيا خالصا لله تعالى ، فيعظمه الله ويدخره لعبده حتى يرفعه لذلك المقام العظيم بنفسه وملكه .

بل نتعرف على أمر أعظم : هو صعود النبي لأعلى مراتب التكوين العظيم الأعظم كما في سورة النجم والإسراء وغيرها من الآيات ، والتي عرفتنا تعظيم الله للنبي برفعه لأعلى منزلة ليرى من آيات ربه الكبرى عند سدرة المنتهى ، والتي عندها جنة المأوى والتي لا أعلى منها مرتبة ودرجة وهي لنبينا وآله صلى الله عليه وآله وسلم ثم من يحف به ، فنعرف سبب معراجه للمقامات العلى وعوده منها ليُعرف أمر الله العظيم لعباده ممن يريد أن يفوز فوزا عظيما عنده .

فنعترف : على سبب رفع نبينا محمد صلى لله عليه وآله لأعظم مراتب الوجود مرة أخرى ، وهو في أول أمره بعد أن أنزله العظيم ليُظهر عظمته في كل مراتب الوجود ، وقبل أن يتم عظيم بلائه واختباره فيكون أعظم مظهر للعظيم . ثم يا مؤمن : ما دار هناك في الملأ الأعلى ، وما هو تكريم الله العلي العظيم الذي له الأسماء الحسنى تبارك وتعالى لنبي الرحمة السراج المنير ، والذي أُرسل رحمة للعالمين لجميع مراتب الوجود ، فضلا عن الإنس والجن ، وما هي مظاهر العظمة التي تجلت له ولآله في كل مكان من خلق الله العظيم ، حتى كان بحق هو وآله صلى الله عليهم وسلم أعلى خلق عظيم جليل بتعظيم العظيم الجليل عز وجل وفضله العظيم لهم ، وفي كل شيء خصهم به من الهدى والملك .

فيا طيب : بعد إن عرفنا معرفة يسيرة عن شأنهم قبل الخلق الأعلى والأدنى وكيف تنسم الوجود نورهم بفضل الله العظيم ، وقد عرفت بالإضافة لما مر إنه قد ذكرنا شيئا يسيرا عن معارف نورهم في مراتب الوجود في صحيفة فاطمة الزهراء والإمام الحسين صلى الله عليهم وسلم، فلنتعرف الآن عن بعض شأنهم في تبليغ أمر الله في مراتب الكون الأدنى ، ثم نتعرف كيف يأتون بعده في رتبته العظيمة ، وكيف عظمهم وفضلهم العظيم على جميع خلق المفضل حتى كانوا أفضل وأعظم خلقه ، وما هو شأنهم الجليل عند العلي العظيم سبحانه وتعالى .

ولو تدبرت : في أي مراتب الوجود سواء البشري أو التكويني لرأيت إن أعظم شيء فيه هو ما يناسب شأنه ذلك الوجود ورتبته ، فكلما كان الوجود عظيما وعاليا يكون المتصرف والمالك بإذن الله فيه هو ذو الفضل العظيم الذي عظمه الله فيه، والذي يكون في نفس شأنه في العظمة فيظهر فيه بما يناسب شأنه.

ولذا يا طيب : إذا عرفنا إن الملائكة سواء في الخلق الأول الأعلى تعلموا التسبيح من نبي الرحمة وآله ، فكذلك في كل مراتب الوجود تعلموا منهم ، وعرفت إن أمر الهدى والتدبير مستمر بإذن الله وفضله ولم يترك شيء من مراتبه بدون أن يمده بما يصلحه حسب شأنه ، ولذا كان أمر الهداية للبشر جاء من المرتبة العالية ولأبد الدهر بأفضل خلق الله وهو مستمر ليوم القيامة مادامت ليلة القدر وتنزل الملائكة والروح بإذن الله على من فضله الله بالإمامة والولاية لأمره ، وهو عظيم زمانه بفضل العظيم.

وإن نزول أمر الله بأعظم خلقه بعد صعوده : يكون أسرع من معارج الملائكة وتدبير أمر السماء والأرض ، وبأعظم سرعة في الصعود والنزول لأعلى مراتب التكوين الأعلى الأعظم ، ولمنتهى التكوين وأعلاه في ثلث يوم فقط تم الصعود وتلقي التشريع الأعظم والنزول للتبليغ ، فتدبر أحاديث أشعة نوره الآتية :

قال الإمام علي عليه السلام : إنه سري به ـ بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى مسيرة شهر ، و عرج به في ملكوت السماوات مسيرة خمسين ألف عام .

في أقل من ثلث ليلة : حتى انتهى إلى ساق العرش ، فدنى بالعلم ، فتدلى من الجنة رفرف أخضر ، و غشي النور بصره ، فرأى عظمة ربه عز و جل بفؤاده ، و لم يرها بعينه ، فكان كقاب قوسين بينه و بينها أو أدنى ، فأوحى الله إلى عبده ما أوحى [26]....

وعن يونس بن عبد الرحمن قال : قلت لأبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام : لأي علة عرج الله بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم إلى السماء ، و منها إلى سدرة المنتهى ، ومنها إلى حجب النور ، وخاطبه و ناجاه هناك ، والله لا يوصف بمكان ؟

فقال عليه السلام : إن الله تبارك و تعالى لا يوصف بمكان ، و لا يجري عليه زمان ، و لكنه عز و جل أراد أن يشرف به ملائكته و سكان سماواته ، و يكرمهم بمشاهدته ، و يريه من عجائب عظمته ما يخبر به بعد هبوطه ، و ليس ذلك على ما يقول المشبهون سبحان الله و تعالى عما يشركون [27].

وهذه يا طيب : أشعة النور المشرق بمعارف تجلي عظمة الله لأعظم خلقه عودا بعد أن عرفتها بدأ ، فتفصل أمر هدى الله العظيم للإنسان المفضل المعظم :

 

الإشعاع الأول :

عظمة صاحب المعراج ونزول أمر الله العظيم لتعظيم خلقه المفضل :

سبحان ربي العظيم وبحمده  سبحان ربي الأعلى وبحمده :

يا طيب : بعد إن عرفنا بعض حكمة المعراج وتدبير أمر الله وسرعته كما تدل عليه سورة المعارج والإسراء وغيرهن ، لأنه تدبير العلي العظيم بأعظم خلقه وأعلاهم منزلة في حلقه ومن أول الوجود حتى أخره ، ولذا كان شرعه أفضل شرع الله لخلقه المفضل الذي سخر له ما في السماوات والأرض لكي يتحقق بنور هداه العظيم فيفوز فوزا عظيما كما عرفت هذا بنص آيات القرآن العظيم .

