بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

صحيفة

 نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

الجزء الثامن

سفينة نجاة

 شرح خطبة الشقيقة عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

الإشعاع العاشر :

العقيلة تعرف قرب الحسين من خاتم النبيين وسيادته للمؤمنين :

وأنّا يغسل عار قتل أكرم خلق الله بعد آبائه ، وكما قالت العقيلة تعرفه :

فسليل : خاتم الرسالة ، و سيد شباب أهل الجنة .

....   خذلتم : و له قتلتم .

والمعنى :

 

فسليل خاتم الرسالة :

الفاء : تفريع على ما سبق .

السليل : سلل : السَّلُّ : انتزاعُ الشيء و إِخراجُه في رِفْق‏ ، و انْسَلَّ من بينهم أَي خرج‏ ، و سُلالةُ الشيء : ما اسْتُلَّ منه ، و النُّطْفة سُلالة الإِنسان‏ ، و في التنزيل العزيز :

 { وَلَقَدْ  خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ (12) } المؤمنون .

قال الفراء : السُّلالة الذي سُلَّ من كل تُرْبة ؛ و قال أَبو الهيثم : السُّلالة ما سُلَّ من صُلْب الرجل و تَرائب المرأَة كما يُسَلُّ الشيءُ سَلًّا ، و السَّليل : الولد سُمِّي سَليلًا لأَنه خُلق من السُّلالة ، و السَّلِيلُ : الولد حين يخرج من بطن أُمه .

وخاتم الأنبياء والمرسلين ، و ختمة به الرسالة :

 نبينا الأكرم : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو جد الإمام الحسين عليه السلام وأبن عم أبيه صلى الله عليهم وسلم .

وقد قال الله سبحانه : { مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ

وَخَاتَمَ النبيينَ  وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (40) } الأحزاب .

 فإن نبينا الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم : ليس أب من رجالهم ، ولكن آب لذريته من آله وعترته وأهل بيته المطهرون فهو  أب الحسن والحسين حين قال الله سبحانه : {  فَمَنْ  حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

 فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ

أَبْنَاءنَا وَأَبْنَاءكُمْ

وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا  وأَنفُسَكُمْ

 ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) }آل عمران .

وأبنائنا جاء بالحسن والحسين وفاطمة وعلي كنفسه ، فهم العترة المطهرة بأية التطهير وهم القربى الذين أمر الله بمودتهم وجعلهم أجر رسالته بقوله تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى 

وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (23) } الشورى .

 فآل محمد : هم أجر الرسالة وآل الرسالة والمرسل ، وإن ختمت الرسالة فهم العترة التي تنطق بها وتعلمها حقا ، ويجب أن يقتدى ويتأسى ويتعلم منهم ، وهم  الحسين وآله بعد أبيه وأخيه ، فهو سليل نبي الرحمة محمد صلى الله عليه وآله : في البدن والدين ، والجسم والرسالة .

وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم :

 حسين مني وأنا من حسين .

 نعم الحسين : من خاتم المرسلين بدن وجسم وعقيدة ودين ، وسيد الأنبياء منهم لأنه بآله يستمر هداه ، فالحسين دمه ولحمه ، وحقيقة دينه وتطبيقه ، قتلوه ولم يرعوا له حرمه ، فما يغسل هذا العار إلى الخلود في النار في عذاب رب العالمين ، ومعهم الظالمين والضالين وكل من يرضى بفعلهم إلى يوم القيامة ، ومن تبع غير هدى آل محمد له الخزي والعار إلى يوم الدين .

 

وكلهم ذكر نص :

 وسيد شباب أهل الجنة :

وقد ذكرنا بحث مفصل في معنى : الحديث الشريف :

الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة .

 وتجد شرح الحديث مفصلا : في مصباح الجزء قبل السابق من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام ، وفي صحف سادة الوجود من موسوعة صحف الطيبين ، ببحث موسع ومفصل في عدة أجزاء يعرفنا معنى السيادة ، وهنا نذكر مختصرا من معناها :

السيد :

 من مادة : سود : ساد يَسُود سُوداً وسُؤْدَداً ، وسادَ : يَسُودُ سِيَادَةً ، والاسم السُّودَد ، و السُّودُ والسَّيِّد هو : الرَّئيسُ والعابدُ الوَرِعُ والحَلِيمُ من له بُعْد الهِمَّة والتناهِي في الفَضْل  ، ومن له المَجْدُ والشَّرفُ ، و سمي السيد : سَيِّد لأَنَّه يَسُودُ سَوَادَ الناسِ  ، وهو الذي يملك تدبير السواد الأعظم ، تقول العرب : فلان سيدنا : أَي رئيسنا والذي نعظمه . والسادة : جمع السيد . وكُلُّ بَنِي آدمَ سَيِّدٌ فالرجلً سَيِّدُ أَهل بيتِه والمرأَةُ سَيِّدةُ أَهْلِ بَيتِها ، فهو سَيِّدٌ والأُنثى سَيِّدةٌ .

يا طيب : السيد كلمة تحوي خصوصية تعرف فضل صاحبها على أهل جنسه ونوعة أو صنفه ، وإن جاء في الحديث : إن لكل شيء سيد ، و في الجزء قبل السابق  وفي صحيفة سادة الوجود من موسوعة صحف الطيبين تم تفصيل معنى السيادة وملاكها ، ومعنى السيادة في أغلب الأشياء ومراتب التكوين .

وفي الإسلام : السيادة لأهل التقى ، وسادتهم العلماء الأسخياء .

وكانت العرب : تستعمل كلمة السيد لتعريف كل شريف قوم وقبلية ورئيسها ، وتعطيه أسماء تبين مكارمه وخصائص فضائله ، ونذكر بعضها مثل :

الكوثر : السيد الكثير الخير . البهلول : السيد الحسن البشر ، والخنذيذ : السيد الحكيم لأنه عالم سخي بعلمه ، القِذَمُ : السيد الرغيب الخُلُق الواسع البلدة ، المقرم : السيد الرئيس من الرجال لأنه شبه بالمقرم من الإبل لعظم شأنه وكرمه عندهم ،  والمُجلجلُ : السيد القوي الجريء الشديد الدفع واللسان ، الصِّنْدِيدُ والصِّنْتِيتُ : السَّيِّدُ الشريف الشجاع  ، العَبْقَرى : السّيد الفاخر  ، السَّمَيْدَعُ : بالفتح الكريم السَّيِّدُ الجميل الجسيم المُوَطَّأُ الأَكناف والأَكنافُ النواحي ..... وهكذا .

ويا طيب : جمعنا في صحيفة سادة الوجود كثير من الأسماء المأخوذ في معناها السيد ، مع خصوصية تعرفه صنفه في الناس ، ولأي خصوصية نال سيادته ، فهو بالإضافة لأصالته في قومه له خصوصية ما ، أما علميه ، أو شجاعة ، أو كرم ، أو سماحة ، أو علم ، أو جمال ، أو فخر ، أو غيرها .

وبهذا نعرف أن السيد : هو الملي الفاضل وأحسن آله ، وهو المقدم في كل قوم ، والمعتمد الذي يرجع له عند الشدائد ، وعنده يتم حل المشاكل ، وبنصره يرتفع الحيف ، مع خصوصية يطلق عليه اسم آخر يبين فضله وشرفه من ناحيته .

 والسيد في الدين : هو من يتم عنده تعلم الدين ومعارف هداه بحق .

 ولذا جعل الله سبحانه : آل محمد سادة أهل التكوين وفي كل مراتب وجوده ، ويستنير بنور هداهم كل من يتبعهم ، وينجو ويفوز بحق كل من يركب سفينة دينهم .

فسيادة آل محمد لأهل التكوين : هي سيادة دين وتقى مع سخاء واسع في بذل علم الهدى ، والدين الإلهي القويم والدفاع عنه بكل ما يملكون ، وترى بين يديك سيادتهم ودفاعهم عن الدين وقصة حياتهم المعبرة عن عين الإخلاص لرب العالمين وتعريفهم لتعاليمه بكل وجودهم .

فلذا كان ملاك سيادتهم :

هو نتيجة : العلم والعمل بالدين والإخلاص لرب العالمين .

