هداك الله بنور الإسلام حتى تصل لأعلى مقام

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين ولعنة الله على أعدائهم إلى يوم الدين
موسوعة صحف الطيبين  في  أصول الدين وسيرة المعصومين
صحف الظهور والتجلي  /  صحيفة  سادة الوجود / الجزء الأول
 معنى السيادة وملاكها وتأريخها وظهورها بنور واهب السيادة
في مراتب التدوين
في سيد الكتب وآياته وعلومه والتكوين سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين سادة المتقين
الباب الأول /
سفينة نجاة / المجلس الأول

 

الذكر الثاني

السيد رئيس القوم والواجب الطاعة من زمن قريش والمسلمين كلهم

يا طيب : بعد إن عرفنا معنى السيد في اللغة وما فيه من ملاك الرئاسة والقيادة للقوم ، وأنه معنى كريم يدخل في كثير من معاني الفضائل ، وعرفنا له أمثلة وجدانية وعرفية في المجتمع المعاصر وفي الأمم السابقة ، وبكلها عرفنا أن السيد هو الرئيس الواجب الطاعة والمقدم في القوم حتى في الأدب الديني القديم والاجتماعي العربي لغة، نذكر معنى السيد في المجتمع العربي وتأريخه ، وبالخصوص ما يقارب زمن نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين صلى الله عليهم وسلم ، لنعرف معناه الكريم في الرئاسة والسؤدد والفضائل والمجد والشرف في النسب والصفات والهيبة في الفضل والعلم والمكارم وشيم الأخلاق الحسنى وما يوجب له من حق الطاعة وإنفاذ أوامره :

 

الإشراق الأول :

سيد العرب عبد المطلب وآبائه وسيدهم نبينا الأكرم :

يا طيب : إن عبد المطلب جد النبي كان سـيد قريش بلا منازع وبهذا جاء :

في روضة الواعظين : قال أبو طالب يحدث عن أبيه عبد المطلب قال :

 بينا أنا نائم في الحجر إذ رأيت رؤيا هالتني ، فأتيت كاهنة قريش و عليَّ مطرف خز و مجمتي تضرب منكبي ، فلما نظرت إلي عرفت في وجهي التغير ، فاستوت .

 و أنا يومئذ ســيـد قـومـي .

فقالت: ما شأن سـيد العرب متغير اللون ؟ هل رابه من حدثان الدهر ريب؟

فقلت : بلى رأيت الليلة و أنا نائم في الحجر ، كأن شجرة قد نبتت على ظهري ، و قد نال رأسها السماء ، و ضربت بأغصانها الشرق و الغرب ، و رأيت نــورا يظهر منها أعظم من نور الشمس سبعين ضعفا ، و رأيت العرب و العجم ساجدة لها ، و هي كل يوم تزداد عظما و نورا ، و رأيت رهطا من قريش يريدون قطعها ، فإذا دنوا منها ، أخذهم شـــاب من أحسن الناس وجها و أنظفهم ثيابا ، فيأخذهم و يكسر ظهورهم و يقطع أعينهم .

فرفعت يدي : لأنال غصنا من أغصانها ، فصاح بي الشــــاب ، و قال : مهلا ليس لك منها نصيب . فقلت : لمن النصيب و الشجرة مني .

فقال : النصيب لهؤلاء الذين قد تعلقوا بها و سيعودون إليها ، فانتبهت مذعورا فزعا متغير اللون ، فرأيت لون الكاهنة قد تغير ، ثم قالت :

لئن صدقت ليخرجن من صلبك ولد يملك الشرق و الغرب ، و ينبأ في الناس فتسري عني غمي ، فانظر أبا طالب لعلك تكون أنت .

 فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث و النبي صلى الله عليه وآله قد خرج .

و يقول : كانت الشجرة و الله أبا القاســـم الأمــــين [12].

ويأتي بحث مفصل: في الجزء الآتي في تعريف سيادة آباء النبي حتى آدم عليهم السلام.

 

 

الإشراق الثاني :

أول اسم لنبينا الأكرم ســيـد الناس من يوم ولادته :

أسم سيد الوجود الكوني نبينا الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في يوم ولادة  :

عن أبان بن عثمان عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال :كان إبليس لعنه الله يخترق السماوات السبع ، فلما ولد عيسى عليه السلام حجب عن ثلاث سماوات و كان يخترق أربع سماوات . فلما ولد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : حجب عن السبع كلها و رميت الشياطين بالنجوم ، و قالت قريش : هذا قيام الساعة ، كنا نسمع أهل الكتب يذكرونه .

و قال عمرو بن أمية : و كان من أزجر أهل الجاهلية ، انظروا هذه النجوم التي يهتدى بها و يعرف بها أزمان الشتاء و الصيف ، فإن كان رمي بها ، فهو هلاك كل شي‏ء ، و إن كانت ثبتت و رمي بغيرها ، فهو أمر حدث .

و أصبحت : الأصنام كلها ، صبيحة ولد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس منها صنم إلا و هو منكب على وجهه . و ارتجس في تلك الليلة إيوان كسرى و سقطت منه أربع عشرة شرفة ، و غاضت بحيرة ساوة ، و فاض وادي السماوة ، و خمدت‏ نيران فارس و لم تخمد قبل ذلك بألف عام .

و رأى المؤبدان : في تلك الليلة في المنام إبلا صعابا تقود خيلا عرابا قد قطعت دجلة و انسربت في بلادهم ، و انقصم طاق الملك كسرى من وسطه ، و انخرقت عليه دجلة العوراء ، و انتشر في تلك الليلة نور من قبل الحجاز ، ثم استطار حتى بلغ المشرق ، و لم يبق سرير لملك من مملوك الدنيا إلا أصبح منكوسا ، و الملك مخرسا لا يتكلم يومه ذلك ، و انتزع علم الكهنة ، و بطل سحر السحرة ، و لم يبق كاهنة في العرب إلا حجبت عن صاحبها ، وعظمت قريش في العرب و سموا آل الله عز و جل.

قال أبو عبد الله الصادق عليه السلام : إنما سموا آل الله عز و جل لأنهم في بيت الله الحرام .

و قالت آمنة : إن ابني و الله سقط فاتقى الأرض بيده ، ثم رفع رأسه إلى السماء فنظر إليها ، ثم خرج مني نور أضاء له كل شي‏ء .

 و سمعت في الضوء قائلا يقول :

إنك قد ولدت : ســـــــــيـد النـــــاس ، فسميه : محمــدا .

وأتي به عبد المطلب: لينظر إليه وقد بلغه ما قالت أمه، فوضعه في حجره ثم قال:

الحمد لله الذي أعطاني            هذا الغلام الطيب الأردان‏

قد ســـــــــاد في المهـد على الغلمان‏

ثم عوذه بأركان الكعبة و قال فيه أشعارا قال .

و صاح إبليس لعنه الله : في أبالسته فاجتمعوا إليه .

فقالوا : م الذي أفزعك يا سيدنا ؟ فقال لهم : ويلكم لقد أنكرت السماء و الأرض منذ الليلة ، لقد حدث في الأرض حدث عظيم ما حدث مثله منذ ولد عيسى ابن مريم ، فاخرجوا فانظروا ما هذا الحدث الذي قد حدث ، فافترقوا ثم اجتمعوا إليه فقالوا : ما وجدنا شيئا فقال إبليس لعنه الله أنا لهذا الأمر ثم انغمس في الدنيا فجالها حتى انتهى إلى الحرم فوجد الحرم محفوظا بالملائكة فذهب ليدخل فصاحوا به‏

فرجع : ثم صار مثل الصر (الصرد) و هو العصفور ، فدخل من قبل حراء ، فقال له جبرائيل : وراك لعنك الله . فقال له حرف أسألك عنه يا جبرائيل ، ما هذا الحدث الذي حدث منذ الليلة في الأرض . فقال له : ولد محمد صلى الله عليه وآله وسلم .
 فقال له : هل لي فيه نصيب ؟ قال : لا .

 قال : ففي أمته ؟ قال : نعم . قال : رضيت [13].

وفي احتجاج الإمام علي عليه السلام مع اليهودي قال له اليهودي :

. .. فلقد أوحى الله إلى أم موسى لفضل منزلة موسى عليه السلام عند الله ؟

قال له الإمام علي عليه السلام : لقد كان كذلك ، و لقد لطف الله جل ثناؤه لأم محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأن أوصل إليها اسمه ، حتى قالت :

أشهد و العالمون : أن محمدا رسول الله منتظر ، و شهد الملائكة على الأنبياء أنهم أثبتوه في الأسفار و بلطف من الله ساقه إليها .

و أوصل إليها اسمه : لفضل منزلته عنده ، حتى رأت في المنام أنه قيل لها :

 إن ما في بطنـك ســـــيــد ، فإذا ولدته فسميه محمــدا .

 فاشتق الله له اسما من أسمائه ،  فالله المحمود و هذا محمد   [14] ....

يا طيب: ذكروا أن هذا القول كرر لها في عدة مواطن ، وأنه سيد الناس والعرب ، وسترى عباراته المختلفة من سيد إلى سيد المرسلين وسيد بني آدم ولا فخر  .

 

 

الإشراق الثالث :

سيد الوجود نبينا الأكرم هو سيد قومه وهو يافعا قبل النبوة :

عن ابن عباس قال :

كان يوضع لعبد المطلب : فراش في ظل الكعبة لا يجلس عليه أحد إجلالا له ، وكان بنوه يجلسون حوله حتى يخرج عبد المطلب .

فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : يخرج وهو غلام فيمشي حتى يجلس على الفراش ، فيعظم ذلك على أعمامه ويأخذونه ليؤخروه .

فيقول لهم عبد المطلب إذا رأى ذلك منهم :

 دعوا ابني : فوالله إن له لشئنا عظيما .

 إني أرى أنه سيأتي عليكم يوم :

وهو سـيـدكـم :

إني أرى غرته غرة تســـــود الناس .

 ثم يحمله فيجلسه معه ، ويمسح ظهره ويقبله ، ويقول : ما رأيت قبلة أطيب منه ولا أطهر قط ، ثم يلتفت إلى أبي طالب - وذلك أن أبا طالب وعبد الله لام - فيقول :

يا أبا طـالب : إن لهذا الغلام لشئنا عظيما فأحفظه واستمسك به فإنه فرد وحيد ، وكن له كالأم لا يوصل إليه بشيء يكرهه . ثم يحمله على عنقه فيطوف به أسبوعا ، وكان عبد المطلب قد علم أنه يكره اللات والعزى فلا يدخله عليهما .

فلما تمت له ست سنين : ماتت أمه آمنة بالأبواء بين مكة والمدينة ، وكانت قدمت به أخواله من بني عدي ، فبقي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتيما لا أب له ولا أم ، فازداد عبد المطلب له رقة وحفظا .

وكانت هذه حاله : حتى أدرك عبد المطلب الوفاة ، فبعث إلى أبي طالب فجاءه ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم على صدره وهو في غمرات الموت فصار يبكي ويلتفت إلى أبي طالب ويقول :

يا أبا طالب : أنظر أن تكون حافظا لذلك الوحيد الذي لم يشم رائحة أبيه ولا ذاق شفقة أمه ، أنظر يا أبا طالب أن يكون من جسدك بمنزلة كبدك ، فإني قد تركت بني كلهم ووصيتك به لأنك من أم أبيه .

يا أبا طالب : إن أدركت أيامه فاعلم أني كنت من أبصر الناس ومن أعلم الناس به ، وإن لم استطعت أن تتبعه فافعل وانصره بلسانك ويدك ومالك .

فإنه والله سيســـود :

ويملك ما لم يملك أحـد من بني آبائي .

 يا أبا طالب : ما أعلم أحدا من آبائك مات عنه أبوه على حال أبيه ولا أمه على حال أمه ، فأحفظه لوحدته ، هل قبلت وصيتي ؟

قال : نعم قد قبلت والله على ذلك شاهد .

 قال عبد المطلب : فمد يدك إلي ، فمد يده إليه فضرب يده على يده ، ثم قال عبد المطلب : الآن خفف علي الموت ، ثم ضمه إلى صدره ولم يزل يقبله ويقول :

أشهد أني لم أقبل أحد من ولدي أطيب ريحا منك ولا أحسن وجها منك ، ويتمنى أن يكون قد بقي حتى يدرك زمانه .

فمات عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين .

 فضمه أبو طالب إلى نفسه لا يفارقه ، ساعة من ليل ولا نهار ، وكان ينام معه حتى بلغ ، لا يأتمن عليه أحدا [15] .

يا طيب : عرفت في كلام جد النبي الأكرم وهو سيد قريش بل والعرب في زمانه لأن قريش هي أعلاهم منقبة وأكرمهم فضيلة ونسبهم لأبي الأنبياء وسيدهم إبراهيم ، وقد توارثوا هذا الشرف إلى زمن النبي الأكرم وفي كل أجداده ، وهو مستمر في نسله إلى يوم القيامة ، وبل ومن سيد الناس : وسيد المرسلين وسيد النبيين ، يبدأ معنى للسيادة على البشر بأفضل معانية وأعلاه وأكرمها ، وإن أعلى مقام كان يراه لقريش والعرب كلها سيدهم عبد المطلب ، هو أن النبي سيكون سيدهم ، ولو يعرف كلمة أعلى منها تعبر عن القيادة لهم والولاية عليهم وذو الشأن الكريم العالي فيهم لقالها له وعرف بها شأنه العظيم الكبير الذي سيصير إليه  ، وفي كلها يقول سيد أو يسودكم ، فهي أعلى الكلام معنى عندهم ، وتساوي من له السؤدد والمجد والشرف والرئاسة والقيادة لهم و الواجب الطاعة له عليهم ، بل هو خليفته فيهم وأميرهم ورئيسهم الواجب الانتهاء إلى أمره ، وهذا معنى أنه سيسودهم : وقد فسره رضوان الله عليه بأنه سيملك ما لم يملك أحد من آباؤه الطيبين .

 

وهذا الشأن الكريم لمعنى السيد : عند قريش والعرب من قبل ولادته صلى الله عليه وآله وسلم  بل في ولادته بل بعدها ، وهو الذي نعبر عنه في العرف الديني بسيد النبيين وسيد المرسلين ، وسيد الأوصياء لخليفته وأخيه لأنه ختمت النبوة ، وسيدة نساء أهل الجنة والعالمين أبنته ، سبطيه الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة وأبوهم خيرا منهم ، ومعنى سيد شباب أهل الجنة كلمة كبيرة تعبر عن أنه سيكون سيد بحق يعمل صالحا ويكون ولي دين وأمير حق مخلصا لله في كل هداه بعد رسول الله ، ولذا يستحق السيادة في الجنة كما ستعرف ما يراد من معنى سيدا شباب أهل الجنة ، وهذا ما ستعرف تفصيله في أحاديث مشارق الأذكار الآتي في كل الأبواب .

 

وسيأتي في أخر الجزء : تفصيل الكلام في سيادة آباء النبي إلى آدم بملاك عظيم ، ونتعرف على تأريخهم وأسمائهم وملاك السيادة التام لهم ، بتفصيل أجمل ، ولكن هذا المختصر أمامك لنتسلسل في معارف معنى السيد ونتعرف على أهميته حتى نذكر نصوص مصاديقه بتفصيل كريمة تعرفهم كلهم وبأعلى معاني كلمة سيد وحقيقتها .

