هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين / شرح الأسماء الحسنى الإلهية : الجزء الثالث

الشَّافِي
النور التاسع والتسعون

 

الإشراق الثالث :

ظهور نور الله الشافي في الدواء والمأكولات :

يا شافي بنورك اهتدينا، وبنعمك قوينا وصمنا وصلينا، فشكرا لك أبد يقينا :

يا طيب بنور الله الشافي : عرفت ظهور نور الله الشافي في التكوين وفي هدانا من كل نور أسمائه الحسنى ، وإنه رغبّنا بالمزيد من كرمه وليرفع نقصنا ، فإنه برحمته قد دعانا لذكره بالأسماء الحسنى والدعاء بها ليكملنا ويشفي غليلنا لما نحب من الكمال والشفاء من كل نقص يصيبنا ، وطلبه بما عرّفنا أولياءه الكرام من الأدعية المناسبة لكل ما نرجوه أو نحذره، والآن بعد أن عرفنا مختصرا من الأدعية العامة والخاصة بأنواعها .

نذكر ظهور نور الله الشافي : في تكوين بعض نعمه التي كرمنا بها ، وما أودع فيها من الخصائص التي بها يتم كمال أبداننا ونستعد لتطبيق هدانا وشؤون حياتنا ، كما أودع فيها خصائص كريمة بها يتم شفاء أمراض أبداننا ، بل ستعرف إن بعضها بمرافقة الدعاء يتم به رفع الأمراض الروحية فضلا عن البدنية .

وأنت يا أخي في الإيمان : عارف أنه توجد كتب كثير في الطب القديم تعرف خصائص الفواكه والخضر والأثمار والأعشاب وما فيها من الشفاء لبعض الأمراض ، ومن أهم الكتب بل المعتمدة حقا هو كتاب طب الأئمة ، وكتاب مكارم الأخلاق وفقه الرضا ، وغيرها مما يروى عمن جعلهم الله قرناء لكتابه في الشفاء وشرح ما عرفنا من فضله ونعمه ، و إن في بحار الأنوار الجزء التاسع والخمسون وما بعده أبواب كثيرة في معاني الطب والتشافي بالدعاء والذكر والأدوية المختلفة وتأثيرها في الروح وخصائص النفس والبدن وتأثرها بالمواد النباتية وغيرها ، وفي الجزء الثاني والستون خواص الفواكه والأطعمة وما فيها من الدواء وآداب المائدة بالإضافة للتداوي بالعقاقير والأعشاب وغيرها ، والتي ترينا مظهر نور الله الشافي في الكائنات المادية سواء نباتية أو حيوانية بل حتى الجمادية كما سترى .

وأما الآن في هذا العصر : عصر تطور العلوم المختلفة ترى علم الصيدلة والطب من أوسع العلوم ، وقامة تحقيقات على خصائص أغلب النباتات والأعشاب بل على الحيوانات لمعرفة آثارها التي فيها شفاء الأمراض ، وقد رافقتها التجربة ويؤيدها الدليل.

كما وقد ألفت كتب كثيرة : سواء بالأحاديث فقط أو مع التحقيق العلمي العصري وتبين أسباب العلل والأمراض ودوائها بالأعشاب والفواكه وغيرها ، وإن الله الشافي قد خلق لكل داء دواء ، ولكل علة شفاء ، وخير شفاء هو ذكر الله فإنه ينفس عن المَكروب ويوجب اطمئنان القلب الذي هو أصل مهم في نشاط الإنسان وإيصال الدم وتكوين فعالية الجسم في القضاء على المكروبات أو تولد الخلايا السليمة لتعوض التالفة ، كما إن الله الشافي قد ذكر في كتابه أنه شفاء لما في الصدور من الوساوس والشك وتسويل النفس وريبها ، ومن يشغل نفسه بذكر الله يلهى عن المرض ويرفع عنه بإذن الله ، وتوجد تحقيقات علمية كثيرة تُرينا أن المؤمنين أسرع شفاء من غيرهم.