ويا طيب : إن ما ترى من عظمة المعراج سواء بما يحفه من التكريم للنبي العظيم الذي عظمه الله العلي العظيم برفعه لأعلى مراتب العظمة بما يناسب شأنه ، والذي كان نزول نوره بحكمة الله ليرفع أدنى خلقه المفضل بنور الفطرة الطالبة لأعلى كمال ممكن مخلوق ، فيرفعه بما أوحى إليه لأعظم فضل إن تحقق بهداه ، وإنه بمثل هذه الحفاوة والتكريم يكون للمؤمن حقا حين ترتفع روحه حين موته ، وسترى مراتب عناية الله وملائكته في أخر البحث وفي نور الله اللطيف والشافي .

فيا طيب : لا تستبعد هذه الحفاوة لأعظم إنسان خلقه الله ، ولا تنكر هذا التعظيم والتجليل والعناية من الله بأكرم خلقه وأفضله في كل مراتب الوجود ، فإن أمر الله عظيم وبالخصوص أمر الهدى يكون أسرع وأعظم ، لأنه يُعظم ويكمل الخلق ، وليس كالوجود الأولي تدريجي أبطأ نسبينا في تكونه كما عرفت في خلق السماوات والأرض في ستة أيام ، وقضاء أمرها فيها فكان تدبيرها نزولا وصعودا في يوم واحد، وذلك لأنه هذا أمر تكميل وفيض تفضيل وتعظيم وتجليل وكمال لكل شيء خصه العظيم بهداه ليتكامل بأعلى ما يناسب شأنه فيعظمه .

فيا طيب : هذه أحاديث في المعراج تعرفنا ، سرعة أمر الله العظيم في التدبير لأعظم خلقه ، وفيها سترى تجليل نبينا بالنور والهيبة والوقار في موكب وهودج خاص يرتفع به للسماء ، ولما كانت كل سماء بما هي أعظم من التي هي أدنى منها ، يزاد نبينا هيبة وبهاء في موكبه وهودجه ، سواء نور عظيم في نفسه فيقول في الرواية زادني حتى يناسب شأنه العظيم في كل مرتبة بما يناسب تلك المرتبة ، أو الزيادة في محيطه من السلال والحلق وهذا تعبير بما يحيط بالهوادج غالبا فيزده أُبه ويبين عظيم شأن ساكنه ، ولا تأخذ معناها بحلقات سلسلة معدنية ، فإنه حتى معنى الفضة فإنه معنى لابد أن يناسب تلك السماء وشفافية وجودها ، أو في المراتب العالية في تجردها عن المادة في عالم الكرسي والملكوت ، بل حتى عن الهيئة في مرتبة العرش والجبروت .

وقد عرفت يا طيب : أن كل مرتبة من الوجود أعظم من الأتي أدنى منها ، بل الدانية خلقت وفتقت منها ، وعرفت أن للوجود مراتب من سرادق وحجب نور وعرش وكرسي وسماوات وثم كون أدنى وأرض ، وإن المرتبة العالية محيطة بالمرتبة الدانية وعلة لها ومنها ينزل أمرها للأسفل منها ، فلذا تصور سعة النور بما يناسب شأن عظيم تلك المرتبة لا تأخذه بملك الدنيا من غير تجرد عنها .

ثم يا طيب : هنالك في السماوات معارف هدى وإيمان جاءت تفاسير لها في أحاديث المعراج ، وهذا الحديث الآتي يبين بعض شأن الأذان والصلاة والولاية ، وفيه معارف عظيمة تعرفنا إن هدى الإنسان المفضل قد نزل له من المراتب العالية في التكوين بأمر الله العظيم تعالى ، وإن أعظم أمر يتحقق في تلك المرتبة هو أمر الولاية والإمامة للمحافظة على الدين وتعاليمه والشارحة له ، ولذا سترى في هذه الأحاديث كلام كثير في شأنها  ، كما إن عدد مرات المعراج بالنبي الظاهر من الروايات كثير جد ، ولكن لحدوث أمر معين فيه ووصية بهدى معين قد يحدد بالمعراج الأول أو الثاني أو السابع وغيرها من الأرقام .

ولكن أعلم يا طيب : إن حصول أمر المعراج للمراتب العظيمة لمن عظمه الله تعالى هين عليه تعالى ، وإن عندنا روايات تذهب إلى أن المؤمن يعرج بروحه عند النوم للمراتب العالية ، ولذا ينام مطمئن المؤمن ، ولكن لكون الأمر لم يكشف له ليتم اختباره بما هو إنسان عاقل طيب لا بالمعجزة التي من يعرفها يؤمن فقط ، لأن الدنيا دار بلاء واختبار وإن كان الله يلطف بالعباد وأرهم آياته بكل شيء ليؤمنوا ، ولكن لا يصل لمرتبة المعجزة أو شبيه بالإكراه أو آيات تضل لها الأعناق ساجدة أو مذعنة بما يشبه القسر ، وإن كشف غطاء شيئا ما بالكرامة لرؤية مراتب عالية يتم للعارفين بشروط عالية وللإخلاص التام وللصفاء الكامل ، فيرى بعض العارفين أمورا قد تكون معجزة أو يصعب تصديقها على من لم يعرف عظمة الله ، ولا يتصور البعض ملك الجنة وفضل الله وكرامته لمن يريد أن يلطف بهم ويعظمهم ويريهم آيات تناسب شأنهم الكامل ، فيريهم بعض العظمة من نور معد لهم أعظم منه وأعلى وأتم ، وكما سترى في أخر النور هذا ونور الشافي .

