بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

صحيفة
نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام
الجزء الثامن

سفينة نجاة

الإمام الحسين عليه السلام

بمسير آله الكرام من كربلاء إلى الكوفة وشرح خطبة الشقيقة
عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

تذكرة :

فاجعة كربلاء تتعاظم من أمة السوء فيأسروا آل الرسول :

لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، وإن لله وإنا إليه راجعون :

يا موالي : أن الإنسان المنصف ليتعجب مما حدث في كربلاء من أمة السوء ، والذين ينتحلون الإسلام ، وهم يقتلون أبناء نبي دينهم ، وينقضون عهدهم مع الله ورسوله ، وتناسوا إنسانيتهم ، وفقدوا كل رحمة وعطف لأقل الحيوانات في وجودهم ، وأصبحوا كالأنعام بل أضل سبيلا ، فنصروا أئمة الكفر من بني أمية ، والحكام الطغاة من آل أبي سفيان مع جورهم عليهم وظلمهم لهم ، وقتلهم لخيرة أهل بلدهم ، وشرفاء قومهم ، ومع ذلك تراهم مطيعين للظالمين و ناصرين للطغيان .

فيا طيب : فأي أناس أصبحوا هؤلاء ؟! وهل تجد كلمة تدل على الرذالة والانحطاط تعبر عن فعل قوم يدعون انتسابهم لدين معين ، ثم يقتلون رئيس دينهم وأهله ، ويسبون حريمهم ، ويطوفون بهم البلاد .

فإنهم : لو كانوا يقرون بأنهم خرجوا عن الإسلام كما هم على الحقيقة ، لهان الأمر ولما ضل بهم الناس ، ولكنهم باسم الإسلام يقتلون المسلمين المؤمنين الأبرار ، وتراهم يصرون على فعلهم فيسبون آل الرسول ، ويدورون بهم في جميع بقاع الأرض مفتخرون بعملهم المشين .

فبالله عليك : ما هذا الانحطاط الذي أصاب الأمة الإسلامية ؟! وكيف وصلوا لهذه للانغماس المشين في هذه الرذيلة ؟! ومن مهد لهذه الأفعال ممن يدعي أنه من خلفاء الرسول ؟! ومن جرأهم على فعل هذه الأفعال الكافرة في آل أشرف الأنبياء ؟! ومن دعمهم بالقول والفعل ؟! ومن نصر السلاطين الطغاة من قبل حتى تمكن أبنائهم على الإقدام على فعلى أنكى الأعمال في تأريخ البشرية ، و خرجت من فعل الإنسانية والبهيمية بل والشيطانية ؟!

ثم يا طيب : هل يكمن الاعتماد على قول من أقوالهم ، وحديث رووه عن رسول الله وعاظهم ، أو تفسير لآية بل كلمة من كتاب الله يشرحها ويعرف معناها من رضي بفعلهم ، وهم يكذبون آل الرسول ويتهموهم بالكفر والنفاق والخروج عن الدين حتى قتلوهم وسبوا عيال آل محمد وثقله .

أليس آل محمد الحسين وآله الكرام : هم القرآن الناطق ، والأئمة الذين طهرهم الله تعالى في آية التطهير ، ونفى عنهم الكذب في آية المباهلة ، وجعلهم ورثة الكتاب ، وجعلهم راسخين بعلمه ، وأيدهم حتى حملهم أمر الإمامة والخلافة ، وأوكل إليهم هداية الناس لدينه ، والسير بهم على صراط مستقيم لكل نعيم .

والله يا منصف : من يقرأ ما حل بالإسلام وأهله ، وتهاونهم بآل الرسول بالخذلان والقتل والسبي بهذه الصورة الرذيلة والأعمال القبيحة ، والتي يبتعد عنها ألأم الناس و أخبثهم ، و مع ما يعرفون من عناية الله بالعترة الطاهر في آيات كثيرة في القرآن الكريم ،  وما شرح وبين وعرف فضلهم نبيه الأكرم في أحاديث لا تحصى .

