بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين

التحكم بالصفحة + = -

تكبير النص وتصغيره


لون النص

أحمر أزرق أخضر أصفر
أسود أبيض برتقالي رمادي

لون الخلفية


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

الباب الثاني
أدلة توحيد الله تعالى المتقنة وبراهينه المحكمة



الذكر السابع

نور الأنبياء وأوصياءهم موجب للإيمان بالله وتوحيده

يا طيب : إن هذا البرهان في هذا الذكر في الحقيقة من أعظم البراهين الدالة على نور معرفة الله سبحانه وتعالى ، لأنه من خلال معرفة هدى الله التشريعي ، ومن ثم للإشارة في طي التدبر به لهدى التكوين ، ونظم الكون والوجود كله ، وكما عرفت بعض بحوثه في ذكر البراهين السابقة ونور أدلتها .

وفي هذا الذكر : نور برهان يبين الحقيقة التي تبين غاية الوجود والكون ، وحُسن خلقهِ ، وإتقانه صُنعه ، وبيان لأفضل نعم الله فيه ، وهو أنه تعالى بعث الأنبياء والرسل وحافظ على دينه وهداه التشريعي بالأوصياء ليهدي عز وجل الموجود المفضل لأحسن عبوديته وطاعته ، والتي فيها كل نعيم وخير وبركة وعزة وكرامة ، وإنه بهذا الهدى : حَسُن الوجود وبان جمال إتقانه ، وظهرت حكمته ، وعُرف الله وعبد ، وإن الذكر لنور البراهين السابقة هو لنصل لما يوصل له هذا البرهان في نتائجه ، ولذا سنجعل هذا الذكر في نور براهين وبيان الهداة لدين الله تعالى ، وذلك ليعرف بأهم معرفة ، ولتقام له العبودية بحق وصدق وإخلاص ، ومن قلب مطمئن فرح بما هداه لله به لدينه وعرفه عظمته .

والذكر يا أخي هذا : ونور ذكر البرهان بعده متتم له في بيان المعجزة الخالدة الإلهية ، والتي تناسب شأن الإنسان ، وهي توقفه على حقائق من الشأن الكريم للخالق سبحانه وعظمة وحجة البالغة ، والتي يعجز عنها الإنسان مهما أوتي من العلم والبيان والتفكر ، ولا يمكنه أن يسعد إلا بمعرفة الهدى الذي في كلام الله المجيد وتعاليمه ويخلص له في عبوديته بدينه ، هذه البراهين وأدلتها بين يديك يا طيب فتدبر بها ، ونسأل الله أن يوفقنا لأداء حقها من البيان وينفعنا بها.

الإشراق الأول :

 دلالة الرسل وأوصياءهم على معرفة الله وتوحيده عقلا :

يا طيب : هنا نفصل ونتذكر ما مر في التمهيد : في موضوع دفع الضرر المحتمل واجب عقلاً ببيان : إن إخبار الطيبين والصالحين وبالخصوص الأنبياء والمرسلين وأوصياءهم الطاهرين عن وجود إله ورب خالق لكل شيء ، وإن منه وحده لا شريك له تأتي للإنسان كل نعم الكون التكوينية والتشريعية ، وإنهم ينذرون الناس العاصيين عقابه الشديد وحرمانهم بركاته ؛ وهذا يكون موجب للألتفات لإخبارهم ومعرفة إنذارهم وتبشيرهم والتدبر فيه ومعرفة حقيقته .

كما هو سماع نداء : ما فيه مصلحتنا وخيرنا في ما يهدوننا إليه ، ولكي لا يفوتنا بركات ما عندهم ، ولكي لا نقع في الضرر الذي يُحذرون منه ، كما وجب علينا عقلاً الالتفات لما تخبر عنه إشارات المرور أو خبر طفل صغير ، كما أشار إليه بيان أخر في التمهيد معنون بأن : حب الإطلاع يستوجب النظر في تعاليم ومعارف الإلهيين .

بل مبدأ شكر المنعم واجب عقلاً : كذلك ينطبق على موضوع إرسال الرسل ، من حيث إن الله أنعم على عبادة وهداهم بإرسال رسله إليهم ليعلموهم ما يوصلهم لصلاحهم ، وجمعهم على العدل والإحسان ، فضلاً عن ما يرشدوهم لأدلة معرفته وتوحيده تعالى ، فوجود الرسل والأنبياء وأوصياءهم من أكبر النعم الإلهية ، وهذا يقتضي شكر لله تعالى لما أنعم علينا بهم .