وعرفت يا طيب : إن ظهور اسم الله الشافي في مجالي التكوين والهدى هو لتسخيره لنا وهو من نعمه لنا ، و هو بيان لكمال أودعه في الأشياء المادية ليتكامل به جسمنا ، أو لدفع نقص نخاف حصوله أو رفعه لنقص حاصل ، وبه يشفينا ويعافينا .

وهذا بيان شافي : بأسلوب بديع وكلام بليغ ، يُعرفنا أهمية العافية ، وضرورة الاستفادة مما أودع الله في الأشياء من الدواء لكل داء، وهو بيان لتجلي نور الله الشافي في العافية وطلبها وحكمته في ما يصيبنا من داء في كلام الإمام علي عليه السلام :

العافية أهنى النعم , دوام العافية أهنأ عطية وأفضل قسم. لا عيش أهنأ من العافية . كل عافية إلى بلاء . رب دواء جلب داء . رب داء انقلب دواء . لا دواء لمشغوف بدائه . لا شفاء لمن كتم طبيبه داءه . ربما كان الداء شفاء . لكل علـة دواء [28].

 

الإشعاع الأول :

ظهور نور الشافي في الدواء وأهمية العافية :

يا شافي : أشفنا بالكمال والعافية وكل كرامة ونعيم أعددته لأوليائك أبدا :

ويا طيب بنور الله الشافي : عرفنا أن العافية هي الأصل في ظهور نور الله الشافي لنا وبها الهناء وهي أفضل ما قسم الله لنا من نعمه ، ولكن مع ذلك يجب أن نعلم أنه قد تُنغص العافية والصحة الروحية والبدنية في الدنيا بالبلاء ، لأنها محل اختبار في تقلب الأحوال بالمرض والداء وفي التداوي بالدواء ، وأنه من يحب المرض البدني والنفسي والمعاصي لا ينفعه الشيء كما من يكتم دائه المادي لطبيبه لا يمكن أن يوصف له دواء ، كما أنه ربما يكون في داء ما شفاء من داء أكبر ومرض أقدم ، أو دفع بلاء أكبر في تقدير الله بما يصلح العبد ، وعلى كل حال فإن لكل مرض وداء روحي أو بدني دواء، بفضل الله الشافي وهذا ملخص ما عرفنا من كلمات الإمام علي عليه السلام فيما مرّ :

وقد عرفنا التداوي بالدعاء : في الإشراق السابق ، كما وقبل أن نذكر كلمات في ظهور نور الله الشافي في مواد وخواص الثمار والأعشاب في الإشعاع الآتي ، نتذكر لطف الله الشافي لنا بما خلق من كل نعمه المسخرة لنا وما أودع من الدواء في كل شيء من الأشياء ما يخصه وما أدبنا به من معارف بها نتوقى كثير من البلايا والأمراض ولا نحتاج بها إلى دواء ، وتكون دافع للبلاء والأمراض وموجبة للعافية والصحة .

وبهذه الوصايا المختصرة : نتعرف على ظهور نور الله الشافي لنا بما يجلبه لنا تفريطنا بنعمه وعدم الاستفادة منها بالشكل الصحيح أو الإفراط فيها بالنهم منها حتى التخمة وما يوجبه من الأمراض الآنية أو المستقبلية ، وبما علما التوقي منها كان ظهور نور الله الشافي دافع للداء والبلاء وبما أودع لنا من الأدوية في الأشياء كان ظهور الشافي لنا في رفع الداء والأمراض ، وبه نعرف حق المعرفة أن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، وأن الله هو الشافي حقا ، وأضفه لما عرفنا في الإشراق الأول ، وقد قال :

{ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (3)
 وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِّنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاء وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ
 إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ (4) } الرعد .

( وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ وَلِيُذِيقَكُم مِّن رَّحْمَتِهِ
وَلِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُـرُونَ (46) } الروم .

{ يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُوا
وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31) } الأعراف .
{ كُلُواْ وَاشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ الله وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ (60)} البقرة .
{ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79)
وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ الدِّينِ (82) رَبِّ هَبْ لِي حُكْمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ (83)  وَاجْعَل لِّي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ (84) وَاجْعَلْنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ (85)} الشعراء .

يا طيب : إن الله الشافي سخرنا كل شيء وهيئي لنا كل نعمه في كل موجودات الكون ، ولكن بالتدبر من قوم يتفكرون حقا وبقي لهم لب يطلب الكمال المطلق ، لابد لهم من تيقن عظمة الخالق وعلمه وقدرته وخبرته ولطفه الشافي في تكوين كل شيء وهداه ، ويعتقدون أنه كل شيء مخلوق لحكمة وأن فيه خصائص عليهم التدبر بها لمعرفتها وتحصل نعمة الله المودعة فيه لنا ، وبهذا التوجيه نتعرف على عظمته ونعرف لطف صنعه ودقة هداه وكبير نعمه ، فنشكره مؤمنين به خاضعين لكبريائه ومجده ، وطالبين للمزيد من عنده ، وبه يتم لنا الجد والدافع والقدرة على البحث في معرفة أسرار عظمة الله اللطيف الشافي في الكون .

فإنه شمس واحدة : وقمر واحد وليل ونهار مستمر بالتعاقب ، وماء واحد ، وهواء واحد ، وأرض واحدة ، تجتمع أسباب فيخرج لنا ثمر ونبات مختلف ألوانه وطعمه لنستسيغه ونتذوقه ، فنحب أكله وبه ننمو ونتكامل ونتنعم ، بل ويتشفى الناس الذين يصابون بالنقص ، أليس نعمه لا تحصى ويجب أن يشكره المنصفون ليزيدهم من فضله ، بل يعبدوه المؤمنون بكل خشوع حبا له وشكرا لفضله .

ويا طيب : ليس كتابنا كتاب في خواص الأغذية ولا كلام في الطب والصيدلة ، ولكن نتدبر لنتذكر لطف الله العظيم الشافي لكي نشكره ونتوجه له لنتكامل بنور أسمائه الحسنى أبدا وبأعلى مجد ونور ، ولذا ما نذكره هنا هو مختصر يعرفنا لطف الله الشافي في أنواع مختلفة من مظاهره التكوين المادي والروحي والهدى وما أودع لنا من نعم في كل شيء ، وبعد أن عرفنا التكوين كله الظاهر بنور الأسماء الحسنى وكيف نطلب المزيد بالدعاء وبها يُرفع النقص ، فلنتذكر ظهور نور الله الشافي الظاهر في خصائص بعض الكائنات وبالخصوص الثمار والأعشاب وغيرها ، سواء مرافقة للدعاء أو لا ، وكيف بها يرفع كثير من الداء في هذا الإشعاع ، وبها نعرف عظمة لطف الله الشافي لنا فنشكره ، ونطلب منه بكل رجاء المزيد من الكمال والعافية أبدا .

وقد عرفت : أن قانون الله الأتم هو أن الطيبات للمؤمنين وبشرط أن يأكلوا ويشربوا ولا يسرفوا ، ولا يفسدوا والله لا يحب من يختار الفساد على العافية ، ولمعرفة هذه المعاني من ظهور نور الله الشافي في ما وهب لنا من الحمية ، والدواء إن فسدنا وهو الغفور الرحيم الشافي في البدن والروح ، نتدبر أحاديث تشرح لنا معاني كريمة بها نتيقن كلام نبي الله إبراهيم عليه السلام ، فإنه حقا رب عظيم لطيف خلقنا وهدانا ، وأطعمنا من كل الثمار والطيبات وسقانا ماء طهورا ، كما أنه إن أسرفنا أو مرضنا و دعونا يشفينا ، فحقا لمن عرف عنايته بنا أن يطلب منه المغفرة بما قصرنا به وأن يهب لنا جنة خالدة في النعيم أبدا ، فإنه لنا رب رحمان رحيم وعظيم لطيف شافي له الأسماء الحسنى ومتجلي نورها لكل طالب حقا وشاكر صادقا وهذه أحاديث تشرح ما عرفنا.

