بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين في أصول الدين وسيرة المعصومين
صحيفة التوحيد الإلهي / الثانية / للكاملين

التحكم بالصفحة + = -

تكبير النص وتصغيره


لون النص

أحمر أزرق أخضر أصفر
أسود أبيض برتقالي رمادي

لون الخلفية


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

الباب الرابع
نعرف الله بالأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية ولا رؤية لعظمته تعالى إلا بتجلي نورها


 

الذكر الثاني
شرح لأمهات الأسماء الحسنى الإلهية

 يا طيب : إن أعلى معرفة في الوجود الطيب بعد الإيمان بالله تعالى و توحيده ، هو معرفة شؤون عظمته تعالى وظهور أسماءه الحسنى وصفاته العليا على العقول والقلوب والأبدان علما وعملا ، فتتجلى فيها نور هدى وأدبا وخلقا وسيرة وسلوكا وصفة ، فنكون بحق من عباد الله المخلصين المقربين حين التحقق بالممكن منها ، وبالاتصاف بما يناسب العباد منها ، فنكون إن شاء الله من مجالي مظهر العظمة والمجد ونور رحمة الله وهداه وبره وإحسانه بحق .

فإنه يا أخي : بعض الأسماء الحسنى صحيح إنها مختصة به تعالى ، ولا يمكن لأحد أن يشم شيء من ظهورها مهما كان : كالأزلي والأبدي والأحد ، ولكن أغلب أسماء الله الحسنى وصفاته العليا يمكن أن نتصف بفيضها ونتحقق بنور تجليها ، وهذا بعض شرحها المختصر لكلي لا تخلو هذه الصحيفة من نور عظمة الله وظهوره ، وسيأتي في الباب الآتي بعض أنوار تجليها في الأكوان وعلى العباد الطيبين المؤمنين ، والشرح المفصل في الجزء الآتي ، وإن معارفها العالية في صحيفة العارفين إن شاء الله .

فتدبر يا طيب : بها وأسأل الله لك ولي الممكن الذي يمكن أن يهبنا الله نوره ، فتطلبه بحالنا ومقالنا ونظهر به نور عظمة وتوفيق منه ، فنحسن في ذاتنا وصفاتنا وأفعالنا ، ونصلح فنكون من ومع عباد الله الصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين ، فإنه هو لي التوفيق ، ونختصر الشرح هنا وأولها نوراً وظهورا هو :

 

النور الأول

الاسم الأعظم الله جل جلاله

الله : اسم علم للذات المقدسة وهو اسم جامع لمعنى وحقيقة كل الأسماء الحسنى الجمالية والجلالية وكلها تقع وصف له ، وهو لا يقع وصف لها .

وهو : ظاهر وباطن بها بنسبة واحدة جمالا وجلالا .

وإن كل من يذكر الله : أو يطلب منه تعالى باسم من أسماءه ، فهو يريد به الله تعالى مع تلك الخصوصية لذلك الاسم ، مثل العلم عندما يقول : يا عليم يعني يا الله علمني وتجلى علي بالعلم ، أو يا الله أنت اعلم بحالي ومقالي ففض عليَّ ما يسد به نقصي من تلك الجهة التي نواها الداعي أو الذاكر ، وأغنني بكمالها وأجعلها تفيض مني حتى أقولها أو أكتبها أو أتحقق بها علما وعملا .

 والمؤمن : يؤمن بالله تعالى وي وحده بكل مراتب التوحيد ولا يصفه إلا بكل اسم حسن وصف به نفسه أو تعلمه من نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، ويطلب تجليه عليه بكل إيمانا ويقينا به ، فيتحلى ويتحقق به ، ومنه يفض عدل وحق وصدق وهدى في كل وجوده وأحواله ، لا باطل في تصرفه ولا لهو ولا لعب ولا ظلم وضلال .

ومن نور حقيقة اسم الله الأعظم : تتجلى وتظهر الأسماء الإلهية فيشع هداها في تجليها بكل كمال وجمال وجلال تعبر عنه بالأسماء الحسنى الإلهية والصفات العليا الربانية ، والتي جمع قسم مهم منها الحديث الذي تلونا سنده عليك لله تسعة وتسعين أسما أو أسماء الله في كتابه كما عرفت .

