بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

صحيفة

 نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

الجزء الثامن

سفينة نجاة

 شرح خطبة الشقيقة عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

الإشعاع الثالث عشر :

العقيلة تعرف كرامة آلها وقربهم من رسول الله وخبث أعدائهم:

العقيلة عليه السلام : بعد أن عرفت شأن الإمام الحسين عليه السلام ، وسيادته ، وقربه من رسول الله وكرامته على الله سبحانه ، وما كان يجب عليهم من الاقتداء والتأسي به والالتجاء إليه ونصره ، ليقيم الدين الحق وينشر الهدى الإلهي الصدق ، ويظهر الإيمان ؛ فيخرجهم من ظلمات الرق ، ويعمل فيهم بالعدل والإحسان والرفق ، لكنهم نكثوا وخذلوه بل تعدوا وقتلوه ، فبينت عليه السلام عقابهم وخسرانهم وغضب الله عليهم ، لأنهم قتلوا ولي الله وحجته وسيد حزبه  ، فبعد ما عرفت هذا .

 أخذت عليه السلام : تعرف شأن الإمام الحسين عليه السلام وقربه وقرب آله وعترته من رسول الله ، وتعرف شأنها الكريم وآلها آل الله ورسوله ، فقالت العقيلة :

ويلكم يا أهل الكوفة :

أ تدرون : أي كبد لمحمد فريتم ، و أي دم له سفكتم .

و أي كريمة له أبرزتم ، وأي حريم له أصبتم ، وأي حرمة له هتكتم .

 

 ويلكم يا أهل الكوفة :

الويل: حلول الشر و الحُزْن و الهَلاك و المشقَّة من العَذاب ، و الويلة : الفضيحة ، و الوَيْلُ : الهَلاك يُدْعَى به لِمَنْ وقع في هَلَكة يَسْتَحِقُّها ، و ويل : واد في جهنم لو أرسلت فيه الجبال لماعت من حره .

ويا طيب : لنعرف بعض معاني الويل ، ولمن يقع ، بأحاديث كريمة نتدبرها :

قال المفيد رحمه الله في الإرشاد : ما رواه ثقاة أهل النقل عند العامة و الخاصة في كلام لأمير المؤمنين عليه السلام : ....

أيها الناس : عليكم بالطاعة و المعرفة بمن لا تعذرون بجهالته .

فإن العلم : الذي هبط به آدم ، و جميع ما فضلت به النبيون إلى خاتم النبيين في عترة محمد ، فأين يتاه بكم : بل أين تذهبون.

 يا من‏ : نسخ من أصلاب أصحاب السفينة ، هذه مثلها فيكم فاركبوها .

فكما نج : في هاتيك من نجا ، فكذلك ينجو في هذه من دخلها .

أنا رهين بذلك : قسما حقا ، و ما أنا من المتكلفين .

و الويل : لمن تخلف .

ثم الويل : لمن تخلف .

أ ما بلغكم : ما قال فيهم نبيكم ، حيث يقول في حجة الوداع :

إني تارك فيكم الثقلين : ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا :

كتاب الله و عترتي أهل بيتي .

و إنهم : لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما .

ألا هذا عذب فرات : فاشربوا ، و هذا ملح أجاج : فاجتنبوا [35].

ويا موالي : فإن أهل الكوفة في ذلك الزمان وكل من يحب فعلهم ويرضى به ، عكسوا وانقلبوا وركسا فشربوا الأجاج واجتنبوا العذب الفرات .

 

و قال الإمام الحسن العسكري عليه السلام في التفسير المنسوب إليه في حديث رجل جاء إلى أمير المؤمنين يسأله عن تفسير الحمد في حديث طويل ، نأخذ منه .... :

 و تفسير قوله عز و جل : { الرَّحْمنِ } أن قوله : الرَّحْمنِ مشتق من الرحم .

وقال أمير المؤمنين : سمعت رسول الله يقول : قال الله عز وجل أنا الرحمن وهي الرحم ، شققت لها اسما من أسمي ، من وصلها وصلته ، و من قطعها قطعته .

 ثم قال الإمام علي عليه السلام للرجل السائل :

 أ و تدري : ما هذه الرحم التي من وصلها وصله الرحمن ، و من قطعها قطعه الرحمن ؟ 

فقيل : يا أمير المؤمنين ، حث بهذا كل قوم على أن يكرموا أقرباءهم ، و يصلوا أرحامهم .  

فقال لهم : أ يحثهم على أن يصلوا أرحامهم الكافرين ، و أن يعظموا من حقره الله ، و أوجب احتقاره من الكافرين ؟

قالو : لا ، و لكنه حثهم على صلة أرحامهم المؤمنين .

 قال فقال : أ وجب حقوق أرحامهم ، لاتصالهم بآبائهم و أمهاتهم ؟

قال قلت : بلى يا أخا رسول الله .

 قال عليه السلام : فهم إذن إنما يقضون فيهم حقوق الآباء و الأمهات ؟

قلت : بلى يا أخا رسول الله .

 قال عليه السلام : فآباؤهم و أمهاتهم : إنما غذوهم في الدنيا و وقوهم مكارهها ، و هي نعمة زائلة ، و مكروه ينقضي ، و رسول ربهم : ساقهم إلى نعمة دائمة لا تنقضي ، و وقاهم مكروها مؤبدا لا يبيد ، فأي النعمتين أعظم ؟

قلت : نعمة رسول الله صلى الله عليه وآله أعظم و أجل و أكبر .

قال عليه السلام :  فكيف يجوز أن يحث على قضاء حق من صغر الله حقه ، و لا يحث على قضاء حق من كبر الله حقه ؟

 قلت : لا يجوز ذلك .

 قال عليه السلام : فإذا حق رسول الله ص أعظم من حق الوالدين .

 و حق رحمه أيضا : أعظم من حق رحمهما .

 فرحم رسول الله  أولى بالصلة ، و أعظم في القطيعة .

فالويل : كل الويل لمن قطعها .

و الويل : كل الويل لمن لم يعظم حرمتها .

 أ و ما علمت : أن حرمة رحم رسول الله حرمة رسول الله ، و أن حرمة رسول الله حرمة الله تعالى ، و أن الله أعظم حقا من كل منعم سواه .

 و أن كل منعم سواه : إنما أنعم حيث قيضه لذلك ربه ، و وفقه له .[36] ... .

ويا موالي : إن الويل الأبدي والشر الدائم والحزن والهلاك والمشقة وقعر جهنم لأهل الكوفة ، لأنهم قطعوا رحم رسول الله ، وقتلوا ذريته ، وأسروا عترته ، وسبوا آله ، كما عرفت سابقا ن وكما قالت عليه السلام :

 

 

أ تدرون أي كبد لمحمد فريتم :

أي هل علمتم وتوجهتم والتفتم : لعملكم القبيح بسيد المرسلين ، وأي مصيبة بخاتم النبيين وأشرف الخلق أجمعين أحللتم وسحقتم بعد أن شققتم وفريتم .

 والكبد : في  الحيوان والإنسان : اللحمة السوْداءُ في البطن‏ ، و كَبِدُ الأَرض : ما في مَعادِنها من الذهب و الفضة ، و كَبَد كل شي‏ءٍ : عِظَمُ وسَطِه و غِلَظُه‏  .

 و الفري: الشق‏ ، و فريت الشيء بالسيف و بالشفرة : قطعته و شققته .

والقصد : أنكم لكم الويل والعذاب ، لأنكم قطعتم نسل رسول الله ، وكبير قومه ودينه ومعلم هداه ، وحتى بالمعنى البدني : فإن حسين من رسول الله ورسول الله من حسين ، لأنه حقيقته وثقله وباقي أهل بيته وسلالته ، قد قطعوه وشققوا بدنه بالرماح ثم بحوافر الخيل ، وحتى بالمعنى البدني جاءت أحاديث كثيرة تعرف أن نبي الرحمة بدنه مستمر بآله وقد عرفها صلى الله عليه وآله كما جاء :

عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

 معاشر الناس : أحبوا عليا ، فإن لحمه لحمي ، و دمه دمي .

لعن الله : أقواما من أمتي ، ضيعوا فيه عهدي ، و نسوا فيه وصيتي .

 ما لهم عند الله من خلاق  [37].

 هذا الحديث لأبي الحسين وقربه من رسول الله .

 وهذا حديث آخر : لنفس الحسين صلى الله عليهم وسلم :

 عن غرر أبي الفضل بن خيرانة بإسناده قال :

أنه اعتلت فاطمة : لما ولدت الحسين ، و جف لبنها .

فطلب رسول الله : مرضعا فلم يجد ،  فكان يأتيه: فيلقمه إبهامه ، فيمصها ، فيجعل الله له في إبهام رسول الله رزقا يغذوه .

و يقال : بل كان رسول الله ص يدخل لسانه في فيه فيغره كما يغر الطير فرخه ، فجعل الله له في ذلك رزقا ، ففعل ذلك أربعين يوما و ليلة .

 فنبت لحمه : من لحم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [38].

فهذا سيد آل رسول الله : وذريته و عترته ومن أمر بحبهم الله وجعلهم أجر لرسالته ، كان يجب أن يحفظ بالمهج ، ويدافع عن بالأرواح ، ويفدى بالأنفس ، لا أن يقطع كبده ناس يدعون الإسلام ، ومن أجل أئمة الكفر أبن آكلة الأكباد وحزبه .

 وقد جاء  في الحديث :

من وجد برد حبنا على كبده فليحمد الله ، أي لذاذة حبنا . و في حديثهم :

عن ابن رئاب عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

إنا لا نعد الرجل مؤمن : حتى يكون لجميع أمرنا متبعا مريدا ، ألا و إن من إتباع أمرنا و إرادته الورع ، فتزينوا به يرحمكم الله .

و كبدوا : أعداءنا به ، ينعشكم الله [39].

 أي أدخلوا الشدة في أكبادهم : بورعكم‏ ، لا بنصر الظالمين ومتابعة ضلالهم بقتل أولاد الأنبياء ، فإنهم جشعوا وطمعوا بما وعدهم أئمة الكفر من الجائزة التي لم يحصلوا عليها ، بل منعوهم واتهموهم بعد ذلك .

ويا طيب : بعد ما عرفنا من فري كبد الحسين بالقتل وبعده بجرد الخيل التي أنتدبها عمر بن سعد حتى سحقت جسد الحسين الطاهر ، ففروا كل أعضائه فضلا عن كبده ، وكان في زمن يزيد بن معاوية ابن أبي سفيان ، وفي زمن أبن سفيان كانت زوجته أم معاوية هند قد لاكت كبد حمزة سيد الشهداء ، وفي زمن معاوية قطع كبد الإمام الحسن بن علي عليه السلام ، من سم سقاه معاوية له بتوسط جعدة بن الأشعث ، لتعرف شؤم بني أمية وأتباعهم على طول التأريخ وعدم حرمتهم للدين ، وعدم رعاية آداب المنصفين بل الناس الأشراف من عامة الآدميين فإنه :

وجاء في قصة غزوة أحد :

و كان حمزة بن عبد المطلب : يحمل على القوم ، فإذا رأوه انهزموا و لم يثبت له واحد ، و كانت هند بنت عتبة ( زوجة أبي سفيان أم معاوية وجدة يزيد ) قد أعطت وحشيا عهدا ، لئن قتلت محمدا أو عليا أو حمزة لأعطيتك رضاك ، و كان وحشي عبدا لجبير بن مطعم حبشيا ، فقال وحشي : أما محمد فلا أقدر عليه ، و أما علي فرأيته رجلا حذرا كثير الالتفات فلم أطمع فيه .

قال : فكمنت لحمزة ، فرأيته يهد الناس هدا ، فمر بي فوطئ على جرف نهر فسقط ، فأخذت حربتي فهززتها و رميته ، فوقعت في خاصرته و خرجت من مثانته مغمسة بالدم . فسقط : فأتيته ، فشققت بطنه .

و أخذت كبده : و أتيت بها إلى هند .

فقلت لها : هذه كبد حمزة ، فأخذتها في فيها فلاكتها ، فجعلها الله في فيها مثل الداغصة فلفظتها و رمت بها ، فبعث الله ملكا فحملها و ردها إلى موضعها .

فقال أبو عبد الله عليه السلام : يأبى الله أن يدخل شيئا من بدن حمزة النار ، فجاءت إليه هند فقطعت مذاكيره و قطعت أذنيه ، و جعلتهما خرصين ( قرطين تحلت بهما ) و شدتهما في عنقها ، و قطعت يديه و رجليه [40].

وأما قصة شهادة سيد شباب الإمام الحسن في زمن معاوية :

عن جنادة بن أبي أميد قال : دخلت على الحسن بن علي عليه السلام في مرضه الذي توفي فيه ، و بين يديه طشت يقذف فيه الدم .

 و يخرج كبده قطعة قطعة .

من السم الذي أسقاه معاوية .

فقلت : يا مولاي ما لك لا تعالج نفسك .

فقال : يا عبد الله بما ذا أعالج الموت .

قلت : إنا لله و إنا إليه راجعون .

 ثم التفت إلي و قال : و الله إنه لعهد عهده إلينا رسول الله ، أن هذا الأمر يملكه اثنا عشر إماما من ولد علي  و فاطمة .

ما منا إلا مسموم أو مقتول[41] .

فهذا فري كبد آل محمد وعترته : وعدم رعايتهم لحرمته قبل الإسلام وبعده ، وبالخصوص من بني أمية وأتباعهم وممن يرضى بتعاليم وضلال من تربى على بلاطهم على طول التأريخ ، وهذا عدائهم لخاتم المرسلين بل لدين الله وهداه ، وإن أدعو الدين وتعليم فكرهم باسم رب العالمين  ، ولذا بعد أن ذكرت العقيلة ، فري كبد الإمام الحسين ، قالت ومن قبل قتلتموه ، وإن كان تعبيرها عن كبد فريتم أي مصيبة عليه أدخلتم وحسرة وحزت عليه أوردتم بقتله ،  ولذا قالت عقيلة بني هاشم بعد ذلك :

 

و أي دم له سفكتم :

أَيّ: حرف استفهام واقع موقع التعجب، وتعظيم لفعل شنيع يستكبر أن يؤتى بمثله.

دمي : الدَّمُ من الأَخْلاطِ في داخل بدن الحيوان ، وهو سائل أحمر يجري في شرايينه . و أَدْمَيْته و دَمَّيْته تَدْمِيَةً إذا ضَرَبْتَه حتى خرج منه دَمٌ ، بعد تشقق جلده وعروقه.

 سفك: السفك : صب الدماء ، وهو  الإِراقة والأهراق ، و الإجراء لكل مائع ، و سَفَك الدمَ و الدمعَ يَسْفِكُه سَفْكاً، فهو مَسْفوك و سَفِيك : صبه و هَراقَه، و كأَنه بالدم أَخص ، لأنه يجري من شق البدن والجروح الحاصلة ، وبالخصوص في الحرب .

قال الإمام علي عليه السلام : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

اشتد غضب الله و غضبي  :

على من أهرق دمي .

و آذاني في عترتي [42].

وقال الإمام الحسين عليه السلام : من سمع واعيتنا أو رأى سوادنا فلم يجبنا و لم يعنا ، كان حقا على الله عز و جل أن يكبه على منخريه في النار [43].

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال : النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 لن يعمل ابن آدم : عملا ، أعظم عند الله تبارك و تعالى :

 من رجل : قتل نبيا أو إمام ، أو هدم الكعبة التي جعلها الله عز و جل قبلة لعباده ، أو أفرغ ماءه في امرأة حراما [44].

وقال رسول الله صلى الله عليه و آله : حرمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، و قاتلهم ، و على المعترض عليهم ، و الساب لهم :

{ أُوْلَئِكَ لاَ خَلاَقَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ وَلاَ يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَلاَ يَنظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ  الْقِيَامَةِ وَلاَ يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (77)} آل عمران [45] .

وقال أمير المؤمنين عليه السلام في حديث الآدب الطويل منه ... :

لا يخرج المسلم : في الجهاد ، مع من لا يؤمن على الحكم ، و لا ينفذ في الفيء أمر الله عز و جل ، فإن مات في ذلك كان معينا لعدونا :

في حبس حقوقنا ، و الإشاطة بدمائنا ، و ميتته ميتة جاهلية .

ذكرنا أهل البيت : شفاء من العلل و الأسقام و وسواس الريب .

و جهتن : رضا الرب عز و جل ، و الآخذ بأمرن : معنا غدا في حظيرة القدس .

 و المنتظر لأمرنا : كالمتشحط بدمه في سبيل الله .

من شهدن : في حربنا ، أو سمع واعيتنا .

 فلم ينصرنا : أكبه الله على منخريه في النار [46].

وأهل الكوفة : تخاطبهم العقيلة ، وهم خرجوا لجهاد آل محمد لا لجهاد عدو المسلمين ، ولا فقط يمنعوهم الفيء الذي جعله الله لهم ، بل سرقوا متاعهم وما كان في خيامهم ، فعجيب أمرهم وعظيم خبث وخسة فعلهم ، وسمعوا واعيتهم ، وهم في جيش عدوهم ولم ينصروهم ، بل هم قتلوهم وسفكوا دمائهم ، ولم يكتفوا بذلك بل أسروا عترة النبي وسبوا آله الكرام ، ولذا قالت العقيلة بعد تعريف خبث فعلهم وكبر شنيع عملهم :

 

و أي كريمة له أبرزتم :

 كرم : الكرم : شرف الرجل . و الكَريم : الجامع لأَنواع الخير و الشرَف و الفضائل ، و الكَريم : اسم جامع لكل ما يُحْمَد ، فالله عز و جل كريم حميد الفِعال و رب العرش الكريم العظيم.

و كل شي‏ء يَكْرُمُ عليك : فهو كَريمُكَ و كَريمتُك ، و الكريم : الذي كَرَّم نفْسَه عن التَّدَنُّس بشي‏ءٍ من مخالفة ربه ، و الكرم : لا تستعمله العرب إلا في المحاسن الكثيرة ، و لا يقال كريم حتى يظهر منه ذلك .

و أَكْرَمَ الرجل : أَتى بأَولاد كِرام ، و الكَرِيمةُ : الرجل الحَسِيب ؛ يقال: هو كريمة قوم ، و قال: أَتاكم كَريمةُ قوم فأَكْرموه ، أي كريمُ قوم و شَريفُهم‏ . في الحديث : خير الناس مؤمن بين كريمين‏ ، أي بين أبوين مؤمنين ، و فيه من كرم أصله لان قلبه .

 و الزوجة الكريمة الأصل : فسرت بالتي يكون أبواها مؤمنين صالحين.

ويا طيب : هل يوجد أكرم من زينب في الإسلام والمسلمين ، فهي بنت فاطمة الزهراء بنت خديجة ، وأبوها أمير المؤمنين وجدها رسول الله ، وأخويها الحسن والحسين ، وهم سادة أهل الجنة ، وأشرف خلق الله ، وبدل من أن يحفظوها أبرزوها ، ولذا قالت :

أبرزتم :

و برز : و برزت الشيء تبريزا أي أظهرته و تبينته ، و أبرزت الكتاب و الشيء ، أي : أظهرته ، و رجل برز ، أي : طاهر الخلق عفيف ، و امرأة برزة : موثوق برأيها ، و فضلها ، و عفافها .

فأي كريمة : بارزة بنفسها وعقلها وفضلها من زينب بنت علي وفاطمة ، ولكنهم أبرزها أهل الكوفة أسيرة مسبية مقيدة على جمال بدون رحل ولا غطاء ولا وطاء ، فهي وآلها من النساء ممن كن معها هن بنات رسول الله ونساء نبي الرحمة وآله وعترته ، وهي كريمة آل محمد وآله كلهم وعترته وذريته وأهل بيت وبقيته في المسلمين ، وهم الذين كرمهم الله بكل المكارم ،  وجعل لهم كل المناقب ، وشرفهم بكل شرف ، أبرزوها أسيرة مقيد مسلوبة وهم أهل كرامة الله ورسوله ، ولنتعرف على بعض أحاديث مناقبهم ومكارمهم نتدبر بعض الأحاديث الشريفة :

عن أبي حمزة قال سمعت أبا جعفر الباقر عليه السلام يقول :

أوحى الله عز و جل إلى محمد صلى الله عليه وآله وسلم :

 يا محمد : إني خلقتك و لم تك شيئا ، و نفخت فيك من روحي .

كرامة : مني أكرمتك بها .

حتى أوجبت : لك الطاعة على خلقي جميعا .

 فمن أطاعك : فقد أطاعني ، و من عصاك فقد عصاني .