 ومن ثم يرى ويعرف : ما حل بهؤلاء الأطهار ممن يدعي الإسلام ، ويفتي الناس وهمه جائزة الجائرين ، ويشرح ويفسر كتاب الله برأيه وعينه على كلمة تحسين من الحكام الظالمين ، ويروي أحاديث رسول الله وتعاليمه وغايته وهواه رضا أئمة الكفر والضالين .

 ومن ثم : يركن لحديث واحد لراوي من هؤلاء الظلمة الفسقة الفجرة الذين يوالون بني أمية ، وأظهروا رضاهم بفعلهم في عملهم المشين في آل النبي :

 لهو أما : مجنون يتعب بعمل يبعده عن رضا الله ويدخله في غضبه وناره ، وذلك لرضاه ولقبوله قول هؤلاء الطغاة وأعمالهم ، وعدم استنكاره للفعل الكافر لبني أمية وأتباعهم ، وظلمهم لأشرف خلق الله ، وطغيانهم على أهل دين الله الإسلام ، وعدم رضاه بهدى أفضل موجودات الدنيا والآخرة محمد وآله ، وعدم حبه وتوليه لسادة أهل الوجود وأئمتهم بحق وواقع الهدى بصدق .

 أو معتوه مغفل : وضال مضل مع سبق الإصرار ، لأنه يعلم علم اليقين ، إنه يضحك على نفسه ، ويستهزأ بدينه ويعاند ربه ، الذي أمر بتولي الصالحين من النبي وآله وإتباعهم والإقتداء بهم والتعلم منهم ، والسير على صراطهم المستقيم لكل هدى أنزله الله ونعيم أعده لمن يتبعهم ويطيعهم ويحبهم ، وما أوجبة سبحانه من التبري من الظلمة والفسقة وأعوانهم في القول والفعل ، وبالخصوص ظلمة آل محمد والطاغون عليهم ، وأنه يجب عليه مقاومة أعدائهم وبالخصوص رفض تعاليم منكري شأن آل محمد الكريم ، وفضح ولعن في كل آن وزمان ظالميهم ومن قتلهم وسباهم ولم يرعى حرمتهم .

والله لو كان للمؤمن : في كل يوم مجلس ، يذكر فيها تعاليم الله ، ثم يبكي الحسين وآله وصحبه ، لما أدى بحق حق الله ورسوله ما وأجبه من حب وود وإطاعة أئمة دينه وولاة هداته ، ولبقي عليه العمل طول يومه في نشر تعاليم الحسين وثورته ، وحتى في حال كسبه ومعاشه ، وعليه تذكير الناس بهداهم في محيط علمه وتعلميه وفعله وعمله .

 لا أقول : يبكيه طول اليوم وإن كان هذا نوع من الوفاء لحرمة الله ، ولكن أقول لأنه لابد من الكسب والعيش في هذه الحياة الدنيا ، فلا أقل عليه أن يكون داعيا لدين الله في خلقه وأخلاقه وحاله وتعامله ومعاملاته ، ويكون مؤمن لا يقبل عمل ديني أو دنيوي لا يخدم تعاليم الله الحقيقة التي لا تستقي علومها من نبينا محمد وآله الأطهار ، وتطبيقها فعلا وقولا وعلما وعملا، فضلا عن علم وعمل مخالف لهم ومبعد عن هداهم.

فالإمام : الذي ضحى بنفسه وأهله وصحبه ، وقدم أهله وعياله سبايا لنشر تعاليم الله ، وضحى بآله وقدم عترته للأسر ، لكي يرينا الانحراف الذي حصل بالإسلام وأهله ، ويعرف العباد ظلم الطغاة وشدة ابتعادهم عن أقل أخلاق الدين وتعاليم هداه .

 لجدير : بأن يكون المؤمن من الدعاة لتعاليمه ، والتي هي تعاليم الله ، والمسلم يكون ناشر ومبين لمعارفه وأفعاله ، ولو بسلوكه وقوله وعمله ، وفي كل حين وزمان وفي كل بقعة من الأرض ومكان .