 

 

 

الإشراق الرابع :

السيد في زمان نبينا في المدينة المنورة حتى زمن الإمام علي في البصرة:

وإذا عرفنا معنى السيد : في زمن النبي الأكرم في قريش ومن قبل ، وأنه عين الشرف والسؤدد بأعلى مراتبه حسبا وشأنا وكرامة في قومه في مكة المكرمة التي كان آبائه سادتهم ، نتعرف على معنى السيد باعتباره أمير القوم عند عامة المسلمين وعند عشائرهم في زمن النبي وبعده ، فنتعرف على معنى السيد في العرف الاجتماعي والتاريخي في المدينة المنورة بعد أن عرفناه في مكة المكرمة ، وإن نبينا الأكرم كان سيد ابن سيد وأكرمهم ، وإما في المدينة المنورة فكان معنى السيد في عرفهم هو ما قد :

روي : عن الحجاج الصواف عن أبي الزبير جابر قال :

لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

 يا بني سلمة من ســيـدكـم ؟

قالوا : الجد بن قيس وإنا لنبخله .

قال : وأي داء أدوى من البخل ، بل سيدكم الخير الأبيض عمرو بن الجموح .

قال : وكان على أضيافهم في الجاهلية .

قال : وكان يولم على رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا تزوج [16].

يا طيب : إن النبي الأكرم سألهم عن سيدهم ومن يجب أن يطاع فيهم ، وكانوا يرون صاحب الكلمة والمتنفذ فيهم وسيدهم فاقد لملاك السيادة وإن ترأس عليهم وأطاعوه لكبره ولشأنه الذي حصل عليه سواء بالقوة أو بالوراثة ، فإنهم يرون الجد بن قيس سيدهم و أنه كبيرهم وواجب الطاعة فيهم ، ولكنه لبخل فيه كانوا يتوانون عن ذكره بالسيادة لفقدانه أحد أسس ملاكها وهو بذل المعروف كما عرفت، ويعرفون بأن السيد يجب أن يكون كريم النفس والخلق ، ولذا أبدله النبي وجعل لهم ســيدهم ورئيس منهم كريم الطباع سخي النفس ، وهذا المناط والملاك موجود في نفسه وآله من قبل وفي ذريته الكرام ، فعندما يعبر عن نفسه سيد ولد آدم أو سيد النبيين  ، وعندما يعبر عن وصيه ويقول سيد الوصيين ، أو أبناءه بأنهما سيدا شباب أهل الجنة أو بنته سيدة نساء أهل الجنة يعرف أنه فيهم ملاك بذل المعروف والسخاء في المال والنفس وفي كل شيء ، والبخيل لا يكون في الجنة فضلا عن سيدها ، بل وإن دخل فهو المؤخر فيها ، وهذا المعنى الكريم للسيد هو المراد بسيدة نساء العالمين وسيد الوصيين وبسيدي شباب أهل الجنة وبسادة المتقين كما يقول للأئمة المعصومين من ذريته ، فإنه يعرف بسيادتهم كرامة أصلهم وكرمهم وفضلهم في الذات والنفس والصفات والأفعال وبكل خصلة يتصفون بها ، ولذا كانت تجب لهم الطاعة وصاروا أئمة عليهم السلام وولاة أمر الله سيد السادات سبحانه وتعالى .

وإن كلمة سيد كان كثير ما يطلقها رسول الله بما يناسب حال ملاك الشخص و ما يعرف أنه مطاع في قومه ولكرامه في صفاته بالنسبة لغيره ولذا جاء في بعثه للسرايا:

و بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : السرايا فيما حول مكة يدعون إلى الله عز و جل ، و لم يأمرهم بقتال ، فبعث غالب بن عبد الله إلى بني مدلج ، فقالوا : لسنا عليك و لسنا معك . فقال الناس : اغزهم يا رسول الله .

فقال : إن لهم سـيدا أديبا أريبا و رب غاز من بني مدلج شهيد في سبيل الله .

و بعث : عمرو بن أمية الضمري إلى بني الهذيل فدعاهم إلى الله و رسوله ، فأبوا أشد الإباء . فقال الناس : اغزهم يا رسول الله .

فقال صلى الله عليه وآله وسلم :

أتاكم الآن سـيـدهم : قد أسلم ، فيقول لهم : أسلموا ، فيقولون نعم .

فبعث : عبد الله بن سهيل بن عمرو إلى بني محارب بن فهر فأسلموا فجاء معه نفر منهم إلى رسول الله [17].

ومعنى السيد : للأقوام والقبائل والعشائر في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، بأن سيدهم فيه خصال بها يُسلم أو يكون شهيد ، ويطيعه قومه فيكونوا مسلمين لأنه مقدم فيهم مسموع الكلام ، وهذا المعنى بأن السيد رئيس القوم والمطاع لأنه كبيرهم وذو المكارم والأخلاق الفاضلة فيهم ، فأحترمه قومه وجعلوه سيدهم ، بل أحترمه سيد المرسلين ، وهذا معنى كانت تعرفه العرب لرؤساء قومهم وشيوخهم المطاعون فيهم ، كما يفهمه أهل المدينة والمسلمون كلهم بل كل العرب .

 فقد جاء في أبنت حاتم الطائي : أنها قد وصفت أبيها سيد قومه بما له من ملاك الأخلاق وبذل المعروف والكرم ، وقد أيدها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فإنها لما جاء أسيرة :

.. فَقَالَتْ : يَا مُحَمَّدُ إِنْ رَأَيْتَ أَنْ تُخَلِّيَ عَنِّي وَ لَا تُشْمِتَ بِي أَحْيَاءَ الْعَرَبِ .

فَإِنِّي ابْنَةُ سَــــيِّـدِ قَـوْمِـي : كَانَ أَبِي يَفُكُّ الْعَانِيَ ، وَ يَحْمِي الذِّمَارَ ، وَ يُقْرِي الضَّيْفَ ، وَ يُشْبِعُ الْجَائِعَ ، وَ يُكْسِي الْمَعْدُومَ ، وَ يُفَرِّجُ عَنِ الْمَكْرُوبِ ، أَنَا ابْنَةُ حَاتِــمِ طَـيٍّ .

فَقَالَ صلى الله عليه وآله وسلم: خَلُّوا عَنْهَا .

فَإِنَّ أَبَـــاهَــا كَانَ يُحِبُّ مَكَــارِمَ الْأَخْــــــلَاقِ[18].

 

وإن السيد المطاع : جاء في كلام النبي الأكرم للطفل الصغير في عمر أقل من سبعة سنوات ، لأنه يكون فيه براءة وفطرة سليمة ، وأنه سيد أبيه ويجب أن يطيعه أبوه بما يوصله للكمال ألائق ، ثم يمكنه بعد ذلك أن يستفيد منه ويصادقه ، وإلا إذا لم يكن معه حسن يكون عاق له لأنه لم يعلم الطفل من أبيه خير ، ولذا يوصي به النبي الأكرم بما يوجب حنانه وحسن خلقه فيما بعد فيصفه في صغره بالسيد فإنه قد جاء :

قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وآله وسلم :

 الْوَلَدُ سَيِّدٌ سَبْعَ سِنِينَ ، وَ عَبْدٌ سَبْعَ سِنِينَ ، وَ وَزِيرٌ سَبْعَ سِنِينَ ، فَإِنْ رَضِيتَ خَلَائِقَهُ لِإِحْدَى وَ عِشْرِينَ سَنَةً ، وَ إِلَّا ضُرِبَ عَلَى جَنْبَيْهِ فَقَدْ أَعْذَرْتَ إِلَى اللَّهِ[19].

أي الطفل : يجب أن يطاع لسبع سنين وتنفذ طلباته بقدر الإمكان ، ثم إن ترعرع يذكر حنان أبيه فيخدمه ويطيعه ، وينفد أوامره فيكون خادم بعد ثم وزير .

والسيد هو المطاع في قومه لأنه فاضل فهو يوصف به كل ذو شأن ولذا قالوا :

و عاش ، زهير بن حباب بن عبد الله بن كنانة بن عوف أربعمائة و عشرين سنة ، و كان ســــيـدا مطاعا شريفا في قومه[20] .

فِي تَرْجَمَةِ الْفَرَزْدَقِ الشَّاعِرِ : كَانَ أَبُوهُ غَالِبٌ مِنْ أَجِلَّةِ قَوْمِهِ ، وَ سَرَاتِهِمْ .

سَــيِّـدُ بَـادِيَــةِ تَمِيمٍ ، وَ لَهُ مَنَاقِبُ مَشْهُورَةٌ ، وَ مَحَامِدُ مَأْثُورَةٌ [21].

ويا طيب : إن رسول الله حين يطلق كلمة سيد يراعي آداب الكلمة ويريد حقائق في معناها تناسب شأن الفرد الذي يطلقها عليه ، وليس يطلقها ويلفظها وغير عارف بأهميتها ، فإنه كما يقول لنفسه سيد ويعني نبي أو علي وصيا له أو الحسن والحسين بعده في المرتبة وخلفائه ، فيراعي بها معنى سيد قوم آخرين كما عرفت ، فإنه يقول لهم سيدكم ، ولا يقول سيد الأوصياء ولا سيد في الجنة ، بل سيدكم حين يكون سيدا لقومه سعد بن عباد سيد الخزرج ولذا جاء حين نزول قوله تعالى :

والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة .

قال سعد ابن عبادة وهو سـيـد الأنصار ، الخزرج ، أهكذا نزلت يا رسول الله ؟!  فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا معشر الأنصاري ألا تسمعون ما يقول : سـيـدكم [22].

وهكذا قال : سيدكم ، بالنسبة لسعد بن معاذ سيد الأوس حين جاء ليحكم في بني قريضة على رواية في مسند أحمد قال :

وفي حديث الخندق قال أبو سعيد الخدري : فلما طلع ـ سعد بن معاذ ـ على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

قوموا إلى ســيـدكم فأنزلوه .

فقال عمر : ســيـدنا الله عز وجل .

فقال : انزلوه فأنزلوه ، فقال له : رسول الله صلى الله عليه وسلم احكم فيهم [23].

يا طيب : نبينا يعرف أن سيد السادات هو الله سبحانه، وهو الذي جعله سيد وأنه يهب الملك لمن يشاء ، وقال لهم سيدكم للأنصار وعمر لم يكن منهم ، واعتراض كلام رسول الله أمام أجمع من الناس تقليل من شأن نبي الرحمة وبيان لمكامن في النفس تدل على عدم رعاية حرمته وقد ظهرت بعد وفات رسول الله وحين وفاته حين قال يهجر ، وكأنه يؤمن بنبي ينطق عن هوى فكان هو بعده ، ولم يُسلم لسيد المرسلين بتسليم معرفته بحقائق الأمور وبكل شأن يصلح عباد الله ويخاطبهم بما يرى من شأنهم ، وما كان له حق أن يعترض على رسول الله بكلمة حق يراد بها باطل ليقلل من شأن سعد ، وهو سيد الأنصار وقد جعله حكما وحاكما في كثير من الموارد لوفرة عقله فيهم ولكرمه وشأنه الجميل في الإسلام ، والنبي وهو سيد المرسلين ، ويحاول أن يعرفه أمرا يؤمن به كأنه غريب عليه ، ولكنه قد أظهر نفاقه وقد قال رسول الله :

عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 لا تقولوا للمنافق سيدنا فإن يك سيدكم فقد أسخطتم ربكم عز وجل[24] .

والقوم اليوم : يقولون سيدنا عمر ، ولم يجعل الله ورسوله له سيادة ، وأعترض على أمر جعلوه له ، وسيأتي حديث مكذوب له تعرف خطله وكهلا لم يدخل الجنة .

ومن طريف ما يروى : أنه الذي رفض كلمة سيد أن تطلق على غير الله ، ذكرها لسيد قوم قد قلل شأنهم ثم أعتذر لغباوة في حكمه العام فتدبر الرواية الآتية :

عن إسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن محمد قال : نبئت أن عمر ذكر بني تميم فذمهم ، فقام الأحنف فقال : يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلم ؟  قال : تكلم .

قال : إنك ذكرت بني تميم فعممتهم بالذم ، وإنما هم من الناس ، فمنهم الصالح والطالح . فقال : صدقت ، فعفا بقول حسن .

فقام الحتات : وكان يناوئه ، فقال : يا أمير المؤمنين ائذن لي فأتكلم .

فقال : اجلس قد كفاكم ســيـدكم الأحنف [25].

يا : ما عدا عما بدا ، كان يعترض على النبي وكلامه وهو وحي يوحى حين قال للأنصار سيدكم سعد ، وقال له عمر سيدنا الله معترضا ولم يكن له حق ، ولكنه هو يستخدمها لرئيس قوم وشيخهم ، وهل لأحد حق أن يقاطع سيد المرسلين أو يعترض له إلا أن يكون في قلبه شحناء وباطن فيه غير الإيمان .

نعم كان يعلم : ولكن كان لم يتأدب بآداب الدين ، ولا عنده قيمة تعرفه حرمة وشأن سيد المرسلين في حياته ، فلذا ظهر ما ستعرفه عنه حين وفاته وبعده ضد أهل البيت عليهم السلام .

وإنك يا طب تعرف  : إن كلمة سيد لكل إنسان حسب شأنه ، وعرفت أنها لها ملاك عند السامع وكلا ينتظر لها معنى توافق به شأن الملقب بالسيد ، هل في حفل عام ، أم سيد قوم وكبيرهم المقدم فيهم لما له من النسب والشأن الكريم ورجاحة العقل ، أم سيد في الدين وله ولاية وإمامة ومقام جعله الله ورسوله له ، مثل سيد الأوصياء له معنى الإمامة والولاية وكذا سيدا شباب أهل الجنة ، وهو غير سيدكم لقوم معينين ويراد به رئيس عشيرة ، وإن كل عشيرة لها شأنها ومقامها كما ستعرف ، وهذا المعنى بأن السيد المطاع في القوم تجد معناه في حديث الأحنف مع الإمام علي عليه السلام أيام الجمل إذ جاء :

وفي موقف الأحنف مع الإمام علي عليه السلام في حرب الجمل :

وبعث إليه الأحنف بن قيس يقول له : إني مقيم على طاعتك في قومي ، فإن شئت حبست عنك أربعة آلاف سيف من بني سعد ، فبعث إليه أمير المؤمنين ، بل احبس وكف ، فجمع الأحنف قومه فقال :

يا بني سعد كفوا عن هذه الفتنة ، واقعدوا في بيوتكم ، فإن ظهر أهل البصرة فهم إخوانكم لم يهيجوكم ، وإن ظهر علي سلمتم ، فكفوا وتركوا القتال .

وأقبل هلال بن وكيع الحنظلي إلى الأحنف بن قيس حين بلغه ذلك ، فقال :

ما يقول : سيـدنا في هذا الأمر ؟

 فقال الأحنف : إنما أكون سيـدكم غدا إذا قلتم إنا وبقيت .

 فقال هلال : بل أنت سيـدنا اليوم وشيخنا [26].

يا طيب : قد عرفنا معنى السيد بأنه هو المقدم في القوم ورئيسهم في عرف أهل مكة والمدينة بل والعراق في البصرة وأنه شيخهم وصاحب الرأي الحصيف المطاع ، وهذا نفس المعنى الذي عرفته في اللغة والأديان وهو مستمر على طول التأريخ ومستمر في معناه الحق ، بل قد عرفت أن الإسلام جعل له ملاك العلم والعمل بتعاليم الدين ، وبهذا يستحق السيادة الحقة لا فقط النسب ، وهذا ما تحققنا معناه في النور الثالث من مصباح الهدى ، وهذا هو مناط إطلاقه في كلام رسول الله وآله على رؤساء الأقوام بحق من غير كناية . وهذا إشراق يؤكد ما عرفنا من المعنى في زمن الخلفاء .