 

 

النور الثاني
 الإله سبحانه

الإله : هو الرب المعبود ، والمتأله له والمتحير في طلبه العباد حباًَ وشوقاً له ، لأنه تعالى له كل كمال وجمال مطلق ، ومنه سناء تجلي حقيقة الأسماء الحسنى وبهاء فيض ظهور الصفات العليا ، ونور عظمة تحققها في الوجود ونعم الكون كله ، وأين ما تنظر في الكون ترى الله في الأشياء ومعها وقبلها وبعدها ، ومحيطا بها إتقانا لخلق وبحسن تقدير ، وجمال منظر وحكمة وجود ، وعلم مطلق وخبره بأحوال الخلق وحاجتهم ، وقدرة على كل شيء لينعم عليهم بما يكملهم .

ونعمه تعالى : لا تحصى ، وبالخصوص نعمة العلم والهدية وحب التوجه للكمال وللجمال المطلق للتحقق به ، ونعرف عظمته حين يكون عند العبد الطيب موهبة فكر وتدبر وشوق لمعرفة ما يتنور به الكاملون من المجد والعظمة والعز الأبدي في البر والإحسان والذكر الدائم بالخير والفضيلة والمناقب الحسنة الكريمة ، ومما فيه الدلالة التامة على الكبرياء والعظمة والعلم والقدرة المطلقة للواحد الأحد الذي لا شريك له ، وبهذا حق لأرباب القلوب العاشقة أن تتوله في حبه وتخلص له في عبادته والتوجه لنوره والطلب منه وحده لا شريك له .

وبهذا آمن المؤمنون بأنه : لا إله حق إلا الله تعالى ، وإن كل مسمى بإله غيره فهو باطل وليس له حق لكي يُعبد ويطاع ويتحير به ، وإنما هو وجود محتاج وفقير ضعيف ، بل قد يكون أضعف من العابد له ، كما يعبدون البقر أو إنسان مغني ولاعب كرة أو مادة ونجم وقمر وشهوة وبرنامج وكومبيوتر ، فيلهيهم عن اللهتعالى وطلب العبادة له ، ويفضلوه علماً وعملاً وخلقاً وموعظة على الله .

ولو إن بعض المستضعفين : من العباد ، بل كلهم يطلبه سجانه لأنه جبلت عليه فطرته في طلب الكمال المطلق التام الحسن ، ولكن يشتبه عليه المطلب ، ويعبد ويتوله ويحير بطلب غيره من خلق الله بأن به الكمال الحق ، ويرى في زخرفه وبرقه وجماله ودقة صنعه من خالقه ، فيحسبه إن هو الذي فيه كماله وحسن حاله ، ولكنه لقصور فكر في طلب محل العظمة والبهاء والجمال والسناء والخير والبركة والنعيم والهدى المطلق ، وعمي بما أعشى بصره من ظاهره عن النعيم والهدى الحق الصادق والواقعي ، والذي منه كل شيء وله يرجع كل شيء في التكوين مهما كان ، وإنه كما بدأنا نعود إما تحت اسم رحمة ونعمة وجمال إن طبنا بتوفيقه تعالى ، أو تحت حيطة أسماء الجلال كما عرفت .

ولكن من يتجلى عليه الإله بالتجلي الخاص الجمالي : ويوفقه لحسن توجهه له ، ولصدقه في طلب الكمال من الحق الواحد الأحد الصمد ، جذبه إليه حتى يكون بأقل ألتفات من يطلبه يجده في كل شيء ، ومن وجده بحق ويقين وإيمان حبه ، ومن حب الله أحبه الله ، ومن أحبه الله  جعل عشقه في قلبه ، ومن عشق الإله عشقه الله وحب لقاءه ، فمن عشقه الله قتله الله عن كل ما يبعده عنه ، وتجلى عليه بالأسماء الحسنى والصفات العليا له بأحسن ظهور وأكمله ، فيجعله يطلبه دين وعبادة وإخلاص ، ويتجلى عليهم إيمان قلب ويقين عقل واطمئنان نفس ، وصفاء فكر وراحة بال ويقين بالفوز والفلاح والرضوان ، ونسيان كل هم وغم وعسر بل يطلب الشهادة في سبيله حقا .

 والمؤمن : لا يتوجه ولا يعبد إلا الله تعالى وحده لا شريك له ، ولا يطيع غيره مهما كان ، إلا أن يكون بإذن الله وشهد الله له بالرسالة والنبوة ، أو شهد له بالولاية والإمامة بعد نبيه وأنه حافظ لدينه ، أو من كان في ولايته الدينية وتعاليمه أو قيادته تابع لهم ، وقد أعطوه بصورة مباشرة أو بالواسطة حق شرعي بذلك ، فيأخذ معارف الله منه ليتعبد بها لله تعالى وحده ، وليكون على جادة الصواب والصراط المستقيم ، وله عبادة مرضيه لله تعالى ، وفقنا وإياك الله لما يحب ويرضى إنه أرحم الراحمين آمين يا رب العالمين .

 

 

النور الثالث
الحي سبحانه

الحي : اسم لكل فعال ، والله تعالى هو الحي لنفسه وبذاته وكل حياة في الوجود منه تعالى ، كما إن الحياة : هي وجود يترشح منه العلم والقدرة ، ومنه حياة نازلة للموجودات لكل شيء بحسبه ، والله تعالى هو الواهب للحياة لكل حي ، والمتجلي باسمه الحي بظهور الحياة في كل حي : وجاء في دعاء العهد :

( يا حي قبل كل حي ، ويا حي بعد كل حي ، ويا حي حين لا حي ، يا مميت الأحياء ، ومحيي الموتى ، يا حي ، لا إله إلا أنت ) .

وقال تعالى في الحديث القدسي : (( عبد أطعني أجعلك مثلي : أنا حي لا أموت ؛ أجعلك حي لا تموت ، أنا غني لا أفتقر ؛ أجعلك غنياً لا تفتقر ، أنا مهما أشاء يكون ؛ أجعلك مهما تشاء يكون )). إرشاد القلوب .

فأسعى يا طيب : لأن تحصل على رضا الحي لتكون حيا لا تموت ، إن كنت تطلب الحياة الحقيقية التي لا ذل فيها ولا مرض ولا صخب ولا تعب ولا موت ولا حر ولا برد ، وفيها كل ما تشاء وتتمنى من سعادة ونعيم فهي الجنة.

كما إنه تعالى جعل لكل شيء حياة تخصه : وحياة العقل : العلم والتفكر بما يوصل لرضاه وطلب عبوديته بإخلاص وبكل ما أمرنا به سبحانه وتعالى ، وحياة القلب : ذكره والتحلي بمعرفته والكون في طاعته ، ولذا قال تعالى لبيان هذا المعنى :

{ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نور ًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْكَافِرِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} الأنعام122، وهذه الحياة نور من الله يقذفه في قلب من يشاء سبحانه ليقيم له بعد المعرفة العبودية الخالصة ، وقد عرف الله هذا المعنى في تجلي الحياة في الوجود، فقال تعالى : { الله ُ نورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نورٌ عَلَى نورٍ يَهْدِي اللهُ لِنورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ(35)

فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ (36) رِجَالٌ لاَ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَإِقَامِ الصَّلاَةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ (37) لِيَجْزِيَهُمْ اللهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (38)

وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ (39) أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ الله ُ لَهُ نورًا فَمَا لَهُ مِنْ نورٍ } النور40.

وهذه آيات كريمة : تمثل كيف وحدة الأسماء الحسنى وتجليها بالظهور والبطون ، فإن النور الذي يجعله الله متجلي من ذكره عند من يصطفيهم ويشع منهم على العبادة معرفة وتعليم ، وهو ذكر دائم له من خيرة عباده ولا يلهيهم عنه شيء ،و هو حياة القلوب وكمال وجود المؤمن ، وقد خصه الله بأناس معدودين هم الذين يعلموه للعباد ولا يكون إلا بيت نبينا وآله الطيبين الطاهرين صلاة الله وسلامه عليهم أجمعين ، ومن أراد الحياة الحقيقية وهي نورالله ، عليه أن يعرفهم ويأخذ منهم معرفة ذكره وتعاليم عبوديته ليكون من حزب الله فيغلب كل ظلمة ، ومن لم يتبع ولي نوره لم يعطيه الله نور فهو لا حياة له ولا نور ، وهو في ظلمات بعضها فوق بعض ، وقد شرحنا هذا المعنى في صحيفة الإمام الحسين عليه السلام فراجع ، ونسأل الله أن ينور عقولنا بمعرف ت ه ويحيي قلونا بذكره كما علمنا أولياء دينه وأهل ذكره ، فنكون في نوره بحياة خالدة بمنه تعالى ، آمين.

 

 

النور الرابع
 الغني تعالى

الغني : كل كمال للذات فهو غنى لها ، ولكل ذات لها م عنى بما يناسبها من الكمال حسب وجودها وحالها وصفاتها وأفعالها ، وهناك غني مستقل ، أي بذاته غني وغير محتاج وهو الله تعالى ، وهناك غني بغيره وهو كل ما سوى الله ، وإن غناه من الله تعالى ، وهو المعطي والمنعم والرازق والوهاب وكل خير منه .

 ولما كان الله تعالى : له كل كمال وجمال وجلال من غير تكثر وبوحدة واحدة في نفس ذاته المقدسة ، فهو الغني المطلق وذو الكمال الغير محدود ، فهو : الواسع ، والأول ، والآخر ، والظاهر ، والباطن ، والعلي ، والمتعالي ، والسيد ، الصمد ، والمجيد .

والغني المطلق : الذي لا نقص فيه ، لا في صفاته ، ولا في أفعاله ، فهو : المقدس ، والقدوس ، والسلام ، والمؤمن ، والمهيمن .

والغني : وهو المنزه عن كل نقص وحاجة ولا حد لصفاته التي هي عين ذاته ، ولا كثرة فيه لأن الكثرة نقص ومناط الحاجة ، فهو واحد أحد فرد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن كفوا أحد وهو الوجود الحق .

والغني : له أثار وحلية ويظهر غناه في نفسه وفي كل ما يحيطه تحت ملكه فهو رب له ومالك له وقيوم عليه ، وهو تعالى له كل غنى وكمال فهو الذي يوجد كل وجود وكمال فيه ويهبه نعيمه وخيره وبركاته ، ومنه يظهر كل شيء ويوصل لغايته ، وهو فيه معنى يحيط بما ذكرنا من الأسماء الحسنى ويدخل في معنى الصفات الفعلية ويتجلى ويظهر فيها ، فتدبر أغناك الله الغني بالنور والحياة الدائمة في النعيم حتى نكون مع نبينا وآله الطيبين الطاهرين ، برحمته فإنه أرحم الراحمين.

 

 

 

ال نور الخامس
 العليم عز وجل

العليم : صيغة مبالغة للعالم ، ويدل على سعة العلم وشدته وإحاطته ، ومعناه إن تعالى عالم بكل شيء ، لأن العلم حقيقة ذاته من غير كثرة وبنفس البساطة والصرافة وفي محض وجوده تعالى ، ولما كان كل الوجود وكماله موجود بوجوده وبما منحه من تجليه ، وهو ومن فيضه فهو عالم بنفسه وعالم بكل خلقه قبل وجوده وبعده بعلم واحد من غير كثرة ولا تغير بالعلم .

 وعلمه التفصيلي عين علمه الإجمالي لا تذكر ولا تفكر ولا توهم ولا خيال عنده سبحانه وتعالى ، بل هو عين العلم الغني عن الحاجة والنقص والكثرة والتغير ، وهو حياة وقدرة في عين وجوده وإن ظهر بالعلم وبطن بباق الصفات.

 فعلمه تعالى : هو سبب لوجود كل شيء ، ويوجده حسب ما حدد له من الأحوال والأوقات والظروف والأسباب ، وكل نعم الكمال الذي له من وجوده حتى غايته حسب ما علمه الله تعالى ، ولا يتغير من علم اللهتعالى شيء لا قبل الخلق ولا حينه ولا بعده ، لأنه عالم به بكل صورة يكون فيها .

فإذاً الله تعالى عليم وعالم وعلام الغيوب وعالم بكل شيء .

 وحكيم : لأنه أوجد كل شيء لغاية وهدف وخلقه بالحق لا باطل ولا لعب ولا لهو في خلقه وتدبيره .

 وخبير :لأن علمه بكل شيء بأحسن وأتقن وجه ،فهو المحسن والمتقن .

 فهو مدبر له وهو مريد لوجوده ، فهو تعالى مريد ومدبر .

 وسميع : لعلمه بكل مسموع ، وبصير : لعلم بكل بصير ، وهو يسمع ويبصر من غير آله ، بل حقيقية السمع والبصر هو العلم بالمسموع والمبصر .

 وهو تعالى : عالم الغيب والشهادة ، ولا يخفى عليه شيء ، وهو عالم السر والسرائر والضمائر وبكل شيء لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض ، فهو : الشهيد ، والهادي ، والرقيب ، والحسيب ، وسريع الحساب ، وأسرع الحاسبين ، والحفي .

والمؤمن الذي يعلم أن الله عالم به : لا يعصيه وهو ملتفت لحاله مع الله ، ويقول ربي زدني علماً ، لأن الله رفع الذين أمنوا والذين أوتوا العلم درجات ، وأعلم البشر نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وهم معلمي الهداية للصراط المستقيم وهو أفضل علم ونعيم لله تعالى على البشر ، فيجب علينا أتباعهم وتعلم معارف الله وتعاليمه منهم ، ون وحده كما علمونا لا كما عرفه غيرهم فنضل عن هدى الله ونوره والحياة الحقيقية الخالدة ، فيظلم وجود من لم يتبعهم ولم يعرف ربه حق المعرفة فيجسمه أو يصفه بما لا يليق به أو يعبده بما لا يريده .

 

 

النور السادس
 القدير عزوجل

القدير : اسم مبالغة من القادر ، والمقتدر : وهو التام القدرة الذي لا يمتنع عليه شيء ، والقدرة : إيجاد للشيء بالاختيار .

والله تعالى لما كانت قدرته عين وجوده المحيط الغير محدود ، فقدرته تعالى مطلقة غير محدودة ، وهو فعال لما يشاء ، ولا يمنعه مانع ولا يمتنع عليه شيء ، وهو المؤثر ولا يتأثر بشيء ، وهو المعطي للقدرة لكل شيء فلا قدرة لشيء على فعل إلا أن تكون من عنده تعالى ، وبالاستطاعة المعطاة منه .

ولما كان قادر : على كل شيء فهو فعال لما يريد ، وهو يجير ولا يجار عليه فهو تعالى : القادر والقدير والمقتدر وهو القوي وذو القوة الشديد وهو المتين والغالب والقاهر والقهار فهو العزيز الجبار المتكبر العلي العظيم .

 

تذكرة للطيبين :

يا طيب : إن أغلب من يشرح الأسماء الحسنى الإلهية يشرح اسم الله العليم والقدير ثم الحي ، ولأن الحي هو الفعال عن علم وقدرة ، ومن فهم معناهما يفهم معناه ، ونحن قدمنا بالشرح اسم الله الحي لأنه أوسع ومحيط ومتضمن للمعنيين وبمعرف ت ه يعرف معنى العليم والقدير .

 والكل يريدون تلك الحقيقة الكاملة : التي منها كل كمال ووجود في الكون ، وهو القادر على كل شيء والعالم به وهو الواهب للحياة لكل حي ، فضلاً عن كونه تعالى قادر وعالم وحي بنفسه ، وقدمناه لما شرحنا وذكرنا من المباني التي يسهل معرفةه تعالى بأي اسم من أسماءه الحسنى .

 ثم بعد ما عرفنا المهم من الأسماء الحسنى الذاتية ، وأمهات الأسماء المحيطة والمحاطة التابعية لها ، نذكر في ال نور الآتي بعض الأسماء الحسنى الفعلية ، وهي كلها تجلي للأسماء الحسنى الذاتية وظهورها في الكون والوجود ونعيمه وكماله ، وأسأله الله أن يهب لنا ولكم العلم والقدرة والحياة الطيبة بحق من أغناهم بهداه ، نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين وصلى الله وسلم أجمعين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

النور السابع
 الخالق تعالى

الخلق : هو التقدير ، ويطلق على إيجاد الشيء المقدر الذي لا تفاوت فيه ، وهو الصنع ، وفعل الأشياء ، وإيجادها من غير مادة سابقة ولا مثال ، فيقال : إبداع ، والخالق من أسماء الأفعال الإلهية ، ولما كان لا شيء في الوجود إلا ويرجع لمعناه ، وهو إيجاد الشيء وكماله وهداه وقيوميته عليه وملكه له .

ولما كان الله تعالى : له كل كمال مسمى بالأسماء الحسنى في عين ذاته سبحانه ، وهو الحي الغني العليم القدير ، وكان له كل كمال مطلق ، فلابد أن يظهر هذا الكمال والجمال والجلال في الخلق ويبين عظمته وجلال ، ويحمده بوجوده ويقدسه بكماله ، فهو سبحانه فعال بظهور تجلي كماله ، فيُوجد الوجود ويكون الكائنات بأحسن صورة ممكنة حتى لا يمكن أيجاد شيء أحسن من خلقه وتصويره .

فالله تعالى هو الموجد للوجود : وهو الخالق الحقيقي له الذي خلقه من غير سابق مثال ومادة وبأحسن صورة فهو تعالى : الخالق الحق والخلاق واحسن الخالقين والمصور والفعال والبارئ والذارئ والصانع والبديع .

 ولما كان : كل موجود من الله سواء في ذاته أو في صفاته وأفعاله ، ووجوده تبع لفيض الله وتجلي ظهوره أسماءه الحسنى المعبرة عن غنى كماله الفعال ، فهو إذا أوجد شيء ودام بقاءه فهو الممد له والمعطي له القدرة ، ولا يمكنه أن يستقل عن الله ويستغني عن فيضه ومدده تعالى أحد في الوجود .

فالله تعالى : هو القائم عليه وهو القيوم عليه والمالك له والملك والسلطان عليه الذي يدبر أمره ، فهو الملك ومالك الملك والسلطان المدبر والهادي والرب ، وهو الذي يربي خلقه بقيامه عليه وإحاطته علم وقدرة حتى يصل كل شيء لكماله اللائق به حسب ما يستحقه ، وينال هداه حتى غايته ويعطيه ما يستحقه من وجوده وصفاته وأفعاله ، ويمد كل شيء ليصل لأحسن صورة من الوجود يستحقها فهو : الحفيظ والحافظ والوكيل والكفيل ، فهو القيوم .

 

ولما كان : وجود الشيء وكماله منه تعالى فهو : المغني والمقني والمحيي والرحمن والرحيم والمعطي والمنعم والعطوف والجبار الودود ، وهو والحميد والمحبوب والصاحب والرفيق والطبيب والمشافي والمعافي ، والمتفضل المنان ذو الجود والكرم والإحسان ، وهو الجواد الكريم المحسن وقديم الإحسان ، والرافع والمعز والمثيب والمكرم أغنانا الله وإياكم بها ورزقنا منها.

 

ولما كان : بعض الموجودات يعطيها الله المنعم عليها نعم لا تحصى ، ومع ذلك تتمرد عليه مع نعمه عليها وهو أكثر ما يخص الإنسان العاصي والمشرك والكافر والمعاند ، فتكون نعمه لهم استدراج ومكر بهم فيبعدوا عن هداه فهو لهم أبعدنا الله منهم : المذل وشديد العقاب والمنتقم الخافض لهم والمستدرج وخير الماكرين والمضل لمن يعانده والعياذ بالله من الإصرار على المعصية والعناد.

 

 وإذا رجع لرشده : وأناب وتاب واستغفر العبد فهو تعالى له : التواب الغفور والغفار الحليم والساتر والستار وقابل التوبة .

 

ولما كان : لكل شيء غاية فهو : المميت له والمفني والمبيد ، ثم هو الحاشر والناشر والمحاسب وهو المبدء والمعيد والمجازي والمثيب كل حسب استحقاقه ، ومن يعمل مثقال ذرة يره ومن يعلم مثقال شر يره ، وإنما هي أعمال الإنسان التي أُسها وأسسها بنيته ومعرف ت ه ترد له ، ويكون :

إما في نعيم خالد وبقاء منعم في أحسن حال حتى يكون حي وإنما الحياة الآخرة لهي الحيوان .

 وإما أن يكون من أصحاب الجحيم الذي ضاق وجوده بضلاله عن الحق وحرق نفسه بنار الحرمان وكوي بعدم تجلي فيض الله من أسماءه الحسنى عليه .

 وسبحان الله عما يصفون إلا عباد الله المخلصين ، وجعلنا الله ممن عرفه بما يحب ويرضى ، ويجازينا بأحسن أعمالنا ، ويغفر لنا ويستر علينا ما قصرنا به وعنه ولم نستوفي حقه ، ويجعلنا مع أكرم عباده في الدنيا والآخرة نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، وصلى الله عليهم وسلم أجمعين ، إنه أرحم الراحمين ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

تم الكتاب

15 شعبان 1423 يوم مولود إمام زماننا الحجة بن الحسن العسكر عجل الله تعالى فرجه الشريف
أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وآله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com