فبالإضافة للأمور التكوينية : الدالة على معرفة الله تعالى التي مر ذكرها  ، فإنه سبحانه وتعالى تفضل على البشر بأن أرسل إليهم أنبياء ورسل واجتبى لهم أوصياء ، لكي يدلوا العباد لكيفية معرفته ومعرفة هداه التشريعي سبحانه ، وهم عليهم السلام يقومون بكلامهم الحسن وسيرتهم الكريمة بتوجيه الناس لطلب الكمال والجمال والخير من الله تعالى بعد تعريفهم عظمة توحيده وأسمائه الحسنى.

وبما يبينون من الموعظة : والإرشاد والجدال الحسن الذي يثيرون به دفائن العقول ، ومكنون الفطرة ، وترشيد التفكير للتوجه لله ومعرفة تعاليمه سبحانه ، وكل ذلك بأقوى دليل وأحكم برهان يُقنع الإنسان المنصف الذي يحب الخير والفضيلة لنفسه ولأهله ولمجتمعة ، وهم الذين كان لهم الفضل الكبير على طول التأريخ في جعل الأمم والشعوب تؤمن بالله تعالى ، ويطلبوه بالطاعة والعبودية وبكل ما أمر به ، ويحذروهم اجتناب كل ما نهى عنه من المحرمات والخبائث .

 

الإشراق الثاني :

إرسال الرسل أكبر الأدلة على معرفة الخالق :

يا أخي إن إرسال الرسل : كان وما يزال من أكبر الأدلة على وجود الله تعالى ، وبرهان قوي على أن كل كمال وجمال منه سبحانه وأعلاه ، وإن إرسال الرسل كان مصحح لمسير الإيمان بين الناس ، ومرشد للعقل وللفطرة وموجههما التوجيه الصحيح لمعرفة الله سبحانه وتعالى ولتعاليمه القيمة .

والحق إن إرسال الرسل : ووجود أوصياءهم المحافظون على تعاليمهم هو أعظم النعم الإلهية وأهم من كل النعم الكونية ، وكل ما موجود من زينة الحياة الدنيا ، إذ ما فائدة الدنيا وما فيها ولم يعرف الإنسان ربه ولم يطمئن ولم يُأمن ولا يرتاح بمعرفته وذكره تعالى ، فإنه لولا وجودهم الكريم لرأيت كل الناس يعبدون الدينار والدرهم ، أو يعبدون حجرا أو بقرا أو نارا أو شمسا أو قمرا أو نجوما وغيرها ، ولم تجد من يعرف قيم صالحة ، فضلاً من معرفة الله وتوحيده ، ولحكمت شريعة الغاب ، ولما عُرف للعدل والإحسان معنى ، ولا للإنسان كرامة وقيمة وعز واطمئنان وشرف يعتد به .

 بل وجودهم الكريم كان : أهم من إعطاء العقل والفطرة : إذا ما فائدة الفطرة والعقل إذا لم توجه الإنسان لله تعالى ولم يتمكن بهما من الحصول على تعاليم الله الحقيقية ، فما أكثر الناس الذين خلق الله فيهم الفطرة والعقل ولكنهم لم يؤمنوا وحرفتهم مشاكل الدنيا عن الحق ، وغرتهم زينتها وأضلهم الهوى والشيطان عن الصراط المستقيم ، وبتوسط الرسل والأنبياء عرفوا الله تعالى وتوجهوا إليه سبحانه وبتوسط أوصيائهم عصموا من الانحراف عن الحق ، راجع قصص القرآن المجيد المبينة لقصص الأنبياء الكرام مع أممهم ؛ تعرف أهمية وجود الهداة الإلهيين والمصطفون لهداية العباد لتعاليم الحق سبحانه .

فإذاً يا أخي : يكون وجود الأنبياء والأوصياء : أهم موجه فكري وعملي لمعرفة الله تعالى ولتعاليمه ولطاعته ولعبوديته ، والتي بها يصل العباد لكمالهم التام وغرض وجودهم والغاية التي من أجلها خلقوا ، وبوجودهم الكريم بان الهدى التشريعي بعد الهدى التكويني ، وبان بأن الله لم يترك عباده يتيهون ويضلون في هذا الكون والحياة الدنيا ومشاكلها ، ولم يتركهم يتخبطون في الغي والعدوان من غير سراج منير ولا من هادي ونذير .