 

 

 

 

الإشراق الخامس :

سيد المسلمين من جعله سيد المرسلين سيدا بعده :

يا طيب : إن كلام رسول الله يجب أن يؤخذ به دين ويتعبد به ويطاع ، فإذا عرف أحد بأنه سيد سواء لقومه ، كما عرفت في نصبه وتعريفه للسيد الحق في الأنصار وهم أهل مدينة حكمه وعاصمة الأمة الإسلامية في زمنه ، أو أنه سيد عام لكل المسلمين وأنه سيد في دينهم كما هو سيد المرسلين وسيد ولد آدم كما عرفته وهو بأعلى ملاك الكرامة والمجد والرئاسة والولاية والإمامة والسؤدد والبركة والتقى والمعروف ، فإذا عرف أحد سيد الوصيين لابد أن يؤخذ به ويطاع ويتعبد بطاعته لله تعالى وبكل هدى يعلمه لأنه فيه نفس ملاك سيادة رسول الله وولايته وإمامته ، لا أن يهجر ويعترض عليه كما عرفت في الإشراق السابق من اعترض على سعد حين سماه رسول الله سيد قومه وهو يسمي الأحنف سيدا.

وإن الاعتراض : على السيد في الدين وصاحب البذل لتعاليمه والمعرف لهدى الله ثم التآمر عليه وتنحيته عن الرئاسة ، تضييع لحق المسلمين ولتعاليم الله .

ولكي نتعرف على أهمية معنى السيد : وملاكه هو ما يعرفنا به رسول الله بأنه سيد البشر ، فنذكر احتجاج لأصحاب رسول الله سيد المرسلين ينصرونه بعد وفاته ، ويعرفون المسلمين من جعله رسول الله سيدا بعده ، وأنه هو الذي يجب أن يطاع ويجعل رئيسا وسيد وإماما ووليا لهم ، لأنه رسول الله عرفه بالسيادة على المسلمين والإمامة والولاية بل بكل ما يوجب الانصياع والطاعة له وتوليته أمورهم وجعله سيدا مقدما بكل ما يعلمه ويراه في نشر دين الله فيهم ، فإنه قد جاء :

 

 

الإشعاع الأول :

 سيد المرسلين يعرف نفسه وآله بالسيادة للمؤمنين :

عن الحسين بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : جاء رجل من اليهود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال : يا محمد أنت الذي تزعم أنك رسول الله ، و أنه يوحى إليك كما أوحي إلى موسى بن عمران ؟

قال : نعم أنا ســيـد ولد آدم و لا فخر .

 أنا خاتم النبيين ، و إمام المتقين ، و رسول رب العالمين .

فقال : يا محمد إلى العرب أرسلت أم إلى العجم أم إلينا ؟

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إني رسول الله إلى الناس كافة[27] .

فإن دين الله الإسلام : سيد الأديان وأكملها وأتمها وخاتمها ، ولكافة الناس ، ولذا كان الصادع به ومبلغه ومعلمه سيد الناس ، وهو سيد المرسلين ، ووليه سيد الوصيين وسيد آله وملته بعده وهكذا ذريته بعده ، وبهذا جاء .

 عن ابن عباس قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : معاشر الناس :

اعلموا أن لله تعالى بابا من دخلها أمن من النار و من الفزع الأكبر .

فقام إليه أبو سعيد الخدري فقال: يا رسول الله أهدنا إلى هذا الباب حتى نعرفه؟

فقال صلى الله عليه وآله وسلم : هو علي بن أبي طالب :

ســــيـد الـوصـيـيـن :

 و أمير المؤمنين ، و أخو رسول رب العالمين ، و خليفته على الناس أجمعين .

معاشر الناس : من أحب أن يتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها

 فليستمسك بولاية علي بن أبي طالب ، فإن ولايته ولايتي ، و طاعته طاعتي .

معاشر الناس : من أحب أن يعرف الحجة بعدي ، فليعرف علي بن أبي طالب .

معاشر الناس : من سره أن يتوالى ولاية الله ، فليقتد بعلي بن أبي طالب ، فإنه خزانة علمي .

معاشر الناس : من أحب أن يلقى الله و هو عنه راض ، فليوال عدة الأئمة .

 فقام جابر بن عبد الله فقال : و ما عدة الأئمة ؟

فقال يا جابر : سألتني يرحمك الله عن الإسلام بأجمعه .

 عـدتـهـم : عدة الشهور ، و هي عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات و الأرض .

و عـدتـهـم : عدة العيون التي انفجرت لموسى بن عمران ،  حين ضرب بعصاه البحر ، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا .

و عـدتـهـم : عدة نقباء بني إسرائيل ، قال الله تعالى :

{ وَلَقَدْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَآئِيلَ وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا (12) } المائدة .

و الأئمة يا جابر : اثنا عشر أولهم علي بن أبي طالب ، و آخرهم القائم [28].

يا طيب : الأئمة أثنا عشر إمام ، وهم سادة الوجود كما عرفت في قول الله لإبراهيم في التوراة والذي ذكرناه سابقا ، وهذا كان تعريف رسول الله سيد المرسلين لآله سادة المتقين ولسيدهم بعده بلا فصل سيد الوصيين ، وسيأتي تفصيلا أكثر في بحوث آتية .

ويا طيب : إما لماذا لم يطاع رسول الله فقد ذكرنا أهم أحداث السقيفة وما جرى حين وفاة سيد المرسلين في صحيفة النبوة وفي صحيفة ذكر علي عليه السلام عبادة ، وما ذكر التأريخ من الظلم الذي أتخذه من تسلط على رقاب المسلمين في يوم الرزية والاجتماع الآثم في السقيفة ، والذي تولى به غاصب لولاية الله وسيادة أوليائه ، فقام أصحاب رسول الله الثابتين على هدى الله ورسول ووصيه بعده ، والعارفين لحقه وسؤدده فيهم ، فعرفوهم سيادته وإمامته لهم وولايته عليهم ، وإن علي بن أبي طالب سيدهم وهو سيد الوصيين بعد سيد المرسلين بأمر سيد السادات سبحانه وتعالى ، ولكن الملك عقيم والمتنفذين لهم صحب أطمعوهم بسلطان ولايات وجاه كاذب فدافعوا عنهم ، بل لحقد على من قتل آبائهم الكفار في حروب رسول الله معهم ، فلم يعجبهم أن يتسلط عليهم من قتل سادة الكفار ، فاختاروا منهم من لم يقتل مشرك ولا كافر من قريش ، فرضوا به لأنه كان لم يقتل أحد في معركة ولا كان له شأن يعرف له بفضيلة ليكونوا متفضيلين عليه ويعرف فضلهم عليه فيطيعهم في ما يريدون من الإمارات والرئاسات والجاه على المسلمين وغيرهم .

 ونذكر احتجاج : من جملة الاحتجاجات التي عرّف فيه الأصحاب الثابتون لأنه أجمعها ، ثم أنه فيه كلمة سيد ومعناها وشرحا لحقيقتها في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وفي الفقرة الأولى لكلمة سيد : يعرفنا رسول الله أنه سيد يجب طاعته كما يجب أطاعة رسول الله ، وفي الفقرة الثانية : التي فيها كلمة سيد يحفها بما قبلها وبعدها بملاك سيادته فيعرف علو أخلاصه لله سبحانه وتقواه وبذله لنفسه في تعليم هدى الله وبما يرضى ويحب سبحانه ، ولنذكر هذا الاحتجاج بطوله لما فيه من بيان لملاك السيادة لسيد الوصيين وعلو مناقبه وفضائله ، ومن أراد المزيد فليراجع ما ذكرنا في موسوعة صحف الطيبين ، والجزء الآتي بل هنا فتابع البحث يا طيب .

 

 

الإشعاع الثاني :

احتجاج اُبي لسيد الوصيين ويطالب له بحقه بالسيادة بعد وفاة نبينا:

ذكر في كتاب الاحتجاج : احتجاج لاُبي بن كعب على القوم ، مثل ما احتج به سلمان رضي الله عنه ، عن محمد و يحيى ابني عبد الله بن الحسن ، عن أبيهما عن جدهما عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

لما خطب أبو بكر ، قام إليه اُبي بن كعب ، و كان يوم الجمعة أول يوم من شهر رمضان ، و قال :

يا معشر المهاجرين : الذين اتبعوا مرضاة الله و أثنى الله عليهم في القرآن ، و يا معشر الأنصار الذين تبوءوا الدار و الإيمان ، و أثنى الله عليهم في القرآن ، تناسيتم أم نسيتم ، أم بدلتم أم غيرتم ، أم خذلتم أم عجزتم .

أ لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قام فينا مقاما ، أقام فيه عليا ، فقال :

 من كنت مولاه فهذا مولاه يعني علي ، و من كنت نبيه فهذا أميره .

أ لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

يا علي أنت مني بمنزلة هارون من موسى ، طاعتك واجبة على من بعدي كطاعتي في حياتي ، غير أنه لا نبي بعدي .

أ لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : أوصيكم بأهل بيتي خيرا فقدموهم و لا تقدموهم ، و أمروهم و لا تأمروا عليهم .

أ لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

أهل بيتي منار الهدى ، و الدالون على الله .

أ و لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي :

أنت الهادي لمن ضل .

أ لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال :

علي المحيي لسنتي، و معلم أمتي.

 و القائم بحجتي ، و خير من أخلف من بعدي.

و ســـيـد أهل بيتي ، و أحب الناس إلي .

 طاعته كطاعتي على أمتي .

أ لستم تعلمون : أنه كان منزلهما في أسفارهما واحدا و ارتحالهما واحدا .

أ لستم تعلمون : أنه لم يول على علي أحدا منكم ، و ولاه في كل غيبته عليكم .

أ لستم تعلمون : أنه قال : إذا غبت فخلفت عليكم عليا ، فقد خلفت فيكم رجلا كنفسي .

أ لستم تعلمون : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته قد جمعنا في بيت ابنته فاطمة .

 فقال لنا : إن الله أوحى إلى موسى بن عمران أن اتخذ أخا من أهلك فاجعله نبيا ، و اجعل أهله لك ولدا،  أطهرهم من الآفات ، و أخلصهم من الريب ، فاتخذ موسى هارون أخا ، و ولده أئمة لبني إسرائيل من بعده ، الذين يحل لهم في مساجدهم ما يحل لموسى .

 و أن الله تعالى أوحى إلي أن اتخذ عليا أخا كما أن موسى اتخذ هارون أخا ، و اتخذ ولده ولد ، فقد طهرتهم كما طهرت ولد هارون ، إلا أني قد ختمت بك النبيين فلا نبي بعدك ، فهم الأئمة الهادية . أ فما تبصرون أ فما تفهمون أ فما تسمعون . ضربت عليكم الشبهات : فكان مثلكم كمثل رجل في سفر فأصابه عطش شديد حتى خشي أن يهلك ، فلقي رجلا هاديا في الطريق فسأله عن الماء ؟

 فقال له : أمامك عينان إحداهما مالحة و الأخرى عذبة ، فإن أصبت المالحة ضللت ، و إن أصبت العذبة هديت و رويت.

فهذا مثلكم : أيتها الأمة المهملة كما زعمتم . و أيم الله : ما أُهملتم .

لقد نصب لكم علم  : يحل لكم الحلال ، و يحرم عليكم الحرام ، و لو أطعتموه ما اختلفتم ، و لا تدابرتم ، و لا تقاتلتم ، و لا برئ بعضكم من بعض .

فو الله : إنكم بعده لناقضون عهد رسول الله صلى الله عليه وآله .

 و إنكم على عترته لمختلفون ، و إن سئل هذا عن غير ما يعلم أفتى برأيه .

فقد أبعدتم و تخارستم ، و زعمتم أن الخلاف رحمة ، هيهات أبى الكتاب ذلك عليكم ، يقول الله تعالى جده :

 { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (105) } آل عمران .

 ثم أخبرنا باختلافكم فقال سبحانه :

{ وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلاَّ مَن رَّحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ (119)} هود.

أي للرحمة : و هـم آل محمــد .

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

يا علي : أنت و شيعتك على الفطرة ، والناس منها براء ، فهلا قبلتم من نبيكم.

كيف : و هو خبركم بانتكاصتكم عن وصيه علي بن أبي طالب ، و أمينه ، و وزيره ، و أخيه ، و وليه دونكم أجمعين . و أطهركم قلب : و أقدمكم سلما .

 و أعظمكم وعيا من رسول الله ،  أعطاه تراثه ، و أوصاه بعداته ، فاستخلفه على أمته ، و وضع عنده سره ، فهو وليه دونكم أجمعين ، و أحق به منكم أكتعين .

 سيد الوصيين : و وصي خاتم المرسلين .

 أفضل المتقين ، و أطوع الأمة لرب العالمين .

سلمتم عليه : بإمرة المؤمنين ، في حياة ســيد النبيين و خاتم المرسلين .

فقد أعذر من أنذر : و أدى النصيحة من وعظ ، و بصر من عمى ، فقد سمعتم كما سمعنا ، و رأيتم كما رأينا ، و شهدتم كما شهدنا .

فقام إليه : عبد الرحمن بن عوف ، و أبو عبيدة بن الجراح ، و معاذ بن جبل ، فقالوا : يا اُبي أصابك خبل أم بك جنة .

فقال : بل الخبل فيكم . و الله : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوما ، فألفيته يكلم رجلا أسمع كلامه و لا أرى شخصه .

 فقال : فيما يخاطبه ، ما أنصحه لك و لأمتك ، و أعلمه بسنتك .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أ فترى أمتي تنقاد له من بعدي ؟

قال : يا محمد يتبعه من أمتك أبرارها ، و يخالف عليه من أمتك فجارها ، و كذلك أوصياء النبيين من قبلك .

يا محمد إن موسى بن عمران أوصى إلى يوشع بن نون ، و كان أعلم بني إسرائيل و أخوفهم لله و أطوعهم له ، فأمره الله عز و جل أن يتخذه وصيا ، كما اتخذت عليا وصيا ، و كما أمرت بذلك ، فحسده بنو إسرائيل سبط موسى خاصة ، فلعنوه و شتموه و عنفوه و و وضعوا له ، فإن أخذت أمتك سنن بني إسرائيل ، كذبوا وصيك ، و جحدوا إمرته ، و ابتزوا خلافته ، و غالطوه في علمه .

فقلت : يا رسول الله من هذا ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : هذا ملك من ملائكة ربي عز و جل ينبئني أن أمتي تتخلف على وصيي علي بن أبي طالب ،  و إني أوصيك يا أبي بوصية ، إن حفظتها لم تزل بخير .

يا أُبي : عليك بعلي ، فإنه الهادي المهدي الناصح لأمتي ، المحيي لسنتي ، و هو إمامكم بعدي ، فمن رضي بذلك لقيني على ما فارقته عليه .

يا اُبي : و من غير أو بدل لقيني ناكثا لبيعتي ، عاصيا أمري ، جاحدا لنبوتي ، لا أشفع له عند ربي ، و لا أسقيه من حوضي . فقامت إليه رجال من الأنصار فقالوا : اقعد رحمك الله يا أبي ، فقد أديت ما سمعت الذي معك و وفيت بعهدك [29].