وهي سيادة : أهل الجنة ، أي أكرم خلق الله وأفضل عبادة .

وهذه السيادة : هي غاية المنى وأفضل المنتهى وغاية النهى ، وأشرف فضيلة في تعرف أهل العلم والعمل بالدين ، والطاعة والإخلاص لرب العالمين ، ولذا قالت العقيلة بعده هذا الكلام ، عبارات تعرف ملاك سيادة الإمام الحسين عليه السلام ، وسنذكرها بعد أن نذكر لحضرتكم بعض أحاديث السيادة :

 

عن ابن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ذات يوم ، و هو مستبشر يضحك سرورا.

فقال له الناس : أضحك الله سنك يا رسول الله ، و زادك سرورا .

فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : إنه ليس من يوم و لا ليلة إلا و لي فيهما تحفة من الله ، ألا و إن ربي أتحفني في يومي هذا بتحفة لم يتحفني بمثلها فيما مضى ، إن جبرائيل أتاني فأقرأني من ربي السلام ، و قال :

يا محمد : إن الله عز و جل اختار من بني هاشم سبعة ، لم يخلق مثلهم فيمن مضى ، و لا يخلق مثلهم فيمن بقي .

أنت يا رسول الله : سيد النبيين .

و علي بن أبي طالب وصيك : سيد الوصيين .

و الحسن و الحسين : سبطاك سيدا الأسباط .

و حمزة عمك : سيد الشهداء .

و جعفر : ابن عمك الطيار في الجنة ، يطير مع الملائكة حيث يشاء .

و منكم القائم : يصلي عيسى ابن مريم خلفه إذا أهبطه الله إلى الأرض ، من ذرية علي و فاطمة من ولد الحسين [17].

وعن ابن عباس قال : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن عليا : وصيي و خليفتي .

 و زوجته فاطمة : سيدة نساء العالمين ابنتي .

و الحسن و الحسين : سيدا شباب أهل الجنة ولداي .

من والاهم : فقد والاني ، و من عاداهم فقد عاداني .

 و من ناوأهم فقد ناوأني ، و من جفاهم فقد جفاني ، و من برهم فقد برني .

وصل الله : من وصلهم ، و قطع الله من قطعهم .

 و نصر الله : من أعانهم ، و خذل الله من خذلهم .

اللهم : من كان له من أنبيائك و رسلك ثقل و أهل بيت .

 فعلي و فاطمة و الحسن و الحسين أهل بيتي و ثقلي .

 فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا [18].

 

و عن أبي الطفيل : عن الحسن بن علي بن أبي طالب عليه السلام قال :

سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

أنا : سيد النبيين .

و علي بن أبي طالب : سيد الوصيين .

و الحسن و الحسين : سيدا شباب أهل الجنة .

و الأئمة بعدهما : سادات المتقين .

ولينا : ولي الله ، و عدونا عدو الله  ، و طاعتنا طاعة الله ، و معصيتنا معصية الله عز و جل ، و حسبنا الله و نعم الوكيل [19] .

ولا شهر وأعرف من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة و أبوهما خير منهم [20].

و هذا الحديث ذكره كل من كتب في السيرة والمناقب والتأريخ الإسلامي .

 

ويا طيب : السيادة نوعان : سيادة أئمة حق ، وسيادة أئمة الباطل .

وإن من كانه سادته الحسين وآله الكرام : وحبهم بحق وودهم صادقا فتبعهم وأقتدى بهداهم،  فهو إن أطاع الله بهداهم فهو إن شاء الله معهم في الجنة ، والإنسان مع من أحب ، وهذه بعض أوصاف الجنة :

وفي الاختصاص: وعن جابر الجعفي ، عن أبي جعفر الباقر عليه السلام قال :

 إن أهل الجنة : يحيون فلا يموتون أبدا ، ويستيقظون فلا ينامون أبدا ، ويستغنون فلا يفتقرون أبدا ، ويفرحون فلا يحزنون أبدا ، ويضحكون فلا يبكون أبدا ، ويكرمون فلا يهانون أبدا ، ويفكهون ولا يقطبون أبدا ، ويحبرون ويسرون أبدا ، ويأكلون فلا يجوعون أبدا ، ويروون فلا يظمؤون أبدا ، ويكسون فلا يعرون أبدا ، ويركبون ويتزاورون أبدا ، يسلم عليهم الولدان المخلدون أبدا ، بأيديهم أباريق الفضة وآنية الذهب أبدا ، متكئين على سرر أبدا على الارائك ينظرون أبدا ، تأتيهم التحية والتسليم من الله أبدا ، نسأل الله الجنة برحمته إنه على كل شيء قدير .

وإما من كان سادته أئمة الباطل : ممن قتل الحسين وآله ، أو رضي بعلمهم فتعلم منهم أو أقتدى بعملهم فتبعهم وعمل بعملهم ، بل حتى لو أحبهم حشر معهم ، وليس لهم إلا النار ، وهذه بعض أوصاف النار :

وعن جابر بن يزيد الجعفي، عن أبي جعفر عليه السلام قال يصف أهل النار :

 فليس لهم في النار : كلام إلا أنين ، فيطبق عليهم أبوابها ، ويسد عليهم عمدها ، فلا يدخل عليهم روح أبدا ، ولا يخرج منهم الغم أبدا ، وهي عليهم مؤصدة (مطبقة ) ليس لهم الملائكة شافعون ، ولا من أهل الجنة صديق حميم ، وينساهم الرب ، ويمحو ذكرهم من قلوب العباد ، فلا يذكرون أبدا.[21].

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث طويل نأخذ قسما يسيرا منه :

 أهل الجنة : فيها يتنعمون، و أهل النار : فيها يعذبون .

 هؤلاء : في السندس و الحرير يتبخترون ، و هؤلاء : في الجحيم و السعير يتقلبون ، هؤلاء : تحشى جماجمهم بمسك الجنان ، و هؤلاء : يضربون بمقامع النيران، هؤلاء : يعانقون الحور في الحجال ، و هؤلاء : يطوقون أطواقا في النار بالأغلال[22] .

 

ولتتأكد يا طيب : أن سيد الجنة سيدنا وإمامنا الحسين وآله تدبر :

عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآلهما :

إن الله تعالى : لما أحب أن يخلقني ، خلقني نطفة بيضاء طيبة ، فأودعها صلب أبي آدم عليه السلام ، فلم يزل ينقلها من صلب طاهر إلى رحم طاهر إلى نوح و إبراهيم عليهما السلام ، ثم كذلك إلى عبد المطلب ، فلم يصبني من دنس الجاهلية.

 ثم افترقت : تلك النطفة شطرين إلى عبد الله و أبي طالب ، فولدني أبي فختم الله بي النبوة ، و ولد علي فختمت به الوصية ، ثم اجتمعت : النطفتان مني و من علي .

فولدنا : الجهر و الجهير الحسنين ، فختم الله بهما أسباط النبوة ، و جعل ذريتي منهما ، و الذي يفتح  مدائن الكفر ، فمن ذرية هذا و أشار إلى الحسين عليه السلام رجل يخرج في آخر الزمان يملأ الأرض عدلا كما ملئت ظلما و جورا .

 فهما : طاهران مطهران ، و هما سيدا شباب أهل الجنة ،.

طوبى : لمن أحبهما و أباهما و أمهما .

 و ويل : لمن حاربهم و أبغضهم [23].

جعلنا الله وإياكم : منهم وحشرنا على حبهم وودهم ونصرهم ، ولعن الله من حاربهم وقتلهم ورضي بمن عادهم ومنعهم حقهم .

 

 


 

 

الإشعاع الحادي عشر :

العقيلة تعرف معنى سيادة الإمام الحسين وبعض ملاكها :

فإن العقيلة : بعد أن ذكرت قرب الإمام من رسول الله وسيادته للمؤمن ، أخذت تعرف معنى سيادة الإمام الحسين وشأنه الكريم الواجب رعايته لا قتله ، فقالت :

وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، و مفزع نازلتكم ، ومقر سلمكم ، ومنار محجتكم ، و مدرجة حجتكم ، ومدرة ألسنتكم .