ولكن هنا يا طيب : الكلام عن العظمة في ملك الله بحديث يعرفنا المعراج بشأن يفهمه عامة الناس وإن كان شأنه عظيم وعالي في المعرفة ، ولكن تصور عظمة الكون الأدنى وشأن العظيم فيه في الهدى كما في آيات الكتاب والحكمة والإمامة كملك عظيم مختصة بنبينا وآله ، وقد عرفته سواء في التكوين أو في الهدى بصورة عامة كلية ، وهنا نتعرف على عظمة النور الذي كرم به النبي في نفسه وفي محيطه وكوكبة هودجه الذي رفعه الله به ليُري ملائكته وسكان سماواته شأنه العظيم ، بل يري نفس النبي شأنه العظيم ويعظمه حتى يحكي لنا عن عظمة ملك الله كما عرفت لنرغب بإطاعته حقا ، وعرفت إن أمر الهدى عظيم لا تتحمله السماء ولا الأرض وكذا الكفر لا تتحمله وتشفق منه وتكاد تتفطر منه .

وهذا الأمر الذي لم تتحمله السماوات والأرض : جاء به أعظم خلق الله ، وعرفه العظيم عظمته معاينة ، وبكل عظمة وجلال ، فتدبره أحاديث الشأن الأعظم .

 عن محمد بن الحسين : بن أبي الخطاب ويعقوب بن يزيد ومحمد بن عيسى عن عبد الله بن جبلة عن الصباح المزني وسدير الصيرفي و محمد بن النعمان الأحول و عمر بن أذينة عن أبي عبد الله عليه السلام أنهم حضروه فقال :

 يا عمر بن أذينة : ما ترى هذه الناصبة في أذانهم و صلاتهم ؟

فقلت : جعلت فداك إنهم يقولون : إن أبي بن كعب الأنصاري رآه في النوم .

فقال : كذبوا و الله ، إن الله تبارك و تعالى أعز من أن يرى في النوم .

و قال أبو عبد الله عليه السلام : إن الله العزيز الجبار عرج بنبيه صلى الله عليه وآله إلى سمائه سبعا ، أما أولهن فبارك عليه ، و الثانية علمه فيها فرضه .

فأنزل الله العزيز الجبار عليه محملا من نور فيه : أربعون نوعا من أنواع النور ، كانت محدقة حول العرش عرشه تبارك و تعالى ، تغشى أبصار الناظرين ، أما واحد منها فأصفر فمن أجل ذلك اصفرت الصفرة ، و واحد منها أحمر فمن أجل ذلك احمرت الحمرة ، و واحد منها أبيض فمن أجل ذلك ابيض البياض ، و الباقي على عدد سائر ما خلق من النور و الألوان ، في ذلك المحمل حلق و سلاسل من فضة ، فجلس عليه .

ثم عرج إلى السماء الدنيا : فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء ، ثم خرت سجدا ، فقالت : سبوح قدوس ربنا و رب الملائكة و الروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا ، فقال جبرائيل عليه السلام : الله أكبر الله أكبر ، فسكتت الملائكة ، و فتحت أبواب السماء ، و اجتمعت الملائكة ، ثم جاءت فسلمت على النبي صلى الله عليه وآله أفواجا ، ثم قالت : يا محمد كيف أخوك ؟ قال : بخير . قالت : فإن أدركته فأقرئه منا السلام ، فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : أ تعرفونه ؟ فقالوا : كيف لم نعرفه و قد أخذ الله عز و جل ميثاقك و ميثاقه منا ، و إنا لنصلي عليك و عليه ، ثم زاده أربعين نوعا من أنواع النور لا يشبه شي‏ء منه ذلك النور الأول ، و زاده في محمله حلقا و سلاسل .

ثم عرج به إلى السماء الثانية : فلما قرب من باب السماء تنافرت الملائكة إلى أطراف السماء ، و خرت سجدا ، و قالت : سبوح قدوس رب الملائكة و الروح ، ما أشبه هذا النور بنور ربنا . فقال جبرائيل عليه السلام : أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن لا إله إلا الله ، فاجتمعت الملائكة و فتحت أبواب السماء ، و قالت يا جبرائيل : من هذا الذي معك ؟ فقال : هذا محمد صلى الله عليه وآله ،  قالوا : و قد بعث ؟ قال : نعم . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،  فخرجوا إلى شبه المعانيق فسلموا علي ، و قالوا أقرئ أخاك السلام ، فقلت : هل تعرفونه ؟ قالوا : نعم و كيف لا نعرفه ، و قد أخذ الله ميثاقك و ميثاقه و ميثاق شيعته إلى يوم القيامة علينا ، و إنا لنتصفح وجوه شيعته في كل يوم خمسا ، يعنون في كل وقت صلاة  .

( تعليق : فإن الملائكة كلا له مقام معلوم وعمل خاص به ، فإن منهم من سأل هل بعث وهو مشغول بعمله من التسبيح أو غيره ولا يعلم  ما في الأرض ، ومنهم من سلم عليه ، ومنهم من موكول بأبواب السماء ، ومنهم من يتصفح وجوه الشيعة ، وكلهم سلم على ولي الأمر بعده لأنه مأخوذ ميثاقه عليهم ، وعرفت أن حملة العرش يستغفرون للذين أمنوا ، وأنهم كالمعانيق أي جماعات وكلا يسأل أمرا يخصه .انتهى).

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ثم زادني ربي تعالى أربعين نوعا من أنواع النور : لا تشبه النور الأول ، وزادني حلقا و سلاسل .

 ثم عرج بي إلى السماء الثالثة ، فنفرت الملائكة إلى أطراف السماء و خرت سجدا ، و قالت : سبوح قدوس رب الملائكة و الروح ، ما هذا النور الذي يشبه نور ربنا ، فقال جبرائيل عليه السلام : أشهد أن محمدا رسول الله أشهد أن محمدا رسول الله ، فاجتمعت الملائكة و فتحت أبواب السماء ، و قالت : مرحبا بالأول ، و مرحبا بالآخر ، و مرحبا بالحاشر ، و مرحبا بالناشر ، محمد خاتم النبيين ، و علي خير الوصيين . فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : سلموا علي ، و سألوني عن علي أخي ؟ فقلت : هو في الأرض خليفتي ، أ و تعرفونه ؟ قالو : نعم ، و كيف لا نعرفه و قد نحج البيت المعمور في كل سنة مرة ، و عليه رق أبيض فيه اسم محمد و علي و الحسن و الحسين و الأئمة و شيعتهم إلى يوم القيامة ، و إن لنبارك على رءوسهم بأيدينا .