قَالَ الْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ سَمِعْتُ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام يَقُولُ : لِابْنِهِ الْحَسَنِ عليه السلام : يَا بُنَيَّ أَ لَا أُعَلِّمُكَ أَرْبَعَ كَلِمَاتٍ تَسْتَغْنِي بِهَا عَنِ الطِّبِّ ؟ فَقَالَ: بَلَى.

قَالَ : لَا تَجْلِسْ عَلَى الطَّعَامِ إِلَّا وَ أَنْتَ جَائِعٌ. وَلا تَقُمْ عَنِ الطَّعَامِ إِلَّا وَأَنْتَ تَشْتَهِيهِ.

 وَ جَوِّدِ الْمَضْغَ ، وَ إِذَا نِمْتَ فَأَعْرِضْ نَفْسَكَ عَلَى الْخَلَاءِ .

فَإِذَا اسْتَعْمَلْتَ هَذَا اسْتَغْنَيْتَ عَنِ الطِّبِّ .

وَقَالَ : إِنَّ فِي الْقُرْآنِ لَآيَةً تَجْمَعُ الطِّبَّ كُلَّهُ  ، كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا[29].

وروي عن العالم علي بن موسى الرضا عليه السلام أنه قال :

 الحمية رأس كل دواء ، و المعدة بيت الأدواء ، و عود بدنك ما تعود .

اجتنب الدواء ما احتمل بدنك الداء ، فإذا لم يحتمل الداء فلا دواء [30].

عَنْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام قَالَ : لَيْسَ مِنْ دَوَاءٍ إِلَّا وَ يُهَيِّجُ دَاءً .

وَ لَيْسَ شَيْ‏ءٌ أَنْفَعَ فِي الْبَدَنِ ، مِنْ إِمْسَاكِ الْيَـدِ إِلَّا عَمَّا يُحْتَـاجُ إِلَيْـهِ [31].

عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : قيل يا رسول الله : نتداوى ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم : نعم ما أنزل الله تعالى من داء ، إلا و قد أنزل معه دواء ، فتداووا، إلا السام ( الموت ) فإنه لا دواء له [32].

ويا طيب بفضل الله الشافي : لا أحوجك الله إلى طبيب ، بعد أن عرفنا بعض الأسس من ظهور نور الله الشافي في الحمية و ضرورة التداوي لمن يفسد حاله ، وإنه لكل علة وداء شفاء بدواء ، نتذكر كلام طيب من إمام يعرفنا تفكرا كريما فيما خص الله به الأدوية وكيف نستلهم عظمة الله ولطفه الشافي في كل لطائف الخلق ودقائقه :

قال الإمام الصادق عليه السلام للمفضل : فكر في هذه العقاقير ، و ما خص بها كل واحد منها من العمل في بعض الأدواء ، فهذا يغور في المفاصل فيستخرج الفضول الغليظة مثل الشيطرج ، و هذا ينزف المرة السوداء مثل الأفتيمون ، و هذا ينفي الرياح مثل السكبينج ، و هذا يحلل الأورام ، و أشباه هذا من أفعالها .

فمن جعل هذه القوى فيها ؟ إلا من خلقها للمنفعة . و من فطن الناس لها ؟ إلا من جعل هذا فيها . و متى كان يوقف على هذا منها بالعرض و الاتفاق ؟  كما قال القائلون : و هب الإنسان فطن لهذه الأشياء بذهنه ، و لطيف رويته ، و تجاربه .  

فالبهائم كيف فطنت لها حتى صار بعض السباع ، يتداوى من جراحة ، إن أصابته ببعض العقاقير فيبرأ ، وبعض الطير يحتقن من الحصر يصيبه بماء البحر فيسلم ، و أشباه هذا كثير .