فإذا كان أكبر نعم الله : هي وجود الأنبياء والرسل وما بينوا من تعاليم في الأديان الإلهية ، فأعلم إن أشرف معرفة الله وتعاليمه في الإسلام من أول يومه إلى يوم القيامة ، والإسلام وهداه : هو أكبر نعم الله تعالى على البشر ، وإن الهداة لتعاليمه نبينا الأكرم خاتم المرسلين وأشرفهم وحبيب رب العالمين محمد المصطفى البشير النذير والسراج المنير .

ثم أوصياء نبينا الكريم وخلفاءه بالحق آله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، وهم دليل الإيمان وهدى الرحمان والذين يُعصم الناس بهم عن الانحراف والوصول الصحيح للهدى ، وإلا فما فائدة التعاليم التي تؤخذ من المنافقين والمنحرفين عن الدين وإن تسموا مسلمين ، وتصبغوا بلباس المرشدين وهم همهم الدنيا ولعق زخارفها ، ولو بالتملق للكفار والمنافقين والفجار والفاسقين ، ولو بالظلم والعدوان وعدم معرفة شيء لحرمة مؤمن ولا إنسان .

 

الإشراق الثالث :

آيات تنورنا أهمية بعث الأنبياء  في أرشدنا للإيمان بالله وبهداه :

إليك يا طيب آيات كريمة : تبين إن غرض بعث الأنبياء هو لطف الله العام ونعمه التي لا تحصى ، والتي كان أهمها تعليم عبادة عبوديته وشكره على نعمه ، والذي فيه اطمئنان النفس الذي يحصل لها بذكره سبحانه ولا ترتاح لشيء بعده ، فبعد نعم الكون والهدى التكويني في الترتيب ، يأتي هدى الله ببعث الأنبياء وهو أعلى مرتبة من الهدى الكوني ، وهذه جملة من الآيات في هذا المعنى:

قال الله تعالى : { إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلَا فِيهَا نَذِيرٌ } فاطر 24 ، فهذه آية كريمة تبين إن سنة الله في كل الأمم وعلى طول التأريخ الإنساني ، كانت بعث الأنبياء وأرسل الرسل لهم ليهدوهم ويبشروهم بثواب الله ونعيم معارفه ، ويحذروهم المعصية وينذروهم الطغيان على أوامره وعواقبه الوخيمة ، وهذا ما يشهد له التأريخ وآثاره ، فإنك لا ترى زمان ولا بقعة في الأرض تخلوا من المتدينين الطالبين لعبودية الله تعالى بدين سماوي ، وكله كان لتأثير دعوة الأنبياء لأقوامهم وللأمم المحيطة بهم للإيمان بالله تعالى .

وما تجد الآن في قوانين الدول : ونداء المصلحين ، وكل المتصدين للحكم فيما يطبقون من تعاليم ومعارف العدل والمساواة والنداء لها ولو عملوا خلافها في الواقع ، فكله كان وما يزال بفضل نداء الأنبياء السابق الذي جعل الحكام يغطون به ملكهم ويراعوها قدر الإمكان لكي يستمر حكمهم .

ولو لم يكن تنبه الناس وفق إرشاد الأنبياء ونزول تعاليم الله : لرأيت الجهر بالفسق والفجور والظلم والعدوان والطغيان يعم العالم ، ولم تجد إنسان واحد يدعوا للفضيلة أو يحاول أن ينادي بها ويدعوا لها ، ولكان يتجاهر الحاكم بكل ظلم وعدوان ويغصب كل شيء ، ولرأيت يُعطى الحق فيما يفعل ولا يلام على كل قبيح يعمله ، بل ولأدعى إنه رب يشرع بما يراه كما كان في الأمم السباقة كالفراعنة ونمرود وغيرهم ، ولم يجرأ أحد على معارضته.

وأما كون انحراف الناس عن الحق : بمرور الزمان ويحسبون إنهم على الهدى ، فهذا له قصة أخرى فليس المقصر فيها الله ولا رسله ، بل الناس لكونهم مقلدون أو يركنون للشهوات والراحة ، فلا يبحثون عن الدين الحق والدليل الصادق ، ولا عن المبادئ الصالحة التي بيد الأنبياء وأوصياءهم الحقيقيين الذين أختارهم واصطفاهم الله تعالى لهداية عباده .