ولكي يتعرف العباد والمنصفون فضلا عن المسلمين : انقلاب المسلمين وبالخصوص حكامهم على الرسول وآله ، وإصرار القوم من يوم السقيفة والشورى على تدعيم الانحراف عن تعاليم الله علما وعملا ، حتى وصل بالناس وممن يدعي الإسلام أشد أحوال الانحطاط ، وكيف تسفلوا بالكفر العملي فضلا عن العلمي ، في تعذيب آل الرسول وأهل بيته والأطهار بعد قتل رجالهم ، وكيف رضوا صدورهم بحوافر الخيل ، وقطعوا رؤوسهم وحملوها على الرماح يطوفون بهم البلاد ، ولا من منكر ولا من مستأثم ، فضلا عن رافض ومحرم ومقاوم .

وما عرفت في هذه الصحيفة من نور الإمام الحسين عليه السلام : وما أشرق من نور علمه وفعاله ، ليكفي لكي تبكي الإسلام بدل الدموع دماً  ، وكلما تذكرت الحسين وآله وما حل بهم أن تتأسف على عدم وجودك في زمانه لتنصره ، وتتحسف على عدم كونك في ذلك الوقت معه لتعينه ، بل لتغتم وتحزن وتحمل الهم لعدم تمكنك من العلم والعمل بما هو مناسب لمؤمن يحب الدين فينشر تعاليم علمها الحسين وآله عليهم السلام ، فتسعى بجد للكون معهم الآن في ذكر مجالس تعرف نوره أو تحضرها لتتعلم ، و تستضيء بمصباحه  ، وتركب سفينة نجاته ، فتنجوا وتنجي من تحب من المؤمنين وعباد الله الصالحين وكل الخيرين والمنصفين ممن يحبون الطيبين الطاهرين .

فيا طيب : بعد ما عرفنا في مصباح هدى الحسين من إقدامه وتضحيته بالغالي والنفيس ، إليك سفينة نجاة فيها مجالس ذكر مسير آل محمد وهم أسرى بيد الطغاة من كربلاء إلى الكوفة ، ونص خطبة العقيلة عليها السلام في أو دخولهم وشرحها.

فإليكم : هذا المتمم والمكمل لثورة الحسين ومصاب الإسلام ، فليتفطر قلبك ، و ليثور لبك ، ولتتفجع نفسك، من أجل الإيمان وأهله ، ولتقر وتذعن أن لا دين لله إلا ما كان من الرسول وآله وأتباعهم ، ولا كفر ولا ضلال ولا نفاق ألا ما كان عند أعدائهم .

فهذا بين يديك الكريمتين : تكميل مسير الرسالة المحمدية ، والفجيعة الربانية التي أحلها أعداءه في أولياءه ، ولتتدبر فتعرف دين الله أين حل ومن هم أهله ، لتتبعهم في القول والعمل ، ومنهم أعداء الله ودينه لترفضهم بالوجدان والفعل .

 


 

 

الذكر الأول

ما حصل بعدة شهادة الإمام في كربلاء ومسير آله سبايا حتى دخول الكوفة

الإشراق الأول :

أعمال الظالمين في يوم العاشر بعد مقتل الإمام الحسين :

إنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم :

يا موالي : هنا ترى مصيبة كبرى أخرى وهي المسير بأسرى آل محمد عليهم السلام من كربلاء إلى الكوفة ، وهي على حد المصيبة العظمى لشهادة سيد الشهداء أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، بل استمرار لها وليوم الهجوم على أم العقيلة بعد وفاة رسول الله بأيام ، ولتحكيهما بأسلوب آخر فتعرف شدة قبحهما ، ولتنشر رسالتها في كل البلاد ، وتعرف أهدافها لكل العباد ، ولكي لا يجهلها أحد يمر بالتأريخ الإسلامي أو البشري .

فهذه الرحلة : لآل محمد صل الله عليهم وسلم ، رحلة الإيمان وتعريف هداه ، وهذا السفر لآل رسول الله هو سفر الإسلام وتعريف أسفاره ، وهذا الانتشار لآل محمد هو نشر معارف الدين وأحكامه ، وهذه الحركة مع مصابها وجلل خطبها فهي خطبة الإسلام وتعريف خطوطه وخططه ، حتى يبقى أبد الزمان يعرف هداه ناصعا لكل المنصفين ، فضلا على الطيبين من المسلمين والمؤمنين وكل المتقين والمخلصين لله الدين .

فإنها أيام الله : والهجرة إليه ووقوع أجرهم عليه ، والتي أرانا فيها وكل العباد محل هداه وأهله دائما ، وعرفنا أهل الضلال والمنحرفين عنه مادامت السموات والأرضين.

فإنه يا طيب : السير بآل محمد أسرى وسبايا بعد قتل سيد شباب أهل الجنة وإمام الهدى وآله الكرام وصحبه الطيبين ، لهو سير بالإسلام والإيمان والهدى وتعريف مسيره ومحله ونوره ونشره في كل البقاع ، حتى لم يبقى عذر لأحد في جهله ، ولم تبقى حجة لأحد في هجره وعدم الاهتمام به ، فمن تأسف وحزن وتابع وعرف ؛ كان على صراط مستقيم ، ومن تجاهل وهجر ؛ كان في ضلال مبين إلى يوم الدين .

ويا موالي : في أخر نور من مصباح الهدى السابق مر كلام عن بعض الأحداث التي تحكي حال آل محمد بعد مقتل سيد الشهداء وصبحه وآله ، وأنهم كيف رضوا صدر سيد الشهداء بحوافر الخيل بعد قتله ، ثم أنهم عدوا عليهم يسلبوهم كل شيء مما وقع عليه نظرهم ، سواء من نفس لباس الإمام عليه السلام وسلاحه ، أو ما كان على وعند صبحه الكرام ، أو ما كان في الخيام ، وما كان ساتر لخير الخلق والأنام ، وأنهم حرقوا خيامهم ثم جمعوهم في خيمة ووضعوا حارس عليهم .

ورجع القوم الظالمين : إلى أعمال أخرى ترينا خبثهم وشدة عدائهم لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، فقطعوا رؤوس آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، الحسين وآله وصحبه الكرام ، ثم بعد يوم ساروا بهم أسرى يقدموهم هدية لأظلم وأعق طاغية تحكم في دماء المسلمين وتسلط عليهم بفعل من ولاه وولى أبيه من قبل ، ومن ولي حكومة المسلمين من قبل فولاهم ، فادعوا كلهم خلافة رسول رب العالمين كذبا وزورا .

ولكي نتعرف على بعض الأحداث الأخر أو تفصيل بعض ما مر نتدبر :

 


 

الإشراق الثاني :

أعداء الله يقطعون رؤوس الشهداء ويقتسموها ويرحلوا للكوفة :

في تأريخ الطبري بسنده عن أبي مخنف قال :

فقتل : من أصحاب الحسين عليه السلام ، اثنان وسبعون رجلا .

وقال محمد بن أبي طالب :

 ثم إن عمر بن سعد : سرح برأس الحسين عليه السلام ، يوم عاشورا .

مع : خولي بن يزيد الأصبحي ، وحميد بن مسلم ، إلى ابن زياد .

ثم أمر : برؤوس الباقين من أهله بيته وأصحابه .

فقطعت : وسرح بها مع شمر بن ذي الجوشن إلى الكوفة .

وقال الطبري عن أبي مخنف قال : وقطف رؤوس الباقين فسرح باثنين وسبعين رأسا ، مع شمر بن ذى الجوشن ، وقيس بن الاشعث ، وعمر بن الحجاج ، وعزرة بن قيس ، فأقبلوا حتى قدموا بها على عبيدالله بن زياد  .