 

 

الإشعاع الثالث :

سيد الوصيين يعرف نفسه بالسيادة ويطالب بحقه في زمن عثمان:

 وإن الإمام علي عليه السلام : أحتج على القوم في زمن الشورى وقبلها وبعدها في كثير من المواقف ، وعرف نفسه بأنه سيد البشر والوصيين بعد رسول الله ، وأنه هو الذي فيه ملاك السيادة فيهم ، وهو أميرهم وسيدهم وإمامهم ووليهم ، ولكن لا رأي لمن لا يطاع كما قال عليه السلام ، وفي الاحتجاج مائة فقرة يناشدهم فيها وتجدها إن شاء الله في صحيفة الإمام عليه السلام ، وهذه فقرات منها يعرفهم فضله ويبين فيها بأنه هو السيد الحق ولا يحق لهم تولية غيره على المسلمين لطمع الدنيا :

روى عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر عليه و على آبائه السلام قال : إن عمر بن الخطاب لما حضرته الوفاة و أجمع على الشورى ، بعث إلى ستة نفر من قريش : إلى علي بن أبي طالب ، و إلى عثمان بن عفان ، و إلى الزبير بن العوام ، و إلى طلحة بن عبيد الله ، و عبد الرحمن بن عوف ، و سعد بن أبي وقاص ، و أمرهم أن يدخلوا إلى البيت و لا يخرجوا منه حتى يبايعوا لأحدهم ، فإن اجتمع أربعة على واحد و أبى واحد أن يبايعهم قتل ، و إن امتنع اثنان و بايع ثلاثة قتلا ، فأجمع رأيهم على عثمان .

فلما رأى أمير المؤمنين عليه السلام : ما هم القوم به من البيعة لعثمان ، قام فيهم ليتخذ عليهم الحجة ، فقال عليه السلام لهم‏ : اسمعوا مني كلامي ، فإن يك ما أقول حقا فاقبلوا ، و إن يك باطلا فأنكروا .

 ثم قال : أنشدكم بالله : الذي يعلم صدقكم إن صدقتم ، و يعلم كذبكم إن كذبتم ، هل فيكم أحد صلى القبلتين كلتيهما ، غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم بالله : هل فيكم من بايع البيعتين كلتيهما ، الفتح ، و بيعة الرضوان ، غيري ؟ قالوا : لا . ...... قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد أخوه المزين بالجناحين في الجنة ، غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد عمه سيد الشهداء غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد زوجته سيدة نساء العالمين غيري؟ قالوا : لا.

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد ابناه ابنا رسول الله ، و هما سيدا شباب أهل الجنة غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد عرف الناسخ من المنسوخ غيري؟ قالوا : لا.

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد أذهب الله عنه الرجس و طهره تطهيرا غيري ؟ قالوا : لا . ... .

 قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد أخذ رسول الله بيده و يد امرأته و ابنيه حين أراد أن يباهل نصارى أهل نجران غيري ؟ قالوا : لا .

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد قال له رسول الله صلى الله عليه وآله :

أول طالع يطلع عليكم من هذا الباب يا أنس .

فإنـه أمـير المؤمنـين و ســيـد المسلمين و أولى الناس بالناس .

 فقال : أنس اللهم اجعله رجلا من الأنصار ، فكنت أنا الطالع .

فقال رسول الله : لأنس ما أنت بأول رجل أحب قومه ، غيري ؟ قالوا : لا . ....

قال نشدتكم بالله : هل فيكم أحد قال له رسول الله : أنا سيد ولد آدم و أنت سيد العرب و العجم و لا فخر ، غيري ؟ قالوا : لا  .

قال : فهل فيكم أحد قال له رسول الله : ترد علي الحوض أنت و شيعتك رواء مرويين مبيضة وجوههم ، و يرد علي عدوك ظماء مظمئين مقتحمين مسودة وجوههم ، غيري ؟ قالوا : لا .

قال لهم أمير المؤمنين عليه السلام : أما إذا أقررتم على أنفسكم ، و استبان لكم ذلك من قول نبيكم ، فعليكم بتقوى الله وحده لا شريك له ، و أنهاكم عن سخطه،  و لا تعصوا أمره ، و ردوا الحق إلى أهله ، و اتبعوا سنة نبيكم ، فإنكم إن خالفتم خالفتم الله ، فادفعوها إلى من هو أهله و هي له .  قال : فتغامزوا فيما بينهم و تشاوروا !!!!  و قالوا : قد عرفنا فضله ، و علمنا أنه أحق الناس بها ، و لكنه رجل لا يفضل أحدا على أحد ، فإن وليتموها إياه ، جعلكم و جميع الناس فيها شرعا سواء ، و لكن ولوها عثمان ، فإنه يهوى الذي تهوون ، فدفعوها إليه [30].

وقد عرفت يا طيب : أن في هذه المناشدة مائة فقرة تبين فضله عليه السلام ويريهم فيها ملاك سؤدده وما يوجب سيادته عليهم وعلى كل المسلمين ، وفي كلها شواهد هم يعرفوها وصدقوها ، ولكن القوم : لم يهمهم ملاك السيادة الحق وأنه أولى بالناس وأمير المؤمنين وأنه سيد المسلمين بنص سيد المرسلين ، وأنهم لم يكن يهمهم وجوب التقى والإيمان وعلو العلم بالله ومعارفه وأن له سيد تعاليم الله بعد رسول الله كما عرفت في شأن سورة إنا أنزلناه وهنا ، لأنهم كانوا يحبون أن يمكنوا من يمكنهم من الدنيا وأن يفتوا برأيهم وينفقوا مال الله على من تحب أنفسهم ، فرفضوا العدل والدين وسيد الوصيين ، واختاروا من قتلوه بعد فترة لأنه أعطى أقاربه ونساهم .

وبعد أن عرفنا : معنى السيد الحق ، وأنه ملاك للرئاسة وللتقديم وللولاية وللإمامة على المسلمين لأنه كان لسيد الوصيين وسيد المسلمين ، فيكون خيرهم بعد خاتم النبيين وسيد المرسلين وهو الواجب الطاعة عليهم له حقا واقعا . ولنتابع يا طيب : معنى السيد : في الزمن الأول بعد زمن الإمام علي عليه السلام .

 

 

 

الإشراق السادس :

السيد الحق في زمن سيد الوصيين وسبطي الأمة في العصر الإسلامي الأول:

يا طيب : إن احتجاج الإمام الحسن والحسين وصحبهم بتعريف فضلهم ، ذكرنا قسما منه في صحيفة الإمام علي والإمام الحسين عليه السلام  ، وسيأتي باب كامل في بيان سيادتهم وفضلهم ، ولكن الآن بعد أن عرفنا معنى السيد الحق ومصداقه الواقعي في التأريخ واللغة والشواهد الصادقة بروايات متعددة ، ونحن نحاول هنا أن نتابع علو معنى كلمة السيد في المجتمع الإسلامي في المدينة وغيرها ، لنعرف مدى أهميته وضرورة التعرف على سادة الوجود لنتبع ولينا وإمامنا وسيدنا في هذا الزمان ، وآبائه الكرام لنأخذ دين الله وهداه الحق ممن أتخذهم سادة وأئمة ، فأطاعهم وعلّم هداهم وعبد الله بدينه الحق ، لنكون مع سادة الوجود في كل مراتب الكرامة والمجد في الدنيا والآخرة ، بل نمتلك في أنفسنا إن كانا محبين لهم ومقتدين بهم ملك السيادة ونكون سادة في الجنة تبعا لسادة التكوين كلهم فنحف بهم كما سترى .

يا طيب : إن كلام سيد المرسلين في إمامي الهدى الحسن والحسين بأنهما سيدي شباب أهل الجنة وأن أبيهم خيرا منهم لكافي في بيان علو مقامهم الشامخ، و أنه بيان عالي لمجدهم وتقاهم وعبوديتهم وإخلاصهم في الدنيا ، لأن لدنيا مزرعة الآخرة ، والدنيا سوق ربح فيها المتقون ، فسيدهم هناك هو سيدهم هنا ، ولكن لنعرف أن هذا المعنى بأن سيد الوصيين , وسيدا شباب أهل الجنة ، وسيد نساء المسلمين والعالمين ، هو معنى يعرفنا وجوب الطاعة لهم والاقتداء بهم ، وأن سيد المرسلين كان يخاطب ناس يعرفون هذا المعنى وأهمية كلمة سيد حين يريد بها آله الكرام ، لا أنهم يجهلوها ، وإن هذا المعنى مستمر واضح في عصر أئمة الحق وسادة الوجود من نسل رسول الله ، و يعرفه كل المسلمون، ولذا نذكر هنا تأريخ معنى سيد حين وبعد عصر سيد الوصيين و في زمن الأئمة المعصومين كلهم ، وما يراد به من معنى الولاية والإمامة والرئاسة لهم :

 

 

الإشعاع الأول :

حجر بن عدي  يعرف الإمام الحسن لأهل الكوفة بالسيادة :

فقد جاء في خطبة حجر بن عدي في نصر الإمام الحسن عليه السلام حين أُرسل إلى الكوفة يسألهم الطاعة والنصر لوالده على أهل البصر ، وقد خطب مالك الأشتر :

ثم قام حجر بن عدي الكندي رحمه الله فقال :

أيها الناس : هذا الحسن بن‏ علي بن أبي طالب ، و هو من عرفتم أحد أبويه النبي الأمي صلى الله عليه وآله ، و الآخر الإمام الرضي المأمون الوصي ، و هو أحد الذين ليس لهما في الإسلام شبيه .

ســـيــدي شباب أهل الجنة .

و سـيــدي ســادات العرب .

أكملهم صلاح : و أفضلهم علما و عملا ، و هو رسول أبيه إليكم يدعوكم إلى الحق ، و يسألكم النصر ، السعيد و الله من ودهم و نصرهم ، و الشقي من تخلف عنهم بنفسه عن مواساتهم ، فانفروا معه رحمكم الله خفافا و ثقالا ، و احتسبوا في ذلك الأجر ، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .

فأجـاب النـاس كلهم بالســــمع و الطاعــة [31].

يا طيب : سيأتي الكلام في خطب سيدا الأمة الحسن والحسين عليهم السلام يعرفون بها سيادتهم  بعد إن عرفنا تعريف سيد المرسلين وسيد الوصيين لهما بالسيادة حين تعريف سيادتهم في الأحاديث السابقة ، بل نؤكد هذا من كلام سيد المرسلين والوصيين أيضا ، ولكن قبل هذا نتمم الحديث السابق ونذكر مختصرا يعرفنا أن السيد في عرف الدين فضلا عن تأريخه هو الواجب طاعته على المسلمين كما عرفت في الإشراق السابق ، وفي هذا الإشراق ما عرفه الناس في الكوفة من حق الإمام الحسن عليه السلام حين تعريفه بالسيادة وأنه بعد أبيه يعني قائد المؤمنين وهم لهم نفس حق رسول الله سيد النبيين والمرسلين في القيادة والولاية والإمامة ، وأن هذا المعنى ليس منحصرا على أهل مكة والمدينة ولا أنه أصطلاح لأهل الأديان السابقة ولا للأقوام العربية قبل الإسلام ، بل الإسلام منحه جمال المعنى وحقيقة السيادة إذ قرنه ببذل المعروف والسخاء في تعريف تعاليم الله ومعارف عظمته ، فقرن السيادة بالعلم والتقى وبذل الخير وكل ما يصلح عباد الله بحق وفق تعاليم الله ، ولذا أوجب لهم طاعة إيمانية تتمم معارف التوحيد بل تُعرف التوحيد وحقائق الدين بصراط مستقيم حق .

 وهذا المعنى مستمر في عصر الأئمة عليهم السلام : وتابع بحوثه تعرف أن الرواة كلهم يرون عن الإمام علي بن الحسين ويقولون سيد العابدين ، ولو تتبعت الكتب لرأيت أغلب الروايات والزيارات تراه بهذا اللقب ، لتعريف أن أهل البيت عليهم السلام حتى في عبادتهم سادة ويجب أن يقتدى بهم ، ويلقبوهم بالسادة لما ستعرف وعرفت من تلقيب رسول الله لهم ، ويروون أحاديث عن سادة الوجود بهذا اللقب سيد حتى لو لم يكن فيه نص سيد ، وهذا حديث فيه معنى حق الطاعة من سادة أهل الوجود :

فعن ثابت بن أبي صفية : عن سيد العابدين علي بن الحسين ، عن سيد الشهداء الحسين بن علي ، عن سيد الوصيين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، عن سيد النبيين محمد بن عبد الله خاتم النبيين ، أنه قال :

إن الله تبارك و تعالى : فرض عليكم طاعتي و نهاكم عن معصيتي ، و أوجب عليكم إتباع أمري ، و فرض عليكم من طاعة علي بعدي ، ما فرضه من طاعتي ، و نهاكم من معصيته عما نهاكم عنه من معصيتي .

و جعله : أخي و وزيري وصيي و وارثي ، و هو مني و أنا منه ، حبه إيمان و بغضه كفر ، و محبه محبي ، و مبغضه مبغضي ، و هو مولى من أنا مولاه ، و أنا مولى كل مسلم و مسلمة ، و أنــا و إيـاه أبــــوا هذه الأمة [32].

يا طيب : إن أصحاب أهل البيت والمقرون لهم بالطاعة يعرفون أهمية لقب السيد ، وما له من الملاك الحق في معنى السيادة للدين والدنيا ولكل البشر فضلا عن المسلمين ، ولذا يقدمون أحاديث بسند يتقدم اسمهم بالسيد وبما يناسبهم عليهم السلام ، لأنهم أكرم خلق الله بعد سيد المرسلين ، وهم خلفائه وسادة الوجود كلا في زمنه ، وإن كان مع خصوصية ، كسيد الوصيين ، أو سيد الشهداء أو سيدا شباب أهل الجنة أو سيد العابدين وغيرها ، وهذا ما ستعرفه في الأحاديث الآتية حين يُعرف أصحاب أئمة الحق ولاة أمرهم وأئمتهم وسادتهم ، وما يرون لهم من مقام السيادة الحق بكل خصائصه وفضله ومكارمه ، وعلو شأنه في الإيمان والدين وعلى المسلمين وكل الناس في آي زمان حتى يوم القيامة والجنة ، وإن تعريف حجر بن عدي الكندي للإمام الحسن والحسين وأبيهما بالسيادة لكل المسلمين والعرب هو كما عرفت مأخوذ من تعريف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما مر ويأتي في كثير من الأحاديث ، وقد عرفت ما عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مسجده إذ جاء أعرابي فسأله عن مسائل في الحج و غيره وعن حب الإمام علي فقال له رسول الله في حديث طويل منه :

و ليلة القدر : سيدة الليالي ، و الفردوس : سيد الجنان ، و بيت الله الحرام : سيد البقاع ، و جبرائيل : سيد الملائكة ، و أن : سيد الأنبياء ، و علي : سيد الأوصياء ، و الحسن و الحسين : سيدي شباب أهل الجنة .

و لكل امرئ من عمله سيد : و حبي و حب علي بن أبي طالب سيد الأعمال ، و ما يتقرب به المتقربون من طاعة ربهم [33].

فتعريفهم بالسيد : وأن لكل شيء سيد فهو يعني أن لهم ملاك الفضائل وأعلى المناقب التي تخص عباد الله المؤمنين المتقين ، ولذا صار حبهم سيد الأعمال التي تقرب لله سيد السادات سبحانه ، لأنه من حبهم تعلم منهم وأخذ بمعارف علومهم بل عملهم وسيرتهم وسلوكهم ، فيعبد الله بما علموه علما وعملا ، فيكون منهم ومثلهم على صراط مستقيم ، وهذا معنى سيادتهم إيمان يوجب حق الطاعة والإمامة والولاية ، ولو كان معنى أعلى منه لذكره رسول الله لهم وعرفه بهم .

وستأتي أحاديث : كثيرة يعرف سيد المرسلين نفسه وآله بالسيادة ، فإن هذه الصحيفة بين يديك هي كلها أحاديث شريفة تحكي عنه سيادته وآله صلى الله عليهم وسلم ، وتعرفنا شأنهم الكريم وما يجب لهم من حق الطاعة ووجب والمتابعة .