وقد قال سبحانه : { لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ } الحديد 25 ، وهذه الآية الكريمة تبين إن الله تعالى أمر رسله : أن يقيموا العدل بين الناس ، ويعلموهم تعاليمه ، ويطلبون منهم نصرها بالإيمان بها ونشرها ، وإن ما بيد الناس من خير التعاليم ، وفضيلة الأخلاق ، وحسن السيرة والتظاهر بها ، فهو من بركة دين الله المنزل على الأنبياء الكرام .

وقال عزّ وجلّ : { إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللهُ مُوسَى تَكْلِيمًا *

 رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللهُ عَزِيزًا حَكِيمًا * لَّـكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللهِ شَهِيدًا * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّواْ ضَلاَلاً بَعِيدًا } النساء 163 ـ 166 ، فهذه أسماء بعض الأنبياء عليهم السلام في العصور المختلفة وحجة الله البالغة على جميع الأمم .

وقد مر عليك حجة نبي الله : إبراهيم عليه السلام في بيانه لمعرفة الله الذي لا يأفل ولا يزول ، وراجع حججه وبراهينه القوية على معرفة الله تعالى مع قومه في القرآن الكريم ، وكسره للأصنام ، ومحاجته مع النمرود حاكم زمانه ، وكذا حجج باقي الأنبياء من أدم ونوح ويعقوب ويوسف وشعيب وموسى وعيسى ، وباقي النبيين عليهم السلام في القرآن المجيد ، تراها مشحون بالأدلة القوية والبراهين المحكمة الدالة على معرفة الله تعالى ، والموجه والمرشدة للعباد للحق من المنطق والبيان ، والاستدلال على وجوب الإيمان بالله وطاعته وحده لا شريك له ، ولولا التطويل لذكرت الكثير من بيانهم وتعاليمهم وحججهم .

وعلى كل حال : إذا عرفت إن الله تعالى لم يهمل البشر في توجيههم لمعرفته بكل صورة ممكنة من الكون والعقل والفطرة والنفس ووجود الأنبياء ، وكما ترى في قصص الأنبياء مع أممهم ، هناك بيان لقصص أوصياء الأنبياء وخلفائهم في دعوتهم وبيانهم وحججهم للإيمان بالله وتوحيده سبحانه ، وإن كان بعض أوصياء الرسل أنبياء أيضاً أو حكماء كلقمان ومؤمن آل فرعون أو هارون أخو موسى أو الحواريين لعيسى ، وإن لهم كان الجهد الكبير في النشر لهداهم ، والمحافظة على تعاليم الرسل من الانحراف والتحريف ، وعرفت بعض أدلة وبراهين أوصياء نبينا الكريم من آله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين في مطاوي هذا الكتاب وسيأتيك بعض آخر .

وقال الله تعالى : { ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللهَ غَفُورٌ شَكُورٌ }الشورى23 ، وهذه من الآيات المهمة التي توجه المؤمنين لطب تعاليم الله بعد النبي من آله وقرباه لكي لا ينحرفوا عن الحق ، وتمام الكلام في بحث الإمامة الأصل الرابع للدين إن شاء الله وأنظر صحيفة الثقلين وغيرها من موسوعة صحف الطيبين .

 

الإشراق الرابع :

وجود الأنبياء وأوصياءهم دليل على توحيد الله بعد معرفته :

عرفت يا طيب : إن وجود الأنبياء وأوصياءهم أقوى الأدلة وأهمها على وجوب الإيمان بالله تعالى ومعرفته ، وكذلك يدل وجودهم الشريف على توحيد الله تعالى وحده لا شريك له سبحانه .

وذلك لأن دين الله : الذي يدعوا له جميع الأنبياء من آدم إلى خاتم الأنبياء وأوصياء نبينا الكريم وإلى يوم القيامة ؛ هو دين واحد ، ويدعوا لإله ورب وخالق واحد لا شريك له ، وهذا دليل محكم وقوي لمعرفة إن المرسِل لهم والذي بعثهم وأختارهم واصطفاهم إله ورب واحد لا شريك ولا مثيل ولا ند ولا نظير له ، ولم ترى دين واقعي وعنده تعاليم فيها هدى يذكر ، ويدل على وجود أكثر من إله واحد خالق للعالم ومربي وهادي له .