وروي في أنساب الأشراف : أن رؤوس أصحاب الحسين وأهل بيته ، كانت ثمانية وسبعين رأسا ، واقتسمتها القبائل ، ليتقربوا بذلك إلى عبيد الله وإلى يزيد .

فجاءت كندة : بثلاثة عشر رأسا ، وصاحبهم قيس بن الأشعث .

وجاءت هوازن : باثني عشر رأساً وفي رواية ابن شهر آشوب بعشرين وصاحبهم شمر لعنه الله .

 وجاءت تميم : بسبعة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهر آشوب : بتسعة عشر .

 وجاءت بنو أسد : بستة عشر رأسا ، وفي رواية ابن شهر آشوب: بتسعة رؤوس.

وجاءت مذحج : بسبعة رؤوس .

وجاءت سائر الناس : بثلاثة عشر رأسا .

وقال ابن شهر آشوب : وجاء سائر الجيش : بتسعة رؤوس ، ولم يذكر مذحج .

قال : فذلك سبعون رأساً .  ثم قال محمد بن أبي طالب :  وجاءوا بالحرم أُسارا ، إلا شهر بانويه ، فإنها أتلفت نفسها في الفرات. ولم أرى من غيره ما ذكر أخيرا .

وقال في مقتل الخوارزمي: وأقام عمر ابن سعد يومه ذلك إلى الغد فجمع قتلاه وصلى عليهم ، وترك أصحاب الحسين وأهل بيته وأصحابه..وكانوا اثنين وسبعين رجلا [1].

 

 


 

الإشراق الثالث :

ظهر الحادي عشر من المحرم يرحل بسبايا آل الرسول :

وقال السيد بن طاووس :

 وأقام : عمر بن سعد  بقية يومه  العاشر من المحرم  .

واليوم الثاني : إلى زوال الشمس .

 ثم رحل : بمن تخلف من عيال الحسين عليه السلام .

وحمل نساءه : على أحلاس أقتاب ، بغير وطاء ، مكشفات الوجوه بين الأعداء .

 وهن ودائع : خير الأنبياء .

وساقوهن : كما يساق سبي الترك والروم .

في أسر : المصائب والهموم .

ولله در القائل : 

يصلى على المبعوث  من آل هاشم

و يغزى   بنوه   إن  ذا    لعجيب [2].

 

وقال في مثير الأحزان: ثم إن عمر بن سعد :

أقام : بقية يوم عاشوراء ، و الثاني إلى الزوال :

ثم أمر : حميد بن بكير الأحمري ، فنادى في الناس : بالرحيل إلى الكوفة .

 و حمل معه : بنات الحسين وأخواته ، ومن معه من الصبيان ، وعلي بن الحسين مريض ، بالدرب .

قال قرة بن قيس التميمي : نظرت إلى النسوة لما مررن بالحسين عليه السلام ـ

 صحن : و لطمن خدودهن.

 فاعترضتهن : على فرس ، فما رأيت منظرا من نسوة قط أحسن منهن .

ويا طيب : يحسن إيراد ما قال السيد الحميري في سبط النبي :

امرر على جدث  الحسين      و  قل  لأعظمه الزكية

يا   أعظما   لا      زلت      من وطفاء ساكبة روية

و   إذا   مررت      بقبره      فأطل  به وقف  المطية

و ابك  المطهر    للمطهر     و  المطهرة       التقية

كبكاء    معولة      أتت     يوما  لواحدها    المنية

و لقد أحسن عقبة بن عمر السهمي بقوله :

إذا العين قرت  في  الحياة    و أنتم     تخافون في الدنيا  فأظلم  نورها

مررت على  قبر  الحسين  بكربلاء     ففاض عليه من دموعي غزيرها

فما زلت أرثيه   و   أبكي  لشجوه     و تسعد عيني دمعها  و زفيرها

و بكيت من بعد  الحسين عصائبا     أطافت به من  جانبيها  قبورها

سلام على  أهل  القبور   بكربلاء     و قل  لها  مني  سلام   يزورها

سلام  بآصال العشي و  بالضحى     تؤديه  نكباء   الرياح  و مورها

و لا  برح   الوفاد    زوار     قبره      يفوح عليهم  مسكها وعبيرها[3]

 

 


 

الإشراق الرابع :

آل محمد في مسيرهم إلى الكوفة يمرون على مصارع وجثث قتلاهم :

وقال السيد بن طاووس :

فخرجن : حواسر ، مسلبات ، حافيات ، باكيات .