 

 

الإشعاع الثاني :

سيد الوصيين يعرفنا سادة المؤمنين الحسن والحسين وأولاده بعده :

يا طيب : هذا نفس سيد الوصيين وأمير المؤمنين بعد تعريف سيد المرسلين رسول الله وهو ينقل حديثه ، يُعرف الإمام الحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة ، وكما عرفت في المناشدة أنه عرف نفسه وأقروا له بأنه سيد الوصيين والمسلمين ، فهو يعرف خلفاء سيد المرسلين وأوصياءه بعده ، وأنهم سادة مثله ومثل جدهم :

عن الأصبغ بن نباتة قال : خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم و يــــده في يـــــد ابنه الحسن عليه السلام .

 و هو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، و يـــدي في يـــــده هكذا .

و هو يقول : خير الخلق بعدي و ســـيـدهم أخـي هـذا .

و هو إمام كل مسلم و مولى كل مؤمن بعد وفاتي .

 ألا و إني أقول : خــير الخلق بعدي و ســـيـدهم ابــني هـذا .

 و هو إمام كل مؤمن و مولى كل مؤمن بعد وفاتي ، ألا و إنه سيظلم بعدي ، كما ظلمت بعد رسول الله و خير الخلق .

و ســـيـدهم بعد الحسـن ابـني أخــوه الحســــين :

 المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء .

 أما إنه و أصحابـه من ســــــادة الشهداء يوم القيامة .

و من بعد الحسين تســعة مـن صلبــه : خلفاء الله في أرضه ، و حججه على عباده ، و أمناؤه على وحيه .

و أئمـة المسلمين ، و قـادة المؤمنين ، و ســــــادة المتقين [34] .

 

 

 

 

الإشعاع الثالث :

الإمام الحسن يعرف نفسه وأخيه الحسين بالسيادة :

وهذا الإمام الحسن يعرف نفسه وأخيه وذريته المعصومين بالسيادة :

عن أبي الطفيل عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول :

 أنا ســـيد النبيين ، و علي بن أبي طالب ســيـد الوصيين .

 و الحسن و الحسين ســيـدا شباب أهل الجنة .

 و الأئمة بعدهما ســـادات المتقين .

ولينا ولي الله . و عدونا عدو الله ، و طاعتنا طاعة الله .

 و معصيتنا معصية الله عز و جل و حسبنا الله و نعم الوكيل[35].

 

و لقد قيل لمعاوية ذات يوم : لو أمرت الحسن بن علي بن أبي طالب فصعد المنبر فخطب ، ليبين للناس نقصه. فدعاه فقال له : اصعد المنبر و تكلم بكلمات تعظنا بها.

فقام عليه السلام : فصعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه .

 ثم قال : أيها الناس من عرفني فقد عرفني ، و من لم يعرفني :

فأنا : الحسن بن علي بن أبي طالب . و ابن سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله . أنا : ابن خير خلق الله ، أنا ابن رسول الله ، أنا ابن صاحب الفضائل ، أنا ابن صاحب المعجزات و الدلائل ، أنا ابن أمير المؤمنين ، أنا المدفوع عن حقي .

 أنا : و أخي الحسين ســـيـدا شباب أهل الجنة[36].

وتعريف الإمام الحسن لنفسه ولآله بالسيادة : هو لما لها من المعنى الموجب لحق الطاعة والولاية والإمامة ، ويريد أن يعرف المسلمين ويذكرهم بالسيادة الحقة ولو سلبت منه الحكومة بفعل الظالمين والغاصبين ، وذكر السيادة لهم أمام أشد خصوم الإسلام وفي محلف من المسلمين ، يرينا حقيقة وهي أن خصمه في كل أدوار عمره سيد الكفار والمنافقين كأبيه أبو سفيان وإن أدعى أنه حاكم المسلمين فهو سيد الباطل لأنه وقف بطغيانه أمام سيد الحق ، وسيد الحق باقي له حق الطاعة لأنه ملاكه التقوى والإيمان والعلم بمعارف الله وبذل المعروف وكل صلاح للمؤمنين ، وهذا من حقيقة وجود أهل البيت الذين طهرهم الله وأمر بودهم وباهل بهم رسول الله كما عرفت ، ولا يسلبه عدم نصر الناس وخذلان العباد له سيادته الحقة التي هي تجلي سيادة جده وأبيه ومنحة الله لهم ، فهم سادة الوجود وعلى المؤمنين نصرهم في كل حين بأخذ تعاليم الله منهم لا هجرهم كما هجرهم سادة المشركين والكفار والمنافقين ومن لم يعتني بأمر سيادة الدين من المتسمين بالمسلمين ، وتابع المأساة ... :

فهذا الإمام الحسين عليه السلام يعرف نفسه وأخيه بالسيادة : وفي أواخر أيام حياته وقبل شهادته بساعات ، وأحتج بمعنى لفظ السيد على خصومه ، ولو لم يكن معنى السيد هو ولي المؤمنين وإمامهم والواجب الطاعة فيهم لما ذكر هو وأخيه وأبيه من قبل وجده هذا اللقب لأنفسهم ولآلهم بهذا التأكيد ، وبهذه القوة التي تعرف من لم يطيعهم ولم يأخذ تعاليم الله منهم فضلا عن معانديهم وهاجريهم فضلا عن غصبي حقهم وسيادتهم ظاهرا ومحاربيهم بأنهم معتدون على سادتهم ، بل خارجون عن رسوم العبودية لله لأن سيادتهم من سيادة الله ورسوله كما عرفت ، وهم عرفوهم بما لهم من حق السيادة كما عرفت في أحاديث رسول الله الكثيرة وبأحاديث المناشدة التي عرفت قسم منها في الإشراقات السابقة ، والتي عرفت سادة المسلمين بما عرف سيد النبيين والمرسلين وكل ولد آدم ، و كما سترى وهو :

{ مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) } النجم ، وقد قال الله سيد السادات في حقه :

 { إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُــولٍ كَرِيمٍ (40) وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ (41) وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ (42) تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ (43) وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (44) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (45) ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ (46) فَمَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ (47) وَإِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِّلْمُتَّقِينَ (48) } الحقة ..

وقال له : { فَذَكِّرْ فَمَا أَنتَ بِنِعْمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٍ وَلَا مَجْنُونٍ (29) أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَّتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ (30) قُلْ تَرَبَّصُوا فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُتَرَبِّصِينَ (31) أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلَامُهُم بِهَذَا أَمْ هُمْ قَوْمٌ طَاغُونَ (32) } الطور .

نعم : عرف الرسول الكريم حق سادة الوجود وإنها من نعم الله على سيد المرسلين وآله ، ومن أطاع أمر الله عرف ما أمره من أن يحدث بنعمه عليه وما خصه وآله من النعيم وصراطه المستقيم كما في سورة الفاتحة ، وإن حديث سيد المرسلين في آله سادة الوجود هو من باب :

{ وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11) } الضحى ، و { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } الكوثر.

وهو تذكرة للمتقين : والذين يعرفون به أن الكوثر : وهو الخير الكثير ونعمة رب عظمى ، ولا معنى لها بدون السيادة العامة لكل المسلمين له ولآله الكرام بعد أن عيروه بانقطاع دعوته ودينه وملك الإسلام لأنه لا وارث له ولا بنين ، ولكن الله عوضه بالحسين والحسين وذريتهما وبالخصوص المعصومين عليهم الصلاة والسلام أئمة الهدى وسادة المتقين إلى يوم الدين كما ستعرف :

 

 

 

الإشعاع الرابع :

الإمام الحسين يعرف نفسه وأخيه الحسن بالسيادة :

وقال الإمام الحسين في يوم كربلاء : يا أهل العراق و جلهم يسمعون ، فقال : أيها الناس اسمعوا قولي و لا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم علي ، و حتى أعذر إليكم ، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد ، و إن لم تعطوني النصف من أنفسكم ، فاجمعوا رأيكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ، ثم اقضوا إلي و لا تنظرون ، إن وليي الله الذي نزل الكتاب ، و هو يتولى الصالحين .

ثم حمد الله : و أثنى عليه ، و ذكر الله بما هو أهله ، و صلى على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، و على ملائكة الله و أنبيائه ، فلم يسمع متكلم قط قبله و لا بعده أبلغ في منطق منه .

ثم قال :  أما بعد : فانسبوني فانظروا من أنا ، ثم ارجعوا إلى أنفسكم و عاتبوها ، فانظروا هل يصلح لكم قتلي و انتهاك حرمتي .

 أ لست ابن بنت نبيكم ، و ابن وصيه ، و ابن عمه ، و أول المؤمنين المصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه ..

 أ و ليس حمزة سيد الشهداء عمي ، أ و ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي .

أ و لم يبلغكم ما قال رسول الله لي و لأخي :

هذان ســـيـدا شــباب أهل الجنة .

فإن صدقتموني : بما أقول ، و هو الحق ، و الله ما تعمدت كذبا منذ علمت أن الله يمقت عليه أهله ، و إن كذبتموني فإن فيكم من لو سألتموه عن ذلك أخبركم ، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري ، و أبا سعيد الخدري ، و سهل بن سعد الساعدي ، و زيد بن أرقم ، و أنس بن مالك ، يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم  لي و لأخي .

 أ ما في هذا حاجز لكم عن سفك دمي . ..

ثم قال لهم الحسين عليه السلام : فإن كنتم في شك من هذا .

أ فتشكون : أني ابن بنت نبيكم ، فو الله ما بين المشرق و المغرب ابن بنت نبي غيري فيكم و لا في غيركم ، ويحكم أ تطلبوني بقتيل منكم قتلته ، أو مال لكم استهلكته ، أو بقصاص من جراحة .

فأخذوا لا يكلمونه : فنادى يا شبث بن ربعي ، يا حجار بن أبجر ، يا قيس بن الأشعث ، يا يزيد بن الحارث ، أ لم تكتبوا إلي أن قد أينعت الثمار ، و اخضر الجناب ، و إنما تقدم على جند لك مجند .

 فقال له قيس بن الأشعث : ما ندري ما تقول ، و لكن انزل على حكم بني عمك ، فإنهم لن يروك إلا ما تحب .

فقال لهم الحسين عليه السلام :

 لا و الله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، و لا أقر لكم إقرار العبيد .

ثم نادى يا عباد الله : { إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ أَنْ تَرْجُمُونِ و أعوذ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ } .

 ثم إنه أناخ راحلته و أمر عقبة بن سمعان بعقلها و أقبلوا يزحفون نحوه [37].

فعدم طاعة سيد الوجود في زمانه : لا يعني أنه خرج عن السيادة أو فقد ملاكها ، بل يدل على أن من وقف أمامه أطاع سيد الباطل والضلال وصار إن صلى وصام من المنافقين ، بل كفار بنعمة الله وما علمهم بكل سيبل صراطه المستقيم الذي خصه بالمنعم عليهم وجعل هداه الحق عندهم وأنهم صاروا سادة للمتقين لا للطامعين بالدنيا والمتبعين لأهل الضلال ، فالحسين عليه السلام كأخيه وأبيه وجده هم سادة الحق ومن تبعهم على الحق ، لأنهم معلمي التقى وتوحيد الله ومعارف عظمته ودينه ، والحق يدور معهم وإلى يوم القيامة ، وليتسمى غيرهم بأي اسم ولقب شاء فليس له حق .

وإذا عرفنا معنى السيد الحق : وأنه قائد القوم وإمامهم المقدم ووليهم الواجب الطاعة ، وأنه له ملاك التقى والبذل للنفس فضلا عن المال في طاعة الله ، فلنتابع معناه في زمن الأئمة المعصومين ، ثم ندخل في معاني أخرى من معارف سيادتهم .

 

 

 

 

الإشراق السابع :

السيد الحق في زمن الأئمة المعصومين من ذرة الحسين عليهم السلام :

عرفت يا طيب : أن كلمة السيد في عرف الدين الإسلامي كانت بيان لحق الطاعة الواجب لإمام القوم والمقدم فيهم وأنه هو وليهم بأمر الله ورسوله ، وإنها خصت بآل البيت عليهم السلام ولم يدعيها أحدا غيرهم لنفسه ولا تجد أحد غيرهم يتلقب بالسيد بحق غيرهم ، وإنها لهم بأعلى معاني الكرامة والمجد والعلو والرفعة ، وإنها منحة الله سيد السادات لسيد المرسلين ومنه لآله سادة المتقين وكل أهل الوجود إلى يوم القيامة ، وقبل أن نعرف تنزل سيادتهم بوحي الله ، نذكر أن معرفة هذا المعنى العالي لسادة الوجود وتعريف أنفسهم بالسيادة للمؤمنين والمتقين والمسلمين ، بل معرفة المسلمين لهم بهذا اللقب حتى كاد أن يساوي تعريفهم بالإمامة والولاية ، بل هو روح معناهما ، ولذا يخاطبهم به المؤمنون المتقون بكل تجليل وبيان لشيء من حقهم ، وإظهار لما لهم من حق الطاعة والولاية والإمامة .

ولذا ترى في أغلب الأحاديث : التي تذكر الإمام علي ابن الحسين عليه السلام تذكره بـ سيد العابدين و زين العابدين ، وهكذا يقع أسمه في أغلب الأحاديث التي تنقل عنه ، وهكذا يخاطبه أصحابه ، وقد عرفت أن أس السيادة التقى والبذل ، وهو عين معنى ظهور العبادة بكل معناها من فرد ، وهو سيد العابدين بعد آبائه الكرامة سادة الوجود ، وقد عرفت أن الأحاديث السابقة تعرف أهل البيت عليهم السلام بسادة المتقين كما مر في حديث أمير المؤمنين في الإشراق السابق بحديث الأصبغ بن نباته عنه وهو أخذ بيد الحسن وعرفه بالسيادة ثم عرف الحسين كما عرفه رسول الله بالسيادة وهكذا مر في حديث الإمام الحسن ثم قال عليه السلام :

و من بعد الحسين تسعة من صلبه : خلفاء الله في أرضه ، و حججه على عباده ، و أمناؤه على وحيه .

و أئمة المسلمين ، و قادة المؤمنين ، و ســـادة المتقين [38] .

وهذا لقلب سادة المتقين : لكل الأئمة من ذرية الإمام الحسين إلى يوم القيامة كما عرفت وسترى ، وهو نفس معنى سيد العابدين علي بن الحسين بالخصوص ، فبعد أن عرفنا سيدا شباب أهل الجنة بعد سيد الوصيين وسيد المرسلين نذكر حديث يعرفنا بسيد العابدين ، وقد جاء بأحاديث .

 

 

الإشعاع الأول :

 لقب الإمام علي بن الحسين سيد العابدين :

 عن واثلة بن الأشفع عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال دخل جندب بن جنادة اليهودي من خيبر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال :

يا محمد : أخبرني عما ليس لله ، و عما ليس عند الله ، و عما لا يعلمه الله ؟

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : أما ما ليس لله فليس لله شريك ، و أما ما ليس عند الله فليس عند الله ظلم للعباد ، و أما ما لا يعلمه الله فذلك قولكم يا معشر اليهود : إنه عزير ابن الله و الله لا يعلم له ولدا .

فقال جندب : أشهد أن لا إله إلاالله ، و أنك رسول الله حقا ، ثم قال : يا رسول الله إني رأيت البارحة في النوم موسى بن عمران عليه السلام ، فقال لي:

 يا جندب : أسلم على يد محمد ، و استمسك بالأوصياء من بعده ، فقد أسلمت فرزقني الله ذلك ، فأخبرني بالأوصياء بعدك لأتمسك بهم .

فقال يا جندب : أوصيائي من بعدي بعدد نقباء بني إسرائيل .

فقال يا : رسول الله إنهم كانوا اثني عشر ، هكذا وجدنا في التوراة .

قال نعم : الأئمة بعدي اثنا عشر . فقال : يا رسول الله كلهم في زمن واحد ؟

قال : لا ، و لكنهم خلف بعد خلف ، فإنك لا تدرك منهم إلا ثلاثة .