وحتى الديانات المشركة والمنحرفة : تعرف إن خالق الكون واحد ن وإنما تنسب له مخلوق شريف وتجعله له صاحبة أو ولد ، أو تنسب له شفيع في توصيل فيضه تعالى للكائنات ، مع كون أصحابها يوقنون إن خلقهم واحد وهؤلاء شفعاء وواسطة لفيضه تعالى ، وليس بخالقين ولا موجدين لهم ، وهذا دليل على أن أصل الدين والتعاليم هو التوحيد ، والانحراف يأتي بعد ، لعدم الاعتناء بتعاليم الأنبياء ، ولعدم أتباع خلفائهم الحقيقيين .

وخير بيان وبرهان : لدلالة وجود الأنبياء على وجوب الإيمان بالله وتوحيده سبحانه بعد كلام الله المجيد ونبينا الكريم ، هو قول سيد الأوصياء وأفضل خلفاء الأنبياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وصيته لأبنه الحسن سبط رسول الله الأعظم عليهم الصلاة والسلام ، قال عليه السلام :

(( وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ ، أَنَّهُ لَوْ كَانَ لِرَبِّكَ شَرِيكٌ لأَََتَتْكَ رُسُلُهُ ، وَلَرَأَيْتَ آثَارَ مُلْكِهِ وَسُلْطَانِه ِ، وَلَعَرَفْتَ أَفْعَالَهُ وصِفَاتِه ِ.

 وَلكِنَّهُ إِلهٌ وَاحدٌ كَمَا وَصَفَ نَفْسَه ُ، لاَ يُضَادُّهُ فِي مُلْكِهِ أَحَد ٌ، وَلاَ يَزُولُ أَبَداً وَلَمْ يَزَل ْ، أَوَّلٌ قَبْلَ الاََْشْيَاءِ بِلاَ أَوَّلِيَّةٍ ، وَآخِرٌ بَعْدَ الاََْشْيَاءِ بِلاَ نِهَايَةٍ ، عَظُمَ عَنْ أَنْ تَثْبُتَ رُبُوبِيَّتُهُ بَإحَاطَةِ قَلْبٍ أَوْ بَصَرٍ )) [12].

وقال عليه السلام :

( وَاصْطَفى سبحانهُ مِنْ وَلَدَهِ ـ ولد آدم ـ أَنْبيَاءَ أَخَذَ عَلَى الْوَحْيِ مِيثَاقَهُمْ وَعَلَى تَبْليغِ الرِّسَالَةِ أَمَانَتَهُمْ ، لَمَّا بَدَّلَ أَكْثَرُ خَلْقِهِ عَهْدَ اللهِ إِلَيْهِم ْ، فَجَهِلُوا حَقَّه ُ، واتَّخَذُوا الاََْنْدَادَ مَعَه ، وَاجْتَالَتْهُمُ الشَّيَاطِينُ عَنْ مَعْرفَتِهِ ، وَاقتَطَعَتْهُمْ عَنْ عِبَادَتِه ِ، فَبَعَثَ فِيهمْ رُسُلَه ُ، وَوَاتَرَ إِلَيْهِمْ أَنْبِياءَه ُ، لِيَسْتَأْدُوهُمْ مِيثَاقَ فِطْرَتِهِ ، وَيُذَكِّرُوهُمْ مَنْسِيَّ نِعْمَتِهِ ، وَيَحْتَجُّوا عَلَيْهِمْ بَالتَّبْلِيغِ ، وَيُثِيرُوا لَهُمْ دَفَائِنَ الْعُقُول ِ، وَيُرُوهُمْ آيَاتِ الْمَقْدِرَةِ :

 مِنْ سَقْفٍ فَوْقَهُمْ مَرْفُوع ٍ، وَمِهَادٍ تَحْتَهُمْ مَوْضُوع ٍ، وَمَعَايِشَ تُحْيِيهِمْ ، وَآجَالٍ تُفْنِيهم ، وَأَوْصَابٍ تُهْرِمُهُمْ ، وَأَحْدَاثٍ تَتَابَعُ عَلَيْهِم ْ، وَلَمْ يُخْلِ اللهُ سبحانهُ خَلْقَهُ مِنْ نَبِيٍّ مُرْسَلٍ ، أَوْ كِتَابٍ مُنْزَلٍ ، أَوْ حُجَّةٍ لاَزِمَةٍ ، أَوْ مَحَجَّةٍ قَائِمَة ٍ، رُسُلٌ لا تُقَصِّرُ بِهِمْ قِلَّةُ عَدَدِهِمْ ، وَلاَ كَثْرَةُ المُكَذِّبِينَ لَهُمْ : مِنْ سَابِقٍ سُمِّيَ لَهُ مَنْ بَعْدَهُ ، أَوْ غَابِرٍ عَرَّفَهُ مَنْ قَبْلَهُ .