خذلتم : و له قتلتم .

يا طيب : جمعنا هنا العبارات من المفيد حيث قال : فسليل خاتم الرسالة ،  مدار خيرتكم ... ، والخوارزمي : قتلتم سليل خاتم الأنبياء :... ابن طيفور : و منار : محجتكم ، و مدرة حجتكم ، و مفرخ نازلتكم . ومقتل الخوارزمي والأحتجاج : قتل سليل خاتم الأنبياء ، وسيد الشهداء ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقر سلمكم ، وآسي كلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقالتكم ، ومدره حججكم ، ومنار محجتكم ، وهم منهم من أختصر الخطبة أو بدل الكلمات بما يقاربها بالمعنى ، وكتبناها كما عرفت أعلاه ، والمعنى :

 

 

ملاذ حربكم :

و المَلاذُ و المَلْوَذَةُ: الحِصن ، و لاذَ به : امتنع ، و في الدعاء اللهم بك ألوذ : أي ألتجئ و أنضم و أستغيث ، وفي الخبر المشهور عن الإمام علي عليه السلام يصف رسول الله ، و هو أشجع البشر ، كنا إذا اشتد البأس و حمي الوطيس، اتقينا برسول الله ، و لذنا به ، أي لجأنا إليه واحتمينا به حين تشتد الحرب ويشتعل سعيرها ويرتفع لهبها ، فنتقي العدو بالكون جنبه وبدفاعه عنا ، وهكذا قالت العقلية عليه السلام في حق الإمام الحسين عليه السلام : وملاذ حربكم ، دافع عنكم ولكنكم أنتم قتلتموه ، ولذتم به ثم خذلتموه ، فما أشنع فعلكم وأقبح عملكم وشر أمنيتكم .

حربكم : والحرب ضد السلم : وهو المجادلة لسلب حق أو إرجاعه .

 والأحاديث: عن رسول الله كثيرة ، تعرفنا أنه توعد من يحارب آله بأشد عذاب الله وجعل حربهم كحربه وسلمهم كسلمه ، وهذا مستمر إلى يوم الدين، ولذا قال :  

كما عن زيد بن أرقم قال : خرج رسول الله صلى الله عليه و آله ، فإذا علي و فاطمة و الحسن و الحسين عليهم السلام ، فقال :

أنا حرب لمن حاربكم ، و سلم لمن سالمكم [24].

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال :  كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي باب علي أربعين صباحا ، حيث بني بفاطمة ، فيقول :

السلام عليكم : و رحمة الله و بركاته أهل البيت :

 { إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ

وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرً (33) } الأحزاب .

أنا حرب لمن حاربتم ، و سلم لمن سالمتم [25].

وعن عبد الله بن يحيى الحضرمي قال : سمعت عليا عليه السلام يقول :

كنا جلوسا : عند النبي صلى الله عليه و آله ، و هو نائم و رأسه في حجري .

 فتذاكرنا الدجال .

فاستيقظ النبي صلى الله عليه و آله محمرا وجهه ، فقال :

لغير الدجال : أخوف عليكم من الدجال .

 الأئمة المضلون ، و سفك دماء عترتي من بعدي .

 أنا حرب لمن حاربهم ، و سلم لمن سالمهم [26].

والأحاديث في هذا المعنى كثيرة جدا رواها الطائفتان الخاصة والعامة .

 

 

ومعاذ حزبكم :

 أعوذ : أعتصم وأستجير ، وارجع بأمر إلى الله ليسددني من شر الوسوسه في الفكر ومن ثم العمل ، وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم : أي أعتصم بالله وألجئ وأستجير وأكون في حصن الله المنيع ملتصقا ممتنعا من كل شين وخبث وجهل وعمن ويوسوس لها وعن أسبابه ، فأحترز بالله سبحانه من كل شر وضر وظلم وضلال ، فأتقي بالله وأخلص عن كل ما يشغل فكري وعلمي وعملي عن المبعد من التحقق بنور الله وتعالى وكرامته .

حزبكم :  والحزب : حزب الأمر يحزب حزبا إذا نابك‏ ، و تحزب القوم : تجمعوا ، و كل طائفة تكون أهواؤهم واحدة : فهم حزب .

 و الأَحْزابُ : جُنودُ الكُفَّار ، تأَلَّبوا و تظاهروا على حرب وحِزبْ النبي صلى اللّه عليه وآله سلم ، ويومهم هو يوم الأحزاب : يوم اجتماع قبائل العرب على قتال رسول الله و هو يوم الخندق .

 فالأحزاب : عبارة عن القبائل المجتمعة لحرب رسول الله ، و كانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش و من كنانة و أهل تهامة و قائدهم أبو سفيان ، و غطفان في ألف ، و هوازن ، و بني قريضة ، و النضير ، وسيأتي بعض البيان لحرب الأحزاب.

وفي يوم كربلاء : أيضا أجتمع حزب الشيطان والنفاق والكفر لحرب الإمام الحسين وقد عرفت عدد أفراد كل قبيلة وقائدهم في مصباح الهدى في هذا الجزء ، وعليهم عمر بن سعد وشمر والحجاج وشبث وغيرهم من الضالين الطغاة ، وكما قال الإمام الحسين عليه السلام في خطابه لهم وقد عرفته :  أستحوذ عليهم الشيطان ، وهم مصداق قوله تعالى : {  اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ  أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (19) }المجادلة .

وأما حزب الإمام الحسين عليه السلام : فهم حزب أبيه وجده رسول الله فهم حزب الله ، ووهم أولياءه ومعاذ عباده ، ومن يرجع لهم ويلوذ بهم يحرسوه من كل شك وشبه وضلال وطغيان ، وقد قال الله تعالى :

 {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ  الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُو

 فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ  الْغَالِبُونَ (56) } المائدة .

 وإن ولي الله : بعد رسوله هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهو الذي أعطى الصدقة والزكاة في الصلاة وهو راكع ، فحب الله عمله وجعله وليا لهم وعرفه لهم ، وجعل حزبه هم حزب الله ، وحزب الحسين : هو حزب الله ورسوله وأبيه .

 نعم يا موالي : قد غلب هدى الإمام الحسين عند كل الطيبين والمنصفين والأحرار المؤمنين ، وإن كان في زمانه بدل من الرجوع له والاستجارة به قتلوه وبعد أن غروه وخدعوه ، وقالت العقيلة تعرف ملاك وسبب أخر لسيادة الحسين وولايته وإمامته :

 

و مفزع نازلتكم :

فزع : أي فرق ، وهو الذُّعْرُ من الشيء ، و فُزِّعَ عنه أَي كُشِفَ عنه الخوف ، و الفَزَعُ أَيضاً: الإِغاثةُ ؛ يقال: فَزِعْتُ إِليه فأَفْزَعَنِي أَي لَجَأْتُ إِليه من الفَزَعِ فأَغاثني‏ .

 وقال تعالى : { لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ

 وَتَتَلَقَّاهُمُ  الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ (103) } الأنبياء .

هو إطباق باب النار حين تغلق على أهلها ، فلا يخاف المؤمنون منها بعد .

ولو نزلوا عند الحسين : وأحاطوا بهداه ونصروه لأمنهم الفزع ، ولكنهم قتلوه وهو سيدهم فخسروا وفازوا بشنارها وعارها ، ولهم الفزع الأكبر وعذابه الشديد الدائم .

وقال تعالى : { حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ (23) }سبأ ، بالتشديد ، أي جلي الفزع عن قلوبهم و كشف ، أي عن قلوب الشافعين و المشفوع لهم .

 ولكن أهل الكوفة : لم يفزعوا إلى الإمام الحسين عليه السلام ، ولا لاذوا به ، ولا لجئوا إليه ، ولم ينزلوا حب ساحته وود هداه ، بل فزعوا عليه ، وعاونوا الظالمين ، ونصروا الطغاة ، أخزاهم الله ولهم عذاب أليم .

ونازلتكم : النازلة : الشديدة من شدائد الدهر تنزل بالقوم ، و جمعها : النوازل ، والنُّزُول : الحلول ، و قد نَزَلَهم و نَزَل عليهم .

ويا طيب : كان المفروض بأهل الكوفة وكل المسلمين حين نزلت بهم شدائد معاوية وأبنه في قتل خيارهم وحرب أئمة الحق ، وخوفوهم بالغارات والسلب والظلم ، وحين حصول الجور والطغيان عليهم ، أن يرجعوا في فزعهم وينزلوا ويحلوا بفناء الإمام الحسين عليه السلام ، وينصروه ليرفع الحيف عنهم ويزيل الظلم الذي حصل لهم والجور الواقع عليهم ، ولكانوا في ساحة سلم الإسلام ومحل الأيمان ، لكنهم دعوه وغروه ثم عدوا عليه فخدلوه وغدروا به وقتلوه ، وتستمر العقيلة عليه السلام تعرف شأن إمام الحق وسيد شباب أهل الجنة وسليل الرسالة فقالت :

 

ومقر سلمكم :

و القرار: المستقر من الأرض ، و فلان قار أي ساكن ، مُسْتَقَرّ ؛ أَي قَرار و ثبوت ، { أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّ وَأَحْسَنُ مَقِيلًا  (24) } الفرقان ، فالمراد بالمستقر المكان الذي يستقر فيه، والمقيل : مكان الاستراحة  مأخوذ من مكان القيلولة .

 وأن على أهل الكوفة وجميع المسلمين : أن يكون مقر استراحتهم حين السلم وعدم الحرب عند آل محمد الحسين وآله صلى الله عليهم وسلم ، ليتعلموا منهم وليستنيروا بهداهم ، ولكن لم ينزلوا ساحته فيسالموه ، بل حاربوه والله ورسوله حرب لهم .

والآن لا يوجد بعد بيت الله ومكة المكرمة في الدنيا محل يزار : مثل ساحة وفناء أبا عبد الله الحسين في كربلاء ، أنظر أخباره في يوم الأربعين من شهادة أي العشرون من صفر في كل سنة ، وفي ثلاثة وخمسة عشر شعبان ، وخمسة عشر من شهر رمضان ويوم الفطر وعرفه بل في آي وقت ، حيث يقصده المؤمنون فيسلمون ويصلون عليه ويقرون له بالولاية والإمامة ، ويستنيروا بهداه ويتعلمون دينه ، فيقر قرارهم بهداه.

ويعرفون العباد : كرامته عندهم ويحكون عن شأنه عند الله ورسوله ، وما له من الحق في تعريفهم محل دينهم ، وجهاده ونهضته وشهادته لتعريف الطغاة وكيف يجب أن يرفض الظلم والعدوان والجور ، و ولذا قالت العقلية عليه السلام بعد ذلك تعرف ملاك أخر لسيادته :

 

ومنار محجتكم :

النور : الضياء وهو ضد الظلمة ، و المَنارُ : عَلَم الطريق  ، و المَنار : العَلَم وما يوضع بين الشيئين من الحدود ، و العَلَم : يجعل للطريق أَو الحدّ للأَرضين من طين أَو تراب ، المَنار : جمع منارة ، و المنارة : موضع النُّور ، و المنار : الموضع المرتفع الذي يوقد في أعلاه النار .

و النور : كيفية ظاهرة بنفسها مظهرة لغيرها ، والنور : وهو الحقيقة الوجودية لكل شيء ، وبالتحقق بالهدى يشتد نور الفطرة ، وبالثبات يشتد وجود العبد وحقيقته تكون نورانية ، وهنا نتصل بنور الله عن طريق نور الإمام ومعارفه ، وقد تكلمنا عن معارف النور في الجزء الأول وما بعده من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام فراجع .

والمَحَجَّةُ : جادَّةُ الطريقِ ، مَفْعَلَةٌ من الحَجِّ القَصْدِ ، و حج علينا فلان أي قدم ، حجوا عمامته : أي عظموه ،  و المحجة : قارعة الطريق المسلوك الواضح .

 فيا طيب : كان عليهم أن يستنيروا لسيروا على صراط مستقيم بهدى الإمام الحسين ومعارفه ويقتدوا به ، لكنهم تنكبوا الطريق وساروا في ظلمه أهل الضلال وأئمة الكفر ، فضل وطغوا فكانوا في عذاب الله خالدين .

 

ويا موالي : وهذي العقيلة الخفرة ، تفرغ كلامهم عن منطق أبيها ، فتستمر في تعريف ملاك السيادة والولاية ، وبأعلى بيان بليغ وأسلوب فصيح وحجة واضحة ، فتقول عليه السلام :

 

 و مدرجة حجتكم :

و الدرجة : في الرفعة و المنزلة ، والدرج : السير في علو ، والدرك : السير النازل ، و تجمع الدرجة : بالدرج‏ ، و هو : المراقي ، جمع درجة ، و الدَّرَجَةُ : المِرْقاة ، و المدرجة : ممر الأشياء على مسلك الطريق و نحوه ،  و رجعت في أدراجي و درجي أي طريقي الذي مررت فيه ، و المَدْرَجةُ : المَذْهَب و المسلَك‏ ، و يقال للطريق الذي يَدْرُجُ فيه الغلام و الريح و غيرهما: مَدْرَجٌ و مَدْرَجَةٌ و دَرَجٌ‏ ، و جمعه أَدْراجٌ أَي مَمَرٌّ و مَذْهَب‏ .

 فيا طيب : كان عليهم أن يسير في طريق واضح في صراط الإمام الحسين ويسلكوا سبيله ، وفي كل حال يستنيروا بنوره ، فيصعدوا في مراقي الهداية والعبودية ، وهم على أوضح هدى ، وأعلى حجه ، ومعرفة لا شك فيها ، ولا شبهة عندهم فيما تعلموا من عنده ومن آله الكرام آل محمد .

 فإنه يجب على أهل الكوفة بل على أهل الدنيا وجميع عباد الله : إن يذهبوا للإمام الحسين لأنه سيد شباب أهل الجنة وسليل الرسالة ،  ويسعوا حتى يصلوا له فيتعلموا معارف الدين منه ، ويقصدوه لمعرفة هدى الله الحق ، فله الحجة التامة عل كل العباد.

 لأن  الحجة : هي وجه الظفر عند الخصومة ، و احتججت عليه بكذا ،  حَجَّ إِلينا فلانٌ أَي قَدِمَ ؛ و حَجَّه يَحُجُّه حَجّ : قصده . و حَجَجْتُ فلاناً و اعتَمَدْتُه : أَي قصدته ، و رجلٌ محجوجٌ أَي مقصود ، ومن يتبع الحجة لا هدى له .

وقد قال الله سبحانه : { قُلْ  فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاء لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149) }الأنعام، وقد جعل الله حجته نبي الرحمة وآله الكرام ، وهم آل البيت الطاهر و عترته الصادقة وثقله النبي الكريم، وأمر أن يحاج بهم  كل من يحاجه أو يقصده لمعرفة الحق فيقر له بأن له دين الله، ومن يخالفه أو يخالفهم فهو ملعون كما في آية المحاجة والمباهلة:

قال في مجمع البحرين :

 وقصة المباهلة والمحاجة: معروفة ، نقلها كل من فسر وتكلم وشرح قوله تعالى:

{ فَمَنْ  حَآجَّكَ فِيهِ

مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ

فَقُلْ تَعَالَوْاْ نَدْعُ أَبْنَاءنَ وَأَبْنَاءكُمْ وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُمْ وَأَنفُسَنَا  وأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ (61) } آل عمران .

قال الشيخ أبو علي : فمن حاجك من النصارى فيه ، أي في عيسى عليه السلام من بعد ما جاءك من العلم .

فقل : تعالوا أي هلموا ندع أبناءنا و أبناءكم ، أي يدعو كل منا و منكم أبناءه و نساءه و من نفسه كنفسه ، أي المباهلة : ثم نبتهل أي نتباهل ، أي نقول: بهلة الله على الكاذب منا و منكم ، و البُهلة بالضم و الفتح : اللعنة ، هذا هو الأصل ، ثم استعمل في كل دعاء يجتهد فيه ، و إن لم يكن تلاعنا .

ثم كل من فسرها قال : نزلت الآيات في وفد نجران العاقب و السيد و من معهما ، و لما دعاهم النبي الأكرم إلى المباهلة .

قالوا نصارى نجران : حتى نرجع و ننظر ، فلما خلا بعضهم إلى بعض .

 قالوا للعاقب : و كان ذا رأيهم ، يا عبد المسيح ما ترى ؟

قال : و الله لقد عرفتم أن محمدا نبي مرسل ، و لقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم ، و الله ما باهل قوم نبيا قط فعاش كبيرهم و لا نبت صغيرهم ، فإن أبيتم إلا إلف دينكم ، فوادعوا الرجل و انصرفوا إلى بلادكم .

 و ذلك بعد أن غدا النبي :

 آخذا : بيد علي و الحسن و الحسين بين يديه و فاطمة خلفه .

و خرج النصارى : يقدمهم أسقفهم أبو حارثة .

فقال الأسقف : إني لأرى وجوها لو سألوا الله أن يزيل جبلا لأزاله بها .

فلا تباهلوا : فلا يبقى على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة .

فقالوا : يا أبا القاسم ، إنا لا نباهلك ، و لكن نصالحك .

 فصالحهم : رسول الله صلى الله عليه وآله على أن يوأدوا إليه في كل عام ألفي حلة ، ألف في صفر ، و ألف في رجب ، و على عارية ثلاثين درعا و عارية ثلاثين فرسا و ثلاثين رمحا .

و قال : و الذي نفسي بيده إن الهلاك قد تدلى على أهل نجران .

و لو لاعنوا : لمسخوا قردة و خنازير ، و لاضطرم عليهم الوادي نارا ، و لما حال الحول على النصارى كلهم حتى يهلكوا .

و في هذه الآية : أوضح دلالة على فضل أصحاب الكساء ، و علو درجتهم ، و بلوغ مرتبتهم في الكمال إلى حد لا يدانيهم أحد من الخلق [27]، ومن يكون مدافعا عن الحسين بعد أن تعلم هداه وفضله ومناقبه ، يعرف الحق ويحج  ويحتج على كل من يحاول أن لا يقر بفضله ولا يتعلم هداه فيحجه ويكون مجوج له، ولذا قالت عليه السلام :

 

 ومدرة ألسنتكم :

در : در اللبن يدر درا ، و درت السماء إذا كثر مطرها ، و سحابة مدرار و ناقة درور ، و الدِّرَّةُ في الأَمطار : أَن يتبع بعضها بعضاً ، ومنه يرسل السماء عليكم مدرارا ، وكل شيء يتتابع ويكثر ويسير يقال له در ، وبحسب وجوده يكون أداراه ، ولذا قالوا : و دَرَّ النباتُ: الْتَفَّ ، و دَرَّ السِّراجُ إِذا أَضاء ، و دَرَّ الشي‏ءُ إِذا جُمِعَ ، و دَرَّ : إِذا عُمِلَ ، و دَرَّ وَجْهُ الرجل يَدِرُّ : إِذا حسن وجهه بعد العلة ، و الدُّرَّةُ : اللؤلؤة العظيمة ، و كَوْكَبٌ دُرِّيُّ و دِرِّيُّ: ثاقِبٌ مُضِي‏ أَي الشَّدِيدَ الإِنارَةِ ، و دُرِّيٌّ السيف: تَلأْلُؤُه و إِشراقُه‏ ، و دَرَرُ الطريق : قصده و متنه‏ ، و دَرَرُ الريح: مَهَبُّها .

 و الدَّرْدَرَةُ : حكاية صوت الماء إِذا اندفع في بطون الأَودية . و الدُّرْدُرُ : ههنا طَرف اللسان ، و يقال : هو أَصل اللسان ، و هو مَغْرِز السِّنِّ في أَكثر  الكلام .

فيكون الإمام : بتعليم هدى الله الحق ودينه الصادق ، هو الحجة العظمى ، وبعلم ومعرفة يكون مدرة ، أي يدر ألسنتكم بالكلام الحق والنطق بالدين الصادق والهدى ذو الصراط المستقيم ، وعندكم حجة من الله ورسوله في معرفة هداه وتعريفه بحق .

أما لسن : اللسان : ما ينطق‏ به ، و اللِّسانُ المِقْوَلُ، يذكر و يؤنث ، و الجمع أَلْسِنة ، و اللسان : الكلام ، وقد قال الله تعالى :

{ وَوَهَبْنَا لَهُم مِّن رَّحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّ (50) } مريم .

 ولا كلام يدر : بكلام صدق ، ولا لسان : ينطق بحجة واضحة إلا أن تكون مستقاة من هدى الحسين وآله عليه السلام ، وكل من يدر بالكلام وينطق بكلام كثير كان أو قليل وليس فيه من هدى آل محمد شيء ، فهو باطل ضال كاذب .

ودليله : أن الله في آية المباهلة السابقة قال نجعل لعنة الله على الكاذبين ، ولذا خاف النصارى أن تنزل عليهم اللعنة الإلهية لأنهم يعرفون ، صدق النبي الأكرم محمد وآله وعترته الطيبة الطاهرة الصادقة وهم الإمام علي وزوجته فاطمة ، وأبنائهم الحسن والحسين ، وهم سادة الوجود وأشرف الخلق وأطهرهم وأصدقهم ، والله أمرنا أن نكون مع الصادقين ونرفض كل من يكذبهم فضلا من أن يحاربهم ويدعي الولاية والإمامة غيرهم .

ويا موالي : ولا أحد علم الفصاحة والبلاغة وسنها للعرب مثل نبي الرحمة وآله صلى الله عليهم وسلم ، وعلموا جوامع الكلم والحجة والمحجة ، وهم عليهم السلام منبع الكلام الصادق ، ومنهم يستقى نبعه ، وينموا فرعه من أصله ، وقد بلغ فيه الغاية و تجاوز النهاية كلام آل محمد ومعارفهم عليهم السلام ، حتى قيل في كلامهم  بأنه فوق كلام المخلوق و دون كلام الخالق ، و كل الخطباء تعلموا من سيد المرسلين وأمير المؤمنين وآله‏ ، وهم مشرع الفصاحة و موردها و منشأ البلاغة و مولدها ، و منهم ظهر مكنونها و عنهم أخذت قوانينها ، وكان عليهم أن يتعلموا منهم .

لكنهم كما قالت العقيلة عليه السلام : خذلتم : و له قتلتم .

وفي أول الصحيفة: مر خذلهم وقتلهم،فعليهم لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وصلى الله على نبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين  ورحم الله من قال آمين يا رب العالمين .

 


 

الإشعاع الثاني عشر :

العقيلة تعرف سوء وخيبة وخسران من خذل وقتل الحسين سيد أهل الجنة  :

يا موالي : إن العقيلة بعد ما عرفتنا شأن الإمام الحسين في الرسالة وتبليغها وفي الجنة ومقامها ، وما له من ملاك السيادة و حقائقها ، وما يجب على العباد من اللجوء إليه والاحتماء به والنزول بساحته والتعلم منه ، ولكنهم قبحهم الله خذلوه وقتلوه ، فأخذت تعرف سوء فعلهم وخبث عملهم ، فقالت عليه السلام بعد ما عرفت :

خذلتم : و له قتلتم .

ألا ساء : ما تزرون ، فتعسا و نكسا ، و بعدا لكم  و سحقا .

فلقد خاب : السعي ، و وتبت الأيدي ، و خسرت الصفقة .

و بؤتم : بغضب من الله ، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة .

 

والمعنى :

خذلتم :

 خذل : الخاذِلُ : ضد الناصر ، و التَّخْذيل : حَمْلُ الرجل على خِذْلان صاحبه و تَثْبِيطُه عن نصْرته ، و خِذْلانُ الله العبدَ : أَن لا يَعْصِمَه من الشبهات فيقع فيها ، نعوذ بلطف الله من ذلك ، و تَخَاذَلوا : أَي خَذَل بعضُهم بعضاً ، و في الحديث :

 المؤمن أخو المؤمن لا يخذله‏ . والمعنى : أي لا يترك نصرته و إعانته .

وعن فاطمة بنت الحسين، عن أبيها الحسين بن علي عليه السلام قال :

نحن : المستضعفون و نحن المقهورون .

 و نحن : عترة رسول الله ، فمن نصرنا ، فرسول الله نصر .

و من خذلنا : فرسول الله خذل.

و نحن : و أعداؤنا ، نجتمع :

{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرً

وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَدًا بَعِيدًا

 وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ (آل عمران30)

قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ  وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (آل عمران31) قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ  الْكَافِرِينَ (32) إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)

 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) } آل عمران [28].

وآل إبراهيم هم آل محمد : مطهرون وجبت محبتهم وأتباعهم لكنهم قتلوهم .

وقال في الإرشاد وغيره : حين مسير الإمام الحسين من مكة المكرمة إلى كربلاء المقدسة :  ارتحلوا : فسار حتى انتهى إلى زبالة ، فأتاه خبر عبد الله بن يقطر ، فأخرج إلى الناس كتابا فقرأه عليهم : بسم الله الرحمن الرحيم : أما بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل ، و هانئ بن عروة ، و عبد الله بن يقطر .

و قد خذلنا شيعتنا : فمن أحب منكم الانصراف ، فلينصرف غير حرج ، ليس عليه ذمام ، فتفرق الناس عنه : و أخذوا يمينا و شمالا حتى بقي في أصحابه‏ الذين جاءوا معه من المدينة و نفر يسير ممن انضووا إليه[29] .

وإنما جوز لهم الانصراف: ليبقى المخلصون الذين يكون قدوة ، وتبعه لا من أجل الدنيا:

وعن إبراهيم بن محمد الهمداني قال : سمعت الرضا عليه السلام يقول :

من أحب عاصيا : فهو عاص ، و من أحب مطيعا فهو مطيع .

 و من أعان ظالم ، فهو ظالم .

و من خذل عادلا : فهو ظالم [30].

 وليت أهل الكوفة : خذلوا فتركوا ، وهربوا ففروا ، لكنهم اجتمعوا :فنصروا عدوهم وعدو سيدهم وسيد شباب أهل الجنة وإمام الحق وسبط نبي الرحمة وعترته وتجاوزوا قدرهم ، فتعدو وخذلوا واعتدوا عليهم ، فتعسا لهم حين اختاروا ما به انتكسوا .

ويا طيب : إلى الآن يوجد من يحب الظالمين والخاذلين لآل نبي رب العالمين ، ويفتخر بحبه لمن أقصى آل سيد المرسلين من تعليم معارف الدين ، وعرفت من أحب ظالم فهو معه ويحضر له عمله السيئ ويجازى به فيقع في عذاب الله مع الطغاة ، ولذالك قالت سلام الله عليها لمن حضر في الكوفة ولو لم يكن من القتلة ولم يحضر كربلاء ، بل أن رضي بفعل أهله وأتباع الطغاة ولم يرفضهم ، فقالت له عليه السلام :

 

  و له قتلتم :

 و القتل : معروف ،  يقال : قتله إذا أماته بضرب أو جرح أو علة .

 وفي الحديث : أَشدُّ الناس عذاباً يوم القيامة من قتَل نبيّاً أَو قَتَله نبي‏ ، ومن قتل أولاد الأنبياء وأئمة المسلمين لهو من أشد الناس عذابا يوم القيامة واسمع الحديث الآتي :

في الحديث القدسي : قال ابن عباس سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول :

أوحى الله تبارك و تعالى إلى جبرائيل عليه السلام :

 أن اهبط إلى نبيي محمد : في ألف قبيل ، و القبيل ألف ألف من الملائكة على خيول بلق مسرجة ملجمة ، عليها قباب الدر و الياقوت ، و معهم ملائكة ، يقال لهم : الروحانيون ، بأيديهم أطباق من نور ، أن هنئوا محمدا بمولود .

و أخبره يا جبرائيل : أني قد سميته الحسين ، و هنئه و عزه ، و قل له :

يا محمد : يقتله شرار أمتك ، على شرار الدواب.

 فويل : للقاتل ، و ويل للسائق ، و ويل للقائد .

قاتل الحسين : أنا منه بري‏ء ، و هو مني بري‏ء .

لأنه : لا يأتي يوم القيامة أحد ، إلا و قاتل الحسين أعظم جرما منه .

قاتل الحسين : يدخل النار يوم القيامة ، مع الذين يزعمون أن مع الله إلها آخر .

و النار : أشوق إلى قاتل الحسين ، ممن أطاع الله إلى الجنة [31].

ويا موالي : من يكون هذا حاله وغضب الله عليه والنار منزله ، والجحيم محله ، وفي أشد عذاب الله مقامه ، فما أتعسه وأسوء حاله ، ولذا قالت العقيلة عليه السلام :

 

ألا ساء : ما تزرون ، فتعسا و نكسا ، و بعدا لكم  و سحقا .

ألا ساء : ما تزرون :

 ألا : حرف يفتتح به الكلام ، كأنها تنبيه للمخاطب‏ .

السوء : نعت لكل شي‏ء ردي‏ء و قبيح‏ ، وهو اسم جامع للآفات و الداء ، و السيئة : اسم كالخطيئة ، ساءَ ما فَعَلَ فُلان صَنِيعاً يَسُوءُ أَي قَبُحَ صَنِيعُه صَنِيعاً ، و السُّوءُ : الفُجُورُ و المُنْكَر والفَساد ، عليهم دائرةُ السَّوْءِ : أَي الفَسادُ و الهلاكُ يَقَعُ بهم والعذابُ و ما يسوؤكم عواقبه ، و أصل السوء التكره ، يقال : ساءه يسوءه سوءا إذا أتاه بما يكرهه ، و السيئة : الخصلة التي تسوء عاقبة صاحبها .

ويا موالي : فإن فعلهم ووزرهم أقبح خطيئة وأعظم أثم تحملوه وأشر فساد له عاقبة تسوؤهم ، وقد عرفت الأحاديث التي توعد الله بها قتلة الحسين وآله الكرام ، وأنه لهم أشد العذاب ويحصل لهم أقبح ما يكرهون ، فلذا قالت عليه السلام بعد ألا ساء :

ما تزرون : و الوزر : الحمل الثقيل من الإثم‏ و الذَّنْبُ لِثِقَلهِ، وجمعهما أَوْزارٌ،  وَزَرَ : إِذا حمل ما يُثْقِلُ ظهرَه من الأَشياء المُثْقِلَةِ و من الذنوب ، وهم قد اتزروا بالآثام .

 فيا طيب : فأي ذنب وأثم ووزر وثقل وحمل من العمل السيئ والفعل الشرير من القتل لسيد شباب أهل الجنة ، فلذا عليهم أن ينتظروا نتيجة سيئة لفعلهم وعاقبة تقبح وجودهم وتعذبهم لما تحملوا من الآثام ، ولذا قالت العقيلة عليه السلام بعد ذلك :

فتعسا و نكسا :

فتعسا : التعس : الهلاك و العثار و السقوط و الشر و البعد و الانحطاط  ، والتعس: ألا ينتعش من صرعته و عثرته ولا يفوق ، و أن ينكس في السفال والانحطاط ، و يقال التعس: أن يخر الرجل على وجهه ، و النكس : أن يخر على رأسه ، و تعسا لهم: أي عثارا و سقوطا وإنحطاطا ، و تعسا له : أي ألزمه الله هلاكا . وهذا أحد ما يستحقه أهل الكوفة والراضين بقتل الإمام الحسين وأسر آله عليهم السلام .

ونكسا : نكس : نكسته أنكسه نكسا : قلبته‏ ، و النكس : العود في المرض ، نكس في مرضه نكسا ، و النكس من القوم : المقصر عن غاية النجدة و الكرم ، و الجمع الأنكاس.  و الناكِسُ : المُطأْطئ رأْسَه ، والنَكْس في الأَشياء : معنى يرجع إِلى قلب الشيء و رده و جعل أَعلاه أَسفله و مقدمه مؤخره ، و انْتَكَس أَي انقلب على رأْسه و هو دعاء عليه بالخيبة . وأهل الكوفة ومن تبعهم إلى الآن : بعد أن نكسوا و طأطوا رؤوسهم للظالمين ، فلهم أشد عذاب الله ، وعلى رؤوسهم يدخلون جهنم ويخرون فيها على وجوههم أبدا ، فلذا قالت العقيلة عليه السلام :

 

و بعدا لكم  و سحقا :

وبعدا لكم : أي لأهل الكوفة ولمن يحب الظالمين فضلا من أن يعينهم .