ثم زادني ربي تعالى أربعين نوعا من أنواع النور : لا تشبه شيئا من تلك النور الأول ، و زادني حلقا و سلاسل .

 ثم عرج بي إلى السماء الرابعة : فلم تقل الملائكة شيئا ، و سمعت دويا كأنه في الصدور ، و اجتمعت الملائكة ففتحت أبواب السماء ، و خرجت إلي معانيق ، فقال جبرائيل عليه السلام : حي على الصلاة حي على الصلاة ، حي على الفلاح حي على الفلاح .

 فقالت الملائكة : صوتين مقرونين ، بمحمد تقوم الصلاة ، و بعلي الفلاح . فقال جبرائيل : قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ، فقالت الملائكة : هي لشيعته أقاموها إلى يوم القيامة ، ثم اجتمعت الملائكة فقالوا للنبي : أين تركت أخاك و كيف هو ؟ فقال لهم : أ تعرفونه ؟ فقالوا : نعم نعرفه و شيعته ، و هو نور حول عرش الله ، و إن في البيت المعمور لرقا من نور فيه كتاب من نور ، فيه اسم محمد و علي و الحسن و الحسين و الأئمة و شيعتهم ، لا يزيد فيهم رجل و لا ينقص منهم رجل ، إنه لميثاقنا الذي أخذ علينا ، و إنه ليُقرأ علينا في كل يوم جمعة .

 فسجدت لله شكرا ، فقال : يا محمد ارفع رأسك ، فرفعت رأسي فإذا أطناب السماء قد خرقت ، و الحجب قد رفعت ، ثم قال لي : طأطئ رأسك و انظر ما ذا ترى ؟ فطأطأت رأسي فنظرت إلى بيتكم هذا و حرمكم هذا ، فإذا هو مثل حرم ذلك البيت يتقابل ، لو ألقيت شيئا من يدي لم يقع إلا عليه ، فقال لي : يا محمد هذا الحرم و أنت الحرام لكل مثل مثال .

 ثم قال لي ربي تعالى : يا محمد مد يدك فيتلقاك ماء يسيل من ساق العرش الأيمن ، فنزل الماء فتلقيته‏ باليمين ، فمن أجل ذلك صار أول الوضوء اليمنى ، ثم قال : يا محمد خذ ذلك الماء فاغسل به وجهك ، و علمه غسل الوجه ، فإنك تريد أن تنظر إلى عظمتي ، و أنت طاهر ، ثم اغسل ذراعيك اليمين و اليسار و علمه ذلك ، فإنك تريد أن تتلقى بيديك كلامي ، و امسح بفضل ما في يديك من الماء رأسك و رجليك إلى كعبيك ، و علمه المسح برأسه و رجليه ، و قال : إني أريد أن أمسح رأسك و أبارك عليك ، فأما المسح على رجليك ، فإني أريد أن أوطئك موطئا لم يطأه أحد من قبلك ، و لا يطأه أحد غيرك .

 فهذا علة الوضوء و الأذان .

 ثم قال : يا محمد استقبل الحجر الأسود ، و هو بحيالي وكبرني بعدد حجبي ، فمن أجل ذلك صار التكبير سبعا ، لأن الحجب سبعة ، و افتتح القراءة عند انقطاع الحجب ، فمن أجل ذلك صار الافتتاح سنة ، و الحجب مطابقة ثلاثا بعدد النور الذي أنزل على محمد ثلاث مرات ، فلذلك كان الافتتاح ثلاث مرات ، فمن أجل ذلك كان التكبير سبعا ، و الافتتاح ثلاثا ، فلما فرغ من التكبير و الافتتاح .

 قال الله عز و جل : الآن وصلت إلي ، فسم باسمي .

فقال : بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فمن أجل ذلك جعل بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ في أول كل سورة ، ثم قال له احمدني ، فقال : الحمد الله رب العالمين ، و قال النبي صلى الله عليه وآله في نفسه شكرا ، فقال الله : يا محمد قطعت حمدي ، فسم باسمي فمن أجل ذلك جعل في الحمد الرحمن الرحيم مرتين ، فلما بلغ وَ لَا الضَّالِّينَ ، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم : الحمد لله رب العالمين شكرا ، فقال الله العزيز الجبار : قطعت ذكري ، فسم باسمي ، فقال : بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ ، فمن أجل ذلك جعل بِسْمِ الله الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ بعد الحمد في استقبال السورة الأخرى .

 فقال له : اقرأ قل هو الله أحد كما أنزلت ، فإنها نسبتي و نعتي ، ثم طأطئ يديك و اجعلها على ركبتيك ، فانظر إلى عرشي ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فنظرت إلى عظمة ذهبت لها نفسي و غشي عليَّ .

 فألهمت إن قلت : سبحان ربي العظيم و بحمده ، لعظم ما رأيت ، فلما قلت ذلك : تجلى الغشي عني حتى قلتها سبع ، ألهم ذلك ، فرجعت إلى نفسي كما كانت ، فمن أجل ذلك صار في الركوع سبحان ربي العظيم و بحمده .

فقال : ارفع رأسك فرفعت رأسي فنظرت إلى شي‏ء ذهب منه عقلي ، فاستقبلت الأرض بوجهي و يدي ، فألهمت إن قلت : سبحان ربي الأعلى و بحمده ، لعلو ما رأيت ، فقلتها سبعا ، فرجعت إلى نفسي ، كلما قلت واحدة منها تجلى عني الغشي ، فقعدت فصار السجود فيه : سبحان ربي الأعلى و بحمده ، و صارت القعدة بين السجدتين استراحة من الغشي ، و علو ما رأيت ، فألهمني ربي عز و جل و طالبتني نفسي أن أرفع رأسي ، فرفعت فنظرت إلى ذلك العلو ، فغشي علي ، فخررت لوجهي ، و استقبلت الأرض بوجهي و يدي ، و قلت : سبحان ربي الأعلى و بحمده ، فقلتها سبعا ، ثم رفعت رأسي فقعدت قبل القيام لأثني النظر في العلو ، فمن أجل ذلك صارت سجدتين و ركعة ، و من أجل ذلك صار القعود قبل القيام ، قعدة خفيفة .