و أوجبت ذلك : في علي و في نسله ، من اختصصت منهم لنفسي[47] .

والحسين وآله : خاصة الله وخيرته وكرمه وكرامته لكل مؤمن فضل عن وجودهم المقدس، وطاعتهم طاعته ، ولكن القوم أطاعوا عدوهم وقتلوهم وأسروهم ، ولذا أخذت العقيلة تعرفهم قبح فعلهم وخروجهم عن حقيقة الهدى ونعيم الله إلى غضبه وعذابه .

وعن أبي أيوب الأنصاري قال : مرض رسول الله صلى الله عليه و آله مرضته .

فأتته فاطمة عليها السلام  : تعوده ، فلما رأت ما برسول الله صلى الله عليه و آله من المرض و الجهد ، استعبرت و بكت ، حتى سالت دموعها على خديها .

 فقال لها النبي صلى الله عليه و آله :  يا فاطمة :

إني لكرامة الله إياك: زوجتك أقدمهم سلما، وأكثرهم علما ، وأعظمهم حلما .

إن الله تعالى : اطلع إلى أهل الأرض إطلاعة ، فاختارني منها فبعثني نبيا .

و اطلع إليها ثانية : فاختار بعلك فجعله وصيا .

 فسرت : فاطمة عليها السلام ، فاستبشرت .

فأراد رسول الله صلى الله عليه و آله : أن يزيدها مزيد الخير ، فقال :

 يا فاطمة : إنا أهل بيت أعطينا سبعا لم يعطها أحد قبلنا ولا يعطاها أحد بعدنا :

نبينا : أفضل الأنبياء و هو أبوك ، و وصينا : أفضل الأوصياء و هو بعلك ، و شهيدنا : أفضل الشهداء و هو عم أبيك ، و من : من جعل الله له جناحين يطير بهما مع الملائكة و هو ابن عمك ، و منا سبطا هذه الأمة و هما ابناك .

 و الذي نفسي بيده : لا بد لهذه الأمة من مهدي ، و هو و الله من ولدك [48] .

فأي : فرد أكرم من آل محمد صلى الله عليهم وسلم وعترته ، لم يرعوا من يدعي الإسلام حرمتها ، ولا احترموا هيبتها ، بل تبعوا أعدائهم على طول تأريخ طويل ، فتعسا لكل من يحب المنافقين وأهل الضلال ويفضلهم ويرجحهم على أهل الهدى .

وفي قصة زواج فاطمة من رسول الله :

قال أمير المؤمنين :قال لي رسول الله :

أ تحب أن تدخل عليك زوجتك ؟

 فقلت و أنا مطرق : نعم فداك أبي و أمي.

فقال : نعم و كرامة ، يا أبا الحسن .

 أدخلها عليك: في ليلتنا هذه ، أو في ليلة غد إن شاء الله .

 فقمت فرحا مسرورا .

وقالت حفصة حين زفة فاطمة :

فاطمة  خير  نساء  البشر     و من لها  وجه  كوجه القمر

فضلك الله على كل الورى     بفضل  من خص بآي الزمر

زوجك  الله   فتى  فاضلا     أعني عليا خير من في الحضر

  فسرن   جاراتي  بها   إنها     كريمة   بنت   عظيم   الخطر [49]

فهذه الكريمة : كريمة الله ورسوله ووصيه والأيمان ، أبرزوها أسيرة مسبية مكشوفة ، يتصدقون عليها وعلى آلها ، فما أظهروا من الكفر في سبي آل محمد ليقارن سفك دم رسول الله وفري كبده ، ولا غروا أليس جدتهم هند أكلت كبد حمزة من قبل وجدهم أبو سفيان الذي حارب رسول الله ، وأبوهم معاوية ويزيد الذي أطاعوه ، وهتكوا حرم وحريم محمد وعلي وهما أبوا الهدى والإيمان والعدل والإحسان ، ولذا قالت عليه السلام :

 

 وأي حريم له أصبتم :

و الحرم والحريم : هو ما له حدود ، يحرم ويمنع تجاوزها ، أو الدخول فيها بغير أذن صاحبها ، أو مراسم خصت بها ، وهو حرم بيت الله ومكة والمدينة والمسجد والبيت ، أو الأشهر الحرم ، وحريم المؤمنين ورسول الله وآله بالخصوص ، ولكل شيء حرم :

 

وأولها : حرم وحرمة بيت الله الحرام والمدينة ، ولذا قالوا :

 المُحرم : هو الحرم‏ حرم مكة و ما أحاط بها إلى قريب من المواقيت التي يحرمون منها ، و قال النبي صلى الله عليه و آله و سلم: مكة حرم إبراهيم، و المدينة حرمي.

 حَرَمُ مكة : و ما أَحاط إلى قريبٍ من الحَرَمِ ، قال الأَزهري: الحَرَمُ قد ضُرِبَ على حُدوده بالمَنار القديمة ، التي بَيَّنَ خليلُ الله عليه السلام مشَاعِرَها .

و كانت قُرَيْش : تعرفها في الجاهلية و الإِسلام لأَنهم كانوا سُكان الحَرَمِ، و يعملون أَن ما دون المَنارِ إلى مكة من الحَرَمِ ، و ما وراءها ليس من الحَرَمِ .

 و لما بعث الله عز و جل : محمداً صلى الله عليه وآله و سلم ، أَقرَّ قُرَيْشاً على ما عرفوه من ذلك ، و كتب مع ابن مِرْبَعٍ الأَنصاري إلى قريش :

 أَن قِرُّوا على مشاعركم : فإنكم على إرْثٍ من إرْثِ إبراهيم ، فما كان دون المنار : فهو حَرَم لا يحل صيده و لا يُقْطَع شجره ، وما كان و راء المَنار : فهو من الحِلّ يحِلُّ صيده إذا لم يكن صائده مُحْرِماً .

 الحُرُماتُ‏ :  مكة و الحج و العُمْرَةُ و ما نَهَى الله من معاصيه كلها، و النسب إلى الحرم : حرمي، و الأنثى حرمية ، و حرم مكة: معروف و هو حرم الله و حرم رسوله.

و الحرمان: مكة و المدينة، و الجمع أحرام .

 و أحرم القوم : دخلوا في الحرم ، و رجل حرام : داخل في الحرم ، و قوم حرم و محرمون ، و البيت الحرام و المسجد الحرام و البلد الحرام .

 

والثاني مما له حقوق وحدود : هو الأشهر الحرم :

والأشهر الحرم : ذو القعدة و ذو الحجة و المحرم و رجب، ثلاثة سرد و واحد فرد.

و المحرم : سمي به ، لأنهم لا يستحلون فيه القتال .

و أحرمت : دخلت في الشهر الحرام.

و المحرم : الداخل في الشهر الحرام ، و المحرم : شهر الله ، سمته العرب بهذا الاسم لأنهم كانوا لا يستحلون فيه القتال ، و أضيف إلى الله تعالى إعظاما له كما قيل للكعبة بيت الله ، و قيل: سمي بذلك لأنه من الأشهر الحرم .

 

والثالث : حرم الدين والإسلام ورسول الله :

الحُرْمةُ : الحق أَي بالحق المانع من تحليله ، و الحُرْمَة : الذِّمَّةُ ، الحُرْمة : المَهابة ، قال: و إذا كان بالإِنسان رَحِمٌ و كنا نستحي منه قلنا : له حُرْمَةٌ .

 قال : و للمسلم على المسلم حُرْمةٌ و مَهابةٌ . والحرمة: ما لا يحل لك انتهاكه.

و تقول : فلان له حرمة أي تحرم منا بصحبة و بحق .

و الحرمة : ما وجب القيام به ، و حرم التفريط فيه .

و الحرمة - بفتح الراء و ضمها -: ما لا يجوز انتهاكه ، و جميع ما كلف الله به بهذه الصفة ، فمن خالف فقد انتهك الحرمة .

و الحرمة : المرأة و الجمع حرم ، مثل غرفة و غرف . ولذا قالت العقيلة :

 

أصبتم :

أصاب : نال وأصابوا نالوا ، و و ماءٌ صَبٌّ : ماءٌ سَكْبٌ ، و أَصابَ‏ الشي‏ءَ : وَجَدَه. و أَصابه بكذ: فَجَعَه به. و أَصابهم الدهرُ بنفوسهم و أَموالهم ، ما كنتُ مُصاباً و لقد أُصِبْتُ . و أَصابَتْهُ مُصِيبةٌ فهو مُصابٌ.  و الصَّابةُ و المُصِيبةُ: ما أَصابَك من الدهر، و في الحديث: من يُرِدِ اللّهُ به خيراً يُصِبْ منه ، أَي ابتلاه بالمصائب ليثيبه عليها ، و هو الأَمر المكروه ينزل بالإِنسان .

ويا طيب : أنه من حرم رسول الله المدينة المنورة ، ومن مسجده وبيت الإمام الحسين وآله بابه مفتوح بأمر الله في مسجد رسول الله، فأخرجوهم منه ولم يكن لهم مجال بقاء فيه ، ومن أفنائه المدينة كلها أخرجوه، وذهب إلى مكة المكرمة وبيت الله الحرام .

ومن بيت الله الحرام : أبرز من حريمه ، وفي أيام الحج يوم التروية ، ومن ماء زمزم الذي حفره جده عبد المطلب منعوه ، وخوفوه حتى خرج إلى كربلاء ، فقتلوه فيها بعد أن حرموه من شرب ماء الفرات ، فنبي الرحمة وآله يجودون عليهم بخيرات الأرض والسماء وهم يقتلوهم ويأسروهم ويسبوهم ويعتدون عليهم ويهتكون حرمتهم .

 وفي الأشهر الحرم : ومحرم الحرام ، الذين كان حتى أهل الجاهلية يحرمون فيه القتال ، قتلوه ولم يمهلوه ، وكانوا الناس قبل الإسلام يحترموه ويوقوره ويأمنون فيه .

وإنه حرم حرمة رسول الله : رسول الله وحدوده في عترته وآله لم يحترموها بل فقتلوه ، وأبرزوا حرم الرسول فسبوه ، فحتى أفناء رسول الله وحرمته وما يحيطه من آله عليهم السلام لم يقيموا لهم حرمة ،  وحريمه وما يحيطه هم آله وعترته وذريته وأهل بيته ، لم يرعوا لهم حرمه ولم يقيموا له ولهم حدود تمنعهم من أن يقتلوهم ويسبوهم .

فما أقساهم : وأضلهم وأطغاهم ، لا حرمة المدينة المنورة ، ولا حرمة مكة  المكرمة ، ولا حرمة الأشهر الحرم ، ولا حرمة رسوله الله ، ولا حرمة الإيمان والمؤمن ، ولا حرمة الإسلام ، ولا حرمة الجوار حيث كان معهم في الكوفة ، ولا حرمة الإنسانية والآداب الآدمية التي كانوا في الجاهلية قبل الإسلام يرعوها الناس ، لم يرعها ممن يدعي الإسلام.

بالله عليك يا مسلم : أيثق أحد بوعاظهم وخطبائهم وأئمتهم ومن يدعو لحزب بني أمية ويحترم مبادئ ضلالهم ، وهل يكون مسلم بل إنسان من يدافع عن بني أمية وأتباعهم وممن يفتي وفق تعاليم وممن يروي الحديث وهو على مذهبهم ، والله من يتبع أئمة الضلال على طول التأريخ ضال مثلهم وبالخصوص بني أمية وأتباعهم في أي زمان.

ولذا قالت عليها السلام: أي حريم له أصبتم، أي أفنائه دخلتم بدون أذنه ، وآله مما وضع له حرمة أبرزتم ، بل والأكثر والأتعس والأنكس لهم ، أنهم كما قالت العقيلة :

 

 

وأي حرمة له هتكتم :

و حرم الرجل : نساؤه و ما يحمي ، حرمه و أهله ، وما يدخل في حريمه فيدافع عنه ويقاتل عنه ، و المحارم : ما لا يحل استحلاله ، و المحرم : ذو الرحم في القرابة ، و ذات الرحم في القرابة ، أي : لا يحل تزويجها ، يقال: هو ذو رحم محرم ، و هي ذات رحم محرم ، و حرم الرجل : عياله و نساؤه و ما يحمي ، و هي المحارم ، واحدتها محرمة و محرمة محرمة ، و رحم محرم : محرم تزويجه ، يقال هو ذو رحم منها إذا لم يحل له نكاحها ، وحرمه : هو ما يكون أم أو أخت أو بنت أو خاله أو عمه ، وتدخل فيه الزوجة : من ناحية كونها حرمه وأهله ، ثم من يقربه ويرثه .

 هتكتم :

الهتك : أن تجذب سترا فتشق منه طائفة ، أو تقطعه‏ ،  تَهَتَّكَ : جذبه فقطعه من موضعه أَو شق منه جزءاً فبدا ما وراء .

ويا طيب : لنتعرف على بعض معاني حرمة رسول الله في آله ، وقد مرت أحاديث كريمة في تعريف نسبه وسببه واختيار الله له ولآله لهداية العباد ، وهذه أحاديث تعرفنا ، إن من هتكت حرمته وهي من صلبه وعترته وذريته وآله ، فقتلوهم وسبوهم ، وأنه لم ترعى له حرمة أبدا ولم يروعوا له فضيلة ولا منقبة ولا كرامة أصلا .

 لتكون يا طيب : عندك أحاديث ومعاني يذعن بها المنصف قبل المسلم ، والحر قبل بالمؤمن ، ويعرف : أنه من يدعي الإسلام على طول التأريخ لا يحق له أن يتبع من قتل آل النبي الأكرم وسبى أهل سيد المرسلين ، وإن من روى عنه حديث أو فتوى تخالف آل محمد باطلة وضلال مهما كان المفتي لها وهو راضي بفعل معاوية ويزيد وممن كان يفتي على بلاطهم ويرضى بأفعالهم ، فمن يهتك حرمة الحرمين والأشهر الحرم وحرمة رسول الله والإيمان ، فما أبقى من حرمة للدين ، حتى يعتمد عليه ويقبل من مسلم أنه شارح لشرع الله ولهدى دينه القويم ، فإليك يا منصف بعض الأحاديث التي تعرف حرمة سيد المرسلين وآله وكرامتهم عند الله بالإضافة لما عرفت لتعرف أنه من لم يرعها ليس بمسلم.

ذكر في معجم الطبراني : بإسناده عن ابن عباس ، و أربعين المؤذن ، و تاريخ الخطيب ، بأسانيدهم إلى جابر : قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم :

 إن الله عز و جل : جعل ذرية كل نبي من صلبه خاصة .

 و جعل ذريتي : من صلبي ، و من صلب علي بن أبي طالب .

إن كل بني بنت : ينسبون إلى أبيهم ، إلا أولاد فاطمة فإني أنا أبوهم [50].

يا طيب : يكفي أن تعرف أن زينب والحسين وبناتهم وأولادهم هم آل النبي وصلبه وأهله وذريته وعترته ، وأهل الكوفة وحكامهم : أحلوا حرمته بالهتك والفتك ، وحرمه وممن حرم عليه يجب عليه وعلى كل مسلم أن يحفظ حرمته وحريمه ، وعن أبي بصير عن أبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام قال :

سمعته يقول : إن الرحم : معلقة بالعرش .

 تقول : اللهم صل من وصلني ، واقطع من قطعني .

 و هي رحم آل محمد ، و هو قول الله عز و جل : { وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَن يُوصَلَ (21) } الرعد ، و رحم كل ذي رحم [51]. وفي حديث أخر :

 وعن محمد بن فضيل الصيرفي عن الإمام الرضا عليه السلام قال :

إن رحم آل محمد الأئمة : لمعلقة بالعرش ، تقول :

 اللهم صل من وصلني و اقطع من قطعني .

ثم هي جارية بعدها في أرحام المؤمنين ، ثم تلا هذه الآية : { وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ    وَالأَرْحَامَ   إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)} النساء [52].

وقال الله تعالى : { النبي أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ

وَأُوْلُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن  تَفْعَلُوا إِلَى أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا (6) } الأحزاب .

ويا طيب : أن تيقنت أن آل محمد وذريته من صلبه هم ، أهل آية المباهلة المطهرون ، وإن الحسين وزينب بهم يعرف من يحترم ويقدر رسول الله ومن يحفظه .

فأعرف : أن من قتلهم وسباهم لم يرى لله ولا لرسوله حرمه ولا لكل تشريعهم مهما أدعو وتظاهروا به من تطبيق الدين ، وإن كان لم يذكر لهم دين ، بل عرفت أنهم فسقة فجرة ويرتكبون كل محرم كما مر في أحوالهم في الأجزاء السابقة حين تكلمنا عن سبب رفض الإمام للبيعة لهم، ولما حاربهم الإمام علي من قبل بل رسول الله من قبل حتى استسلموا ولما تقووا أظهروا كفرهم ونفاقهم علنا وأعانهم ومهد لهم أناس على شاكلتهم سباقين لهم ، ولتعرف أهمية حرمة النبي الأكرم في آله،  فتدبر ما عن الإمام الحسين بن علي عليه السلام : عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن جبرائيل عن الله تعالى قال :

من عادى أوليائي : فقد بارزني بالمحاربة .

و من حارب : أهل بيت نبيي ، فقد حل عليه عذابي .

 و من تولى غيرهم : فقد حل عليه غضبي .

و من أعز غيرهم : فقد آذاني . و من آذاني : فله النار [53].

وقال النبي الأكرم صل الله عليه وآله وسلم :

 أحفظوني في عترتي و ذريتي، فمن حفظني فيهم حفظه الله.

 ألا لعنة الله على من آذاني فيهم ، ثلاثا [54]. أي كرر الجملة ثلاثا .

وقد عرفت يا طيب : أنهم هتكوا حرمته ولم يرعوها ولا حفظوه فيهم ، بل قتلوهم شر قتله ، وبعد القتل مثلوا بهم فقطعوا رؤوسهم وداسوا أجسامهم بالخيل وهم قتلى.

وفي المناقب قال أمير المؤمنين عليه السلام :

بينا أنا : و فاطمة و الحسن و الحسين ، عند رسول الله .

 إذ التفت إلي فبكى . فقلت : ما يبكيك يا رسول الله ؟

قال صلى الله عليه وآله وسلم :

 أبكي من ضربتك على القرن ، و لطم فاطمة خدها .

 و طعن الحسن في فخذه ، و السم الذي يسقاه .

 و قتل الحسين .

 قال : فبكى أهل البيت جميعا. فقلت: يا رسول الله ما خلقنا ربنا إلا للبلاء .

 قال : أبشر يا علي ، فإن الله عز و جل قد عهد إلي أنه : لا يحبك إلا مؤمن و لا يبغضك إلا منافق . ورأى أمير المؤمنين في المنام قائلا يقول :

إذا  ذكر  القلب  رهط النبي          و سبي  النساء  و هتك  الستر

و ذبح الصبي و قتل الوصي           و قتل  الشبير   و  سم  الشبر

ترقرق  في العين  ما ء الفؤاد           و تجري  على  الخد منه الدرر

فيا قلب صبرا على  حزنهم            فعند   البلايا   تكون    العبر

و كان عبيد الله بن عبد الله بن طاهر كثيرا ما يقول :

تعز   فكم   لك   من   أسوة           تسكن    عنك   غليل   الحزن‏

بموت  النبي  و  خذل  الوصي           و ذبح  الحسين و  سم  الحسن‏

و جر الوصي و غصب التراث           و أخذ الحقوق و كشف الإحن‏

  و هدم   المنار  و  بيت الإله            و حرق  الكتاب  و ترك السنن‏[55]

فيا طيب : بغض آل محمد ممن استسلم وأدعى الإسلام ولم يدخل الإيمان في قلوبهم متأصل ، وظهر في حروبهم لآل محمد في زمان الإمام علي والحسن والحسين ، والله يختبر العباد ليرى من يتبع أحق أو السلطان الظالم  ويتبع ضلاله فيطغى ويهتك كل حرمه فضلا من أن يرعى أي حريم لرسول الله بل لله ، لأن حرمة رسول الله هي حرمة الله ، ولذا قالت العقيلة عليه السلام تعرف أهل الكوفة قبيح فعلهم :

 

 

وأي حرمة لهم هتكتم :

أي تعديتم حريمه فدخلت حرمته : فأنلتموهم مصائب وصببتم عليهم فجائع ، وهتكتم كل قدسية لرسول الله وقتلتم كل مقدس بفضل الله ، فمزقتموهم كل ممزق ، حتى بحوافر الخيل سحقتم أجسادهم فضلا عن قتلهم وقطع رؤوسهم ، ثم أسرتم حريم رسول الله وآله وعترته ، فما هذا العمل القبيح والفعل المشين والظلم والطغيان من أجل حكام الجور والفسق والفجور ، ولذا قالت عليه السلام متمثلة بقوله تعالى :

{ لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)

تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا (90) } مريم .

{ لقد جئتم } بهذا العمل الشنيع القبيح من قتل آل محمد وسبي أهل بيته وتسييرهم في البلاد { شيئا إدا } أي فعلا منكرا عظيما وقبيح موحش فضيع شنيع .

 { تكاد السماوات يتفطرن منه } أي أرادت وقربت السماوات أن تنشق لعظم فعلهم والقبيح وعملهم الشنيع ، أي لو انشقت السماوات بشيء عظيم لكانت تنشق من هذا الفعل المشين ، { و تنشق الأرض } أي و كادت الأرض تتشقق ، { و تخر الجبال } أي كادت الجبال تسقط ، { هدا } فتنكسر وتنهدم وينهد تماسكها هدما فتقع في السهول والأودية .

ويا طيب : الحريم : ما يحيط بالشيء كما عرفت ، وما أيده الله ، لا يدخل فيه إلا بآداب عرفها الله ورسوله م، مثل حريم مكة والمدينة والأشهر الحرم ، ومجلس يحيط برسول الله بأن لا يرفع الصوت عنده ويجلسوا مؤدبين وغيرها .

وأما حرمته : فقد عرفت نفس وجوده المقدس وهو صلبه وذريته وعترته ، وهم هتكوا حريمه وحرمته في نفس وجوده ، فما أتعس وأصعب وأضل هذا الفعل ممن يدعي الإسلام ، ولذا العقيلة عليه السلام وبعدما تطبق شدة عملهم القبيح على آية من كتاب الله ، تصفهم بوصف أخر يبين شناعة فعلهم وقبح عملهم وبأسلوب آخر :

 

 

 

 

 


 

 

 

الإشعاع الرابع عشر :

العقيلة تصف عمل أهل الكوفة بأهلها فتعرف شناعة فعلهم :

يا طيب : بعد أن عرفتهم العقيلة عليه السلام ، شأن الإمام الحسين عليه السلام وكرامته عند الله وسيادته لأهل الإيمان والتقى حتى الجنان ، ثم عرفت وجوب حفظ حرمة الله ورسوله في عترة نبي الرحمة وآله الصادقين الطيبين الطاهرين ، وعرفت قبح عملهم بما ذكرت من آية كريمة تنطبق عليهم بحق ، أخذت تعرف شناعة فعلهم وقبحه بأوصاف أخرى تريهم بها سوء أعمالهم ، وبكلمات يفهمون معنى تأنيبهم وتقريعهم بها ، فتقيم عليهم الحجة وتعرفهم شأنهم وأين ناس هم وإن أظهروا البكاء عليهم .

 فقالت عليه السلام :

و لقد أتيتم بها : صلعاء عنقاء ، سوآء فقماء ، خرقاء شوهاء .

شرها : طلاع الأرض و السماء .

وهنا العقيلة تؤكد كلامها : وتوجب تصديق بيانها ، فتمثل فعلهم الخبيث وأعمالهم المشينة في هتك حرمة رسول الله وقتل آله ، بأن أفعالهم هي :

ولقد أتيتم بها : و لقد : الواو : حرف عطف على ما سبق من البيان ، اللام وقد للتأكيد المؤكد ، لثقتها عليه السلام بكلامها ، واعتقادها الجازم بحقائق ووقائع تبينها .

 أتيتم : أي جئتم ، به : بأفعالكم القبيحة والسيئة والخائبة والخاسرة بآل محمد.

 

صلعاء عنقاء :

صلعاء : الصَّلْعاءُ في كلام العرب : الداهيةُ و الأَمر الشديد ، والصلع : ذهاب الشعر من مقدم الرأس وقد يصل لمؤخرته ، و أَرضٌ صَلْعاءُ : لا نبات فيها وسبخة لا تخرج نبتها و لا يدرك ما أنفق فيها ، وجبلٌ صَلِيع : أملَس يصعب صعوده ، ولذا يعبر بالصُّليعاء : عن كل الداهيةَ و الأَمرَ الشديدَ ذو السَّوْءةَ الشنيعةَ البارزة المكشوفة .

 وأن فعلتهم بآل محمد : لا خير فيه ولا بركة ، بل هي :

عنقاء :

و العَنْقاء : طائر ضخم ليس بالعُقاب ، و قيل : العَنْقاءُ المُغْرِبُ كلمة لا أَصل لها.

 يقال : إنها طائر عظيم لا ترى إلا في الدهور والزمن المتباعد جدا ، ثم كثر ذلك حتى سموا الداهية عَنْقاء مُغْرِباً و مُغْرِب ، والعنقاء هي طائر مؤنت :  كانت تنقض على الطير فتأكلها ، فجاعت و انْقَضَّت على صبيِّ فذهبت به ، فسميت عَنْقاءَ مُغْرباً ، لأَنها تَغْرُب بكل ما أَخذته ، ثم انْقَضَّت على جارية تَرعْرَعَت و ضمتها إلى جناحين لها صغيرين سوى جناحيها الكبيرين ، ثم طارت بها ، فشكوا ذلك إلى نبيهم ، فدعا عليها فسلط الله عليها آفةً فهلكت ، فضربتها العرب مثلًا في أَشْعارها .

ولذا عبرت عليه السلام : عن أعمالهم القبيحة السيئة بالداهية بأنها تشمل الأرض لأنها صلعاء لا خير فيها ، وتشمل السماء لأنها عنقاء وداهية لا يرى مثلها في السماء وإن جاءت فهي تهلك النسل ، بل أعمالهم الشريرة في خلقة البشر ، بعد ما عرفت في الأرض والسماء ، هي كما قالت العقيلة عليه السلام  :

 

سوآء فقماء :

سَّوْآءُ :

سوء : ساءه يسوءه سوء ، وأساء إساءة سوأ ، والسوء : اسم العذاب الجامع للآفات والداء ، وأصل السوء من قولك : ساء يسوء سوء ، ثم كثر حتى صار علما على الضر القبيح ، فقالوا : أساء يسيء إساءة نقيض أحسن يحسن إحسانا ، وتقول : سؤت فلانا أسوءه مساءة ، وتقول : أردت مساءتك ومسائتيك ، وأسأت إليه في الصنع ، واستاء فلان من السوء ، وسؤت فلانا ، وسوئت له وجهه ، وتقول : لساء ما صنع ، والسيئ والسيئة : اسم الخطيئة ، والسوأى فعلى اسم للفعلة السيئة ، بمنزلة الحسنى ، وامرأة سوء قبيحة ، والسوءة السوأى للفعلة القبيحة ، والسوء: نعت لكل شي‏ء ردي‏ء .

و السوآء : المنكرة القبح من النساء وكل فعله قبيحة مضرة وفيها داء لا دواء له.

ولا أسوء : من فعل أهل الكوفة أتباع بني أمية ، بآل محمد وعترته صلى الله عليهم وسلم في كربلاء، ولذا العقيلة تضيف صفة أخرى ترينا شرهم وقبح فعلهم وأعمالهم .

 

فقماء :

والفقماء : من دخلت أسنانها العليا في الفم فصار أعوج ، أو ذقنها رجع إلى فمها ، وهو اختلاف وتشوه في الوجه من ناحية الفم واعوجاجه ، و أمرٌ مُتَفاقِم ، و تَفاقَمَ الأَمر أي عَظُم وأشد ووصل لغاية صعوبته وضره .

فالعقيلة عليها السلام قالت : تعبر عن شناعة فعلهم ، بأنه كما هو شديد القبيح كمنع بركات الأرض والسماء ، هو أيضا في الإنسان المفضل في الخلقة عمل مشوه قبيح المنظر سيء الشكل ، لأن الصلع لا يكون في النساء و الفقماء تزيدها قبحا وضرا ويتفاقم ضرها  ، والعقيلة عليه السلام بالإضافة لما مثلت من تشوه الوجه ، أضافت أوصفا أخرى ، لتشدد وتأكد سوء وشر فعلتهم بآل محمد صلى الله عليهم وسلم ، فقالت بالإضافة لما عرفت أنهم في أمر أخرق مشوه الرأي والعقل فقالت عليه السلام :

 

خرقاء شوهاء .

الخرقاء : خرق : مَزق وشق وقطع ، لشَّيء ما ، و خَرَقْتُ الثوب : إذا شققته ، وخَرَقْتُ الأرض : إذا قطعتها حتى بلغت أقصاها ، والخَرقُ : الشق في حائطٍ ، أو ثوبٍ ونحوه فهو مَخْرُوقٌ .  وخَرِقَ يخرقُ فهو أخرق : إذا حمق ، ويخرق وخرق يخرق : أي جهل ، وخَرِقَ بالشيء : جهله ولم يحسن عمله ، والخرق شبه النظر من الفزع والدهش ،  وكذلك المتحير : أخْرَقُ لأنه لا يعرف ما يعمل ، ومثل من أمثالهم : خَرْقاءُ وجدت صُوف : أي يعني  أحمق له مال ينفقه في غير حقّه ، ويضرب للسّفيه يقع في يده مالٌ فيعبَث فيه ، ومر أن خرقاء كانت تغزل ثم تنقضه وتنكثه ، وناقة خَرْقاءُ هَوْجاءُ ، وبيتٌ أطافتْ به خرقاءُ : مهجومُ أي مهدوم لتصرفها الغير موزون ، والخَرقَاء الخمرُ : لخُرِق شَاربها وتصرفه الغير موزون .

