الحمد لله رب العالمين : الأول قبل الإنشاء ، والأخر بعد فناء الأشياء ، والعليم القادر والحي القيوم الذي لا تأخذه سنة ولا نوم ، والواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، والذي شهد لنفسه وشهدت له ملائكته وأولي العلم من خلقه بقيامه بالقسط والعدل ، وإذا أراد شيء قال له كن فيكون ويجعل له أسباب وعلل ، فقدر الخلق وأوجده ، وأحكم ما سواه فأتقنه ، وعدل ما صنعه فأحسنه ، وبالحق لما يستحقه جعل منتهاه ، وكل موجود حسب حاله واستعداه أعطاه ، ولما فيه صلاحه بالتكوين والتشريع رباه ، ولغايته هداه ، وبالخصوص خلاصة الوجود وما ذرى ، والذين أنعم عليهم نعم لا تحصى ، وهي للمؤمن تدوم وتبقى ، وجعل لهم الهداية بخاتم الأنبياء المصطفى ، وبإطاعته وعبادة الله بدينه كل المنى ، وعليهم أتم نعمته وبالإسلام لهم رضا ، وخص لمن أخلص له كل نعيم وغنى ، وسعادة وراحة خالدة لا تبلى.
فالصلاة والسلام : على خلاصة العباد وأفضل المؤمنين بالله المصطفين الأخيار ، من أنبياء الله ورسله وأولياءه ومعرفي دينه الأطهار ، وبالخصوص خاتمهم وسيدهم ، وأفضل موجود وأحسنهم ، نبينا الكريم الذي جعله الله سراج منيرا وبشيرا نذيرا ، وكان في ما أنزل عليه في كتابه المعجز الخالد ليوم القيامة وفي سنته كل الهدى ، وعلى آله الطيبين الطاهرين الذين هم أوصياء له وبحق خلفاء ، والمحافظين على دينه بكرامة من الله له ولهم ولنا ، وأصبح نعيم الهداية منهم يؤخذ بصراط مستقيم ليوم الدين ، وبالله يستعين المؤمن حتى يتأسى بهم ويقتدي فيكون من حزب الله المفلحين الغالبين ، ولكن بشرط أن لا يوالي غيرهم من أهل الضلال الذين هم عن رحمة الله وكرامته مبعدين .
وأما بعد : فهذه صُحف أسأل الله أن تكون مطهرة ، ومرفوعة عند الله في بيان أصول الدين مكرمة ، وفيها ما يجب معرفته من عقائد المسلمين وسيرة أئمة الحق المعصومين ، وسميتها ( موسوعة صحف الطيبين ) ، وكان أولها صحيفةالتوحيد ، وهذه هي بين يد طيب يطلب معرفة الله وطاعته وهو له من المحبين ، وجعلتها بأسلوب سهل متيسر الفهم للطالبين ، وفيها أهم ما يصبوا له أهل معرفة توحيد الله رب العالمين ، وبالخصوص في جزءها الثاني هذا الذي خُصص للكاملين من المؤمنين الطيبين ، وهي كما سترى لها بيان محكم بأسلوب عصري جميل سهل المنهل ، شارعة لكي يُغترف ما فيها من علم مذاقه في العقل والقلب أحلى من العسل ، وبإذن الله بها تحصل معرفة تطمئن بها النفس التي في بحثها منصفة ، فتكون لمعارف أصول دين الله من الإيمان به وتوحيده وما يترتب عليه بيقين متعلمة وعارفة .
فإنه يا أخي : قد كتبت قبلها صحيفةالتوحيد الأولى وهي مختصرة تخص براعم الوجود واليافعين ، وفيها قصص وحكايات في معارف التوحيد ويدل عليها العقل والعرف والوجدان وآداب الدين ، وقبلها كتبت مقالا في باب التوحيد من كتاب هذه أصول ديني ، وهذه الصحيفة الثانية من التوحيد وهي للكاملين ، وفيها مطالب تخص المعرفة وأدلة التوحيد ومعارف عامة في الأسماء الحسنى ، وتكملها صحيفة الأسماء الحسنى التي نشرح فيها تسعة وتسعين أسما من أسماء اللهتعالى ، ثم تأتي بعدها صحيفة في التوحيد تكون صحيفةالتوحيد الثالثة وهي للعارفين ، وتكملها صحيفة إن شاء الله تعرفنا معارف في أمور التكوين ، وما يجب أن يعمله بعد العلم بمعارف التوحيد المؤمنين الطيبين ، وفيها قسم في التوكل على الله وتفويض الأمر إليه ، وقد يتعدى الجزء الثاني لصحيفة في مواعظ ترغبنا بالإخلاص والطاعة لرب العالمين ، وإن كتبنا في هذا المجال صحيفة باسم صحيفة الطيبين بدل صحيفة الأبرار والمقربين ، وأسأل الله تمام ما شرعنا فيه ودونا.