ثم قمت ، فقال : يا محمد اقرأ الحمد ، فقرأتها مثل ما قرأتها .

 أولا ثم قال لي : اقرأ إنا أنزلناه فإنها نسبتك ، و نسبة أهل بيتك إلى يوم القيامة ، ثم ركعت فقلت في الركوع و السجود مثل ما قلت أولا ، و ذهبت أن أقوم ، فقال : يا محمد اذكر ما أنعمت عليك ، و سم باسمي .

فألهمني الله إن قلت : بسم الله و بالله لا إله إلا الله و الأسماء الحسنى ، كلها لله ، فقال لي : يا محمد صل عليك و على أهل بيتك . فقلت : صلى الله علي و على أهل بيتي ، و قد فعل ، ثم التفت فإذا أنا بصفوف من الملائكة و النبيين و المرسلين ، فقال لي : يا محمد سلم ، فقلت : السلام عليكم و رحمة الله بركاته ، فقال : يا محمد إني أنا السلام ، و التحية و الرحمة و البركات أنت و ذريتك ، ثم أمرني ربي العزيز الجبار أن لا ألتفت يسارا ، و أول سورة سمعتها بعد قل هو الله أحد ، إنا أنزلناه في ليلة القدر ، فمن أجل ذلك كان السلام مرة واحدة تجاه القبلة ، و من أجل ذلك صار التسبيح في السجود و الركوع شكرا .

و قوله : سمع الله لمن حمده ، لأن النبي صلى الله عليه وآله قال : سمعت ضجة الملائكة ، فقلت : سمع الله لمن حمده بالتسبيح و التهليل ، فمن أجل ذلك جعلت الركعتان الأوليتان كلما حدث فيها حدث كان على صاحبها إعادتها ، و هي الفرض الأول ، و هي أول ما فرضت عند الزوال يعني صلاة الظهر[28] .

 

يا طيب : كان في الحديث معارف نور ويعرفنا شأن الوجود وتنزله وتكامله وتعظيمه بهدى الله تعالى ، فإنه عرفت إن المراتب العالية محيطة وعلة للمراتب الدانية ومنها ينزل أمر الله وقضاءه وتدبيرها ولها سكانها ، وعند تحقق كل وجود بحسب شأنه في مرتبة بهدى الله يرتفع بالكرامة فيرى عظيم منزلته وشأنه في مرتبته ، وهذا كان شأن نبينا العظيم وعظيم هداه ونزوله وصعوده ولو قبل أن يتم أمر الله بالتكريم العظيم التام بعد الاختبار الكلي وتمام الكلمات التي يبتلي بها أعظم مَن خصهم بكرامته.

 ولكن عرفت : لكون النبي عظيم الوجود كله في نفسه نال هذه الكرامات ، وهو وفي أول أمره حتى رفع لأعظم منزلة عند العظيم ، وإذا عرفت شأن أعظم الوجود وأعظم هدى وأعظم تجليل بالنور لنبينا السراج المنير ورحمة الله للعالمين وذو الخلق العظيم ، نذكر أحاديث أخرى تعرفنا أمر ولاية الله في أمره وهداه المحقق بأعظم خلقه بعده فتدبر أمر الهدى العظيم .

 

 

الإشعاع الثاني :

عظمة وجلالة ولاة أمر هدى الله بفضله العظيم :

سبحان ربي العظيم وبحمده   سبحان ربي الأعلى وبحمده :

يا طيب : إن الوجود عظيم في أي مرتبة من مراتبه لأنه خلق لله العلي العظيم ولها سكانها وعظيم لهم صلى الله عليه وآله وسلم في تلك الرتبة ، وإن كان التكويني منه مسخر للإنسان لكي يعلم ويعمل بهدى العظيم المنزل على أعظم خلقه وأتمهم وأفضلهم ، وبهم بتحقق بالعظمة كل من يأخذ هدى الله العظيم منهم فيفوز فوزا عظيما ، ويكون معهم ومنهم في المراتب العالية بكل كرامة ومجد وبهاء وعظمة .

لكن يا طيب : إن الله له شأن عظيم في خلقه ولا يعظم بهداه إلا من يتوجه له ويطلبه ويعرف شأنه العظيم ، فيطلب الله بكل عظمة وجلال وحب عظيم ، ويخافه خوفا عظيما فيخشاه ، ولذا كان ذو أعظم معرفة بشؤون عظمة الله هم أعظم خلقه ، ومن يتعلم منهم معارف عظمة خلقه وهداه ، وعرفت إن أعظم من ملكه الله الملك العظيم بعد الكتاب والحكمة فجعلهم هداة لأمره وولاة له في كل مراتب الوجود وأين ما حلوا هم نبينا وآله صلى الله عليهم وسلم .

وإن تنزل العظماء في الخلق في كل مراتب الوجود : هو شأن عظيم لمعرفة عظمة الله تعالى ، وهو قادر على أن يخلق كل سماء بنفسها ولا ينزل أمره من مرتبة لمرتبه ، ولا يجعل موت وحياة بل يخلق وجودا واحدا عظيما غير متنوع ، ولا يحتاج لكي يعظم حقا بعد أن يتحقق بهداه الحق الذي يعرفه عظماء خلقه .

ولكن حينها يكون : الوجود غير هذا الوجود ولا ظهور لمراتب العظمة بكل مراتب الإمكان ، وهذا حد من ظهور شؤون عظمة الله تعالى ، وهذا خلاف عظمة تجلي الله بكل شأن عظيم وتدبير بكل ما يمكن أن يُخلق بحسب شأنه ، فيتفاوت الخلق وتتبين مراتب للعظمة وأنواع لها متكثرة بحسب الخلق ودرجاته .

وإذا عرفت يا طيب : إن كل شيء مسخر للإنسان لينال أعلى مراتب العظمة بفضل الله الذي عرفه هداه العظيم بأعظم خلقه ، نذكر أمر اهتمام الله وعنايته العظيمة بولاة أمره , وتعريفهم بكل شأن عظيم ، وفي كل مراتب الوجود كما عرفت شأنهم في الأحاديث السابقة .