ولعلك تشكك: في هذا النبات النابت في الصحاري والبراري حيث لا أنس ولا أنيس ، فتظن أنه فضل لا حاجة إليه ، و ليس كذلك بل هو طعم لهذه الوحوش ، و حبه علف للطير ، و عوده و أفنانه حطب فيستعمله الناس ، و فيه بعد أشياء تعالج بها الأبدان ، و أخرى تدبغ بها الجلود ، وأخرى تصبغ الأمتعة ، و أشباه هذا من المصالح .

 أ لست تعلم : أن من أخس النبات و أحقره هذا البردي ، و ما أشبهها ، ففيها مع هذا من ضروب المنافع ، فقد يتخذ من البردي القراطيس التي يحتاج إليها الملوك و السوقة ، والحصر التي يستعملها كل صنف من الناس ، ويعمل منه الغلف التي يوقى بها الأواني ، و يجعل حشو بين الظروف في الأسفاط لكيلا تعيب و تنكسر . و أشباه هذا من المنافع . فاعتبر بما ترى : من ضروب المآرب في صغير الخلق و كبيره ، و بما له قيمة و ما لا قيمة له ، و أخس من هذا و أحقره الزبل و العذرة ، التي اجتمعت فيها الخساسة و النجاسة معا ، و موقعها من الزروع و البقول و الخضر أجمع ، الموقع الذي لا يعدله شي‏ء ، حتى أن كل شي‏ء من الخضر لا يصلح و لا يزكو إلا ، بالزبل و السماد الذي يستقذره الناس و يكرهون الدنو منه [33].

 

 

الإشعاع الثاني :

ظهور نور الله الشافي في الأعمال والثمار والحيوانات والجمادات :

يا شافي : أرزقنا الحلال الطيب ، وجنبنا الخبائث والمحرمات :

قال الله الشافي :{ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ الله الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ
مِنَ الرِّزْقِ
قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ
كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32) قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُو بِالله مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله مَا لاَ تَعْلَمُونَ (33)} الأعراف .

{ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ
 
وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ
وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النور الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (157) } الأعراف .

يا طيب بفضل الله الشافي : إن الله حلل لنا كل طيب طاهر ، وحرم علينا الخبائث وكل ما يذهب العقل ويخالف العدل ، ولذا لم يجعل في محرم دواء :

فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : سَأَلَ رَجُلٌ أَبَا عَبْدِ الله عليه السلام :

 عَنْ دَوَاءٍ عُجِنَ بِالْخَمْرِ نَكْتَحِلُ مِنْهَا ؟

 فَقَالَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام : مَا جَعَلَ الله عَزَّ وَ جَلَّ فِيمَا حَرَّمَ شفاء [34].

وإنما الدواء الذي فيه شفاء : في أعمال طيبة توجب الطهارة وجمال المنظر وحسن الخلقة والخُلق ، ولذا نختار ذكر بعض ما يوجب الشفاء دفعا للبلاء أو رفعا له بعد حصوله ، وبأعمال وأشياء محللة طيبة طاهرة عرفنا بها الله الشافي في هداه وسنة نبيه وآله صلى الله عليهم وسلم ، ونختار اليسير لنعرف مظهرا من مظاهر الشافي فيها :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

من قلم أظافيره يوم الجمعة ، أخرج الله من أفاصيله داء ، وأدخل فيه شفاء[35].

وقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم : دَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ [36].

وعَنْ الإمام عَلِيٍّ عليه السلام قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم :

إِذَا رَأَى الْفَاكِهَةَ الْجَدِيدَةَ قَبَّلَهَا وَ وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ وَ فَمِهِ .

 ثُمَّ قَالَ : اللهمَّ كَمَا أَرَيْتَنَا أَوَّلَهَا فِي عَافِيَةٍ فَأَرِنَا آخِرَهَا فِي عَافِيَةٍ [37].

 وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

يا علي ، إن الوضوء قبل الطعام و بعده ، شفاء في الجسد ، و يمن في الرزق [38].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام : كلوا ما يسقط من الخوان ، فإن فيه
شفاء من كل داء بإذن الله لمن أراد أن يستشفي به
[39] .

 وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

 خالفوا أصحاب السكر ، و كلوا التمـر فإن فيه شفاء من الأدواء [40].

عن بكر بن صالح عن الجعفري قال سمعت أبا الحسن الأول عليه السلام يقول : التفاح شفاء من خصال ، من السم و السحر و اللمم يعرض من أهل الأرض ، و البلغم الغالب ، و ليس شي‏ء أسرع منفعة منه [41].

وفيما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله عليا عليه السلام أن قال :

يا علي : افتتح طعامك بالملح ، فإن فيه شفاء من سبعين داء ، منها الجنون ، و الجذام ، و البرص ، و وجع الحلق ، و الأضراس ، و وجع البطن [42].

وقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : لَعْقُ الْعَسَلِ شفاء مِنْ كُلِّ دَاءٍ . قَالَ الله عَزَّ وَ جَلَّ : { ذُلُلاً يَخْرُجُ مِن بُطُونِهَا شَرَابٌ مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شفاء لِلنَّاسِ (69) } النحل ، وَ هُوَ مَعَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ، وَ مَضْغِ اللُّبَانِ ، يُذِيبُ الْبَلْغَمَ [43].

وعن عبد الله بن سنان قال قال أبو عبد الله عليه السلام :

 في سؤر المؤمن شفاء من سبعين داء [44].

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : ماء زمزم دواء لما شرب له [45].

قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : قَالَ الله تَبَارَكَ وَ تعالى : وَ نُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شفاء وَ رَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ . وَ قَالَ الله عَزَّ وَ جَلَّ : يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِها شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ فِيهِ شفاء لِلنَّاسِ .

وَ قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله ، الْحَبَّةُ السَّوْدَاءُ شفاء مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ .

 وَ نَحْنُ نَقُولُ : بِظَهْرِ الْكُوفَةِ قَبْرٌ لَا يَلُوذُ بِهِ ذُو عَاهَةٍ إِلَّا شَفَاهُ الله تعالى [46].

وعَنْ زَيْدٍ الشَّحَّامِ عَنِ الصَّادِقِ عليه السلام قَالَ : إِنَّ الله جَعَلَ تُرْبَةَ الْحُسَيْنِ شفاء مِنْ كُلِّ دَاءٍ ، وَأَمَاناً مِنْ كُلِّ خَوْفٍ ، فَإِذَا أَخَذَهَا أَحَدُكُمْ فَلْيُقَبِّلْهَا وَلْيَضَعْهَا عَلَى عَيْنِهِ ، وَ لْيُمِرَّهَا عَلَى سَائِرِ جَسَدِهِ ، وَلْيَقُلْ :

اللهمَّ : بِحَقِّ هَذِهِ التُّرْبَةِ ، وَ بِحَقِّ مَنْ حَلَّ بِهَا ، وَ ثَوَى فِيهَا ، وَ بِحَقِّ أَبِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَخِيهِ ، وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ وُلْدِهِ ، وَ بِحَقِّ الْمَلَائِكَةِ الْحَافِّينَ بِهِ ،
 إِلَّا
جَعَلْتَهَا شفاء مِنْ كُلِّ دَاءٍ ، وَ بَرْءاً مِنْ كُلِّ مَرَضٍ ، وَ نَجَاةً مِنْ كُلِّ آفَةٍ ، وَ حِرْزاً مِمَّا أَخَافُ وَ أَحْذَرُ.
ثُمَّ يَسْتَعْمِلُهَا ، قَالَ أَبُو أُسَامَةَ : فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُهَا مِنْ دَهْرِيَ الْأَطْوَلِ ، كَمَا قَالَ وَ وَصَفَ أَبُو عَبْدِ الله عليه السلام فَمَا رَأَيْتُ بِحَمْدِ الله مَكْرُوهاً [47].