فيا طيب: أنظر في صحيفةالتوحيد هذه بتدبر وعاين مطالبها بتمعن ، فإن فيها دليل محكم لمعرفة ما يمكننا من الإيمان بتوحيد خالقنا المعبود ، وبرهان حسن لمعرفة أشرف وأكمل معارف الوجود ، فإنها غاية ما يطلبه المحبون لمعرفة وطاعة وعبادة رب العالمين ، وخلاصة ما علّمه في معارف توحيده الله ربنا ونبيه المصطفى وآله الأخيار الطبيين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم أجمعين .
فأسأل الله : أن ينفعنا بهذه الصحيفة وبكل ما دوناه في موسوعة صحف الطيبين ، ويرضى بالإيمان بما فيها عنا ، ويؤيد صدق مطالبها ويقبلها اعتقاداً كاملاً لنا ، فيا إلهي إني بذلت في هذه الصحف كل ما يمكن من معرفتي وسعيي ، وبينت يا إلهي ما يمكنني من ضرورة توحيدك بكل جهدي ، فشرحت في هذه الصحيفة الأصل الأصيل لديني وما يجب عليَّ من الإيمان بمذهبي ، والذي فيه كل عز أرجوه منك يا ربي وكرامة ومجد يكون لأخواني المؤمنين ولي ، فإني طلبت بها يا أرحم الراحمين طاعتك ورضاك عليَّ ، وعبادة بينت فيها هداك وكل إخلاص لك لديَّ ، فتقلبها يا ربي خالصة لك يا كريم فإنك أرحم الراحمين .
الإهداء لمولاي وإمام زماني الحجة بن الحسن عجل الله تعالى فرجه :
وأهدي يا ربي : هذه الصحيفة التي فيها خلاصة إيماني بك وأفضل أعمالي ، لسيدي ومولاي الحجة محمد بن الحسن العسكري ، فإنه بأمرك كان إمام زماني وسيد أهل الأرض وصار المهدي ، والذي بطاعته وبالإقرار بولايته يتم كل ما يترتب على الإيمان بك والهدى ، فيا ربي بإيماني بمعرفته بالإمامة يكون لنا رضاك ونأمل رحمتك بكل ما يرتجى ، فما أجمل لطفك يا إلهي إذ لم تتركنا بدون هادي لصراطك المستقيم ، وتمت نعمتك علينا وصار لدينا مذهب ودين قويم ، إذ عرّفته لنا بأنه بقية صالحة من سيد المرسلين ، وخليفة له علينا بعد آباءه الطيبين الطاهرين ليوم الدين ، فكان هو العصمة والملاذ والمرتجى لإقامة العدل وعز المؤمنين، فأرجو أن تدعوني به يوم يدعى كل أناس بإمامهم يا رب العالمين.
فيا سيدي ومولى : يا بن السادة المقربين ، يا بن الهداة المهديين والأطايب المطهرين ، ويا صاحب البيت المرفوع بذكر الله ليوم الدين ، يا حجة ابن الحسن يا صاحب الزمان سلام الله عليك وعلى آبائك الطيبين الطاهرين ، وأنا في مناسبة يوم ميلادك الشريف في 15شعبان سنة 1423 أدون هذه المقدمة لصحيفةالتوحيد من أصول ديني ، وخلاصة ما علمنا الله بكم وهدانا لمعرفته وتوحيده بفضلكم ، فأشهد لي بالإيمان والعمل بالإخلاص لله بما كتبت فيها ، وبكل أعمالي اليوم ويوم يدعونا الله ربنا بكم ، وهو يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ، فإن أقر بالإيمان بكل ما فيها من الدين والهدى ، وأعترف وأقر بالتسليم والوفاء والنصيحة والولاية والإمامة لكم ولآلكم .
فيا ربي ويا إلهي : أقبل إلينا بوجهك الكريم أكرم الوجوه ، واقبل تقربنا بوليك وآله إليك ، وأنظر إلينا نظرة رحيمة نستكمل به الكرامة عندك ، ثم لا تصرفها عنا بجودك ، واسقنا ووالدينا وإخواننا في الإيمان من حوض جده صلى الله عليه وآله وسلم ، وبكأسه وبيده ريا رويا هنيئاً سائغا لا ظمأ بعده أبدا ، برحمتك يا ارحم الراحمين ، وصلى الله على نبينا محمد وآله الطاهرين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .