بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

صحيفة

 نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

الجزء الثامن

سفينة نجاة

 شرح خطبة الشقيقة عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

الإشراق الخامس

شرح خطبة الشقيقة العقلية زينب وبيان علمها وبلاغتها وفصاحتها :

يا طيب  : حسب رواية الشيخ المفيد وغيره من الرواة الأوائل من المتقدمين نشرح الرواية ونتعرف على بلاغة عقيلة بني هاشم وآل محمد عليه السلام ، فنتعرف على فصاحتها ، ونتدبر في أدبها ، فنبصر معاني كريمة ترينا الهدى الحق وأهله وحزبه ، وتبعدنا عن حزب الشياطين الظالمين ، وبأحسن بيان يمكن أن يطرق سمع إنسان ، فيه أسلوب آل محمد صلى الله عليهم وسلم وهدى القرآن ودين نبينا الأكرم وبيان أمير المؤمنين ، وكأنها تنطق بلسانه وتعبر بأسلوبه وتشرح بمعارفه ، فتفسر واقعة كربلاء وحال أهل الكوفة وكل ما حصل على آل محمد ، بأكرم وصف وأفضل بيان وأحسن برهان ، فلنتدبره ، وأسأل الله أن يعرفنا حقائقه ويهدينا لما فيه من الهدى ويجعله عقيدة ودين لنا  :

الإشعاع الأول :

عقيلة بني هاشم خفرة تسكت أهل الكوفة لتسمعهم معارف الحق  :

قال الراوي حذلم بن ستير : يصف عقيلة بني وهاشم واستنصاتها لأهل الكوفة :

و رأيت زينب بنت علي عليه السلام :

و لم أر خفرة قط : أنطق منها ؟

كأنها تفرغ : عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام قال :

و قد أومأت : إلى الناس ، أن اسكتوا .

فارتدت : الأنفاس ، و سكتت الأصوات .

والمعنى :

و رأيت زينب بنت علي عليه السلام :

زينب : بنت علي بن أبي طالب بن عبد المطلب ، جدها رسول الله خاتم النبيين ، وأمها فاطمة بنت محمد بن عبد الله بن عبد المطلب ، وجدتها لأبيه فاطمة بنت أسد وكانت كالأم للنبي الأكرم حيث كان في بيتها سبعة عشر سنة حتى زواجه ، وجدتها لأمها : أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ، وهي أخت سيدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين وشقيقتهم من أمهم وأبيهم صلى الله عليهم وسلم .

وقد فجعت بكربلاء : بسبعة عشر من آلها الكرام واثنان وسبعون من صحبهم ، منهم أخيها الحسين وأبناء أخوتها الحسن والحسين ، وأبنيها عون ومحمد ، وكان زوجها أبن عمها عبد الله بن جعفر الطيار بن أبو طالب بن عبد المطلب .

 وكان كما سترى : منطقها الحق وكلامها الصدق وحكايتها الواقع ، وأسلوبها علي بن أبي طالب ، وبيانها فطمة الزهراء ، وهداها محمد ، ودينها القرآن الكريم ، وعبوديتها خالصة لله وحده لا شريك له ، وهذا ما ستراه في خطبتها الكريمة وشرحها الأتي ، وما عرفته في جزء سابق وهنا وفي كل مسير الإمام الحسين ونهضته ونور يومه الأعظم وبعده.

 

فزينب عليه السلام : كانت بعد شهادة ولي أمرها وأخيها زجاجة مصباحه ، وربان سفينته نجاته ، وشاطئ أمان رحيله ، وشريعة سفره كله ، حتى أنزلت آلها وكل من يتولها حقائق محل معرفة الإيمان وأهله وما به تعرف عظمة الله وتقام به عبوديته بإخلاص.

 فكانت سلام الله عليه : قوة قلوب آل محمد وشيعتهم ، وصبر عترة النبي وآله وحلمهم ، وأدب سيد المرسلين ومظهر مظلوميتهم ، وحاكية لفاجعتهم ونادبة لمصيبتهم ، ومعلمه لمناقبهم ومنيرة بفضلهم ، حتى عرفت كل من مرت به في سفرها في زمانها وبعده ممن كان من المنصفين ويحب هدى رب العلمين ، ظلم الظالمين ، فأبدلته نور المهتدين ، وفسق وجور الطغاة الحاكمين ، فجعلته عفة وعدل رب العالمين .

 وعقيلة بني هاشم : أرت بشجاعتها ما يستحق أن يضحى به من أجل الوصول للإخلاص في عبودية لله الحق المبين ، وعرفت بتدبيرها وبيانها الهدى والدين وأخلاق سيد المرسلين وآله الطيبين الطاهرين ، وللمزيد من المعرفة لبعض خصائها تابع هذه الصحيفة وما قبلها ، وشرح خطبها ، وراجع صحيفتها الخاصة .

 

وقال في موسوعة أصحاب الفقهاء[11] :

 ولدت عليه السلام : بالمدينة يوم 5 / 5 جمادي الثاني / سنة 5 للهجرة .

 وتوفيت عليه السلام : يوم الأحد 15 / 6 رجب / سنة 62 للهجرة.

وتعددت الأقوال: في مكان وفاة زينب ومدفنها ، فقيل : إنّها توفيت ودفنت بالمدينة ، وقيل : توفيت بالشام ، وقال النسابة العبيدلي توفيت في مصر .

فكان لها يا طيب : بتكريم الله لها عليه السلام في بقاع الأرض مشاهد تزار بها ، ويعبر لها المؤمنون أخلص آيات الاحترام والتقدير ، ويرسلون السلام والصلاة إليها من كل قلوبهم الطيبة وبأجمل طلب من رب العالمين ، فسلام الله وملائكة وكل المؤمنين وصلاتهم عليها من يوم ولادتها إلى يوم الدين .

وقال الراوي حذلم : يصف حال العقيلة ، وهي تستنصت أهل الكوفة :

و لم أر خفرة قط : أنطق منها :

الخفر : شدة الحياء ، و امرأة خفرة : حيية متخفرة ومؤدبة كاملة .

 أنطق منها : النطق : نطق : نطق الناطق ينطق نطقا : تكلم ، و المنطق : الكلام ، ويقال : نطق الطائر أو نطق العود صوت ، والمنطق : علم يعصم الذهن من الخطأ في الفكر ، ويقال : فلان منطقي ـ عالم بالمنطق ، أو يفكر تفكيرا مستقيما ، المنطوق : عند الأصوليين خلاف المفهوم ، وهو مجرد دلالة اللفظ دون نظر إلى ما يستنبط منه ، والناطق : كتاب ناطق بيّن ، وشيء ناطق واضح ، والإنسان حيوان ناطق مفكر ، و المنطيق : البليغ .

وقوله : لم أرى أنطق منها :

 فإنها عليه السلام : كانت تتكلم بجوامع الكلم ، وبلغة فصيحة ، وأسلوب مبين ، وعالمة بما تقول ، وذوا أسلوب مستقيم حق عذب ، ويؤثر كلامها في السامع حتى يدخل قلبه ، وتحرك لمعرفة المزيد لبه .

كأنها تفرغ : عن لسان أمير المؤمنين ، أي تتكلم بلسانه وعلمه ، وتعرف بأسلوب سهل مطالب أرادت أن تفهمهم بها ، وكما كان كلام أمير المؤمنين يتكلم بجوامع الكلام ، وبعض النسخ تفرع ، أي تفرع الكلام وتوصله بما يناسبة ، أو أنها فرع من أبيها حقا ، فتنطق بمنطقه ، وتتكلم بمثل كلامه ، وتعرف بمثل بيانه ، بكلام حكيم ومنطق عليم وتعبير كريم حق مبين .

و قد أومأت : إلى الناس ، أن اسكتوا .

ومأ : الإيماء : الإشارة بيدك ، أو برأسك ، أي أشارت للناس أن أسكتوا .

 وأرتدت الأنفس : رجعت وانقبضت ، وتحولت من التكلم والنياحة والضجيج ، إلى التطلع ساكته وإلى التنبه مستفهمة لما ستقول عقيلة بني هاشم .

 فسكتت الأصوات : أي أنصتوا أخذوا لا يتكلمون ، بل توجهوا لها وينظرون لها ليسمعوا كلامها .

 و هدأت الأجراس : في مثير الأحزان ، وفي اللهوف ومقتل الحسين للخوارزيم : فارتدت الأنفاس ، وسكنت الأجراس .

الجرس : مصدر الصوت المجروس ، و الجرس: الصوت نفسه  و جرست الكلام: تكلمت به ، و جرس الحرف : نغمة الصوت ، والحروف الجوف ثلاثة: لا صوت لها و لا جرس ، و هي : الواو و الياء و الألف اللينة ، و سائر الحروف مجروسة .

 والمعنى واحد : وهو سكوتهم بعدما أشارت لهم ، وسكنت همهمتهم وبعدما أومأت لهم ، فتطلعوا ولهين لسماع كلامها الشريف وبيانها الكريم .

 

 

 

 


الإشعاع الثاني :

العقيلة تحمد الله وتصلي على أبيها وآله الطيبين الأخيار آل الله :

قال الراوي حذلم :

فقالت : الحمد لله .

و الصلاة : على أبي رسول الله ، وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله .

القول : هو كل لفظ نطق به الإنسان ؛ سواء أكان لفظًا مفردًا أم مركبا ، وسواء أكان تركيبه مفيدًا أم غير مفيد ، والمقول : اللسان ، و القول : الكلام على الترتيب‏ ، و التقولة : الكثير الكلام البليغ في حاجته ، و امرأة و رجل تقوالة : منطيق ، وقوال : أي جيد الكلام فصيح ،  تقول للرجل : إذا كان ذا لسان طلق ، قال برأسه : إذا أشار ، و قال برجله : إذا مشى ، و قالت له العينان سمعا و طاعة : أي أومت ، وهنا يا طيب تسمع أبلغ قول حق ، تنطق به صادقة بنت الصادقين ، وعالمة غير معلمة ، فقالت :

الحمد لله :

الحمد : هو الشكر على ما ظهر من الجميل الاختياري ، والحمد : نقيض الذم ، يقال : بلوته فأحمدته أي وجدته حميدا محمود الفعال ، و التحميد : كثرة حمد الله بحسن المحامد ، و الحمد : قد يكون شكراً للصنيعة و يكون ابتداء للثناء ، والشكر لا يكون إِلا ثناء ليد أَوليتها ، فحمدُ الله الثناءُ عليه و يكون شكراً لنعمه التي شملت الكل .

 و الحمد و الشكر : متقاربان المعنى ، و الحمد : أَعم لأَنك تحمد الإِنسان على صفاته الذاتية و على عطائه ، و لا تشكره على صفات الذاتية .

و الحميد : من صفات الله تعالى و تقدس بمعنى المحمود على كل حال، و هو من الأَسماء الحسنى فعيل بمعنى محمود .

و الدعاء : سبحانك اللهم و بحمدك‏ ، يعني بفضلك وبنعمك أنزهك وأسبحك ، أو أظهر الثناء بكامل الحمد لأنك منزه عن أي نقص ذاتا وصفاتا وأفعالا .

و ابعثه المقام المحمود : أعلى مقام في يوم القيامة والجنة ، وهو لنبينا الأكرم ولآله ، فهو لجد زينب وهي وأمها وجدتها تحف به ، ومعهم من يتولاهم بحق .

لواء الحمد : بيد النبي الأكرم يوم القيامة ويدفعه لأبي زينب علي بن أبي طالب ليقود العباد المؤمنين إلى الجنة ، كما كان هو حامل لوائه في الدنيا .

و العبد إذا حمد الله : فقد قضى حق الله فأدى شكر النعمة الماضية ، و تقرب من استحقاق ثواب الله ، و استحق المزيد من نعمائه .

 

الله : هو اسم جامع لجميع الأسماء الحسنى والصفات العليا الإلهية ، يوصف بجميعها ولا يقع صفة لأحدها ، وهو أول مظاهر تجلي الأسماء الحسنى وأعمها وأوسعها ، وكل شيء يرجع له حتى الصفات الفعلية وما خلق في كل عوالم الوجود ، وهو الله الإله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، وهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وله الأسماء الحسنى سبحانه ، ويجب أن ندعوه بها ، ونحمده على كل شيء في التكوين أظهر وجوده ، فيتم نعمه التي لا تحصى علينا ونشكره عليها ، ونقيم له العبودية مخلصين له الدين ، وتم شرحه في صحيفة شرح الأسماء الحسن ، فراجع.

 

 

و الصلاة : على أبي رسول الله ، وعلى آله الطيبين الأخيار آل الله :

والصلاة :

و صلوات الله : على أنبيائه و الصالحين من خلقه : حسن ثنائه عليهم و حسن ذكره لهم ، و صلوات الرسول للمسلمين : دعاؤه لهم و ذكرهم وطلب الرحمة لهم ، و صلاة الملائكة : الاستغفار وطلب الرحمة ، و صلاة الناس على الميت : الدعاء له .

و الصَّلاةُ : عمود الدين ، وقربان كل تقي ، وفيها التكبير والقيام والرُّكوعُ و السُّجودُ ، و الصلاةُ : الدُّعاءُ و الاستغفار .

فالصَّلاةُ من الله : رحمةٌ نازلة ومعدة تنزل في حين المصلحة والاستحقاق ، و من المخلوقين الملائكةِ و الإِنْسِ و الجِنِّ : القيامُ و الركوعُ و السجودُ و الدعاءُ و التسبيحُ و اسْتِغْفارٌ وطلب الرحمة  ؛ و الصلاةُ من الطَّيرِ و الهَوَامِّ : التسبيح وطلب الرحمة .

وقال الله تعالى :

 { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى  النبي

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56)

إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ

وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) }الأحزاب .

اللهم صلِّ على محمدٍ وآل محمد : فمعناه عَظِّمْه في الدُّنيا بإعلاءِ ذِكرِهِ و إظْهارِ دعْوَتِه و إبقاءِ شَريعتِه، و في الآخرة بتَشْفِيعهِ في أُمَّتهِ و تضعيفِ أَجْرهِ و مَثُوبَتهِ.

و قيل: المعنى لمَّا أَمَرَنا الله سبحانه بالصلاة عليه ، و لم نَبْلُغ قَدْرَ الواجبِ من ذلك ، أَحَلْناهُ على اللهِ ، و قلنا : اللهم صلِّ أَنتَ على محمدٍ ، لأَنك أَعْلَمُ بما يَليق به .

ومن صلى على النبي وآله : صلى الله عليه عشرة أضعاف وصلى عليه كل شيء ، ومن آذاه في نفسه وآله عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين وله عذاب مهين . وفي الصحف المتقدمة مر كلام شريف حول فضل الصلاة على النبي وآله ودور الإمام الحسين عليه السلام فيها ، وتوجد بحوث مستقلة في صحيفة النبي الأكرم حول الصلاة عليه وعلى آله ، فراجع ما تقدم ، ويحسن أن نذكر هنا مختصرا من معنى الصلاة وفضلها :

يا طيب : فإنه بالصلاة على النبي وآله ،  نطلب من الله وحده لا شريك له وبكل خضوع ، الرحمة لأكرم خلق الله تعالى ،  فإنه فيها بالإضافة لمعاني التوحيد والإيمان ،  معنى الإيمان بالعدل بل الإحسان الذي يعطي الثواب على هذا العمل ، وهو إقرار منا بأنه الله يرحم عباده وبالخصوص المكرمين ، وهو بعينه اعتراف بالنبوة والإمامة لأنه نخصهم بالذكر فيها ، وكذا اعتراف بالمعاد لاعتقادنا بالحصول على الثواب في الدنيا والآخرة على هذا العمل ، وفيه معنى شكر الله وحمده وتقديسه .

كما إن في ذكر الله بقولنا : اللهم صل على محمد وآل محمد ، فيه معنى التواضع لله والخشية منه ، وطلب القرب منه بكل أمل ورجاء ، لأنه نعترف بأن أكرم الخلق بالكون كله محتاج لرحمة الله ، ومع ما له من الكرامة والمجد والفضائل والمناقب ، فكيف بنا ونحن تبع له ، وكلنا تقصير أمام إقامة عبودية الله تعالى بكل تعاليمه ، فضلا من أن نكون مثل رسول الله وآله بأحسن وجه يرضاه ، ولذا نعترف له بالقصور والتقصير فيكون فيها معنى الاستغفار بالصلاة وطلب الرحمة لأكرم خلق الله منه وحده ، وهذا معنى فيه إنا قاصرون مقصرون محتاجون لرحمت الله بأوسع ما يمكن أن يرحم به العباد ، وبعد أن عرفنا بعض المعنى ، نذكر بعض فضل الصلاة على محمد وآله وثوابها :

 

و ذكر في جامع الأخبار قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

من صلى علي مرة : صلى الله عليه عشرا .

و من صلى علي عشر : صلى الله عليه مائة مرة .

و من صلى علي مائة مرة : صلى الله عليه ألف مرة .

و من صلى الله عليه ألف مرة : لا يعذبه الله في النار أبدا .

و قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

من صلى علي مرة : فتح الله عليه بابا من العافية .

و قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :

من صلى علي مرة : صلت عليه الملائكة .

و من صلت عليه الملائكة ، صلى الله عليه  .

ومن صلى الله تعالى عليه ،لم يبق في السماوات والأرض شي‏ء إلا و يصلي عليه .

و قال صلى الله عليه وآله وسلم :

من صلى : علي مرة ، خلق الله تعالى يوم القيامة :

 على رأسه نورا . و على يمينه نورا ، و على شماله نورا .

و على فوقه نورا ، و على ظهره نورا . و على تحته نورا ، و في جميع أعضائه نورا.

و عن كعب بن عجرة ، قيل :

يا رسول الله أما السلام عليك فقد عرفناه ، فكيف الصلاة ؟

 قال : قولوا :

اللهم صل على محمد وعلى آل محمد

كما صليت على آل إبراهيم انك حميد مجيد .

اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد

كما باركت على آل إبراهيم انك حميد مجيد .

وعن عبد الله بن سنان : عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم لأمير المؤمنين عليه السلام : أ لا أبشرك .

 قال : بلى بأبي أنت و أمي ، فإنك لم تزل مبشرا بكل خير .

فقال : أخبرني جبرائيل آنفا بالعجب ؟

فقال أمير المؤمنين عليه السلام : و ما الذي أخبرك يا رسول الله ؟

 قال : أخبرني أن الرجل من أمتي .

إذا صلى علي و أتبع بالصلاة على أهل بيتي .

 فتحت له أبواب السماء ، و صلت عليه الملائكة سبعين صلاة .

 و أنه للذنب حطا ، ثم تحاتت عنه الذنوب كما تحاتت الورق من الشجر .

 و يقول الله تبارك و تعالى : لبيك عبدي و سعديك يا ملائكتي .

 أنتم تصلون عليه سبعين صلاة ، و أنا أصلي عليه سبعمائة صلاة .

 فإذا صلى عليَّ: ولم يتبع بالصلاة على أهل بيتي، كان بينها وبين السماء سبعون حجابا ، و يقول الله جل جلاله : لا لبيك و لا سعديك ، يا ملائكتي لا تصعدوا دعاءه ، إلا أن يلحق بالنبي عترته ، فلا يزال محجوبا حتى يلحق بي أهل بيتي [12].

ويا طيب : بدل الصلاة على النبي وآله ويسلموا لهم وعليهم ، أخذوا يقاتلوهم في كل مكان ويقتلوهم، ويسبون آل محمد ويأسرون عترته وآله، فلعنة الله على الظالمين.

 

 

 

وقالت عليه السلام : بعد الصلاة على أبي :

 وعلى الطيبين الأخيار آل الله :

الطيبين :

طيب : طاب يطيب طيبا ، فهو طيب ، و الطيب على بناء فعل ، و الطيب : نعت . والطَّيِّبُ : خلاف الخَبيث‏ .

و الطيب : الحلال ، والطاهر . و الطيبات من الكلام : أفضله و أحسنه .

و أَطابَ الشي‏ءَ و طَيَّبَه و اسْتَطَابه : وجَدَه طَيِّباً ، و الطِّيبُ : ما يُتَطَيَّبُ به .

و الطيِّبُ من كل شي‏ءٍ : أَفضَلُه .

ويا طيب تتسع معاني الطيب : فهو : في كل شي أفضله وأحسنه وأصلحه والحلال منه والطاهر ، فيقال:  طايَبه : مازَحَه . و ماءٌ طَيِّبٌ : أَي طاهر ، شَرابٌ مَطْيَبةٌ للنَّفْسِ : أَي تَطِيبُ النفسُ إِذا شربته ، طِيَبَةُ الشَّرابِ : أَجمُّه و أَصْفاه ، ماءٌ طَيِّبٌ : إِذا كان عذباً ، و طعامٌ طَيِّب : للذي يَسْتَلِذُّ الآكلُ طَعْمه ، و طُعْمة طَيِّبة : إِذا كانت حلالًا ، و طَعامٌ طَيِّبٌ : إِذا كان سائغاً في الحَلْق ، والأَطْيَبانِ : الطعامُ و النكاحُ ، و قيل : الفَمُ و الفَرْجُ  ، و امرأَةٌ طَيِّبة : إِذا كانت حَصاناً عفيفةً ، و منه قوله تعالى: الطيباتُ للطَّيِّبين .

 و طِيَبَةُ الكَلإِ : أَخْصَبُه ، و طابَت الأَرضُ طِيباً : أَخْصَبَتْ و أَكْلأَتْ ، و بَلْدَة طَيِّبة : أَي آمنةٌ كثيرةُ الخير ، و بلدٌ طَيِّبٌ : لا سِباخَ فيه ، و منه قوله تعالى: بَلْدَة طَيِّبة و رَبٌّ غَفُور؛ و تُرْبة طَيِّبة : أَي طاهرة ، و منه قوله تعالى : فتَيَمَّمُوا صَعيداً طَيِّباً؛ وأَرضٌ طَيِّبة : للتي تَصْلُح للنبات ؛ و رِيحٌ طَيِّبَةٌ : إِذا كانت لَيِّنةً ليست بشديدة ؛  و في الخبر : جعلت لي الأرض طيبة طهورا ، أي نظيفة غير خبيثة.

 و طابة : مدينة الرسول صلى الله عليه و آله و سلم.

و طوبى: اسم شجرة في الجنة أصلها في دار النبي وعلي لأن دارهم واحد صلى الله عليهم و آله و سلم ، و في كل دار من دور أمته غصن منها ، ولا يكون إلا من أنصارهم ومحبيهم ، لا ممن يحب قاتليهم أو راضي بمن قتلهم .

 و نَكْهة طَيِّبة : إِذا لم يكن فيها نَتْنٌ ؛ و نَفْسٌ طَيِّبة : بما قُدِّرَ لها أَي راضية ، و طابت نَفْسُه بالشي‏ءِ : إِذا سَمَحَت به من غير كراهة و لا غَضَب . و زَبُونٌ طَيِّبٌ : أَي سَهْل في مُبايعَته .

 فلانٌ في بيتٍ طَيِّبٍ : يكنى به عن شرفه و صلاحه و طِيبِ أَعْراقِه.

و الطَّيِّباتُ من الكلام : أَفضَلُه و أَحسنُه ، و فلانٌ طَيِّبُ الأَخلاق : إِذا كان سَهْلَ المُعاشرة .و طاب ديننا : أي كمل و استقرت أحكامه .

 قولُه تعالى: { مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ  الْعِزَّةُ جَمِيعًا لَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ

وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ  وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ (10)}فاطر،

إِنما هو الكَلِم الحَسَنُ أَيضاً كالدعاء و نحوه‏ ،  يجوز أَن يكون ضمير العملِ الصالح أَي العملُ الصالحُ يرفعه الكَلِمُ الطَّيِّبُ ، أَي لا يُقْبَلُ عملٌ صالحٌ إِلَّا من موحد.

و في حديث رسول الله : شَهِدْتُ غلاماً مع عُمومتي :

 حِلْفَ المُطَيَّبِين : اجتمَع بنو هاشم : و بنو زُهْرَة، و تَيْمٌ ، في دارِ ابن جُدْعانَ في الجاهلية ، و جعلوا طِيباً في جَفْنةٍ ، و غَمَسُوا أَيديَهم فيه ، و تَحالفُوا على التناصر و الأَخذ للمظلوم من الظالم ، فسُمُّوا المُطَيَّبين .

وحلف لعقة الدم : بنو عبد الدار، وبنو مخزوم، وبنو سهم، وبنو عدي، وبنو جمح؛ ولم يدخل بنو عامر بن لؤي، ولا بنو محارب بن فهر، في شيء من ذلك.

و إن عليا  قال: بأبي و أمي يا رسول الله ، صلى الله عليك ، طبت حيا و طبت ميتا .

و في حديث طاووس : أَنه أَشْرَفَ على علي بن الحسين ساجداً في الحِجْر .

 فقلتُ : رجلٌ صالح ، من بَيْتٍ طَيِّبٍ.

والآن الحلف حلفان : حلف الطيبون ولهم طوبى وحسن مآب ، وحلف لعقة الدم أخزاهم الله وأصلاهم الجحيم ، فأختر حلفك وآلك وأهلك منهم :

وهذه الطيبة بنت الطيبين : تبين طيبهم ، وظلم وفجور الطغاة حلف آل الدم ولعقته :

 

فقالت العقيلة : تعرف آلها بعد الصلاة عليهم وأنهم الطيبون :

الأخيار :

 

خير : رجل خير، و امرأة خيرة أي : فاضلة في صلاحها، و الجميع خيار و أخيار ، والخَيْرُ : ضد الشر ، وكل ما يأتي منه وفيه العدل و الصلاح والبركة والنمو الطيب فهو خير ، وكل ما يأتي منه الظلم والفساد والمنقصة الخبيثه فهو شر ، وكلما يؤدي إلى الجنة فهو خير ، وكلما يؤدي إلى النار فهو شر .

و الخَيْرَةُ من النساء : الكريمة النَّسَبِ ، الشريفة الحَسَبِ ، الحَسَنَةُ الوجه ، الحَسَنَةُ الخُلُقِ ، الكثيرة المال ، التي إِذا وَلَدَتْ أَنْجَبَت‏ .

 فعل الخير : إشارة إلى صلة الرحم و مكارم الأخلاق ، فيكون حثا على سائر المندوبات و القربات .

و الاختيار : الاصطفاء و كذلك التَّخَيُّرُ .

{ وَرَبُّكَ يَخْلُقُ  مَا يَشَاء وَيَخْتَارُ

مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (68) } القصص .

وقال سبحانه وتعالى :

{ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ (33)

 ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) } آل عمران .

قال سليم :  سمعت سلمان الفارسي يقول : كنت جالسا بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله في مرضه الذي قبض فيه .

فدخلت فاطمة عليها السلام : فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الضعف ، خنقتها العبرة ، حتى جرت دموعها على خديها .

فقال لها رسول الله : يا بنية ما يبكيك ؟

قالت : يا رسول الله أخشى على نفسي و ولدي الضيعة من بعدك .

فقال رسول الله : و اغرورقت عيناه بالدموع .

يا فاطمة : أ و ما علمت أنا أهل بيت :

اختار الله : لنا الآخرة على الدنيا ، و أنه حتم الفناء على جميع خلقه .

و أن الله تبارك و تعالى : اطلع إلى الأرض إطلاعة فاختارني منهم فجعلني نبيا .

ثم اطلع : إلى الأرض ثانية فاختار بعلك ، و أمرني أن أزوجك إياه ، و أن أتخذه أخا و وزيرا و وصيا ، و أن أجعله خليفتي في أمتي .

فأبوك خير : أنبياء الله و رسله ، و بعلك : خير الأوصياء و الوزراء .

و أنت : أول من يلحقني من أهلي .

ثم اطلع إلى الأرض اطلاعة ثالثة : فاختارك ، و أحد عشر رجلا من ولدك و ولد أخي بعلك منك .

فأنت : سيدة نساء أهل الجنة .

و ابناك الحسن و الحسين سيدا شباب أهل الجنة .

و أنا و أخي : و الأحد عشر إماما أوصيائي إلى يوم القيامة كلهم هادون‏ مهديون....[13].

وهذا اختيار الله ورسوله واصطفائهم : ولا يحق لمؤمن فضلا عن غيره أن يختار أئمة وولاة أمر وخلفاء وسلاطين دنيا ودين غيرهم ، لأن الله سبحانه قال :

{ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا

أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ

وَمَن يَعْصِ اللَّهَ  وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا (36) } الأحزاب .

ولهذا قالت العقيلة عليه السلام :  

الطيبين الأخيار آل الله ، لأنهم خيرته واصطفاهم لدينه ، وهذه العقيلة تتكلم عنهم ، بعد أن قتلوا آل الله ورسوله :

 

 

 

آل الله :

 أهل :  و أهلته لهذا الأمر تأهيلا ، و مكان مأهول: فيه أهل ، و مكان آهل : له أهل ، فهو آهل‏ . ، والأَهْل : أَهل الرجل ، وأَهْلُ الدار ، و منه الحديث : إن للماء أهلا ، و أهل البيت : سكانه ، و أهل الإسلام أو المذهب : من يدين به‏ ، هو أهل التقوى  و أهل المغفرة ،  أنه جل وعز أهل لأن يتقى فلا يعصى ، وهو أهل المغفرة لمن اتقاه‏ ، فلان أهل لكذا : أو يستأهل لكذا ، أي حقيق به.

 وكانوا يسمُّون أَهْلَ مكة : أَهل الله تعظيماً لهم كما يقال: بيت الله ، و أَراد أَهل بيت الله لأَنهم كانوا سُكَّان بيت الله ، وأَهل الرجل أَخَصُّ الناس به مثل أَهْلُ بيت النبي .

 و آلُ الرجل : أَهْلُه ، و آل الله و آل رسوله : أَولياؤه ، أَصلها أَهل ثم أُبدلت الهاء همزة ، فصارت في التقدير أَأْل، فلما توالت الهمزتان أَبدلوا الثانية أَلفاً ، كما قالوا : آدم و آخر ، و في الفعل : آمَنَ و آزَرَ ، و قولهم : القُرَّاء آلُ الله ، و قولهم: اللهمَّ صلِّ على محمد و على آل محمد ، و قال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه ‏. ثم كثر استعمال الأهل و الآل حتى سمي بهما أهل ، ومن القديم : يسمون أهل مكة آل الله ، ومنه ما أنشأ عبد المطلب جد أبي العقيلة ، في قصة الفيل حيث يقول  :

نحن آل الله فيما قد خلا          لم يزل ذاك على عهد إبرهم‏

نعرف   الله  و فينا  شيمة           صلة   الرحم  و نوفي  بالذمم‏

لم  يزل   لله  فينا   حجة            يدفع   الله  بها  عنها   النقم‏

والآن الآل آلين :

 آل الله : وهم آل محمد ومن تبعهم وحالهم في مقال وصف العقلية .

 وآل الشيطان : وهم آل أبي سفيان وأتباعهم ومن يرضا بفعلهم .

ومن يحب أن يكون من آل الله وآل محمد : عليه بهدى علمه الحسين وآله الطيبين الطاهرين آل أمير المؤمنين وسيد المرسلين صلى الله عليهم وسلم أجمعين ، ومبتعدين عن كل آل الطغاة والظالمين وأهل الضلال المغضوب عليهم والذين هم في عذاب الله خالدين ، وكما تشرحه وتعرفه عقيلة بني هاشم عليه السلام حيث قالت :

 


 

 

 

 

 

الإشعاع الثالث :

العقيلة تعرفنا إن أهل الكوفة أحرياء بالبكاء لخداعهم وغدرهم :

وقال الراوي حذلم قالت العقيلة :

 أما بعد : يا أهل الكوفة : و يا أهل الختل ، والغدر ، و الخذل ، والحدل .

أتبكون ، فلا رقأت العبرة : و لا هدأت الرنة .

والمعنى : أما بعد :  قد تكرر في كلام الفصحاء ، و هي كلمة تسمى فصل الخطاب ، يستعملها المتكلم إذا أراد الانتقال من كلام إلى آخر ، قيل : أول من تكلم بها داود ، و إليه الإشارة بقوله تعالى : و آتيناه الحكمة و فصل الخطاب، يعني أما بعد .

 و قيل : أراد بفصل الخطاب البينة على المدعى و اليمين على المنكر ، و قيل : أول من قالها الإمام علي عليه السلام لأنها أول ما عرفت من كلامه و خطبه ، و قيل : قيس بن ساعدة الأيادي حكيم العرب ، لقوله :

لقد علم الحي اليمانون أنني    إذا قيل أما بعد أني خطيبها .

يا أهل الكوفة :

يا : حرف نداء ،  وهي عامِلةٌ في الاسم الصَّحِيح و إِن كانت حرفا ، و حالُها : في ذلك حال أَدْعُو و أُنادي ، ومر تعريف الأهل في تعريف الآل .

الكوفة : مدينة تابعة لمحافظة النجف الآن وتبعد عن كربلاء 60 كيلومتر ، وكانت عاصمة خلافة المسلمين في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ، وهي التي بناها سعد بن أبي وقاص بعد أن فتح العراق وأنتشر دين الله ورسوله ، ولكن أهلها بعد فترة تسلط عليهم الطغاة وتغيرت الأحوال حتى جاء أبن سعد عمر لقتل آل رسول الله وعلي بن أبي طالب الطيبين الطاهرين ، وجيش عمر حزب بني أمية آل لعقة الدم من أهل الكوفة .

 فسبحان الله : كيف يبدل الأحول ويختبر العباد ليظهر ثباتهم وانقلابهم على آل محمد ، وقد مر تعريف الكوفة في الجزء السابق من صحيفة الإمام الحسين فراجع ويأتي .

و يا أهل الختل ، والغدر ، و الخذل ، والحدل .

أهل الختل :  أهل الخداع .

 الختل : خَدَعه عن غَفْلة ، وفي الأحتجاج : ختر : أي غدر .

الخذل : و هو تركك نصرة أخيك ، و خذلان الله للعبد : ألا يعصمه من السوء .

الحدل في الأحتجاج : وهو الظلم والخروج عن الاعتدال، وهو النقص في الشيء.

 الغدر : برواية الخوارزمي : وهو نقض العهد و نحوه ، كترك الوفاء بالعهد و المغادَرة ، فهم خدعوا آل محمد واستغفلوهم وخذلوهم ولم ينصرونهم ، ونقضوا عهدهم ولم يفوا لهم بوعدهم ، بل اعتدوا عليهم وظلموهم فحاربوهم بل قتلوهم .

 

أتبكون ، و إنكم و الله : أحرياء بالبكاء ، فابكوا كثيرا .

أحرياء : و الحرى: الجدارة .  تقول : هو حري : أي خليق . و التَّحَرِّي : القَصْدُ و الاجتهادُ في الطلب و العزم . أي أنتم الأفضل لكم هو البكاء ، ولكن ما ينفع ، بل أنتم تستحقون أن لا تجف دمعتكم ، ولذا قالت عليه السلام بعده :

 

في مقتل الخوارزمي :

 أتبكون ، فلا رقأت العبرة : و لا هدأت الرنة . و الأغلب ذكر : فلا رقأت الدمعة :

لا: حرف ينفى به و يجحد حصول الشيء ، بأن لا يقف الدمع ، لأن معنى رقا :

رقأ : انقطع وجف بعد جريانه ، و لا تنفيه وتنكره ، وكأن العقيلة تسأل الله أن لا ينقطع دمعهم بعد جريانه ، لأنهم ارتكبوا جرما عظيما سيأتي بيانه .

والدَّمْع : ماء العين ، و الجمع أَدْمُعٌ و دُموعٌ ، والدمعة : القطرة منه ، و المدامع : المآقي ، و هي أطراف العين ، و في الدعاء : و أعوذ بك من عين لا تدمع ، يريد بها الجامدة عن البكاء من خشية الله تعالى ، و عين دَموع : كثيرة الدَّمْعة أَو سريعتها .

و العَبْرة : الدَّمْعة ، و قيل : هو أَن يَنْهَمِل الدمع و لا يسمع البكاء ، و قيل : هي الدمعة قبل أَن تَفيض ، و قيل : هي تردُّد البكاء في الصدر، و قيل : هي الحزن بغير بكاء ، و عَبْرةُ الدمعِ : جرْيُه ، و عَبَرَتْ عينُه و اسْتَعْبَرت : دمَعَتْ ، و عَبَر عَبْراً و اسْتَعْبَر : جرَتْ عَبْرتُه و حزن ، و العَبِرُ و العَبْرانُ‏ : الباكي ، و العَبَر : سُخْنةُ العين من ذلك كأَنه يَبْكي لما به ، و العُبْرُ : البكاء بالحُزْن ، و العُبْرُ : الثَّكْلى .

وفي مقتل الخوازمي :

و لا هدأت الرنة : و هد : هدأ يهدأ هدوء ، أي : سكن من صوت أو حركة . والرنة : الصيحة الحزينة ، و الرنين : الصياح عند البكاء .  الرَّنَّةُ و الرَّنِينُ و الإِرْنانُ : الصيحة الشديدة و الصوت الحزين عند الغناء أَو البكاء .

يا مولي : أي لا هدأ ولا سكت ولا سكن صوت عويلهم وبكائهم ، وذلك لما فعلوا بخير خلق الله من القتل والأسر ونصرهم للطغاة الظالمين والحاكم الفجرة الفاسقين .

 وإن البكاء من التائبين : ندم وطلب الرجوع للهدى الحق والعمل بدين الصدق عند الإمام الحسين وآله ، والبكاء من المؤمنين : حزنا على مصاب آل محمد وتفجعا على ما حل بهم وعبرة تتردد في جنانهم ، ومن المنصفين الطيبين : تأسفا على ما حل بالدين من تسلط الكفار والمنافقين على المؤمنين، وكل المسلمين : الآن عيونهم تدمع و قلوبهم تحزن وفي عبرة على الحسين وآل محمد ، ولهم اعتبار بتأريخ الدين، طبعا دون أتباع بني أمية فإنه الآن يحتفلون ويفرحون في يوم قتل آل محمد ويظهرون السرور أخزاهم الله.

 و  عن أبي عبد الله قال : نظر أمير المؤمنين إلى الحسين عليهم السلام ، فقال :

يا عبرة : كل مؤمن

 فقال : أنا يا أبتاه ؟ قال : نعم يا بني .

وعن أبي عمارة المنشد قال : ما ذكر الحسين عند أبي عبد الله في يوم قط ، فرأى أبو عبد الله متبسما في ذلك اليوم إلى الليل ، و كان يقول :

 الحسين عبرة كل مؤمن .

وقال الإمام الحسين بن علي عليه السلام :

 أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر[14].

 


 

 

الإشعاع الرابع :

العقيلة تعرف أهل الكوفة حقيقتهم الغادرة ودخل إيمانهم :

قالت العقيلة :

فما مثلكم : إلا كالتي نقضت غزلها ، من بعد قوة أنكاثا .

تتخذون : أيمانكم دخلا بينكم .

والمعنى :

فما مثلكم : إلا كالتي نقضت غزلها ، من بعد قوة أنكاثا .

فما مثلكم : أي مثل أهل الكوفة ، إلا مثل التي فلت غزلها بعد إحكامه :

النقض : إفساد وحل وفك ما أبرمت وأحكمت تكوينه من حبل أو عقد أو بناء  أو العهد مبرم ، وإفساد ما أحكم ، وحل المعقود أو غزل مفتول، والنقض : الفسخ وفك التركيب ، و نقضت الحبل نقضا : حللت برمه ، و انتقض هو بنفسه ، و انتقضت الطهارة : بطلت و فسدت ، و انتقض الوضوء كذلك ، و النقض يقابله : الإبرام.

والنقض :  نقض وحل الإقرار بالإسلام وإفساد عقد الإيمان بكل شرائع دين الله ، كالمرأة التي نقضت غزلها بعد إتقانه و إحكامه فجعلته أنكاثا بأن فتحته وفلت ونفشته.

والغزل :  أغزل : أي أدير و فتل‏ ، و غزلت المرأة : أدارت المغزل‏ ، غزل : غزلت المرأة القطن و الكتان و غيرهما تغزله غزلا ، و كذلك اغتزلته و هي تغزل بالمغزل فتفره بعد أن تعلق به الصوف فتجعله خيط رفيع محكم بفتله بالفر والدوران .

من بعد :

من : بالكسر فالسكون : حرف جر و لها معان : تكون لابتداء الغاية .

وبعد : خلاف شي‏ء و ضد قبل‏ ، وقيل إِذا لم تكن ممن يقترب منه فتَباعَدْ عنه ، و بَعِدَ بَعَداً و بَعُد : هلك أَو اغترب ، فهو باعد .

وهنا : من قبل : كان الإحكام والإتقان ، ومن بَعْدُ : حصل النكث والنقض وهو خلف سوء لما قبل ، وأنهم عقدوا عاهدوا آل محمد وكاتبوا الإمام الحسين وبايعوا مسلم ، ولكنهم من بعد نكثوا وغيروا فخدعوا وخذلوا كما عرفت ، والعقيلة تصف حالهم ، بأنهم صاروا ممن أتقن الإيمان وهدى الدين ومعارفه بالبيعة لآل محمد عليهم السلام ومن ثم نقضه وحله عملا بأن يتبع أعداء أئمة الحق ويتبع أئمة الضلال ، فيفسد إيمانه ويدخل فيه ما ليس فيه من الدين ، فيخرج منه بدل دخوله فيه ، هو خَلْفُ سَوءٍ لما قدم .

وأما : قوة أنكاث :

والقوة : أي قدرة ، و تمكنا ، و سلطة ،  وشدة آثارا ، واستطاعة ، وجد ، وعزم ، والقُوَّةُ : نقيض الضعف ، و الجمع قُوًى و قِوًى ،  و قوي على الأمر : أطاقه ، و به قوة أي طاقة ، وقوي : ذا طاقة على العمل ،  و في الحديث :

 المؤمن القوي : خير من الضعيف ، أي القوي الذي قوى في إيمانه ، بأن يكون له قوة و عزيمة و قريحة في أمور الآخرة ، فيكون أكثر جهادا أو صبرا على الأذى في جنب الله ، و أرغب في العبادات ومحب للطاعات ويجد في تعلم الهدى الحق والعمل به .

 

و نكث : فواحد الأنكاث نكث ، وكل شيء نقض بعد الفتل ، فهو أنكاث : حبلا كان أو غزلا أو عهدا أو بيعة ، والحبل منتكث إذا انتقضت قواه وفل .

في كتاب العين للخليل : نكث : نكث العهد ينكثه نكثا ، أي : نقضه بعد إحكامه‏ ، وفي لسان العرب : في التنزيل العزيز :

 { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي  نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثً  (92) } النحل .

 هو تمثيل : بامرأة تغزل الغزل بقوة ، ثم تعود فتنقض ما أتعبت نفسها فيه و غزلته من بعد قوة ، و تجعله أنكاثا لا فتل فيه و لا إبرام ولا أحكام بل منفوش مبثوث .

و نقل : أنها امرأة حمقاء من قريش كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ، ثم تأمرهن أن ينقضن ما غزلن ، و لا يزال ذلك دأبها ، و اسمها ريطة بنت عمرو ، و كانت تسمى خرقاء مكة .

ولذا : الذي ينكُث البيعة ، يقال له : نَكَّاثٌ ؛ و من هذا نَكْثُ العهد ، و هو نَقْضه بعد إِحْكامه ، كما تُنْكَث خيوطُ الصوف المغزول بعد إِبْرامه .

و في مجمع البحرين :  في حديث الإمام علي عليه السلام :

أمرت بقتال : الناكثين و القاسطين و المارقين .

  فالناكثون : أهل الجمل لأنهم نكثوا البيعة أي نقضوها و استنزلوا عائشة و ساروا بها إلى البصرة ، و هم عسكر الجمل و رؤساؤه ، من قولهم نكث الرجل العهد من باب قتل نقضه و نبذه ، وأهل الكوفة مثلهم نكثوا بعد ما بايعوا.

و القاسطون : أهل صفين بني أمية معاوية وحزبه لأنهم جاروا في حكمهم و بغوا عليهم ، ولم يرضوا بحكم الإمام علي وهو أول المسلمين وسيد المؤمنين والوصي والخليفة الحق لسيد المرسلين ، ولمعرفة شأنه راجع صحيفته وصحيفة سادة الوجود من موسوعة صحف الطيبين ، أو راجع كتاب الغدير أو المراجعات ، أو العبقات ، أو إحقاق الحق .

و المارقون : الخوارج لأنهم مرقوا من الدين كما يمرق السهم من الرمية . و معنى هذا التفسير مروي عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم .

 

تتخذون : أيمانكم دخلا بينكم .

 تتخذون : أيمانكم دخلا بينكم : تكملة في الآية السابقة وتمامها قوله تعالى  :

{ وَلاَ تَكُونُواْ  كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا

تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ

 أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ

إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)

 وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن  يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (ا93) }لنحل .

والمعنى : أنكم تتخذون أيمانكم دخلا ، أي وسيلة للغدر و للخيانة وللغش ، و أنه يكون مكرا وخديعة ودغلا بينكم .

و إنما يفعلون ذلك : لتكون أمة ، و هم : إما نفس الحالفون بالإيمان ، أو من تولوهم وصاروا منهم من بعد أو من قبل سرا ، تكونوا أمة أربى وأغنى وأشرف و أزيد سهما من زخارف الدنيا ، من أمة : وهم قوم آخرين تولوهم أولا و هم المحلوف لهم والمتظاهر بالإيمان أمامهم ، فتتطيبون بالظهور بالإيمان والحكاية عنه نفوس الناس لكي يتم تصديقكم بما تقولون فيتحالفوا معكم ، ثم تخونونهم و تخدعونهم بنقضها ، فتقطعون بأيمانكم حقوقا لهؤلاء فتجعلونها لهؤلاء  .

 وهذا يا موالي : هو مائة بالمائة وبالضبط مثل ما عملوا بآل محمد من الوعود والعهود والدعوة ليرضوا بهم أئمة حق وإرجاع حقهم لهم وتظاهروا بالإيمان ، وأنهم يحبون أن يجتمعوا معهم على هداهم ، وعاهدوا آل محمد الحسين وآله بالمواثيق المؤكدة ، فأرسلوا آلاف الرسائل وبايعوا من بعد لمسلم .

 ثم خانوهم وغدروا بهم وجعلوا بني أمية أمة أربى وأكثر عددت وقوة واجتمعوا معهم على قتل آل محمد عليهم السلام ، ففضلوا من لم يستحق التفضيل ، وحرموا ويتركوا من هو أحق بالوصل .

 

فالدُّخُول : نقيض الخروج ‏، وقوله تعالى : و لا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم .

 أي دغلا و خيانة و خديعة وغش .

 و في التفسير : الدخل أن يكون الباطن خلاف الظاهر ، فيكون داخل القلب على الغدر و الظاهر على الوفاء .

و الدخل بفتحتين : في الأصل كل ما دخل الشيء و ليس منه ، و يكنى به عن الدغل و الخدعة و الخيانة ، و الدخل : ما أدخل في الشيء على فساد و غلا وغش ، الدخل : عيب في الحسب ، و المتدخل في الأمور : المتكلف فيها ليس بعالم ، والدُّخُول : نقيض الخروج‏ ، و داخِلُ كلِّ شيء : باطنُه الداخل‏ .

و الدَّخَل : ما داخَل الإِنسانَ من فساد في عقل أَو جسم ، وقيل والدخل : الدغل والخديعة ، وإنما قيل الدخل ، لأنه داخل القلب على ترك الوفاء والظاهر على الوفاء ، والمعنى تدخلون الإيمان على فساد للغرور والخداع ، وفي نيتكم الغدر بمن حالفتم .

ومحصل المعنى : أنكم كمثل الناقضة لغزلها بالنكث بعد أحكامه ، وإنكم تتخذون أيمانكم دخلا بينكم فتؤكدونها و تعقدونها ثم تخونون و تخدعون بنقضها و نكثها و الله ينهاكم عنه ، وهذا تأكيد لمعنى الله سبحانه وتعالى حرمه بأسلوبين ، وبالخصوص التظاهر بالدين نفاقا وخداعا لقوم آخرين ، وأي فرد من المسلمين فضلا عن آل محمد وهم أشرف أهل الوجود وسادة العباد وخيرة الله وصفوته في الدنيا والآخرة .

 

يا موالي : قول العقلية عليه السلام ، فإنها بالإضافة لكونها تنطق بالقرآن وتعرف هداه وتطبقه على حوادث مفجعة جرت عليهم ، ووقائع أليمة عظيمة صبت على آل محمد من أعدائهم الناكثين والمتخذين إيمانهم دخلا بينهم ، فإنها كما عرفت بحق ذكر الراوي حذلم في تعريف العقيلة إذ قال :

 و رأيت : زينب بنت علي ، و لم أر خفرة قط : أنطق منها .

 كأنها تفرغ : عن لسان أمير المؤمنين عليه السلام .

فإن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام : يذكر قولا كريما يصف به أهل الكوفة من قبل وتعاملهم معه وعدم ثباتهم على نصره ، وقد عرفت في الجزء السابق في تعريف الكوفة أنها كانت تسمى العراق :

أَمَّا بَعْدُ : يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ ، فَإِنَّمَا أَنْتُمْ كَالْمَرْأَةِ الْحَامِلِ ، حَمَلَتْ ، فَلَمَّا أَتَمَّتْ أَمْلَصَتْ ، وَ مَاتَ قَيِّمُهَا ، وَ طَالَ تَأَيُّمُهَا ، وَ وَرِثَهَا أَبْعَدُهَا .

 أَمَا وَ اللَّهِ : مَا أَتَيْتُكُمُ اخْتِيَاراً ، وَ لَكِنْ جِئْتُ إِلَيْكُمْ سَوْقاً .

وَ لَقَدْ بَلَغَنِي : أَنَّكُمْ تَقُولُونَ :عَلِيٌّ يَكْذِبُ ، قَاتَلَكُمُ اللَّهُ فَعَلَى مَنْ أَكْذِبُ ، أَ عَلَى اللَّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ‏آمَنَ بِهِ ، أَمْ عَلَى نَبِيِّهِ فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ صَدَّقَهُ .

كَلَّا وَ اللَّهِ : وَ لَكِنَّهَا لَهْجَةٌ غِبْتُمْ عَنْهَا ، وَ لَمْ تَكُونُوا مِنْ أَهْلِهَا ، وَيْلُ أُمِّهِ كَيْلًا بِغَيْرِ ثَمَنٍ ، لَوْ كَانَ لَهُ وِعَاءٌ ، وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ .

وبيانه : أملصت : ألقت الحامل ولدها سقطا ميّتا ، و المملاص معتادته . و قيّم المرأة : زوجها لأنّه يقوم بأمرها ، و تأيّم المرأة : خلوّها من الزوج ، و ورثها أبعدها : أي من لم يكن له قرابة الولد و نحوه .

 و التشبيه بالمرأة الموصوفة : لأنّهم تحمّلوا مشاقّ الحرب ، فلمّا قرب الظّفر ، رضوا بالتحكيم و حرموا الظفر ، و صار بعضهم خوارج و بعضهم شكّاكا .

وبعبارة أخرى : لما شارفتم استئصال أهل الشام ، و ظهرت أمارات الظفر لكم ، و دلائل الفتح ، نكصتم و جنحتم إلى السلم و الإجابة إلى التحكيم عند رفع المصاحف ، فكنتم كالمرأة الحامل لما أتمت أشهر حملها ألقت ولدها إلقاء غير طبيعي نحو أن تلقيه لسقطة أو ضربة أو عارض يقتضي أن تلقيه هالكا ، ثم لم يكتف لهم بذلك حتى قال : و مات بعلها ، و طال تأيمها ، و ورثها أبعدها .

 و المراد بالسّوق الاضطراري : كأنّ القضاء ساقه عليه السلام إليهم ، فإنّه خرج لقتال أهل الجمل ، و احتاج إلى الاستنصار بأهل الكوفة ، و اتّصلت تلك الفتن بفتنة أهل الشام ، فاضطرّ إلى المقام بينهم . و في بعض النّسخ  : و لا جئتكم شوقا ، و قاتلكم اللّه ، أي قتلكم اللّه أو لعنكم اللّه .

 و كلّا : للرّدع و الإنكار ، و اللّهجة : اللّسان ، و المراد : إنّ ما أخبركم به أمور كانت في زمن رسول الله، غابت عقولكم الضعيفة عن إدراكها ، و لستم أهلا لفهمها.

و الويل : حلول الشرّ ، والكلمة قد تطلق للتّعجّب و الاستعظام ، يقال : ويل أمّه فارسا ، و كيلا : أي أنا أكيل لكم العلم و الحكمة كيلا جم كثير ، و لا أطلب لذلك ثمنا لو وجدت حاملا للعلم ،  و الحين : الدهر أو وقت مبهم يصلح لجميع الأزمان طال أو قصر، و المعنى لتعلمنّ ثمرة تكذبكم و إعراضكم عمّا أبيّن لكم، و أنّي صادق فيما أقول [15]. وأعظم نتائج تملصهم ونكثهم قتل آل محمد وسبي آله ولذا قالت العقيلة :

 


 

 

 

الإشعاع الخامس :

العقيلة توضح حقيقة أهل الكوفة الصلفة النطفة وعدائهم لآلها :

وقال حذلم عن العقيلة :

ألا و هل فيكم : إلا الصلف النطف ، و الصدر الشنف .

والمعنى :

وأن نكثتم لأيمانكم المدخول بالغش والغدر ، وهو لتأصل خصال فيكم وهي:

ألا و هل فيكم : إلا الصلف النطف ، و الصدر الشنف .

ألا  و هل فيكم : حرف يفتتح به الكلام ، تقول ألا إنَّ زيداً خارج كما تقول أعلم أن زيداً خارج . و ألا حرف استفتاح و استفهام و تنبيه . هل : حرف استفهام‏ ،  قد تكون جَحْداً و تكون خبَر  أو تقرير للخصم ، أو تكون خبَرا .

فالعقيلة : في عين أنها تخبر أهل الكوفة عن حقائق تنطوي عليها سرائرهم وما هي خصالهم ، تقررهم بضرورة الانتباه لأنفسهم وما ستعرفهم من صفاتهم الشريرة القبيحة ، لأنها فيهم حقيقة مستقرة بذواتهم ، فتقول :

 إلا الصلف النطف :

الصَّلَفُ : هو التكلم بما يكرهه صاحبك ، و التمدح بما ليس عندك  ، ومُجاوَزَةُ القَدْر في الظَّرْف و البراعة و الادِّعاءُ من غير حقيقة ، وفوق ذلك فيه تكبّراً ، والصَّلَفُ : قلةُ الخير ومن يقول ولا يعمل .

  النطف : التلطخ بالعيب‏ وبسوء و بفجور ، أي: يقذف به و إذا اتُّهم بريبة . والصلف النطف : أي تدعون ما لا تعملون وتقولون ما لا تفعلون وأنتم متهمون بالخيانة والغدر .

والصدر الشنف :

الصدر : أعلى مقدم كل شي‏ء وأوله ،فيقولون : صَدْر النهار و الليل ، و صَدْر الشتاء و الصيف وما أَشبه ذلك‏ ، وصدر الوادي  أوله ، وصدر الإنسان : هو ما تحت العنق حتى الحجاب الحاجز فوق البطن ، وفيه القلب .

و الشنف : شدة البغض ، شنفه : أبغضه ، و شنف على فلان ، أي : وجد عليه وغضب  وتنكر له ،  شَفَنْتُ إلى الشيء ، و شَنَفْتُ إليه : إذا نظرت إليه ، وشَفَنْت : و هو نظر في اعْتِراض‏ .

وهنا تعرفنا العقيلة : بأن صدورهم وعقولهم هي المتحملة للحقد والبغض على نبي الرحمة وآله فتخبر عما تكنه صدورهم وقلوبهم وعقولهم وأول رأيهم ، فإنه فيه الحقد والبغض لآل محمد عليهم السلام ، ولا يغر الإنسان بكائهم بعد فعلهم بآل الرسول .

 

وقال الشيخ الطوسي : الصلف الظلف ، و الضرم الشرف ، وقد عرفنا الصلف .

 وأما الظلف : و الظليف : الذليل السيئ الحال في معيشته ، و الأُظْلُوفة من الأَرض : القِطْعة الحَزْنة الخَشِنة ، مكان ظَلِيف : حَزْن خَشن‏ ، ولا أصلف وأخشن وأذل ممن قتل آل محمد وقد دعاهم ثم خانهم .

وأما الضرم الشرف : أي تحرقون كل من يشرف عليكم وتروه ، لأن  الضرم من الحطب : ما التهب سريع ، و الضرام : ما يرى من اشتعال اللهب ، و الضريم : اسم للحريق ، و المشرف : المكان تشرف عليه و تعلوه ، الشرف : الإشفاء على خطر من خير أو شر، واستشرف فلان: رفع رأسه ينظر إلى شي‏ء، والشرف: الحسَبُ و الكَرَم ‏.

ويكون معناه : تحرقون وتشعلون بالنار الإنسان الشريف والحسيب الكريم حين يشرف عليكم ويقربكم وبالخصوص آل محمد لحقدكم وما تكنه صدوركم من بغضهم ، وذلك لما جرع سيدهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب آبائكم الكفار في بدر وحنين وحرب الجمل وصفين والنهروان . وفي عبارة : ابن طيفور قال : إلا الصلف و الشنف .

وقال في مقتل الخوارزمي : ألا فيكم إلا الصلف ، والطنف ، والشنف ، والنطف ، أي الوقح ، وفاسد الخلق والدين ، والمتكبر الكاره للحق ، والنجس الرجس .

 


 

 

 

الإشعاع السادس :

العقيلة تعرف حقيقة بكائهم بأنه تملق وهم كفضة على مدفونة ..:

العقيلة : تستمر في تعريف حقائق أهل الكوفة الفاسدة ، فتقول بعد ما عرفت مما تكنه صدورهم وتحويه عقولهم ، بأن فيهم :

 وملق : الإماء ، و غمز الأعداء .

و هل أنتم : إلا كمرعى على دمنة ، و كفضة على ملحودة .

والمعنى :

الجمل أعلاه تراها في الخوارزمي واللهوف و أبن طيفور ومثير الأحزان وغيرهم.

 ملق الإماء :

 الملق : الود و اللطف الشديد ، و أَصله التليين والزيادة في الترفق و المداراة و التضرع فوق ما ينبغي ، و رجل مَلِقٌ : يعطي بلسانه ما ليس في قلبه‏ ، والذي يَعِدُك و يُخْلِفك فلا يفي ، و يتزين بما ليس عنده‏ ، و الإِنسان الذي لا يصدق في مودَّته .

 و الأمة : المرأة ذات العبودية ، أي المَمْلوكةُ خِلاف الحُرَّة ، و أمية أيضا من قريش ، و النسبة إليهم أموي بالضم و ربما فتحوا ، وهو في الأصل اسم رجل... و نقل : أن بني أمية ليسوا من قريش ، بل كان لعبد شمس بن مناف عبد رومي يقال له : أمية ، فنسب إلى عبد شمس ، فقيل : أمية بن عبد شمس فنسبوا بني أمية إلى قريش لذلك ، و أصلهم من الروم ، و كان ذلك عند العرب جائزا أن يلحق بالنسب مثل ذلك ،  و قد فعل رسول الله بزيد بن حارثة الكلبي مثل ذلك ، حيث تبناه بعد أسره و نسبه إليه حين تبرأ أبوه منه، فقال : يا معشر قريش و العرب زيد ابني و أنا أبوه فدعي بزيد بن محمد .

والمعنى : أنهم يتوددون ويتملقون ويخضعون لبني أمية ، أو أنهم مثل الإماء والمملوكة التي تتخضع لمولاها وتتقرب له بما ليس في قلبها ، فهكذا كان بكائهم لمصاب أهل البيت ، وقلوبهم صلفه شنفه ويقولون ما لا يفعلون خوفنا من بني أمية .

 وغمز الأعداء :

الغمز : الإشارة بالجفن و الحاجب و بالعين ، و الغمز : العصر باليد ، و الغَمَزُ ، بالتحريك : رُذالُ المال من الإِبل و الغنم ، و الضِّعافُ من الرجال‏ ، و أَغْمَزَ في الرجل إِغْمازاً : استضعفه و عابه و صغر شأْنه‏ , وضَعْفٌ في العملِ و فَهَّةٌ في العَقْل ، و جَهْلَة في العقل‏ .

والعدو : تجاوز القدر ، والسير بسرعة لقصد شيء والذهاب إليه ، ولكنه استخدم بكثرة في من يتجاوز الغاية ويذهب لأبعد من المقدر له ، واستخدم في العداوة والظلم وتجاوز القدر ومنه التعدي ، و العَدُوُّ : ضِدُّ الصَّدِيق، و ضِدُّ الوَلِيِّ ، يشمل الكافر والمتمادي بالفسق ، والعداوة : تباعد القلوب و النيات .

  أي أنكم تغمزونا كالأعداء : تستضعفون رأينا وعملنا ووجودنا مثل الأعداء الظالمين والطغاة الجائرين ، فهذا أنتم  تتملقون لنا بالبكاء و وتكنون لعدونا بالطاعة .

 

و كمرعى على دمنة :

المرعى : معلف الماشية في الوديان والهضاب وغيرها ، وحفظها في محل الكلاء .

الدمن : ما تلبد من السرقين و صار كرسا على وجه الأرض ، و كذلك ما اختلط من البعر و الطين عند الحوض ، و اسم البقعة و خصوص الموضع الدمنة.

 و الدمنة : ما اندمن من الحقد في الصدر ، والدمن من آثار البَعَر من الماشيةُ ، والمكانَ : بَعَرت فيه و بالت ، و الدِّمنة : بقية الماء في الحوض وقد تعفن .

 وقال في مجمع البحرين : دمن : في الحديث عن رسول الله : إياكم و خضراء الدمن ، و هي المرأة الحسناء في منبت السوء ، و الدمنة هي المنزل الذي ينزل فيه أخيار العرب والأغنياء ، ويحصل فيه بسبب نزولهم تغير في الأرض بسبب الأحداث الواقعة منهم و من مواشيهم ، فإذا أمطرت أنبتت نبتا حسنا شديد الخضرة و الطراوة ، لكنه مرعى وبيء للإبل مضر بها ، فشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم المرأة الجميلة إذا كانت من أصل ردي‏ء ، بنبت هذه الدمنة في الضر و الفساد ، و النهي للتنزيه .

 وهكذا العقيلة سلام الله عليها حفيدت رسول الله : مثلت أهل الكوفة ، بأن كثرتهم وترققهم لهم وبكائهم عليهم ، يشبه ما يجتمع من الطين وفضلات الحيوانات وتكثر فيه العفونة ، وينبت فيه نبات مضر لكثرة الجراثيم والمكروب فيه ، فكان مع توددكم وما كتبتم بالطاعة وما عاقدتم وعاهدتم مسلم ، وبيء رذل خبيث ، لأن حقيقته الغدر والخداع وحصل من إجابتنا لكم  ضرر كبير لنا وشر كثير ، و هو قتل آل الرسول وسبي عترته ، وبكائكم مع رقته يعرف ظلمكم لنا وغيكم وضلالكم عن الحق .

 

أو كفضة على ملحودة :

الفضة : تعد من المعادن الثمينة ، وهي تتخذ نقدا ، أو للتزيين .

واللحد : ما حفر في عرض القبر ، وهو  الشَّقُّ الذي يكون في جانب القبر ، وهو موضِع الميت ، لأَنه قد أُمِيل عن وسَط إِلى جانبه ، والضَّريحُ : ما كان في وسطه .

والملحودة : هي الميتة النازلة قبرها ولحدها ودخلت في ضريحه .

والميتة : لا تنتفع بما تتزين به حتى لو كانت فضه ، فشبهتم بها ، لأنهم جاءوا يبكون بعد قتل أبا عبد الله وآله وصحبه وأسر آله ، فلا ينفع التأسف وهم القتلة .

وفي مقتل الخوازمي : كقصة على ملحودة :

 والمعنى : القصة : الجصة فوق اللحد ، وهي تقص قصصات ويغطى بها الحد أو الضريح في القبر ، ولا توضع على الميت مباشرة وتقيه ما يهال عليه من التراب .