يمشين : سبايا ، في أسر الذلة .

 وقلن بحق الله : إلا ما مررتم بنا على مصرع الحسين .

 فلما نظرت النسوة : إلى القتلى ، صحن وضربن وجوههن .

قال : فوالله لا أنسى زينب بنت علي عليه السلام :

 وهي تندب الحسين : وتنادي بصوت حزين ، وقلب كئيب :

 وا محمداه : صلى عليك مليك السماء .

هذا حسين : مرمل بالدماء ، مقطع الأعضاء ، وبناتك سبايا .

إلى الله المشتكى :

 وإلى محمد : المصطفى ، وإلى علي المرتضى ، وإلى حمزة سيد الشهداء .

 وا محمداه : هذا حسين بالعراء ، يسفي عليه الصبا ، قتيل أولاد البغايا.

 يا حزناه : يا كرباه ، اليوم مات جدي رسول الله .

 يا أصحاب محمداه : هؤلاء ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا .

 

وقال أبن نما الحلي: ومررن على جسد الحسين ، وهو معفر بدمائه ، مفقود من أحبائه ، فندبت عليه زينب : بصوت مشج ، و قلب مقروح : وذكر ما مر إلا أنه قال :

يا محمداه :.. ، قتيل أولاد الأدعياء .

وا حزناه وا كرباه : اليوم مات جدي رسول الله .

يا أصحاب محمداه : هذه ذرية المصطفى ، يساقون سوق السبايا .

فأذابت : القلوب القاسية ، و هدت الجبال الراسية .

وفي بعض الروايات :

يا محمداه : بناتك سبايا ، وذريتك مقتلة ، تسفي عليهم ريح الصبا .

وهذا حسين : مجزوز الرأس من القفا ، مسلوب العمامة والرداء .

 بأبي : من عسكره في يوم الاثنين نهبا .

بأبي : من فسطاطه مقطع العرى .

بأبي : من لا هو غائب فيرتجا ، ولا جريح فيداوى .

بأبي : من نفسي له الفداء .

بأبي : المهموم حتى قضى .

بأبي : العطشان حتى مضى .

بأبي : من شيبته تقطر بالدماء .

بأبي : من جده رسول إله السماء .

بأبي : من هو سبط نبي الهدى .

بأبي : محمد المصطفى .

بأبي : خديجة الكبرى .

بأبي : علي المرتضى .

بأبي : فاطمة الزهراء سيدة النساء .

بأبي : من ردت عليه الشمس حتى صلى .

قال : فأبكت والله ، كل عدو وصديق .

ثم إن سكينة : اعتنقت جسد الحسين عليه السلام .

فاجتمع : عدة من الأعراب حتى جروها عنه [4].

وقال الخوارزمي في المقتل :

ثم أذن : عمر بن سعد الناس في الرحيل إلى الكوفة .

 وحمل : بنات الحسين ، وأخواته ، وعلي بن الحسين ، وذراريهم .

فما مروا : بجثة الحسين ، وجثث أصحابه :

صاحت : النساء ، ولطمن وجوههن .

وصاحت زينب : يا محمداه : صلى عليك ملك السماء .

هذا حسين : بالعراء ، مزمل بالدماء ، معفر بالتراب مقطع الأعضاء .

يا محمداه : بناتك في العسكر سبايا .

وذريتك قتلى : تسفى عليهم الصبا .