 و البعد على معنيين : أحدهما : ضد القرب ، و باعدته مباعدة بصورة عامة.

و الأَبْعَد ُ: الخائن ‏، البُعْدُ و البِعادُ : اللعن ، وأَبْعَدَه الله : نَحَّاه عن الخير وأَبعده.

وأهل الكوفة : بفعلهم الظالم وكل من يحب عملهم ما أبعدهم من الخير، بل هم ينتكسون في الشر دائما فهم في سحق العذاب وساحق دركات النار .

وسحقا : سَحَقَ الشيءَ يَسْحَقُه سَحْقاً ، أي دقَّه أشد الدق ‏، هو الدقّ بعد الدق‏ ، وهو البِلى‏ ، السَّحْق : الثوب الخلَق الذي انْسَحَق و بَليَ كأنه بعد من الانتفاع به .

ويا طيب : ما عرفت من عبارات العقيلة ، وهي تصف فعل الظالمين والطغاة قتلة آل محمد ، تراه كلمات قريبة المعنى تكاد تكون مترادفة مع تنوعها ، وفيها:

معنى : الدعاء عليهم ، لفعلهم المشين في قتل ولد خير المرسلين ، والطيب أبن الطيبين ، فدعت عليهم بنت رسول الله : بأن ينحط قدرهم في سفال ، ومنكوسين مقلوبين ، وفي سحق الانحطاط والانتكاس ، ويبعدون غاية البعد عن كل خير ، حتى يصيبهم السحق والبلاء العظيم ، وهذا حقا لهم وجزاء لعملهم ، لأن عملهم نتيجته كما قالت العقيلة في هذه الكلمات والآتية بعدها :

 

فلقد خاب : السعي ، و وتبت الأيدي ، و خسرت الصفقة .

خاب السعي :

 الخائبون : هم الذين فاتهم الظفر بالمطلوب ، و الخيبة : الحرمان و الخسران .

والسعي : عدو ليس بشديد ،  و كل عمل من خير أو شر ، فهو السعي ومسير لطلب تحققه به حسب شأنه ، وسعي أهل الكوفة خائب وفي خسران ولا نفع فيه ، بل لهم ضرره وعليهم تبعاته ، وهو عذاب نفسي ، وعار وشنار عليهم  عند الطيبين ، لرضاهم بالظلم وعدم نصر الحق فهم بالحقيقة بعلمهم، كما قالت العقيلة عليه السلام:

 

 وتبت الأيدي :

 التب : و التباب : الخسران و الهلاك ، و يقال : تبا له منصوب بإضمار فعل واجب الحذف ، أي ألزمه الله خسرانا و هلاكا .

واليَدُ : من أَطْراف الأَصابع إِلى الكف، و هي أُنثى ، ويعبر بها عن القدرة ، و تقصد قدرتكم وقوتكم ونشاطكم وسعيكم في تباب وهلاك ويرجع عليكم عذاب وبوار.

وقد قال الله تعالى : { وَمَا كَيْدُ فِرْعَوْنَ إِلَّا فِي تَبَابٍ  (37) } غافر ، يعني في هلاك وخسر وأنقطاع وأنه باطل يضرهم ، وقال الله تعالى : { تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (1)  } المسد ،  أي خسرت بانقطاع الرجاء ، ومنه تبا له .

وفرعون وأبو لهب وأبو سفيان ومعاوي ويزيد : ومن حب عملهم ورضيه ، قد خسروا الدنيا والآخرة ولم يغني عنهم مالهم وشأنهم شيء ، فهكذا كان قتلت الإمام الحسين وأنصارهم، في ذلك الزمان وفي كل زمان ، هم في تباب بل تبت أيدهم ونكسا على رؤوسهم وتعس حضهم ولعذاب الله أكبر ، وهم في تباب الخسران حتى الهلاك أبدا ، وكلما هلكوا أعيدت جلوهم حتى تحرق مرة أخرى في نار جهنم ولهم بئس المصير .

وقال في تفسير الميزان : و تب : التب ، و التباب : هو الخسران و الهلاك على ما ذكره الجوهري ، و دوام الخسران على ما ذكره الراغب ، و قيل: الخيبة ، و قيل الخلو من كل خير ، و المعاني : متقاربة ، فـ يد الإنسان : هي عضوه الذي يتوصل به إلى تحصيل مقاصده ، و ينسب إليه جل أعماله ، و تباب يديه : خسرانهما فيما تكتسبانه من عمل ، و إن شئت فقل : بطلان أعماله التي يعملها بهما ، من حيث عدم انتهائها إلى غرض مطلوب ، و عدم انتفاعه بشيء منها ، و تباب نفسه خسرانها في نفسها بحرمانها من سعادة دائمة و هو هلاكها المؤبد .

وإن أهل الكوفة : وكل من يحبهم على طول التأريخ تبا لهم وتب ما أغنى عنهم مالهم وما كسبوا  وهم في تباب، فهم كما قالت العقيلة عليه السلام بعد تبت أيديهم :

 

و خسرت الصفقة :

 الخسر : النقصان‏ ، و الخاسر : الذي وضع في تجارته‏ ،  خَسِرَ الدنيا و الآخرة ذلك هو الخُسْران المبين ، الخاسر الذي ذهب ماله و عقله أَي خسرهما.

و الصفقة : ضرب اليد على اليد في البيع و البيعة ، صفق : الصَّفْق : الضرب الذي يسمع له صوت‏ ، و في الدعاء أعوذ بك من صفقة خاسرة أي بيعة خاسرة.

يا طيب : قال الإمام الحسين عليه السلام في دعاء عرفة :

الهي : ... عميت عين لا تراك عليها رقيبا .

و خسرت صفقة عبد : لم تجعل له من حبك نصيب .

وجاء في الدعاء : اللهم إني أسألك من فضلك حلالا طيبا ، و أعوذ بك من أن أظلم أو أظلم ، و أعوذ بك من صفقة خاسرة ، و يمين كاذبة .

ويا موالي : كما خسرة صفقة عبد لم يحب الله ، كذلك خسرت صفقة من لم يحب الحسين وآله وهداهم ، وكان عمله في تباب من تبع أعدائهم في الدنيا والآخرة .

وحقا إن أهل الكوفة : بإطاعتهم لأئمة الكفر قد خاب سعيهم وكل أعمالهم حبطت ، وصاروا في ضلال مبين وعن الهدى مبتعدين وعن الخلق الكريم منحطين ، وتبت وخسرت وهلكت كل أتعابهم وعباداتهم ، وخسروا صفقتهم بخيانتهم لبيعتهم لأبي عبد الله الحسين ، وخابوا حين غدروا بصفقتهم له ، وخسروا لما نكثوا من العقود والموثق المؤكدة لنصره كما عرفت في الجزء السابق من كثرة رسائلهم له وطلبهم منه الأقدام لإقامة الحق ، بل بايعوا مسلم له ، ولكنهم نقضوا سعيهم ، بل تبعوا أئمة الكفر وبايعوهم ، فتبت أيديهم بصفقتهم للظالمين وخسروا خسرانا مبينا، ولهم غضب الله وعذابه وعقابه.

ولذا قالت العقيلة عليه السلام  :

 

و بؤتم : بغضب من الله ، و ضربت عليكم الذلة و المسكنة .

و بؤتم : بغضب من الله :

بؤتم : بوأ: الباءة و المباءة : منزل القوم ، قد بُؤْتُ بهذا الذَّنْب أَي احْتَمَلْتُه ،  تَبَوَّأَ المكانَ : حَلَّه ، باؤُوا بغَضَب أَي بإثْم اسْتَحَقُّوا به النارَ ، أي استحقوا أن ينزلوا به النار .

وأهل الكوفة : هم تبوءوا وحلوا ونزلوا واستحقوا غضب من الله ، وعذاب في نار لا تطفئ ، لقتلهم سيد شباب أهل الجنة ، ولذا ضربت عليهم الذلة والمسكنة .

 

وقد قال الله تعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا

فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَ وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ  عَذَابًا عَظِيمًا (93) } النساء . وأهل الكوفة ومن قبلهم ومن رضي بفعلهم : عملا أو علما أو عقيدة ودينا ، قتلوا سادة أهل الدنيا والآخرة ، عترة الدين وآل رسول رب العالمين ، سواء مباشرة أو لم يرضوا بهداهم وتبعوا ضلال أعدائهم ، وهذا يشمل من يتبع قتلت الأنبياء والأوصياء وأئمة الدين بل أيا من المؤمنين ويحب الظالمين لأن الله سبحانه وتعالى قال :

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ

قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ  كَمَا يَئِسَ الْكُفَّارُ مِنْ أَصْحَابِ الْقُبُورِ (13) } الممتحنة .

{ وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي  فَقَدْ هَوَى (81) } طه .

ولهذا قالت العقيلة عليه السلام : تعسا ونكسا ، فهم هووا في النار وبئس ما عملوا وخسرت صفقتهم ، وهو معنى ذكره الله لمن قتل الطيبين الطاهرين الصادقين المصطفين الأخيار من آل محمد صلى الله عليهم وسلم،  أو حب أعدائهم وعمل بأعمالهم ، بالإضافة لما عرفت قال سبحانه  :

{ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِم

مَّا هُم مِّنكُمْ وَلَا مِنْهُمْ وَيَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (14)

أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا

إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (15)

اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً

 فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ  اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ (16)

لَن تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُم مِّنَ اللَّهِ شَيْئًا

أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ(17) } المجادلة .

فأهل الكوفة : وأتباعهم ومن يحبهم ويرضى بفعلهم على طول الزمان ، فهم في خسر وتباب وتعسا لهم وخسرت صفقتهم ، ولهم غضب الله وعذابه ، ولهم الخزي والعار في الدنيا والآخرة أبدا ، لأنهم تولوا من غضب الله عليهم وتعبدوا بفكرهم وقياسهم.

 

وقال أبن طاووس :

يا  أمة    نقضت    عهود   نبيها     و غدت مقهقرة على الأعقاب‏

كنتم  صحابا    للرسول   و  إنما     بفعالكم  بنتم  عن  الأصحاب‏

و نبذتم حكم الكتاب على جهالة     و  دخلتم  في  جملة   الأحزاب‏

بؤتم   بقتل  السبط  و  استحللتم     دمه    بكل   منافق     كذاب‏

فكما   تدينوا    قد  تدانوا   مثله     في يوم  مجمع محشر و حساب‏

فكم يومئذ : من كبد مقروحة ، و دموع مسفوحة ، و لاطمة خدها ، و مستندبة جدها ، و ناشرة شعرها ، و هاتكة سترها ، و قد ذل الإيمان ، و قل الأعوان ، و عطلت‏[32] حدود الدين . وعن أبي عبد الله الصادق عليه السلام :

في رجل : قتل رجلا مؤمنا ، يقال له : مت أي ميتة شئت ، إن شئت يهوديا ، و إن شئت نصرانيا ، و إن شئت مجوسيا [33].

وفي توحيد الصدوق عن أمير المؤمنين عليه السلام :

ألا و إني : عليكم من الله الحجة البالغة ، فلا تتولوا قوما غضب الله عليهم ، قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور .

ثم قال الباقر عليه السلام : الحمد لله الذي من علينا ، و وفقنا لعبادته الأحد الصمد الذي لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفوا أحد ، و جنبنا عبادة الأوثان ، حمدا سرمدا و شكرا واصبا[34] .

جعلنا الله مع الحسين وآله : وحشرنا في الدنيا والآخرة على صراطهم وأدخلنا نعيمه الذي أعده لهم ولأوليائهم ، وجنبنا الله وإياكم غضبه على أعدائهم الضالين ، ممن قتل الحسين وأصحابه ، ولعن الله الطغاة الذي هتكوا حرمة الدين ، وهتكوا حريم سيد المرسلين ، الذين حل عليهم غضب الله وهم كما قالت العقيلة عليه السلام :

 

و ضربت عليكم الذلة و المسكنة .

 و ضربت عليكم : أي على أهل الكوفة في ذلك الزمان ، ويشمل كل من يرضى ويحب فعلهم وعلمهم وعملهم في عدم احترام محمد وآله وعدم رعاية حقوقهم ، ومعنى :

والذلة : ضد العزة ، وهو الخسة والانقياد بسهولة لغضب الله  وللقحط ، وهم في الهوان و الاستخفاف .

 و المَسْكَنة و التَّمَسْكُنِ : قلة المال و الحال السيئة ، و اسْتَكانَ إذا خضع ، و المَسْكَنة : فَقْرُ النفس ، و المَسْكِين‏ :  الذي لا شي‏ء له ، والذي أَسْكَنه الفقرُ ، أَي قَلَّلَ حركتَه ، و المسكين‏ : أَسوأُ حالًا من الفقير .

فيا طيب : من قتل الإمام وأساء لآل محمد ورضي به ، فهو في غضب الله ويسكنه ناره ذليلا وساكن لا تحرك له، ولا يخرج منها وهو في العذاب المهين، وهذا مقتبس بحق و ينطبق على قصة أهل الكوفة وشهادة الإمام الحسين واقعا ومصداق حقيقي لقوله تعالى:

{ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَآؤُوْاْ بِغَضَبٍ مِّنَ اللَّهِ

ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُواْ يَكْفُرُونَ  بِآيَاتِ اللَّهِ

وَيَقْتُلُونَ النبيينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ (61)} البقرة .

نعم : لزموا الذلة والمسكنة في عين طغيانهم ، وذلك لحقارة وجودهم وظلمات ضلالهم وفكرهم ، وما لهم من عذاب الله ، والذلة والمسكنة : محيطة بهم إحاطة البيت المضروب على أهله ، فكلام العقيلة عليه السلام :  القرآن ، ونطقها رسول الله ، وشرحها أمير المؤمنين ، وبيانها مصاب الحسين عليه السلام .

 وإن لله : الحجة البالغة ، وهذه عقيلة بني هاشم تنطق عن أمير المؤمنين ورسول الله ، وتبين حكم الله وجزائه لهم ، وتعرفهم فعلهم الخبيث بعد أن بينت جزاء عملهم السيئ وما لهم من العذاب ، فتقول عليه السلام :

 

 



[17] الكافي ج8ص49ح10 .

[18] من‏ لا يحضره ‏الفقيه ج4ص179ح5404 .

[19] الأمالي ‏للصدوق ص558م82ح16 .

[20] قرب ‏الإسناد ج1ص53 . الأمالي للطوسي ج1ص352ح81-634 .المستدرك بتعليق الذهبي ج3ص182ح 4779 .المعجم الأوسط للطبراني ج14ص306ح6728 .سنن ابن ماجه ج1ص44ح118 . مختصر تاريخ دمشق ج2ص433 .تاريخ أبى الفداء ج1ص284 .تاريخ بغداد ج1ص63 . تهذيب التهذيب ج2ص258 . المستدرك على الصحيحين للحاكم ج11ص91ح4763 .

[21] الاختصاص ص359 .

[22] الأمالي للطوسي ج2ص243ح1353.

[23] الأمالي للطوسي ج2ص72ح1095 .

[24] الأمالي ‏للطوسي ص336م12ح680-20 .

[25] تفسير فرات‏ الكوفي ص338ح 338-461 .

[26] الأمالي ‏للطوسي ص512م18ح1120-27 .

[27] جمع ‏البحرين ج2ص283 .

[28] شواهد التنزيل ج1ص560ح597 .

[29] الإرشاد ج2ص76 .

[30] عيون ‏أخبار الإمام ج2ص235ب58ح7 .بحار الأنوار ج7ص241ب9ح11 .

[31] كمال‏ الدين ج1ص283ح36 .

[32] مثير الأحزان ص13 .

[33] الكافي ج7ص273ح9 . ثواب ‏الأعمال ص277 .

[34] توحيد ص92ح6 .

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com