 والمعنى : أنكم تغطون فعلكم المشين بالبكاء ، وفي المثل يقتل القتيل ويمشي في جنازته ، ومنهم ظالم للقتيل ، ولكنه يبكي عليه ليغطي جنايته ويستر قبيح فعله .

والعقيلة عليها السلام : شبهتهم تارة : بذلك النبات في دناءة أصلهم و عدم الانتفاع بهم مع حسن ظاهرهم و خبث باطنهم ، و أخرى : بفضة تزين بها القبور ، في أنهم كالأموات زينوا أنفسهم بلباس الأحياء و لا ينتفع بهم الأحباء و لا يرجى منهم الكرم و الوفاء ، فهم بحق كما وصفتهم العقيلة وكما قالت في بيان حقائقهم فتابع .

 


 

 

الإشعاع السابع :

العقيلة تستمر في تعريف خور ونكث أهل الكوفة وسخط الله عليهم:

وقال الراوي : بعد ما عرفت في تمام خطبة العقيلة :

خوارون : في اللقاء ، عاجزون عن الأعداء .

ناكثون : للبيعة ، مضيعون للذمة .

فبئس : ما قدمت لكم أنفسكم :

 أن سخط الله : عليكم ، و في العذاب أنتم خالدون .

 

والمعنى :

خوارون في اللقاء :

و الخور : رخاوة و ضعف في كل شي‏ء وعيب ، و خارَ الرجلُ : ضَعُفَ و انكسر ولا بقاء له على الشدّة ، و منه قول الإمام علي عليه السلام في ذم أصحابه : و إن حوربتم خرت ، أي ضعفتم و انكسرتم .

في : حرف جر ، أي في ظرف وزمان اللقاء ، واللقاء : لقي : و كل شي‏ء من الأشياء إذا استقبل شيئا أو صادفه فقد لقيه‏ ،  لاقيت بين فلان و فلان، و بين طرفي القضيب و نحوه حتى تلاقيا و اجتمعا . و تَلَقَّاه أَي استقبله . وتلاقوا تواجهوا ، واللقاء المواجهة، اللقاء: الاستقبال مواجهة ، ولقاه : استقبله والتقيا : استقبل كل منهما صاحبه ، ويقال : التقى الجمعان والتقى الجيشان والتقى الرجلان والشيئان اجتمعا وتحاذيا .

فهم : لا يلاقون العدو المبغض والظالم العاتي إلا خاروا وضعفوا وفروا ، بل هم خانوا وغدور والتحقوا بعدوهم ، لما فيهم من الضعف والخوار .

 ولذا قالت العقيلة عليه السلام :

 

 عاجزون عن الأعداء :

و العجز : نقيض الحزم ، وعدم المقدرة ، والضعف والتقصير ، أمام الأعداء والظالمين ، والطغاة الذين تعدوا حدودهم وشأنهم لخبثهم ، وهم أيضا :

و ناكثون : للبيعة .

 نكث : مر معناه نكث العهد والبيعة ينكثه نكثا ، أي: نقضه بعد إحكامه ، أي لم يفوا ببيعتهم لسيد الشهداء ، فإنه مر في الجزء السابق من صحيفة الإمام الحسين عليه السلام أنهم بايعه ثمانية عشر ألف بل قيل ثلاثون ألف ، ولكنهم لم يفوا لهم بل صاروا مع أعدائهم وخانوا عهدهم ونقضوا بيعتهم .

مضيعون للذمة :

و الضِّياعُ : الإِهمالُ والترك حتى الهلاك‏ .

 و الذِّمَّة : العهد و الكَفالةُ ، و جمعها ذِمامٌ ، و الذمام : كل حرمة تلزمك ، إذا ضيعتها تلام عليها ، وقد أسئت بترك ما التزمت به من الحق وحفظ الحرمة .

 

فبئس : ما قدمت لكم أنفسكم :

البائس : الرجل النازل به بلية أو عدم ، ويرحم لما به ، و بئس : و هو نقيض صلح ، و البَأْساءُ : اسم لشدة الحرب و المشقة و الضرب والعذاب ، و البُؤْسُ : الشدة و الفقر ، و البائِسُ : المُبْتَلى‏ ، و المُبْتَئِسُ : الكاره و الحزين‏ والمسكين الحزين‏ ، و البؤسى خلاف النعمى ، وبكل شدته كان لهم ، وذلك لما أقدموا بدعوتهم أبا عبد الله ثم خذلانهم له وعدم نصره ، بل صاروا يدا لعدوه ولطغاة الأمة عليه ، فقتلوهم وسبوهم .

وعند ابن طيفور : بدل بئس ، ألا ساء : ما قدمت أنفسكم : والمعنى واحد لأن : سوأ : و السوء نعت لكل شي‏ء ردي‏ء قبيح‏ ، و السوء : اسم جامع للآفات و الداء ، و السيئة : اسم كالخطيئة .

 

 أن سخط الله : عليكم ، و في العذاب أنتم خالدون .

السخط  : نقيض الرضا ، وهو الكراهة للشيء والغضب عليه.

 فكيف لا : وقد أطاعوا المغضوب عليهم الضالين الملعونين المكذبين لآل محمد ، وقد طهر الله نبيه وآله وباهل بهم فصدقهم ، وأمر بودهم ، وعلمنا إمامتهم وولايتهم ، فتركوهم وذهبوا لولاية الشيطان ، ويكفي ما قال الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى  النبي يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ  فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا (57) } الأحزاب .

وقال الله تعالى: {لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ  الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (256) اللّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُواْ يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّوُرِ

وَالَّذِينَ كَفَرُواْ أَوْلِيَآؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ  إِلَى الظُّلُمَاتِ

أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (257) }البقرة .

ومن سخط : بني أمية ، لم يشاركهم قتل آل محمد ولا رضى بالفعل الظالم الواقع على آل نبي الرحمة، بل ينصر عترة النبي الأكرم ويحبهم واقعا ويقتدي بهم ؛ ويصلي عليهم ، ويسلم لهم بحق ، رضي الله علمه وعمله وقوله ، وشكر سعيه وصلى عليه .

وأما من رضي ببني أمية : ومن شاركهم قتل آل محمد، أو رضي بفعلهم بأي زمان ومكان كان ، له نار الله خالدا فيها ، ولا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي .

 فمن يريد آل محمد : تمسك بعروتهم الوثقى وتعلم هداهم وتتبع سيرتهم وسلوكهم ، فدخل ولاية الله وحصل على نوره ودخل جنته ، وإلا فهو من أولياء الشيطان ومن أتباع الطغاة بني أمية وهو ولي لهم فكرا وعملا وله نار الله خالدا فيها .

بل حتى : ممن يكون فعله يخالف قوله ومتناقض في نفسه ، فهو لم يخلص الود لآل محمد عليهم السلام ، ولذا قالت العقيلة عليه السلام ، إن ندمتم فحق لكم أن تبكون ولكن ما الفائدة وقد قتلتم أبا عبد الله وسيد شباب أهل الجنة ، وها نحن أسارى بين أيديكم ولم تفعلوا شيء إلا البكاء ، فباكوا وانتحبوا :

 


 

 

 

الإشعاع الثامن :

العقيلة تعرف أن أهل الكوفة أحرياء بالبكاء والنحيب على أنفسهم :

يا موالي : من يسخط الله عليه لفعل ظالم ، فهو حري وأولى أن يبكي على نفسه ، وبالخصوص قتل الأنبياء وأوصيائهم وذريتهم ، ولذا تقول العقيلة عليه السلام :

أ تبكون وتنتحبون : إي و الله ، فابكوا .

و إنكم و الله : أحرياء بالبكاء ، فابكوا كثيرا ، و اضحكوا قليلا .

والمعنى :

أ تبكون و تنتحبون :

في الاحتجاج : أتبكون على أخي ؟ أجل والله فابكوا  ، فقد بليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها فابكوا ، و إنكم و الله : أحرياء بالبكاء .

البُكاء : يقصر و يمد ؛ قاله الفراء و غيره ، إذا مَدَدْتَ : أَردتَ الصوتَ الذي يكون مع  البكاء ، و إذا قَصرت : أَردتَ الدموع و خروجها .

 وقال الله تعالى : { فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ

 وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ  بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ

وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ (81)

 فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ (82) } التوبة .

 وقال سبحانه : { أَفَمِنْ  هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59)

وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) } النجم .

وها هم : قد تخلفوا عن رسول الله ، وكرهوا أن يجاهدوا بأنفسهم في سبيل الله بل جاهدوا آل الله ورسوله ، وهم فرحون بما أتوا ، وإن بكوا فلم ينقموا ، وبالخصوص حين يروهم أسرى مقيدين مصفدين بالأغلال بأسوأ حال ، بل كثيرا منهم تبكي نسائهم وهم عند الطاغية عبيد الله بن زياد يرجوا جائزته وفرح بفعله غير متأثم من جريمته ، وحين يرجعون لبيوتهم لم يرفضوهم إلا القليل منهم ، ممن لم يتوجه إلى كربلاء ولم يشارك في قتال آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، ولم يحضر مجلس الطاغية ولم يقر له بالطاعة .

ولذا قالت العقيلة مستعجبة مستنكرة :

 

وتنتحبون :

 و الانتحاب : صوت البكاء ، نحب : النَّحْبُ و النَّحِيبُ : رَفْعُ الصَّوتِ بالبكاءِ ، و  أَشدُّ البكاءِ ، فالنَّحِيبُ : البكاءُ بصَوْتٍ طَويلٍ و مَدٍّ وعالي ، فهم يبكون بصوت عالي ورجالهم قتلة أو مشاركين أو راضين بخبث جريمتهم ، وهم ناكثون لبيعتهم وهم غدروا وخانوا والتحقوا بعدو آل محمد ، فهم بحق كما قالت :

 

وإنكم والله : أحرياء بالبكاء :

وإنكم والله : تقسم العقيلة بالله سبحانه وتعالى بأنه حقهم البكاء فعلا :

و الحرى : الجدارة ، تقول : هو حري : أي: خليق وجدير يستحق الحالة التي حصلت له ، و هو حر و بالحرى و حرى : أن يكون كذاك ، و ما أحراه و أحر به : أن يكون كذا ، أي ستحق ما أقدم عليهم .

وإن أهل الكوفة :  أحرياء أن يبكون على أعظم ذنب في الدنيا أرتكبوه ، وهو عين الشرك بالله سبحانه ، إذ تركوا ما أختار لهم من أولياءه وأحباءه ومن أمر بودهم وطلب متابعتهم والتعلم منهم والاقتداء والتأسي به ، فهجروهم بل قتلوهم ، وتبعوا من ظلمهم وأئمة الكفر والطغاة الضالين المغضوب عليهم، وإن ضحكوا علنا أو في قلوبهم :

و الضَّحِكُ : ظهور الثنايا وهي مقدمة الأسنان في الفم تعبيرا عن الفرح ، ويحصل الضحك عند حصول ما يسر وترضاه النفس ، وإنه جاء في الحديث :

عن أيوب بن نوح قال : قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام :

 سبعة أشياء : بغير سبعة أشياء من الاستهزاء .

من استغفر بلسانه : و لم يندم ، فقد استهزأ بنفسه .

و من سئل الله التوفيق : و لم يجتهد ، فقد استهزأ بنفسه .

و من استحزم : و لم يحذر ، فقد استهزأ بنفسه .

و من سأل الله الجنة : و لم يصبر على الشدائد ، فقد استهزأ بنفسه .

من تعوذ بالله من النار : و لم يترك الشهوات ، فقد استهزأ بنفسه .

و من ذكر الله : و لم يستبق إلى لقائه ، فقد استهزأ بنفسه .

و من ذكر الموت : و لم يستعد له ، فقد استهزأ بنفسه [16].

فإنهم : إن رضوا بفعل الظالمين لآل محمد وقتلتهم ، ولم ينتصروا لآل محمد صلى الله عليهم ، ولم يظهر لهم ندم واقعي يناسب عملهم من قتل آل محمد .

 ولا اجتهدوا في ترك الظالمين ، ولم يحذروا مجالستهم والكون تحت إمرتهم .

 ولم يصبروا على الشدائد في الذب والدفاع عن آل محمد .

 بل ركبوا الشهوات : وتبعوا الطغاة .

ولم يتسابقوا : للكون مع آل محمد ، بل كان تسابقهم للكون مع الظالمين .

ولم يستعدوا : للموت معهم مع مبايعتهم لهم .

 بل غدروا بهم : وخذلوهم وانقلبوا ، فكانوا يد قاتلة لهم ونصروا الظالمين .

 فهم بحق : في أسوء حال وبؤس شديد ، ولهم غضب الله وعذابه .

 فإنهم : كما قالت العقيلة تعرفنا خبث فعلهم ، وعدم صدقهم في بكائهم ، وأنه رقة حال عارضة كملق الإماء  ، وليس تحكي عن شدة يقين وعزم تعرف أن الأعمال الصادرة منهم صادقة ، ولذا قالت العقيلة عليه السلام :

 

 


 

 

 

الإشعاع التاسع :

العقيلة تعرف أهل الكوفة بأنهم فازوا بعار وخزي  لا يغسل أبدا :

ونتيجة : فعل الظالمين والطغاة على آل محمد عليهم  السلام، قالت العقيلة :

فلقد فزتم : بعارها ، ومنيتم شنارها ، و لن تغسلوا دنسها عنكم أبدا .

و لن ترحضوها : بغسل بعدها أبدا ، و أنى ترحضون :

فلقد فزتم : بعارها و شنارها ، و لن تغسلوا دنسها عنكم أبدا .

والمعنى : فلقد فزتم : بعارها :

فلقد : تفرع العقيلة على ما سبق ، وتأكده باللام وقد ، فتقول تزري بهم وتعيبهم :

فزتم ، والفوز : الظفر بالخير ، و النجاة من الشر ، وهنا على نوع السخرية بهم والتهكم بهم ببيان أشد الغضب عليهم . مثل قول الله سبحانه : للآثم ، ذق أنك العزيز الحكيم : { إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ (43) طَعَامُ  الْأَثِيمِ (44) كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ (45) كَغَلْيِ الْحَمِيمِ (46) خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ  إِلَى سَوَاء الْجَحِيمِ (47) ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ (48)

 ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ  الْكَرِيمُ (49)  

إِنَّ هَذَا مَا كُنتُم بِهِ تَمْتَرُونَ (50)}الدخان.

فقوله تعالى : ذق إنك أنت العزيز الكريم ، أي في دعواك ، وإلا فأنت ذليل خاسر وخبيث كافر وأنت في أشد الهوان والعذاب لعدم الرضا بخلق الإسلام وهداه ولك نار الجحيم ، فأي عزة وكرامة وفوز له واقعا ، فلا فوز لظالم ولا نجاح لمن يحب أعداء الله ورسوله ، ولهو في غضب الله وأشد عذابه ولعنته في الدنيا والآخرة ، ولذا قالت العقيلة :

 

بليتم بعارها :

بليتم : و ابتليت‏ بهذا العلم أي اختبرت به و امتحنت به ، أو جربته فعرفت حاله ، والمبتلى في شدة ، لأنه يجب عليه أن يخرج منها بعمل صالح ، ويخوض الاختيار بصورة يخرج منه ناجح ، ولذا عليه أن يتصرف في البلية بما يظهر من علمه وعمله التصرف الجيد الحسن ، وإلا فهو في بلاء وحال سيء  ، ولذا جاء في قوله تعالى :

{ يوم تبلى‏ السرائر } ، أي تختبر السرائر في القلوب ، فتظهر آثار العقائد و النيات و غيرها  مما أسر و أخفى من الأعمال ، فيتميز منها ما طاب و ما خبث .

 وأهل الكوفة : كما عرفت من معاني الابتلاء والاختبار ، ظهر خبثهم حين بلوا بين اختيار آل محمد وبين أمية ، وصار عليهم بلية ومصاب أبدي وعار وشنار دائم ، ولذا قالت العقيلة : فزتم :

بعارها :  العار : كل شي‏ء لزم به سبة أو عيب ،  تقول : هو عليه عار و شنار ، و العَوَرُ : شَيْنٌ و قُبْحٌ ، و الأَعْوَرُ : الرديء من كل شي‏ء .

وفي عبارة أخرى :

ومنيتم بشنارها :

المن : معيار قديم كان يكال به أو يوزن ، والمَنى : القدَر ، مُنيَ له : أي قُدِّر له ، وما تردي ما يمني لك الماني  ، منى الله الأمر منيا : قدره ،وتمنى الشيء : قدره وأحب أن يصير إليه وابتغاه ، و مَنَوْتُه مَنْو : أَي اختبرته ، و مُنِيتُ به مَنْياً بُلِيت ، و مانَيْتُه‏ : جازَيْتُه . والمنا : الموت ، و كذلك المنية . والتَّمَنِّي‏ : حديث النفس‏ ، و تَشَهِّي حُصُولِ الأَمر والأمنية : هي فكرة وتفكر لحصول أمرا وشيء حسن تحبه النفس .

 وهم يا موالي : حصلت لهم أمنتهم برضاهم بالأئمة الطغاة ، وبمال وجاه أوعدوهم به ولم يفوا لهم به ، بل استحقروهم ومنعوهم رفدهم ، ولذا كانت نتيجة أمنيتهم وعاقبتها توجب العار وقدر لها الشنار ، ولذا قالت العقيلة : منيتم :

 بشناره : والشنار : أَقبح العيب و العار  ، و رجل شِنِّيرٌ : سيء الخلق‏ ، و الشَّنار : الأَمر المشهور بالقبح و الشنعة .

 فإنه فازوا : بعملهم القبيح نتيجة ما اشتهوا من زينة الدنيا عند الحكام الظلمة ، حتى تبعوهم وكانوا يدا لهم في قتل آل محمد صلى الله عليهم وسلم ؛ فكانت أمنتهم وأفعالهم شنار وعار ، وهو : ما يلزمهم سبة وجزائته لعنة ، ونشره يكون فضيحة لهم تعرف سوء تفكرهم وأمنياتهم وخبث أعمالهم ، ولذا قالت العقيلة عليه السلام :

 

و لن تغسلوا دنسها عنكم أبدا :

 الغسل : التنظيف والتطهير بالماء ، و الغُسل بالضم : اسم لإفاضة الماء على جميع البدن ، أو شيء أخر تغسله لتزيل خبثه ووسخه .

و الدَّنَسُ : في الثياب والأخلاق ، لَطْخُ الوسخ و نحوه من الخباثات ، و فلان دنس الثياب : إذا كان خبيث الفعل و المذهب .

 ويا طيب : أي فعل وعمل أخبث وأوسخ من عملهم المشين مع آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، لا يطهرهم مما ارتكبوا من القذارة والشين والقبح لقتلهم وسبيهم آل رسول الله وأئمة دينهم ومعلمي هدى الله شيء أبدا ، ومهما جدوا واجتهدوا في الإصلاح .

 

 ولذا قالت العقيلة عليه السلام :

و لن ترحضوها : بغسل بعدها أبدا ، و أنى ترحضون :

الحرض : الحث على الشيء والجد فيه حتى إهلاكه ، و الحُرُضُ : من نَجِيل السباخ وأملاحها ، و قيل : هو من الحمض ، و منه يُسَوَّى القِلْيُ الذي تغسل به الثياب ، و قيل : هو الأُشْنان : تُغْسَل به الأَيدي على أَثر الطعام‏ ، سمي بذلك لأنه يهلك الوسخ .

أي قالت عليه السلام : عملكم قبيح وفعلكم قذر وأمنيتكم خبيثه ، ولا ولم ولن تغسل ولن تنظف  ، ولا ولم ولن تتطهروا منها أبدا .

ففضلا عن الغسل بالماء : لو استعملت مزيل الأوساخ من مثل الصابون والأشنان وغيره ومثل ما يقال اليوم كلور وقاصر مما يزيل الأوساخ ، وبالخصوص أحد معاني الحرض ، وهو من يشعل النار تحت الأصباغ أو تراب ليحوله إلى نوره تزيل الشعر وغيره أو يحول التراب إلى جص ، نعم فلن تغسلوها بل و لن تحرضوها مهما اجتهدتم في البكاء أبدا .

 فقد قتلتم : سيد الشهداء وسيد شباب أهل الجنة ، فليس لكم إلا النار تشويكم لتحرقكم وتبدل جلودكم ، ولكن ترجع فتحرق أبدا بعذاب الله لشدة فعلكم القبيح وأعمالكم الوسخة الخبيثة ، ولا تستعتبون ولا يقبل منكم عدلا ولا تصرفون .. ، لأنهم يا طيب: كما قالت العقلية تبين عظيم ذنبهم وكبر إثمهم وشدة خبثهم وسعة شرهم :

 



[11] موسوعة أصحاب الفقهاء ص361رقم 144 .

[12] ثواب‏ الأعمال ص 156 ، جامع‏ الأخبار ص 58ـ60ف28 ، الجعفريات ص 183 ، وعنه في العمدة ص372 ح731 ، ثواب‏ الأعمال ص 158 ، الكافي ج2ص493ح14 .

[13] كتاب سليم بن قيس ص565 الحديث الأول ..بحار الأنوار ج28ص52ب2ح21 ، إرشاد القلوب ج2ص419 .

[14] كامل‏ الزيارات ص108ب36ح1 ، 2 ، 3 .

[15]نهج البلاغة خطبة 71، شرح النهج لأبن أبي الحديد ج6ص127خ70 و من كلام له ع في ذم أهل العراق‏ ، بتصرف .بحار الأنوار ج34ص103ب31.

[16] كنز الفوائد ج1ص330، مجموعة ورام  ج2ص110 . بحار الأنوار ج75ص356ب26ح11 .

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com