قال : فسمهم لي يا رسول الله .

قال : نعم إنك تدرك :

 ســيـد الأوصـيـاء ، و وارث الأنبياء .

و أبا الأئمة علي بن أبي طالب بعدي ، ثم ابنه الحسن ثم الحسين .

فاستمسك بهم من بعدي و لا يغرنك جهل الجاهلين .

  فإذا كان : وقت ولادة ابنه علي بن الحسين ســيد العـابديـن يقضي الله عليك .

 و يكون آخر زادك من الدنيا شربة من لبن تشربه .....[39].

وفي حديث اللوح سيأتي في البحث مجلس خاص عن سادة المتقين أنه فيه فقرة تخص كل إمام تعرفهم بالعلم وتعرفهم بالتقوى وجاء في فقرة تخص سيد العابدين بعد أن تعرف أبيه عليه السلام :

وجعلت حسينا : خازن وحيي ، وأكرمته بالشهادة ، وختمت له بالسعادة فهو أفضل من استشهد ، وأرفع الشهداء درجة ، جعلت كلمتي التامة معه ، والحجة البالغة عنده ، بعترته أثيب وأعاقب .

 أولهم : علي سـيـد العابدين ، وزين أوليائي الماضين .

من رسول الله لذرية الحسين من الأئمة المعصومين وعرف في حديث مر وسيأتي مثله أن المتقين في الجنة سادة وهم لأنهم في الدنيا سادة ولهم حق السيادة وأن أكرم العباد أتقاهم ، وسيد العابدين وهو سيد الأتقياء في زمانه وسيد أهل الوجود كآله وهذا ما يعرفه عنه المؤمنون ولذا ينقلون عنه الأحاديث بهذا اللقب :

وعن ثابت بن دينار : عن سيد العابدين علي بن الحسين ، عن سيد الشهداء الحسين بن علي ، عن سيد الأوصياء أمير المؤمنين علي بن أبي طالب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 الأئمة من بعدي : اثنا عشر ، أولهم : أنت يا علي

 و آخرهم : القائم الذي يفتح الله تعالى ذكره على يديه مشارق الأرض و مغاربها [40].

وقد عرفت : في أخر إشراق المصباح لهذا الباب كيف عرف سيد العابدين آله الكرام بالولاية والإمامة والسيادة ، وذكر ملاك السيادة بأوسع معنى شامل لهم سواء من ناحية نسبه العالي ومكانته العظمى في المسلمين بل في طول التأريخ كما عرفت عن آبائه الذين هم آباء رسول الله من أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام حتى سيد المرسلين وسيد الوصيين وسيد الشهداء واختيار رب العالمين لهم ، أو لآبائه بما خصهم الله بعلوم دين ونشره بكل ما آتاهم الله من قوة علما وعملا وجهادا.

 وأنهم ضربوا خراطيم الخلق حتى قالوا لا إله إلا الله وهي سيد سيد سيد الكلام ، وكما عرفت في خطبته أمام طاغية زمانه .

ويا طيب : لو تراجع فقط الصحيفة السجادية لعرفت عظيم عبادته لله سيد السادات سبحانه ومعرفة بجلال قدسه وكيف يخاطبه بأعلى عبارات الدعاء حتى سمي كتاب دعائه الصحيفة السجادية زبور آل محمد ، بل لا يوجد مثله عند أحد لا من السابقين وفي كتب الأدعية في الأديان السابقة ولا في المذاهب المخالفة له ولآله سادة الوجود ، ولذا يكون تلو نهج البلاغة في تعريف جلال الله سيد السادات وجماله وقدسه وستأتي في المجلس الآتي فقرات منه يخاطب به سيد السادات سبحانه ، وبهذا كان الناس يروون عنهم ويعرفونهم بسادة المسلمين ، وبالخصوص هو بسيد العابدين ، أنظر كل من كتب عنه و أغلب من روى عنه .

و في رواية الزهري : عن سعيد بن المسيب قال : كان القوم لا يخرجون من مكة حتى يخرج :

علي بن الحسين ســـــيـد العابــديـن .

فخرج و خرجت معه فنزل في بعض المنازل فصلى ركعتين ، فسبح في سجوده فلم يبق شجر و لا مدر إلا سبحوا معه ، ففزعنا فرفع رأسه فقال : يا سعيد أ فزعت ؟ قلت : نعم يا ابن رسول الله .

فقال : هذا التسبيح الأعظم ، حدثني أبي عن جدي عن رسول الله أنه قال : لا يبقى الذنوب مع هذا التسبيح ، فقلت علمنا.. [41].

يا طيب : نعم هم سادة الأتقياء والعباد والعلماء والأوصياء وهذا جاري لهم بفضل الله من أول الوجود حتى آخره في كل آباءهم أين ما حلو وفي أي زمان كانوا فهم لهم النصيب الأعظم منه ، وتم بأعلاه بأعلى دين وسيده سيد المرسلين وعظم معناه به حتى تجلى في أخيه ووصيه سيد الأوصياء ثم أبنائهم المعصومين سادة المتقين وأئمة الهدى الحق إلى يوم الدين إمام بعد إمام كما عرفت في الأحاديث السابقة .

 

 

الإشعاع الثاني :

البجلي يتأدب بآداب سيده الإمام الصادق ويعرفه وآباءه بسادة الوجود :

يا طيب : إن سيادة أهل البيت عليهم السلام مسلمة عند أصحابهم ، ويعرفون شأنهم ، ولذا اتخذوهم أئمة وقادة ، وتعلموا منهم أصحابهم واقتدوا بهم ، وهذا موقف إيماني كريم للبجلي تراه يتأسى بمولاه ويطبق تعلميه في أعلى موقف له في حياته ، أي في حجه وهو في موقف عرفه ، وهو موقف كريم تراه يعرفنا بأن أئمة الحق هم كلهم سادة الوجود لأهل الأرض والسماء والناس كلهم من زمن آدم ، وكلا له شأنه وعلو مقامة ، من رسول الله حتى الإمام الصادق عليه السلام ، فأنظر وتدبر موقفه الكريم :

عن زَيْدٌ النَّرْسِيُّ فِي أَصْلِهِ قَالَ : رَأَيْتُ مُعَاوِيَةَ بْنَ وَهْبٍ الْبَجَلِيَّ فِي الْمَوْقِفِ وَ هُوَ قَائِمٌ يَدْعُو ، فَتَفَقَّدْتُ دُعَاءَهُ فَمَا رَأَيْتُهُ يَدْعُو لِنَفْسِهِ بِحَرْفٍ وَاحِدٍ ، وَ سَمِعْتُهُ يَعُدُّ رَجُلًا رَجُلًا مِنَ الْآفَاقِ يُسَمِّيهِمْ وَ يَدْعُو لَهُ حَتَّى نَفَرَ النَّاسُ .

فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَصْلَحَكَ اللَّهُ لَقَدْ رَأَيْتُ مِنْكَ عَجَباً .

فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي فَمَا الَّذِي أَعْجَبَكَ مِمَّا رَأَيْتَ مِنِّي .

 فَقَالَ : رَأَيْتُكَ لَا تَدْعُو لِنَفْسِكَ وَ أَنَا أَرْمُقُكَ حَتَّى السَّاعَةِ ، فَلَا أَدْرِي أَيُّ الْأَمْرَيْنِ أَعْجَبُ مَا أَخْطَأْتَ مِنْ حَظِّكَ فِي الدُّعَاءِ لِنَفْسِكَ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْقِفِ ، أَوْ عِنَايَتُكَ وَ إِيثَارُ إِخْوَانِكَ عَلَى نَفْسِكَ حَتَّى تَدْعُوَ لَهُمْ فِي الْآفَاقِ .

فَقَالَ : يَا ابْنَ أَخِي فَلَا تُكْثِرَنَّ تَعَجُّبَكَ مِنْ ذَلِكَ إِنِّي سَمِعْتُ مَوْلَايَ وَ مَوْلَاكَ وَ مَوْلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ وَ مُؤْمِنَةٍ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ عليهم السلام :

وَ كَانَ وَ اللَّهِ فِي زَمَانِهِ سَــيِّـدَ أَهْلِ السَّمَاءِ ، وَ سَــيِّـدَ أَهْلِ الْأَرْضِ

وَ سَــيِّـدَ مَنْ مَضَى مُنْذُ خَلَقَ اللَّهُ الدُّنْيَا إِلَى أَنْ تَقُومَ السَّاعَةُ

 بَعْدَ آبَائِهِ ، رَسُولِ اللَّهِ ، وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ ، وَ الْأَئِمَّةِ مِنْ آبَائِهِ صلى الله عليهم وسلم يَقُولُ :

وَ إِلَّا صُمِّتَ أُذُنَا مُعَاوِيَةَ وَ عَمِيَتْ عَيْنَاهُ وَ لَا نَالَتْهُ شَفَاعَةُ مُحَمَّدٍ وَ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ صلى الله عليهم وسلم:

مَنْ دَعَا لِأَخِيهِ الْمُؤْمِنِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ :

نَادُاهُ مَلَكٌ مِنْ سَمَاءِ الدُّنْيَا يَا عَبْدَ اللَّهِ لَكَ مِائَةُ أَلْفِ مِثْلِ مَا سَأَلْتَ

وَ نَادَاهُ مَلَكٌ مِنَ السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَكَ مِائَتَا أَلْفِ مِثْلِ الَّذِي دَعَوْتَ .

وَ كَذَلِكَ يُنَادَى مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ تُضَاعَفُ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ .

فَيُنَادِيهِ مَلَكٌ يَا عَبْدَ اللَّهِ لَكَ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ مِثْلِ الَّذِي دَعَوْتَ .

فَعِنْدَ ذَلِكَ يُنَادِيهِ اللَّهُ : عَبْدِي أَنَا اللَّهُ الْوَاسِعُ الْكَرِيمُ الَّذِي لَا يَنْفَدُ خَزَائِنِي وَ لَا يَنْقُصُ رَحْمَتِي شَيْ‏ءٌ ، بَلْ وَسِعَتْ رَحْمَتِي كُلَّ شَيْ‏ءٍ ، لَكَ أَلْفُ أَلْفِ مِثْلِ الَّذِي دَعَوْتَ ، فَأَيُّ حَظٍّ أَكْثَرُ يَا ابْنَ أَخِي مِنَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ أَنَا لِنَفْسِي .. الْخَبَر ..َ [42].

ويا طيب : هذا الإقرار بالسيادة لسادة الوجود والاقتداء بهم لجدير أن نتعلم منه ، ونطيعهم بما يعرفونا من دين الله والإخلاص له وما يقربنا له حقا ، فإن الله أختارهم و اصطفاهم ولا غيرهم له ملاك طُهرهم ووجوب مودتهم وعلو تعليمهم وآدابهم الإلهية.

 

 

 

الإشعاع الثالث :

هشام يصف ملاك التوحيد وسيادة أئمتنا عليهم السلام :

وبهذا اللقب سيد عرفهم المسلمون وبهذا اللقب يخاطبهم المؤمنون :

وفي حديث كريم فيه محاجة تعلمنا التوحيد وتنفي الشرك ، لنعرف به أن تعريف توحيد الله تعلمه أصحاب أئمة الحق منهم ، وهم عرفوا أئمتهم بالسيادة لدين الله سبحانه ، وهم سادة الوجود بما فيهم من بذل الهدى والتقى والدين وتعريفه لهم ، فيكون حديثا جامعا يبين مُلك السيادة وذكر لقبها لهم بأحسن بيان ، فأنظر لهذا الحديث الكريم الجامع بين العلم بالتوحيد وتعريف أئمة الحق من ذرية سادة الوجود المعصومين بالسيادة :

عن يونس بن عبد الرحمن ، عن هشام بن الحكم : عن جاثليق من جثالقة النصارى يقال له : بريهة ، قد مكث جاثليق النصرانية سبيعن سنة  وكان يطلب الإسلام ، و يطلب من يحتج عليه ممن يقرأ كتبه ويعرف المسيح بصفاته ودلائله وآياته ، قال : وعرف بذلك حتى اشتهر في النصارى والمسلمين واليهود والمجوس حتى افتخرت به النصارى وقالت : لو لم يكن في دين النصرانية إلا بريهة لجزأنا ، وكان طالبا للحق والإسلام مع ذلك .

 وكانت معه : امرأة تخدمه ، طال مكثها معه ، وكان يسر إليها ضعف النصرانية وضعف حجتها ، قال : فعرفت ذلك منه ، فضرب بريهة الأمر ظهرا لبطن وأقبل يسأل فرق المسلمين والمختلفين في الإسلام من أعلمكم ؟ وأقبل يسأل عن أئمة المسلمين وعن صلحائهم وعلمائهم ، وأهل الحجى منهم ، وكان يستقرئ فرقة فرقة لا يجد عند القوم شيئا ، وقال : لو كانت أئمتكم أئمة على الحق لكان عندكم بعض الحق ، فوصفت له الشيعة ، ووصف له هشام بن الحكم .

 فقال يونس بن عبد الرحمن : فقال لي هشام : بينما أنا على دكاني على باب الكرخ جالس وعندي قوم يقرؤون عليَّ القرآن ، فإذا أنا بفوج النصاري معه مابين القسيسين إلى غيرهم نحو من مائة رجل عليهم السواد والبرانس ، والجاثليق الأكبر فيهم بريهة حتى نزلوا حول دكاني ، وجُعل لبريهة كرسي يجلس عليه فقامت الأساقفة والرهابنة على عصيهم ، وعلى رؤوسهم برانسهم .

 فقال بريهة : ما بقي من المسلمين أحد ممن يذكر بالعلم بالكلام إلا وقد ناظرته في النصرانية فما عندهم شيء وقد جئت أناظرك في الإسلام .

قال : فضحك هشام فقال : يا بريهة إن كنت تريد مني آيات كآيات المسيح فليس أنا بالمسيح ولا مثله ولا أدانيه ، ذاك روح طيبة خميصة مرتفعة ، آياته ظاهرة ، وعلاماته قائمة .

قال بريهة : فأعجبني الكلام والوصف .

قال هشام : إن أردت الحجاج فههنا .

قال بريهة : نعم ، فإني أسألك ما نسبة نبيكم هذا من المسيح نسبة الأبدان ؟

قال هشام : ابن عم جده لامه لأنه من ولد إسحاق ومحمد من ولد إسماعيل ، قال بريهة ، وكيف تنسبه إلى أبيه ( إسماعيل أو الله سبحانه ) ؟

قال هشام : إن أردت نسبه عندكم أخبرتك ، وإن أردت نسبه عندنا أخبرتك ؟

قال بريهة : أريد نسبه عندنا ، وظننت أنه إذا نسبه نسبتنا أغلبه ، قلت : فانسبه بالنسبة التي ننسبه بها .

قال هشام : نعم ، تقولون : إنه قديم من قديم  فأيهما الأب وأيهما الابن ؟

 قال بريهة : الذي نزل إلى الأرض الابن .

قال هشام : الذي نزل إلى الأرض الأب .

قال بريهة : الابن رسول الأب .

قال هشام : إن الأب أحكم من الابن لأن الخلق خلق الأب .

قال بريهة : إن الخلق خلق الأب وخلق الابن .

قال هشام : ما منعهما أن ينزلا جميعا كما خلقا إذا اشتركا ؟ !

 قال بريهة : كيف يشتركان وهما شيء واحد إنما يفترقان بالاسم .

 قال هشام : إنما يجتمعان بالاسم .

 قال بريهة : جهل هذا الكلام .

 قال هشام : عرف هذا الكلام .

 قال بريهة : إن الابن متصل بالأب .

 قال هشام : إن الابن منفصل من الأب .