 عَلَى ذْلِكَ نَسَلَتِ القُرُون ُ، وَمَضَتِ الدُّهُورُ ، وَسَلَفَتِ الآباء ، وَخَلَفَتِا الأبناء .

 [مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ]

 إِلَى أَنْ بَعَثَ اللهُ سبحانهُ مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله لإنجاز عِدَتِهِ وَتَمامِ نُبُوَّتِه ِ، مَأْخُوذاً عَلَى النَّبِيِّينَ مِيثَاقُه ُ، مَشْهُورَةً سِمَاتُه كَرِيماً مِيلادُهُ .

وَأهْلُ الأرض يَوْمَئِذٍ مِلَلٌ مُتَفَرِّقَةٌ ، وَأَهْوَاءٌ مُنْتَشِرَةٌ ، وَطَرَائِقُ مُتَشَتِّتَةٌ ، بَيْنَ مُشَبِّهٍ للهِِ بِخَلْقِهِ ، أَوْ مُلْحِدٍ في اسْمِه ِ، أَوْ مُشِيرٍ إِلَى غَيْرهِ ، فَهَدَاهُمْ بهِ مِنَ الضَّلاَلَةِ ، وَأَنْقَذَهُمْ بمَكانِهِ مِنَ الجَهَالَةِ .

 ثُمَّ اخْتَارَ سبحانهُ لُِمحَمَّد ٍصلى الله عليه لِقَاءَهُ ، وَرَضِي َلَهُ مَا عِنْدَهُ ، فَأَكْرَمَهُ عَنْ دَارِ الدُّنْيَا ، وَرَغِبَ بِهَ عَنْ مُقَارَنَةِ البَلْوَى ، فَقَبَضَه ُإِلَيْهِ كَرِيماً ، وَخَلَّفَ فِيكُمْ مَا خَلَّفَتِ الأنبياء في أُمَمِها ، إذْ لَم يَتْرُكُوهُمْ هَمَلاً ، بِغَيْر طَريقٍ واضِحٍ ، ولاَ عَلَمٍ قَائِمٍ ) .

هذا كلام بليغ في بيان أهمية دور الأنبياء والأوصياء ووجودهم وكلامهم على معرفة الله ، وبيان حسن محكم على أهمية توحيد الله وعبودية ، ويوصل للإيمان واليقين بأن الله لم يهمل عبادة من غير دليل محكم وهدى واضح لدينه وطاعته ، وكيف يصل لمعرفته على الحقيقة وكما يريد أن يعبد ، وهو لا يمكن أن يصدر إلا من وصي لنبي وخليفة له قد اصطفاه الله وأختاره لكي يقيم به الحجة على عباده ، وكما أقامها تعالى بالرسل الماضين والسابقين على نبينا الكريم ، وإنه تعالى لم يهمل عباده من غير حجة قائمة بعد خاتم رسله .

تدبر كلام إمام الحق : بعد نبينا الكريم في كل موضع يُنقل عنه في معارف التوحيد أو في بيان أحكام الله والأخلاق الإسلامية ، تراه قمة في البيان لمعرفة الله وضرورة الإيمان به وتوحيده وتعريف الأسماء الحسنى ، وهو حجة الله للهدى الحق ، ودليل محكم على أن الله يريد دين ومعرفة قوية ، وبراهين محكمة ترشد عبادة لمعرفته ، فيلقيها أولياء دينه ومن يصطفيهم لتعليم معارفه .

هذا وتدبر ما يأتي من كلامه عليه السلام : في بيان ضرورة الإيمان بالله تعالى وتوحيده ، لتعرف أن الله حافظ علينا وهدانا لصراط مستقيم ، ولم يهملنا بعد نبيه، ولكي لا نضل ونخزى ، وسيأتي بحث ضرورة وجود الأنبياء والأوصياء في الوجود ليتم غرض الخلقة في الكون في صحيفة النبوة ، والإمامة ، فأنتظر .



تم الكتاب

15 شعبان 1423 يوم مولود إمام زماننا الحجة بن الحسن العسكر عجل الله تعالى فرجه الشريف
أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وآله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com