هذا ابنك : محزوز الرأس من القفا .

لا هو : غاب فيرجى ، ولا جريح فيداوى .

وما زات تقول هذا القول : حتى أبكت كل صديق وعدو .

حتى رأينا : دموع الخيل ، تنحدر على حوافرها .

ثم قطعت : رؤوس الباقين . فسرح : باثنين وسبعين رأسا ، مع : شمر بن ذي الجوشن ، وقيس بن الأشعث ، وعمروا بن الحجاج [5].

يا موالي : هذا أصعب موقف محزن ومفجع يمر به إنسان ، فيرى آله كلهم مجزرين مقطوعي الرؤوس ، فيتركهم بدون دفن ، وهو أسير بيد أعدا الله ورسوله .

ويقولون : حين نقل كلام عقيلة بني هاشم عليه السلام ، أبكت كل عدو وصديق ، وهل بقي صديق غير وجودهم المبارك ، وهل من يكون في جيش أعدائهم ويكثر سوادهم ، وهو يتعبد بفكرهم الشيطاني، ويدعم طغيانهم ويرضى بفعلهم ويتبع وعاظهم، ويدعم ضلالهم، وفي أي زمان ومكان كان ، يعتبر صديقا لهم ؟ إنا لله وإنا إليه راجعون.

 

 

 


الإشراق الخامس :

الإمام السجاد وبني أسد يدفنون الشهداء يوم الثاني عشر من المحرم :

قال السيد بن طاووس : ولما انفصل ابن سعد عن كربلا ، خرج قوم من بني أسد فصلوا على تلك الجثث الطواهر المرملة بالدماء ، ودفنوها على ما هي الآن عليه .

وقال المفيد رحمه الله : دفنوا الحسين صلوات الله عليه حيث قبره الآن .

 ودفنوا ابنه علي بن الحسين الأصغر : عند رجليه .

 وحفروا للشهداء: من أهل بيته وأصحابه الذين صرعوا حوله ، مما يلي رجلي الحسين عليه السلام ، وجمعوهم ودفنوهم جميعا معا .

ودفنوا العباس بن علي رضي الله عنه : في موضعه الذي قتل فيه ، على طريق الغاضرية حيث قبره الآن[6] . وفي رجال الكشي : بسنده قال عن بعض أصحابنا قال :

 كنت عند الرضا عليه السلام : فدخل عليه علي بن أبي حمزة ، وابن السراج ، وابن المكاري ، فقال علي : بعد كلام جرى بينهم وبينه عليه السلام في إمامته :

إنا روينا : عن آبائك عليهم السلام ، أن الإمام لا يلي أمره إلا إمام مثله .

فقال له أبو الحسن عليه السلام :

 فأخبرني : عن الحسين بن علي ، كان إماما أو غير إمام ؟ قال : كان إماما ؟

 قال :  فمن ولي أمره ؟  قال : علي بن الحسين .

قال : وأين كان علي بن الحسين ؟ كان محبوسا في يد عبيد الله بن زياد .

قال : خرج ، وهم كانوا لا يعلمون ، حتى ولي أمر أبيه ، ثم انصرف .

فقال له أبو الحسن : إن هذا الذي أمكن علي بن الحسين أن يأتي كربلا ، فيلي أمر أبيه ، فهو يمكن صاحب هذا الأمر ، أن يأتي بغداد ، ويلي أمر أبيه [7].

يا موالي : مر أنهم دفنوهم بعد رحيل أبن سعد بيوم ، فيكون اليوم الثاني عشر.

 


الإشراق السادس:

أسرى آل محمد قرب الكوفة  يحصلون على الستر :

قال السيد رحمه الله :

 وسارا بن سعد بالسبي المشار إليه .

فلما قاربوا الكوفة : اجتمع أهلها للنظر إليهن .

قال : فأشرفت امرأة من الكوفيات ، فقالت : من أي الأسارى أنتن ؟

فقلن : نحن أسارى آل محمد ، فنزلت من سطحها .