وإن أمر المعراج تمثيله : ولله المَثل الأعلى الذي يعرفنا شؤون عظمته في ظهور خلقه العظيم ، وأمره المتقن فيهم ليتكرموا بفضله العظيم ، وليس لله العظيم المِثل الأعلى فإنه ليس كمثله شيء ولا يحاط به علما سبحانه وتعالى من علي عظيم ، وخالق كل عظيم وأمرا عظيما وبهدى عظيم يُعظم به كل عظيم .

وأما مثل أمر المعراج وما يدور فيه : بعد أن عرفت بعض أهم معانيه وعظمته وما دار فيه من أمر التشريع ، نذكر أمرا أهم منه ، هو لأعظم متحقق به ، فيعظم بأمر الله ، ويكون ولي لأمره بعد رسوله وأعظمهم بعده ، أي نأتي لمعرفة أمر المحافظة على هدى الله العظيم بأعظم خلق الله ، وتنزله من أعلى وأعظم مراتب الوجود وما دار فيه هناك في أمر الولاية بعد أن كان هناك محققا .

والتمثيل هو : إنه لو كان أهم اجتماع بين ملك وأعلى وزير عنده ، بل مثلا رئيس الوزراء ، أو خليفته في أرضه ، ويعلم إن المملكة بعد خليفته هذا سوف يختلفون كما اختلفت كل الأمم عندما تفقد راعيها ، وقد قراء التأريخ ، وعرف شرحه وبينه كما بين الله العظيم في كتابه لاختلاف الأمم ، ودرس التأريخ دراسة متقنة وعرف بعلم السياسة والاجتماع بضرورة القيادة في الحكومة ، وفي تبليغ أوامره وتعاليمه التي لا يرضى بخلافها أبدا من أي أحد ولو بعد آلاف السنين ، ويدعوا رئيس الوزراء لأعلى جلسة عقدت بينهم ، وتعتبر أرقى مباحثه بين الطرفين يهتم بها ويرفع شأنها ويبلغ عنها في كتابه العام لجميع من تحت مملكته الباقية زمنا طويلا حدا ، ويعلمه منتهى المعرفة بعظمته وشؤون هداه وأمره وتعظيمه لخلقه كلهم ، وعند سدرة المنتهى أو قاب قوسين أو أدنا من طاعته وكرامته لمن يطيعه ويظهر بمعارفه بتطبيقها ، ويريد أن يستمر حكمه وتعاليمه أبدا ، ولا يرضى بخلافه ما دام الوجود عند وجود ولي أمره هذا أو بعده .

فما ترى يا طيب : أن يكون ذلك المجلس العظيم ، الذي حف بالتبليغ والعظمة وحُسن الذكر والتعريف بكل كرامه ؟ وما خبره من مجلس وما مباحثه والتكريم فيه من الملك العظيم لأعظم خلقه عنده ؟ أتراه أن أيكون مجلس بسيط وتشريف فارغ بدون كرامة لمن كرمه بهذا الاجتماع وأشاد به ؟ أو بدون بيان لتعاليمه في خليفته بعده حتى يستمر عظيم هداه وأمره وإدارته وتدبيره لعباده بأعظم هدى واحد منه ؟

 أو تراه يا طيب : يقول له دعهم بعدك يختلفون وأحدهم يُكفر الآخر ، ودعهم يتقاتلوا فإنه بعدك لا يهم أمر العباد ولا أريد طاعة حقيقة وليتصدى العصاة لأمري والضالين فليعرفوا ديني ، وإن لا عناية لي بهداي المنزل بعدك فليفسر من يشاء بما يشاء ولينسبه لي أو لك لا يهم الأمر ، وإني قررت أن لا أضع بعدك عاصم لهم من الاختلاف يرجعوا له وبه يعرف الحق ، وإني لا مختار لهم ومصطفى مني يهديهم ، وبعد لا تدبير لهم ولا حكومة ولا سلطان يدبرهم بأمر بحق إن أطاعوه ؟؟؟؟؟؟؟

أو تراه يقول له : قل لهم أن يطلبوا مني ويستعينوا بي لأعرفهم الصراط المستقيم من عند المنعم عليهم أنت وآلك الكرام المصطفين الأخيار الذين أعطيتهم ملك الكتاب والحكمة والملك العظيم ، وقل لهم إن كتابي مطهر وآلك مطهرون فكونوا منهم ، وقل لهم أن يصلوا ويتلصوا وبك وبآلك بعدك ، فإن مودة القربى بها الحسنات المضاعفة وغفران الذنوب وشكر الرب لهم فيعظموا بفضلي ، وكما في آية المودة والولاية وأطيعوا أولي الأمر وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا ، فيرتفع ذكرهم لأعظم مراتب العظمة في نور الوجود المعد لأعظم خلقي معك .

فإنه يا طيب : أعظم مجلس عقد لأعظم أمر ، وهو كما عرفت بعد إن عرّف أمر التشريع وكرّم النبي في نفسه ، كرمه بآله الطيبين الطاهرين وجعلهم منعم عليهم معه وهذه أعظم كرامة وتشريف خصه به بعد هداه ، ولو ترك النبي بدون تشريف في آله لما كان تشريف عالي ، حيث قطع أمر الهدى من وجوده ، ومن الكرامة منه وأعطاها لغيره ، بل الله العظيم أمره أن يدعوا ربنا هب لنا من ذريتنا قرت أعين وأجعلنا للمتقين إماما ، وهذه هي أعلى كرامة وتكريم وتشريف للنبي وتعظيم تام كامل بأعظم هدى وأمر خصه به فعظمه به .

وإن من ينكر : هذا التشريف العظيم للنبي وعدم اهتمام الله به ، يكون طالبا للعظمة من العظيم بدون معرفة بأمر هداه العظيم الذي يعظم به ، ويكون مصدق بعظمة أمره ويعظم بكل من عرفه دين ولو بالقياس والفكر والهوى والعجب وحب الكلام والظهور به ، ولو كان واعظ لطاغية ومتمرد على الله العظيم ، ويرى نفسه يعظم بفكر الضالين الذين يخرجون من النور للظلمات ويقتلون ويحاربون أئمة الحق .