وبحق قالت العقيلة عليه السلام : بأنه لا يوجد أحمق وأجهل من أهل الكوفة حين أقدموا على قتل آل محمد عليهم السلام ، وأطاعوا أعدائهم ومن حاربوهم في صفين ، وقد دهشوا وتحيروا بعد فتره وأخذوا يلمون أنفسهم ويلعنوها على ما فعلوا بعترة سيد المرسلين ، وأقروا أنهم أستغفلهم الحكام الطغاة ، واستحمقهم أتباعهم الظلمة ، فصاروا في ضلال ، وتوقعوا حلول غضب الله وما أوعدهم الله من ناره ، فلذا قسم كبير منهم حاولوا أن يتوبوا من فعلهم الأحمق الأخرق بآل محمد عليهم السلام ، فكانت ثورة التوابين والمختار وغيرها ، والعقيلة عليه السلام لم تكتفي بما وصفتهم ، بل قالت تصف أفعالهم بأنها :

 

شوهاء :

والشوهاء : الشوه : وقد شاهَ يَشُوهُ شَوْهاً وشُوهَةً وشَوِهَ شَوَهاً ، والمصدر الأشوه والشوهاء ، رجل أشوَهُ : قبيح الوجه والخلقة ، وقد شَوَّهَه الله ، والأنثى شَوْهاء : وهي القبيحة الوجه و الخلقة والخلق ، والشوه : الذين يتشوهون ليصيبوا الناس بالعين : أي يحتالون ، وشهته بعيني أشوهه ، وكذلك إذا أفزعته ، والشوْهاءُ : العابسة ، وقيل : المشئومة ، و كل شي‏ء من الخَلْق لا يُوافِق بعضُه بعضاً : أَشْوَهُ و مُشَوَّه .

والمُشَوَّهُ : القبيحُ في فكره وعَقلِه وتعقله ، لا يتصرف بحكمة ولا هو موزون  .

و الفعلة القبيحة والقضيّة التي أتوا بها : من قتل الإمام الحسين عليه السلام ، وأسر آله خرقاء حمقاء ، وشوه مشئومة قبيحة الخلق والخلقة ، وتصرف غير موزون ولا معقول ، فهم في عين رجالهم لم ينصروهم بل قتلوهم فهم يبكون عليهم .

فجمعت العقيلة عليها السلام : كل الأوصاف التي تعرف مما يمثل شناعة وقبح وسوء فعلهم بآل محمد بفعل واحد تصوره ، بما يصيب من الشر للأرض الصلعاء ، وفي السماء كالعنقاء ، وفي وخلقة الإنسان سوآء فقماء ، في العقل خرقاء شوهاء، بل عبرت بتعبير آخر يجمع كلها ويعرف شرهم وعظمته وكبره وكثرة وسعته ، بأن فعلتهم :

 شرها : طلاع الأرض و السماء .

 شرها :

الشر : السوء ، و الشرارة و الشرر : ما تطاير من النار ، والشر : النشر ، والشر : ضد الخير، والفعل للرجل الشرير، والمصدر الشرَّارَة ، والفعل: شَرَّ يَشُرُّ، وقوم أشرار : ضد الأخيار ، والشر : إظهار السوء الذي يبلغ من صاحبه ،  والشر : شديد الضر القبيح ، وهو نقيض والخير : والنفع الحسن ، والشر : الرامي بالمكاره كشرر النار ومثله الضرر، و الشَّرُّ بالفتح : إبليسُ لأنه الآمرُ بالسوءِ والفحشاءِ والمكروهِ .

يا طيب : الشر أمر عدمي وهو نقيض الخير ، ولا يجتمعان في شيء ولا يرتفعان ، لأن الخير أمر وجودي ، والشر أمر عدمي ، وهناك خير وشر نسبي ، أي نقص وجود ما من وجود كان من الممكن أن يكون له فيعدم فيحسب له شر، ولذا يقال بعض الأحيان : الشر ضد الخير ، لأنه المتناقضان : لا يجتمعان ولا يرتفعان في الوجود في محل واحد في زمان واحد ، لأن الشيء إما موجود أو معدود ، والضدان : لا يجتمعان ولكن يمكن أن يرتفعان عن موجود ما ، فيوجد مخالف لهما ، وهو يغلب في أعراض الشيء وأوصافه .

 

و طلاع :

طلع : ظهر ، وطلعت الشمس طلوعا وطلعا ومطلعا ، والمطلع : المكان، والوقت ، وكل باد لك من علو فقد طلع عليك ، واطلع ، إذا أشرف من علو إلى أسفل ، وطلائع القوم في الحرب : الذين يتعرفون أخبار أعدائهم ، الواحدة طليعة ، ويقال : النفس طلعة ، أي تتطلع إلى كل شيء  ، و الطلاع: ما طلعت عليه الشمس من الأرض. وقدح طلاع : ممتلئ ، وعين طلاعة : ممتلئة ، وفي حديث الحسن البصري : لأن أعلم أني برئ من النفاق أحب إلي من طلاع الأرض ذهبا ، أي ملئها ، و يقال :  قوس طلاع : أي يملأ مقبضها الكف ، و تطلع الماء من الإناء ، وطلع كيله : ملأه جدا ففاض حتى تطلع ،  وطِلاعُ الشيء : مِلؤه ، و طلاع الأرض والسماء : ملئهما .

الأَرْض :  التي عليها الناس ، أُنثى و هي اسم جنس ، و كان حق الواحدة منها أَن يقال أَرْضة و لكنهم لم يقولوا ، ومر ذكرها وهي الكرة الأرضية وما فيها وما عليها .

و السماءُ : التي تُظِلُّ الأَرضَ أُنثى عند العرب لأَنها جمعُ سَماءةٍ، وهي لكلّ ما ارتَفع و عَلا قَدْ سَما يَسْمُو ، والسماء : سقف كل شي‏ء ، وهي ما على الأرض إلى الملكوت.

والأرض والسماء : معروفتان ، ويقال : كل ما أقلك أرض ، وكل ما أضلك سماء ، والأرض : التي نعيش عليها وما فيها من الجبال والسهول والوديان والأنهار والبحار والمحيطات ، السماء ما علاها من الجو ، ويعبر في العلوم : عن الأرض بما فيه الكون من وجود مادي حتى الكواكب ، والسماء : عن الوجود المجرد عن المادة من السماوات العلى وما فيها من الملائكة وحقائق النفوس المجردة .

ويا موالي : العقيلة تعبر عن تصرف أهل الكوفة من نقضهم لبيعة أبي عبد الله ونكثهم لها ، والتحاقهم بعدوهم ونصر بني أمية ، وخروجهم إلى قتل أبي عبد الله وآل رسول الله وأسر وسبي عترته الطيبة وذريته الطاهرة ، والسير بهم لأعداء الله ورسوله من طغاة الخلق وعتاة الأمة والخارجين من الهدى والدين وتعاليم رب العالمين ، وعدم حفظ حرمة الله ورسوله في آل خاتم الأنبياء وسيد المرسلين ، وهجرهم وابتعادهم بل تدميرهم الثقل الطيب الطاهر النفيس والغالي العزيز الذي يجب على كل العباد حفظه ورعاية حقه ، بل وجب حبه وودهم والتعلم منهم والسير على هداهم والتعلم من مناسكهم وسلوكهم ، بأنه فعلهم هذا شر ملئ الأرض والسماء ، وضرر ملئ أركان كل شيء يرى وطالع ، وسوء يصيب كل من يرضى به إلى يوم القيامة ، وقبح يتسم به كل من يشارك الرأي أعداء آل محمد ويتعلم منهم على طول التأريخ وفي جميع بقاع الوجود .

فإن شر فعل أهل الكوفة : أنتشر في كل مكان وزمان ،  حتى ملأ الأرض والسماء ضرر وسوء وظلم وشر حتى لا يرى فيهما غيره.

 وحين يكون الوضع بهذه الصورة المسيئة ، حق لأن تمطر السماء دما ، فلذا قالت العقيلة عليه السلام فيما يأتي.

ويا طيب : قبل أن نذكر شرح جمل باقي خطبة العقيلة عليه السلام ، نقرر صدق مقالها بآيات وأحاديث تعرف هذا المعنى :

فإن الله سبحانه كما عرفت قال:{مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ  جَمِيعً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا (32) }المائدة.

وقال سبحانه : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ  عَذَابًا عَظِيمًا (93) } النساء .

فهم جاءوا : بشر كبير حملوه على أنفسهم وعلى كل من رضي فعلهم على طول الزمان و تلبسوا بغضب الله وعذابه ، وما أكثر من تبعهم على طول التاريخ والزمان ، وهم أموات غير أحيات ، ولا تسمع من في القبور، وإن عاشوا فترة فهم في شر وإلى شر.

وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

 إن في الشر لوقاحة، شر الأشرار من يتبجح بالشر ، أشد شيء عقابا الشر[1].

ومن شر أهل الكوفة : هو تبجحهم بالشر وحمل رؤوس آل محمد على الرماح والسير بها في البلدان ، وأخذ آل نبي الرحمة وعترته أسرى مسبيين بأسوأ حال ، ومن يرى هذا الحال لحق أن يتصور ويتوقع بكاء السماء والأرض على آل محمد عليهم السلام .

ويا موالي : إن شأن الإمام الحسين وهو خير أهل الأرض والسماء وخلاصة الوجود ، فإن الله سبحانه يختبر العباد فيصفى منهم المسلمون ممن يسلم الناس من يده ولسانه ، ومنهم يختار المؤمنون ، ومنهم يختار أئمة يهدوهم بالحق ، والإمام واحد زمانه ، فهو خيرة الله في الأرض والسماء ، وهو أفضلهم وأطيبهم وأطهرهم ، فعدمه وقتله ، وهو فقدان وجوده بينهم ، فيكون فقده شرا لهم يملئ كل شيء يقلهم ويضلهم وتمقتهم الأرض والسماء وكل شيء فيهما ، لأنه من يغضب الله عليه ، يغضب عليه كل شيء ، وهذا شر ليس بعده شر وملئ أركان كل شيء ، ومر من يصلي الله عليه إذا صلى على محمد وآله محمد صلى كل شيء عليه لصلاة الله وملائكة عليه فراجع أول الخطبة .

وعن علي بن عيسى القماط :  عن عمه عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في منامه : بني أمية يصعدون على منبره من بعده ، و يضلون الناس عن الصراط القهقرى ، فأصبح كئيبا حزينا .

قال : فهبط عليه جبرائيل ، فقال : يا رسول الله ما لي أراك كئيبا حزينا ؟

قال : يا جبرائيل ، إني رأيت بني أمية في ليلتي هذه ، يصعدون منبري من بعدي ، و يضلون الناس عن الصراط القهقرى .

فقال : و الذي بعثك بالحق نبيا ، إن هذا شي‏ء ما اطلعت عليه ، فعرج إلى السماء ، فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن ، يؤنسه بها ، قال :

 { أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ (205) ثُمَّ جَاءهُم مَّا كَانُوا يُوعَدُونَ (206) مَا أَغْنَى عَنْهُم مَّا كَانُوا يُمَتَّعُونَ (207) } الشعراء .

 و : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2)

 لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5) } القدر .

جعل الله عز و جل : ليلة القدر لنبيه ،  خيرا من ألف شهر ملك بني أمية [2].

يا طيب : وقد حسب ملك بني أمية فكان ألف شهر لا ينقص ولا يزيد شهرا واحد ، وإن الأحاديث في شرح وتفسير سورة القدر مر بحثها في صحيفة سادة الوجود فراجعها ، وإن الله سبحانه وتعالى جعلها ليلة مباركة ينزل فيها كل أمر حكيم ، ولم يبقى شيء إلا ويعرفه لولي أمره ولرسوله خاتم الأنبياء في زمانه ، وبعده لأمير المؤمنين ثم للأئمة المعصومين إلى يوم الدين ، وسورة القدر هي حجة على كل العباد ليعرفوا من هو ولي أمر الله فيهم ، وأنه طاهر يستحق أن ينزل عليه الروح الأمين بكل أمر يحتاجه العباد ، وهي كانت للإمام الحسين بعد جده وأبيه وأخيه ومن ثم هي في ولده إلى يوم القيامة .

ويا طيب : أن كانت ليلة القدر خير من ألف شهر من ملك بني أمية ، وينزل بها كل أمر فيه صلاح الدين والدنيا وهو خير الله لعباده ، وإن الروح المقدس ينزل فيها بكل أمر يخصه ولي أمر الله ، فلا غروا أن يكون الإمام الحسين خير أهل الأرض والسماء لأنه صاحب ليلة القدر ، ومر في الجزء الأول بحث نورهم في مراتب الوجود فراجع .

وإذا عرفنا : أنهم خصوا بالخير كله ؛ لأنهم اختصوا بكل ما يقرب العباد لرضا الله وعبودية والإخلاص له ، وإن من يخالفهم كان نصيبهم الشر كله ؛ لأنه يبتعد عن الله بقدر بعده عنهم ، ويكون ضالا وفي غضب الله ، وهذا هو الشر لا شر بعده ولا أكثر شرا منه ، فلا غروا ما قالت العقيلة لأهل الكوفة بقتل الإمام الحسين وآله والتمثيل بهم وسحقهم بحوافر الخيل وقطع رؤوسهم والسير بها في البلاد وسبي عترته وذرية سيد المرسلين وعرضهم كخوارج عن الدين .

 أن يكون : شر قضيتهم وفعلتهم بآل محمد يملئ طلاع الأرض والسماء ، ويطالعه ويطّلع عليه كل منصف ينظر في تأريخ الإسلام ويتدبر أحواله ، ومجالس الإمام الحسين من شيعته لم تبقي لأحد عذر ،  فإنها تريه نور آل محمد وظلم بني أمية وأتباعهم على طول الزمان وتطلعه على معرفة الخير وأهله ونعيم الله وصراطه المستقيم ومن خصهم الله به ، وهم آل محمد صلى الله عليهم وسلم في أي حال كانوا ، وإن شر أهل الأرض بني أمية وأتباعهم بالخصوص أهل الكوفة في ذلك الزمان ومن تبعهم على طول التأريخ ، لأنهم كانوا في زمان الإمام يد بني أمية التي بسطوها على إفناء الخير وأردوا أن يطفئوا نور الله بقلوبهم وأيديهم وأفواههم ، وأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون والمنافقون وطلعوا بشر لم يكن قبله ولا بعده مثله ، ويستقبحه كل مسلم فضلا عن مؤمن .

ويا طيب : إن التدبر بمعارف الخير بأنه هو الهدى والدين ورضا الله ، والشر كل ما يبعد عنه مما يرتكبه حزب الشيطان، وإن بقتل الإمام يرتكب الإنسان حماقة وضرر يكون شره أو سع مما يتصور في عالم الدنيا ، فيملئ كل شيء ، وإلا لا تعرف معنى الشر ، وأنه يملئ كل شيء ، لأنه نقيض الوجود وخيره ، وهو أمر عدم بفقد الخير .

 فتدبر يا طيب : أحاديث الخير في تعريف الإمام الحسين عليه السلام وآله له ، ثم بقدرهم وبشأنهم الكريم قدر الخير ، فأعرف أنه بقلتهم حصل الشر كله وملئ كل شيء لأنه عدم الخير ومحاولة إطفائه ، فتدبر الأحاديث الأتي وطبقه على معارف هدى العقيلة حين تنطق بالقرآن وبمعارف الدين وترينا آداب هدى الله في نشر الخير ، ورفضه من قبل العباد ، ومحاولة إطفائه بل وقتله ، وقليل من عباد الله الشكور .

بإسناد الحافظ : مسعود بن ناصر السجستاني ، عن ربيعة السعدي قال :

أتيت حذيفة بن اليمان : و هو في مسجد رسول الله ، فقال لي ...:

يا ربيعة : اسمع مني و عه و أحفظه و قه ، و بلغ الناس عني :

 أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله :

 و قد أخذ الحسين بن علي : و وضعه على منكبه ، و جعل يقي بعقبه .

و هو يقول : أيها الناس : إنه من استكمال حجتي على الأشقياء من بعدي ، التاركين ولاية علي بن أبي طالب  ، ألا و إن التاركين ولاية علي بن أبي طالب هم المارقون من ديني .

أيها الناس :  هذا الحسين بن علي : خير الناس جدا و جدة ، جده رسول الله سيد ولد آدم ، و جدته خديجة سابقة نساء العالمين إلى الإيمان بالله و برسوله .

و هذا الحسين خير الناس : أبا و أم ، أبوه علي بن أبي طالب وصي رسول رب العالمين و وزيره و ابن عمه ، و أمه فاطمة بنت محمد رسول الله .

و هذا الحسين : خير الناس عما و عمة ، عمه جعفر بن أبي طالب المزين بالجناحين يطير بهما في الجنة حيث يشاء ، و عمته أم هانئ بنت أبي طالب .

وهذا الحسين : خير الناس خالا وخالة، خاله القاسم بن رسول الله، وخالته زينب بنت محمد رسول الله .ثم وضعه عن منكبه : و درج بين يديه .ثم قال : أيها الناس :

و هذا الحسين : جده في الجنة ، و جدته في الجنة ، و أبوه في الجنة ، و أمه في الجنة ، و عمه في الجنة ، و خاله في الجنة ، و خالته في الجنة .

و هو في الجنة و أخوه : في الجنة .

ثم قال : أيها الناس : إنه لم يعط أحد : من ذرية الأنبياء الماضين ، ما أعطي الحسين ، و لا يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الله .

ثم قال : أيها الناس: لجد الحسين خير من جد يوسف ، فلا تخالجنكم الأمور .

بأن الفضل و الشرف و المنزلة و الولاية :

 ليست إلا لرسول الله وذريته و أهل بيته ، فلا يذهبن بكم الأباطيل [3].

وقال رسول الله صل الله عليه وآله وسلم :

 أنا خير : المرسلين و النبيين ، و فاطمة ابنتي سيدة نساء أهل الجنة.

 و علي و بنوه الأوصياء : خير الوصيين .

و أهل بيتي : خير أهل بيوتات النبيين .و ابنأي سيدا شباب أهل الجنة [4].

عن الإمام الرضا : عن آبائه عليهم السلام ، قال النبي صلى الله عليه وآله : 

الحسن و الحسين : خير أهل الأرض ، بعدي ، و بعد أبيهما .

و أمهما : أفضل نساء أهل الأرض [5].

ويا طيب : إن قتلوا خير أهل الأرض وخير العباد ، لم يبقى لهم إلا شر يحيط بهم حتى يصليهم نار الله وغضبه وعذابه .

وعن الأصبغ بن نباتة قال : خرج علينا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ذات يوم ، و يده في يد ابنه الحسن عليه السلام ، و هو يقول : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله ذات يوم و يدي في يده هكذا ، و هو يقول :

خير الخلق بعدي و سيدهم : أخي هذا و هو إمام كل مسلم ، و مولى كل مؤمن بعد وفاتي .

ألا و إني أقول : خير الخلق بعدي و سيدهم ، ابني هذ و هو إمام كل مؤمن و مولى كل مؤمن بعد وفاتي ، ألا و إنه سيظلم بعدي ، كما ظلمت بعد رسول الله .

و خير الخلق و سيدهم : بعد الحسن ، ابني أخوه الحسين ، المظلوم بعد أخيه المقتول في أرض كربلاء  ، أما إنه و أصحابه : من سادة الشهداء يوم القيامة .

و من بعد الحسين : تسعة من صلبه ، خلفاء الله في أرضه ، و حججه على عباده ، و أمناؤه على وحيه ، و أئمة المسلمين ، و قادة المؤمنين ، و سادة المتقين .

تاسعهم القائم : الذي يملأ الله عز و جل به الأرض نورا بعد ظلمتها ، و عدلا بعد جورها ، و علما بعد جهلها ، و الذي بعث : أخي محمدا بالنبوة ، و اختصني بالإمامة ، لقد نزل بذلك الوحي من السماء على لسان الروح الأمين جبرائيل .

و لقد سئل رسول الله صلى الله عليه وآله : و أنا عنده ، عن الأئمة بعده ؟

فقال للسائل : و السماء ذات البروج ، إن عددهم بعدد البروج ، و رب الليالي و الأيام و الشهور ، إن عددهم كعدد الشهور . فقال السائل : فمن هم يا رسول الله ؟

فوضع رسول الله صلى الله عليه وآله : يده على رأسي ، فقال : أولهم هذا ، و آخرهم المهدي ، من والاهم: فقد والاني، ومن عاداهم فقد عاداني ، ومن أحبهم فقد أحبني ، ومن أبغضهم فقد أبغضني، ومن أنكرهم فقد أنكرني ، ومن عرفهم فقد عرفني .

بهم يحفظ الله عز و جل : دينه ، و بهم يعمر بلاده ، و بهم يرزق عباده ، و بهم نزل القطر من السماء ، و بهم يخرج بركات الأرض .

 هؤلاء : أصفيائي و خلفائي ، و أئمة المسلمين ، و موالي المؤمني[6] .