 قال بريهة : هذا خلاف ما يعقله الناس .

 قال هشام : إن كان ما يعقله الناس شاهدا لنا وعلينا فقد غلبتك ، لأن الأب كان ولم يكن الابن فتقول : هكذا يا بريهة ؟

قال : ما أقول : هكذا .

قال : فلم استشهدت قوما لا تقبل شهادتهم لنفسك .

 قال بريهة : إن الأب اسم والابن اسم يقدر به القديم .

قال هشام : الاسمان قديمان كقدم الأب والابن ؟

 قال بريهة : لا ولكن الأسماء محدثة .

 قال هشام : فقد جعلت الأب ابنا والابن أبا ، إن كان الابن أحدث هذه الأسماء دون الأب فهو الأب ، الأب فهو الأب ، وإن كان الأب أحدث هذه الأسماء دون الابن فهو الأب والابن أب وليس ههنا ابن .

قال بريهة : إن الابن اسم للروح حين نزلت إلى الأرض .

قال هشام : فحين لم تنزل إلى الأرض فاسمها ما هو ؟

 قال بريهة : فاسمها ابن نزلت أو لم تنزل .

قال هشام : فقبل النزول هذه الروح كلها واحدة واسمها اثنان .

 قال بريهة : هي كلها واحدة روح واحدة .

قال هشام : قد رضيت أن تجعل بعضها ابنا وبعضها أبا .

 قال بريهة : لا لأن اسم الأب واسم الابن واحد .

 قال هشام : فالابن أبو الأب ، والأب أبو الابن ، والابن واحد .

قالت الأساقفة بلسانها لبريهة :

 ما مر بك مثل ذا قط تقوم ، فتحير بريهة وذهب ليقوم .

 فتعلق به هشام وقال : ما يمنعك من الإسلام ؟ أفي قلبك حزازة ؟ فقلها ، وإلا سألتك عن النصرانية مسألة واحدة تبيت عليها ليلك هذا ، فتصبح وليس لك همة غيري . قالت الأساقفة : لا ترد هذه المسألة لعلها تشككك .

 قال بريهة : قلها يا أبا الحكم .

قال هشام : أفرأيتك الابن يعلم ما عند الأب ؟ قال : نعم .

قال : أفرأيتك الأب يعلم كل ما عند الابن ؟ قال : نعم .

قال : أفرأيتك تخبر عن الابن أيقدر على حمل كل ما يقدر عليه الاب ؟ قال : نعم .

 قال : أفرأيتك تخبر عن الأب أيقدر على كل ما يقدر عليه الابن ؟ قال : نعم .

 قال هشام : فكيف يكون واحد منهما ابن صاحبه وهما متساويان ؟ وكيف يظلم كل واحد منهما صاحبه ؟

قال بريهة : ليس منهما ظلم .

قال هشام : من الحق بينهما أن يكون الابن أب الأب ، والأب ابن الابن ، بت عليها يا بريهة ، وافترق النصارى وهم يتمنون أن لا يكونوا رأوا هشاما ولا أصحابه .

قال : فرجع بريهه مغتما مهتما حتى صار إلى منزله .

فقالت امرأته التي تخدمه : مالي أراك مهتما مغتما . فحكى لها الكلام الذي كان بينه وبين هشام ، فقالت لبريهة : ويحك أتريد أن تكون على حق أو على باطل ؟ ! فقال بريهة : بل على الحق ، فقالت له : أينما وجدت الحق فمل إليه ، وإياك واللجاجة فان اللجاجة شك ، والشك شؤم ، وأهله في النار .

قال : فصوب قولها وعزم على الغدو على هشام .

قال : فغدا عليه وليس معه أحد من أصحابه ، فقال : يا هشام ألك من تصدر عن رأيه وترجع إلى قوله وتدين بطاعته ؟ قال هشام : نعم يا بريهة .

 قال : وما صفته ؟ قال هشام : في نسبه أو في دينه ؟

 قال : فيهما جميعا صفة نسبه وصفة دينه .

 قال هشام : أما النسب خير الانساب : رأس العرب ، وصفوة قريش ، وفاضل بني هاشم ، كل من نازعه في نسبه وجده أفضل منه ، لأن قريشا أفضل العرب،  وبني هاشم أفضل قريش .

وأفضل بني هاشم : خاصهم ودينهم وســــيـدهم .

 وكذلك : ولد الســـيـد : أفضل من ولد غيره .

وهذا من ولد الســـــيـد .

قال : فصف دينه ؟

 قال هشام : شرائعه أو صفة بدنه وطهارته ؟

 قال : صفة بدنه وطهارته .

 قال هشام :

معصوم فلا يعصي ، و سخى فلا يبخل .

 شجاع فلا يجبن ، وما استودع من العلم فلا يجهل .

 حافظ للدين قائم بما فرض عليه ، من عترة الأنبياء ، وجامع علم الأنبياء .

 يحلم عند الغضب ، وينصف عند الظلم .

 ويعين عند الرضا ، وينصف من الولي والعدو .

ولا يسأل شططا في عدوه ،  ولا يمنع إفادة وليه .

 يعمل بالكتاب : ويحدث بالاعجوبات .

من أهل الطهارات ، يحكي قول الأئمة الأصفياء .

 لم تنقض له حجة ، ولم يجهل مسألة .

 يفتي في كل سُنة ، ويجلو كل مدلهمة .

 قال بريهة : وصفت المسيح في صفاته وأثبته بحججه وآياته ، إلا أن الشخص بائن عن شخصه والوصف قائم بوصفه ، فإن يصدق الوصف نؤمن بالشخص .

 قال هشام : إن تؤمن ترشد ، وإن تتبع الحق لا تؤنب .

ثم قال هشام : يا بريهة ما من حجة أقامها الله على أول خلقه ، إلا أقامها على وسط خلقه وآخر خلقه ، فلا تبطل الحجج ، ولا تذهب الملل ، ولا تذهب السنن .

قال بريهة : ما أشبه هذا بالحق وأقربه من الصدق ، وهذه صفة الحكماء يقيمون من الحجة ما ينفون به الشبهة . قال هشام : نعم .

 فارتحلا : حتى أتيا المدينة والمرأة معهما ، وهما يريدان أبا عبد الله ( جعفر بن محمد بن علي بن الحسين ) عليه السلام ، فلقيا ( أبنه الإمام وسيد الوجود بعد آبائه ) موسى بن جعفر عليهما السلام ، فحكى له هشام الحكاية ، فلما فرغ .

قال موسى بن جعفر عليهما السلام : يا بريهة كيف علمك بكتابك ؟

قال : أنا به عالم ، قال : كيف ثقتك بتأويله ؟ قال : ما أوثقني بعلمي فيه .

 قال : فابتدأ موسى بن جعفر عليهما السلام ، بقراءة الإنجيل .

 قال بريهة : والمسيح لقد كان يقرأ هكذا ، وما قرأ هذه القراءة إلا المسيح ، ثم قال بريهة : إياك كنت أطلب منذ خمسين سنة أو مثلك .

 قال : فآمن ، وحسن إيمانه ، وآمنت المرأة وحسن إيمانها .

 قال : فدخل هشام وبريهة والمرأة على أبي عبد الله عليه السلام ، وحكى هشام الحكاية والكلام الذي جرى بين موسى عليه السلام وبريهة .

 فقال أبو عبد الله عليه السلام : { ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) } آل عمران .  فقال بريهة : جعلت فداك أن لكم التوراة والإنجيل وكتب الأنبياء ؟ قال : هي عندنا وراثة من عندهم نقرؤها كما قرؤوها ونقولها كما قالوها ، إن الله لا يجعل حجة في أرضه يسأل عن شيء فيقول : لا أدري .

فلزم بريهة : أبا عبد الله عليه السلام حتى مات أبو عبد الله عليه السلام ، ثم لزم موسى بن جعفر عليهما السلام ، حتى مات في زمانه ، فغسله بيده ، وكفنه بيده ، ولحده بيده ، وقال : هذا حواري من حواريي المسيح يعرف حق الله عليه .

قال : فتمنى أكثر أصحابه أن يكونوا مثله[43] .

وجعلنا الله منهم : مخلصين لله الدين ومتعلمين من سادة الوجود كل معارف هدى الله التي تقربنا له وتجعلنا في طاعته حقا ، فهذا تعليم في التوحيد جميل ، وصاحبه مع علو معارف وقدرته على المناظرة والتعليم تراه مطيع لسادة الوجود ويتبعهم ، ومن أجل هداية إنسان سافر من بغداد إلى المدينة لكي يرى سادته ويُريهم متبصرا بدينه ، والله لهو صحابي كريم لسادة الوجود وأسال الله أن يره لنا في يوم القيامة والجنة .

 

 

الإشعاع الرابع :

الإمام الكاظم يصف الإمام الرضا بالسيد ليُعرف إمامته :

يا طيب : إن تعريف هذا اللقب السيد من أصحاب الأئمة لسادة الوجود والمؤمنين ، هو لما عرفت من أهميته في كلام رسول الله حين يُعرف آله بولايتهم وإمامتهم وأنهم رؤساء العباد بعده ومعلمي دينهم ، فيخصهم بكلمة سيد في أغلب الأحيان و بما للكمة من معنى كريم عالي الشأن ، وهذا التعريف مستمر في كلام أهل البيت حين يعرفون إمام المسلمين بعدهم ، فإن الإمام موسى الكاظم يعرف الإمام من ولده هو علي بن موسى الرضا بأنه سيدهم بعده ، أي إمامهم ووليهم الواجب الطاعة ، فإنه قد جاء :

عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ نُعَيْمٍ الصَّحَّافِ قَالَ : كُنْتُ أَنَا وَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ وَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ بِبَغْدَادَ .

 فَقَالَ : عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ جَالِساً ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ ابْنُهُ عَلِيٌّ ، فَقَالَ لِي: يَا عَلِيَّ بْنَ يَقْطِينٍ :

هَذَا عَلِيٌّ سَــيِّــدُ وُلْدِي ، أَمَا إِنِّي قَدْ نَحَلْتُهُ كُنْيَتِي .

فَضَرَبَ هِشَامُ بْنُ الْحَكَمِ بِرَاحَتِهِ جَبْهَتَهُ ، ثُمَّ قَالَ : وَيْحَكَ كَيْفَ قُلْتَ ؟!

فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ يَقْطِينٍ : سَمِعْتُ وَ اللَّهِ مِنْهُ ، كَمَا قُلْتُ .

فَقَالَ هِشَامٌ : أَخْبَرَكَ أَنَّ الْأَمْــرَ فِيهِ مِنْ بَعْدِهِ [44]

وهذه تربية من رسول الله سيد المرسلين : حيث كان يلقب آله بسادة سواء سادة الوصيين أو سيد الوصيين أو سيدة نساء العالمين ، أو سيدي شباب أهل الجنة وسيد العابدين وولده المعصومين سادة المتقين ، وهذه التربية مستمرة في تعاليم أئمة الحق ، وذلك لما لكلمة سيد من معنى مقارب لولي الدين وأمير أو إمام ، وهي تدخل في روح تلك المعاني ، بل هي واضحة في التقديم في الرئاسة والحكومة ووجوب الطاعة في أمور الدين والدنيا بصورة فعليه عملية فورية ، ولذا قال الإمام هذا سيدكم ، ولذا كما عرفت في الروايات فإنهم قد يعبرون عن الأئمة بما عرفت من تقديم لقب السيد فيقولون قال سيدي أو السيد ، بدل قال الإمام ، أو أنهم يخاطبون أئمة الحق بكلمة سيد بدل يا إمامي ، وهذا أيضا تراه بكثرة في الروايات كما خطاب الموالين بحق لأئمة الحق وسادتهم :

 

 

الإشعاع الخامس :

مع شأنه الكريم عم أبي الإمام الجواد يقر له بالسيادة ويخدمه :

فعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ بْنِ عَمَّارٍ قَالَ : كُنْتُ عِنْدَ عَلِيِّ بْنِ جَعْفَرِ ( الصادق ) بْنِ مُحَمَّدٍ ( الباقر ) جَالِساً بِالْمَدِينَةِ ، وَ كُنْتُ أَقَمْتُ عِنْدَهُ سَنَتَيْنِ أَكْتُبُ عَنْهُ مَا يَسْمَعُ مِنْ أَخِيهِ ، يَعْنِي أَبَا الْحَسَنِ ( الكاظم ) عليه السلام .

 إِذْ دَخَلَ عَلَيْهِ : أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ ( الجواد ) بْنُ عَلِيٍّ الرِّضَا عليه السلام الْمَسْجِدَ مَسْجِدَ الرَّسُولِ صلى الله عليه وآله وسلم .

 فَوَثَبَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ : بِلاَ حِذَاءٍ وَ لَا رِدَاءٍ ، فَقَبَّلَ يَدَهُ وَ عَظَّمَهُ .

فَقَالَ لَهُ أَبُو جَعْفَرٍ عليه السلام : يَا عَمِّ اجْلِسْ رَحِمَكَ اللَّهُ .

فَقَالَ : يَا ســيـدي كَيْفَ أَجْلِسُ وَ أَنْتَ قَائِمٌ .

فَلَمَّا رَجَعَ عَلِيُّ بْنُ جَعْفَرٍ إِلَى مَجْلِسِهِ : جَعَلَ أَصْحَابُهُ يُوَبِّخُونَهُ ، وَ يَقُولُونَ : أَنْتَ عَمُّ أَبِيهِ ، وَ أَنْتَ تَفْعَلُ بِهِ هَذَا الْفِعْلَ .

فَقَالَ : اسْكُتُوا إِذَا كَانَ اللَّهُ عَزَّ وَ جَلَّ ـ وَ قَبَضَ عَلَى لِحْيَتِهِ ، لَمْ يُؤَهِّلْ هَذِهِ الشَّيْبَةَ ، وَ أَهَّلَ هَذَا الْفَتَى وَ وَضَعَهُ حَيْثُ وَضَعَهُ ، أُنْكِرُ فَضْلَهُ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِمَّا تَقُولُونَ ، بَلْ أَنَا لَهُ عَبْدٌ [45].

وعن الْحُسَيْنُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنِ الْخَيْرَانِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ :

كُنْتُ وَاقِفاً بَيْنَ يَدَيْ أَبِي الْحَسَنِ عليه السلام بِخُرَاسَانَ ، فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ :

يَا ســـيـدي : إِنْ كَانَ كَوْنٌ فَإِلَى مَنْ ؟

قَالَ عليه السلام : إِلَى أَبِي جَعْفَرٍ ابْنِي [46].

 

 

 

الإشعاع السادس :

أصحاب الإمام الهادي ينادوه بالسيد ويطلبون كرامته :

وهذا الجعفري يخاطب الإمام علي الهادي عليه السلام فإنه قد جاء :

و حدثني أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن الصالحي من آل إسماعيل بن صالح ، و كان في أهل بيته بمنزلة من السادة ، و عليهم مكاتبين لهم :

أن أبا هاشم الجعفري شكى إلى مولانا أبي الحسن علي بن محمد ما يلقى من الشوق إليه إذا انحدر من عنده إلى بغداد .

وقال له يا سيدي : ادع الله لي، فما لي مركوب سوى برذوني هذا على ضعفه . فقال : قواك الله يا أبا هاشم ، و قوى برذونك .

قال فكان أبو هاشم : يصلي الفجر ببغداد ، و يسير على البرذون فيدرك الزوال من يومه ذلك عسكر سر من رأى ، و يعود من يومه إلى بغداد إذا شاء على ذلك البرذون بعينه ، فكان هذا من أعجب الدلائل التي شوهدت [47].