فإنه يا طيب : إنه لحقا إن أمر الله عظيم في التكوين ، وفي هداه وفي ولاة أمره ، وإذا حببت الإيمان الحق فتدبر شؤون ظهور عظمة الله في كل مراتب الوجود ، تعرف أنه في هدى الله لابد أن يكون لله العظيم من خصهم بملكه العظيم على الطول الزمان ، وإنه من يستعين بالله حقا مخلصا فيطلبه بمعرفة واقعية يهديه لمعرفة المنعم عليهم بهداه وبملكه العظيم ، فينال هدى الله العظيم ويطيعه به فيعظم .

ولمعرفة هذا التعظيم : لولاة أمر الله العظيم ، بالإضافة لما عرفت من أمر الإمامة وولاة أمر الله ، نذكر أحاديث تشريف للنبي العظيم في أعلى مراتب المعراج عند سدرة المنتهى ، وتكريمه بأعظم وأجل تكريم ، وهو بجعل أحب الناس إليه من آله وأقربهم منزلة منه في قلبه وأحبهم له ولله العظيم ، هم ولاة أمر الله العظيم ومن ذريته إلى يوم القيامة ، ولي أمر لله بعده ولي أمر لهداه ، وإمام بعد إمام ، وهذه بعض أحاديث التشريف العظيم في ذلك المقام العظيم لأعظم خلق الله ، يعرفه عظماء الوجود بعده ليعرفنا بهم ، فنعظم بمعرفة كتاب الله وتعاليمه بشرحهم ، فتدبر عظمة هدى الله  العظيم لتعظم به يا طيب إن آمنت بهم حتى تكون معهم :

 

عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ قَالَ : سَأَلَ أَبُو بَصِيرٍ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام وَ أَنَا حَاضِرٌ ، فَقَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ كَمْ عُرِجَ بِرَسُولِ الله صلى الله عليه وآله ؟

فَقَالَ : مَرَّتَيْنِ فَأَوْقَفَهُ جبرائيل مَوْقِفاً ، فَقَالَ لَهُ : مَكَانَكَ يَا مُحَمَّدُ فَلَقَدْ وَقَفْتَ مَوْقِفاً مَا وَقَفَهُ مَلَكٌ قَطُّ وَ لَا نَبِيٌّ ، إِنَّ رَبَّكَ يُصَلِّي .

 فَقَالَ : يَا جبرائيل وَ كَيْفَ يُصَلِّي ؟

قَالَ يَقُولُ : سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ أَنَا رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَ الرُّوحِ سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي .

فَقَالَ : اللهمَّ عَفْوَكَ عَفْوَكَ ، قَالَ : وَكَانَ كَمَا قَالَ الله : قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى‏ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو بَصِيرٍ : جُعِلْتُ فِدَاكَ مَا قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى ؟

 قَالَ : مَا بَيْنَ سِيَتِهَا إِلَى رَأْسِهَا ، فَقَالَ : كَانَ بَيْنَهُمَا حِجَابٌ يَتَلَأْلَأُ يَخْفِقُ ، وَ لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا وَ قَدْ قَالَ : زَبَرْجَدٌ ، فَنَظَرَ فِي مِثْلِ سَمِّ الْإِبْرَةِ إِلَى مَا شَاءَ الله مِنْ نور الْعظمة ، فَقَالَ الله تَبَارَكَ وَ تعالى : يَا مُحَمَّدُ .

قَالَ : لَبَّيْكَ رَبِّي ، قَالَ : مَنْ لِأُمَّتِكَ مِنْ بَعْدِكَ ؟ قَالَ : الله أَعْلَمُ .

 قَالَ : عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ سَيِّدُ الْمُسْلِمِينَ ، وَ قَائِدُ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ .

قَالَ : ثُمَّ قَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام لِأَبِي بَصِيرٍ :

 يَا أَبَا مُحَمَّدٍ وَ الله مَا جَاءَتْ وَلَايَةُ عَلِيٍّ عليه السلام مِنَ الْأَرْضِ .

وَ لَكِنْ جَاءَتْ مِنَ السَّمَاءِ مُشَافَهَةً[29] .

وإذا عرفت : إنه في أعلى مراتب الوجود كان تشريفنا بأمر ولي الأمر بعد نبينا العظيم ، لكي نعرف هدى الله الحق فنعظم به ، إليك حديث آخر يفصل شيئا ما من تعريف ظهور أمر ولي الله من المراتب العالية لخلق الله وتعريفه لهم :

عن عباية بن ربعي عن عبد الله بن عباس قال :

 إن رسول الله لما أسري به إلى السماء انتهى به جبرائيل إلى نهر ، يقال له : النور ، و هو قول الله عز و جل : جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النور ، فلما انتهى به إلى ذلك النهر .

 قال له جبرائيل عليه السلام : يا محمد اعبر على بركة الله ، فقد نور الله لك بصرك ، و مد لك أمامك ، فإن هذا النهر لم يعبره أحد لا ملك مقرب و لا نبي مرسل ، غير أن لي في كل يوم أغتماسة فيه ، ثم أخرج منه فأنقض أجنحتي ، فليس من قطرة تقطر من أجنحتي إلا خلق الله تبارك و تعالى منها ملكا مقربا ، له عشرون ألف وجه ، و أربعون ألف لسان ، كل لسان يلفظ بلغة لا يفقهها اللسان الآخر .

فعبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حتى انتهى إلى الحجب ، و الحجب خمسمائة حجاب من الحجاب إلى الحجاب مسيرة خمسمائة عام .

ثم قال : تقدم يا محمد . فقال له : يا جبرائيل و لم لا تكون معي ؟

قال : ليس لي أن أجوز هذا المكان ، فتقدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما شاء الله أن يتقدم ، حتى سمع ما قال الرب تبارك و تعالى : أنا المحمود و أنت محمد ، شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، و من قطعك بتكته .

 انزل إلى عبادي فأخبرهم بكرامتي إياك .

 و أني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا ، و أنك رسولي و أن عليا وزيرك .