وجمعت : ملاء ، و أزرا ، ومقانع ، فأعطتهن ، فتغطين .

قال : وكان مع النساء علي بن الحسين عليه السلام ، قد نهكته العلة .

والحسن : بن الحسن المثنى ، وكان قد واسى عمه وإمامه ، في الصبر على ضرب السيوف وطعن الرماح ، وإنما أرتث وقد أثخن بالجراح .

وكان معهم أيضا : زيد وعمرو ولدا الحسن السبط عليه السلام .

 

 قال وروى مصنف كتاب المصابيح :

 أن الحسن بن الحسن المثنى : قتل بين يدي عمه الحسين عليه السلام في ذلك اليوم ، وهم سبعة عشر نفسا ، وأصابته ثمانية عشر جراحة ، فوقع .

فأخذه : خاله أسماء بن خارجة ، فحمله إلى الكوفة ، وداواه حتى برء [8].

 

 

 



[1]أنساب الأشراف ج1ص424 .اللهوف ص144م3 ، المناقب ج3ص112 تاريخ الطبري ج4ص348 ، الكامل في التاريخ ج2ص178 . مقتل الخوارزمي ج2ص44 , بحار الأنوار ج45ب37ص62ح2. وقد عرفت يا موالي : في أغلب الروايات أنها اثنان وسبعون رأسا ، ويؤيد تقسيمها رواية الطبري ، لأن هؤلاء رؤساء قبائلهم فضلا عن كونهم قادة للجيش, بحار الأنوار ج45ب37ص62ح2.

[2] اللهوف ص143م3 ، بحار الأنوار ج44ب39ص107ح1.

[3] مثير الأحزان ص84 . وروى الرواية من غير ذكر الشعر  في تاريخ الطبري ج4ص348 . وفيه الرواية أخرها رأيته منهن ذلك، والله لهن أحسن من مهى يبرين ، قال فما نسيت من الأشياء لا أنسى قول زينب ابنة فاطمة ، حين مرت بأخيها الحسين صريعا ، وهى تقول : يا محمداه يا محمداه صلى عليك ملائكة السماء ، هذا الحسين بالعرا مرمل بالدما ، مقطع الاعضا ، يا محمداه : وبناتك سبايا ، وذريتك مقتلة تسفى عليها الصبا ، قال : فأبكت  والله كل عدو وصديق .
 ومهى يبرين : بلور رقيق وخزف يحمل من يبرين ورمله صافي .الوطْفاء الدِّيمة السَّحُّ الحَثيثة ، و سحابة وطفاء: كأنما بوجهها حمل ثقيل ولها مطر كثير. العويل : هو البكاء والصياح ، أعولت المرأة إعوالا، و هو شدة صياحها عند بكاء أو مكروه نزل بها ، المنية : الموت . والشجو : الهم ، نكباء : ريح بين ريحين تتنكب عن ريح القوم ، والمور: التموج والسرعة ، أي الرياح البعيدة والقريبة والسريعة.

[4] كتاب الملهوف ص 112 - 121 ، مثير الأحزان ص78 ، بحار الأنوار ج45ب37ص58ـ59ح2 .سفي: الريح تسفي التراب و الورق و اليبيس‏ أي تحمله وتجرفه معها ، و الصبا : ريح تهب من مطلع الشمس .

[5]مقتل الحسين للخوارزمي ج2ص45 .

[6] الإرشاد ص 227 ، كتاب الملهوف ص 127 ، بحار الأنوار ج44ب39ص107ح1.

[7] رجال الكشي ص 394  ، بحار الأنوار ج44ب39ص169ح16.

[8]اللهوف ص143م3 . بحار الأنوار ج44ب39ص108ح1. ملاء : جمع ملاءة وهى الريطة ذات لفقين ، وأزر: جمع أزار وهو ثوب يلبس على الفخذين ، ومقانع : جمع مقنع بالكسر ما تقنع به المرأة رأسها وتغطيه به .

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com