يا طيب بفضل الله الشافي : إن في تداول الأيام بين الصحة والمرض فيه آيات ترينا فضل الله لنا ، ولولا المرض والموت لما تواضع الإنسان لشيء ولطغى ، ولكنه حين يضعف يرى أنه مستضعف أمام قوة عظيمة تحيط به ، ومنه قوامه ، ولذا يأخذ الله اللطيف العظيم الشافي الذي له الأسماء الحسنى بالرخاء والسراء والبأساء والضراء ، ويداول الأيام بين الناس ، ويرفع ملوكا ويضع آخرين ، ليعلم الناس أنهم ليس على شيء ، ثم يريهم في مرضهم أن دوائهم في أعشاب لا يعار لها أهمية ونبات لا قيمة له ومركبات لحجر وتراب ، وعسل من فضل حيوانات النحل وإن كان طاهرا .

كما علم المؤمنين : أمورا كريمة بها يسمون عن المادة ويتعظون بالمرض والموت والبلاء ، فيرجعون لله في كل أحوالهم وبالخصوص حين البلاء بالتضرع له والدعاء ، والظهور بمظاهر كريمة من تقديم الصدقة والحب للمؤمنين والود للصالحين ، فيرون في سؤرهم شفاء ، وفي ماء كرمه الله في زمزم دواء ، وفي تراب الكرامة الذي سكب عليه العدل ورواه حب الله الشافي من آل رسول الله وسبطه سيد الشهداء حُصن وشفاء ، وطبعا له آداب ذكرها الحديث على أن لا يكثر منه بل أقل من الحمصة أو قدرها ، وهذه كرامات مجربة يعرفها الطيبون ، على أن المؤمن مأجور بمرضه ، فتدبر :

عن وسف بن إسماعيل بإسناد له قال : إن المؤمن إذا حم حمى واحدة تناثرت الذنوب منه كورق الشجر، فإن أنَّ على فراشه فأنينه تسبيح وصياحه تهليل ، وتقلبه على فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل الله ، فإن أقبل يعبد الله بين إخوانه و أصحابه ، كان مغفورا له ، فطوبى له إن تاب ، و ويل له إن عاد ، و العافية أحب إلينا [48].

وإذا عرفنا لطف الله الشافي : في الحمية والأعمال والنبات والمواد ، نتدبر.


[28] غرر الحكم ص 483ح 11149. ص 483ح 11160. ص 484ح 11174. ص481ح11085. ص484ح11179. ص484ح11180. ص 483 ح 11164. ص 483ح 11165. ص484ح11181. ص484ح 11186.

[29] بحار الأنوار ج59ص267باب88نوادر طبهم عليهم السلام وجوامعه حديث 43 .

[30] فقه‏ الإمام الرضا عليه السلام ص 340 ب90 .

[31] وسائل‏ الشيعة ج2ص408ب4 ح2490 .

[32] الجعفريات ص167.

[33] توحيد المفضل ص163 العقاقير و اختصاص كل منها .

[34] الكافي ج 6 ص414 باب من اضطر إلى الخمر للدواء حديث 6 .

[35] الجعفريات ص29 .

[36] وسائل ‏الشيعة ج2ص433ب22ح2564 .

[37] وسائل‏ الشيعة ج2ص170ب114ح1848 .

[38] المحاسن ج2ص424ب30ح222 .

[39] المحاسن ج2ص444ب43.

[40] المحاسن ج2ص533ب110ح 792 .

[41] المحاسن ج2ص553ب115ح 898 .

[42] المحاسن ب2ص593ح19 ح110 باب الملح .

[43] الكافي ج6ص332باب العسل ح2 .

[44] ثواب‏ الأعمال ص151 .

[45] المحاسن ج2ص573ب2ح19.

[46] بحار الأنوار ج92ص15ب55 .

[47] وسائل ‏الشيعة ج14ص522ب70ح19740 .

[48] ثواب ‏الأعمال ص192.

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.msn313.com

يا طيب إلى أعلى مقام صفح عنا رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم السلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة شرح الأسماء الحسنى رزقنا الله نورها