وبهذا اللقب سيد يكتبون للأئمة ويستفتوهم : فعَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ :

كَتَبَ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ إِلَى أَبِي الْحَسَنِ ( علي الهادي ) عليه السلام :

 إِنْ رَأَيْتَ يَا سيدي :أَنْ تُعَلِّمَنِي دُعَاءً أَدْعُو بِهِ فِي دُبُرِ صَلَوَاتِي يَجْمَعُ اللَّهُ لِي بِهِ خَيْرَ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، فَكَتَبَ عليه السلام تَقُولُ :

أَعُوذُ بِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ ، وَ عِزَّتِكَ الَّتِي لَا تُرَامُ ، وَ قُدْرَتِكَ الَّتِي لَا يَمْتَنِعُ مِنْهَا شَيْ‏ءٌ ، مِنْ شَرِّ الدُّنْيَا وَ الْآخِرَةِ ، وَ مِنْ شَرِّ الْأَوْجَاعِ كُلِّهَا [48].

وعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى قَالَ كَتَبْتُ إِلَيْهِ أَسْأَلُهُ :

يَا سيدي رُوِيَ عَنْ جَدِّكَ : أَنَّهُ قَالَ : لَا بَأْسَ بِأَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ صَلَاةَ اللَّيْلِ فِي أَوَّلِ اللَّيْلِ ، فَكَتَبَ فِي أَيِّ وَقْتٍ صَلَّى فَهُوَ جَائِزٌ إِنْ شَاءَ اللَّهُ [49].

يا طيب : إن هذه التربية بمخاطبة الأئمة بسيدي أو السيد : وبأعلى معناي الكرامة وتعريف المجد ، كانت تربية كريمة من رسول الله أدب بها المؤمنون ، فمن أطاعة وأخلص الصحبة له وصار بحق محب لا صار مبغض وقالي ومنافق ملد لأهل البيت يعمل ببعض أحكام الإسلام ووفق رأيه يفسرها ، ويترك أسسها وتعاليم سادته ، نعم الأصحاب المحبين لأهل البيت كانت بينهم معرفة تامة بأن نبينا وآله هم سادة الوجود ويستحقون السيادة بأعلى كرامة على كل المؤمنين والمسلمين والبشر أجمعين ، ولا تردد ، وهذه التربية عرفتها في أدوار التأريخ الإسلامي بالخصوص ، وسيأتي المزيد ، والروايات التي تذكر الأئمة بكلمة سيد في السند وهي كثيرة جدا ، وذكرها كلها يخرجنا من حقيقة بيان معاني البحث وإن كان يرينا كثير من الشواهد ، وفيما ذكرنا كفاية ، ونذكر رواية جامعة ، نرى هذه التربية ليس بين أصحاب أهل البيت وخطابهم لهم ، بل هي عين التربية في نفس عائلة أهل البيت عليهم السلام وبينهم أيضا كما كان يعرف رسول الله آله .

 

 

 

 

الإشعاع السابع :

سيادة الإمام العسكري وصاحب العصر وأمه بفضله وكرامته :

يا طيب : هذا الإمام الحسن العسكري عليه السلام :

يعرف سيدنا إمام العصر والزمان بعده بكلمة سيد :

وهكذا صارت أمه بدل أمة سيدة ، نعم سيدة لبنت إمام وأخت إمام وعمة إمام ، بل سيدة الإماء كما جاءت في روايات سنذكرها فيما بعد :

فمن الأخبار التي جاءت في ميلاده : ( ميلاد الإمام الحجة محمد بن الحسن عجل الله ظهوره ) ما رواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطار ، عن الحسين بن رزق الله ، عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة ، عن حكيمة : بنت محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال :

حدثتني حكيمة بنت محمد ( الجواد ) بن الرضا عليهم السلام ( وهي أخت الإمام علي الهادي ) قالت : بعث إلي أبو محمد الحسن بن علي ( الهادي بن محمد الجواد ، يعني ابن أخيها ، فهي عمة الحسن العسكري ) فقال :

يا عمة : اجعلي إفطارك الليلة عندنا ، فإنها ليلة النصف من شعبان ، و أن الله تعالى سيظهر في هذه الليلة الحجة ، و هو حجة الله في أرضه .

قالت : فقلت له : و من أمه . قال : نرجس .

فقلت له : جعلني الله فداك ما بها أثر ؟!  فقال : هو ما أقول لك .

قالت : فجئت فلما سلمت و جلست .

جاءت : تنزع خفي ، و قالت لي : يا ســـيـدتي كيف أمسيت .

فقلت : بل أنت ســـيـدتـي و ســـيـدة أهلي .

قالت : فأنكرت قولي ، و قالت : ما هذا .

فقلت له : يا بنية إن الله تعالى سيهب لك في ليلتك هذا غلاما :

ســيـدا في الدنيا و الآخرة .

قالت : فخجلت و استحييت .

فلما أن فرغت : من صلاة العشاء الآخرة ، أفطرت و أخذت مضجعي ، فرقدت ، فلما كان في جوف الليل ، قمت إلى الصلاة ، ففرغت من صلاتي ، و هي قائمة ليس بها حادث ، ثم جلست معقبة ، ثم اضطجعت ، ثم انتبهت أخرى . و هي راقدة ، ثم قامت : فصلت و نامت .

قالت حكيمة : و خرجت أتفقد الفجر ، فإذا أنا بالفجر الأول كذنب السرحان ، و هي نائمة ، قالت حكيمة : فدخلتني الشكوك .

فصاح بي أبو محمد من المجلس فقال : لا تعجلي يا عمة فإن الأمر قد قرب .

قالت : فجلست ، فقرأت الم السجدة و يس ، فبينا أنا كذلك :

إذ انتبهت فزعة : فوثبت إليها ، فقلت : اسم الله عليك .

 ثم قلت له : تحسين شيئا . قالت : نعم .

فقلت لها : اجمعي نفسك ، و اجمعي قلبك ، فهو ما قلت لك .

قالت حكيمة : ثم أخذتني فترة و أخذتها فترة .

 فانتبهت بحس سيدي : فكشفت الثوب عنها ، فإذا به ساجدا ، يتلقى الأرض بمساجده ، فضممته إلي ، فإذا أنا به نظيف منظف .

فصاح بي أبو محمد : هلمي إلي ابني يا عمة ، فجئت به إليه ، فوضع يديه تحت أليتيه و ظهره ، و وضع قدميه على صدره ، ثم أدلى لسانه في فيه ، و أمر يده على عينيه و سمعه و مفاصله .

ثم قال : تكلم يا بني .

فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، و أشهد أن محمدا رسول الله ، ثم صلى على أمير المؤمنين ، و على الأئمة ، إلى أن وقف على أبيه ، ثم أحجم .

ثم قال : أبو محمد يا عمة اذهبي به إلى أمه ، ليسلم عليها ، و ائتيني به .

فذهبت به : فسلم ، و رددته و وضعته في المجلس .

ثم قال عليه السلام : يا عمة إذا كان يوم السابع فائتينا .

قالت حكيمة : فلما أصبحت جئت لأسلم على أبي محمد .

و كشفت الستر لأتفقد سيدي : فلم أره ، فقلت له :

 جعلت فداك ما فعل سيدي .

قال : يا عمة استودعناه الذي استودعت أم موسى .

قالت حكيمة : فلما كان يوم السابع جئت ، و سلمت على أبي محمد .

فقال : هلمي إلي ابني ، فجئت بسيدي و هو في الخرقة ، ففعل به كفعلته الأولى ، ثم أدلى لسانه في فيه كأنما يغذيه لبنا أو عسلا ، ثم قال : تكلم يا بني .

فقال : أشهد أن لا إله إلا الله ، و ثنى الصلاة على محمد ، و على أمير المؤمنين ، و على الأئمة حتى وقف على أبيه ،  ثم تلا هذه الآية :{ وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ (6) } القصص .

و قال موسى : و سألت عقبة الخادم عن هذا ، فقال : صدقت حكيمة [50].

وبهذا كان يخاطب أصحاب الإمام الحجة المنتظر الإمام في زمن الغيبة الصغرى بكلمة سيد في مكاتباتهم واستفتاءاتهم :

 فعن مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ وَ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ سَهْلِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَلِيِّ بْنِ مَهْزِيَارَ قَالَ كَتَبْتُ إِلَيْهِ :

يَا سيدي : رَجُلٌ دُفِعَ إِلَيْهِ مَالٌ يَحُجُّ بِهِ هَلْ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْمَالِ حِينَ يَصِيرُ إِلَيْهِ الْخُمُسُ أَوْ عَلَى مَا فَضَلَ فِي يَدِهِ بَعْدَ الْحَجِّ .

فَكَتَبَ عليه السلام : لَيْسَ عَلَيْهِ الْخُمُسُ [51].

ويا طيب : عرفت أن لمعنى السيد مجد حقيقي وأسس كريمة ، وأنه يعبر عن خصال حميدة وأخلاق فاضلة ، وكان أسه بذل المعروف والتقى وتعليم الدين والهدى ، وهو كرامة من الله سيد السادات سبحانه وتعالى لسيد الكونين والنبيين والمرسلين ، فأشرق في آله الطيبين الطاهرين سيد الوصيين وسيدة نساء العالمين وسيدا شباب أهل الجنة وسادة المتقين من ذرية الحسين عليهم السلام وهم الأئمة المعصومين إلى يوم الدين إمام بعد إمام ، وقد عرفت تصريح رسول الله بسيادته وسيادة آله في كثير من الأحاديث السابقة ، وأنه بأعلى كلام معرف للسيد الحق وبأعلى ملاك وأعظم أسس حق واقعية يمتلكوها بكل وجودهم وصفاتهم وعلمهم وعملهم وسيرتهم وسلوكهم ، وكان لهم وما زال حق الطاعة واجبا على كل مؤمن يقر لله سبحانه بالعبودية ، لأنهم امتداد لسيادته وولايته ، ولذا عرفهم وعرّفهم المؤمنون المخلصون بالسيادة وأنهم سادتهم أو فقل أئمتهم وولاة أمرهم لأن معنى السيد ركن فيهما .

وبعد أن عرفنا : معنى السيد في العرف واللغة وتأريخ الدين القديم والحديث إلى زمان عميق في تأريخ الإسلام وملاكه الحق في أهل البيت سادة الوجود عليهم السلام ، وإقرار نبينا وآله والمؤمنين المخلصين لهم بهذا اللقب الكريم السيد بما يناسبهم وبأعلى مقام ، فلنتعرف على حقيقة أعلى في معنى سيادتهم ، وأنها منحة من الله وهي تجلي حقيقي لأسمه الأعظم السيد ، وأنه ظاهر فيهم في كل مراتب الوجود ، فنذكر حقيقة إطلاقه على الله سيد السادات ، ثم ظهوره في سادة الوجود صلى الله عليهم وسلم ، وجعلنا الله وإياكم معهم في الدنيا والآخرة ، ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 

 

 

 

 



 

[12]روضة الواعظين ج1ص64 مجلس في مولد النبي .

[13]الأمالي ‏للصدوق ص286 ح1 . روضة الواعظين ج1ص66 .

[14]الاحتجاج ج1ص216 .

[15]اعلام الورى للطبرسي ج 1 ص 61 . ، كمال الدين : 171 / 28 .

[16]شعب الإيمان للبيهقي ج 7 ص 431 .

[17]إعلام ‏الورى ص112.

[18]مستدرك ‏الوسائل ج11ص193ب6ح12721-21 .

[19]وسائل ‏الشيعة ج21ص476ب83ح27627 .

[20]إعلام ‏الورى ص 475 .

[21]مستدرك ‏الوسائل ج16ص159ب38ح19465-7 .

[22]مجمع الزوائد للهيثمي ج 4 ص 329 .

[23]فضائل الصحابة لابن حنبل ج 2 ص 819 :

[24] شعب الإيمان للبيهقي ج 4 ص 229

[25]معاوية بن أبي سفيان ، وابنه يزيد ركز المصطفى ص 364 . الطبقات الكبرى لابن سعد ج 7 ص 93.

[26]الجمل للشيخ المفيد ص 158 ،  تاريخ الطبري ج5ص199 .

[27]الاختصاص ص33 .

[28]إرشاد القلوب ج2ص293 .

[29]الاحتجاج ج1ص112. اليقين ص : 448ح170.

[30]الاحتجاج ج1ص134 . بحار الأنوار  ج31ص336

[31]الجمل ص256.

[32]الأمالي ‏للصدوق ص14م4ح6.

[33]تأويل ‏الآيات ‏الظاهرة  ص829 سورة الإخلاص . الفضائل ص 147 . كنز الفوائد ج2ص237.

[34]كمال ‏الدين ج1ص259ب24ح5إعلام‏ الورى ص399ف2.قصص‏ الأنبياء للراوندي ص366ف16ح439 . 

[35]الأمالي للشيخ الصدوق  ص 652 ح888 / 16 ص558م82 .. بحار الأنوار 36 : 228 / 6 .

[36] الأمالي ‏للصدوق ص 178م 33 ح8 .

[37]الإرشاد ج2ص 97 . إعلام ‏الورى ج240ف4 . بحار الأنوار ج45ص7بقية الباب 37 .

[38]كمال ‏الدين ج1ص259ب24ح 5 . إعلام‏ الورى ص399ف2 .  قصص‏ الأنبياء للراوندي ص366ف16ح 439 . 

[39]كفاية الأثر ص56 .

[40]الأمالي ‏للصدوق ص111م23ح9 . كمال‏ الدين ج1ص282ب24ح35. عيون ‏أخبار الرضا ج 1ص65ب6ح334 .

[41]رجال‏ا لكشي ص117رقم187سعيد بن المسيب .

[42] مستدرك الوسائل ج10ص 28ب16ح11377-1 .

[43]التوحيد للشيخ الصدوق  ص270 ب37ح1 .  الجاثليق : صاحب مرتبة من المراتب الدينية النصرانية ، وبعدها مراتب أسماؤها : مطران : اسقف ، قسيس ، شماس ، وقبل الجاثليق مرتبة اسم صاحبها بطريق ، والكلمات سريانية ، وقوله : جاثليق النصرانية بالنصب حال من فاعل مكث أي مكث بريهة سبعين سنة حال كونه صاحب هذه المرتبة في النصرانية . وروح خميصة : أي خالية منزهة من الرذائل النفسية والكدورات المادية . وفي قوله قديم من قديم : هذا مذهب جمهور المسيحيين الا آريوس كبير فرقة منهم فانه يقول : إن المسيح كلمة الله وابنه على طريق الاتخاذ وهو حادث مخلوق قبل خلق العالم .  وعنه في بحار الأنوار ج : 10 ص : 235.

[44]لكافي ج1ص311 باب الإشارة و النص على أبي الحسن الثاني عليه السلام ح1 .الإرشاد ج2ص249 .

[45]الكافي ج1ص322ح12 .

[46]الكافي ج1ص322ح13 .

[47]إعلام ‏الورى ص361ف3.

[48]الكافي ج3ص346باب التعقيب بعد الصلاة و الدعاء ح28 .

[49]تهذيب ‏الأحكام ج2ص337ب15ح249 .

[50]إعلام ‏الورى ص418ف2. منتخب ‏الأنوار المضيئة ص60 ف5 .

[51]الكافي ج1ص547ح22باب الفيء و الأنفال و تفسير الخمس .

 

 

   

أخوكم في الإيمان بالله ورسوله وبكل ما أوجبه تعالى
خادم علوم آل محمد عليهم السلام
الشيخ حسن جليل حردان الأنباري
موسوعة صحف الطيبين
http://www.alanbare.com

يا طيب إلى أعلى مقام كرمنا بنوره رب الإسلام بحق نبينا وآله عليهم الصلاة والسلام


يا طيب إلى فهرس صحيفة سادة الوجود رزقنا واهب السيادة نعيم هداه بأحسن جود