فهبط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : فكره أن يحدث الناس بشي‏ء كراهية أن يتهموه ، لأنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية حتى مضى لذلك ستة أيام ، فأنزل الله تبارك و تعالى : فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى‏ إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ ، فاحتمل رسول الله ذلك ، حتى كان يوم الثامن ، فأنزل الله تبارك و تعالى عليه :

 يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ الله يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : تهديد بعد وعيد ، لأمضين أمر الله عز و جل ، فأن يتهموني و يكذبوني ، فهو أهون علي من أن يعاقبني العقوبة الموجعة في الدنيا و الآخرة .

قال : و سلم جبرائيل على علي بإمرة المؤمنين ، فقال علي عليه السلام : يا رسول الله أسمع الكلام و لا أحس الرؤية .

 فقال : يا علي هذا جبرائيل أتاني من قبل ربي بتصديق ما وعدني ، ثم أمر رسول الله عليه السلام : رجلا فرجلا من أصحابه حتى سلموا عليه بإمرة المؤمنين .

ثم قال : يا بلال ناد في الناس أن لا يبقى غدا أحد إلا عليل إلا خرج إلى غدير خم ، فلما كان من الغد خرج رسول الله صلى الله عليه وآله بجماعة أصحابه ، فحمد الله و أثنى عليه .

 ثم قال : أيها الناس إن الله تبارك و تعالى أرسلني عليكم برسالة ، و إني ضقت بها ذرعا مخافة أن تتهموني و تكذبوني حتى أنزل الله علي وعيدا بعد وعيد ، فكان تكذيبكم إياي أيسر علي من عقوبة الله إياي ، إن الله تبارك و تعالى أسرى بي و أسمعني .

و قال : يا محمد أنا المحمود و أنت محمد شققت اسمك من اسمي ، فمن وصلك وصلته ، و من قطعك بتكته .

 انزل إلى عبادي : فأخبرهم بكرامتي إياك .

 و أني لم أبعث نبيا إلا جعلت له وزيرا ، و أنك رسولي و أن عليا وزيرك .

ثم أخذ صلى الله عليه وآله وسلم بيدي‏ علي بن أبي طالب : فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطيهما ، و لم ير قبل ذلك .

ثم قال : أيها الناس إن الله تبارك و تعالى مولاي و أنا مولى المؤمنين .

 فمن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، و عاد من عاداه ، و انصر من نصره ، و اخذل من خذله .

فقال الشكاك و المنافقون و الذين في قلوبهم مرض و زيغ : نبرأ إلى الله من مقالته ليس بحتم ، و لا نرضى أن يكون علي وزيره هذه منه عصبية .

فقال سلمان و المقداد و أبو ذر و عمار بن ياسر : و الله ما برحنا العرصة حتى نزلت هذه الآية : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً ، فكرر رسول الله ص ذلك ثلاثا .

 ثم قال : إن كمال الدين و تمام النعمة و رضى الرب .
 بإرسالي إليكم بالولاية بعدي لعلي بن أبي طالب عليه الصلاة و عليه السلام
[30].

و عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله لعلي بن أبي طالب عليه السلام :

 يا علي : أنت صاحب حوضي ، و صاحب لوائي ، و منجز عداتي ، و حبيب قلبي ، و وارث علمي ، و أنت مستودع مواريث الأنبياء ، و أنت أمين الله في أرضه ، و أنت حجة الله على بريته ، و أنت ركن الإيمان ، و أنت مصباح الدجى ، و أنت منار الهدى ، و أنت العلم المرفوع لأهل الدنيا .

من تبعك : نج ، و من تخلف عنك هلك .

و أنت الطريق الواضح : و أنت الصراط المستقيم ، و أنت قائد الغر المحجلين ، و أنت يعسوب المؤمنين ، و أنت مولى من أنا مولاه ، و أنا مولى كل مؤمن و مؤمنة ، لا يحبك إلا طاهر الولادة ، و لا يبغضك إلا خبيث الولادة .

و ما عرج بي ربي عز و جل : إلى السماء قط ، و كلمني ربي ، إلا قال لي :

 يا محمد اقرأ عليا مني السلام ، و عرفه أنه إمام أوليائي ، و نور أهل طاعتي ، فهنيئا لك يا علي هذه الكرامة [31].

وبالإسناد عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

 لما عرج بي إلى السماء : دنوت من ربي عز و جل حتى كان بيني و بينه قاب قوسين أو أدنى .

 فقال : يا محمد من تحب من الخلق ؟  قلت : يا رب عليا .

قال : التفت يا محمد ، فالتفت عن يساري ، فإذا علي بن أبي طالب [32].

وعن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه و آله :

 لما عرج بي إلى السماء : رأيت على باب الجنة مكتوبا لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن و الحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على باغضهم لعنة الله [33].

يا طيب : عظمة الله لا تحد ولا يحيط بها أحد ، بل تعظيمه لخلقه وقدرته لا يحيط بها أحد ، والشك بأحاديث العظمة تحديد لعظمة الله وشك بقدرته وتكريمه وتعظيمه لمن عظمهم وكرمهم بأعظم كرامة وعظمة ، وإن وجود حقائق كل شيء في المراتب العالية أو العروج بهم لمنازلهم العظيمة المعدة لهم ، في كونهم يحفون بالنبي العظيم بفضل الله ، هي معارف أولية في الدين ، ولكن لأنس الإنسان بالمادة وعدم تفكره بشؤون عظمة الله يستصعب بعض ما يقال في تعظيم الله للنبي وآله صلى الله عليهم وسلم ، وبعد هذا نتعرف على دورنا وهذه الأمانة وطلب العظمة بها .


[26] التوحيد ص 175ب28ح5. علل ‏الشرائع ج1ص132ب112ح2.

[27] التوحيد ص 175ب28ح5. علل ‏الشرائع ج1ص132ب112ح2.

[28] علل‏ الشرائع ج2ص312 ح1 .

[29] الكافي ج1ص442ح13.

[30] الأمالي ‏للصدوق ص : 355ح10.

[31] الأمالي‏ للصدوق ص306م50ح14 .

[32] الأمالي ‏للطوسي ص352ب12ح 727-67.

[33] الأمالي‏ للطوسي ص355 م12ح 737-77 .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها