بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
نرحب بكم يا طيب في

موسوعة صحف الطيبين

في أصول الدين وسيرة المعصومين



التحكم بالصفحة + = -

تكبير النص وتصغيره


النص المفضل

لون النص والصفحة
حجم النص

____ لون النص ____

أحمر | أزرق | أخضر | أصفر |
أسود | أبيض | برتقالي | رمادي |

____ لون الخلفية ____




صحيفة أبو طالب
الطاهر الصديق

عليه السلام

صحيفة : المؤمن الصديق الشهم ، والطيب الطاهر الأبي ، والموحد المتيقن المخلص ، والحليم الحكيم العالم ، معلم الثبات والإخلاص ، سيد قريش والعرب ، المحامي الناصر لسيد المرسلين وخاتم النبيين ، والذاب عن معارف عظمة الله وتعاليم رب العالمين .
المنكر فضله : وعلو شرفه وشأنه الكريم المخالفين ، و المستبعد من النواصب والجهلة إخلاصه وطهارته ويقينه بربه وبالنبوة وبيوم الدين ، المهتضم حقه من قبل أعداء أمير المؤمنين وسيد المرسلين والأئمة المعصومين .
السيد الجليل : والمؤمن الأصيل ، أخو عبد الله أبو محمد سيد المرسلين , وأبو وصيه المرتضى علي أمير المؤمنين بن أبي طالب وأبناءه الأئمة المعصومين عليهم الصلاة والسلام أجمعين .
أبو طالب : _ واسمه عبد مناف _ ، بن عبد المطلب - و اسمه شيبة الحمد - ، بن هاشم- و اسمه عمرو- بن عبد مناف- و اسمه المغيرة- بن قصي- و اسمه زيد- ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر و هو قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان‏، أحفاد إسماعيل الذبيح المفدى ، بن إبراهيم خليل الرحمن عليهم السلام .
و في الصحيفة : حياة ونسب أبو طالب وآبائه وبالخصوص عبد المطب ، والحياة المشتركة للنبي الأكرم مع أبو طالب ، ودفاع سيد البطحاء عنه وعن إيمانه ، وفي مناقبه وفضائله وشرفه ونبله وطهارته وصدقه ، وفي كفالته وحمايته لسيد المرسلين ، وإبائه ودفاعه عن الدين ، وخلقه وآدابه وسيرته مع أهل زمانه ، حتى رحيله للملكوت الأعلى عليه السلام ، وأنه بنص الروايات طاهر صديق ، مع شرح أبوذية الشعب وطالب وجد .
الصحيفة : 220 صفحة .
تأليف : خادم علوم آل محمد عليهم السلام الشيخ حسن جليل الأنباري
صحيفة الجد الطاهر الصديق أبو طالب عليه السلام

صحيفة الطاهر الصديق أبو طالب عليه السلام
من هنا
تَنْزِيلُ الصَّحِيفَةُ وَقِرَاءتُها

كتاب الكتروني بي دي اف pdf

جيد للقراءة والمطالعة على الجوال والحاسب

رحم الله الشيخ الأنباري إذ قال :

سلام على الطاهر الأصيل ناصر النبي أبو طالب

الصديق المحامي عن دين الرب فكن عنده طالب

و حافظ على دينك وأنصره و لمعارفه كن طالب

بجد و سعي وعلم وعمل تكن مع السادة الطالبية


اسم أبو طالب ونسبه

يا طيب : لكي نعرف شأن أبو طالب عليه السلام ، وفضله في نفسه وفي نسبه ، نقدم بعض المعرفة عن آباءه الكرام ، وهي معرفة بتأريخ الإسلام قبل ظهوره ، أي تأريخ النبي الأكرم وأباءه بمعرفة مختصرة كريمة .

إبراهيم وإسماعيل :

وإن نسب أبو طالب : هو نسب النبي ، وهم آل إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ، والله تعالى هو الذي جعل النبوة والإمامة في نسلهم ، ويأتي تفصيل حياتهم في صحيفة النبوة إن شاء الله ، وسنذكر مختصر منه هنا :

إن إبراهيم عليه السلام : من النبط في كوثي قرب مدينة الحلة في العراق ، وله قصة طويلة في تنقله سنذكر مختصرها ، هو من أحفاد نوح عليه السلام ، وتوفي أبوه فعاش مع عمه وزوج أمه ، وفي زمانه كان الحاكم يسمى نمرود ، ثم لما شب وصار فتى ، أنكر على قومه عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ، ثم لما خرجوفي عيد لهم استفاد من خلوة المعبد فكسرها ، وعرفوا به أنه هو الذي كسرها لأنه كان يعيبها ، فقرروا حرقه ، فجعوا له حطب كثير جدا لمدة سنة ، ثم شعلوا نار كبيرة فألقوه بالمنجنيق فيها ، فجعل الله النار عليه بردا وسلاما .

ثم لما نجاه الله : قرروا إخراجه من مدينتهم كوثي ، فخرج ومعه زوجته وابن خالته النبي لوط وزوجته ، مع نهر دجلة شمالا ، فمر بالإسحاقي ثم تكريت حتى الموصل ، ووصل حلب ثم ومدن أخرى حتى رجع نازلا لبنان ودمشق حتى فلسطين ، وتجول فذهب لمصر ورجع لفلسطين في الخليل وغيرها ، حتى بلغ عمرا كبيرا جدا .

وكان لم يولد له : فوهبت زوجته جارية قد وهبها لها ، وأسمها هاجر ، فولدة إسماعيل عليه السلام ، فلم تطق رؤيته يلعب وأنس أمه وأبيه به ، فأمرته بإخراجها من مدينتها ، والله تعالى أمره أن يخرجه إلى مكة المكرمة بوادي غير ذي زرع .

فلما وصل مكة المكرمة : لم تكن مبنية بل لم يكن فيها زرع ولا ماء بطحاء أي سهل بين جبال ، أي حين الأمطار تصب بها شعاب كثير محيطة بها ، تركهم مع مؤنة لهم وماء ، ولما خلص ونفذ ما عندهم ، أخذت هاجر تبحث عن الماء بين الصفا والمروة ، وبعد سبعة أشواط ذهبا وإيابا بين الصفا والمروة لأنها كانت ترى سراب الماء عليهما ، رجعت إلى ابنها فرأت أنه قد نبع الماء عند رجله فاستقرت .

وكانت : بعض عوائل قبيلة جهرم ترعى خلف الجبال التي تحيط في مكة ، ورأت الطير تحوم وتأوي إلى هذا مكان وسط الجبال ، فجاءت إليه ورأت الماء ، فقرروا أن يعطوهم من الحنطة والغنم ، على أن يشاركوهم الماء ويرعون منه ، فوافقت هاجر رحمها الله ، فكانوا يأتوهم يسقون عندهم ويرعون حلالهم في أطراف الجبال ويأتوهم للاستسقاء .

جاء إبراهيم عليه السلام : كم مرة إلى هاجرة وإسماعيل ، وعرف أسماعيل أباه ، وفي أحدها أمره الله أن يذبح إسماعيل فقبل وأطاع أبيه ، ولكن الله عند الذبح فداه بذبح عظيم ، ظاهره كبش من النعم ، وباطنه حفيده الحسين عليه السلام ، فكان منار هدى لمعرفة الحق وأهله ودين الله وآله المنعم عليهم ذو الصراط المستقيم .

ثم أمر الله إبراهيم : أن يبني البيت الحرام في مكة وهي الكعبة وبيت الله ، مع أبنه أسماعيل ، وأمره أن ينادي بالحج ، فأجابه من لباه ، وعلمه مناسكه .

إبراهيم وإسماعيل : بعد هذا البلاء العظيم والمحن لهما ونجحهم بطاعتهم ، أختار الله إبراهيم إماما بعد أن كان نبيا مرسلا وخليلا ، فاستلطف هذا الأمر من الله فطلبه لذريته ، وهذه بعض الآيات في هذا المعنى :

{ رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِيبِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ

رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ

فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ

وَارْزُقْهُم مِّنَالثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ (37) } إبراهيم .

فجاءت جهرم : ظاهر الآية ممن ودهم ، وبعد النبوة آية المودة باطنها لآل النبي وأهل بيته عليهم السلام .

يا طيب : وهذه آيات تفصل الحكمة ، من إسكان ذرية إبراهيم عليه السلام مكة المكرمة ، ليبعث فيهم رسول يأتيه الله الكتاب والحكمة ، ثم يجعل منه أئمة ، لم يعبدوا صنم أبدا ، لأنه شرك والشرك ظلم عظيم ، وليس إلا النبي وآله عليهم السلام أباءه وأبناؤه وعلي كرم الله وجه كما يقولون وعليه السلام ، ولذا تدبر ما قال الله تعالى :

{ وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّقَالَ

إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا

قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي

قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (124)

وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَمَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى

وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (125)

وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ

قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (126)

وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ

رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (127)

رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ ومِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (128)

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ

رَسُولاً مِّنْهُمْ

يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ

إِنَّكَ أَنتَالعَزِيزُ الحَكِيمُ (129)

وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُفِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130)

إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131)

وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ

وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (132)

أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَوَإِلَهَ

آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَمَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (134) } البقرة.

يا طيب : الله عرفنا الحكمة من إسكان ذرية إبراهيم ، ليجعل قبلة للناس ، ثم يهب لهم نبي يأتيه الكتاب والحكمة ، ثم يجعل من ذرية إبراهيم الإمامة .

وإن الإمامة كالنبوة : لا ينالها مشرك لأنه إبراهيم لم يطلبها لهم ، سواء تاب أم لا لأنه عبد صنم ، ومنصب الإمام عظيم وهي إرث الرسالة وخلافة النبوة ومخصوصة للطيبين الطاهرين نبينا محمد وآله صلى الله عليهم وسلم .

ويا طيب : كما أن الله بعد إسماعيل وهب الله لإبراهيم أبن أخر من زوجته سارا ، وهو إسحاق أبو يعقوب أبو يوسف ومن ذرية داوود وسليمان وعيس وزكريا ويحيى وغيرهم من الأنبياء ، وقصتهم في صحيفة النبوة إن شاء الله .

أبناء إسماعيل وجهرم خزاعة :

يا طيب : إن نبي الله إسماعيل وهو الأب الأكبر للعرب العاربة كما يقال وهم غير القحطانيين ، لأنهم تكلموا بالعربية الفصحى، ومن ذريته النبي وأباءه وأبو طالب يشترك معه في النسب ، فلنتعرف عليهم .

يا طيب : إسماعيل تزوج من جهرم وهم أخوال أبناءه ، وكانوا معهم يديرون أمر مكة المكرمة والحج ، ولكن جهرم طغوا وبغوا بعد فترة طويلة من السنين فجف ماء زمزم ، فخرجوا إلى أطراف مكة المكرمة وخرج معهم أبناء إسماعيل لأطرف مكة وسيأتي بعض البيان ..

ثم سلط الله : على الجهرميين قبيلة خزاعة ، وبعد حرب بينهم ، قرر الجهرميون أن يخرجوا من سدانة البيت وإدارته ، ووضعوا أسياف وحلي وغزال من ذهب كانت معلقة داخل البيت الحرام في مكة فدفنوها في بئر زمزم وطموه وأخفوا أثره .

وتولت خزاعة : ما يقارب الثلاثمائة سنة سدانة الكعبة ورفادة الحاج ، وكانوا يسكنون أطراف مكة المكرمة عند الماء إلا قسما منهم ، للحجابة والحفاظ على الكعبة ورعايتها .

وخزاعة: حيّ من الأزد، سمّوا ذلك لأنّ الأزد خرجت من مكّة لتتفرّق في البلاد ، تخلّفت عنهم خزاعة و أقامت بها؛ من الخَزْع بمعنى التخلّف ، أو لتفرّقهم بمكّة من التخزّع بمعنى التفرّق.

جُرْهُم: حيّ من اليمن، و هم أصهار إسماعيل عليه السلام، نزلوا بمكّة و تزوّج عليه السلام منهم ، فعصوا اللَّه و ألحدوا في‏الحرم ، فأبادهم اللَّه.

حتى تزوج قصي :

يا طيب : إن قصي من أجداد النبي الأكرم وأبو طالب من نسل إبراهيم وإسماعيل ، من عدنان من مضر ، من قريش .

في قصة ستأتي : تزوج بنت سيد و كبير خزاعة ممن كان عند سدانة الكعبة ومفاتيح بيت الله الحرام ، ومن طرف بنت لشهامته تولى سدانة البيت الحرام ، ونازعته السدانة خزاعة ، فأستعان عليهم بقريش وقضاعة من طرف أخوته من أمه ، وصارت له الحجابة تامة ، ثم لولده عبد مناف وهاشم وعبد المطلب وأبو طالب ، ولمعرفة هذا نذكر بعض قصصهم وأسماء نسبه من تأريخ اليعقوبي مختصرا .

أباء أبو طالب ونسبه

يا طيب : لكي نستوعب مكانة أبو طالب وأبيه عبد المطلب جد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، بل ولنعرف على نسب سيد المرسلين مختصرا ، نذكر مختصر تأريخهم من تأريخ اليعقوبي وهو من أقدم كتب التأريخ وأفضلها وأحسنها بيانا وأتمها شرحا مع جزالته ، فنأخذ منه مواقع الحاجة مختصرا، قال رحمه الله :

ولد إسماعيل بن إبراهيم إلى عدنان

قال : وإنما أخرنا : خبر إسماعيل وولده، وختمنا بهم أخبار الأمم، لأن اللهعز وجل، ختم بهم النبوة والملك ، واتصل خبرهم بخبر رسول الله والخلفاء .

ذكرت الرواة والعلماء: أن إسماعيل بن إبراهيم أول من نطق بالعربية ، وعمر بيت الله الحرام بعد أبيه إبراهيم ، وقام بالمناسك ، وأنه كان أول من ركب الخيل العتاق ، وكانت قبل ذلك وحوشاً لا تركب .

وقال بعضهم : إن إسماعيل أول من شق الله فاه باللسان العربي ، فلما شب أعطاه الله القوس العربية ، فرمى عنها ، وكان لا يرمي شيئاً إلا أصابه ، فلما بلغ أخرج الله من البحر مائة فرس فأقامت ترعى بمكة ما شاء الله، ثم ساقها الله إليه ، فأصبح وهي على بابه ، فرسنها وركبها ، وأنتجها ، وكانت دواب الناس البراذين ، وركبها إسماعيل وبنوه وولده ، وفي إسماعيل يقول بعض شعراء معد:

أبونا الذي لم تركب الخيل قبله

ولم يدر شيخ قبله كيف تركب

ويقال : إنما سميت أجياد مكة لأن الخيل كانت فيها ، فأوحى الله ، عز وجل ، إلى إسماعيل أن يأتي الخيل ، فأتاها ، فلم تبق فرس إلا أمكنته من ناصيتها ، فركبها وركبها ولده .

فكان إسماعيل :

أول : من ركب الخيل ، وأول من اتخذها.

وأول : من نفى أهل المعاصي عن الحرم.

فقال : أعربه ! فسميت العربة بذلك .

وكان ولد : جرهم بن عامر ، لما صار إخوتهم من بني قحطان بن عامر إلى اليمن فملكوا صاروا هم إلى أرض تهامة فجاوروا إسماعيل بن إبراهيم .

فتزوج إسماعيل : الحتفاء بنت الحارث بن مضاض الجرهمي .

فولدت له : اثني عشر ذكراً ، وهم : قيدار ، ونابت ، وأدبيل ، و مبشام ، ومسمع ، ودوما ، ومسا ، وحداد ، وتيما ، ويطور ، ونافس ، وقيدما ، وهذه الأسماء تختلف في الهجاء واللغة لأنها مترجمة من العبرانية .

فلما كملت : لإسماعيل مائة وثلاثون سنة توفي ، فدفن في الحجر ، فلما توفي إسماعيل ولي البيت بعده نابت بن إسماعيل ، ويقال وليه قيدار ، وبعد قيدار نابت بن إسماعيل .

وافترق : ولد إسماعيل يطلبون السعة في البلاد .

وحبس قوم : أنفسهم على الحرم .

فقالوا : لا نبرح من حرم الله .

ولما توفي نابت : وقد تفرق ولد إسماعيل .

ولي البيت : المضاض بن عمرو الجرهمي ، جد ولد إسماعيل ، وذلك أن من بقي في الحرم من ولد إسماعيل كانوا صغاراً ، فلما ولي المضاض نازعه السميدع بن هوبر ، ثم ظهر عليه المضاض ، فمضى السميدع إلى الشأم ، وهو أحد ملوك العمالقة واستقام الأمر لمضاض حتى توفي .

ثم ملك بعده : الحارث بن مضاض ، ثم ملك عمرو بن الحارث بن مضاض ، ثم ملك المعتسم بن الظليم ، ثم ملك الحواس بن جحش بن مضاض ، ثم ملك عداد بن صداد بن جندل بن مضاض ثم ملك فتحص بن عداد بن صداد ، ثم ملك الحارث بن مضاض بن عمرو وكان آخر من ملك من جرهم .

وطغت جرهم : وبغت ، وظلمت ، وفسقت في الحرم ، فسلط الله عليهم الذر ، فأهلكوا به عن آخرهم .

وكان ولد إسماعيل : منتشرين في البلاد يقهرون من ناواهم ، غير أنهم كانوا يسلمون الملك لجرهم للخؤولة ، وكانت جرهم تطيعهم في أيامهم ، ولم يكن أحد يقوم بأمر الكعبة في أيام جرهم غير ولد إسماعيل تعظيماً منهم لهم ، ومعرفة بقدرهم .

فقام بأمر الكعبة :

بعد نابت : أمين ، ثم يشجب بن أمين ، ثم الهميسع ، ثم أدد ، فعظم شأنه في قومه ، وجل قدره ، وأنكر على جرهم أفعالها ، وهلكت جرهم في عصره .

تأريخ اليعقوبي ج1ص85 .

عدنان وأبنه معد :

ثم عدنان : بن أدد .

ثم معد : بن عدنان .

ثم افترق : ولد عدنان في البلاد ، ولحق قوم منهم باليمن ، منهم: عك ، والديث ، والنعمان ، فولد لعك من بنت أرغم بن جماهر الأشعري ، ثم هلك ، وبقي ولده بعده ، فانتموا إلى الأخوال والدار .

وكان عدنان : أول من وضع الأنصاب وكسا الكعبة ، وكان معد بن عدنان أشرف ولد إسماعيل في عصره ، وكانت أمه من جرهم ، ولم يبرح الحرم .

فكان له من الولد : عشرة أولاد .

وهم : نزار ، وقضاعة ، وعبيد الرماح وقنص ، وقناصة ، وجنادة ، وعوف ، وأود ، وسلهم ، وجنب .

وكان معد : يكنى أبا قضاعة ، فانتسب عامة ولد معد في اليمن ، وكان لهم عدد كثير ، وانتمت قضاعة إلى ملك حمير .

وقضاعة : فيما يقال ، ولد على فراش معد .

وكان معد : أول من وضع رحلاً على جمل وناقة ، وأول من زمها بالنسع .

نزار بن معد وولده :

وكان نزار بن معد :

سيد بني أبيه وعظيمهم ، ومقامه بمكة ، وأمه ناعمة بنت جوشم بن عدي بن دب الجرهمية.

وكان له من الولد أربعة: مضر ، واياد وربيعة ، وأنمار ، وأمهم سودة بنت عك بن عدنان ، ويقال إن أم مضر وأياد حيية بنت عك بن عدنان ، وأم ربيعة وأنمار جدالة بنت وعلان ابن جوشم الجرهمي .

ولما حضرت نزار الوفاة : قسم ميراثه على ولده الأربعة ، فأعطى مضر وأيادا وربيعة وأنمارا ماله .

فمضر وربيعة : الصريحان من ولد إسماعيل .

فأعطى مضر : ناقته الحمراء وما أشبهها من الحمرة ، فسمي مضر الحمراء .

وأعطى ربيعة : الفرس وما أشبهها ، فسمي ربيعة الفرس .

وأعطى إياداً : غنمه وعصاه ، وكانت الغنم برقاء ، فسمي أياد البرقاء ويقال أياد العصا .

وأعطى أنماراً : جارية له تسمى بجيلة فسمي بها .

وأمرهم : إن تخالفوا أن يتحاكموا إلى الأفعى بن الأفعى الجرهمي ، فكان منزله بنجران ، فتحاكموا إليه .

فأما أنمار بن نزار : فإنه تزوج في اليمن ، فانتسب ولده إلى الخؤولة ، فمنهم: بجيلة وخثعم لم يخرج من ولد نزار غيرهم .

تأريخ اليعقوبي ج1ص86 .

ربيعة بن نزار وعشائر ربيعه :

وأما ربيعة بن نزار : فإنه فارق إخوته ، فصار مما يلي بطن عرق إلى بطن الفرات ، فولد له أولاد .

منهم : أسد ، وضبيعة ، وأكلب ، وتسعة بعدها ، ولا ينسبون في اليمن .

وانتشر ولد ربيعة بن نزار : وولد ولده حتى كثروا ، وامتلأت منهم البلاد .

فجماهير قبائل ربيعة :

بهثة : بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة .

وعنزة : بن أسد بن ربيعة .

وعبد القيس : ابن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة .

ويشكر : بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب ابن أفصى .

وحنيفة : بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط .

وعجل : بن لجيم ابن صعب بن علي بن بكر .

وقيس : بن ثعلبة بن عكابة بن علي بن بكر ، وتيم اللات بن ثعلبة بن عكابة .

وكانت الحكومة والرئاسة من ربيعة :

في بني ضبيعة : ولد بهثة بن وهب بن جلي بن أحمس بن ضبيعة بن ربيعة .

ثم تحولت : الحكومة والرئاسة في ولد عنزة بن أسد بن ربيعة .

ثم تحولت : في عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة ، ثم سارت عبد القيس ، حتى نزلت اليمامة بسبب حرب كانت بينهم وبين بني النمر بن قاسط ، وكانت إياد باليمامة ، فأجلوهم .

ثم صارت الرئاسة : في النمر بن قاسط ، ثم تحولت من النمر بن قاسط .

فصارت في بني يشكر : بن صعب بن علي بن بكر ، ثم تحولت الرئاسة من يشكر بن صعب .

فصارت : في بني تغلب .

ثم صارت : في بني شيبان .

وكانت لربيعة أيام : مشهورة وحروب معروفة ، فمن مشهور أيامهم .

يوم السلان : فإن مذحج أقبلت تريد غزو أهل تهامة ومن بها من أولاد معد ، فاجتمع ولد معد لحرب مذحج وكان أكثرهم ربيعة ، فرأسوا عليهم ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم بن بكر ، فالتقوا ومذحج بالسلان ، فهزموا مذحجاً ، وكان لهم الظفر .

وأما يوم خزاز : فإن اليمن أقبلت ، وعليهم سلمة بن الحارث بن عمرو الكندي ، فرأست ولد معد كليب بن ربيعة بن الحارث بن مرة ، فلما رأى سلمة كثرة القوم استجار ببعض الملوك ، فأمده ، فالتقوا بخزاز ، وعلى ولد معد كليب ، ففضت جموع اليمن .

وأما يوم الكلاب : فإن سلمة وشرحبيل ابني الحارث بن عمرو الكندي تحاربا ، فكان مع سلمة ربيعة ومع شرحبيل قيس ، فكثرت ربيعة قيساً ، فقتلت شرحبيل بن الحارث بن عمرو ، وكان لهم العلو .

وأما أيام البسوس : فإنها بين بني شيبان وتغلب بسبب قتل جساس بن مرة بن ذهل بن شيبان كليب بن ربيعة بن الحارث بن مرة بن زهير بن جشم التغلبي ، فاشتبكت الحرب ، واتصلت حتى أفنتهم ، ودامت أربعين سنة .

وأما يوم ذي قار : فإنه لما قتل كسرى أبرويز النعمان بن المنذر .

بعث إلى هانىء بن مسعود الشيباني: أن ابعث إلي ما كان عبدي النعمان استودعك من أهله وماله سلاحه ، وكان النعمان أودعه ابنته وأربعة آلاف درع ، فأبى هانئ وقومه أن يفعلوا ، فوجه كسرى بالجيوش من العرب والعجم ، فالتقوا بذي قار ، فأتاهم حنظلة بن ثعلبة العجلي ، فقلدوه أمرهم .

فقالوا لهانىء: ذمتك ذمتنا ، ولا نخفر ذمتنا ، فحاربوا الفرس ، فهزموهم ومن معهم من العرب ، وكان مع الفرس إياس بن قبيصة الطائي وغيره من أخوه معد وقحطان ، فأتى عمرو بن عدي بن زيد كسرى ، وأخبره الخبر ، فخلع كتفه ، فمات .

فكان أول : يوم انتصرت فيه العرب من العجم .

تأريخ اليعقوبي ج1ص85 .

عشائر أياد بن نزار :

وأما إياد بن نزار : فإنه نزل اليمامة ، فولد له أولاد انتسبوا في القبائل .

فيقول النسابون: إن ثقيفاً قسي بن النبت بن منبه بن منصور بن يقدم بن أفصى بن دعمي بن أياد ، وانهم انتسبوا إلى قيس .

وكانت ديار إياد : بعد اليمامة ، الحيرة ومنازلهم الخورنق والسدير وبارق ، ثم أجلاهم كسرى عن ديارهم ، فأنزلهم تكريت ، مدينة قديمة على شط دجلة ، ثم أخرجهم عن تكريت إلى بلاد الروم ، فنزلوا بأنقرة من أرض الروم ، ورئيسهم يومئذ كعب بن مامة ، ثم خرجوا بعد ذلك .

فجماهير قبائل إياد أربعة: مالك ، وحذاقة ، ويقدم ، ونزار ، فهذه بطون إياد ، وفيهم يقول الأسود ابن يعفر التميمي:

أهل الخورنق والسدير وبارقٍ

والقصر ذي الشرفات من سنداد

الواطئون على صدور نعالهم

يمشون في الدفني والأبراد

عفت الرياح على محل ديارهم

فكأنما كانوا على ميعاد

نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم

ماء الفرات يجيء من أطواد

بلد تخيرها لطول مقيلها

كعب بن مامة وابن أم دؤاد

وذكر أبو دؤاد الأيادي : بعض ذلك ، وكان أبو دؤاد أشعر شعرائهم ، وبعده لقيط بالعراق ، فلما بلغه أن كسرى آلى على نفسه أن ينفي إياداً من تكريت ، وهي من أرض الموصل ، كتب صحيفة بعث بها إليهم ، وفيها:

سلام في الصحيفة من لقيطٍ. . . إلى من بالجزيرة من إياد

فإن الليث يأتيكم بياتاً. . . فلا يشغلكم سوق النقاد

أتاكم منهم سبعون ألفاً. . . يزجون الكتائب كالجراد

تأريخ اليعقوبي ج1ص86 .

عشائر مضر بن نزار

حياة مضر :

وأما مضر بن نزار : فسيد ولد أبيه ، وكان كريماً حكيماً ، ويروى عنه أنه .

قال لولده : من يزرع شراً يحصد ندامة ، وخير الخير أعجله ، فاحملوا أنفسكم على مكروهها ، فيما أصلحكم ، واصرفوها عن هواها ، فيما أفسدكم ، فليس بين الصلاح والفساد إلا صبر ووقاية .

وروي أن رسول الله قال: لا تسبوا مضر وربيعة ، فإنهما كانا مسلمين .

وفي حديث آخر: فإنهما كانا على دين إبراهيم .

فولد مضر بن نزار : إلياس بن مضر ، وعيلان بن مضر ، وأمهما الحنفاء بنت أياد بن معد .

فولد عيلان بن مضر قيس بن عيلان : فانتشر ولده وكثروا ، و صار فيه العدد والمنعة ، فجماهير قبائل قيس بن عيلان : عدوان بن عمرو بن قيس ، وفهم بن عمرو بن قيس ، ومحارب بن خصفة بن قيس ، وباهلة بن أعصر بن سعد بن قيس ، وفزارة بن ذبيان بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس ، وسليم بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس .

وعامر بن صعصعة : بن معاوية بن بكر بن هوازن ، ومازن بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس ، وسلول بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن ، وثقيف ، وهو قسي بن منبه بن بكر بن هوازن .

وثقيف ينسب إلى أياد بن نزار : وكلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وعقيل بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة ، وقشير بن كعب بن ربيعة ، والحريش بن كعب بن ربيعة بن عامر ، وعوف بن عامر بن ربيعة بن عامر ، والبكاء بن عامر بن ربيعة .

وكانت الرئاسة والحكومة :

في قيس : وانتقلت في عدوان ، وكان أول من حكم منهم ورأس: عامر ابن الضرب ، ثم صارت في فزارة ، ثم صارت في عبس ، ثم صارت في بني عامر بن صعصعة ، ولم تزل فيهم .

وكانت لقيس : أيام مشهورة وحروب متصلة منها: يوم البيداء ، ويوم شعب جبلة ، ويوم الهباءة ، ويوم الرقم ، ويوم فيف الريح ، ويوم الملبط ، ويوم رحرحان ، ويوم العرى ، ويوم حرب داحس والغبراء بين عبس وفزارة .

تأريخ اليعقوبي ج1ص87 .

الياس بن مضر وولده

حياة الياس :

وكان الياس بن مضر : قد شرف وبان فضله ، وكان أول من أنكر على بني إسماعيل ما غيروا من سنن آبائهم ، وظهرت منه أمور جميلة ، حتى رضوا به رضاً لم يرضوه بأحد من ولد إسماعيل بعد أدد .

فردهم إلى سنن آبائهم : حتى رجعت سنتهم تامة على أولها ، وهو أول من أهدى البدن إلى البيت ، وأول من وضع الركن بعد هلاك إبراهيم ، فكانت العرب تعظم إلياس تعظيم أهل الحكمة .

وكان لإلياس من الولد :

مدركة : واسمه عامر ، وطابخة ، واسمه عمرو ، وقمعة ، واسمه عمير ، وأمهم جميعاً خندف ، واسمها ليلى بنت حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة .

وكان إلياس : قد أصابه السل .

فقالت خندف امرأته : لئن هلك لا أقمت ببلد مات به .

وحلفت : ألا يظلها بيت ، وأن تسيح في الأرض ، فلما مات خرجت سائحة في الأرض حتى هلكت حزناً .

وكانت وفاته يوم الخميس : فكانت تبكيه ، وإذا طلعت شمس ذلك اليوم بكت حتى تغيب ، فصارت مثلاً .

طابخة بن الياس :

وولد لطابخة : بن إلياس أد بن طابخة ، فتفرقت من ولد أد بن طابخة أربع قبائل ، وهي: تميم بن مر بن أد ، والرباب وهو عبد مناة بن أد ، وضبة بن أد ، ومزينة بن أد .

وكان العدد في تميم بن مر بن أد : حتى امتلأت منهم البلاد ، وافترقت قبائل تميم ، فمن جماهير قبائل تميم: كعب بن سعد بن زيد مناة ، وحنظلة بن مالك بن زيد مناة ، وهم يسمون البراجم ، وبنو دارم ، وبنو زرارة ابن عدس وبنو أسد ، وعمرو بن تميم .

فهؤلاء ولد أد بن طابخة بن إلياس بن مضر : وفيهم العدد والمنعة والبأس والنجدة والشعر والفصاحة ، وكانت الرئاسة في تميم ، وكان أول رئيس فيهم: سعد بن زيد مناة بن تميم ، ثم حنظلة بن مالك بن زيد مناة ، وكانت لهم أيام مشهورة وحروب معروفة ، فمنها يوم الكلاب ، ويوم المروت ، ويوم جدود ، ويوم النسار .

مدركة بن الياس بن مضر :

وكان مدركة بن إلياس : سيد ولد نزار قد بان فضله ، وظهر مجده .

وخرج أخوه قمعة : إلى خزاعة ، فتزوج فيهم ، وصار ينسب ولده معهم ، وكان ولده فيهم .

وكان من ولده عمرو بن لحي ابن قمعة : وهو أول من غير دين إبراهيم .

وولد مدركة بن إلياس خزيمة : وهذيلاً ، وحارثة ، وغالباً ، وأمهم سلمى ابنة الأسود بن أسلم بن الحاف بن قضاعة ، ويقال: بنت أسد بن ربيعة بن نزار ، وأما حارثة فدرج صغيراً ، وأما غالب فانتسبوا في بني خزيمة .

وأما هذيل بن مدركة : فإن العدد منهم في بني سعد بن هذيل ، ثم تميم بن سعد ، ثم في معاوية بن تميم والحارث بن تميم وهذيل شجعان أصحاب حروب وغارات ونجدة وفصاحة وشعر .

تأريخ اليعقوبي ج1ص87 .

خزيمة بن مدركة وولده :

وكان خزيمة أحد حكام العرب : ومن يعد له الفضل والسؤدد ، فولد خزيمة بن مدركة كنانة ، وأمه عوانة بنت قيس بن عيلان ، وأسد والهون ، وأمهم برة بنت مر بن أد بن طابخة أخت تميم ابن مر .

فأما أسد بن خزيمة : فإن ولده انتشروا في اليمن ، وهم: جذام ، ولخم ، وعاملة بنو عمرو بن أسد ، وكانت مضر تدعي جذاماً خاصة ، وبنو أسد مقيمون على انهم منهم يواصلونهم على ذلك ، ويعدونهم منهم ، قال امرؤ القيس بن حجر الكندي:

صبرنا عن عشيرتنا ، فبانوا

كما صبرت خزيمة عن جذام

وقال عبد المطلب بن هاشم في شعر له:

فقل لجذام إن أتيت بلادهم

وخص بني سعد بها ثم وائل

أنيلوا ، وأدنوا من وسائل قومكم

فيعطف منكم قبل قطع الوسائل

....

فأما جذام بن عدي بن الحارث : فإنها مقيمة على نسبها في اليمن ، فتقول: جذام بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن يشجب بن عريب ابن مالك بن كهلان ، وكان لأسد ابن خزيمة من الولد: دودان ، وكاهل ، وعمرو ، وهند ، والصعب ، وتغلب .

وكان العدد : في دودان ، ومنه افترقت قبائل بني أسد .

وقبائل بني أسد : قعين ، وفقعس ، ومنقذ ودبان ، ووالبة ، ولاحق ، وحرثان ، ورئاب ، وبنو الصيداء

وكانت أسد : منتشرة من لدن قصور الحيرة إلى تهامة ، وكانت الطيء محالفة متفقة معها ، ودارهما تكاد أن تكون واحدة ، وكانت محاربة لكندة ، حتى قتلت حجر بن الحارث بن عمرو الكندي ، وهرب امرؤ القيس ، وذلت كندة ، ثم حاربت بني فزارة ، حتى قتلت بدر ابن عمرو ، ثم اختلف الذي بينها وبين طي ، فتحارب الحيان أسد وطيء حتى قتلوا لأم بن عمرو الطائي ، وأسروا زيد بن مهلهل ، وهو زيد الخيل ، وأخذوا السبايا .....

والهون بن خزيمة : وهو القارة ، وإنما سموا القارة لأن بني كنانة لما خرجت بنو أسد بن خزيمة من تهامة ، وخالفوا كنانة ، وضموا القليل إلى الكثير ، جعلوا بني الهون بن خزيمة قارة بينهم لأحد دون أحد .

ويقال إن بني الهون : نزلوا أرضاً منخفضة ، والعرب يسمون الأرض المنخفضة القارة ، فقيل لهم: أصحاب القارة ، والقارة المرامي ، فقال بعضهم : قد أنصف القارة من راماها ..

وقبائل بني الهون بن خزيمة :عضل وديش ابنا ييثع بن الهون بن خزيمة ، فأما الحكم بن الهون ابن خزيمة ، فإنه صار إلى اليمن ، فحل بلاد مذحج ، فولد له بها أولاد ، ومات ، فانتسب ولده إلى حكم بن سعد العشيرة .

تأريخ اليعقوبي ج1ص88 .

كنانة بن خزيمة بن الياس :

وظهر في كنانة بن خزيمة : فضائل لا يحصى شرفها ، وعظمته العرب .

فروي أن كنانة : أتي ، وهو نائم في الحجر ، فقيل له : تخير يا أبا النضر بين الهضيل أو الهدر ، أو عمارة الجدر ، أو عز الدهر!

فقال: كل هذا يا رب! فأعطيه .

فولد كنانة بن خزيمة النضر : وحدال ، وسعداً ، ومالكاً ، وعوفاً ، ومخرمة ، وأمهم هالة بنت سويد بن الغطريف ، وهو حارثة بن امرىء القيس ابن ثعلبة بن مازن بن الغوث ، وعلياً ، وغزوان ، وأمهما برة بنت مر ، وجرولاً ، والحارث ، وأمهما من أزد شنوءة ، وعبد مناة ، وأمه الذفراء ، واسمها فكيهة بنت هني بن بلي بن عمرو بن الحاف بن قضاعة .

فأما مخرمة : فيقال :: إنهم بنو ساعدة رهط سعد بن عبادة ، وبنو عبد مناة بن كنانة ، فهم عدد كنانة ، فمنهم: بنو ليث بن بكر بن عبد مناة ، وبنو الدئل بن بكر ، وبنو ضمرة بن بكر .

منهم: بنو غفار بن مليك بن ضمرة ، وبنو جذيمة بن عامر بن عبد مناة الذين أصابهم خالد بن الوليد بالغميصاء ، وبنو مدلج بن مرة بن عبد مناة .

ومن بني مالك بن كنانة بن خزيمة: بنو فقيم بن عدي بن عامر بن ثعلبة ابن الحارث بن مالك ابن كنانة ، ومن بني فقيم كان النسأة ، وهم القلامس كانوا ينسئون ويحلون ويحرمون ، وكان أولهم حذيفة بن عبد فقيم الذي يسمى القلمس ، ثم صار ذلك في ولده ، فقام بعده عباد بن حذيفة ابنه ، ثم بعد عباد قلع بن عباد ، ثم أمية بن قلع ، ثم عوف بن أمية ، ثم جنادة بن عوف ، وهو أبو ثمامة ، ومنهم فراس بن غنم بن مالك بن كنانة ، فهذه جماهير قبائل كنانة .

تأريخ اليعقوبي ج1ص89 .

النضر (قريش) بن كنانه بن خزيمة بن الياس

حياته :

وأما النضر بن كنانة : فكان أول من سمي القرشي .

يقال إنه سمي القرشي : لتقرشه وارتفاع همته .

وقيل : لتجارته ويساره ، ويقال : لدابة في البحر تسمى القرش ، سمته أمه قريشاً تصغير قرش .

فمن لم يكن : من ولد النضر بن كنانة ، فليس بقرشي .

فولد النضر بن كنانة :

مالكاً : ويخلد ، والصلت .

وكان النضر : أبا الصلت .

وأم ولد النضر : عكرشة بنت عدوان ابن عمرو بن قيس بن عيلان .

وأما يخلد : فلم يبق منهم أحد يعرف .

وأما ولد الصلت : فصاروا في خزاعة .

مالك بن النضر:

حياة مالك :

وكان مالك بن النضر : عظيم الشأن .

وكان له من الولد : فهر ، والحارث ، وشيبان .

وأمهم : جندلة بنت الحارث بن مضاض بن عمرو بن الحارث الجرهمي .

ويقال : إن اسم فهر بن مالك : قريش .

وإنما فهر : لقب ، والاسم : قريش .

تأريخ اليعقوبي ج1ص89 .

فهر بن مالك بن النضر :

وظهر في فهر بن مالك : علامات فضل في حياة أبيه ، فلما هلك أبوه قام مقامه .

وكان لفهر بن مالك من الولد : غالب ، والحارث ، ومحارب ، وجندلة .

وأمهم: ليلى بنت الحارث بن تميم بن سعد ابن هذيل .

فمن ولد الحارث ابن فهر : ضبة بن الحارث رهط أبي عبيدة بن الجراح .

ومن ولد محارب بن فهر شيبان بن محارب: رهط الضحاك بن قيس .

وكان غالب بن فهر : أفضلهم وأظهرهم مجداً .

فيروي : أن فهر بن مالك قال : لابنه غالب ، حين حضرته الوفاة :

أي بني! إن في الحذر انغلاق النفس ، وإنما الجزع قبل المصائب ، فإذا وقعت مصيبة برد حرها ، وإنما القلق في غليانها ، فإذا قامت ، فبرد حر مصيبتك بما ترى من وقع المنية أمامك وخلفك ، وعن يمينك وعن شمالك ، وما ترى في آثارها من محق الحياة ، ثم اقتصر على قليلك ، وإن قلت منفعته ، فقليل ما في يدك أغنى لك من كثير مما أخلق وجهك إن صار إليك .

تأريخ اليعقوبي ج1ص90 .

غالب بن فهر بن مالك بن النضر :

فلما مات فهر : شرف غالب ابن فهر ، وعلا أمره .

وكان له من الولد : لؤي ، وتيم الأدرم ، وأمهما عاتكة بنت يخلد بن النضر ابن كنانة ، وتغلب ، ووهب ، و كثير ، وحراق ، هؤلاء لا بقية لهم ، فأما تيم الأدرم ، فإنه أعقب .

وكان لؤي بن غالب : سيداً شريفاً بين الفضل .

يروي أنه قال لأبيه : غالب ابن فهر ، وهو غلام حدث:

يا أبه : رب معروف قل أخلافه ، ونصر .

يا أبه : من أخلفه أخمله ، وإذا أخمل الشيء لم يذكر ، وعلى المولى تكبير صغيره ونشره ، وعلى المولى تصغير كبيرة وستره .

فقال له أبوه : يا بني إني أستدل بما أسمع من قولك على فضلك ، وأستدعي به الطول لك في قومك ، فإن ظفرت بطول ، فعد علي قومك ، وأكف غرب جهلهم بحلمك ، والمم شعثهم برفقك ، فإنما يفضل الرجال الرجال بأفعالهم ، فإنها على أوزانها ، وأسقط الفضل ومن لم تعل له درجة على آخر لم يكن له فضل ، وللعليا أبداً على السفلى فضل .

تأريخ اليعقوبي ج1ص90 .

لؤي غالب بن فهر ... :

فلما مات غالب بن فهر : قام لؤي بن غالب مقامه .

وكان للؤي من الولد : كعب ، وعامر ، وسامة ، وخزيمة ، وأمهم عائذة .

وعوف والحارث ، وجشم ، وأمهم ماوية بنت كعب بن القين .

وسعد بن لؤي ، وأمه يسرة بنت غالب بن الهون بن خزيمة ، فأما سامة بن لؤي ، فإنه هرب من أخيه عامر بن لؤي .

وذلك أنه كان بينهما شر : فوثب سامة على عامر ففقأ عينه ، فأخافه عامر ، فهرب منه ، فصار إلى عمان ، فيقال : إنه مر ذات يوم على ناقة له ، فوضعت الناقة مشفرها في الأرض ، فعلقتها أفعى ونفضتها ، فوقعت على سامة ، فنهشت الأفعى ساقه ، فقتلته .

فأما خزيمة بن لؤي : وهو عائذة ، فإنه نزل في شيبان ، فانتسب ولده في ربيعة .

وأما الحارث : وهو جشم وسعد ، فإنهم نزلوا في هزان فانتسبوا فيهم .

وأما عوف بن لؤي : فإنه خرج فيما يزعمون في ركب من قريش ، حتى إذا كان في أرض غطفان أبطأ به بعيره ، فانطلق من كان معه من قومه ، فأتاه ثعلبة بن سعد بن ذبيان ، فاحتبسه ، وجعله له أخاً ، فصار نسبه في عوف بن سعد بن ذبيان ...

وللحارث بن ظالم : في هذا شعر كثير ، وقد كان عمر بن الخطاب دعا بني عوف إلى أن يردهم إلى نسبهم في قريش .

فشاوروا : علي بن أبي طالب ، فقال لهم: أنتم أشراف في قومكم ، فلا تكونوا مستلحقين في قريش.

فأما عامر بن لؤي : فإنه كان له من الولد حسل بن عامر ، و معيص بن عامر ، وعويص بن عامر ، وأمهم امرأة من قرن ، وليس لعويص بن عامر بقية ، والبقية في حسل ومعيص .

كعب بن لؤي بن غالب ..:

فأما كعب بن لؤي : فكان أعظم ولد أبيه قدراً ، وأعظمهم شرفاً .

وكان أول: من سمي يوم الجمعة بالجمعة ، وكانت العرب تسميه عروبة ، فجمعهم فيه ، وكان يخطب عليهم ، فيقول:

اسمعوا : وتعلموا ، وافهموا .

واعلموا : أن الليل ساج ، والنهار ضاح ، والأرض مهاد ، والسماء عماد ، والجبال أوتاد ، والنجوم أعلام ، والأولون كالآخرين ، والأبناء ذكر ، فصلوا أرحامكم ، واحفظوا أصهاركم ، وثمروا أموالكم ، فهل رأيتم من هالك رجع ، أو ميت نشر الدار أمامكم ، والظن غير ما تقولون ، وحرمكم زينوه وعظموه ، وتمسكوا به .

فسيأتي نبأ عظيم .

وسيخرج منه نبي كريم .

ثم يقول:

نهار وليل كل يؤوب بحادث
سواء علينا ليلها ونهارها
يؤوبان بالأحداث حين يؤوبا
وبالنعم الضافي علينا ستورها
صروف ، وأنباء تغلب أهلها
لها عقد ما يستحل مريرها
على غفلة يأتي النبي محمد
فيخبر أخباراً صدوقاً خبيرها


ثم يقول : يا ليتني شاهد نجوى دعوته ، لو كنت ذا سمع ، وذا بصر ويد ورجل تنصبت له تنصب العجل ، وأرقلت إرقال الجمل ، فرحاً بدعوته ، جذلاً بصرخته ، فلما مات كعب أرخت قريش من موت كعب .

وكان لكعب من الولد: مرة ، وهصيص ، وأمهما وحشية ابنه شيبان بن محارب بن فهر بن مالك ، وعدي بن كعب ، وأمه حبيبة بنت بجالة بن سعد بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان .

فعدي بن كعب : رهط عمر بن الخطاب ، وولد هصيص بن كعب سهماً وجمحاً .

مرة بن كعب بن لؤي ...:

وكان مرة بن كعب :سيداً هماماً .

فتزوج : هند بنت سرير بن ثعلبة بن الحارث بن مالك بن كنانة ، وكان سرير أول من نسأ الشهور ، فولدت هند لمرة كلابا ، ثم تزوج مرة بنت سعد بن بارق ، فولدت له تيما ويقظة ، فتيم بن مرة رهط أبي بكر ، ومخزوم بن يقظة بن مرة رهطه أيضاً .

كلاب بن مرة بن كعب .. :

وشرف كلاب بن مرة : وجل قدره ، واجتمع له شرف الأب والجد من قبل الأم ، لأنهم كانوا يجيزون الحج ، ويحرمون الشهور ، ويحللونها ، فكانوا يسمون النسأة والقلامس .

وكان لكلاب بن مرة من الولد : قصي ، وزهرة .

وفيهما قال رسول الله : صريحا قريش بن كلاب .

وأمهما : فاطمة بنت سعد بن سيل الأزدي ، وكان سعد بن سيل أول من حليت له السيوف بالذهب والفضة ، وله يقول الشاعر:

لا أرى في الناس شخصاً واحداً

فاعلموا ذاك ، كسعد بن سيل

تأريخ اليعقوبي ج1ص91 .

قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ..

حياة قصي وتغربه ورجوعه لمكة:

فلما مات كلاب : تزوجت فاطمة بنت سعد بن سيل ربيعة بن حرام العذري ، فخرج بها إلى بلاد قومه .

فحملت قصياً معها : وكان اسمه زيداً ، فلما بعد من دار قومه سمته قصياً ، فلما شب قصي ، وهو في حجر ربيعة .

قال له رجل من بني عذرة: الحق بقومك ، فإنك لست منا!

فقال: ممن أنا؟

فقال: سل أمك! فسألها .

فقالت: أنت أكرم منه نفساً ، وولداً ، ونسباً! أنت ابن كلاب بن مرة ، وقومك آل الله ، وفي حرمه .

وكانت قريش : لم تفارق مكة إلا انهم لما كثروا ، قلت المياه عليهم ، فتفرقوا في الشعاب .

فكره قصي الغربة : وأحب أن يخرج إلى قومه .

فقالت له أمه : لا تعجل حتى يدخل الشهر الحرام ، فتخرج في حجاج قضاعة ، فإني أخاف عليك .

فلما دخل الشهر الحرام : شخص معهم حتى قدم مكة .

قصي يأخذ سدانة الكعبة :

وأقام قصي بمكة :حتى شرف وعز ، وولد له الأولاد .

وكانت حجابه البيت : إلى خزاعة ، وذلك أن الحجابة كانت إلى أياد .

فلما أرادوا : الرحيل عن مكة حملوا الركن على جمل ، فلم ينهض الجمل ، فدفنوه ، وخرجوا .

وبصرت بهم : امرأة من خزاعة حين دفنوه ، فلما بعدت أياد اشتد ذلك على مضر ، وأعظمته قريش وسائر مضر .

فقالت الخزاعية لقومها: اشرطوا على قريش وسائر مضر أن يصيروا إليكم حجابه البيت ، حتى أدلكم على الركن ، ففعلوا ذلك ، فلما أظهروا الركن صيروا إليهم الحجابة .

فقدم قصي بن كلاب مكة : والحجابة إلى خزاعة ، والإجازة إلى صوفة ، وهو الغوث بن مر أخي تميم ، وكان الحج وإجازة الناس من عرفات إليه ، ثم صارت إلى عقبه من بعده ، وبنو القيس بن كنانة ينسئون الشهور ، ويحلون ، ويحرمون .

فلما رأى قصي ذلك : جمع إليه قومه من بني فهر بن مالك ، وحازهم إليه ، فلما حضر الحج حال بين صوفة وبين الإجازة .

وقامت معه : خزاعة وبنو بكر ، وعلموا أن قصيا سيصنع بهم كما صنع بصوفه ، وأنه سيحول بينهم وبين أمر مكة وحجابه البيت ، وانحازوا عنه ، وصاروا عليه .

فلما رأى ذلك : أجمع لحربهم ، وبعث إلى أخيه من أمه دراج بن ربيعة العذري ، فأتاه أخوه بمن قدر عليه من قضاعة ، وقيل: وافى دراج ، وقصي قد نصب لحرب القوم ، ودراج يريد البيت ، فأعان أخاه بنفسه وقومه ، فاقتتلوا قتالاً شديداً بالأبطح ، حتى كثرت القتلى في الفريقين .

ثم تداعوا إلى الصلح: وأن يحكم ما بينهم رجل من العرب فيما اختلفوا فيه.

فحكموا : يعمر بن عوف بن كعب بن ليث ابن بكر بن كنانة .

فقضى بينهم : بأن قصياً أولى بالبيت وأمر مكة من خزاعة ، وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر موضوع يشدخه تحت قدميه ، وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش ففيه الدية ، فودوا خمساً و عشرين بدنة وثلاثين حرجاً ، وأن يخلوا بين قصي وبين البيت ومكة ، فسمي يعمر الشداخ .

تأريخ اليعقوبي ج1ص91 .

قصي يسكن مكة ويطعم الحاج :

ولم يكن بمكة بيت في الحرم : إنما كانوا يكونون بها نهاراً ، فإذا أمسوا خرجوا ، فلما جمع قصي قريشاً ، وكان أدهى من رئي من العرب ، أنزل قريشاً الحرم ، وجمعهم ليلاً ، وأصبح بهم حول الكعبة ،.

فمشت إليه أشراف بني كنانة وقالوا: إن هذا عظيم عند العرب ، ولو تركناك ما تركتك العرب .

فقال: والله لا أخرج منه ، فثبت .

وحضر الحج ، فقال لقريش: قد حضر الحج ، وقد سمعت العرب ما صنعتم ، وهم لكم معظمون ، ولا أعلم مكرمة عند العرب أعظم من الطعام ، فليخرج كل إنسان منكم من ماله خرجاً! ففعلوا .

فجمع من ذلك شيئاً كثيراً : فلما جاء أوائل الحج نحر على كل طريق من طرق مكة جزوراً ، ونحر بمكة ، وجعل حظيرة ، فجعل فيها الطعام من الخبز واللجم ، وسقى الماء واللبن ، وغدا على البيت ، فجعل له مفتاحاً وحجبة ، وحال بين خزاعة وبينه ، فثبت البيت في يد قصي ، ثم بنى داره بمكة ، وهي أول دار بنيت بمكة ، وهي دار الندوة .

وروى بعضهم : أنه لما تزوج قصي إلى حليل بن حبشية الخزاعي حبي ابنته ، وولدت له ، أوصى حليلاً عند موته بولاية البيت إلى قصي ، وقال: إنما ولدك ولدي، وأنت أحق بالبيت، وكانت حبى بنت حليل بن حبشية قد ولدت لقصي بن كلاب ، عبد مناف ، وعبد الدار ، وعبد العزى ، وعبد قصي .

وقال آخرون: دفع حليل بن حبشية المفتاح إلى أبي غبشان ، وهو سليمان ابن عمرو بن بوي بن ملكان بن أفصى بن حارثة بن عمرو بن عامر ، فاشتراه قصي منه وولاية البيت بزق خمر وقعود .

فقيل: أخس من صفقة أبي غبشان ، ووثبت خزاعة .

فقالت: لا نرضى بما صنع أبو غبشان ، فوقعت بينهم الحرب .

فقال بعضهم:

أبو غبشان أظلم من قصي

وأظلم من بني فهر خزاعة

فلا تلحوا قصياً في شراه

ولوموا شيخكم إذ كان باعه

قصي يجمع قريش في مكة :

فولي قصي : البيت وأمر مكة والحكم ، وجمع قبائل قريش ، فأمر لهم بأبطح مكة ، وكان بعضهم في الشعاب ورؤوس الجبال ، فقسم منازلهم بينهم ، فسمي مجمعاً ، وفيهم يقول الشاعر:

أبوكم قصي كان يدعى مجمعاً

به جمع الله القبائل من فهر

وملكه قومه عليهم : فكان قصي أول من أصاب الملك من ولد كعب بن لؤي ، فلما قسم أبطح مكة أرباعاً بين قريش ، هابوا أن يقطعوا شجر الحرم ليبنوا منازلهم ، فقطعها قصي بيده ، ثم استمروا على ذلك .

وكان قصي : أول من أعز قريشاً ، وظهر به فخرها ، ومجدها ، وسناها ، وتقرشها ، فجمعها ، و أسكنها مكة ، وكانت قبل متفرقة الدار ، قليلة العز ، ذليلة البقاع ، حتى جمع الله ألفتها ، وأكرم دارها ، وأعز مثواها .

وكانت قريش : كلها بالأبطح .

خلا / بني محارب والحارث ابني فهر ، ومن بني تيم بن غالب ، وهو الأدرم ، وبني عامر بن لؤي ، فإنهم نزلوا الظواهر .

سنن قصي في مكة وولده :

ولما حاز قصي : شرف مكة كلها ، وقسمها بين قريش ، واستقامت له الأمور ، ونفى خزاعة ، هدم البيت ، ثم بناه بنياناً لم يبنه أحد ، وكان طول جدرانه تسع أذرع ، فجعله ثماني عشرة ذراعاً ، وسقفها بخشب الدوم وجريد النخل .

وبنى : دار الندوة .

وكان : لا ينكح رجل من قريش ، ولا يتشاورون في أمر ، ولا يعقدون لواء بالحرب ، ولا يعذرون غلاماً ، إلا في دار الندوة ، وكانت قريش في حياته ، وبعد وفاته ، يرون أمره كالدين المتبع .

وكان أول : من حفر بمكة بعد إسماعيل بن إبراهيم ، فحفر العجول في أيام حياته ، و بعد وفاته .

ويقال : إنها في دار أم هانئ بنت أبي طالب .

وكان قصي : أول من سمي الدابة الفرس ، وكانت له دابة يقال لها العقاب السوداء .

وكان لقصي من الولد : عبد مناف : وكان يدعى القمر ، وهو السيد النهر ، واسمه المغيرة . وعبد الدار : وعبد العزى ، وعبد قصي .

ويقال إن قصياً قال: سميت اثنين بإلهي ، وآخر بداري ، وآخر بنفسي .

وقسم قصي : بين ولده ، فجعل السقاية والرئاسة لعبد مناف ، والدار لعبد الدار ، والرفادة لعبد العزى ، وحافتي الوادي لعبد قصي .

وقال قصي لولده: من عظم لئيماً شاركه في لؤمه ، ومن استحسن مستقبحاً شركه فيه ، ومن لم تصلحه كرامتكم ، فدلوه بهوانه ، فالدواء يحسم الداء .

ومات قصي : فدفن بالحجون .

عبد مناف بن قصي :

حياة عبد مناف :

ورأس عبد مناف : بن قصي ، وجل قدره ، وعظم شرفه .

ولما كبر أمر عبد مناف ابنه : جاءته خزاعة وبنو الحارث بن عبد مناة بن كنانة يسألونه الحلف ليعزوا به .

فعقد بينهم الحلف: الذي يقال له حلف الأحابيش ، وكان مدبر بني كنانة الذي سأل عبد مناف عقد الحلف: عمرو بن هلل بن معيص بن عامر .

وكان تحالف الأحابيش على الركن: يقوم رجل من قريش وآخر من الأحابيش ، فيضعان أيديهما على الركن ، فيحلفان بالله القاتل ، وحرمة هذا البيت ، والمقام ، والركن ، والشهر الحرام على النصر على الخلق جميعاً ، حتى يرث الله الأرض ومن عليها .

وعلى التعاقد : وعلى التعاون على كل من كادهم من الناس جميعاً ما بل بحر صوفة ، وما قام حري وثبير ، وما طلعت شمس من مشرقها إلى يوم القيامة ، فسمي حلف الأحابيش .

فولد عبد مناف بن قصي :

هاشماً : واسمه عمرو ، وكان يقال له عمرو العلى ، وسمي هاشماً ، لأنه كان يهشم الخبز ، ويصب عليه المرق واللحم في سنة شديدة نالت قريشاً .

وعبد شمس ، والمطلب : ونوفلاً ، وأبا عمرو ، وحنة ، وتماضر ، وأم الأخثم ، وأم سفيان ، وهالة ، و قلابة ، وأمهم جميعاً ، إلا نوفلاً وأبا عمرو: عاتكة بنت مرة بن هلال بن فالج بن ذكوان ابن ثعلبة بن بهثة بن سليم ، فولدت له هؤلاء ، وهي التي جرت حلف الأحابيش وأم نوفل وأبي عمرو: وافدة بنت أبي عدي ، وهو عامر بن عبد نهم من بني عامر بن صعصعة .

ويقال : إن هاشماً وعبد شمس كانا توأمين ، فخرج هاشم ، وتلاه عبد شمس ، وعقبه ملتصق بعقبه ، فقطع بينهما بموسى ، فقيل: ليخرجن بين ولد هذين من التقاطع ما لم يكن بين أحد .

تأريخ اليعقوبي ج1ص93 .

هاشم بن قصي وسننه وشرفه

شرفه وسننه في مكة:

وشرف هاشم : بعد أبيه ، وجل أمره .

واصطلحت قريش : على أن يولي هاشم بن عبد مناف الرئاسة والسقاية والرفادة فكان إذا حضر الحج قام في قريش خطيباً .

فقال: يا معشر قريش! إنكم جيران الله وأهل بيته الحرام ، وأنه يأتيكم في هذا الموسم زوار الله يعظمون حرمة بيته ، فهم أضياف الله ، وأحق الضيف بالكرامة ضيفه ، وقد خيركم الله بذلك ، وأكرمكم به ، ثم حفظ منكم أفضل ما حفظ جار من جاره ، فأكرموا ضيفه وزواره ، فإنهم يأتون شعثاً غبراً من كل بلد على ضوامر كالقداح ، وقد أعيوا وتفلوا ، وقملوا ، وأرملوا ، فأقروهم ، وأغنوهم! فكانت قريش ترافد على ذلك .

وكان هاشم : يخرج مالاً كثيراً .

ويأمر بحياض : من أدم ، فتجعل في موضع زمزم ، ثم يسقى فيها من الآبار التي بمكة ، فيشرب منها الحاج ، وكان يطعمهم بمكة ومنى وعرفة وجمع .

وكان يثرد لهم :الخبز واللحم والسمن والسويق ، ويحمل لهم المياه ، حتى يتفرق الناس إلى بلادهم ، فسمي هاشماً .

هشام يسن الرحلتين :

وكان أول من سن الرحلتين:

رحلة الشتاء : إلى الشام .

ورحلة الصيف : إلى الحبشة إلى النجاشي .

وذلك أن تجارة قريش : لا تعدو مكة ، فكانوا في ضيق .

حتى ركب هاشم إلى الشام : فنزل بقيصر ، فكان يذبح في كل يوم شاة ، ويضع جفنة بين يديه ، ويدعو من حواليه .

وكان من أحسن الناس وأجملهم : فذكر لقيصر ، فأرسل إليه ، فلما رآه ، وسمع كلامه ، أعجبه ، وجعل يرسل إليه .

فقال هاشم : أيها الملك إن لي قوماً ، وهم تجار العرب ، فتكتب لهم كتاباً يؤمنهم ويؤمن تجاراتهم ، حتى يأتوا بما يستطرف من أدم الحجاز وثيابه ، ففعل قيصر ذلك .

وانصرف هاشم : فجعل كلما مر بحي من العرب أخذ من أشرافهم الإيلاف أن يأمنوا عندهم وفي أرضهم ، فأخذوا الإيلاف من مكة والشام .

شرف هشام بوصف الكلبي :

قال الأسود بن شعر الكلبي: كنت عسيفاً لعقيله من عقائل الحي اركب الصعبة والذلول ، لا أليق مطرحاً من البلاد أرتجي فيه ربحاً من الأموال ، إلا يرغب إليه من الشام بخرثيه ، وأثاثه ، أريد كبة العرب ، فعدت ، ودهم الموسم فدفعت إليها مسدفاً ، فحبست الركاب ، حتى انجلى عني قميص الليل .

فإذا قباب سامية : مضروبة من أدم الطائف ، وإذا جزر تنحر وأخرى تساق وأكله وجبنه على الظهار إلا عجلوا ! فبهرني ما رأيت ، فتقدمت أريد عميدهم ، وعرف رجل شأني .

فقال: إمامك ، فدنوت ، فإذا رجل على عرش سام تحته نمرقة قد كار عمامة سوداء ، واخرج من ملاثمها جمة فينانه ، كان الشعرى تطلع من جبينه ، وفي يده مخصرة ، وحوله مشيخة جله منكسو الأذقان ، ما منهم أحد يفيض بكلمة ، ودونهم خدم مشمرون إلى أنصاف .

وإذا برجل مجهر : على نشز من الأرض .

ينادي: يا وفد الله ، هلموا الغداء!

وانسيان على طريق من طعم يناديان: يا وفد الله ! من تغدى فليرجع إلى العشاء !

وقد كان نمى : إلي من حبر من أحبار اليهود ، إن النبي الأمي هذا أوان توكفه .

فقلت: لأعرف ما عنده ، يا نبي الله!

فقال : مه ، وكان قد له .

فقلت لرجل كان إلى جانبي: من هذا ؟

فقال: أبو نضلة هاشم بن عبد مناف ، فخرجت .

وأنا أقول: هذا والله المجد لا مجد آل جفنة .

ومر مطرود : بن كعب الخزاعي برجل مجاور في بني هاشم ، وبنات له وامرأة في سنة شديدة ، فخرج يحمل متاعه ورحله هو وولده وامرأته لا يؤويه أحد ، فقال مطرود الخزاعي:

يا أيها الرجل المحول رحله

هلا نزلت بآل عبد مناف

هبلتك أمك لو حللت بدارهم

ضمنوك من جوع ومن إقراف

عمرو العلى هشم الثريد لقومه

ورجال مكة مسنتون عجاف

نسبوا إليه الرحلتين كليهما

عند الشتاء ورحلة الأصياف

الآخذون العهد في آفاقها

والراحلون لرحلة الإيلاف

هشام إلى الرفيق الأعلى :

وخرج هاشم : بتجارات عظيمة يريد الشام ، فجعل يمر بأشراف العرب ، فيحمل لهم التجارات ، ولا يلزمهم لها مؤونة ، حتى صار إلى غزة ، فتوفي بها .

ولما هلك هاشم بن عبد مناف : جزعت قريش .

وخافت : أن تغلبها العرب ، فخرج عبد شمس إلى النجاشي ملك الحبشة فجدد بينه وبينه العهد ثم انصرف ، فلم يلبث أن مات بمكة ، ودفن بالحجون.

وخرج نوفل : إلى العراق ، وأخذ عهدا من كسرى ، ثم أقبل ، فمات بموضع يقال له سلمان.

وقام بأمر مكة : المطلب بن عبد مناف .

وكان لهاشم : من الولد:

عبد المطلب بن هشام : والشفاء ، وأمهما سلمى بنت عمرو بن زيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار ، واسم النجار تيم الله بن ثعلبة بن عمرو بن الخزرج .

ونضلة ابن هاشم : وأمه أميمة بنت عدي بن عبد الله .

وأسد بن هشام : أبو فاطمة بنت أسد أم علي بن أبي طالب ، وأمه قيلة بنت عامر ابن مالك بن المطلب .

وأبو صيفي : انقرض نسله ، إلا من رقيقة بنت أبي صيفي ، وصيفي درج صغيراً ، وأمهما هند بنت عمرو بن ثعلبة بن الخزرج .

وضعيفة وخالدة : وأمهما واقده بنت أبي عدي ، وحنة بنت هاشم ، وأمها أم عدي بنت حبيب بن الحارث الثقفية .

تأريخ اليعقوبي ج1ص94 .

عبد المطلب بن هشام وعمه المطلب

هاشم يخرج بابنه شيبه عبد المطلب للمدينة :

وكان هاشم : لما أراد الخروج إلى الشام حمل امرأته سلمى بنت عمرو إلى المدينة ، لتكون عند أبيها وأهلها ، ومعه ابنه عبد المطلب ، فلما توفي أقامت بالمدينة .

المطلب يرجع أبن أخيه لمكة :

وكان المطلب بن عبد مناف : قد قام بأمر مكة بعد أخيه هاشم .

فلما كبر عبد المطلب :

بلغ المطلب : مكانه ووصف له حاله .

ومر رجل : من تهامة بالمدينة ، فإذا غلمان يتناضلون ، وإذا غلام فيهم

إذا أصاب قال: أنا ابن هاشم ، أنا ابن سيد البطحاء!

فقال له الرجل: من أنت يا غلام ؟

قال: أنا شيبة بن هاشم بن عبد مناف .

فانصرف الرجل : حتى قدم مكة ، فوجد المطلب بن عبد مناف جالساً في الحجر .

فقال : يا أبا الحارث ، علمت أني جئت من يثرب ، فوجدت غلماناً يتناضلون . وقص عليه ما رأى من عبد المطلب .

قال : و إذا أظرف غلام ما رأيته قط .

قال المطلب : أغفلته ، أما والله لا أرجع إلى أهلي حتى آتيه !

فخرج المطلب : حتى أتى المدينة عشاء ، ثم خرج على راحلته حتى أتى بني عدي بن النجار .

فلما نظر إلى ابن أخيه قال : هذا ابن هاشم ؟

قال القوم : نعم . وعرف القوم المطلب .

قالوا : هذا ابن أخيك ، فإن أردت أخذه الساعة لا تعلم أمه ، فإنها إن علمت حلنا بينك وبينه .

المطلب يأتي بشيبة بن هاشم لمكة :

فأناخ : راحلته ، ثم دعاه: يا ابن أخي!

أنا عمك : وقد أردت الذهاب بك إلى قومك ، فاركب!

فما كذب عبد المطلب : أن جلس على عجز الراحلة ، وجلس المطلب على الرحل ، ثم بعثها ، فانطلقت ، فلما علمت أمه علقت تدعو حربها ، فأخبرت أن عمه ذهب به .

ودخل المطلب مكة : وهو خلفه ، والناس في أسواقهم ومجالسهم ، فقاموا يرحبون به ، ويحيونه .

ويقولون : من هذا معك ؟

فيقول : عبدي ابتعته بيثرب ، ثم خرج حتى أتى الحزورة ، فابتاع له حلة .

ثم أدخله : على امرأته خديجة بنت سعيد بن سهم .

فلما كان العشي : ألبسه ، ثم جلس في مجلس بني عبد مناف ، وأخبرهم خبره .

وجعل بعد ذلك : يخرج في تلك الحلة ، فيطوف في سكك مكة ، وكان أحسن الناس .

فتقول قريش : هذا عبد المطلب! .

فلج اسمه : عبد المطلب ، وترك شيبة .

ولما حضر رحيل المطلب: إلى اليمن .

قال لعبد المطلب: أنت يا ابن أخي أولى بموضع أبيك ، فقم بأمر مكة .

فقام مقام المطلب :

فتوفي المطلب : في سفره ذلك بردمان.

تأريخ اليعقوبي ج1ص95 .

شأن وحياة عبد المطلب بن هشام

يا طيب : عبد المطلب أبو عبد الله أبو النبي الأكرم وأبو أبو طالب عليهم السلام ، وهو سيد قريش بعد أبيه هاشم رحمه الله ، وهو الذي بين فضله الله بإكرامه بحفر زمزم وتحذير صاحب الفيل من الهلاك إن هجم على بيت الله ، ولكي نعرف شأن عبد المطلب ، من ثم أبناءه وبالخصوص أبو طالب المعقود له هذه الصفحة ، بل لنعرف أباء النبي الأكرم ، فلنبين بعض شأن حياة عبد المطلب رحمه الله .

نسب عبد المطلب حتى آدم:

يا طيب : نسب عبد المطلب ، وهو والد أبو طالب بن عبد المطلب هو نسب النبي الأكرم محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صل الله عليه وآله وسلم ، وقد عرفنا مفصلا .

و نسبه: محمّد بن عبد اللّه ، بن عبد المطلب - و اسمه شيبة الحمد -، بن هاشم- و اسمه عمرو- ، بن عبد مناف- و اسمه المغيرة- ، بن قصي- و اسمه زيد- ، ابن كلاب ، بن مرة ، بن كعب ، بن لؤي ، بن غالب ، بن فهر ، بن مالك ، بن النضر و هو قريش ، بن كنانة ، بن خزيمة ، بن مدركة ، بن إلياس ، بن مضر ، بن نزار ، بن معد ، بن عدنان ‏.

و روي عن النبي أنّه قال: إذا بلغ نسبي عدنان فأمسكوا .

و روي عن أمّ سلمة زوج النبيّ عليه السلام قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يقول :

معد بن عدنان : بن ادد بن زيد بن ثرا بن أعراق الثرى.

قالت أمّ سلمة : زيد هميسع و ثرا نبت و أعراق الثرى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام؛ قالت: ثمّ قرأ رسول اللّه صلّى اللّه عليه‏ و آله و سلّم: { وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً } لا يعلمهم إلّا اللّه‏.

و في رواية اخرى: عدنان بن ادد بن زيد بن يقدد بن يقدم الهميسع ابن نبت بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام‏.

و قيل: الأصحّ الذي اعتمد عليه أكثر النسّاب و أصحاب التواريخ:

أنّ عدنان : هو ادّ بن ادد بن اليسع بن الهميسع بن سلامان بن نبت بن حمل بن قيدار بن إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام ابن تارخ بن ناحور بن ساروغ ابن ارغو بن فالغ بن عابر و هو هود عليه السلام ابن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح عليه السلام بن لمك بن متوشلخ بن أخنوخ‏ و هو إدريس عليه السلام ابن يارد بن مهلائيل يارد بن قينان بن أنوش بن شيث بن آدم‏ عليه السلام أبي البشر.

إعلام الورى بأعلام الهدى ج1ص43 ، وأنظر مناقب ابن شهرآشوب 1: 172، و نقله المجلسي في بحار الأنوار 15: 280/ 25. والطبقات الكبرى 1: 135، مستدرك الحاكم 2: 604، دلائل النبوة للبيهقي 1: 164 الوفا بأحوال المصطفى 1: 105.

أولاد عبد المطلب :

يا طيب : أولاد عبد المطب هم أعمام النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وكان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم تسعة أعمام .

هم بنو عبد المطّلب : الحارث، و الزبير، و أبو طالب، و حمزة، و الغيداق، و ضرار، و المقوّم، و أبو لهب و اسمه عبد العزّى، و العبّاس ، وعبد الله أبو النبي .

و لم يعقب منهم إلّا أربعة:

الحارث، و أبو طالب، و العبّاس، و أبو لهب‏.

فأمّا الحارث : فهو أكبر ولد عبد المطّلب و به كان يكنّى، و شهد معه حفر زمزم‏ ، و ولده : أبو سفيان، و المغيرة، و نوفل، و ربيعة، و عبد شمس‏.

أمّا أبو سفيان : فأسلم عام الفتح و لم يعقب‏ وشهد حنين وثبت مع النبي.

و أمّا نوفل: فكان أسنّ من حمزة و العبّاس، و أسلم أيّام الخندق وله عقب‏.

و أمّا عبد شمس : فسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عبد اللّه‏ و عقبه بالشام‏.

و أمّا أبو طالب عمّ النبيّ : فكان مع أبيه عبد اللّه ابني أمّ .

و امّهما : فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم‏ .

وأبو طالب : اسمه عبد مناف‏ .

له أربعة أولاد ذكور: طالب، و عقيل، و جعفر، و عليّ.

ومن الاناث: أمّ هانئ اسمها فاختة، وجمانة، امّهم جميعا فاطمة بنت أسد.

و كان عقيل : أسنّ من جعفر بعشر سنين، و أعقبوا .

إلّا طالبا : و توفّي قبل أن يهاجر النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم بثلاث سنين ، وقيل أخرج لبدر ، وقال صاحب الكامل في ذكر قصته :

و كان بين طالب بن أبي طالب : و هو في القوم ، و بين بعض قريش محاورة . فقالوا : و اللّه لقد عرفنا ، أن هواكم مع محمّد .

فرجع طالب : فيمن رجع إلى مكّة .

و قيل : إنّه اخرج كرها فلم يوجد في الاسرى و لا في القتلى و لا فيمن رجع إلى مكّة . و هو الذي يقول:

يا ربّ اما يغزون طالب‏

فى مقنب من هذه المقانب‏

فليكن المسلوب غير السالب

و ليكن المغلوب غير الغالب‏

و لم يزل رسول اللّه ممنوعا : من الأذى بمكّة موقى من الأذى ، حتّى توفّي أبو طالب عليه السلام، فنبت به مكّة ، و لم تستقرّ له بها دعوة .

حتّى جاءه جبرئيل عليه السلام فقال:

إنّ اللّه تعالى يقرئوك السلام و يقول لك: اخرج من مكّة فقد مات ناصرك ، ... وسيأتي التفصيل ..

و أمّا العباس : فكان يكنّى أبا الفضل، و كانت له السقاية و زمزم، و أسلم يوم بدر، و استقبل النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم عام الفتح بالأبواء، و كان معه حين فتح مكة، و به ختمت الهجرة. و مات بالمدينة في أيّام عثمان و قد كفّ بصره.

و كان له من الولد تسعة ذكور و ثلاث إناث: عبد اللّه، و عبيد اللّه، و الفضل، و قثم، و معبد، و عبد الرحمن، و أمّ حبيب، امّهم لبابة بنت الفضل ابن الحارث الهلاليّة اخت ميمونة بنت الحارث زوجة النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم، و تمّام، و كثير، و الحارث، و آمنة، و صفيّة، لامّهات أولاد شتّى‏.

و أمّا أبو لهب فولده: عتبة، و عتيبة، و معتّب، و امّهم أمّ جميل بنت حرب اخت أبي سفيان حمّالة الحطب‏ ولم يسلم .

و كانت عمّاته : صلوات اللّه عليه و آله ستّا من امّهات شتّى ، و هنّ: اميمة، و أمّ حكيمة، و برّة، و عاتكة، و صفيّة، و أروى‏.

و كانت اميمة : عند جحش بن رئاب الأسدي .

وكانت أمّ حكيمة : هي البيضاء عند كرز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس.

و كانت برّة : عند عبد الأسد بن هلال المخزوميّ فولدت له أبا سلمة الذي كان زوج أمّ سلمة.

و كانت عاتكة : عند أبي اميّة بن المغيرة المخزوميّ، و كانت صفيّة عند الحارث ابن حرب بن اميّة، ثمّ خلف عليها العوّام بن خويلد فولدت له الزبير، و كانت أروى عند عمير بن عبد العزّى بن قصيّ.

أسلم منهنّ ثلاث: صفيّة، و أروى، و عاتكة .

إعلام الورى بأعلام الهدى ج1ص281 ، الخصال ص 452ح59، مناقب ابن شهرآشوب ج1ص158، العدد القوية 136، جمهرة النسب للكلبي: 101 و 106، سيرة ابن هشام 1: 113، جمهرة أنساب العرب: 14 السيرة النبوية لابن كثير 1: 102 و 184.

حفر عبد المطلب بئر زمزم

يا طيب : هذه كرامة ، يقر بها كل المؤرخين والباحثين والمسلمين ، لعبد المطلب رحمه الله وعليه السلام ، وهو أبو أبو طالب وجد النبي الأكرم والمعصومين كلهم ، وبها نعرف شرفه وعلو منزلته عند الله تعالى ، وأنه خصه بالفضل والمناقب ليعرفه بالإيمان والاصطفاء دون غيره ، ويرينا أن له ولذريته كرامات تأتي لا يدانيهم أحد فيها ولا يقاس بهم أحد من الناس ، وهي في قصة حفر زمزم ، كما سنعرف في قصة أصحاب سورة الفيل وغيرها :

حفر زمزم برواية الكافي :

في الكافي : علي بن إبراهيم و غيره رفعوه قال :

كان في الكعبة : غزالان من ذهب و خمسة أسياف ، فلما غلبت خزاعة جرهم على الحرم ، ألقت جرهم الأسياف و الغزالين في بئر زمزم ، و ألقوا فيها الحجارة و طموها ، و عموا أثرها .

فلما غلب قصي : على خزاعة ، لم يعرفوا موضع زمزم ، و عمي عليهم موضعها .

فلما غلب عبد المطلب : و كان يفرش له في فناء الكعبة ، و لم يكن يفرش لأحد هناك غيره .

فبينما هو نائم : في ظل الكعبة ، فرأى في منامه أتاه آت .

فقال له : أحفر برة .

قال : و ما برة ؟

ثم أتاه : في اليوم الثاني ، فقال : أحفر طيبة .

ثم أتاه : في اليوم الثالث ، فقال : أحفر المصونة. قال : و ما المصونة ؟

ثم أتاه : في اليوم الرابع ، فقال : أحفر زمزم ، لا تنزح و لا تذم ، تسقي الحجيج الأعظم ، عند الغراب الأعصم‏ ، عند قرية النمل .

و كان عند زمزم : حجر يخرج منه النمل ، فيقع عليه الغراب الأعصم في كل يوم يلتقط النمل .

فلما رأى عبد المطلب : هذا ، عرف موضع زمزم .

فقال لقريش : إني أمرت‏ في أربع ليال في حفر زمزم‏ ، و هي مأثرتنا و عزنا ، فهلموا نحفرها ، فلم يجيبوه إلى ذلك .

فأقبل : يحفرها هو بنفسه ، و كان له ابن واحد ، و هو الحارث ، و كان يعينه على الحفر .

فلما صعب : ذلك عليه ، تقدم إلى باب الكعبة ، ثم رفع يديه .

و دعا الله عز و جل : و نذر له ، إن رزقه عشر بنين ، أن ينحر أحبهم إليه تقربا إلى الله عز و جل .

فلما حفر : و بلغ الطوي‏ ، طوي إسماعيل .

و علم : أنه قد وقع على الماء .

كبر : و كبرت قريش .

و قالوا : يا أبا الحارث ، هذه مأثرتنا ، و لنا فيها نصيب .

قال لهم : لم تعينوني على حفرها ، هي لي و لولدي إلى آخر الأبد.

الكافي ج4ص219ح6 . وعمو أثرها : أي أخفوا و لبسوا. أحفر برة : صفة البئر لأنه يكثر منافعه ويبر خيره من يرتوي منه ، وكذا طيبة والمصونة وزمزم صفات وأسماء للبئر تعرف فضلها وخصائصها . لا تنزح : أي لا ينفد ماؤها بالنزح .ولذا هي لا تذم أي تمدح ، الاعصم : من الغربان ما يكون احدى رجليه بيضاء و قيل: كلتاهما ، وقيل الأحمر الرجلين و المنقار او ما في جناحه ريشة بيضاء. الطوى : البئر المطوية أي المبنية بالحجارة في حيطانها الداخلية .

تفصيل رؤيا عبد المطلب والحفر :

في الكافي : عن أحمد بن محمد ، عن القاسم بن يحيى عن جده الحسن بن راشد قال : سمعت أبا إبراهيم الإمام الكاظم عليه السلام يقول‏ :

لما احتفر : عبد المطلب زمزم ، و انتهى إلى قعرها ، خرجت عليه من إحدى جوانب البئر رائحة منتنة أفظعته ، فأبى أن ينثني‏ ، و خرج ابنه الحارث عنه .

ثم حفر : حتى أمعن ، فوجد في قعرها عينا تخرج عليه برائحة المسك .

ثم احتفر : فلم يحفر إلا ذراعا حتى تجلاه النوم .

فرأى رجلا : طويل الباع‏ ،حسن الشعر ، جميل الوجه ، جيد الثوب ، طيب الرائحة ، و هو يقول :

أحفر تغنم : و جد تسلم ، و لا تدخرها للمقسم‏ ، الأسياف لغيرك ، و البئر لك .

أنت : أعظم العرب قدرا .

و منك : يخرج نبيها ، و وليها ، و الأسباط النجباءالحكماء العلماء البصراء ، و السيوف لهم ، وليسوا اليوم منك ولا لك ، و لكن في القرن الثاني منك .

بهم ينير الله الأرض : و يخرج الشياطين من أقطارها ، و يذلها في عزها ، و يهلكها بعد قوتها ، و يذل الأوثان ، و يقتل عبادها حيث كانوا .

ثم يبقى بعده : نسل من نسلك ، هو أخوه و وزيره ، و دونه في السن ، و قد كان القادر على الأوثان ، لا يعصيه حرفا ، و لا يكتمه شيئا ، و يشاوره في كل أمر هجم عليه .

و استعيا : عنها عبد المطلب .

فوجد : ثلاثة عشر سيفا مسندة إلى جنبه .

فأخذها : و أراد أن يبث‏ .

فقال : و كيف و لم أبلغ الماء .

ثم حفر : فلم يحفر شبرا ، حتى بدا له قرن الغزال و رأسه ، فاستخرجه .

و فيه طبع : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، علي ولي الله ، فلان خليفة الله .

فسألته فقلت : فلان متى كان قبله أو بعده ؟

قال عليه السلام : لم يجئ بعد ، و لا جاء شيء من أشراطه‏ .

فخرج عبد المطلب : و قد استخرج الماء و أدرك .

و هو يصعد : فإذا أسود له ذنب طويل يسبقه بدارا إلى فوق ، فضربه فقطع أكثر ذنبه ، ثم طلبه ففاته ، و فلان‏ قاتله إن شاء الله .

و من رأي عبد المطلب : أن يبطل الرؤيا التي رآها في البئر ، و يضرب السيوف صفائح البيت .

فأتاه الله بالنوم : فغشيه ، و هو في حجر الكعبة ، فرأى ذلك الرجل بعينه ، و هو يقول : يا شيبة الحمد ، أحمد ربك .

فإنه سيجعلك : لسان الأرض ، و يتبعك قريش خوفا و رهبة و طمعا ، ضع السيوف في مواضعها .

و استيقظ عبد المطلب : فأجابه‏ ، أنه يأتيني في النوم ، فإن يكن من ربي فهو أحب إلي ، و إن يكن من شيطان فأظنه مقطوع الذنب ، فلم ير شيئا و لم يسمع كلاما .

فلما أن كان الليل : أتاه في منامه بعدة من رجال و صبيان .

فقالوا له : نحن أتباع ولدك ، و نحن من سكان السماء السادسة .

السيوف : ليست لك .

تزوج : في مخزوم تقو ، و اضرب بعد في بطون العرب‏ ، فإن لم يكن معك مال ، فلك حسب .

فادفع : هذه الثلاثة عشر سيفا إلى ولد المخزومية ، و لا يبان لك أكثر من هذا ، و سيف لك منها واحد ، سيقع من يدك ، فلا تجد له أثرا ، إلا أن يستجنه جبل كذا و كذا ، فيكون من أشراط قائم آل محمد صلى الله عليه و عليهم .

فانتبه عبد المطلب : و انطلق و السيوف على رقبته ، فأتى ناحية من نواحي مكة ، ففقد منها سيفا كان أرقها عنده ، فيظهر من ثم‏ .

ثم دخل معتمرا : و طاف بها على رقبته و الغزالين ، أحدا و عشرين طوافا ، و قريش تنظر إليه .

و هو يقول : اللهم صدق وعدك ، فأثبت لي قولي ، و انشر ذكري ، و شد عضدي ، و كان هذا ترداد كلامه .

و ما طاف : حول البيت بعد رؤياه في البئر ببيت شعر حتى مات .

و لكن قد ارتجز : على بنيه يوم أراد نحر عبد الله ، فدفع الأسياف جميعها إلى بني المخزومية إلى الزبير و إلى أبي طالب و إلى عبد الله .

فصار لأبي طالب : من ذلك أربعة أسياف ، سيف لأبي طالب ، و سيف لعلي ، و سيف لجعفر ، و سيف لطالب .

و كان للزبير : سيفان ، و كان لعبد الله سيفان .

ثم عادت : فصارت لعلي الأربعة الباقية ، اثنين من فاطمة و اثنين من أولادها ، فطاح سيف‏ جعفر يوم أصيب فلم يدر في يد من وقع حتى الساعة ، و نحن نقول : لا يقع سيف من أسيافنا في يد غيرنا ، إلا رجل يعين به معنا ، إلا صار فحما .

قال : و إن منها لواحدا في ناحية يخرج كما تخرج الحية ، فيبين منه ذراع و ما يشبهه ، فتبرق له الأرض مرارا ، ثم يغيب ، فإذا كان الليل فعل مثل ذلك فهذا دأبه حتى يجيء صاحبه ، و لو شئت أن أسمي مكانه لسميته ، و لكن أخاف عليكم من أن أسميه فتسموه ، فينسب إلى غير ما هو عليه.

الكافي ج4ص220ح7 . أبى أن ينثني : لم تفل عزمه على الحفر ، أي لشدة شناعت الريح الكرية لكنه أبى أن ينعطف للخروج و يترك الحفر ، وأمعن في الحفر : جد وبالغ في الحفر أكثر.

تجلاه النوم : أي غشيه و غلب عليه. و الباع : قدر مد اليدين.

لا تدخرها للمقسم : أي الغنائم في البئر ، لا تجعلها ذخيرة لان تقسم بعدك بل أحكم بها بنفسك .استعيا : من العي أي عجز و لم يهتد لوجه مراده و تحير في الامر. يبث : أي ينشر و يذكر خير الرؤيا فكتمه . فلان : المراد به الحجة المهدي عليه السلام وعجل فرجه ولم يجئ إلى زمان الإمام الكاظم عليه السلام شيء من أشراط ظهوره ولا من علاماته ، وفلان قاتله أي الحجة .

وأتاه الله بالنوم : أي جعله ينام ، شيبة الحمد : لقب لعبد المطلب.

فأجابه : أي اجاب عبد المطلب الرجل الذي كلمه في المنام. وأضرب في بطون العرب : أي تزوج في أي بطن منهم شئت ، تزوج في مخزوم : تزوج عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمرو بن مخزوم أم عبد الله و الزبير و أبي طالب .

و الحاصل : أنك لا بد لك أن تتزوج من بنى مخزوم ليحصل والد النبي و الأوصياء صلوات الله عليهم ، و يرثوا السيوف ، و اما سائر القبائل فالأمر إليك .

من ثم : أي يظهر في زمن القائم عليه السلام من هذا الموضع الذي فقد فيه أو من جبل الذي تقدم ذكره.

قوله عليه السلام: فصارت لعلي، يحتمل أن يكون المراد بالأربعة الباقية تتمة الثمانية المذكورة إلى اثني عشر و يكون المراد بالفاطمة أمه عليهم السلام ، أي صارت الأربعة الباقية أيضا إلى علي عليه السلام من قبل أمه و إخوته حيث وصل إليهم من جهة أبي طالب زائدا على ما تقدم ، أو يكون المراد بفاطمة بنت النبي صلى الله عليه و آله بأن يكون النبي صلى الله عليه و آله أعطاها سيفين غير الثمانية ، و أعطى الحسنين عليهما السلام سيفين، و يحتمل أن يراد بالأربعة سيوف: الزبير و عبد الله فتكون الأربعة الأخرى مسكوتا عنها.

فطاح سيف : أي سقط و هلك. صار فحما : أي يسود و يبطل و لا يأتي منه شيء حتى يرجع الينا . فينسب إلى غير مما هو عليه : أي يتغير مكانه او يأخذه غير صاحبه.

رواية اليعقوبي لحفر زمزم :

قال اليعقوبي في تأريخه : فقام عبد المطلب : بأمر مكة ، وشرف وساد ، وأطعم الطعام ، وسقى اللبن والعسل ، حتى علا اسمه ، وظهر فضله ، وأقرت له قريش بالشرف ، فلم يزل كذلك .

قال محمد بن الحسن : لما تكامل لعبد المطلب مجده ، وأقرت له قريش بالفضل ، رأى ، وهو نائم في الحجر ، آتيا أتاه .

فقال له : قم يا أبا البطحاء ، واحفر زمزم حفيرة الشيخ الأعظم .

فاستيقظ فقال : اللهم بين لي في المنام مرة أخرى .

فرآه يقول : قم فاحفر برة! قال : وما برة ؟

قال : مضنة ضن بها على العالمين ، وأعطيتها .

ثم رأى قائلا يقول له : قم يا أبا الحارث ، فاحفر زمزم لا تنزف ولا تذم ، تروى الحج الأعظم .

ثم رأى ثالثة: قم فاحفر! قال: وما أحفر؟ قال: احفر بين الفرث والدم عند مبحث الغراب الأعصم وقرية النمل ، فإذا أبصرت الماء ، فقل: هلم إلى الماء الروا ، أعطيته على رغم العدا .

فلما استيقن عبد المطلب : أنه قد صدق جلس عند البيت مفكرا في أمره ، وذبحت بقرة بالحزورة ، فأفلتت ، وأقبلت تسعى ، حتى طرحت نفسها موضع زمزم ، فسلخت هناك ، وقسم لحمها ، وبقي الفرث والدم .

فقال عبد المطلب: الله أكبر! ثم سعى لينظر ، فإذا قرية نمل مجتمع في الأرض ، فانطلق ، فأتى بمعول ، وابنه الحارث وحيده .

فاجتمعت إليه قريش فقالوا : ما هذه؟

قال: أمرني ربي أن أحفر ما يروي الحجيج الأعظم!

فقالوا له : أمر ربك بالجهل ، لم لا تحفر في مسجدنا ؟

قال : بذلك أمرني ربي . فلم يحفر إلا قليلاً ، حتى بدا الطي ، فكبر ، واجتمعت قريش ، فعلمت لما رأت الطي أنه قد صدق ، وليس له من الولد يومئذ إلا الحارث .

فلما رأى وحدته قال : اللهم ، إن لك علي نذراً .

إن وهبت لي عشرة ذكوراً : أن أنحر لك أحدهم .

وحفر : حتى وجد سيوفاً ، وسلاحاً ، وغزالاً من ذهب مقرطاً ، مجزعاً ، ذهباً وفضة .

فلما رأت قريش ذلك قالوا: يا أبا الحارث من فوق الأرض ومن تحتها ، فأعطنا هذا المال الذي أعطاك الله ، فإنها بئر أبينا إسماعيل ، فأشركنا معك!

فقال : إني لم أؤمر بالمال إنما أمرت بالماء ، فأمهلوني!

فلم يزل يحفر :حتى بدا الماء ، فكثر .

ثم قال : بحرها لا تنزف ، وبنى عليها حوضاً وملأه ماء .

ونادى : هلم إلى الماء الروا ، أعطيته على رغم العدا .

وكانت قريش : تفسد ذلك الحوض وتكسره .

فرأى في المنام : أن قم.

فقل : اللهم ، إني لا أحله لمغتسل ، ولكن لشارب حل .

فقام عبد المطلب فقال : ذلك ، فلم يكن يفسد ذلك الحوض أحد إلا رمي بداء من ساعته ، فتركوه .

ولما استقام له الماء : دعا ستة قداح ، فجعل لله قدحين أسودين ، وجعل للكعبة قدحين أبيضين ، وجعل لقريش قدحين أحمرين ، ثم أخذها بيده ، واستقبل الكعبة ، ثم أفاض ، وهو يقول:

يا رب أنت الأحد الفرد الصمد

إن شئت ألهمت الصواب والرشد

و زدت في المال و أكثرت الولد

إني مولاك على رغم معد

ثم ضرب : فخرج الأسودان لله .

فقال قال ربكم : هو مالي .

ثم أفاض وهو يقول:

لهم أنت الملك ا لمحمود

وأنت ربي المبدىء المعيد

من عندك الطارف والتليد

إن شئت ألهمت بما تريد

فخرج : الأبيضان للكعبة.

فقال : أخبرني ربي أن المال كله له ، فحلى به الكعبة ، وجعله صفائح على باب الكعبة ، وكان أول من حلي الكعبة .

تأريخ اليعقوبي ج1ص95 .

قريش تنافر عبد المطلب :

ولما رأت قريش : ما أعطيه نفست ذلك عليه .

فقالت : أنا لشركاء معك لأنها بئر أبينا إسماعيل .

فقال : هذا شيء خصصت به دونكم .

فنافروه : إلى كاهنة بني سعد ، فقضت له عليهم .

وروى بعضهم : ( لما كانوا في طريقهم لكاهنة بني سعد ) أن ماء عبد المطلب نفد في الطريق ومياه القوم ، فخافوا الهلكة .

فقال عبد المطلب : ليحفر كل رجل منا لنفسه حفيراً ، ثم ليقعد فيه ، حتى يأتيه الموت ، ففعلوا .

ثم قال : إن إلقاءنا بأيدينا لعجز ، فلو ركبنا وطلبنا الماء .

فلما استوى : على راحلته ، انفجرت تحت صدرها عين ماء .

فقال : ردوا الماء .

فقالوا : لقد قضى لك الله علينا ، ولا حاجة في أن نناوئك ، فانصرفوا .

تأريخ اليعقوبي ج1ص95 .

عبد المطلب عقد حلف المطيبين :

ولما رأت قريش : أن عبد المطلب قد حاز الفخر طلبت أن يحالف بعضها بعضاً ليعزوا .

وكان أول من طلب ذلك : بنو عبد الدار لما رأت حال عبد المطلب ، فمشت بنو عبد الدار إلى بني سهم ، فقالوا: امنعونا من بني عبد مناف .

فلما رأى ذلك بنو عبد مناف : اجتمعوا ، خلا بني عبد شمس .

فإن الزبيري قال: لم يكن ولد عبد شمس في حلف المطيبين ، ولا ولد عبد مناف .

وإنما كان فيهم هاشم : وبنو المطلب ، وبنو نوفل .

وقال آخرون : كانت بنو عبد شمس معهم ، فأخرجت لهم أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب طيباً في جفنة ، ثم وضعتها في الحجر .

فتطيب : بنو عبد مناف ، وأسد ، وزهرة ، وبنو تيم ، وبنو الحارث بن فهر ، فسموا حلف المطيبين .

فلما سمعت بذلك : بنو سهم ذبحوا بقرة ، وقالوا: من أدخل يده في دمها ولعق منه ، فهو منا .

فأدخلت أيديها : بنو سهم ، وبنو عبد الدار ، وبنو جمح ، وبنو عدي ، وبنو مخزوم ، فسموا اللعقة .

وكان تحالف المطيبين : أن لا يتخاذلوا ، ولا يسلم بعضهم بعضاً .

وقالت اللعقة: قد أعتدنا لكل قبيلة قبيلة .

تأريخ اليعقوبي ج1ص96 .

عبد المطلب ينافر قيس عيلان :

وكان عبد المطلب : لما حفر زمزم ، صار إلى الطائف فاحتفر بها بئرا يقال لها ذو الهرم ، فكان يأتي أحياناً ، فيقيم بذلك الماء .

فأتى مرة : فوجد به حيين من قيس عيلان ، وهم بنو كلاب ، وبنو الرباب .

فقال عبد المطلب : الماء مائي ، وأنا أحق به .

وقال القيسيون : الماء ماؤنا ، ونحن أحق به .

قال : فإني أنافركم إلى من شئتم يحكم بيني وبينكم .

فنافروه إلى سطيح الغساني : وكان كاهن العرب يتنافرون إليه ، فتعاهد القوم وتعاقدوا على أن سطيحاً :

إن قضى بالماء لعبد المطلب : فعلى كلاب وبني الرباب مائة من الإبل لعبد المطلب ، وعشرون لسطيح .

وإن قضى سطيح بالماء للحيين : فعلى عبد المطلب مائة من الإبل للقوم ، وعشرون لسطيح .

فانطلقوا : وانطلق عبد المطلب بعشرة نفر من قريش ، فيهم حرب بن أمية ، فجعل عبد المطلب لا ينزل منزلاً إلا نحر جزورا وأطعم الناس .

فقال القيسيون : إن هذا الرجل عظيم الشأن ، جليل القدر ، شريف الفعل ، وإنا نخشى أن يطمع حاكمنا بهذا ، فيقضي له بالماء ، فانظروا لا نرضى بقول سطيح حتى نخبىء له خبأ ، فإن أخبرنا ما هو رضينا بحكمه ، وإلا لم نرض به .

فبينا عبد المطلب : في بعض الطريق إذ فنى ماؤه وماء أصحابه ، فاستسقى القيسيين من فضل مائهم ، فأبوا أن يسقوهم .

وقالوا : أنتم الذين تخاصموننا وتنازعوننا في مائنا ، والله لا نسقيكم!

فقال عبد المطلب: أيهلك عشرة من قريش ، وأنا حي؟ لأطلبن لهم الماء ، حتى ينقطع خيط عنقي ، وأبلي عذراً ، فركب راحلته ، وأخذ الفلاة ، فبينا هو فيها ، إذ بركت راحلته وبصر به القوم .

فقالوا : هلك عبد المطلب.

فقال القرشيون: كلا والله لهو أكرم على الله من أن يهلكه ، وإنما مضى لصلة الرحم ، فانتهوا إليه ، وراحلته تفحص بكركرتها على ماء عذب ، روي ، قد ساح على ظهر الأرض ، فلما رأى القيسيون ذلك أهرقوا أسقيتهم ، وأقبلوا نحوهم ليأخذوا من الماء .

فقال القرشيون : كلا والله ، ألستم الذين منعتمونا فضل مائكم ؟

فقال عبد المطلب: خلوا القوم ، فإن الماء لا يمنع .

فقال القيسيون : هذا رجل شريف سيد ، وقد خشينا أن يقضي له علينا .

فلما وصلوا إلى سطيح قالوا: إنا قد خبأنا لك خبأ ، وأخذ إنسان منهم تمرة في يده فقال: فأخبرنا ما هو؟

فقال: خبأتم لي ما طال ، فسمك ، ثم أينع ، فما هلك ، ألق التمرة من يدك!

فقالوا: قاتله الله! اخبئوا له خبأ هو أخفى منه ، فأخذ إنسان جرادة .

فقالوا له: إنا قد خبأنا لك خبأ ، فأخبرنا ما هو؟

قال: خبأتم لي ما رجله كالمنشار ، وعينه كالدينار ، قالوا: إي . قال: ما طار ، فسطع ، ثم قبض ، فوقع ، فترك الصيد أنفع . قالوا: ما له ، قاتله الله؟ اخبئوا له خبأ هو أخفى من هذا.

فأخذوا رأس : جرادة ، فجعلوه في خرز مزادة ، ثم علقوه في عنق كلب لهم يقال له سوار ، ثم ضربوه حتى ذهب ، ثم رجع على الطريق .

فقالوا: قد خبأنا لك خبأ ، فأخبرنا ما هو؟

قال: خبأتم لي رأس جرادة ، في خرز مزادة ، بين عنق سوار والقلادة .

قالوا: اقض بيننا!

قال: قد قضيت .

اختصمتم أنتم وعبد المطلب : في ماء بالطائف يقال له ذو الهرم ، فالماء ماء عبد المطلب ، ولا حق لكم فيه ، فأدوا إلى عبد المطلب مائة من الإبل ، وإلى سطيح عشرين ، ففعلوا .

وانطلق عبد المطلب : ينحر ويطعم ، حتى دخل مكة .

فنادى مناديه: يا معشر أهل مكة ! إن عبد المطلب يسألكم بالرحم ، لما قام كل رجل منكم حدثته نفسه أن يغنيني عن هذا الغرم ، فأخذ مثل ما حدثته نفسه .

فقاموا : وأخذوا من بعير واثنين وثلاثة على قدر ما حدثت كل أمرئ منهم نفسه ، وفضلت بعد ذلك جزائر .

فقال عبد المطلب : لابنه أبي طالب : أي بني! قد أطعمت الناس ، فانطلق بهذه الجزائر ، فانحرها على أبي قبيس ، حتى يأكلها الطير والسباع ، ففعل أبو طالب ذلك ، فأصابها الطير والسباع .

قال أبو طالب:

و نطعم حتى يأكل الطير فضلنا

إذا جعلت أيدي المفيضين ترعد

تأريخ اليعقوبي ج1ص97 .

عبد المطلب في عام الفيل

عام الفيل : هو العام الذي ولد فيه النبي الأكرم ، والله سبحانه بين فيه معجزة إهلاك أصحابه في قصة سورة الفيل ، وكان أبو طالب وعبد الله أبو النبي عاشوا أيام هذه القصة في زمانهم .

قصة أصحاب الفيل :

في الكافي : عن أبان بن تغلب قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

لما أن وجه : صاحب الحبشة بالخيل ، و معهم الفيل ، ليهدم البيت .

مروا بإبل لعبد المطلب : فساقوها ، فبلغ ذلك عبد المطلب .

فأتى : صاحب الحبشة ، فدخل الآذن .

فقال : هذا عبد المطلب بن هاشم . قال : و ما يشاء ؟

قال الترجمان : جاء في إبل له ساقوها ، يسألك ردها .

فقال : ملك الحبشة لأصحابه ، هذا رئيس قوم و زعيمهم ، جئت إلى بيته الذي يعبده لأهدمه ، و هو يسألني إطلاق إبله ، أما لو سألني الإمساك عن هدمه لفعلت ، ردوا عليه إبله .

فقال عبد المطلب : لترجمانه ، ما قال لك الملك ؟ فأخبره .

فقال عبد المطلب : أنا رب الإبل ، و لهذا البيت رب يمنعه .

فردت إليه : إبله .

و انصرف عبد المطلب : نحو منزله ، فمر بالفيل في منصرفه .

فقال للفيل : يا محمود ، فحرك الفيل رأسه .

فقال له : أ تدري لم جاءوا بك ؟

فقال : الفيل برأسه لا .

فقال عبد المطلب : جاءوا بك لتهدم بيت ربك‏ ، أ فتراك فاعل ذلك ؟

فقال برأسه : لا .

فأنصرف عبد المطلب : إلى منزله ، فلما أصبحوا غدوا به لدخول الحرم ، فأبى و امتنع عليهم .

فقال عبد المطلب : لبعض مواليه ، عند ذلك اعل الجبل، فانظر ترى شيئا ؟

فقال : أرى سوادا من قبل البحر .

فقال له : يصيبه بصرك أجمع ؟

فقال له : لا، ولأوشك أن يصيب ، فلما أن قرب قال هو طير كثير ولا أعرفه ، يحمل كل طير في منقاره حصاة مثل حصاة الخذف أو دون حصاة الخذف .

فقال عبد المطلب : و رب عبد المطلب ، ما تريد إلا القوم ، حتى لما صاروا فوق رءوسهم أجمع ، ألقت الحصاة ، فوقعت كل حصاة على هامة رجل ، فخرجت من دبره فقتلته .

فما انفلت منهم : إلا رجل واحد يخبر الناس ، فلما أن أخبرهم ، ألقت عليه حصاة فقتلته .

الكافي ج1ص447ح25 .

يا طيب : ببركة عبد المطلب عرفنا قصة شرح وتفسير سورة الفيل ، وفي روايات أخرى أن من أستخبر قصة أصحاب الفيل ، وفي روايات أخرى حاكي قصة رمي الأبابيل لجيش الحبشة الذي حكم اليمن والجزيرة أيضا ، هو عبد الله أبو النبي الأكرم صلى الله عليهم وسلم ، وذكروا أن الفار هو أبرهة حتى دخل على ملك الحبشة فأخبره ورمي ، ونجى من الجيش الفيل .

قصة هدم الكعبة برواية أخرى :

عن هارون بن خارجة : عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن آبائه عليهم السلام قال :

لما ظهرت الحبشة باليمن : وجه يكسوم ملك الحبشة بقائدين من قواده ، يقال : لأحدهما أبرهة ، و الآخر أرباط ، في عشرة من الفيلة ، كل فيل في عشرة آلاف ، لهدم بيت الله الحرام .

فلما صاروا ببعض الطريق : وقع بأسهم بينهم و اختلفوا ، فقتل أبرهة أرباط و استولى على الجيش .

فلما قارب مكة : طرد أصحابه عيرا لعبد المطلب بن هاشم .

فصار عبد المطلب : إلى أبرهة ، و كان ترجمان أبرهة و المستولي عليه ابن داية لعبد المطلب .

فقال الترجمان لأبرهة : هذا سيد العرب و ديانها ، فأجله و أعظمه .

ثم قال لكاتبه : سله ما حاجته؟ فسأله؟

فقال : إن أصحاب الملك طردوا لي نعما.

فأمر : بردها ، ثم أقبل على الترجمان فقال : قل له : عجبا لقوم سودوك ، و رأسوك عليهم ، حيث تسألني في عير لك ، و قد جئت لأهدم شرفك و مجدك ، و لو سألتني الرجوع عنه لفعلت .

فقال : أيها الملك ، إن هذه العير لي و أنا ربها ، فسألتك إطلاقها.

و إن لهذه البنية ربا : يدفع عنها .

قال : فإني غاد لهدمها ، حتى أنظر ما ذا يفعل .

فلما انصرف : عبد المطلب ، رحل أبرهة بجيشه .

فإذا هاتف : يهتف في السحر الأكبر ، يا أهل مكة أتاكم أهل عكة ، بجحفل جرار يملأ الأندار ، ملء الجفار ، فعليهم لعنة الجبار .

فأنشأ عبد المطلب يقول‏ :

أيها الداعي لقد أسمعتني
كلما قلت و ما بي من صمم‏
إن للبيت لربا مانعا
من يرده بأثام يصطلم‏
رامه تبع‏ في أجناده
حمير و الحي من آل إرم‏
هلكت بالبغي فيهم جرهم
بعد طسم و جديس و جثم‏
و كذاك الأمر فيمن جاده
ليس أمر الله بالأمر الأمم
نحن آل الله فيما قد خلا
لم يزل ذاك على عهد إبرهم
نعرف الله و فينا شيمة
صلة الرحم و نوفي بالذمم
لم يزل لله فينا حجة
يدفع الله بها عنها النقم
و لنا في كل دور كرة
نعرف الدين و طورا في العجم
فإذا ما بلغ الدور إلى
منتهى الوقت أتى الطين‏ قدم
بكتاب فصلت آياته‏
فيه تبيان أحاديث الأمم

فلما أصبح عبد المطلب : جمع بنيه ، و أرسل الحرث ابنه الأكبر إلى أعلى جبل أبي قبيس ، فقال : أنظر ما ذا يأتيك من قبل البحر ، فرجع فلم ير شيئا.

فأرسل : واحدا بعد آخر من ولده ، فلم يأته أحد منهم عن البحر بخبر .

فدعا ولده عبد الله : و إنه لغلام حين أيفع ، و عليه ذؤابة تضرب إلى عجزه.

فقال له : أذهب فداك أبي و أمي ، فاعل أبا قبيس و انظر ما ذا ترى يجيء من البحر ، فنزل مسرعا .

فقال : يا سيد النادي ، رأيت سحابا من قبل البحر مقبلا ، يسفل تارة و يرتفع أخرى ، إن قلت : غيما قلته ، و إن قلت جهاما خلته ، يرتفع تارة و ينحدر أخرى .

فنادى عبد المطلب : يا معشر قريش ادخلوا منازلكم ، فقد أتاكم الله بالنصر من عنده‏ .

فأقبلت الطير الأبابيل : في منقار كل طير حجر ، و في رجليه حجران ، فكان الطائر الواحد يقتل ثلاثة من أصحاب أبرهة .

كان : يلقي الحجر في قمة رأس الرجل ، فيخرج من دبره‏.

و قد قص : الله تبارك و تعالى نبأهم ، فقال سبحانه‏ :

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ (1) أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ (2) وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ (3) تَرْمِيهِم بِحِجَارَةٍ مِّن سِجِّيلٍ (4) فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَّأْكُولٍ (5) } الفيل .

كنز الفوائد ج‏1ص185 . الجفار : جمع جفرة و هي سعة في الأرض مستديرة ، تبع هو من ملوك اليمن ، آل أرم : أي من آل عاد و عليه قوله تعالى : { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6) إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7)} الفجر . جرهم و طسم و جديس و جثم هي قبائل عربية بائدة. الأمم بالتحريك اليسير.

إبرهم : أي إبراهيم عليه السلام. روى هذه الأبيات المسعودي في المروج ج 2 ص 129 باختلاف في بعضها . الأحمر المشبع حمرة. هذه الأبيات الثلاثة الأخيرة لم يذكرها المسعودي . هو السحاب الذي لا ماء فيه .

السجيل : الصلب من الحجارة و العصف ورق الزرع ، و مأكول يعني كأنه أخذ ما فيه من الحب فأكل و بقي لا حب فيه. و قيل إن الحجارة كانت إذا وقعت على رءوسهم و خرجت من أدبارهم ، بقيت أجوافهم فارغة خالية حتى يكون الجسم كقشر الحنطة ، والظاهر لأنه يحترق .

و هذه : نفس القصة السابقة المروية عن الكافي مع اختلاف في أسلوبها ، وذكر بعض أمور لم تذكر في تلك ، وهذه القصة كما رواها المفيد بأسلوب آخر.

قصة الفيل برواية المفيد :

يا طيب : نذكر القصة برواية أخرى لأنه فيها تفصيل لم تذكر في سابقاتها ، ومن ضرورة معرفتها ، فإنه غالبا القصص تذكر حسب ذهن السامع والراوي واستيعابه ، وبكثرة النقل يحصل تواتر معنوي يؤكد القصة وأنه فيها تفاصيل كثيرة ، وهي كتفسير وشرح لسورة الفيل مع بيان أحوال عبد المطلب وعبد الله أبو النبي وأخوته ، وأهمية وجوده بينهم وشرفه أيضا :

عن عبد الله بن سنان : عن أبي عبد الله جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عليه السلام قال :

لما قصد أبرهة بن الصباح‏ : ملك الحبشة مكة لهدم البيت ، تسرعت الحبشة فأغاروا عليها ، و أخذوا سرحا لعبد المطلب بن هاشم .

فجاء عبد المطلب : إلى الملك ، فاستأذن عليه فأذن له ، و هو في قبة ديباج على سرير له .

فسلم عليه : فرد أبرهة السلام ، و جعل ينظر في وجهه .

فَرَاقَهُ : حُسْنُهُ وَ جَمَالُهُ وَ هَيْئَتُهُ‏ .

فقال له الملك : هَلْ كَانَ فِي آبَائِكَ مِثْلُ هَذَا النُّورِ ، الَّذِي أَرَاهُ‏ لَكَ وَ الْجَمَالِ.

قال : نَعَمْ أَيُّهَا الْمَلِكُ ، كُلُّ آبَائِي كَانَ لَهُمْ هَذَا النُّورُ وَ الْجَمَالُ وَ الْبَهَاءُ .

فقال له أبرهة : َقَدْ فُقْتُمُ الْمُلُوكَ فَخْراً وَ شَرَفاً وَ يَحِقُّ لَكَ أَنْ تَكُونَ سَيِّدَ قَوْمِكَ .

ثم أجلسه : معه على سريره ، و قال لسائس فيله الأعظم ، و كان فيلا أبيض عظيم الخلق‏ له نابان مرصعان بأنواع الدر و الجوهر ، و كان الملك يباهي به ملوك الأرض ، ايتني به ، فجاء به‏ سائسه و قد زين بكل زينة حسنة .

فحين قابل : وجه عبد المطلب ، سجد له ، و لم يك يسجد لملكه ، و أطلق الله لسانه بالعربية ، فسلم على عبد المطلب .

فلما رأى الملك : ذلك ، أرتاع له‏ و ظنه سحرا ز

فقال : ردوا الفيل إلى مكانه .

ثم قال لعبد المطلب : فيم جئت ، فَقَدْ بَلَغَنِي سَخَاؤُكَ وَ كَرَمُكَ وَ فَضْلُكَ وَ رَأَيْتُ مِنْ هَيْئَتِكَ وَ جَمَالِكَ وَ جَلَالِكَ مَا يَقْتَضِي أَنْ أَنْظُرَ فِي حَاجَتِكَ فَسَلْنِي مَا شِئْتَ ، و هو يرى أنه يسأله في الرجوع عن مكة .

فقال له عبد المطلب : إن أصحابك غدوا على سرح لي فذهبوا به ، فمرهم برده عَلَيَّ .

قال فتغيظ الحبشي : من ذلك ، وقال لعبد المطلب : لقد سقطت من عيني ، جئتني تسألني في سرحك ، و أنا قد جئت لهدم شرفك و شرف قومك ، و مكرمتكم التي تتميزون بها من كل جيل ، و هو البيت الذي يحج إليه من كل صقع في الأرض ، فتركت مسألتي في ذلك ، و سألتني في سرحك .

فقال له عبد المطلب : لست برب البيت الذي قصدت لهدمه ، و أنا رب سرحي الذي أخذه أصحابك ، فجئت أسألك فيما أنا ربه ، و للبيت رب هو أمنع له من الخلق كلهم ، و أولى به منهم .

فقال الملك : ردوا عليه سرحه ، و ازحفوا إلى البيت فانقضوه حجرا حجرا ، فأخذ عبد المطلب سرحه و انصرف إلى مكة .

و أتبعه الملك : بالفيل الأعظم مع الجيش لهدم البيت ، فكانوا إذا حملوه على دخول الحرم أناخ ، و إذا تركوه رجع مهرولا .

فقال عبد المطلب : لغلمانه ادعوا لي ابني ، فجاءوا بالعباس ، فقال : ليس هذا أريد ، أدعوا لي ابني ، فجاءوا بأبي طالب ، فقال : ليس هذا أريد ، أدعوا لي ابني ، فجاءوا بعبد الله أبي النبي .

فلما أقبل إليه قال : أذهب يا بني ، حتى تصعد أبا قبيس ، ثم اضرب ببصرك ناحية البحر ، فانظر أي شيء يجيء من هناك و خبرني به.

قال : فصعد عبد الله أبا قبيس ، فما لبث أن جاء طير أبابيل‏ ، مثل السيل و الليل ، فسقط على أبي قبيس ، ثم صار إلى البيت ، فطاف به سبعا ، ثم صار إلى الصفا و المروة ، فطاف بهما سبعا .

فجاء عبد الله رضي الله عنه : إلى أبيه فأخبره الخبر .

فقال : أنظر يا بني ما يكون من أمر هؤلاء بعد فأخبرني به .

فنظرها : فإذا هي قد أخذت نحو عسكر الحبشة ، فأخبر عبد المطلب بذلك ، فخرج عبد المطلب رحمه الله.

و هو يقول : يا أهل مكة اخرجوا إلى العسكر ، فخذوا غنائمكم .

قال : فأتوا العسكر ، و هم أمثال الخشب النجرة ، و ليس من الطير إلا و معه ثلاثة أحجار في منقاره و يديه ، يقتل بكل حصاة منها واحدا من القوم ، فلما أتوا على جميعهم انصرف الطير ، و لم ير قبل ذلك الوقت و لا بعده ، فلما هلك القوم بأجمعهم ، جاء عبد المطلب إلى البيت ، فتعلق بأستاره .

و قال رحمه الله :

يا حابس الفيل بذي المغمس‏
حبسته كأنه مكركس‏
في محبس تزهق فيه الأنفس

و انصرف : و هو يقول في فرار قريش و جزعهم من الحبشة:

طارت قريش إذ رأت خميسا
فظلت فردا لا أرى أنيسا
و لا أحس منهم حسيسا
إلا أخا لي ماجدا نفيسا
مسودا في أهله رئيسا

الأمالي للمفيد ص312م37ح5 . أبرهة بن الصباح : بن الاشرم، و قيل: كنيته أبو يكسوم . قال الواقدى: هو صاحب النجاشيّ جد النجاشيّ الذي كان على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ، و ذكر فيه السبب الذي جر أصحاب الفيل الى مكّة . تسرعت الحبشة : أي جندها لهدم الكعبة . و السرح: الماشية . فراقه : راق الشيء فلانا روقا أي أعجبه . ارتاع : أي فزع منه . أبو قبيس: جبل بمكّة . و أبا بيل : اسم جمع لا واحد له و هو بمعنى جماعات في تفرقة، زمرة زمرة ، أي أقاطيع يتبع بعضها بعضا . النجرة: المنحوتة ، و النخرة أي البالية. المغمس كمعظم و محدث: موضع بطريق الطائف، فيه قبر أبى رغال دليل أبرهة و يرجم . و مكركس المنكس الذي قلب على رأسه ، ومكوس حمار.

عبد المطلب والنبي الأكرم

يا طيب : عرفت أنه عبد المطلب ، حين حفر زمزم ، وضايقته قريش ولم يكن معه إلا الحارث ، نذر إن وهبه الله عشر ولد ذكور أن يذبح أحدهم ، والآن جاء وعد الوفاء بالنذر ، فساهم بين ولده ، فوقع السهم على ولده عبد الله أبو النبي الأكرم ، وأخ أبو طالب الشقيق من أم واحدة .

وقد عرفت يا طيب : أنه كان الذبح على إسماعيل ابن أبراهيم عليهم السلام ، وفداه الله بكبش عظيم ، وهذه قصة مثلها ، وفي شأنها ، ليبين الله شرف النبي بأبيه وفداءه ، ثم لينبه الناس لما سيأتي من النبوة وليتوجه العباد له ، فيؤمنوا به حين إعلان دعوة للمعجزات السابقة ، وهذه القصة فتدبرها :

عبد المطلب يفدي عبد الله أبو النبي :

قال أبو إسحاق وغيره من أهل العلم: تزوج عبد المطلب النساء ، فولد له الأولاد .

ولما كمل عشرة رهط قال: اللهم إني قد كنت نذرت لك نحر أحدهم ، وإني أقرع بينهم ، فأصب بذلك من شئت .

فأقرع : فصارت القرعة على عبد الله بن عبد المطلب ، وكان أحب ولده إليه .

وكان ولده العشرة : الحارث ، وبه يكنى ، وقثم وأمهما صفية بنت جندب من ولد عامر بن صعصعة .

والزبير ، وأبو طالب ، وعبد الله ، والمقوم ، وهو عبد الكعبة : وأم الأربعة فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم .

وحمزة :وأمه هالة بنت أهيب ابن عبد مناف بن زهرة .

والعباس وضرار : وأمهما نتيلة بنت جناب بن كليب بن النمر بن قاسط .

وأبو لهب ، وهو عبد العزى : و أمه لبني بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر الخزاعي .

والغيداق وهو جحل : وأمه ممنعة بنت عمرو بن مالك بن نوفل الخزاعي.

وكانت بناته ستاً: أم حكيم البيضاء ، وعاتكة ، وبرة ، وأروا وأميمة وأمهن جميعاً فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم ، وصفية وأمها هالة بنت أهيب .

فانطلق عبد المطلب : بعبد الله ليذبحه ، وأخذ الشفرة، وأتبعه ابنه الحارث.

فلما سمعت ذلك قريش لحقته وقالت: يا أبا الحارث ، إنك إن فعلت ذلك صارت سنة في قومك ، ولم يزل الرجل يأتي بولده إلى ههنا ليذبحه .

فقال: إني عاهدت ربي ، وإني موف له بما عاهدته .

فقال له بعضهم: أفده .

فقام وهو يقول:

عاهدت ربي وأنا موفٍ عهده

أخاف ربي إن تركت وعده

و الله لا يحمد شيء حمده

ثم أحضر مائة من الإبل : فضرب بالقداح عليها ، وعلى عبد الله ، فخرجت على الإبل ، فكبر الناس .

وقالوا : قد رضي ربك .

فقال عبد المطلب :

لهم رب البلد المحرم

الطيب ، المبارك ، المعظم

أنت الذي أعنتني في زمزم

ثم قال: إني معيد القداح .

فأعادها : فخرجت على الإبل .

فقال :

لهم قد أعطيتني سؤالي

أكثرت بعد قلةٍ عيالي

فاجعل فداه اليوم جل مالي

ثم ضرب بالقداح ثالثة : فخرجت على الإبل ، فنحرها .

ونادى مناديه : ألا فخذوا لحمها.

وانصرف عنها : ووثب الناس يأخذونها .

فلذلك يقول مرة بن خلف الفهمي:

كما قسمت نهباً ديات ابن هاشم

ببطحاء بسل حيث يعتصب البرك

وصارت الدية : من الإبل على ما سن عبد المطلب .

تأريخ اليعقوبي ج1ص97 .

حب عبد المطلب للنبي وإيمانه:

عن رفاعة : عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

كان عبد المطلب : يفرش له بفناء الكعبة ، لا يفرش لأحد غيره .

و كان له ولد : يقومون على رأسه ، فيمنعون من دنا منه .

فجاء رسول الله : و هو طفل يدرج ، حتى جلس على فخذيه .

فأهوى : بعضهم إليه ، لينحيه عنه .

فقال له عبد المطلب : دع ابني ، فإن الملك قد أتاه .

الكافي ج1ص448ح26 .

يا طيب : الحديث كما يبين حب عبد المطلب للنبي ورعاته له ، يدل على إيمانه ومعرفته بشأن حفيده الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، بل إيمانه به .

عبد المطلب يحرص على حفظ النبي :

عن المفضل بن عمر : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

يبعث عبد المطلب : أمة وحده ، عليه بهاء الملوك و سيماء الأنبياء ، و ذلك أنه أول من قال بالبداء .

قال : و كان عبد المطلب ، أرسل رسول الله صلى الله عليه وآله ، إلى رعاته في إبل قد ندت له ، فجمعها .

فأبطأ عليه : فأخذ بحلقة باب الكعبة ، و جعل يقول :

يا رب : أ تهلك آلك ، إن تفعل ، فأمر ما بدا لك .

فجاء رسول الله : بالإبل .

و قد وجه عبد المطلب : في كل طريق ، و في كل شعب في طلبه .

و جعل يصيح : يا رب أ تهلك آلك ، إن تفعل فأمر ما بدا لك .

و لما رأى : رسول الله ، أخذه فقبله .

و قال : يا بني لا وجهتك بعد هذا في شيء ، فإني أخاف أن تغتال فتقتل .

الكافي ج1ص447ح24 .

يا طيب : كان عبد المطلب لشدة حبه للنبي ، ومعرفته بشأنه الكريم ، يعتبره كل آله ، وكان متيقن بأنه سيكبر ويبعث نبي مرسل ، ولكنه إن قتل النبي أو اغتيل ، فيكون من أمر البداء من الله تعالى ، بأن عرفه بالنبوة ثم بدا الأمر غيره ، ومعنى في إبل قد ندت له : نفرت و ذهبت على وجهها شاردة .

أكرم الخلق سبعة من ولده :

وعن أصبغ بن نباتة الحنظلي قال : رأيت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : يوم افتتح البصرة ، و ركب بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، ثم قال :

أيها الناس : أ لا أخبركم بخير الخلق يوم يجمعهم الله ؟

فقام إليه : أبو أيوب الأنصاري ، فقال : بلى يا أمير المؤمنين حدثنا ، فإنك كنت تشهد و نغيب ؟

فقال عليه السلام : إن خير الخلق يوم يجمعهم الله ,

سبعة من ولد عبد المطلب

لا ينكر فضلهم : إلا كافر ، و لا يجحد به إلا جاحد .

فقام : عمار بن ياسر رحمه الله ، فقال : يا أمير المؤمنين سمهم لنا لنعرفهم ؟

فقال : إن خير الخلق يوم يجمعهم الله الرسل .

و إن أفضل : الرسل محمد صلى الله عليه وآله وسلم .

و إن أفضل : كل أمة بعد نبيها وصي نبيها ، حتى يدركه نبي ، ألا و إن أفضل الأوصياء وصي محمد عليه و آله السلام ، ألا و إن أفضل الخلق بعد الأوصياء الشهداء .

ألا و إن أفضل الشهداء : حمزة بن عبد المطلب .

و جعفر بن أبي طالب : له جناحان خضيبان يطير بهما في الجنة ، لم ينحل أحد من هذه الأمة جناحان غيره شيء ، كرم الله به محمدا ص و شرفه .

و السبطان : الحسن و الحسين .

و المهدي : يجعله الله من شاء منا أهل البيت .

ثم تلا هذه الآية : { وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللّهِ وَكَفَى بِاللّهِ عَلِيمًا (70) } النساء .

الكافي ج1ص450ح34 .

يا طيب : هؤلاء هم ذرية عبد المطلب ، وذكره النبي وحكاه الإمام عنه ، ليعرف فضله وشرفه وعلو منزلته أيضا ، وهي نفسها المنزلة لآبائهم ، وهم أولاد أو أولاد أخوة عبد الله وأبو طالب عليهم الصلاة والسلام أجمعين ، وهذا فخر التكوين لهم وشرف الخلقة خلاصته وأصله لهم ، وبهم ينال الفضل والكرامة .

سُنّن عبد المطلب :

يا طيب : أجرى عبد المطلب سنن في حياته ، نفسها جرت في الإسلام وتشريعه ، وأقرها النبي لأنها توافق أوامر الله تعالى :

ذكر في الخصال : سن عبد المطلب في الجاهلية خمس سنن أجراها الله عز و جل في الإسلام‏ :

عن أنس بن محمد أبو مالك : عن أبيه ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عليه السلام ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في وصيته له‏ :

يا علي : إن عبد المطلب ، سن في الجاهلية خمس سنن ، أجراها الله له في الإسلام :

حرم : نساء الآباء على الأبناء ، فأنزل الله‏ عز و جل‏ : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22) } النساء .

و وجد كنزا : فأخرج منه الخمس ، و تصدق به ، فأنزل الله عز و جل‏ : { وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (41) } الأنفال .

و لما حفر زمزم‏ : سماها سقاية الحاج ، فأنزل الله‏ : { أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) } التوبة.

و سن في القتل : مائة من الإبل ، فأجرى الله عز و جل ذلك في الإسلام.

و لم يكن : للطواف عدد عند قريش ، فسن فيهم عبد المطلب سبعة أشواط ، فأجرى الله ذلك في الإسلام .

يا علي : إن عبد المطلب ، كان لا يستقسم بالأزلام ، و لا يعبد الأصنام ، و لا يأكل ما ذبح على النصب .

و يقول : أنا على دين أبي إبراهيم .

الخصال ج‏1ص312ب5ح90 .

وبهذا نعرف : أنه على الفطرة وعلى دين إبراهيم عليه السلام ، وكذا ولده ممن كتم إيمانه أبو طالب والعباس أو أظهره كحمزة ، وكان لا يستقسم بالأزلا : و هو القمار بالأقداح ، و النصب : بضمتين كلما عبد من دون الله كالنصب بالضم .

عبد المطلب أمة وحده :

عن زرارة بن أعين : عن أبي عبد الله الإمام الصادق قال :

يحشر : عبد المطلب يوم القيامة ، أمة واحدة .

عليه : سيماء الأنبياء ، و هيبة الملوك .

الكافي ج1ص446ح22 .

يا طيب : لا يكون له أحد هذا المقام إلا أن يكون مؤمنا حقا ، بل على مرتبة عالية من الإيمان ، بل وصي نبي وإن لم يكن له دعوة ، بل على دين آباءه إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ، وهذه بعض الأحاديث تبين شرفه وعلو مقامة

وأما أنه يحشر أمة وحده : لأنه كان في مرتبة عالية من الإيمان لأن يحشر الناس حسب مراتب إيمانهم وعدمه يوم القيامة أمم وأفواج في أمم ، وكلا تحت راية إمامه وهو كان إمام نفسه وغيره في أمته ممن كان على دين إبراهيم ، لأنه لم يصلهم الدين الصحيح لعيسى وموسى وغيرهم وقد قال الله تعالى في حق إبراهيم عليه السلام : { إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ } ، ولذا سيأتي أن أبو طالب كان محجوجا بالنبي الأكرم . و روى الحشر امة واحدة في حق كثير منهم قس بن ساعدة و زيد بن عمرو بن نفيل.

و السيماء : العلامة ، و الهيبة المهابة و هى العظمة و الاجلال و المخافة.

عبد المطلب والبداء :

وعن الهيثم بن واقد : عن مقرن ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إن عبد المطلب : أول من قال بالبداء .

يبعث : يوم القيامة أمة وحده ، عليه بهاء الملوك ، و سيماء الأنبياء .

الكافي ج1ص447ح23 .

يا طيب : القول بالبداء من أهم أركان الإيمان ، ومعناه كالنسخ بالتدوين القرآن والحديث بنسخ آية أو حديث وحكم قد أنتهى وقت العمل به ، إلا أن البداء يكون في وقائع وأوامر كونية .

ومثلا : يظهر الله أحد أبناء الأئمة بكمال تام حتى يعتقد إمامته ثم يتوفى قبل أبيه ويتولى أخيه الأصغر الإمامة كإسماعيل بن الإمام الصادق ، سيد محمد سبع الدجيل بن علي الهادي عليهم السلام .

ومثله : قصة الأمر بذبح إسماعيل ثم فداءه بكبش معجل ومؤجل .

ومثله قول عيسى : لعروس إنها تموت في ليلة عرسها ، فتتصدق بثوبها فيؤجل الله موتها ولها ثوابها في الآخرة .

وهكذا في مثل : صلة الرحم والصدقة تزيد العمر المقرر ، وليس جهلا من الله تعالى ، ولكن نسخ وقائع كونية بأعمال كونية يأتيها العباد كثواب عاجل دنيوي لهم بالإضافة للأخروي ، أو لحكمة تدبير الخلق والكون بما يصلحهم.

ولذا يجب الإيمان بالبداء : لأنه يخرجنا من الجبر والتفويض ، ونتعرف على أعمق معاني عدل الله سبحانه ورأفته ولطفه بعباده .

وأما أنه أول من قال بالبداء : أي من قريش وأظهره كدين وبلغ به كما سترى ، وإلا كل الأنبياء والمؤمنين من قبله ومن وبعده يجب أن يؤمنوا به .

الأنوار الإلهية عند عبد الله وأبو طالب

يا طيب : بعد أن عرفنا النسب الأرضي لـ عبد الله أبو النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، وأبو طالب أبو الوصي والخليفة بعد النبي الإمام علي عليه السلام ، والأئمة المعصومين الطاهرين للنسب المشترك بين عبد الله وأبو طالب آباء المعصومين في الإسلام عليهم السلام ، واجتماع نور النبي وعلي في فاطمة وتنقله لأبنائهم المعصومين إلى يوم الدين ، فلابد أن نتعرف طهارتهم وحملهم للأنوار الإلهية في الصلاب الشامخة في الصفاء والطيب والطهارة والإيمان والإخلاص ، وأنهم أفضل أهل الأرض في زمانهم أبا عن جد ، بمختصر من البيان والتفصيل إن شاء الله تجده في صحيفة سادة الوجود ، وصحيفة الأنوار من صحيفة الإمام الحسين ، و صحيفة فاطمة عليهم السلام وغيرها من موسوعة صحف الطيبين .

مختصر أسمه وحياته :

أبو طالب رضى الله عنه : و هو عبد مناف بن عبد المطّلب بن هاشم ، عمّ الرسول صلى الله عليه و آله، و والد أمير المؤمنين عليه السلام ، وقد عرفناه حين الكلام عن نسب أبيه عبد المطلب عليهم رحمة الله وقبله مفصلا .

أبو طالب : سيد من سادات قريش و رؤسائها ، و من أبرز خطبائها العقلاء، و حكمائها الاباة، و شعرائها المبدعين كفل الرسول صلى الله عليه و آله بعد وفاة عبدالمطّلب ، و أحبّه حبّاً شديداً ، و قدّمه على ولده جميعاً ، فكان لا ينام إلّا إلى جنبه ، و كان يخرجه معه .

و لمّا بعث النبيّ صلى الله عليه و آله بالإسلام : و بدأ بالدعوة إليه كان أبوطالب المحامي الأوّل للرسول صلى الله عليه و آله و المدافع عنه و عن أصحابه من المؤمنين .

و كان أبو طالب : يحرّض بني هاشم و أحلافهم من بني المطّلب على نصرته.

وقال أبو طالب لبني هاشم : لن تزالوا بخير ما سمعتم من محمّد صلى الله عليه و آله ، و ما اتّبعتم أمره، فاتّبعوه و أعينوه ترشدوا.

و قد تحمّل أبو طالب : و رهطه الهاشميّون مع النبيّ صلى الله عليه و آله الحصار العسير في شعب أبي طالب ، ولمدة ثلاث سنوات.

لبّى أبوطالب : نداء ربّه وأرتفع للملكوت الأعلى : في يوم 26 رجب للسنة 13 الثالثة عاشر للبعثة النبويّة المباركة.

و عندها : صبّت قريش حممها على النبيّ الأكرم صلى الله عليه و آله ، حتّى قال : ما نالت قريش منّي شيئاً أكرهه حتّى مات أبوطالب .

ولأبي طالب : خصائص هدى ونور إيمان ومعرفة كريمة ، ذكرت في أحاديث كثيرة منها ... .

خلق الأنوار الأولى :

عن مرازم عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال :

قال الله تبارك و تعالى : يا محمد إني خلقتك و عليا نورا ، يعني روحا بلا بدن قبل أن أخلق سماواتي و أرضي و عرشي و بحري ، فلم تزل تهللني و تمجدني .

ثم جمعت روحيكما : فجعلتهما واحدة ، فكانت تمجدني و تقدسني و تهللني ، ثم قسمتها ثنتين ، و قسمت الثنتين ثنتين ، فصارت أربعة : محمد واحد ، و علي واحد ، و الحسن و الحسين ثنتان ، ثم خلق الله فاطمة من نور ابتدأها روحا بلا بدن .

ثم مسحنا : بيمينه ، فأفضى نوره فينا .

الكافي ج1ص440ح3 .

وعن محمد بن سنان قال : كنت عند أبي جعفر الثاني الإمام الجواد عليه السلام : فأجريت اختلاف الشيعة .

فقال : يا محمد .

إن الله تبارك و تعالى : لم يزل متفردا بوحدانيته .

ثم خلق : محمدا و عليا و فاطمة ، فمكثوا ألف دهر .

ثم خلق : جميع الأشياء ، فأشهدهم خلقها ، و أجرى طاعتهم عليها ، و فوض أمورها إليهم ، فهم يحلون ما يشاءون و يحرمون ما يشاءون ، و لن يشاؤوا إلا أن يشاء الله تبارك و تعالى .

ثم قال : يا محمد هذه الديانة التي من تقدمها مرق ، و من تخلف عنها محق ، و من لزمها لحق .

خذها : إليك يا محمد .

الكافي ج1ص441ح5 .

عن المفضل قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام ، كيف كنتم حيث كنتم في الأظلة ؟

فقال : يا مفضل ، كنا عند ربنا ليس عنده أحد غيرنا ، في ظلة خضراء ، نسبحه و نقدسه و نهلله و نمجده ، و ما من ملك مقرب و لا ذي روح غيرنا ، حتى بدا له في خلق الأشياء ، فخلق ما شاء كيف شاء من الملائكة و غيرهم ، ثم أنهى علم ذلك إلينا .

الكافي ج1ص441ح7 .

يا طيب : لما عرفنا مطلق خلق الأنوار الإلهية نذكر بعض نوره المتجلي منه في الأرض ، بالوصي أخ النبي وخليفته أبنه علي بن أبي طالب .

أطهر طاهرين عبد الله وأبو طالب:

عن محمد بن إبراهيم‏ الجعفري : عن أحمد بن علي بن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبي عبد الله الصادق قال :

إن الله : كان إذ لا كان .

فخلق : الكان و المكان .

و خلق نور الأنوار : الذي نورت منه الأنوار .

و أجرى فيه : من نوره الذي نورت منه الأنوار .

وهو النور : الذي خلق منه محمدا وعليا.

فلم يزالا : نورين أولين ، إذ لا شيء كون قبلهما .

فلم يزالا : يجريان طاهرين مطهرين .

في الأصلاب الطاهرة : حتى افترقا في أطهر طاهرين .

في عبد الله : وأبي طالب عليهما السلام.

الكافي ج1ص441ح9 .

يا طيب : هذا أعلى بيان يعرف شأن أبو طالب وأخيه عبد الله وآباءه الكرام ، وبيان لشرف أبنائهم وأصالتهم في الإيمان والإخلاص لله ، بل لاصطفاء الله وأختاره لم وأجتبائه لكرام خلقه وأفضلهم في زمانهم ، ولو كان نسبة واحد من مليار من هذا المعنى لعبد من العباد لكان في الذروة العليا من الشرف والكرامة بفضل الله ورعايته له ، ثم يأتي لم يحسدهم يشكك فيهم والعياذ بالله منهم .

نور الشفيع أبو طالب والخلائق :

عن المفضل بن عمر، عن أبي عبد الله عليه السلام ، عن آبائه عليهم السلام ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

كان ذات يوم : جالسا بالرحبة و الناس حوله مجتمعون.

فقام إليه رجل فقال : يا أمير المؤمنين ، إنك بالمكان الذي أنزلك الله به ، و أبوك يعذب بالنار !

فَقَالَ لَهُ : مَهْ ، فَضَّ اللَّهُ فَاكَ .

وَ الَّذِي بَعَثَ : مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم بِالْحَقِّ نَبِيّاً .

لَوْ شَفَعَ أَبِي : فِي كُلِّ مُذْنِبٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ ، لَشَفَّعَهُ اللَّه تَعَالَى فِيهِمْ .

أَبِي : يُعَذَّبُ بِالنَّارِ ، وَ ابْنُهُ‏ قَسِيمُ‏ النَّارِ ؟!

ثُمَّ قَالَ : وَ الَّذِي بَعَثَ مُحَمَّداً بِالْحَقِّ نَبِيّاً .

إِنَّ نُورَ أَبِي طَالِبٍ : يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، لَيُطْفِئُ أَنْوَارَ الْخَلْقِ .

إِلَّا خَمْسَةَ أَنْوَارٍ : نُورَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ ، وَ نُورِي ، وَ نُورَ فَاطِمَةَ ، وَ نُورَيِ الْحَسَنِ وَ الْحُسَيْنِ وَ مَنْ وَلَدَهُ مِنَ الْأَئِمَّةِ .

لِأَنَّ نُورَهُ : مِنْ نُورِنَا الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ مِنْ قَبْلِ خَلْقِ آدَمَ بِأَلْفَيْ عَامٍ .

كنز الفوائد ج1ص183ح8 . الأمالي للطوسي ص305م11ح612- 59 .مائة منقبة من مناقب أمير المؤمنين و الأئمة ص 174م98 . وبشارة المصطفى لشيعة المرتضى ص 202 . والإحتجاج على أهل اللجاج للطبرسي ج1ص230 . وتأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ص393 سورة الشعراء26 الآيات 217 إلى 219 .

يا طيب : إن نور المؤمن المخلص حين يمر على الصراط وهو على جهنم ليعبر إلى الجنة ، يطفئ لهب جهنم ، حتى تخاطبه جزني يا مؤمن فإن نورك أطفئ لهبي ، وذلك لشدة نور المؤمن وقوة سطوعه .

وهكذا نور أبو طالب : لشدة نوره الذي يقارب نور الأئمة والمعصومين الذي هو أقوى وأنور من الأنبياء ، فإن نوره ليسطع بشدة حتى يكون كل نور قربه للمؤمنين خافت أو يظلم أو يعشى المؤمن فيغمض عينه لعدم تحمله لنور أبي طالب .

ومثل نور أبو طالب : مثل الشمس حين يسطع نورها يخفت نور النجوم والكواكب في السماء فلا ترى مع عظمة نورها وقوته وشدته .

وهكذا يا طيب : فإنه ما من أحد إلا ويحتاج لشفاعة النبي الأكرم ، لأنه يوم القيامة أول من يؤذن له بالكلام نبينا الأكرم ، ثم من يأذن لهم بإذن الله ، فيشفع لآله ومنهم أبو طالب وأبيه وأمه وفاطمة بنت أسد وعبد المطلب ثم باقي أجداده والأنبياء المؤمنون ، وكلا له مرتبته وحتى إن بعض المؤمنين يشفعون لمثل ربيعة ومضر كما في الحديث ، وأن أبو طالب لقوة شفاعته ليشفع لو أراد لشفع لجميع من يرتضي الله دينهم ، وسيأتي بعض أحاديث شفاعة النبي .

أبو طالب حامل وصايا الأنبياء :

يا طيب : من عرف مقام أبو طالب وأخيه عبد الله ، عرف أن لهم شأن كريم قبل النبوة ، بأنهم أفضل خلق الله تعالى ، وكانوا في الفترة على دين أجدادهم إبراهيم وإسماعيل ، وكان لهم حمل الوصية ومعارف نبوية قديمة ، لما توفي عبد الله في زمن أبيه ، كان الحامل لها أخيه الأكبر أبو طالب عليه السلام ، وهو الذي سلمها للنبي الأكرم .

وهذه المعرفة الكريمة : كانت الشيعة وأحبة وأتباع أهل البيت والموالين لهم ، معروفة مسلمة عندهم ، بل يؤمنون بها حتى ترى علو المعرفة عند بعض الشيعة الكرام ليعرف تفاصيلها :

عن أمية بن علي القيسي قال : حدثني درست بن أبي منصور ، أنه سأل أبا الحسن الأول الإمام الكاظم عليه السلام :

أ كان : رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، محجوجا بأبي طالب ؟

فقال : لا ، و لكنه كان مستودعا للوصايا ، فدفعها إليه .

قال قلت : فدفع إليه الوصايا على أنه محجوج به ؟

فقال : لو كان محجوجا به ، ما دفع إليه الوصية .

قال فقلت : فما كان حال أبي طالب ؟

قال : أقر بالنبي و بما جاء به ، و دفع إليه الوصايا و مات من يومه .

الكافي ج1ص445ح18 .

يا طيب : الأنبياء والأوصياء مراتب ، وأفضلهم مطلقا نبينا الأكرم ووصيه وأبناءهم المعصومين ، وحتى علو مرتبتهم تسموا على الملائكة فضلا عن الأنبياء السابقين ، ولكن شرف عبد المطلب وأبو طالب قد يتصور أنه أبو طالب أكبر من النبي ، قد يكون النبي محجوج له ، ولكن بين الإمام أن النبي أعلى شأنا ولا يدانيه أحد حتى لو كان أبيه ومربيه ، وقد يقال مثل عيسى وعلوه على يحيى وعلى أبيه زكريا عليهم السلام .

ويا طيب : والوصايا كانت بعض أداب وتعاليم آباءه الموروثة ، ولعها من زمن إبراهيم وإسماعيل عليهم السلام ، ومنها ما عرفت من السنن التي سنها ، ومنها الأسياف وغيرها ، ويبين بالوصايا أن النبي بعده يكون هو كبير بني هاشم وعبد المطلب .

ويكون النبي : بالإضافة لمقامه الديني كبيرهم في الحل والفصل ويجب أن يرجعون له في حل مشاكلهم دون أعمامه مثل العباس وحمزه ، وإن كان مقامه الديني يكفي لأن يكون بيده كل أمورهم ، ولكن لعلها سنن متبعة في توريث الآباء للبناء ، ثم جعله وصيه بدل ولده ، كما أوصى النبي الأكرم للإمام علي عليه السلام .

كما بين في الحديث : أن أبو طالب مؤمن مقر بالنبي للمقام الديني ، وأيضا جعله وصيه في كل أمور بنيه وبل وبني هاشم ، لأن أبو طالب وصي عبد المطلب.

تحريم النار على أبو طالب وأباء النبي :

يا طيب : الحديث الآتي جواب لسؤال مقدر ، قد يقال أنه أبو طالب أدرك نبوة وبعثة النبي الأكرم ، وأمن به ، فكيف بأبي النبي وأمه ولم يدركوا بعثته ، فهل هم من أهل النار ؟

والجواب : عرفنا أنه الله تعالى يأخذ كل أمة بنبينها وأوصياءه أن يؤمنوا به ، وأنهم بعضهم في فترة حتى يبعث نبي ، ويأخذهم بإيمانهم نبوة الأنبياء السابقين لهم ، وأنهم موحدون على دينهم ، ولم تذكر أكثر من التوحيد ومناسك الحج وتوحيد الله والإيمان به ، بالنسبة لمن كان قبل النبي الأكرم ، وأباء النبي وأمهاته من قبل كانوا على دين إبراهيم عليه السلام ، ويجب الإيمان بهم بأنهم طاهرين مطهرين وأفضل خلق الله في زمانهم .

وأما من لم يعرف هذه المعرفة الكريمة : فهذا الحديث جواب له ، وهو على قدر فهم كل المسلمين ، لمن يحب النبي حقا ولا يحب أن ينتقص منه ، ليفضل من تولى الخلافة بعده غصبا عليه وعلى آباءه ومن كفله ورباه .

عن أحمد بن علي : بن محمد بن عبد الله بن عمر بن علي بن أبي طالب ، عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام .

و عن محمد بن يحيى :عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن ابن فضال ، عن بعض رجاله ، عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

نزل جبرئيل عليه السلام : على النبي فقال :

يا محمد : إن ربك يقرئك السلام ، و يقول :

إني قد : حرمت النار ، على :

صلب : أنزلك .

و بطن : حملك .

و حجر : كفلك .

فالصلب : صلب أبيك ، عبد الله بن عبد المطلب .

والبطن : الذي حملك ، فآمنة بنت وهب.

وأما حجر : كفلك ، فحجر أبي طالب .

و في رواية ابن فضال : و فاطمة بنت أسد .

الكافي ج1ص446ح21 .

يا طيب : مر بيان فضل فاطمة بنت أسد وشرفها ، في صحيفتها في شرح أبوذية جدة .

أبو طالب الحليم السيد وآباءه :

روي‏ أنه قيل : لأكثم بن صيفي وكان حكيم العرب ، وكان من المعمرين .

إنك : لأعلم أهل زمانك ، و أحكمهم ، و أعقلهم ، و أحلمهم .

فقال : و كيف لا أكون كذلك ؟

و قد جالست :

أبا طالب بن عبد المطلب‏ دهره‏ .

و عبد المطلب‏ دهره‏ .

و هاشما دهره ، و عبد مناف دهره ، و قصيا دهره .

و كل هؤلاء : سادات أبناء سادات .

فتخلقت : بأخلاقهم ، و تعلمت من حلمهم .

و اقتبست : سوددهم ، و اتبعت آثارهم.

بحار الأنوار ج15ص157ب1ح83 . عن كنز الفوائد ج1ص192ح8 .

الشأن الكريم لزوجة أبو طالب :

يا طيب : إن أبو طالب قد تزوج ابنت عمه فاطمة بنت أسد ولم يتزوج غيرها ، وإن أولادهم أول الهاشميين ولدوا من هاشميين ، وعرفت أنه رزقه الله منها أربعة بنين وبنتان ، وقد ذكر تفاصيل حياتها وقصصها في صحيفتها في شرح أبوذية جدة ، ونذكر هنا حديثا واحد يعرفنا بعض شأنها الكريم وعلوم مقامها وفضلها ، وأنها مؤمنة صديقة وزوجة مؤمن صديق .

عن محمد بن جمهور عن بعض أصحابنا عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال :

إن فاطمة بنت أسد : أم أمير المؤمنين ، كانت أول امرأة هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله من مكة إلى المدينة على قدميها .

و كانت : من أبر الناس برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

فسمعت رسول الله و هو يقول : إن الناس يحشرون يوم القيامة عراة كما ولدوا .

فقالت : وا سوأتاه .

فقال لها رسول الله : فإني أسأل الله أن يبعثك كاسية .

و سمعته : يذكر ضغطة القبر .

فقالت : وا ضعفاه .

فقال لها رسول الله : فإني أسأل الله أن يكفيك ذلك .

و قالت لرسول الله : يوما إني أريد أن أعتق جاريتي هذه .

فقال لها : إن فعلت ، أعتق الله بكل عضو منها عضوا منك من النار ، فلما مرضت ، أوصت إلى رسول الله ، و أمرت أن يعتق خادمها ، و اعتقل لسانها فجعلت تومي إلى رسول الله إيماء ، فقبل رسول الله وصيتها .

فبينما هو صلى الله عليه وآله : ذات يوم قاعد ، إذ أتاه أمير المؤمنين عليه السلام ، و هو يبكي .

فقال له رسول الله : ما يبكيك ؟

فقال : ماتت أمي فاطمة .

فقال رسول الله : و أمي و الله .

و قام مسرعا : حتى دخل ، فنظر إليها و بكى .

ثم أمر النساء : أن يغسلنها .

و قال صلى الله الله عليه وآله : إذا فرغتن فلا تحدثن شيئا حتى تعلمنني ، فلما فرغن أعلمنه بذلك .

فأعطاهن : أحد قميصيه الذي يلي جسده ، و أمرهن أن يكفنها فيه .

و قال للمسلمين : إذا رأيتموني قد فعلت شيئا ، لم أفعله قبل ذلك ، فسلوني لم فعلته .

فلما فرغن : من غسلها و كفنها ، دخل صلى الله عليه وآله ، فحمل جنازتها على عاتقه ، فلم يزل تحت جنازتها حتى أوردها قبرها .

ثم وضعها : و دخل القبر فاضطجع فيه .

ثم قال : فأخذها على يديه حتى وضعها في القبر .

ثم انكب : عليها طويلا يناجيها .

و يقول لها : ابنك ابنك ابنك‏، ثم خرج .

و سوى عليها (التراب): ثم انكب على قبرها .

فسمعوه يقول : لا إله إلا الله ، اللهم إني أستودعها إياك ، ثم انصرف .

فقال له المسلمون : إنا رأيناك فعلت أشياء ، لم تفعلها قبل اليوم ؟

فقال صلى الله عليه وآله :

اليوم فقدت بر أبي طالب .

إن كانت : ليكون عندها الشيء ، فتؤثرني به على نفسها و ولدها .

و إني‏ ذكرت القيامة : و أن الناس يحشرون عراة .

فقالت : وا سوأتاه ، فضمنت لها أن يبعثها الله كاسية .

و ذكرت : ضغطة القبر .

فقالت : وا ضعفاه .

فضمنت لها : أن يكفيها الله ذلك ، فكفنتها بقميصي ، و اضطجعت في قبرها لذلك .

و انكببت عليها : فلقنتها ما تسأل عنه ف.

إنها : سئلت عن ربها ؟ فقالت .

و سئلت : عن رسولها ؟ فأجابت .

و سئلت : عن وليها و إمامها ، فارتج عليها .

فقلت : ابنك ابنك ابنك‏ .

الكافي ج1ص453ح2 .

يا طيب : إن فاطمة بنت أسد من أول من أمن برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وكانت أبر الناس به وترعاه بكل وجودها ، وتهيئ له مستلزمات الحياة كأم رؤوفة حنونة ، حتى كان يعدها أمه ، وعاش في بيتها 17 سبعة عشر سنة ، بل حتى حين كان في بيت جده وبيت أبيه وهي ملاصق لبيتها لم يعدم برها ، وإنها كانت بنت عم أبيه ، بل كان يعد برها بر أبو طالب ، ولو أن إنسان كافر قدم خدمة لمؤمن لنال شفاعته في القيامة ، فكيف بها وبزوجها برعايته عمرا لسيد المرسلين وخاتم النبيين وأكرم الخلق أجمعين ، ألا يكون لهم المقام الأسمى وهم أعلى الناس إيمانا وطهارة وبرا كما عرفت أحوالهم في الأحاديث السابقة ، وإن ارتجاجها في حديث آخر كان لحيائها وعدم حبها للفخر أن تقول ابن هو وصي رسول الله وإمامي ، لا لقلت إيمانها أو عدمه كما يرتج على من لم يؤمن بالوصي الحق وخليفة رسول الله الواقعي .

أبو طالب مع النبي في مولده

العم بمنزلة أب :

يا طيب : عرفنا في قصة إبراهيم عليه السلام ، إن العم بمنزلة الأب ، وإن عم النبي صنو أبيه وأصلهم واحد وإن تفرعا ، وقد عرفنا قوله تعالى : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي

قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ

آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (133) } البقرة ، مع أن إسماعيل عمهم وليس أبيهم ، ولكنه لأنه على دين واحد فهو كالأب لهم ، وهكذا مقام أبو طالب للنبي الأكرم بعد أبيه عبد الله ، فهما أطهر طاهرين كما عرفت .

أبو طالب حين ولادة النبي

أبو طالب يبشر بالوصي للنبي :

عن المفضل بن عمر قال : سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول :

لما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله : فتح لآمنة بياض فارس ، و قصور الشام .

فجاءت فاطمة بنت أسد : أم أمير المؤمنين ، إلى أبي طالب ضاحكة مستبشرة ، فأعلمته ما قالت آمنة .

فقال لها أبو طالب: و تتعجبين من هذا.

إنك تحبلين : و تلدين بوصيه و وزيره .

الكافي ج1ص453ح3 .

يا طيب : هذه أحاديث كثيرة في هذا المعنى ، وهي تدل ليس فقط على إيمانه ، بل على معرفته بالنبي حق المعرفة قبل البعثة ، ويعرف الوصي والخليفة والوزير له ، وأنه من صلبه ، وهم أئمة الهدى وأفضل خلق الله تعالى .

وذكر الكليني رحمه الله في الكافي :

ولد أمير المؤمنين عليه السلام : بعد عام الفيل بثلاثين سنة ، و قتل في شهر رمضان لتسع بقين منه ليلة الأحد سنة أربعين من الهجرة ، و هو ابن ثلاث و ستين سنة ، بقي بعد قبض النبي صلى الله عليه وآله ، ثلاثين سنة، و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف .

وذكر : عن محمد بن عبد الله بن مسكان عن أبيه قال : قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام :

إن فاطمة بنت أسد : جاءت إلى أبي طالب لتبشره بمولد النبي .

فقال أبو طالب : أصبري سبتا ، أبشرك بمثله إلا النبوة .

و قال : السبت ثلاثون سنة ، و كان بين رسول الله و أمير المؤمنين ثلاثون سنة صلى الله عليهم وعلى آلهم وسلم .

الكافي ج1ص452ح21 .

أبو طالب ورضاعة النبي :

يا طيب : وإن كان المتكفل بالنبي أمه وجده ، ولكن المتصدي لهم والمقيم بأمورهم باعتباره فتى العائلة وشابها الشهم هو أبو طالب في زمن النبي ، لأنه أبو النبي قد توفى وجده بكبر سني عمره المبارك لا يستطيع أن يرعى حفيده ويقوم بها بنفسه ، وبقي أبنه الأكبر وأخي عبد الله من الأم والأب ، لابد أن يقوم بهمة وعزيمة لتتم رضاعة النبي والبحث له عن مرضعة ترعاه ، أذ أمه لم يكن عندها لبنه وهي في حالة ولادة ، فأمكنه الله من أن ينزل فيه لبنا يروي خير البشر :

عن أبي بصير عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

لما ولد النبي صلى الله عليه وآله : مكث أياما ليس له لبن .

فألقاه : أبو طالب على ثدي نفسه .

فأنزل الله : فيه لبنا ، فرضع منه أياما .

حتى وقع أبو طالب : على حليمة السعدية ، فدفعه إليها .

الكافي ج1ص448ح27 .

يا طيب : لحكمة إلهية كان لأمه لا لبن لها ، ولعله لكي يبعده عن قريش فترة الطفولة ليتربى على شداد الأمور في الرعي والصحراء ، ويتمكن من الحلم والصبر .

ولأنه ظهر علامات النبوة فيه : وأخذت تتوافد اليهود على قريش لتعرف خبره ، وقصصهم كثيرة ، وأما حليمة السعدي فهي حليمة بنت أبى ذويب من قبيلة بنى سعد بن بكر ابن هوازن ، وقد عرفت له علامات النبوة وآمنت به ورعته أحسن الرعاية كما في روايات عنها ، كما وجاءت أخته وأخيه من الرضاعة مؤمنين به ، كما لا استبعاد على الله بإرضاعه من أبو طالب فترة قصيرة حتى جاءت مرضعته ، فهو سبحانه على كل شيء قدير ، وأما أنه لم يجعل أمه ترضعه لكي تسلم نفسها لمفارقته وتقنع بسفره مع مرضعته راضية بما قسم الله وحكمته ، وتوفيت بعده بسنين ستة في أول مجيئه لمكة وكفالة جده له ,

وحرم الوالدين : لكون الناصر له أبو طالب عليه السلام ، ومن ثم يعرف مجده وشرفه ، وشرف ومجد وفضائل ولده وصي النبي ووزيره وخليفته ، ومن ثم المعصومين من ولد النبي وعلي أولاد عبد الله وأبو طالب أولاد عبد المطلب عليهم السلام .

أبو طالب عز الإسلام وركن الإيمان

يا طيب : في هذا البحث نذكر نصر الله تعالى للإسلام ولدينه ولهداه ولمعارف عظمته وكل تعاليم رسوله في أول دعوته ، بأبي طالب عليه السلام ، وهنا نعرف أثره الكريم في قوة النبي في تبليغ الدعوة لدينه الإسلام ، وبها نعرف قوة إيمانه وشدة ثباته على الهدى ، فتدبر بعض المعارف عنه بالإضافة لما عرفت من طهارته ونبله وإيمانه في نسبه :

أبو طالب الرهط والركن الشديد للنبي :

يا طيب : عرفنا حتى اليقين أن أبو طالب وهو أبو الأئمة كأبو النبي الأكرم ، كلهم وآبائهم طاهرين مطهرين مؤمنين بالله صادقين حتى اليقين ومخلصين له الدين ، و لا نشك بأحد منهم طرفة عين ، وهم على دين آبائهم عليهم السلام إبراهيم وإسماعيل .

ولكن لكون أبو طالب عليه السلام : كان يكتم إيمانه كأصحاب الكهف وغيرهم من المؤمنين تقية ، ولمصلحة عظمى في حفظ النبي الأكرم ، ولكي يستطيع أن يداري بكتمانه كفار قريش ليحافظ على النبي ويسمعوا كلامه ، ولو أعلن إيمانه لما أمهلوهم ولما أقاموا له قيمة ، وقد حدث الله سبحانه عن مثل هذا في تقوي الأنبياء برهطهم وقومهم ، فقال الله تعالى في قصة شعيب :

{ قَالُواْ يَا شُعَيْبُ مَ نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا

وَلَوْلاَ رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ (91) قَالَ يَ قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ (92) } هود .

وشيخ وكبير : رهط النبي هو أبو طالب ، وقد عاش النبي الأكرم في بيته من أيام طفولته ، ورعاه في شبابه حتى زوجه ، وفي النبوة حماه بكل وسعه وبكل أسلوب وطاقة حتى يبلغ دعوته وتوحيده لله تعالى .

وبما يقاربه قال قوم لوط له :

{ وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ (77) وَجَاءهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلاء بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ (78) قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (هود79)

قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ (80) } هود.

وأبو طالب : كان الركن الشديد للنبي الأكرم ، والقوة والسند والدرع والناصر ، وإنه سترى حين توفي أبو طالب أمر الله النبي بالهجرة ، لأنه لا ناصر له قوي وركن شديد يعيش مع الناس يحميه ، والله ركن كل شيء ولكن لا يجبرهم على الإيمان ولا يعذبهم لعدم إيمانهم ، وإنما أراد باختيارهم وأرادتهم أن يؤمنوا لكي يؤجروا ، وفي الجبر لا أجر لهم ، وتبطل حكمة الدعوة والدين والعمل والثواب ولا مصحح للعقاب .

ويا طيب : يحضرني حديث للإمام علي عليه السلام ، يبين عذره بعدم مطالبته بحقه وسكوته في زمن الحكام الثلاثة قبله ، وحارب الناكثين لبيعته أهل الجمل ، والقاسطين المنحرفين عن الهدى من أهل صفين ، والمارقين من الدين الخوارج في النهروان ، فيبين أن الأنبياء أتقوا قومهم حين لم يكن لهم ناصر ، ولكن عند وجود الناصر قام بواجبه .

وإن النبي الأكرم : كان بأبو طالب له الركن والناصر والرهط والعشيرة ،فهو قوي شديد على الدعوة ، وكان يبلغ الهدى بمحكم البيان ولا يهاب أحد من قريش ولا من القبائل ، ولا يستطيع أحد منهم أن يتعرض له بأذى ، ولكنه لما توفي هاجر ، وأذكر الحديث وطبقة على حاله ، ونعرف أيضا بالحديث حال علي ابن أبي طالب وحربه للأواخر وسبب سكوته عن الأوائل ، ويقرب معناه في القوة بالناصر وعدمه في زمن النبي وأبو طالب وبعده ، فنعرف بعض شأنه الكريم ومقامه السامي بما مكنه الله من السيادة والنصر والولاء للنبي والدفاع عنه:

أبو طالب قوة النبي وناصر الدين :

في كتاب الفضائل : قال أبو هاشم بن أبي علي‏ إن الروايات صحت :

أنه لما بلغ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب‏ عليه السلام : أن الناس تحدثوا فيه ، و قالوا : ما باله لم ينازع أبا بكر و عمر و عثمان ، كما نازع طلحة و الزبير و عائشة ؟ و اجتمع الناس .

قال فخرج عليه السلام : مرتديا برداء ، فرقي المنبر ، فحمد الله و أثنى عليه ، و ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم و صلى عليه ، و قال : يا معاشر المسلمين : قد بلغني أن قوما ، قالوا : ما باله لم ينازع أبا بكر و عمر و عثمان ، كما نازع طلحة و الزبير و عائشة ، فما كنت بعاجز .

و لكن لي : في سبعة من الأنبياء أسوة :

أولهم : نوح عليه السلام : حيث قال تعالى : في مخبرا عنه‏ { أني مغلوب‏ فانتصر } ، فإن قلتم : إنه ما كان مغلوبا ، فقد كفرتم‏ بتكذيب القرآن ، و إن قلتم : إنه كان مغلوبا ، فعلي أعذر .

الثاني : إبراهيم عليه السلام : حيث أخبر الله تعالى عنه في قوله لقومه‏ : { و أعتزلكم و ما تدعون من دون الله‏ } ، فإن قلتم : إنه اعتزله من غير مكروه ، فقد كذبتم القرآن ، و إن قلتم : رأى المكروه فاعتزلهم ، فعلي أعذر .

و الثالث : لوط عليه السلام : حيث أخبر الله تعالى عنه ، في قوله لقومه‏ : { لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى‏ ركن شديد } ، فإن قلتم : كان له قوة فقد كذبتم القرآن ، و إن قلتم : إنه لم يكن له بهم قوة ، فعلي أعذر .

و الرابع : يوسف عليه السلام : حيث قال‏ : { رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه‏ } ، فإن قلتم : إنه ما دعي لمكروه يسخط الله ، فقد كفرتم ، و إن قلتم : إنه دعي إلى ما يسخط الله تعالى ، فعلي أعذر.

و الخامس : موسى بن عمران عليه السلام : حيث أخبر الله تعالى عنه‏ : { ففررت منكم لما خفتكم ، فوهب لي ربي حكما ، و جعلني من المرسلين‏ } ، فإن قلتم : إنه فر منهم من غير خوف ، فقد كذبتم القرآن ، و إن قلتم : إنه فر خوفا على نفسه ، فعلي أعذر .

و السادس : أخوه هارون عليه السلام : حيث أخبر الله تعالى عنه : { يا ابن أم إن القوم استضعفوني و كادوا يقتلونني فلا تشمت بي الأعداء }، فإن قلتم : ما كادوا يقتلونه ، فقد كذبتم القرآن ، و إن قلتم : كادوا يقتلونه ، فعلي أعذر .

السابع : ابن عمي محمد صلى الله عليه وآله وسلم : حيث هرب من الكفار إلى الغار، فإن قلتم: إنه ما هرب من خوف على نفسه، فقد كذبتم، و إن قلتم : هرب من خوف على نفسه، فالوصي أعذر الناس.

ما زلت مظلوما : مذ ولدتني أمي ، حتى إن أخي عقيلا كان إذا رمدت عينه ، يقول : لا تذروا عيني حتى تذروا عين علي ، فيذروني ما بي من رمد.

الفضائل لابن شاذان القمي ص130.

يا طيب : السابع كان النبي منتصرا و يبلغ في مكة المكرمة وغيرها بفضل الله الذي هيئ له أبو طالب عليه السلام ، وبالخصوص في مواسم الحج للقبائل ، بل سافر لها وبلغها ، حتى آمنت به الأوس والخزرج .

وهاجر لهم بعد وفاة أبو طالب : إذ لم يكن له ناصر يهاب في مكة ، وخرج من مكة المكرمة من بعده ، فإذن الله به نصره ولم يكن مستضعف من قريش ولا من غيرهم في حياة أبو طالب ، والله ونصره بأبي طالب عليه السلام .

وهذا يكفيه شرفا ونبلا وعزا : وتأييدا وتسديدا من الله تعالى له ولأبنائه ولنبيه ولدينه وهداه وتعريف عظمته وركنه العزيز ، وهذه مفخرة لا تجدها لأحد من العباد بهذه العظمة والقدرة الشديدة ، ولولا إيمانه الواقعي ومعرفته الصادقة وإخلاصه لله حتى اليقين لما خص بها ، والعاقل تكفيه الإشارة منها فضلا عن التفصيل بهذه السعة ليعرف شأنه الكريم في الدين وعند الله ورسوله وسابقته وكرامته وفضله .

أبو طالب يكتم إيمانه وله أجرين :

عن هشام بن سالم : عن أبي عبد الله الإمام الصادق عليه السلام قال :

إن مثل : أبي طالب :

مثل : أصحاب الكهف .

أسروا الإيمان : و أظهروا الشرك .

فآتاهم الله : أجرهم مرتين .

الكافي ج1ص448ح28 .

يا طيب : أبو طالب نال أجره مرتين لأنه مرة لإيمانه ، والثاني للتقية وقد قال النبي الأكرم : التقية ديني ودين آبائي ، وقد قال الله تعالى : { لاَّ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُوْنِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاَّ أَن تَتَّقُواْ مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ (28) قُلْ إِن تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَيَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (29) } آل عمران ، وآيات وأحاديث التقية كثيرة وأنها واجبة على كل مسلم وجوبا حتميا في مواردها ، وهذا لحفظ النبي أهم مواردها وعمل به أبو طالب عليه السلام .

ثم يا طيب : الإيمان إقرار بالقلب وقولا باللسان وعمل بالأركان ، وفي رواية عمل كله ، ولكن بعض الأحيان يسقط القول باللسان والعمل بالأركان للتقية ، كما في قصة عمار بن ياسر رحمه الله ، إذ قال الله تعالى : { مَن كَفَرَ بِاللّهِ مِن بَعْدِ إيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِن مَّن شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِّنَ اللّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (106)} النحل .

وأبو طالب عليه السلام : كان أطهر الطاهرين وأصدق المؤمنين كان قلبه مطمئن بالإيمان ، وهذا كلامه وقصص حياته مع النبي وشعره تعرف أن المؤمن حقا بل الناصر للإيمان والمحامي عنه بكل وجوده وماله وآله ، ولو لم تكن فقط قصة الشعب الآتية لكفت تعرف إيمانه وفضله ، فكيف وكلامه مملوء بالإيمان علما وعملا وقولا .

وإنما أبو طالب عليه السلام : كتم إيمانه لكي تبقى قريش باعتباره سيدها ووارث أبيه عبد المطلب ، وهو المسموع الكلمة والرأي في قريش ، يبقى مثل أبيه مسموع الرأي ويخالف له أمر ويحترم من يجيره ويحميه ولا يعتبروه عدوا لهم مخالف لهم ، فيقلوه وينبذوه ويتركوه بل يتأمروا على قتله ، ولمثل هذا قصص

كقصة أجارة النبي من مطعم جواره في يوم كافر

وقصة الطائف جد علي الأكبر لكنهم قتلوه مع عزته عندهم .

قصة قتل عظيم القريتين لإيمانه :

عروة بن مسعود الثقفي عظيم الطائف : جد ليلى : أم علي الأكبر بن الحسين عليه السلام ، وكان ختن أبو سفيان على بنته أم ليلى ، و كان عاقلا لبيبا ، و هو الذي أنزل الله فيه‏ :

{ وَلَمَّا جَاءهُمُ الْحَقُّ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ وَإِنَّا بِهِ كَافِرُونَ (30)

وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَ الْقُرْآنُ

عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ(31) } الزخرف.

وذكرنا قصته : في حياة علي الأكبر عليه السلام ، وكان هو رسول قريش في صلح الحديبية الأول فنصحهم بأن يتركوا النبي وصحبه للحج فلم يقبلوا منه ....

ومنها مورد الشاهد :

إسلامه وشهادته رحمه الله :

و في سنة 8 هـ في حرب حنين على ثقيف في الطائف : كان عروة بن مسعود في جرش يتعلّم صنعة الدّبابات و المجانيق ، و لم يشهد حرب حنين و كان قد صاهر أبا سفيان على ابنته آمنة ، فلمّا كان يوم حنين تقدّم ابو سفيان مع المغيرة بن شعبة الى الطائف فناديا ثقيفا : أن آمنونا حتى نكلّمكم ! فامنوهما ، ولكنهم لم يقبلوا أن يسلموا .

وأن رسول الله صلى الله عليه وآله : لما انصرف عنهم .

اتّبعه : عروة بن مسعود حتى أدركه قبل أن يدخل المدينة ، فأسلم .

وسأله : أن يرجع إلى قومه بالإسلام .

فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله :

إنهم قاتلوك .

وعرف : أن فيهم نخوة الامتناع الذي كان منهم.

فقال عروة: لو وجدوني نائماً ما ايقظوني .

أو قال : يا رسول الله ، أنا أحب إليهم من أبكارهم .

وكان فيهم : كذلك محبباً مطاعاً .

فخرج : يدعو قومه إلى الإسلام

رجاء ألا يخالفوه لمنزلته فيهم .

فلما أشرف لهم : على عُلِّيَّة له

وقد دعاهم إلى الإسلام

وأظهر لهم دينه

رموه بالنبل

من كل وجه

فأصابه سهم فقتله .

فقيل لعروة : ما ترى في دمك ؟

قال رحمه الله : كرامة أكرمني الله بها ، وشهادة ساقها الله إلي ، فليس فيّ إلا ما في الشهداء الذين قتلوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله ، قبل أن يرتحل عنكم ، فادفنوني معهم ، فدفنوه معهم .

وقالوا : أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال فيه :

إن مثله : في قومه ، لَكَمَثَلِ صاحب يس في قومه .

الصحيح من سيرة النبي باب 28 .

يا طيب : وذكروا قضى رسول اللّه دينه و دين اخيه الاسود بن مسعود من حلى اللّات وثن ثقيف ، هذا كان في جد أمه أبو أم علي الأكبر الشهيد رحمه الله .

وأما ما جاء في أبيها :

أبو مرة بن عروة الثقفي : ولد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، له ولأبيه صحبة ، وأبوه من أعيان الصحابة .

وقال الواقدي : خرج أبو مرة وأبو مليح ابنا عروة بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأعلماه بقتل عروة وأسلما .

أسد الغابة ج3ص244.

يا طيب : أمره النبي بالتقية ، ولكنه لمنزلته في قومه وأنه سيدهم كان يظن أنه ذو منعه عندهم حتى لو أسلم ، ولكنهم قتلوه .

وهكذا أبو طالب عليه السلام : لو كان يظهر إيمانه لقتلوه وقتلوا النبي وأولاده معه ، ولمعرفة هذا نذكر قصة توضح ما ذكرنا حتى اليقين ، فتدبر :

قصة أجارة مطعم بعد أبو طالب :

قال الطبرسي فضل بن حسن : قال علي بن إبراهيم بن هاشم‏ :

و لما رجع رسول الله : من الطائف ، و أشرف على مكة ، و هو معتمر .

كره أن يدخل مكة : و ليس له فيها مجير .

فنظر : إلى رجل من‏ قريش ، قد كان أسلم سرا .

فقال له : ائت الأخنس بن شريق ، فقل له : إن محمدا يسألك أن تجيره حتى يطوف ، و يسعى ، فإنه معتمر .

فأتاه : و أدى إليه ما قال رسول الله .

فقال الأخنس : إني لست من قريش ، و إنما أنا حليف ، و الحليف لا يجير على الصميم ، و أخاف أن يخفروا جواري فيكون ذلك مسبة .

فرجع : إلى رسول الله ص فأخبره .

و كان رسول الله : في شعب حراء مختفيا مع زيد .

فقال له : ائت سهيل بن عمرو ، فسله أن يجيرني ، حتى أطوف بالبيت و أسعى ، فأتاه ، و أدى إليه .

فقال له : لا أفعل .

فقال له رسول الله : اذهب إلى مطعم بن عدي ، فسله أن يجيرني حتى أطوف و أسعى ، فجاء إليه و أخبره .

فقال : أين محمد ، فكره أن يخبره بموضعه .

فقال : هو قريب .

فقال : أئته ، فقل له : إني قد أجرتك ، فتعال و طف و اسع ما شئت .

فأقبل : رسول الله .

و قال مطعم : لولده ، و أختانه‏ ، و أخيه طعيمة بن عدي ، خذوا سلاحكم ، فإني قد أجرت محمدا ، و كونوا حول الكعبة حتى يطوف و يسعى ، و كانوا عشرة ، فأخذوا السلاح .

و أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حتى دخل المسجد .

و رآه : أبو جهل .

فقال : يا معشر قريش ، هذا محمد وحده ، و قد مات ناصره ، فشأنكم به .

فقال له طعيمة بن عدي : يا عم لا تتكلم ، فإن أبا وهب قد أجار محمدا .

فوقف أبو جهل

على مطعم بن عدي .

فقال : يا أبا وهب

أ مجير ، أم صابئ‏؟

قال : بل مجير .

قال :

إذا لا يخفر جوارك .

فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وآله : من طوافه و سعيه، جاء إلى مطعم .

فقال : يا أبا وهب ، قد أجرت و أحسنت ، فرد علي جواري .

قال : و ما عليك أن تقيم في جواري ؟

قال : أكره أن أقيم في جوار مشرك أكثر من يوم .

قال مطعم : يا معشر قريش إن محمدا قد خرج من جواري.

إعلام الورى بأعلام الهدى ص54 . قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي ص331 ف7 . ورواها كل من ذكر سيرة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله عامة وخاصة ، ولها تفاصيل مختلفة ذكرنا واحدة .

يا طيب : نحن مسلمون لكلام أهل البيت وصدقهم عليهم السلام ، ومطمئنون بإيمان أبو طالب عليه السلام ، ولكن نذكر الشواهد لمن عنده شك أو لا يعرف علة كتم أيمانه .

فإنه في الرواية السابقة : النبي الأكرم أمر عروة بن مسعود أن يكتم إيمانه مع ظهور الإسلام وعزته وهو في الطائف له شأن عظيم وكانوا يتمنون أن ينزل الوحي عليه ، لكنه لإيمانه فقط قتلوه ، والنبي الأكرم مع أبو طالب في مكة في أول الإسلام ووسط كفار قريش ، ومع منعة عروة بن مسعود في قومه وعزته ، قتلوه لإيمانه فقط ، فكيف لو النبي عنده ومعه في البيت هجموا عليه وقتلوهما معا ، وبالخصوص في مكة وقد أسلم أبناءهم وتركوهم مهاجرين ، فكفار مكة ومشركي قريش لهم ثارت مع النبي فضلا عن تسفيه آلهتهم وفخره عليهم .

والقصة الثانية : لم يقبل النبي الأكرم أن يبقى في جورا كافر أكثر من يوم واحد ، فكيف وقد بقى ما يقارب الخمسين سنة في جوار أبو طالب ، بل في بيته ومعه في الشعب ، فإنه أدل دليل على إيمانه لبقائه في جواره ، ودليل لكتمه لخوفه عليه وكأنه كان بأمر النبي الأكرم وبأمر الله تعالى ، ولذا كان النبي الأكرم بعد أبو طالب يتخفى عن كفار قريش في الجبال والشعاب لأكثر من ثلاثة أشهر بعد وفاة أبو طالب حتى هاجر .

أبو طالب أسلم بكل لسان :

يا طيب : إن اعتقادنا بأن النبي والأئمة يعرفون كل لغات البشر ، وتوجد روايات كثيرة عن النبي الأكرم والمعصومين كلهم ، بأنهم تكلموا بلغات متعددة ، راجع صحفهم تجد نصوصها ، أو راجع كتاب الإمامة بصورة عامة لتعرف خصائصها وإمكانات الإمام وما خصه الله من الفضل والعلم والمعرفة ، ولا يبعد أن أبو طالب عليه السلام ، قد عرف هذه اللغات بفضل الله عليه ، وإن المعصومين لم يتكلموا بها إلا لحالات خاصة ، وإن أبو طالب تكلم بها في بيان إيمانه ، وبهذا جاءت أحاديث ، تدبر بها :

عن محمد بن عبد الله رفعه : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

إن أبا طالب : أسلم بحساب الجمل .

قال : بكل لسان .

الكافي ج1ص449ح32 .

وعن إسماعيل بن أبي زياد عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

أسلم : أبو طالب بحساب الجمل .

و عقد بيده : ثلاثا و ستين .

الكافي ج1ص449ح33 .

يا طيب : في الرواية الأولى فسر الإمام بحساب الجمل ، بكل لسان ، عرفت على فرض أنهم يعرفون كل الأسنة ، فكان يذكر التوحيد والإقرار بالنبوة بكل صورة ممكنة .

والظاهر للعبارة : بكل اللسان مع التعريف ، أي قال الشهادتين بملء فمه وبكل وجوده ، فحذف بالنسخ ال التعريف ، ثم أكد قوله برفع يده .

ولكن الراوي : فسر رفع يده لأنها كانت حين الرفع لازم المسبحة بالإبهام ورافع الأصابع الثلاثة الباقية ، وهي تدل على العزم والتصميم والعقد المحكم ، ولكنه فسره الراوي بثلاثة وستين وبعضهم بثلاثة وتسعين وكثر التفسير منها .

فالرواية الثانية : على فرض تفسير الراوي لرفع اليد ، إن إسلام أبو طالب بحساب الجمل ، يظهر تفسير الحديث الأول ، بأنه بالإضافة للشهادتين ، عبر عنهما بجمل كثيرة تعد بثلاثة وستين جملة ، وعقد بيده الإمام بوضع الإبهام على المسبحة (السبابة) ورفع ثلاثة أصابع باقية ، فتكون الجمل التي تدل على توحيده ثلاثة وستين جملة قالها بصور متنوعة ، ولو تتابع البحث تراها جلية في شعرة وبكل حديث تراه هنا ، يدل على قول له يدل على إيمانه وثباته ودفاعه عن الإسلام .

وذكروا تفاسير : أخرى لتفسير عقد ثلاث وستين ، لأنه كانت الإشارة للأرقام بالأصابع واليد في ذلك الوقت معروفة ، من أجملها ما روى الصدوق رحمه الله في كتاب كمال الدين و تمام النعمة عن ابى الفرج محمد بن المظفر بن نفيس المصري الفقيه قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن أحمد الداودي عن أبيه قال كنت عند أبى القاسم الحسين بن روح قدس اللّه روحه فسأله رجل قال قول العباس للنبي : إن عمك أبا طالب قد أسلم بحساب الجمل وعقد بيده ثلاثة و ستين .

فقال : عنى بذلك : إله أحد جواد .

و تفسير ذلك : أن الألف واحد، و اللام ثلاثون، و الهاء خمسة، و الألف واحد، و الحاء ثمانية و الدال أربعة، و الجيم ثلاثة، و الواو ستة. و الألف واحد، و الدال أربعة فذلك ثلاثة و ستون.

ولعله : هذه الجملة تعد جملة من ثلاث وستون جملة عبر بها عن إيمانه ، أو أنها أول جمله قالها ، وهي شاملة جامعة في معاني التوحيد بكل أنواعه .

ويا طيب : سترى التصريح من أبو طالب بالتوحيد والنبوة والإيمان بهما في أقواله وأحاديثه وشعره بما يفسر الحديث ويشرحه ويعرف أنه بكل أحوال يظهر إيمانه وبكل حركاته وسكون يعرف إسلامه وتسليمه للنبي الأكرم ، فتدبر الأحاديث الآتية وراجع السابقة .

يجب الإيمان بإيمان أبو طالب

يا طيب : يجب الإيمان بإيمان أبو طالب على كل المؤمنين ، لما عرفت من أنه طاهر صديق كما جاءت الروايات ، والبعض مصرحة بإسلامه بكل وجوده وبكل جملة ممكنة تعرف معرفة بعظمة الله وتسبيحه ، وهذه أحاديث صريحه في يقينه في مرتبة الإيمان وأعلى مراتب الإيمان :

أبو طالب رفيق النبيين و..:

عن أبان بن محمد : بن يونس بن نباتة عن أبي عبد الله عليه السلام أنه قال:

يَا يُونُسُ : مَا يَقُولُ النَّاسُ فِي إِيمَانِ أَبِي طَالِبٍ ؟

قلت : جعلت فداك ، يقولون هو في ضحضاح من نار، يغلي منها أم رأسه.

فقال عليه السلام : كَذَبَ أَعْدَاءُ اللَّهِ .

إِنَّ أَبَا طَالِبٍ : مِنْ رُفَقَاءِ :

النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ .

وَ الشُّهَداءِ وَ الصَّالِحِينَ .

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً.

كنز الفوائد ج1ص182ح8 .

كل خير لأبي طالب :

عن ثابت بن إسحاق : عن عبد الله العباس‏ : أنه سأل رسول الله .

فقال : ما ترجو لأبي طالب ؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

كُلَّ خَيْرٍ : أَرْجُو مِنْ رَبِّي عَزَّ وَ جَلَّ.

كنز الفوائد ج1ص183ح8 .

النار لمن لم يؤمن بإيمان أبو طالب:

عن أبان بن محمد قال : كتبت إلى الإمام الرضا علي بن موسى عليه السلام ، جعلت فداك ، قد شككت في إيمان أبي طالب ؟

قال فكتب‏ :

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

أَمَّا بَعْدُ : فَمَنْ‏ { يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى‏ } .

إِنَّكَ : إِنْ لَمْ تُقِرَّ بِإِيمَانِ أَبِي طَالِبِ .

كَانَ : مَصِيرُكَ إِلَى النَّارِ.

كنز الفوائد ج1ص182ح8 . والآية كاملة : { وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا (115)} النساء.

أبو طالب صدق النبي الأمين :

عن إسحاق بن عيسى بن علي بن عبد الله بن العباس قال : سمعت أبي يقول سمعت : المهاجر مولى نوفل اليماني يقول : سمعت أبا رافع يقول : سَمِعْتُ أَبَا طَالِبٍ يقول :

حدثني مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وآله :

‏ أَنَّ رَبَّهُ بَعَثَهُ :

بِصِلَةِ الرَّحِمِ .

وَ أَنْ يَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَ لَا يَعْبُدَ مَعَهُ غَيْرَهُ .

وَ مُحَمَّدٌ عِنْدِي : الصَّادِقُ الْأَمِينُ .

كنز الفوائد ج1ص184ح8 .

ويا طيب : هذا الحديث صريح بأنه يعتقد بالتوحيد والنبوة ، وإن النبي عند أبو طالب هو الصادق الأمين ، فصدقه وآمن به .

يا طيب : إن سبب التشكيك بإيمان أبو طالب مشهور بل يشهروه بعض أبناء العامة ، وإلا قسم كبير منهم من المنصفين يقرون بإيمانه بل بعضهم ألف كتب في إيمانه وإن أنكره قسما آخر .

فإن بعض : من في قلوبهم مرض من الخوارج وبني أمية وأتباعهم ، يشككون في إيمان أبو طالب لينتقصوا من علي بن أبي طالب عليه السلام ، وليفضلوا الخلفاء عليه ، بل لعدائهم لهم .

وكانت السلطات بيد: أعداء أهل البيت في زمن الأمويين وقبلهم ، وزمن العباسيين ، وإن الوعاظ ومن يفتي والفقهاء والقضاة وأئمة المساجد كلهم بيدهم ، وكان في زمن الأمويين يسبون علي بن أبي طالب سبعين سنة على منابرهم .

وهكذا في زمن العباسيين : ليفضلوا العباس على أبو طالب والعباسيين وعلى العلويين والأئمة منهم ، وجرت هذه السياسة وفشت حتى تصورها البعض حقيقة ، بأن أبو طالب لم يؤمن .

وأما الشيعة المخلصين : ومن يعرف حقيقة طهارة أباء النبي والمعصومين وأنهم أوصياء آبائهم لم ينطلي كفر الظلمة وأعداء أهل البيت والأئمة المعصومين .

لذا أخذوا : يدافعون عن الطاهر الصديق أبو طالب عليه السلام ، وكتبوا كتب كثيرة ، بل رأوا واجب عليهم بيان الحق وتعريف الحقيقة ، والتي بها نعرف شأن الأئمة المعصومين وأنه لا يدانيهم أحد في فضيلة ، ولا يقاس بهم أحد في طاهرة النسب .

وقائع نصر أبو طالب الكبرى للنبي

يا طيب قد عرفنا : شأن أبو طالب بما لا مزيد عليه ، والآن نذكر أهم وقائع نصر أبو طالب للنبي وتأييده وكفالته له وأن النبي عاش في بيت أبو طالب أكثر من سبعة عشر سنة ، بل كان هو الراعي له من طفولته ورضاعه حتى سفره وتجارته وزوجه ، وهنا وقائع كريمة تعرف دفاعه عن النبي الأكرم وتأييده ونصره ، وسيأتي أهمها مسألة شعب أبو طالب ، فتدبر في أي منها ترى جلي إيمانه ويقينه وصدقه .

إعلان النبوة واختيار الوصي :

ذكر الشيخ المفيد في الإرشاد :

حين جمع : رسول الله صلى الله عليه وآله بني عبد المطلب في دار أبي طالب ، وهم أربعون رجلا يومئذ .

وأمر أن يصنع : لهم فخذ شاة مع مد من البر ، ويعد لهم صاع من اللبن .

وقد كان الرجل منهم : معروفا بأكل الجذعة في مقام واحد ، ويشرب الفرق من الشراب في ذلك المقام .

وأراد عليه السلام: بإعداد قليل الطعام والشراب لجماعتهم ، إظهار الآية لهم في شبعهم وريهم مما كان لا يشبع الواحد منهم ولا يرويه .

ثم أمر بتقديمه لهم : فأكلت الجماعة كلها من ذلك اليسير حتى تملئوا منه ، فلم يبن ما أكلوه منه وشربوه فيه.

فبهرهم بذلك ، وبين لهم آية نبوته ، وعلامة صدقه ببرهان الله تعالى فيه .

ثم قال لهم : بعد أن شبعوا من الطعام ورووا من الشراب :

يا بني عبد المطلب : إن الله بعثني إلى الخلق كافة ، وبعثني إليكم خاصة ، فقال عز وجل :

{ وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ (214) } الشعراء .

وأنا أدعوكم : إلى كلمتين خفيفتين على اللسان ثقيلتين في الميزان .

تملكون بهما العرب والعجم ، وتنقاد لكم بهما الأمم .

وتدخلون بهما الجنة ، وتنجون بهما من النار .

شــهادة :

أن لا إلــه إلا الله .

وأني رسـول الله .

فمن يجيبني إلى هذا الأمر : ويؤازرني عليه وعلى القيام به .

يكن أخي ووصي ووزيري ووارثي وخليفتي من بعدي .

فلم يجب أحد منهم .

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : فقمت بين يديه من بينهم .

وأنا إذ ذاك : أصغرهم سنا ، وأحمشهم ساقا ، وأرمضهم عينا.

فقلت : أنا يا رسول الله أؤازرك على هذا الأمر .

فقال : أجلس .

ثم أعاد القول : على القوم ثانية ، فاصمتوا .

وقمت فقلت : مثل مقالتي الأولى .

فقال : اجلس. ثم أعاد على القوم مقالته ثالثة، فلم ينطق أحد منهم بحرف.

فقلت : أنا أؤازرك ، يا رسول الله ، على هذا الأمر .

فقال : أجلس :

فأنت : أخي ووصي ووزيري .

ووارثي : وخليفتي من بعدي .

فنهض : القوم ، وهم يقولون لأبي طالب :

يا أبا طالب :

ليهنئك اليوم : إن دخلت في دين ابن أخيك .

فقد جعل : ابنك أميرا عليك .

الإرشاد للشيخ المفيد ج1ص49 . إعلام ‏الورى ص163.

قولوا لا إله إلا الله تفلحوا :

عن طارق المحاربي : رأيت النبي صلى الله عليه وآله في سويقة ذي المجاز عليه حلة حمراء .

وهو يقول :

يا أيها الناس :

قولوا : لا إله إلا الله ، تفلحـــوا .

وأبو لهب : يتبعه ويرميه بالحجارة ، وقد ادمي كعبة وعرقوبيه .

وهو يقول : يا أيها الناس لا تطيعوه ، فإنه كذاب .

مناقب آل أبي طالب لأبن شهر آشوب ج1ص51 . بحار الأنوار ج18ص202ب1 . وأنظر منتهى المطلب للعلامة الحلي ج2ص73 عن أنس .

يا طيب : وان علي بن أبي طالب يتبع النبي دائما ويدفع عنه أذى الشباب والأطفال ، وأبو طالب يدفع عن كبار قريش ، وهذا أبو لهب الكافر كان بيته مقابل بيت النبي الأكرم على ما قيل ، فكان يعلم بخروج النبي ودخوله ، وإن بيت أبو طالب جنب بيت أخيه عبد الله الذي ورثه النبي ، فقد يكون خروج النبي في مرات لم يخرج معه ناصريه ، فكان أبو لهب يؤذيه ، ولكن في قصص كثيرة كان يؤنبه أبو طالب ويوبخه ، ولكنه كان معاند ناصبي ، ولمعرفة دفاع أبو طالب تدبر القصص الآتية .

أبو طالب للنبي والله لا أخذلك:

وفي مناقب آل أبي طالب : في تاريخ الطبري والبلاذري : انه لما نزل :

{ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ (94) } الحجر .

صدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم : ونادى قومه بالإسلام ، فلما نزل :

{ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ (98) }الأنبياء.

أجمعوا على خلافه : فحدب عليه أبو طالب ومنعه منهم.

فقام : عتبة ، والوليد ، وأبو جهل ، والعاص ، إلى أبي طالب ، فقالوا :

إن ابن أخيك : قد سب آلهتنا ، وعاب ديننا ، وسفه أحلامنا ، وضلل آباءنا ، فإما أن تكفه عنا ، وإما أن تخلي بيننا وبينه .

فقال لهم أبو طالب : قولا رقيقا ، وردهم ردا جميلا .

فمضى : رسول الله صلى الله عليه وآله على ما هو عليه يظهر دين الله ويدعو إليه ، وأسلم بعض الناس .

فانهمشوا : أي مشوا إلى أبي طالب مرة أخرى .

فقالوا : إن لك سنا وشرفا ومنزلة ، وإنا قد اشتهيناك إن تنهى ابن أخيك فلم ينته .

وإنا والله : لا نصبر على هذا ، من شتم آباءنا ، وتسفيه أحلامنا ، وعيب آلهتنا ، حتى تكفه عنا ، أو ننازله في ذلك حتى يهلك احد الفريقين .

فقال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وآله : ما بال أقوامك يشكونك ؟

فقال صلى الله عليه وآله : إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها ، تدين لهم بها العرب ، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية .

فقالوا : كلمة واحدة ؟ .

قال : نعم . قالوا : وأبيك عشرا .

قال أبو طالب : وأي كلمة هي يا بن أخي ؟

قـال : لا إلـه إلا الله .

فقاموا ينفضوا ثيابهم ويقولون : أجعل الآلهة إلها واحدا ، إن هذا لشيء عجاب .

قال ابن إسحاق : إن أبا طالب قال له في السر : لا تحملني مالا أطيق .

فظن رسول الله : أنه قد بدا لعمه وإنه خاذله وإنه قد ضعف عن نصرته .

فقال : يا عماه :

لو وضعت :الشمس في يميني ، والقمر في شمالي ، ما تركت هذا القول .

حتى أنفذه : أو اقتل دونه ، ثم استعبر فبكى ، ثم قام يولي .

فقال أبو طالب : امض لأمرك فو الله ما أخذلك أبد .

مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب ج 1ص52 .وأنظر تفسير مجمع البيان للشيخ الطبرسي ج 8ص342 ، وأنظر و الكافي للشيخ الكليني ج2ص649ح5 .

أبو طالب حسب النبي :

عن هشام بن الحكم : عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :

بينا النبي صلى الله عليه وآله : في المسجد الحرام و عليه ثياب له جدد .

فألقى المشركون : عليه سلى ناقة ، فملئوا ثيابه بها .

فدخله : من ذلك ما شاء الله .

فذهب : إلى أبي طالب .

فقال له : يا عم كيف ترى حسبي فيكم ؟

فقال له : و ما ذاك يا ابن أخي .

فأخبره : الخبر .

فدعا أبو طالب : حمزة ، و أخذ السيف .

و قال لحمزة : خذ السلى ، ثم توجه إلى القوم ، و النبي معه .

فأتى قريشا : و هم حول الكعبة .

فلما رأوه : عرفوا الشر في وجهه .

ثم قال لحمزة : أمر السلى على سبالهم .

ففعل ذلك : حتى أتى على آخرهم .

ثم التفت : أبو طالب إلى النبي .

فقال : يا ابن أخي ، هذا حسبك فينا .

الكافي ج1ص449ح30 .

الثياب الجدد : بمعنى جديدة أو مخططه بلونين ، سلا ناقة :الجلدة الرقيقة التي فيها الولد من المواشي ، أمر السلا على سبالهم : على شواربهم ، و قيل السبال هي الشعرات التي هي تحت اللحى الأسفل ، و قيل هي عند العرب مقدم اللحية و منها على الصدر.

شعب أبي طالب وما أدراك ما الشعب
حصار النبي وآله في شعب أبي طالب

تعريف الشعب :

يا طيب : عرف شعب أبي طالب بعدة تعاريف حتى يعين مكانه فنذكر بعضها ثم نحكي خلاصتها :

يطلق الشعب : في اللغة ويراد منه الفجوة التي بين جبلين، ، وقد يراد منه الوادي ، وقد يطلق على المنطقة التي بين جبلين.

شعب أبي طالب : منطقة في مكة خلف الصفا والمروة بين جبل أبو قبيس عن يساره وجبل الخندمة عن يمينه ، والأن أغلبه يقع في سوق الليل فقو المسجد الحرام بما يقرب 300 ثلاثمائة متر ، وقد كان هذا الشعب ملكاً لعبد المطلب، ثم أصبح ملاذاً للمسلمين وبني هاشم حين فرضت عليهم قريش حصاراً اقتصادياً.

كان هذا الشِعب : ملكاً لبني هاشم، وقد سمي بأسماء مختلفة خلال الفترات المتعاقبة، مثل شعب بني هاشم، وشعب أبي طالب، وشعب علي بن أبي طالب، وشعب أبي يوسف لأنه بنى به قصرا .

يقع شعب أبي طالب : بالقرب من المسجد الحرام خلف الصفا والمروة بين جبل أبو قبيس وجبل حنتمة.

ويحتوي الشِعب : على فضاء واسع مرصع بالحجر المرمر ، وأصبح موضع استراحة الحجاج في زمان الحج.

وقد أخطا البعض : حين افترض أن مقبر الحجون ، التي دفن فيها أبوطالب ،ـ توجد في هذا الشِعب، إذ إن الحجون كانت مقبرة أهل مكة وهي خارج المدينة .

في الوقت الحاضر: أصبح جزء كبيرا من هذا الشِعب ضمن حرم الكعبة المشرفة بعد عدة توسعات على مدار التاريخ، ولم يبق منه إلا مساحة قليلة تعرف باسم سوق الليل.

عندما حكم قصي بن كلاب مكة : أعطى لكل قبيلة من قريش مكانا يكون سكنا لهم.

وكان هذا المكان شعب أبي طالب : يقع مقابل الكعبة، جعله قصي له ولأولاده عبد مناف وعبد الدار.

ثم أصبح هذا الشِعب : فيما بعد ذلك تحت تصرف عبد المطلب، حيث قسمه على أولاده في آخر حياته، وقد حصل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حصة أبيه.

لقد ولد في هذا الشِعب أبر الهاشميين : وعلى رأسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانت ولادته المباركة في هذا الشِعب.

والشعب في الوقت الحاضر : أصبح جزءاً كبيراً من هذا الشِعب ضمن حرم الكعبة المشرفة بعد عدة توسعات على مدار التاريخ .

محل شعب أبي طالب :

يا طيب : الظاهر من التتبع إن شعب أبي طالب خلف بيوتهم المواجهة للكعبة ، وذلك أنهم لما قصي رحمه الله غلب خزاعة سكن مكة المكرمة ، سكن قرب الكعبة وبنى به دار الندوة ، ثم بيته وبيوت أبناءه خلفه ، وقسم شعاب مكة المكرمة الأخرى على قريش ومن حالفهم ، فكان شعب أبي طالب خلف ، بيوت الهاشميين ، ويقربهم بيوت من ولد عبد المطلب ، ويقربهم بيوت بني أمية وغيرهم من ولد هاشم وقصي .

وكان بيت عبد المطلب رحمه الله : ويحيط به عشر بيوت لولده وكان بيت عبد الله وهو بيت النبي الأكرم ورثه من أبيه جنب بيت أبو طالب ، وجنبهم بيت أولاد أبو طالب ، وقربهم بيت العباس بن عبد المطلب ، وحمزة بن عبد المطلب ، وبيوت طالب وعقيل وجعفر ويقربهم بيت أم هاني بنت أبي طالب . و قيل : بيت أبو جهل مقابل بيت النبي الأكرم ولذا كان يعرف أخبار خروجه ووروده .

ثم في هذا الشعب المواجه للكعبة : إلى الجبل خلف بيوت الهاشميين ، كان لأبي طالب ورثه من عبد المطلب الذي ورثه من أبيه وهكذا ، ولأنه غير مسكون ومرعى واسع محصور بين جبلين ، كان أمره بيد أبي طالب وهو وكيل أخوته ، لأنه سيدهم وكبيرهم .

ولذا في محاصرة الشعب : جمع أبو طالب الهاشميين ممن أستجاب له منهم فيه ، وبالخصوص من ولد عبد المطلب ، وفيهم زوجة فاطمة بنت أسد ، و ولده طالب وعقيل وعلي وأما جعفر فكان مهاجرا في الحبشة ، وكان معه العباس وولده وحمزة ، وكانت مع النبي الأكرم خديجة وفاطمة ورقية ، وأما أبو لهب وولده لم يدخلوا حصار الشعب وقال لقريش أنا معكم أسلمه لو بيدي .

وقررت قريش وأحلافها : في كتابة صحيفتهم المشؤومة ، أن لا يبايعوا ولا يشتروا ولا يزوجوا ولا يكلموا بني هاشم ممن ساند وحمى النبي ، حتى يسلموه ليقتلوه ، أو يتراجع عن دعوته .

ودام الحصار في الشعب : من أول محرم سنة 10 ، وسنة 11 ، وسنة 12 ، وقسم من سنة 13 للهجرة .

ثم بعد هذا : توفي أبو طالب رحمه الله ، هاجر النبي للمدين وقد أمره الله :

قال الفاكهي في أخبار مكة المكرمة : كما حدثنا الزبير بن أبي بكر قال حدثني حمزة بن عتبة قال :

لما غلب قصي : على مكة ونفى خزاعة ، قسمها على قريش .

فأخذ لنفسه : وجه الكعبة فصاعدا ، وبنى دار الندوة ، فكانت مسكنه .

قال : وقد دخل أكثرها في المسجد .

وأعطى : بني مخزوم أجيادين ، وبنى جمع المسفلة ، وبنى سهم الثنية ، وأعطى بني عدي أسفل الثنية فيما بين حق بني جمع وبني سهم .

فلبني عبد مناف : وجه الكعبة ، والمسيل والردم إلى المعلاة .

قال : فلم تزل قريش تحوز رباعها وتبيعها حتى جاء الله بالإسلام ، وهم على سكنتهم ومنازلهم ، فلما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح خطب الناس يومئذ ، فأقرهم على رباعهم ومنازلهم التي كانوا عليها ، ولم يخرج أحدا من ربعه ولا من منزله ، عفوا منه وصفحا عنهم ، ثم لم يزد الإسلام ذلك إلا شدة وتوكيدا .

وذلك حين يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : لصفوان بن أمية وذلك من بعد الفتح ، وقد قدم عليه المدينة يطلب الهجرة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ارجع أبا وهب إلى الأبطح فقروا على سكنتكم .

وقد جاءت أحاديث تشد هذا وتثبته .

2090 حدثنا محمد بن سليمان قال ثنا روح بن عبادة عن محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن عمرو بن عثمان عن أسامة بن زيد رضي الله عنه قال:

قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أين تنزل غدا إن شاء الله قال صلى الله عليه وسلم وهل ترك لنا عقيل من منزل وذلك أن أبا طالب لما مات ورثه ابناه عقيل وطالب ولم يرثه علي رضي الله عنه قال فكان علي بن حسين يقول....

أخبار مكة للفاكهي ج3ص260ح 2088 .أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي سنة الولادة 217هـ و سنة الوفاة 275.

ولمعرفة قربها من بيت الله : قال أيضا :

وكان مبتدأ قطائع الرباع بمكة : أن قصى بن كلاب لما فرغ من حرب خزاعة ، ورأسته قريش واستقام له العز بمكة ، وجمع قريشا إليه .

وكان يقال له : المجمع فيما يذكرون ، لما جمع من أمرهم بعد تشتته .

ولولده يقول حذيفة بن غانم :

أبوكم قصى كان يدعى مجمعا

به جمع الله القبائل من فهر

و ركن دار : العباس رضي الله عنه التي تلي الوادي ، وذرع ما بين دار العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه والمسجد الحرام ستة وثلاثون ذراعا وثلث ذراع .

ولهم أيضا دار أم هانىء : بنت أبي طالب رضي الله عنها ، كانت عند الخياطين في أصل المنارة ، فدخلت في المسجد حين وسعه المهدي في الهدم الآخر سنة سبع وستين ومائة .

و كانت من دور قصي بن كلاب : فكانت العجول تربض إلى جنبها .

أخبار مكة للفاكهي ج3ص260ح 2088 .أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي سنة الولادة 217هـ و سنة الوفاة 275.

زمان الحصار في الشعب :

يا طيب : ذكروا أن زمان الحصار ومدته ، وأكثرهم أنه بدأ في أول محرم الحرام ، واختلفوا في السنة التي تم فيها الحصار ، فمنهم من قال سنة سبعة ، وقيل تسعة ، وقيل عشرة .

والصحيح المتيقن : بالأدلة والبراهين القطعية ، أن الحصار بدأ سنة عشرة وأحد عشر وأثنا عشر ، أشهر من سنة ثلاثة عشر من الهجرة .

وأما مدة : فالأكثر أنه ثلاث سنوات وأشهر ، ولم يعينوا الأشهر .

وكذا اختلفوا : في المدة بين وفاة خديجة عليها السلام وأبو طالب عليه السلام ، فمن قال ماتت قبله بثلاثة أيام أو أيام ولم يحددها بالثلاثة ، ومنهم من قال توفت بعده بثلاثة أيام ، ومنهم قال توفي أبو طالب بعدها بسنة .

ومما عرفت : من قصة خروج النبي الأكرم للشعاب حتى في الأشهر الحرم في قصة حجة في أخر سنة ثلاثة عشر ، وإجارة مطعم بن عدي له حتى حج ، حتى قالوا لمطعم مجير أم صابئ ، ولما قال مجير أجازوا له اجارته للنبي ، ولو كان مسلما لما قبلوا منه بل لضيقوا عليه ولم يجيروا النبي .

بل في القصة : التي ذكرنها سابقا أن كبار قريش وحلفائهم لم يجيروا النبي في الأشهر الحرم حتى أجاره مطعم يوما واحدا، ولم يبقى النبي الأكرم في أجارته إلا يوما وحدا ، والقصة ذكرها العامة والخاصة بالتفصيل وذكرنها سابقا .

فنتيقن : أنه خروجهم من الشعب في شهر ربيع الثاني أو بعده من السنة الثالثة للحصار أي في السنة الثالثة عشر للبعثة ، وكان في جوار وكفالة وحماية أبو طالب ، وبعد وفاته ، بدأ بالخروج لجبال مكة وشعابها خوفا من اغتيال قريش له .

و قال الكليني في الكافي :

وَ مَاتَتْ خَدِيجَةُ عليها السلام : حِينَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ مِنَ الشِّعْبِ‏ .

وَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ .

وَ مَاتَ أَبُو طَالِبٍ : بَعْدَ مَوْتِ خَدِيجَةَ بِسَنَةٍ .

فَلَمَّا فَقَدَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ : شَنَأَ الْمُقَامَ بِمَكَّةَ ، وَ دَخَلَهُ حُزْنٌ شَدِيدٌ وَ شَكَا ذَلِكَ إِلَى جَبْرَئِيلَ عليه السلام .

فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ :

أخْرُجْ : مِنَ‏ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها.

فَلَيْسَ لَكَ : بِمَكَّةَ نَاصِرٌ ، بَعْدَ أَبِي طَالِبٍ ، وَ أَمَرَهُ بِالْهِجْرَةِ.

الكافي ج‏1، ص: 440

ويا طيب : مرت أحاديث خروجه للشعاب والجبال خارج مكة بعد وفاة أبو طالب عليه السلام .

قصة شعب أبو طالب :

سبب قصة الشعب : هو كتابة الصحيفة ، هو أن قريش لما رأوا أبنائهم وأخوتهم وكثير من نسائهم وحشمهم قد أسلم ، وأخذ يترك آلهة قريش ويرها حجارة لا تنفع ولا تضر .

فيعتبر هذا : كبار قريش تسفيه لأحلام آبائهم وتسفيه لأحلامهم ، وعيب عليهم ومسبة لهم ، وقد أستفحل الأمر بأن كل يوم يسلم ويؤمن منهم أحد مقربيهم ، فأجتمع كبار قريش وشيوخهم وكتبوا صحيفة المقاطعة الظالمة ، أو قتل محمد نبي الرحمة غيلة أو عيانا .

فجمع أبو طالب : من أستجاب له من بني هاشم في شعب يخصهم خلف بيوتهم رجال ونساء وأطفال ، ووضعوا النبي الأكرم وسطهم وبينهم ، لكي لا يغتال ، وحموه ثلاثة سنوات وأشهر ، وقد كانوا في أضيق العيش ، حتى فظ الله تعالى أمر عقد الصحيفة الظالم أهلها ، وأنهار مكر قريش .

ويا طيب : ذكروا قصة الشعب : بتفاصيل متنوعة وفي كل كتب السيرة والتأريخ ، وبعضها طويل الذكر لأحداثها وبعضها قصير ، وكلا يذكر ما يهمه من موضع القصة وموضع شاهده منها ، ونذكر بعضها ونخص أولا ما :

ذكر الراوندي في قصص الأنبياء :

فَاجْتَمَعُوا فِي دَارِ الندوة : وَ كَتَبُوا صَحِيفَةُ بَيْنَهُمْ :

أَنْ لَا يؤاكلوا بَنِي هَاشِمٍ : وَ لَا يكلموهم ، وَ لَا يبايعوهم ، وَ لَا يزوجوهم وَ لَا يَتَزَوَّجُوا إِلَيْهِمْ .

حَتَّى يَدْفَعُوا : إِلَيْهِمْ مُحَمَّداً فَيَقْتُلُونَهُ .

وَ أَنَّهُمْ : يَدِ وَاحِدَةً عَلَى مُحَمَّدِ ، يَقْتُلُونَهُ غِيلَةً أَوْ صراحا .

فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ : أَبَا طَالِبٍ .

جَمَعَ بَنِي هَاشِمٍ : وَ دَخَلُوا الشِّعْبِ‏ ، و كانوا أربعين رجلا .

فَحَلَفَ لَهُمْ أَبُو طَالِبٍ : بِالْكَعْبَةِ وَ الْحَرَمِ ، إِنْ شاكت مُحَمَّداً شَوْكَةً لأتين‏ عَلَيْكُمْ يَا بَنِي هَاشِمٍ

و حَصّنَ الشِّعْبِ‏‏ : و كان يحرسه بالليل و النهار .

فإذا جاء الليل : يقوم بالسيف عليه .

و رسول الله صلى الله عليه وآله : مضطجع ، ثم يقيمه و يضجعه في موضع آخر .

فلا يزال : الليل كله هكذا .

و يوكل ولده : و ولد أخيه به‏ يحرسونه بالنهار .

فأصابهم : الجهد .

و كان من دخل مكة من العرب : لا يجسر أن يبيع من بني هاشم شيئا .

و من باع بني هاشم : شيئا ، انتهبوا ماله .

و كان أبو جهل : و العاص بن وائل السهمي ، و النضر بن الحارث بن كلدة ، و عقبة بن أبي معيط ، يخرجون إلى الطرقات التي تدخل مكة .

فمن رأوه : معه ميرة ، نهوه أن يبيع من بني هاشم شيئا ، و يحذرونه إن باع شيئا منهم انتهبوا ماله .

و كانت خديجة : لها مال كثير ، و أنفقته على رسول الله في الشعب .

و لم يدخل في حلف الصحيفة : مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف .

و قال : هذا ظلم .

و ختموا الصحيفة : بأربعين خاتما ، كل رجل من رؤساء قريش بخاتمه .

و علقوها : في الكعبة .

و تابعهم : على ذلك أبو لهب .

وَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ : يَخْرُجُ فِي كُلِّ يَوْمَ مَوْسِمٍ فيدور عَلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ .

فَيَقُولُ لَهُمْ : تمنعون لِي جَانِبِي ، حَتَّى أَتْلُو عَلَيْكُمْ كِتَابِ رَبِّكُمْ ، وَ ثَوَابُكُمْ الْجَنَّةِ عَلَى اللَّهِ .

و أبو لهب في أثره فيقول : لا تقبلوا منه ، فإنه ابن أخي ، و هو كذاب ساحر ، فلم يزل هذا حالهم .

و بقوا في الشعب : أربع سنين .

لا يأمنون : إلا من موسم إلى موسم .

و لا يشترون و لا يبيعون : إلا في الموسم.

و كان يقوم بمكة : موسمان في كل سنة :

موسم العمرة : في رجب .

و موسم الحج : في ذي الحجة .

فكان إذا اجتمعت المواسم : يخرج بنو هاشم من الشعب ، فيشترون و يبيعون ، ثم لا يجسر أحد منهم أن يخرج إلا إلى الموسم الثاني .

و أصابهم الجهد : و جاعوا.

وبعث قريش : إلى أبي طالب أدفع إلينا محمدا نقتله ، و نملكك علينا .

و قال أبو طالب رضي الله عنه : قصيدته اللامية يقول فيها:

و لما رأيت القوم لا ود منهم
و قد قطعوا كل العرى و الوسائل‏
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه‏
ثمال اليتامى عصمة للأرامل‏
كذبتم و بيت الله يبزى محمد
و لما نطاعن دونه و نقاتل‏
لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد
و أحببته حب الحبيب المواصل‏
و جدت بنفسي دونه و حميته‏
و دارأت عنه بالذرى و الكواهل
فأيده رب العباد بنصره
و أظهر دينا حقه غير باطل


فلما سمعوا هذه القصيدة : أيسوا منه .

و كان أبو العاص بن الربيع : و هو ختن رسول الله ، يأتي بالعير بالليل عليها البر و التمر ، إلى باب الشعب ، ثم يصيح بها فتدخل الشعب ، فيأكله بنو هاشم .

و قد قال رسول الله : لقد صاهرنا أبو العباس ، فأحمدنا صهره .

و لما أتى : أربع سنين .

بعث الله : على صحيفتهم القاطعة دابة الأرض ، فلحست جميع ما فيها من قطيعة و ظلم .

و تركت : باسمك اللهم .

و نزل جبرئيل : على رسول الله فأخبره بذلك .

فأخبر رسول الله : أبا طالب .

فقام أبو طالب : و لبس ثيابه ، ثم مشى حتى دخل المسجد على قريش ، و هم مجتمعون فيه .

فلما أبصروه قالوا : قد ضجر أبو طالب ، و جاء الآن ليسلم ابن أخيه .

فدنا منهم : و سلم عليهم ، فقاموا إليه و عظموه .

و قالوا : قد علمنا يا أبا طالب، أنك أردت مواصلتنا ، والرجوع إلى جماعتنا.

و أن تسلم : ابن أخيك إلينا .

قال رحمه الله : و الله ما جئت لهذا .

و لكن ابن أخي : أخبرني و لم يكذبني .

أن الله تعالى : أخبره ، أنه بعث على صحيفتكم القاطعة دابة الأرض ، فلحست جميع ما فيها ، من قطيعة رحم و ظلم و جور ، و تركت اسم الله .

فابعثوا : إلى صحيفتكم :

فإن كان حقا : فاتقوا الله و ارجعوا عما أنتم عليه ، من الظلم و الجور و قطيعة الرحم.

و إن كان باطلا : دفعته إليكم ، فإن شئتم قتلتموه ، و إن شئتم أسجنتموه .

فبعثوا إلى الصحيفة : و أنزلوها من الكعبة .

فإذا ليس فيها : إلا باسمك اللهم .

فقال لهم أبو طالب : يا قوم اتقوا الله ، و كفوا عما أنتم عليه ، فتفرق القوم ، و لم يتكلم أحد .

و رجع أبو طالب : إلى الشعب‏ .

و قال عند ذلك : نفر من بني عبد مناف ، و بني قصي ، و رجال من قريش ولدتهم‏ نساء بني هاشم .

منهم : مطعم بن عدي، وعامر بن لؤي و كان شيخا كبيرا كثير المال له أولاد ، و أبو البختري بن هاشم ، و زهير بن أمية المخزومي في رجال من أشرافهم .

نحن برآء : مما في هذه الصحيفة .

فقال أبو جهل : هذا أمر قضي بليل.

و خرج النبي صلى الله عليه وآله : و رهطه من الشعب ، و خالطوا الناس .

و مات أبو طالب : بعد ذلك بشهرين ، و ماتت خديجة رضي الله عنها بعد ذلك .

و ورد على رسول الله : أمران عظيمان ، و جزع جزعا شديدا .

و دخل على أبي طالب : و هو يجود بنفسه .

فقال صلى الله عليه وآله :

يَا عَمٍّ : رُبِّيَتْ صَغِيراً ، وَ نُصِرْتُ كَبِيراً ، وَ كَفَّلْتُ يَتِيماً، فَجَزَاكَ اللَّهِ عَنِّي خَيْرٌ الْجَزَاءُ ، أَعْطِنِي كَلِمَةٍ أَشْفَعُ لَكَ بِهَا عِنْدَ رَبِّي‏.

قال ابن عباس : فلما ثقل أبو طالب رئي يحرك شفتيه .

فأصغى إليه العباس : يسمع قوله فرفع العباس عنه‏ .

و قال يا رسول الله : و الله قد قال الكلمة التي سألته إياها .

و عن ابن عباس قال : إن رسول الله ، عارض جنازة أبي طالب .

فقال : وصلتك رَحِمَ‏ ، وَ جَزَيْتَ خَيْراً يَا عَمٍ‏ .

قصص الأنبياء عليهم السلام للراوندي ص: 328ح409وح410 .

ويا طيب : ذكر هذه القصة كل من كتب في سيرة النبي الأكرم أو في تأريخ الإسلام أو في الأماكن والبلدان ، بل في العقائد والأخلاق وغيرها ، وبعدة أساليب وبأنواع التعابير ، من المختصرة إلى المطولة جدا .

فراجع التأريخ : ترى فداء أبو طالب ونصره للدين الحنيف ، وبكل ما يملك من النفس والمال والبنين وعيال ، وبكل أنواع الظروف يحيط بالنبي الأكرم بكل جهده ويحافظ عليه حتى يبلغ دعوته وينشر دينه ويعرف عظمة الله ويبين هداه ، حتى أنه كما عرفت لما توفي أبو طالب رحمه الله لم يبقى في مكة وأمره الله تعالى في الهجرة .

حج النبي ونزل الشعب :

النبي الأكرم : صلى الله عليه وآله وسلم ، لم ينسى غصة الشعب وكان يذكره ، ولكما حج حجة الوداع وعمرة أعتمرها في رجب ، نزل في بيت بنت عمه أبو طالب أم هاني أخت أمير المؤمنين وهو قرب بيته الذي باعه عقيلة وكان قد وهبه له ، وأعاد ذكرياته فأغتسل وصلى في بيتها ، ووضع خيمته في شعب أبي طالب خارج بيوت الهاشميين ، وكذا كان معه علي بن أبي طالب وآله وبعض صحبه ممن ليس لهم بيوت في مكة ، ليذكرهم بما فعلوا به في هذا الشعب وكيف قاطعوه وآذوه بالحرمان هو وآله ثلاثة سنوات وأشهر ، ولذا قال في :

أخبار مكة للفاكهي :

2105 حدثني محمد بن إسماعيل قال ثنا روح بن عبادة قال : قال لما افتتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة :كان أول بيت دخله بيت أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها ، فدعا بماء فشرب وأفضل منه فضلة فدفعها إلى أم هانىء رضي الله عنها ن وهي عن يمينه فشربت .

ثم قالت : يا رسول الله لقد فعلت فعلة فلا أدري أتوافق أم لا شربت وأنا صائمة وكرهت أن أرد فضل رسول الله صلى الله عليه وسلم .

فقال لها : أقضاء من رمضان أم تطوع .

قالت : لا بل تطوع فقال صلى الله عليه وسلم إن التطوع أو صاحب التطوع بالخيار إن شاء صام وإن شاء أفطر .

2106 حدثنا إبن أبي مسرة قال ثنا عثمان بن اليمان عن زمعة بن صالح عن إبن طاوس عن أبيه:

عن أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها بيتها يوم الفتح ، فصلى الضحى ثماني ركعات .

أخبار مكة للفاكهي ج3ص260ح 2088 .أخبار مكة في قديم الدهر وحديثه أبو عبد الله محمد بن إسحاق بن العباس الفاكهي سنة الولادة 217هـ و سنة الوفاة 275. أم هاني بنت أبي طالب أخت أمير المؤمنين عليهم السلام.

قال في سبيل الرشاد :

الحادي عشر: لا مخالفة بين حديث نزوله - صلى الله عليه وسلم – بالمحصب ، وبين حديث أم هانئ ، أنه - صلى الله عليه وسلم - نزل في بيت أم هانئ، لأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقم في بيت أم هانئ وإنما نزل به حتى اغتسل وصلى.

ثم رجع إلى حيث ضربت خيمته : عند شعب أبي طالب، وهو المكان الذي حصرت فيه قريش المسلمين قبل الهجرة كما تقدم بيان ذلك.

سبل الهدى والرشاد في سيرة خير العباد ج5ص268 .

غيبة الحجة كالنبي في الشعب :

مباحثة الشيخ الصدوق رحمه الله : مع بعض الملحدين بحضرته أورد بعضها في كمال الدّين‏ قال: كلّمني بعض الملحدين في مجلس الأمير السعيد ركن الدولة رضي اللّه عنه .

فقال لي : وجب على إمامكم أن يخرج فقد كاد أهل الرّوم يغلبون على المسلمين .

فقلت له : إنّ أهل الكفر كانوا في أيّام نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله أكثر عددا منهم اليوم و قد أسرّ عليه السّلام أمره و كتمه أربعين سنة بأمر اللّه جلّ ذكره و بعد ذلك أظهره لمن وثق به و كتمه بثلاث سنين عمّن لم يثق به ثمّ آل الأمر إلى أن تعاقدوا على هجرانه و هجران جميع بني هاشم و المحامين عليه لأجله فخرجوا إلى الشعب‏ و بقوافيه ثلاث سنين.

فلو أنّ قائلا قال في تلك السنين: لم لا يخرج محمّد صلّى اللّه عليه و آله؟

فإنّه واجب عليه : الخروج لغلبة المشركين على المسلمين ما كان يكون جوابنا له إلّا أنّه عليه السّلام بأمر اللّه تعالى ذكره خرج إلى الشعب‏ حين خرج و بإذنه غاب و متى أمره بالظهور و الخروج خرج و ظهر .

لأنّ النبيّ صلّى اللّه عليه و آله : بقي في الشعب‏ هذه المدّة حتّى أوحى اللّه عزّ و جلّ إليه أنّه قد بعث أرضة على الصحيفة المكتوبة بين قريش في هجران النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و جميع بني هاشم ، المختومة بأربعين خاتما ، المعدلة عند زمعة بن الأسود فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم و تركت ما كان فيها اسم اللّه عزّ و جلّ .

فقام أبو طالب : فدخل مكّة فلمّا رأته قريش قدّروا أنّه قد جاء ليسلّم إليهم النبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى يقتلوه أو يرجعوه عن نبوّته فاستقبلوه و عظّموه .

فلمّا جلس قال لهم: يا معشر قريش إنّ ابن أخي محمّد لم أجرّب‏ عليه كذبا قطّ و إنّه قد أخبرني أنّ ربّه أوحى إليه أنّه كان قد بعث على الصحيفة المكتوبة بينكم الأرضة فأكلت ما كان فيها من قطيعة رحم و تركت ما كان فيها من أسماء اللّه عزّ و جلّ.

فأخرجوا الصحيفة : و فكّوها فوجدوها كما قال.

فآمن بعض : و بقي بعض على كفره فرجع النبيّ عليه السّلام و بنو هاشم إلى مكّة. هكذا الإمام عليه السّلام إذا أذن اللّه له في الخروج خرج.

و شيء آخر : و هو أنّ اللّه تعالى ذكره أقدر على أعدائه الكفّار من الإمام فلو أنّ قائلا قال:

لم يمهل اللّه أعداءه و لا يبيدهم؟ و هم يكفرون به و يشركون لكان جوابنا له أنّ اللّه تعالى ذكره لا يخاف الفوت فيعاجلهم بالعقوبة و لا يسأل عمّا يفعل و هم يسألون، و لا يقال له: لم و لا كيف و هكذا إظهار الإمام إلى اللّه الّذي غيّبه فمتى أراده أذن فيه فظهر.

فقال الملحد: لست اومن بإمام لا أراه و لا تلزمني حجّته ما لم أره.

فقلت له: يجب أن تقول: إنّه لا يلزمك حجّة اللّه تعالى ذكره لأنّك لا تراه و لا تلزمك حجّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لأنّك لم تره .

فقال للأمير السعيد ركن الدّولة رضي اللّه عنه: أيّها الأمير راع ما يذكره هذا الشيخ فإنّه يقول: إنّ الإمام إنّما غاب و لا يرى لأنّ اللّه عزّ و جلّ لا يرى.

فقال له الأمير- رحمه اللّه-: لقد وضعت كلامه غير موضعه و تقوّلت عليه، و هذا انقطاع منك و إقرار بالعجز.

و هذا سبيل : جميع المجادلين لنا في أمر صاحب زماننا عليه السّلام، ما يلفظون في دفع ذلك و جحوده إلّا بالهذيان و الوساوس و الخرافات المموّهة. انتهى‏.

كمال الدين وتمام النعمة ص 86. معاني الأخبار، المقدمة ص36 .

شعر
المؤمن الموحد أبو طالب

يا طيب : شعر أبو طالب كثير ، وفيه ما يعجز عنه أكبر الفصحاء في بيان مثل معانيه في التوحيد والإيمان ومعرفة شأن النبوة ، ونحاول قدر الإمكان نذكر منه حسب المواضيع ، ونذكر قصائد كاملة ، وحسب المناسبات ، لنعرف أن أبنه الذي سن البلاغة والعلم والمعرفة ، وإن كان بفضل الله والقرآن ونبي الرحمة ، ولكن ترى أثر تربية والده ومعرفته وحثه على التمسك بابن عمه سيد المرسلين ، قد أثر فيه بلاغة وفصاحة وعلم ومعرفة وثبات ، ويا طيب هذه القصائد وأبيات الشعر المروية عن أبو طالب رحمه الله ذكرت في عدة كتب ومصادر وقدر الإمكان نذكر أقدمها قدر الإمكان .

شعر أبو طالب في التوحيد :

قال أبو طالب عليه السلام في توحيد الله تعالى :

مليك الناس ليس له شريك‏
هو الوهاب و المبدي المعيد
و من فوق السماء له بحق‏
و من تحت السماء له عبيد

كنز الفوائد ج1ص182.

و قال أيضا رحمه الله :

يا شاهد الله علي فاشهد
آمنت بالواحد رب أحمد
من ضل في الدين فإني مهتدي


كنز الفوائد ج1ص182.

يا طيب : لو تدبرت في الأبيات الكريمة أعلاه ، تراه أنه مؤمن بالله وحده لا شريك له ، وأنه مؤمن بالمعاد والنبوة وأنه تعالى خالق كل شيء وله عبيد بحق كل الكائنات ، وهذا خلاصة الإيمان ، ويا حبذا لو تعرف للمؤمنين وتحفظ في المدارس .

أبو طالب مصدق بقدم النبوة :

عن إسحاق بن جعفر عن أبيه الصادق عليه السلام قال :

قيل له : إنهم يزعمون أن أبا طالب كان كافرا ؟

فقال : كذبوا ، كيف يكون كافرا ، و هو يقول‏ :

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا
نبيا كموسى خط في أول الكتب


و في حديث آخر : كيف يكون أبو طالب كافرا ، و هو يقول :

لقد علموا أن ابننا لا مكذب
لدينا و لا يعبأ بقيل الأباطل
و أبيض يستسقى الغمام بوجهه
ثمال اليتامى عصمة للأرامل


الكافي ج1ص448ح29 . الثمال بالكسر، الملجأ و الغياث و قيل هو المطعم في الشدة.

وقد قال الله مصدقا لكلام : { الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146) } البقرة ، فإن أهل مكة كأهل المدينة كانوا يسمعون من اليهود بل وغيرهم من قدماءهم والرهبان ودلالة النبوة أن محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله نبينا مرسلا ، ولكن حسدا لبني هاشم لم يؤمنوا يظنون أنهم يفخرون عليهم ويعلون ، والله يؤتي الحكمة والفضل والرسالة لمن يشاء ويراه من المخلصين حقا .

وقوله : أبننا ولم يسميه باسمه ليفتخر به ، ولا يعبئ لا يهتم ، بقول من لم يؤمن به ، وبقول من يعبد الأصنام وغيرها .

البياض : أحسن الالوان و لذلك يوصف به كل محسن و يجعل كناية عن الافعال الحسنة ، ويوم تبض وجوه ويوم تسود وجوه ، و الغمام السحاب، و الثمال الغياث يقال فلان ثمال قومه أي غياث لهم و قائم بأمرهم.

و العصمة : المنعة و العاصم المانع الحامي يمنعهم من الحاجة و الضياع، و الارامل جمع الارملة و هي المرأة التي مات زوجها و هي فقيرة محتاجة، و المراد به أنه أبيض الوجه و جواد يطلب السحاب ماء بماء وجهه كافي اليتامى لا يحتاجون لغيره ، وتعتصم به الأرامل فلا تحتاج من غيره شيء.

حبه للنبي وتصديقه والإيمان به :

قال أبو طالب عليه السلام في قصيدته اللامية :

لعمري لقد كلفت وجدا بأحمد
و أحببته حب الحبيب المواصل‏

و جدت بنفسي دونه و حميته‏
و دارأت عنه بالذرا و الكلاكل‏
فلا زال في الدنيا جمالا لأهلها
و شيئا لمن عاداه زين المحافل‏
حليما رشيدا خازما غير طائش‏
يوالي إله الخلق ليس بماحل

فأيده رب العباد بنصره
و أظهر دينا حقه غير باطل‏
لقد علموا أن ابننا لا مكذب‏
لدينا و لا يعنى بقيل الأباطل‏

كنز الفوائد ج1ص179. هذه الأبيات من قصيدة طويلة أوردها ابن هشام في السيرة ج 1 ص 286- 298 مع اختلاف يسير.

تصميمه على نصر النبي :

ترجون أن نسخى بقتل محمد
و لم نختضب سحر العوالي من الدم‏
كذبتم و بيت الله حتى تغرفوا
جماجم تلقى بالحطيم و زمزم‏
و تقطع أرحام و تنسى حليلة
حليلا و يغشى محرما بعد محرم‏
و ينهض قوم في الحديد إليكم‏
يذودون عن أحسابهم كل مجرم‏
على ما أتى من بغيكم و ضلالكم‏
و غشيانكم في أمرنا كل مأتم‏
بظلم نبي جاء يدعو إلى الهدى‏
و أمر أتى من عند ذي العرش مبرم‏
فلا تحسبونا مسلميه و مثله‏
إذا كان في قوم فليس بمسلم‏
كنز الفوائد ج1ص179.

لا يسلم النبي للظلمة الغاة :

أ خلتم بأنا مسلمون محمدا
و لما نقاذف دونه بالمراجم‏
أصبنا حبيبا في البلاد مسوما
بخاتم رب قاهر للجراثم‏
يرى الناس برهانا و هيبة
و ما جاهل في فعله مثل عالم‏
نبي أتاه الوحي من عند ربه‏
فمن قال لا يقرع بها سن نادم‏
تطيف به جرثومة هاشمية
يذبون عنه كل باغ و ظالم


كنز الفوائد ج1ص180. الجُرْثُومَةُ : في اللغة أصل الشيء ومصدره ومجتمعُه فأصله بني هاشم لا يسلموه للقبائل وأصولهم قريش وغيرها .

و قوله أيضا في نصر النبي :

ألا أبلغا عني على ذات بينها
لؤيا و خصا من لؤي بني كعب‏
أ لم تعلموا أنا وجدنا محمدا
نبيا كموسى خط في أول الكتب‏
و أن عليه في العباد محبة
و لا سن فيمن خصه الله بالحب‏

كنز الفوائد ج1ص180 . في الفصول المختارة هكذا:

أ لم تعلموا أنا وجدنا محمّدا
رسول أمين خطّ في سالف الكتب

حث حمزه على الإيمان ونصر النبي :

قال أبو طالب رحمه : يحض أخاه حمزة بن عبد المطلب رحمه الله على اتباع رسول الله صلى الله عليه وآله و نصرته‏ :

فصبرا أبا يعلى على دين أحمد
و كن مظهرا للدين وفقت صابرا
و حط من أتى بالدين من عند ربه‏
بصدق و حق و لا تكن حمز كافرا
فقد سرني إذ قلت إنك مؤمن‏
فكن لرسول الله في الله ناصرا

و باد قريشا بالذي قد أتيته‏
جهارا و قل ما كان أحمد ساحرا

كنز الفوائد ج1ص181 .

حث جعفر وعلي على الإيمان والنصر :

وقال أبو طالب رحمه الله : ‏لابنه جعفر و قد أمره بالصلاة مع النبي ص و قال يا بني صل جناح ابن عمك فلما أجابه قال‏

إن عليا و جعفرا ثقتي
عند ملم الزمان و الكرب

و الله لا أخذل النبي و لا
يخذله من بني ذو حسب‏
لا تخذلا و انصرا ابن عمكما
أخي لأمي من بينهم و أبي‏

كنز الفوائد ج1ص182.

عتبه على قريش وتكذيبهم :

زعمت قريش أن أحمد ساحر
كذبوا و رب الراقصات إلى الحرم‏

ما زلت أعرفه بصدق حديثه
و هو الأمين على الخرائب و الحرم‏
بهتوه لا سعدوا بقطر بعدها
و مضت مقالتهم تسير إلى الأمم‏

كنز الفوائد ج1ص182 . يوجد حديث في سيرة ابن هشام أنهم أجمعوا على أنه ساحر حين يسألهم عنه العرب في مواسم الحج ، والراقصات الإبل التي يحج عليها الناس لأنها في مسيرها تهز الراكب عليها .




وفاة أبو طالب عليه السلام

سنة وفاة أبو طالب :

يا طيب : توجد شواهد كثيرة أن أبو طالب عليه السلام توفي سنة 13 للهجرة في 26 رجب أو 6 شهر رمضان ، وهو أصح الأقوال بل البرهان القطعي عليه والدليل الحتمي الواقعي يؤيده ، فإنه بعض كتب العامة لكي تقلل أهمية وجود أبو طالب بل وأم المؤمنين خديجة عليهم السلام ، في دورهم الكريم المشرف في حياة النبي الأكرم ودعوته للإسلام ، وأهمية وجودهم في نشر تعاليم الله وقوة ثبات الإيمان بنصرهم له ، وأنهم كانوا ركنا الدين في إعانة النبي الأكرم على القيام بدوره بأحسن وجه ممكن في نشر معارف عظمة الله وهداه .

فإنهم : يذكرون بأن وفاته قبل الهجرة بسنتين أو بثلاثة حسب بعدهم عن علي ابن أبي طالب وتقليل شأنه في نصر النبي الأكرم ، وحب النبي لهم واعتماده عليهم ، ومشاركتهم في همومه ومهامه لنصر الدين وإقامة دعوته ، وسط كفار مكة المتعنتين وجبابرتهم المتزمتين .

وإن الحق : أنه توفي قبل خروج النبي الأكرم وهجرته بأشهر ، وهي الأشهر الحرم ، أما في رجب سنة 13 للهجرة أو رمضان منها ، فبقي شوال ، وثم جاءت الأشهر الحرم وهي شهر ذي القعدة ، وشهر ذي الحجة ، وشهر محرم ، ثم بقي صفر فقط ليس من الأشهر الحرم ، ثم في أول سنة 14 من البعثة في أول ربيع الأول هاجر ووصل المدينة في 12 ربيع الأول ، في قصة الهجرة المعروفة .

وإنه بعد وفاة أبو طالب : لم تتعرض له لأنهم كانوا يحتاجون للاجتماع و التروي لما يرومون أن يفعلوه وتجتمع كلمتهم عليه ، على أنه كان معه أعمامه حمزة والعباس وغيرهم وأولادهم ، ولابد أن يتقنوا خطة لإخراجه أو قتل النبي ، ولكن الله تعالى حين اجتمعت كلمتهم على قتله أمره بالخروج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة بعد أن هيئ الله له ظروفها ، ببيعة الأنصار له :

حيث بايعه الأنصار : في العقبة الأولى والثانية ، حين كانوا محاصرين في شعب أبي طالب عليه السلام كما عرفت ويخرجون في الموسم يدعوا العشائر والقبائل للإيمان به ، وكان في الغالب معه عمه حمزة أو العباس ومعهم علي بن أبي طالب في روايات كثيرة تدل على هذا .

لأن النبي الأكرم : وكل المحاصرين معه في شعب أبي طالب كانوا يخرجون يبيعون ويشترون لما يحتاجوه في هذه الأشهر الحرم ، لأنهم في أشهر حرم وإن كفار قريش لا يمكن لهم أن تنقضها أمام العرب بالاعتداء عليهم ، وكان النبي الأكرم يخرج من حصار الشعب في الأشهر الحرم للحج ولتبليغ دينه للقبائل التي تقدم مكة المكرمة للحج ، ولقد عرفنا بعض تفاصيل تبليغ النبي الأكرم لهم ، والآن نذكر وفاة أبو طالب في هذه السنة الأخيرة من وجود النبي في مكة المكرمة بذكر الشواهد و الأحاديث لتعرفنا هذا المعنى :

وفاة أبو طالب برواية الكليني :

ذكر الكليني رحمه الله في الكافي : في أبواب التاريخ باب مولد النبي ووفاته :

ولد النبي : ... في منزل عبد الله بن عبد المطلب ، و ولدته في شعب أبي طالب في دار محمد بن يوسف ( وهي منزل النبي سميت باسم من أشتراها وبنى بها قصرا كبير فعرفت باسمه ) ، في الزاوية القصوى عن يسارك و أنت داخل الدار ، و قد أخرجت الخيزران ذلك البيت فصيرته مسجدا يصلي الناس فيه .

و بقي بمكة : بعد مبعثه ثلاث عشرة سنة ، ثم هاجر إلى المدينة ، و مكث بها عشر سنين ....

و توفي أبوه : عبد الله بن عبد المطلب بالمدينة عند أخواله و هو ابن شهرين.

و ماتت أمه : آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب ، و هو ابن أربع سنين .

و مات عبد المطلب : و للنبي نحو ثمان سنين .

و تزوج خديجة : و هو ابن بضع و عشرين سنة ..

و ماتت خديجة : حين خرج رسول الله صلى الله عليه وأل من الشعب ، و كان ذلك قبل الهجرة بسنة .

و مات أبو طالب : بعد موت خديجة بسنة .

فلما فقدهما رسول الله : شنأ المقام بمكة و دخله حزن شديد ، و شكا ذلك إلى جبرئيل ، فأوحى الله تعالى إليه :

اخرج : من القرية الظالم أهلها ، فليس لك بمكة ناصر بعد أبي طالب و أمره بالهجرة .

الكافي ج1ص 440 باب مولد النبي .

يا طيب : هذا شاهد قوي على أن أبو طالب عليه السلام توفي قبل الهجرة بخمسة أشهر ، ثلاثة منها حرم ، الشهر الأول لانذهالهم بوفاة أبو طالب ، والثاني شوال لم يكن لقريش تصميم لانشغالهم بالإعداد للحج ، وإعداد أموالهم وإصلاحها للتجارة والبيع والشراء على الحجاج ، وكانت هذه المناسبة هي أقوى مصدر عيشهم وهي موسم بيعهم وشرائهم ، ولم يكن مناسب لهم أن يعقدوا مؤتمرا تلومهم عليه العرب ، ولم يكن وقت لهم ليجتمعوا لما هم عليه من إعداد سوقهم وما يشتروه لبيعهم من جميع المناطق وجمعه في مكة المكرمة ليبيعوه على الحجاج في هذا الموسم .

كما يؤكد الحديث : أنه بعد فراغهم وفي أخر صفر أمر النبي بالخروج من مكة الظالم أهلها ، لأنهم تفرغوا بعد أشهر الحرم من البيع والشراء ، ورجعوا لمهمتهم في محاربة النبي الأكرم ، فأمر الله تعالى بالخروج .

قال بن أبي الحديد :

بعد أن ذكر أشعار كثيرة : تعرف إيمان أبو طالب عليه السلام ، قال :

قالوا : و قد جاءت الرواية : أن أبا طالب لما مات جاء علي عليه السلام إلى رسول الله صلى الله عليه وآله ، فآذنه بموته ، فتوجع عظيما و حزن شديدا .

ثم قال له : أمض فتول غسله فإذا رفعته على سريره فأعلمني ، ففعل فاعترضه رسول الله صلى الله عليه وآله و هو محمول على رءوس الرجال .

فقال : وصلتك رحم يا عم ، و جزيت خيرا ، فلقد ربيت و كفلت صغيرا ، و نصرت و آزرت كبيرا .

ثم تبعه إلى حفرته : فوقف عليه .

فقال : أما و الله لأستغفرن لك ، و لأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان.

قالوا : و المسلم لا يجوز أن يتولى غسل الكافر ، و لا يجوز للنبي أن يرق لكافر ، و لا أن يدعو له بخير ، و لا أن يعده بالاستغفار و الشفاعة .

و إنما تولى علي عليه السلام : غسله ، لأن طالبا و عقيلا لم يكونا أسلما بعد ، و كان جعفر بالحبشة ، و لم تكن صلاة الجنائز شرعت بعد ، و لا صلى رسول الله على خديجة ، و إنما كان تشييع و رقة و دعاء.

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج‏14ص76 .

زيارة أبو طالب عليه السلام :

يا طيب : وجدت في الانترنيت زيارتين لأبي طالب فجمعتها ، وقد ذكروا في أولها ، زيارة أبو طالب سيد البطحاء عم النبي صلى الله عليهم وآله وسلم ووالد الإمام علي عليه السلام ، والزيارة سواء من بعيد أو من قريب لمرقده تقول :

اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ : يَا سَيِّدَ الْبَطْحَآءِ وَابْنَ رَئِيْسِهَا ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَارِثَ الْكَعْبَةِ بَعْدَ تَاْسِيْسِهَا ، ﺍﻟﺴَّﻼ‌ﻡُ ﻋَﻠَﻴﻚَ ﻳﺎ ﺑﻴﻀَﺔَ ﺍﻟﺒﻠَﺪِ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَافِظَ دِيْنِ اللهِ وﺍﻟﺬّﺍﺏُّ عَنهُ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا كَافِلَ رَسُوْلِ اللهِ ، ﻭﺍﻟﺒﺎﺫِﻝُ ﻧَﻔﺴَﻪُ ﻓﻲ‌ ﻧُﺼﺮَﺓِ ﺳَﻴﺪِ ﺍﻟﻤُﺮﺳَﻠﻴﻦَ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا عَمَّ الْمُصْطَفى ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا اَبَا الْمُرْتَضى ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَالِدَ الْاَئِمَّةِ الْهُدى ، كَفَاكَ بِمَا اَوْلاَكَ اللهُ شَرَفًا وَّ نَسَبًا ، وَّ حَسْبُكَ بِمَا اَعْطَاكَ اللهُ عِزًّا وَّ حَسَبًا .

اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ : يَا شَرَفَ الْوُجُوْدِ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا وَلِىَّ الْمَعْبُوْدِ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا حَارِسَ النَّبِيِّ الْمَوْعُوْدِ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ رُزِقَ وَلَدٌ هُوَ خَيْرُ مَوْلُوْدٍ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ يَا مَنْ خُصِّصَ بِالْوَلَدِ الزَّكِيّ ، الطَّاهِرِ الْمُطَهَّرِ الْعَلِيّ ، أشْتُقَّ اسْمُهُ مِنَ الْعَلِىِّ ، هَنِيْئًا لَّكَ ثُمَّ هَنِيْئًا لَّكَ مِنْ وَّلَدٍ هُوَ الْمُرْتَضى مِنْ رَسُوْلٍ ، وَّ اَخُ الرَّسُوْلِ وَ زَوْجُ الْبَتُوْلِ وَ سَيْفُ اللهِ الْمَسْلُوْلُ ، هَنِيْئًا لَّكَ ثُمَّ هَنِيْئًا لَّكَ مِنْ وَّلَدٍ هُوَ مِنْ مُّحَمَّدٍ الْمُصْطَفى بِمَنْزِلَةِ هَارُوْنَ مِنْ مُوْسى ، هَنِيْئًا لَّكَ مِنْ وَّلَدٍ هُوَ شَرِيْكُ النُّبُوَّةِ َ الْمَخْصُوْصُ بِالْاُخُوَّة ِ وَ كَاشِفُ الْغُمَّةِ وَ اِمَامُ الْاُمَّةِ وَ اَبُوْ الْاَئِمَّةِ ، هَنِيْئًا لَّكَ مِنْ وَّ لَدٍ هُوَ قَسِيْمُ الْجَنَّةِ وَ النَّارِ وَ نِعْمَةُ اللهِ عَلَى الْاَبْرَارِ وَ نَقِمَةُ اللهِ عَلَى الْفُجَّارِ ، اَلسَّلاَمُ عَلَيْكَ وَ عَلَيْهِ وَ عَلَيْهِمْ اَجْمَعِيْنَ وَ رَحْمَةُ اللهِ وَ بَرَكَاتُهُ .

+

ومرقد أبو طالب عليه السلام : يعق في مقبرة الحجون أو المعلاة :

تقع مقبرة المعلاة : على سفح جبل الحجون في الجنوب الغربي الذي يمتد من ريع الحجون شمال مكة المكرمة ، ويشرف على المقبرة من الجهة الغربية جبل السليمانية، ومن الجهة الشرقية جبل الحجون و يطلق عليها اسم مقبرة المعلا بدون التاء المربوطة ، و سميت المعلاة بهذا الاسم نظرًا لأنها تقع في أعلى مكة، وهي في نفس الموقع القديم الذي كانت عليه في الجاهلية والإسلام. وهي مقبرة : تضم قبور بني هاشم من أجداد الرسول وأعمامه ، وقبور بعض الصحابة والتابعين ، وكبار العلماء والصالحين وغيرهم من الناس ، وإلى الآن يدفن فيها وتجرف القبور وتجدد .

أسماء أشهر المدفونين في المقبرة :

جد رسول الله : قصي بن كلاب. جد رسول الله : عبد مناف بن قصي . جد رسول الله : هاشم بن عبد مناف . جد رسول الله : عبد المطلب بن هاشم . عم رسول الله : أبو طالب بن عبد المطلب . زوجة رسول الله : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد. ابن رسول الله : القاسم بن محمد. ابن رسول الله : عبد الله بن محمد.

فسلام الله عليهم أجمعين .

أخرج لا ناصر لك :

عن عبيد بن زرارة عن الإمام الصادق عليه السلام قال :

لما توفي : أبو طالب .

نزل جبرئيل : على رسول الله صلى الله عليه وآله ، فقال :

يا محمد : أخرج من مكة ، فليس لك فيها ناصر .

و ثارت : قريش بالنبي .

فخرج : هاربا حتى جاء إلى جبل بمكة ؟

يقال له : الحجون ، فصار إليه .

الكافي ج1ص449 ح 31 .

يا طيب : عرفت في قصة استجارة النبي بمطعم ، وهذا يدل أن النبي الأكرم ، كان بعد أبو طالب لا يستقر في مكة المكرمة ، وكان يأوي إلى الجبال والشعاب أطراف مكة المكرمة ، ومنها الحجون : وهو جبل خارج مكة المكرمة . وهو مقبرة بني هاشم، تقع على سفح جبل الحَجُون إلى الشمال الشرقي من مكة على مفترق الطرق المؤدي إلى كل من المسجد الحرام وجبل الحجون وهي مقبرة المَعلاة ويسميها المكيّون جنة المعَلاة ، ودفن فيها أجداد النبي قصي وعبد المطلب وأبو طالب وأم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، و يحيط بالمقبرة سياج يمتد إلى سفح جبل الحجون، دون القسم الشمالي منها الذي يقع في سفح الجبل فانه ما زال لم يسيج بجدار عازل، اما داخل المقبرة فقد شطرت المقبرة بسياج حديدي إلى شطرين: الشطر الشمالي وفيه قبور بني هاشم وأجداد النبي الأكرم والشطر الجنوبي .

النبي بعد وفاة أبو طالب

النبي يذكر أبو طالب في المدينة :

روى المفيد رحمه الله في الأمالي : قال أخبرني أبو الحسن علي بن بلال المهلبي ، قال حدثنا النعمان‏ بن أحمد القاضي الواسطي ببغداد ، قال و أخبرنا إبراهيم بن عرفة النحوي ، قالا حدثنا أحمد بن رشد بن خثيم الهلالي ، قال حدثنا عمي سعيد بن خثيم‏ ، قال حدثنا مسلم الغلابي قال‏ :

جاء أعرابي : إلى النبي صلى الله عليه وآله قال :

فَقَالَ : وَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لَقَدْ أَتَيْنَاكَ وَ مَا لَنَا بَعِيرٌ يَئِطُّ ، وَلَا غَنَمٌ يَغِطُّ .

ثم أنشأ يقول :

أتيناك يا خير البرية كلها
لترحمنا مما لقينا من الأزل
أتيناك و العذراء يدمى لبانها
و قد شغلت أم الصبي عن الطفل‏
و ألقى بكفيه الفتى استكانة
من الجوع ضعفا ما يمر و ما يحلي
و لا شي‏ء مما يأكل الناس عندنا
سوى الحنظل العامي و العلهز الفسل
و ليس لنا إلا إليك فرارنا
و أين فرار الناس إلا إلى الرسل

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لأصحابه ، إن هذا الأعرابي يشكو قلة المطر ، و قحطا شديدا .

ثم قام : يجر رداءه حتى صعد المنبر ، فحمد الله و أثنى عليه‏ .

و كان مما حمد ربه أن قال:

الْحَمْدُ لِلَّهِ : الَّذِي عَلَا فِي السَّمَاءِ فَكَانَ عَالِياً ، وَ فِي الْأَرْضِ قَرِيباً دَانِياً ، أَقْرَبَ إِلَيْنَا مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .

و رفع يديه إلى السماء و قال :

اللَّهُمَّ : اسْقِنَا غَيْثاً مُغِيثاً ، مَرِيئاً مَرِيعاً ، غَدَقاً طَبَقاً ، عَاجِلًا غَيْرَ رَائِثٍ، نَافِعاً غَيْرَ ضَائِرٍ ، تَمْلَأُ بِهِ الضَّرْعَ ، وَ تُنْبِتُ بِهِ الزَّرْعَ ، وَ تُحْيِي‏ بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها .

فما رد يديه إلى نحره : حتى أحدق السحاب بالمدينة كالإكليل ، و التقت السماء بأردافها.

و جاء : أهل البطاح‏ يضجون ، يا رسول الله ، الغرق الغرق .

فقال رسول الله : اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا وَ لَا عَلَيْنَا ، فَانْجَابَ السَّحَابُ عَنِ السَّمَاءِ.

فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ وَ قَالَ :

لِلَّهِ دَرُّ أَبِي طَالِبٍ

لَوْ كَانَ حَيّاً

لَقَرَّتْ عَيْنَاهُ

مَنْ يُنْشِدُنَا قَوْلَهُ :

فقام عمر بن الخطاب فقال : عسى أردت يا رسول الله‏ :

و ما حملت من ناقة فوق رحلها
أبر و أوفى ذمة من محمد

فقال رسول الله : ليس هذا من قَوْلِ أَبِي طَالِبٍ ، بل من قول حسان بن ثابت‏.

فقام علي بن أبي طالب عليه السلام فقال :

كَأَنَّكَ : أَرَدْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَوْلَهُ :

وَ أَبْيَضَ يُسْتَسْقَى الْغَمَامُ بِوَجْهِهِ
رَبِيعُ الْيَتَامَى عِصْمَةٌ لِلْأَرَامِلِ
يَلُوذُ بِهِ الْهُلَّاكُ مِنْ آلِ هَاشِمٍ‏
فَهُمْ عِنْدَهُ فِي نِعْمَةٍ وَ فَوَاضِلَ‏
كَذَبْتُمْ وَ بَيْتِ اللَّهِ نُبْزِي مُحَمَّداً
وَ لَمَّا نُمَاصِعْ دُونَهُ وَ نُقَاتِلْ
وَ نُسْلِمُهُ حَتَّى نُصَرَّعَ حَوْلَهُ‏
وَ نَذْهَلَ عَنْ أَبْنَائِنَا وَ الْحَلَائِلِ


فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : أَجَلْ .

فقام رجل من بني كنانة فقال :

لَكَ الْحَمْدُ وَ الْحَمْدُ مِمَّنْ شَكَرَ
سُقِينَا بِوَجْهِ النَّبِيِّ الْمَطَرَ

دَعَا اللَّهَ خَالِقَهُ دَعْوَةً
وَ أَشْخَصَ مِنْهُ إِلَيْهِ الْبَصَرُ
وَ لَمْ يَكُ إِلَّا كَقَلْبِ الرِّدَاءِ
وَ أَسْرَعَ حَتَّى أَتَانَا الْمَطَرُ
دُفَاقُ الْعَزَائِلِ‏ وَ جَمُّ الْبُعَاقِ
أَغَاثَ بِهِ اللَّهُ عُلْيَا مُضَرَ
فَكَانَ كَمَا قَالَهُ عَمُّهُ‏
أَبُو طَالِبٍ ذَا رِوَاءٍ غَزَرٍ

بِهِ اللَّهُ يَسْقِي صُيُوبَ الْغَمَامِ
فَهَذَا الْعِيَانُ وَ ذَاكَ الْخَبَرُ

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : بَوَّأَكَ اللَّهُ يَا كِنَانِيُّ ، بِكُلِّ بَيْتٍ قُلْتَهُ ، بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ .

الأمالي للمفيد ص301ح3 .

وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج14ص81 .

ثم قال صلى الله عليه وآله :

لله در : أبي طالب ، لو كان حيا لقرت عينه .

من : ينشدنا قوله ؟

فقام علي فقال : يا رسول الله لعلك أردت‏ :

و أبيض يستسقى الغمام بوجهه‏

قال : أجل ، فأنشده أبياتا من هذه القصيدة .

و رسول الله : يستغفر لأبي طالب على المنبر .

ثم قام رجل : من كنانة فأنشده‏ : لك الحمد و الحمد ممن شكر ...

معاني : بعض الكلمات :

العزالى: جمع عزلاء، و هي في الأصل: مصب الماء من القربة و الراوية، و يقال للسحابة إذا انهمرت بالمطر: قد حلت عزاليها، و أرسلت عزاليها. و البعاق: المطر الذي ينبعق بالماء.

يئط : أي يحن و يصيح، و أطيط الإبل : أصواتها و حنينها ، قال في النهاية: يريد ما لنا بعير أصلا، لان البعير لا بدّ أن يئط وينط ويتحرك . و الغليط : الصوت الذي يخرج مع نفس النائم. و غط البعير: إذا هدر في الشقشقة . الازل : الشدة و الضيق و الجدب.

والعذارى يدمى لبانها : أي يدمى صدرها لامتهانها نفسها في الخدمة، حيث لا تجد ما تعطيه من يخدمها من الجدب و شدة الزمان .

الحنظل العامي : هو منسوب الى العام، لأنه يتخذ في عام الجدب، كما قالوا للجدب : السنة. و العلهز : شيء يتخذونه في سنى المجاعة ، يخلطون الدم بأوبار الإبل ثمّ يشوونه بالنار و يأكلونه . و الفسل : الرديء الرذل من كل شيء .

المريء : هو محمود العاقبة. و المريع : من الريع و هو الزيادة و النماء.

و الغدق : المطر الكبار القطر. و غيث طبق أي عام واسع مالئ للأرض مغط لها. و الرائث: البطيء المتأخر.

الاكليل: التاج، و شبه عصابة مزينة بالجوهر. و الارداف : جمع الردف بمعنى الراكب بعد الراكب و المراد تراكم السحاب.

البطاح- بالكسر-: جمع بطحاء، و هي بطاح مكّة ، مكان متسع منبسط سهل ، يسيل فيه الماء فيخلف فيه التراب والحصى الصغار .

حوالينا : انزل المطر حوالينا حيث لا نستضر به و لا تنزله علينا حيث نستضر به، فلم يطلب منع الغيث بالكلية و هو من حسن الأدب في الدعاء لان الغيث رحمة من اللّه و نعمة مطلوبة فكيف يطلب منه رفع نعمته و كشف رحمته، و انما يسأل سبحانه كشف البلاء و المزيد في النعماء .

أنجاب : أي انجمع و تقبض بعضه الى بعض و انكشف عنها.

من قول حسان بن ثابت : و للحسان أشعار يمدح فيها النبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يرثيه و لكنا لم نعثر عليه في ديوانه المطبوع في دار كرم بدمشق و الظاهر أنها سقط منه.

ربيع اليتامى : في الدعاء: اللّهمّ اجعل القرآن ربيع قلبي ، أي أجعله ربيعا له لأن الإنسان يرتاح قلبه في الربيع من الازمان و يميل إليه، و الارامل : جمع الارملة و هي المرأة التي مات زوجها و هي فقيرة.

نبزي محمّدا: أي نسلبه و نغلب عليه. أي لا يقهر ولا يغلب، أراد لا يبزي ، فحذف لا من جواب القسم و هي مرادة. و ماصع القوم: قاتلوا و جالدوا. و في المطبوعة و سائر الروايات: و لما نطاعن دونه و نناضل أي ندافع عنه بالسيوف والرماح بالسهام.

الحلائل: الزوجات، واحدتها: حليلة. ثم اعلم أن هذه الأبيات شطر من قصيدة طويلة له عليه السلام.

قال ابن هشام: فلما خشى أبو طالب‏ دهماء العرب أن يركبوه مع قومه، قال قصيدته التي تعوذ فيها بحرم مكّة و بمكانه فيها، و تودد فيها أشراف قومه، و هو على ذلك يخبرهم و غيرهم في ذلك من شعره أنّه غير مسلم رسول اللّه صلّى اللّه .

النبي يترحم عليه في بدر :

ذكر في شرخ نهج البلاغة : و ورد في السيرة و المغازي‏ :

أن عتبة بن ربيعة أو شيبة :

لما قطع رجل : عبيدة بن الحارث‏ بن المطلب ، يوم بدر ، أشبل‏ عليه علي و حمزة فاستنقذاه منه ، و خبطا عتبة بسيفيهما حتى قتلاه ، و احتملا صاحبهما من المعركة إلى العريش .

فألقياه : بين يدي رسول الله ، و إن مخ ساقه ليسيل .

فقال : يا رسول الله :

لو كان أبو طالب : حيا ، لعلم أنه قد صدق في قوله‏ :

كذبتم و بيت الله نخلي محمدا
و لما نطاعن دونه و نناضل‏

و ننصره حتى نصرع حوله‏
و نذهل عن أبنائنا و الحلائل


فقالوا : إن رسول الله استغفر له و لأبي طالب يومئذ .

و بلغ عبيدة مع النبي : إلى الصفراء ، فمات ، فدفن بها.

شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج14ص80. أشبل: عطف. عبيده بن الحارث بن عبد المطلب ، هو بن عم رسول الله وابن أخي أبي طالب ، والحارث رحمه الله ممن حفر زمزم مع أبيه ، وهو أكبر ولد عبد المطلب ، وقد كان ممن شهد الشعب وهو كبير في العمر ، وذكرنا قصة الحارث ومبارزته في أبوذية بدر .وفي بحار الأنوار ج19ص313 ، ذكر قصة مبارزة الإمام علي وحمزة والحارث في بدر مفصلة .


شرح
أبوذية طالب

رحم الله الشيخ الأنباري إذ قال :

سلام على الطاهر الأصيل ناصر النبي أبو طالب

الصديق المحامي عن دين الرب فكن عنده طالب

و حافظ على دينك وأنصره و لمعارفه كن طالب

بجد و سعي وعلم وعمل تكن مع السادة الطالبية

سلامنا على طاهر أصيل ناصر النبي أبو طالب

أبو طالب عم النبي وكفيله :

طالب : أبو طالب ، كنية عم النبي الأخ الشقيق لأبيه عبد الله أبناء عبد المطلب من أم واحده ، واسم أبو طالب كنيته ، وأسمه عبد مناف وهو الأشهر ، وقيل أسمه عمران ، و طالب اسم ابنه عرف به وغلب على أسمه ، وطالب قد اسلم ولم يهاجر وقيل توفي قبل الهجرة بثلاث سنين ، وقيل بقي لقبل أيام بدر وله لشعر قاله يتمنى به غلبت النبي على قريش فأرجعوه قبل بدر وفقد لم يعرف له خبر ، والظاهر اغتالوه بعد بدر انتقاما لقتلاهم ، وشعره في الشرح .

وطَلَبَ : الشَّيءَ يَطْلُبه طَلَباً واطَّلَبه ، ومنه عبدُ الـمُطَّلِب بن هاشم ، أبو أبو طالب وأخيه عبد الله أبو النبي وأخوته ؛ والـمُطَّلِبُ أَصلهُ مُتْطَلِب فأُدْغِمَتِ التاء في الطاء وشُدِّدَت فقيل : مُطَّلِب واسمه عامر .

الطَّالب : اسم من أسماء الله الحسنى ، ومعناه : المتتبِّع غير المُهمِل أقسم بالله الغالِب الطالِب .

وتفاصيل : حياة عبد المطلب ، وأبو طالب في الشرح أعلاه فراجع .

المؤمن المحامي عن دين الرب فكن عنده طالب

طالب اسم للتلميذ :

طالِب : اسم لقب لمن يدرس ويتعلم ، الطالِبُ : الذي يطلُب العلمَ اسم الجمع طالبون وطَلَبة وطُلاّب المؤنث طالبة والجمع طالبات . ويُطلقُ عُرفا على التلميذ في مرحل التعليم الابتدائية والثانوية والعالية ، والتَّلْمِيذُ يطلق على خادم الأُستاذ من أَهل العلم أَو الفن أَو الحرفة سابقا ممن يحب أن يتعلم مهنة أو علم . و طَالِبُ العِلْمِ : الرَّاغِبُ فِي تَحْصِيلِ العِلْمِ . وطَالِبٌ فِي الْمَعْهَدِ : مَنْ يُتَابِعُ دِرَاسَتَهُ فِي سِلْكٍ أَعْلَى . وطَالِبٌ فِي الْجَامِعَةِ : الطُّلابُ بِالكُلِّيَّةِ لطلب تخصص معين .

اِثْنَانِ مَنْهُومَانِ : طَالِبُ عِلْمٍ وَطَالِبُ دُنْيَا

أحاديث طلب العلم :

يا طيب : ببركة أسم أبو طالب عليه السلام ، ولكي نكون مثله من أهل الثبات الصادقين في تعلم الهدى والدفاع عن الدين نذكر أحاديث العلم وطلب ، و الأحاديث في الحث على طلب‏ العلم‏ و فرضه، و التثبت، و الاحتياط في الدين و الأخذ بالسنة، كثيرة جدا ، وبالخصوص بالعلم الذي يعرفنا أهل الحق الصادقين الطاهرين .

عن أبي حمزة عن علي بن الحسين عليه السلام قال :

لو يعلم الناس : ما في طلب‏ العلم‏ ، لطلبوه و لو بسفك المهج ، و خوض اللجج .

إن الله تبارك و تعالى : أوحى إلى دانيال أن أمقت عبيدي إلي الجاهل .

المستخف : بحق أهل العلم ، التارك للاقتداء بهم .

و أن أحب : عبيدي إلي التقي ، الطالب للثواب الجزيل ، اللازم للعلماء ، التابع للحلماء ، القابل عن الحكماء.

الكافي ج1ص35ب5 .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

‏ لا سهر : إلا في ثلاث :

متهجد بالقرآن : أو في طلب‏ العلم‏ ، أو عروس تهدى إلى زوجها.

الخصال ج1ص112ح88 .

قال الصادق عليه السلام :‏

العلم : أصل كل حال سني ، و منتهى كل منزلة رفيعة .

و لذلك قال النبي صلى الله عليه وآله .

طلب‏ العلم‏ : فريضة على كل مسلم و مسلمة، أي علم التقوى و اليقين.

و قال علي عليه السلام :

اطلبوا العلم : و لو بالصين ، و هو علم معرفة النفس ، و فيه معرفة الرب عز و جل .

و قال النبي صلى الله عليه وآله :

من عرف نفسه : فقد عرف ربه .

ثم عليك : من العلم بما لا يصح العمل إلا به ، و هو الإخلاص .

قال النبي صلى الله عليه وآله :

نعوذ بالله : من علم لا ينفع و هو العلم‏ الذي يضاد العمل بالإخلاص .

مصباح الشريعة ص13ب5 .

عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال :

سارعوا : في طلب‏ العلم‏، فو الذي نفسي بيده .

لحديث واحد : في حلال و حرام ، تأخذه عن صادق .

خير : من الدنيا و ما حملت من ذهب و فضة .

و ذلك : أن الله يقول‏ : { ما آتاكم الرسول فخذوه ، و ما نهاكم عنه فانتهوا }.

و إن كان علي عليه السلام : ليأمر بقراءة المصحف.

المحاسن ج1ص227ب15ح156 .

عن علي بن أبي طالب عليه السلام‏ قال :

طلب‏ العلم‏ : فريضة من فرائض الله.

بصائر الدرجات ج‏1ص3ب1ح5 .

عن جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال :

ما من عبد : يغدو في طلب‏ العلم‏ و يروح .

إلا خاض : من الرحمة خوضا.

بصائر الدرجات ج‏1ص3ب1ح5 .

قال أمير المؤمنين عليه السلام :

قوام الدين بأربعة :

بعالم ناطق : مستعمل له ، و بغني لا يبخل بفضله على أهل دين الله ، و بفقير لا يبيع آخرته بدنياه ، و بجاهل لا يتكبر عن طلب‏ العلم‏ .

فإذا كتم : العالم علمه ، و بخل الغني بماله ، و باع الفقير آخرته بدنياه ، و استكبر الجاهل عن طلب‏ العلم‏ .

رجعت الدنيا : إلى ورائها القهقرى .

فلا تغرنكم : كثرة المساجد و أجساد قوم مختلفة .

قيل : يا أمير المؤمنين ، كيف العيش في ذلك الزمان ؟

فقال : خالطوهم بالبرانية ، يعني في الظاهر ، و خالفوهم في الباطن .

للمرء : ما اكتسب ، و هو مع من أحب ، و انتظروا مع ذلك الفرج من الله عز و جل.

الخصال ج1ص197ح5 .

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

‏ العالم : بين الجهال ، كالحي بين الأموات .

و إن طالب العلم : ليستغفر له كل شيء ، حتى حيتان البحر و هوام الأرض و سباع البر و أنعامه .

فاطلبوا العلم : فإنه السبب بينكم و بين الله عز و جل .

و إن طلب‏ العلم‏ : فريضة على كل مسلم.

الأمالي للمفيد ص29م4 .

وعن محمد بن علي بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين‏ بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال: حدثني الرضا علي بن موسى، عن أبيه موسى بن جعفر، عن أبيه جعفر، عن أبيه محمد، عن أبيه علي بن الحسين، عن أبيه الحسين، عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهم السلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه و آله يقول:

طَلَبُ‏ الْعِلْمِ‏ : فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.

فَاطْلُبُوا الْعِلْمَ : مِنْ مَظَانِّهِ.

وَ اقْتَبِسُوهُ مِنْ أَهْلِهِ.

فَإِنَّ تَعْلِيمَهُ لِلَّهِ : حَسَنَةٌ.

وَ طَلَبَهُ عِبَادَةٌ : و المذاكرة فيه تسبيح، و العمل به جهاد، و تعليمه من لا يعلمه صدقة، و بذله لأهله قربة إلى الله تعالى .

لأنه : معالم الحلال و الحرام، و منار سبيل الجنة، و المؤنس في الوحشة، و الصاحب في الغربة و الوحدة، و المحدث في الخلوة، و الدليل على السراء و الضراء، و السلاح على الأعداء، و الزين عند الأخلاء، يرفع الله به أقواما و يجعلهم في الخير قادة .

الأمالي للطوسي ص569م22ح1176- 2.

وقال في إرشاد القلوب :

و قال صلى الله عليه وآله وسلم سألت جبرائيل : عن صاحب العلم ؟

فقال : هم سراج أمتك في الدنيا و الآخرة ، طوبى لمن عرفهم و أحبهم ، و الويل لمن أنكر معرفتهم و أبغضهم ، و من أبغضهم شهدنا أنه في النار ، و من أحبهم شهدنا أنه في الجنة.

و عن أمير المؤمنين عليه السلام قال :

إذا جلس المتعلم : بين يدي العالم ، فتح الله له سبعين بابا من الرحمة ، و لا يقوم من عنده إلا كيوم ولدته أمه ، و أعطاه بكل حديث عبادة سنة ، و يبني بكل ورقة مدينة مثل الدنيا عشر مرات.

و قال أمير المؤمنين عليه السلام :

‏ جلوس : ساعة عند العلماء ، أحب إلى الله تعالى من عبادة سنة لا يعصى الله فيها طرفة عين .

و النظر إلى العالم : أحب إلى الله تعالى من اعتكاف سنة في البيت الحرام .

و زيارة العلماء : أحب إلى الله تعالى من سبعين حجة و عمرة ، و أفضل من سبعين طوافا حول البيت ، و رفع الله له سبعين درجة ، و يكتب له بكل حرف حجة مقبولة ، و أنزل عليهم الرحمة ، و شهدت الملائكة له بأنه قد وجبت له الجنة.

و قال أمير المؤمنين عليه السلام :

إذا كان يوم القيامة ، جمع الله العلماء ، فيقول لهم : عبادي إني أريد بكم الخير الكثير بعد ما أنتم تحملون الشدة من قبلي و كرامتي و تعبدني الناس بكم.

فأبشروا فإنكم : أحبائي و أفضل خلقي بعد أنبيائي ، فأبشروا فإني قد غفرت لكم ذنوبكم ، و قبلت أعمالكم ، و لكم في الناس شفاعة مثل شفاعة أنبيائي ، و إني منكم راض ، و لا أهتك ستوركم ، و لا أفضحكم في هذا الجمع.

و قال النبي صلى الله عليه وآله :

طوبى : للعالم و المتعلم و العامل به .

فقال رجل : يا رسول الله هذا للعالم ، فما للمتعلم ؟

فقال : العالم و المتعلم في الأجر سواء.

و قال صلى الله عليه وآله وسلم :

كن : عالما ، أو متعلما ، أو مستمعا ، أو محبا لهم‏ ، و لا تكن الخامس فتهلك .

فإن أهل العلم : سادة ، و مصاحبتهم زيادة ، و مصافحتهم زيادة.إرشاد القلوب إلى الصواب للديلمي ج1ص166 .

وحافظ على دينك وأنصره و لمعارفه كن طالب
بجد وسعي وعلم وعمل تكن مع السادة الطالبية

طالب فعل الطلب :

طالَب : فعل طالبَ يُطالِب مطالبةً وطِلابًا فهو مُطالِب والمفعول مُطالَب ، وطَالَبَ : فعل رباعي لازم متعد بحرف ، طَالَبْتُ أُطَالِبُ وطَالِبْ مصدر مُطَالَبَةٌ ، طالبه بالشّيء : سأل بإلحاح ما يعتبره حقًّا له ، طَالَبَهُ بِنَصِيبِهِ طَلَبَ مِنْهُ أَنْ يَمْنَحَهُ نَصِيبَهُ ، طَالَبَ بِحُقُوقِهِ بِإِلْحَاحٍ ، طَالَبَ بِدُيُونِهِ أَلَحَّ فِي طَلَبِهَا لأَنَّ لَهُ حَقّاً مَشْرُوعاً فِيهَا . وهناك من يُطَالِبُ بِمَا لاَ حَقَّ لَهُ فِيهِ . جَاءَ طَالِباً لِلزَّوَاجِ مِنِ ابْنَتِهِ رَاغِباً فِي الزَّوَاجِ مِنْهَا ، طلَب يدَها تقدَّم للزواج منها خطبها .

طلَب المجدَ : سعى للحصول عليه و توخَّاه و نشَده ، و طلب النجاحَ . طَلَبَ إِلَيْهِ شَيْئاً : رَغِبَ إِلَيْهِ سَأَلَهُ ، اطْلُبْ لي شيئاً: ابْغِه لي.

ومن طلَبَ العُلا سهرَ الليالي .{ أَوْ يُصْبِحَ مَاؤُهَا غَوْرًا فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَبًا } .

والطَّلَبُ : مُحاوَلَةُ وِجْدانِ الشَّيءِ وأَخْذِه.

والتَّطَلُّبُ : الطَّلَبُ مَرَّةً بعد أُخرى .

وفي الدُّعاء : ليس لي مُطْلِبٌ سواك .

أذهب فأطلب المعرفة :

عن إبراهيم بن إسحاق : عن محمد بن فلان الرافعي قال:

كان لي : ابن عم ، يقال له : الحسن بن عبد الله ، و كان من أعبد أهل زمانه ، و كان يلقاه السلطان ، و ربما استقبل السلطان بالكلام الصعب يعظه و يأمر بالمعروف ، و كان السلطان يحتمل له ذلك لصلاحه ، فلم يزل هذه حاله.

حتى كان يوما : دخل أبو الحسن موسى عليه السلام المسجد ، فرآه فأدنى إليه‏ .

ثم قال له : يا أبا علي ، ما أنا أحب إلي‏ ما أنت فيه ، و أسرني بك .

إِلَّا أَنَّهُ : لَيْسَتْ لَكَ مَعْرِفَةٌ

فَاذْهَبْ : فَاطْلُبِ‏ الْمَعْرِفَةَ .

قَالَ : جُعِلْتُ فِدَاكَ وَ مَا الْمَعْرِفَةُ ؟

فقال له : اذهب و تفقه و اطلب‏ الحديث .

قال : عمن ؟قال : عن أنس بن مالك و عن فقهاء أهل المدينة ، ثم اعرض الحديث علي .

قال : فذهب و تكلم معهم ، ثم جاءه فقرأه عليه ، فأسقطه كله .

ثُمَّ قَالَ لَهُ : أذْهَبْ وَ اطْلُبِ‏ الْمَعْرِفَةَ .

و كان الرجل : معنيا بدينه ، فلم يزل مترصدا أبا الحسن عليه السلام ، حتى خرج إلى ضيعة له فتبعه و لحقه في الطريق .

فقال له : جعلت فداك .

إِنِّي : أَحْتَجُّ عَلَيْكَ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ ، فَدُلَّنِي عَلَى الْمَعْرِفَةِ ؟

قَالَ فَأَخْبَرَهُ : بِأَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام ، وَ قَالَ : كَانَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ ، وَ أَخْبَرَهُ بِأَمْرِ أَبِي بَكْرٍ وَ عُمَرَ فَتَقَبَّلَ‏ مِنْهُ .

ثم قال : فمن كان بعد أمير المؤمنين ؟

قال : الحسن ثم الحسين حتى انتهى إلى نفسه ثم سكت .

قال : جعلت فداك فمن هو اليوم ؟

قال : إن أخبرتك تقبل ؟

قال : بلى جعلت فداك .

قال : أنا هو .

قال : جعلت فداك ، فشي‏ء أستدل به .

قال : اذهب إلى تلك الشجرة و أشار إلى أم غيلان ، فقل لها يقول لك موسى بن جعفر : أقبلي .

قال : فأتيتها ، قال : فرأيتها و الله تجب الأرض جبوبا حتى وقفت بين يديه ، ثم أشار إليها فرجعت .

قال : فأقر به ، ثم لزم السكوت فكان لا يراه أحد يتكلم بعد ذلك .

و كان : من قبل ذلك يرى الرؤيا الحسنة ، و يرى له .

ثم انقطعت عنه : الرؤيا .

فرأى ليلة أبا عبد الله : فيما يرى النائم فشكا إليه انقطاع الرؤيا .

فَقَالَ : لَا تَغْتَمَّ فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ إِذَا رَسَخَ فِي الْإِيمَانِ رُفِعَ عَنْهُ الرُّؤْيَا .

بصائر الدرجات ج1ص254ح6 .

وعن أبي حمزة قال قال أبو جعفر عليه السلام :

يا أبا حمزة : يخرج أحدكم فراسخ فيطلب لنفسه دليلا .

و أنت : بطرق‏ السماء أجهل منك بطرق الأرض .

فَاطْلُبْ‏ لِنَفْسِكَ دَلِيلًا

الكافي ج1ص184ح10 .

لا تطلب النصر بالجور :

عن عن أبي حباب عن ربيعة و عمارة : أن طائفة من أصحاب علي عليه السلام مشوا إليه ، فقالوا :

يا أمير المؤمنين : أعط هذه الأموال و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم ، و من تخاف خلافه من الناس و فراره .

قال: و إنما قالوا له ذلك ، للذي كان معاوية يصنع بمن أتاه .

فقال لهم علي عليه السلام :

أَ تَأْمُرُونِّي :

أَنْ أَطْلُبَ‏ النَّصْرَ بِالْجَوْرِ .

و الله : لا أفعل ما طلعت شمس ، و ما لاح في السماء نجم .

و الله : لو كان مالهم لي لواسيت بينهم ، فكيف و إنما هي أموالهم.

قال : ثم أزم طويلا ساكتا .

ثم قال عليه السلام : من كان له مال فإياه و الفساد .

الغارات ج1ص48 .

طلب الرزق :

وَ اتَّقِ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ : وَ أجمل في الطلب ، و اخفض في المكتسب .

وَ اعْلَمْ : أَنَّ الرِّزْقَ رِزْقَانِ .

فَرِزْقٌ : تَطْلُبُهُ ، وَ رِزْقٌ يَطْلُبُكَ .

فَأَمَّا الَّذِي تَطْلُبُهُ فَاطْلُبْهُ‏ مِنْ حَلَالٍ .

فإن أكله : حلال إن طلبته من وجهه .

و إلا أكلته : حراما ، و هو رزقك لا بد لك من أكله .

و إذا كنت : في تجارتك و حضرت الصلاة ، فلا يشغلك عنها متجرك ، فإن الله وصف قوما و مدحهم فقال‏ : { رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَ لا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ‏ } .

فقه الرضا عليه السلام ص251ب36 .

ويستحب بعد صلاة العشاء وغيرها :

اللَّهُمَّ : إِنَّهُ لَيْسَ لِي عِلْمٌ بِمَوْضِعِ رِزْقِي .

وَ إنّما أَطْلُبُهُ‏ : بِخَطَرَاتٍ تَخْطُرُ عَلَى قَلْبِي .

فَأَجُولُ فِي طَلَبِهِ : الْبُلْدَانَ ، فَأَنَا فِيمَا أَنَا طَالِبٌ كَالْحَيْرَانِ ، لَا أَدْرِي أَ فِي سَهْلٍ هُوَ ، أَمْ فِي جَبَلٍ ، أَمْ فِي أَرْضٍ أَمْ فِي سَمَاءٍ ، أَمْ فِي بَحْرٍ ، وَ عَلَى يَدَيْ مَنْ ، وَ مِنْ قِبَلِ مَنْ .

وَ قَدْ عَلِمْتُ : أَنَّ عِلْمَهُ عِنْدَكَ وَ أَسْبَابَهُ بِيَدِكَ .

وَ أَنْتَ الَّذِي : تَقْسِمُهُ بِلُطْفِكَ وَ تُسَبِّبُهُ بِرَحْمَتِكَ .

اللَّهُمَّ : فَصَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ اجْعَلْ يَا رَبِّ رِزْقَكَ لِي وَاسِعاً .

وَ مَطْلَبَهُ سَهْلًا : وَ مَأْخَذَهُ قَرِيباً ، وَ لَا تُعَنِّنِي‏ بِطَلَبِ مَا لَمْ تُقَدِّرْ لِي فِيهِ رِزْقاً .

فَإِنَّكَ : غَنِيٌّ عَنْ عَذَابِي‏ ، وَ أَنَا فَقِيرٌ إِلَى رَحْمَتِكَ .

فَصَلِّ : عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ ، وَ جُدْ عَلَى عَبْدِكَ بِفَضْلِكَ ، إِنَّكَ‏ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ‏ .

مصباح المتهجد ج1ص109 .

أمور يستحسن أن تطلب :

قال الصادق عليه السلام :‏

اطْلُبِ‏ السَّلَامَةَ : أَيْنَمَا كُنْتَ ، و في أي حال كنت .

لدينك : و قلبك ، و عواقب أمورك ، من الله عز و جل .

فَلَيْسَ مَنْ طَلَبَهَا : وَجَدَهَا ، فكيف من تعرض للبلاء و سلك مسالك ضد السلامة و خالف أصولها .

مصباح الشريعة ص109ب51 .

قال أمير المؤمنين عليه السلام :

1911- اطلب‏ : فإنه يأتيك ما قسم لك.

1993- اطلب‏ : العلم تزدد علما.

2073- اطلب‏ : لأخيك عذرا ، فإن لم تجد له عذرا ، فالتمس له عذرا.

3036- إذا طلبت العز ، فاطلبه‏ بالطاعة.

3037- إذا طلبت الغناء ، فاطلبه‏ بالقناعة.

3087- إذا هرب الزاهد من الناس ، فاطلبه ‏.

6860- ليكن أبغض الناس إليك و أبعدهم منك ، أطلبهم‏ لمعائب الناس.

9429- لا تطلب الإخاء عند أهل الجفاء ، و اطلبه‏ عند أهل الحفاظ و الوفاء.

عيون الحكم و المواعظ لليثي .

أدعية في الطلب :

وفي دعاء مكارم الأخلاق لعلي بن الحسين عليه السلام :

اللَّهُمَّ : صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِهِ، وَ اكْفِنِي مَئُونَةَ الِاكْتِسَابِ، وَ ارْزُقْنِي مِنْ غَيْرِ احْتِسَابٍ، فَلَا أَشْتَغِلَ عَنْ عِبَادَتِكَ بِالطَّلَبِ، وَ لَا أَحْتَمِلَ إِصْرَ تَبِعَاتِ الْمَكْسَبِ .

اللَّهُمَّ : فَأَطْلِبْنِي بِقُدْرَتِكَ مَا أَطْلُبُ‏ ، وَ أَجِرْنِي بِعِزَّتِكَ مِمَّا أَرْهَبُ.

الصحيفة السجادية ص100د20 .

تعبير كريم : أي كل ما طلبته منك فأطلبني به مقضيا منجزا .

قال الأصبغ بن نباتة كان أمير المؤمنين ع يقول في سجوده :

أناجيك يا سيدي : كما يناجي العبد الذليل مولاه .

و أطلب‏ إليك : طلب من يعلم أنك تعطي ، و لا ينقص مما عندك شي‏ء .

و أستغفرك استغفار : من يعلم أنه لا يغفر الذنوب إلا أنت .

و أتوكل عليك : توكل من يعلم أنك على كل شي‏ء قدير.

روضة الواعظين ج2ص326 .

عن بشير الدهان عن أبي عبد الله عليه السلام قال:

إن الرجل : ليخرج إلى قبر الحسين عليه السلام ، فله إذا خرج من أهله بأول خطوة مغفرة لذنوبه ، ثم لم يزل يقدس‏ بكل خطوة حتى يأتيه .

فإذا أتاه : ناداه الله تعالى يا عبدي :

اسألني أعطك : ادعني أجبك .

اطلب‏ مني : أعطك .

اسألني حاجة : أقضها لك .

قال و قال أبو عبد الله :

و حق : على الله ، أن يعطي ما بذل.

جامع الأخبار للشعيري ص25ف21.

كن مع السادة الطالبية :

يا طيب : السادة الطالبية لأنه بعد النبي والوصي ، تكون السادة من ذرية أبو طالب عليه السلام ، بل كان هو وآباءه وأخيه سادة أهل الدنيا ، وأبن أخيه سيد المرسلين ، وابنه سيد الأوصياء وأبناؤه سادة المتقين وأهل الجنة أجمعين ، ولهم أعلى مقام في عليين ، وقد وصفنا معارف مقامهم في الجنة وشرفهم في الدنيا في صحيفة سادة الوجود ، وشرح أسم الله اللطيف فراجع.

ويا طيب : قام الدليل إن كل من والى قوما فهو منهم ، من أحب قوما حشر معهم ، و من أحب‏ عمل‏ قوم أشرك في عملهم ، وإن الإمامة لإبراهيم وذريته، والمؤمنون تبع لهم لا يرغبون عن ملته، قال عليه السلام : { فمن تبعني‏ فإنه ومنى } . ولمعرفة هذا المعنى تدبر الأحاديث الآتية :

عن الإمام أبي جعفر : محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن جده عليهم السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي بن أبي طالب عليه السلام :

يَا عَلِيُّ : أنا و أنت ، و ابناك الحسن و الحسين ، و تسعة من ولد الحسين ، أركان الدين و دعائم الإسلام .

مَنْ تَبِعَنَا : نَجَا .

و من : تخلف عنا ، فإلى النار.

الأمالي للمفيد ص217م25ح4 .

وعن الإمام أبي جعفر الباقر عليه السلام قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

‏ مَا نَظَرَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ : إِلَى وَلِيٍّ لَهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ .

بِالطَّاعَةِ : لِإِمَامِهِ وَ النَّصِيحَةِ .

إِلَّا كَانَ‏ مَعَنَا : فِي الرَّفِيقِ الْأَعْلَى.

الكافي ج1ص404ح3 .

و عن زياد العبدي : عن الفضل بن عيسى الهاشمي قال: دخلت على أبي عبد الله عليه السلام أنا و أبي عيسى.

فقال له : أ من قول رسول الله سلمان رجل منا أهل البيت ؟

فقال عليه السلام : نعم .

فَقَالَ : أَيْ مِنْ وُلْدِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ .

فقال : منا أهل البيت‏ .

فَقَالَ لَهُ : أَيْ مِنْ وُلْدِ أَبِي طَالِبٍ ؟

فقال : منا أهل‏ البيت‏ .

فقال له : إني لا أعرفه .

فقال عليه السلام : فاعرفه يا عيسى ، فإنه منا أهل‏ البيت‏.

ثم أومأ بيده إلى صدره ثم قال : ليس حيث تَذْهَبُ .

إِنَّ اللَّهَ : خَلَقَ طِينَتَنَا مِنْ عِلِّيِّينَ .

وَ خَلَقَ : طِينَةَ شِيعَتِنَا مِنْ دُونِ ذَلِكَ .

فَهُمْ : مِنَّا .

و خلق : طينة عدونا من سجين ، و خلق طينة شيعتهم من دون ذلك ، و هم منهم .

و سلمان : خير من لقمان.

بصائر الدرجات ج1ص17ح13 .

عن عمران بن ميثم قال: دخلت أنا و عباية على امرأة من بني أسد يقال لها: حبابة الوالبية قد ذهب أثر السجود بوجهها، فقال لها عباية: يا حبابة ! تعرفين هذا الشاب معي ؟ قالت : ل ا، قال: هذا ابن أخيك.

فقالت : أ لا أحدثكم بحديث سمعته من أبي عبد الله الحسين بن علي عليهما السلام ؟

فقال لها : بلى .

فقالت: سمعت الحسين بن علي و هو يقول:

نَحْنُ وَ اللَّهِ وَ شِيعَتُنَا : عَلَى الْفِطْرَةِ الَّتِي بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا مُحَمَّداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

و سائر الناس : و الله من ذلك برآء.

الأصول الستة عشر ص183ح148/ 95 .

و عن أبي الصباح : عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

نظرتم : حيث نظر الله ، و اخترتم حيث اختار الله .

و أحببتمونا : و أبغضنا الناس ، و وصلتمونا و قطعنا الناس .

أَنْتُمْ وَ اللَّهِ : شِيعَتُنَا .

وَ أَنْتُمْ‏ : شِيعَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ .

و هو و الله قول الله : { اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ‏ } ثم قال:

إن أهل هذا الرأي : يغتبطون‏ حتى تبلغ أنفسهم إلى هذه ، و أهوى بيده إلى حلقه .

فيقال : أما ما كنتم تخوفون من أمر دنياكم ، فقد انقطع عنكم، و أما ما كنتم ترجون من أمر آخرتكم فقد أصبتم.

عليكم : بتقوى الله ، و خالطوا الناس ، و آتوهم و أعينوهم ، و لا تجانبوهم .

و قولوا لهم‏ كما قال الله : { وَ قُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً } .

الأصول الستة عشر ص247ح312/108 .

وعن حمران بن اعين يقول : سمعت ابا جعفر عليه السلام يقول ‏:

و اللّه : ليشفعن شيعتنا ، و اللّه ليشفعن شيعتنا ثلث مرات .

حتى يقول عدونا : { فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ فَلَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِين‏ } .

الأصول الستة عشر ص24 .

عن الحسين بن أبي العلاء قال : قال أبو عبد الله عليه السلام :

‏ إِنَّ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ : جَوْهَراً .

وَ جَوْهَرُ : وُلْدِ آدَمَ مُحَمَّدٌ صلى .

وَ نَحْنُ : وَ شِيعَتُنَا.

المحاسن ج1ص143ب11ح39 .

عن زيد بن أرقم عن الحسين بن علي عليه السلام قال :

مَا مِنْ شِيعَتِنَا : إِلَّا صِدِّيقٌ شَهِيدٌ .

قال قلت : جعلت فداك أنى يكون ذلك ، و عامتهم يموتون على فراشهم ؟

فقال : أ ما تتلو كتاب الله في الحديد :{ وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ‏ } .

قال فقلت : كأني لم أقرأ هذه الآية من كتاب الله عز و جل قط .

قال : لو كان الشهداء ليس إلا كما تقول ، لكان الشهداء قليلا .

المحاسن ج1ص163ب32ح115 .

عن الإمام الرضا عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

‏ أنا و هذا : يعني عليا ، يوم القيامة كهاتين ، و ضم بين إصبعيه .

وَ شِيعَتُنَا مَعَنَا : و من أعان مظلومنا كذلك.

عيون أخبار الرضا عليه السلام ج2ص58ب31ح215 .

و روي مسندا إلى رسول الله أنه قال :

نحن أهل البيت : لا يقابل بنا أحد ، من عادانا ، فقد عادى الله .

و من والانا : و ائتم بنا ، و قبل منا ، ما أوحى الله تبارك و تعالى إلينا ، و علمنا الله إياه ، و أطاع الله فينا .

فقد : والى الله .

و نحن : خير البرية ، و ولدنا منا و من أنفسنا .

وَ شِيعَتُنَا مَعَنَا .

من آذاهم : آذانا ، و كان من أهل النار .

و من أكرمهم : أكرمنا ، و كان من أهل الجنة .

إرشاد القلوب إلى الصواب ج2ص404 .

عن الحارث الهمداني قال : دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام :

و هو ساجد : يبكي ، حتى‏ علا نحيبه و ارتفع صوته بالبكاء .

فقلنا : يا أمير المؤمنين ، لقد أمرضنا بكاك ، و أمضنا و أشجانا ، و ما رأيناك قد فعلت مثل هذا الفعل قط .

فقال عليه السلام : كنت ساجدا أدعو ربي بدعاء الخير في سجدتي ، فغلبتني عيني ، فرأيت رؤيا هالتني و أفظعتني‏ .

رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : قائما ، و هو يقول :

يا أبا الحسن : طالت غيبتك عني ، و قد اشتقت إلى رؤيتك ، و قد أنجز لي ربي ما وعدني فيك .

فقلت : يا رسول الله و ما الذي أنجز لك في ؟

قال : أنجز لي فيك و في زوجتك و ابنيك و ذريتك ، في الدرجات العلى في عليين .

و قلت : بأبي أنت و أمي يا رسول الله .

فَشِيعَتُنَا

قَالَ : شِيعَتُنَا مَعَنَا .

و قصورهم : بحذاء قصورنا ، و منازلهم مقابل منازلنا .

فقلت : يا رسول الله ، فَمَا لِشِيعَتِنَا فِي الدُّنْيَا ؟

قال : الأمن و العافية .

قلت : فما لهم عند الموت ؟

قال : يحكم الرجل في نفسه ، و يؤمر ملك الموت بطاعته ، و أي موتة شاء ماتها .

وَ إِنَّ شِيعَتَنَا : ليموتون على قدر حبهم لنا .

قلت : فما لذلك حد يعرف ؟

قَالَ : بَلَى ، إِنَّ أَشَدَّ شِيعَتِنَا لَنَا حُبّاً ، يكون خروج نفسه كشرب أحدكم في اليوم الصائف الماء البارد ، الذي ينتفع منه القلب ، و إن سائرهم ليموت كما يغط أحدكم على فراشه ، كأقر ما كانت عينه بموته.

و قوله تعالى‏ : { يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ خِتامُهُ مِسْكٌ ....} .

تأويل الآيات الظاهرة في فضائل العترة الطاهرة ص751.


صور للتبليغ يمكن أنتخاب مواضيع من الصفحة أعلاه مع أحد الصور الآتية

معنى كلمة طالب بصورة أبو ذية

أبوذية تشرح من طالب

رحم الله الشيخ حسن الأنباري إذ قال :

سلام على الطاهر الأصيل ناصر النبي أبو طالب

الصديق المحامي عن دين الرب فكن عنده طالب

و حافظ على دينك وأنصره و لمعارفه كن طالب

بجد و سعي وعلم وعمل تكن مع السادة الطالبية


نماذج من صحيفة أبو طالب عليه السلام


رحم الله الشيخ الأنباري إذ قال :

سلام على الطاهر الأصيل ناصر النبي أبو طالب

الصديق المحامي عن دين الرب فكن عنده طالب

و حافظ على دينك وأنصره و لمعارفه كن طالب

بجد و سعي وعلم وعمل تكن مع السادة الطالبية





  ف ✐
  ✺ ت