ويا موالي : بعد أن عرفت الخير كله والبركة في آل محمد صلى الله عليهم وسلم ومر كلام في معنى الأخيار في الإشعاع سابق ، فنقيضه ومن يقتله يكون الشر كله يظهره ويطلعه ويكون طلاع الأرض والسماء بما يناسب ما قتل ، فحق للعقيلة أن تقول بعده :

 

 

 


 

 

الإشعاع الخامس عشر :

العقيلة تعرف آثار مصيبتهم في السماء وأن الله بالمراصاد لظالميهم:

يا طيب : بعد أن عرّفت العقيلة عليه السلام شأنهم الكريم و عظمة مصيبتهم بسبب ما أجراه أهل الكوفة فيهم ، لأطاعتهم للأئمة الطغاة وشرار خلق الله ، فأتوا بشر عمل في الوجود ، بقتلهم للإمام الحسين وسبي آله آل محمد صلى الله عليهم وسلم ، قالت إن فعلهم عظيم عند الله وفي ملكوته وسمائه و في أرضه ، وحقا لكل شيء أن يبكي عليهم وإن يقطر ويمطر دما ، كما يصلي عليهم كل شيء فقالت عليه السلام :

أ فعجبتم : أن قطرت السماء دما .

فلا يستخفنكم : المهل .

فإنه : لا يحفزه البدار ، و لا يخاف عليه فوت الثار .

 كلا : إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد . والشرح :

أ فعجبتم : أن قطرت السماء دما .

أ فعجبتم : الهمزة : للإنكار ، أي استفهام استنكاري ينكر تعجبهم .

العجب : العُجْبُ و العَجَبُ : إِنكارُ ما يَرِدُ عليك لقِلَّةِ اعْتِيادِه ؛ و جمعُ العَجَبِ : أَعْجاب‏ ، و قد عَجِبَ منه يَعْجَبُ عَجَباً و تَعَجَّبَ و اسْتَعْجَب‏ ،  وإِنما يَتَعَجَّبُ الآدميُّ من الشيءِ إِذا عَظُمَ مَوْقِعُه عنده ، و خَفِيَ عليه سببُه ، أما لا كأهل الكوفة فلا عجب لأنهم هم قتلوا آل محمد ومثلوا بهم وأسروهم وسيروهم في البلاد ، فكانوا يد الطغاة ونفس الظالمين الضالين، فلا عجب أن يقطر ويمطر كل شيء دما لشناعة فعلهم.

قطر: القطر و القطران مصدر قطر الماء ، والقطر : المطر ، الواحد قطرة ، و قَطَرانُ الماء، بالتحريك ، و تَقْطِيرُ الشيء : إِسالته قَطْرَةً قَطْرَةً .

الدَّمُ : من الأَخْلاطِ ، وسائل أحمر يجري في شرايين الحيوان ، و دمي الجرح دمي و دميا ، سال دمه ، وكل شيء دمه ما يناسب حاله ويسيل إن جرح .

والسماء  : كل ما علاك ، ويقصد فيها جو السماء ، وكل الموجودات العلوية .

وبكاء السماء حكاه الله سبحانه في قوله تعالى :

{ فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ (29) } الدخان .

فإن الأشرار : لهوانهم على الله وخستهم ولعدم الشأن الكريم لهم عنده وعند كل شيء خلقه ، فلا تبكي عليهم السماء فضلا عن الأرض ، فليس لهم قيمة عند أحد من خلق الله العلوي من سكان السماء ولا ممن في الأرض ، فلا أحد من أهل الخير يعرف الحق فيبكي على شرير ، بل كل شيء يتعجل العقوبة لهم في البرزخ وإنهم فيه لا ينظرون كقوله تعالى : { وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ  الْعَذَابِ (45)

النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ (46) } غافر .

وأهل الكوفة وأسيادهم : هم طغاة الأمة وفراعنة زمانهم ، وهم يعرضون على النار غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة يوم القيامة لهم أشد العذاب ، أبعدنا الله منهم ومن فكرهم وضلالهم ، ولكن المؤمن جاءت روايات كثيرة تعرفنا إنه حين موته فضلا عن شهادته ، تبكي عليه بقاع الأرض وملائكة السماء وكل شيء يحزن عليه ويبكي حسب حاله ، وتتلقاه الملائكة بالروح والريحان وتحييه بالسلام .

 وجاء في تفسير الآية الكريمة : { فما بكت .. } :

 عن إبراهيم النخعي قال : خرج أمير المؤمنين عليه السلام فجلس في المسجد ، و اجتمع أصحابه حوله .

وجاء : الحسين عليه السلام حتى قام بين يديه ، فوضع يده على رأسه، فقال :

يا بني : إن الله عبر أقواما بالقرآن، فقال : { فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ  }، و ايم الله : ليقتلنك بعدي ، ثم تبكيك السماء و الأرض[7].

وعن عبد الله بن الفضل الهمداني : عن أبيه عن جده ، عن أمير المؤمنين عليه السلام قال : مر عليه رجل : عدو لله و لرسوله ، فقال :

{ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ (29) } الدخان .

 ثم مر عليه : الحسين بن علي عليه السلام .

فقال عليه السلام : لكن هذا ليبكين عليه السماء و الأرض . و قال : و ما بكت السماء و الأرض ، إلا على يحيى بن زكريا ، و الحسين بن علي [8].

وقال السدي في تفسير الآية : لما قتل الحسين بن علي بن أبي طالب .

 بكت السماء عليه ، و بكاؤها حمرة أطرافه [9].

فالعقيلة عليها السلام : تستعظم تعجبهم وإنكارهم بعض آثار قتل أبا عبد الله الحسين عليه السلام ، فإنه لا عجب من قطر السماء دماء حين قتل الإمام الحسين عليه السلام ، وجاء في عدة روايات وسيأتي تفصيلة في بحث مستقل ، ومن الروايات :

قال الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام :

أنه لما قتل الحسين جدي مطرت السماء دما و ترابا أحمر [10].

و عن الزهري قال : لما قتل الحسين عليه السلام .

لم يبق : في بيت المقدس حصاة إلا وجد تحتها دم عبيط .

وعن سعيد بن سليمان قال حدثنا عباد بن العوام عن أبي حصين قال:

 لما قتل الحسين : مكثوا شهرين أو ثلاثة .

وكأنما تلطخ الحيطان بالدم من حين صلاة الغداة إلى طلوع الشمس [11].

وعن سالم القاص قال : مطرنا أيام قتل الحسين دماً .

وعن محمد بن سيرين قال:

 لم تر هذه الحمرة في آفاق السماء حتى قتل الحسين[12].

وقال في المناقب : روى أبو نعيم في دلائل النبوة و النسوي في المعرفة ، قالت نضرة الأزدية : لما قتل الحسين :

أمطرت السماء:  دم ، و حبابنا وجرارنا صارت مملوءة دم.

و قال قرطة بن عبيد الله :

 مطرت السماء : يوما نصف النهار على شملة بيضاء ، فنظرت فإذا هو دم .

و ذهبت الإبل : إلى الوادي للشرب ، فإذا هو دم .

و إذا هو اليوم الذي قتل فيه الحسين عليه السلام [13].

 

 

ثم قالت العقيلة عليها السلام :

 { وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنصَرُونَ  (16) } فصلت .

ولعذاب الله أخزى : في الآخرة وأشد مما يعذبهم به من الدنيا ، فأهل الكوفة  في الدنيا قد تفرقوا وقاتل بعضهم بعضا بعد ثلاث سنوات من قتل الإمام ، وفيما بينها يلوم ويستحقر بعضهم بعض ، فكانت حروب التوابين والمختار وأبن الزبير والحجاج وأبن الأشعث وغيرها، وهي كانت حروب طاحنة حلت بهم ، وفي الآخرة يذيقهم الله سبحانه الذل والهوان والأستكانه ، ويبين خطلهم وحمقهم وبيعهم لدينهم بدنيا غيرهم ، ويرهم حقيقتهم حتى يرون ما يخزيهم ويخجلهم ، وما يجعلهم يستحون من أنفسهم فضلا عن أهل قومهم ومن ينظرهم في المحشر ويوم القيامة ، بل في النار هم خالدون .

وهم لا ينصرون : فلا معين لهم ولا شفيع ولا ولي ولا ناصر ، ولا مال يفتدون به ، ولا يقدرون على الخروج والهرب والفرار ، بل مقيدون بسلال النار وهم على وجوههم يسحبون ، بعذاب أشد وأدوم وأبقى خالدين فيه ، فهذا ما ينتظر أهل الكوفة .

 

 

فلا يستخفنكم : المهل :

فلاستخفنكم : الفاء عاطفة على ما سبق من البيان .

 ولا : حرف ينفى به و يجحد وينكر به .

فالعقيلة عليها السلام : ترد ما يتصور من أن فعل أهل الكوفة بآل محمد ليس خبيث ، ولذا لم يعاقبهم الله على شرهم فعلا، فقالت العقيلة : بأن العذاب آتيكم في الدنيا وعذاب الآخرة أخزى وأشد وأدوم، وتبين تفسير كلامها عليه السلام بقوله فلا:

يستخفنكم :

الخف : كل شي‏ء خف محمله ، و الخفة : خفة الوزن ، و خفة الحال ، و خفة الرجل : طيشه ، و خفته في عمله ، خفف : الخَفَّةُ و الخِفّةُ : ضِدُّ الثِّقَلِ و الرُّجُوحِ ، يكون في الجسم و العقلِ و العملِ ، و اسْتَخَفَ‏  فلان بحقي : إذا اسْتَهانَ به‏ ، واستخف : استجهل ،  اسْتَخَفَّه فلان إذا اسْتَجْهَله فحمله على اتِّباعه في غَيِّه‏ .

 

 

 

المهل :

و أمهلته : أنظرته ، و لم أعجله ، و مهلته : أجلته  ، وهو مثل همل : الهمل : السدى ، و ما ترك الله الناس‏ : سدى بلا ثواب و بلا عقاب ، و أَهْمَل أَمرَه : لم يُحْكِمْه ، و تركتها هملا أي سدى بلا راع .

فالعقيلة عليها السلام : تقول لهم إن لم يتسعجلكم العذاب الآني ، فهو لكم بالمرصاد وينتظركم ، وإن الله إن أمهلكم فلم يهملكم ، بل من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ، وأنتم عملتم عمل شره استطار حتى ملئ الأرض والسماء ، لأنكم قتلتم سيد شباب أهل الجنة وخيرة أهل الأرض بعد جده وأبيه وأمه وأخيه ، وأنتم في مهلة وزمن يقدره الله لكم لعلكم ترجعون ،  ثم يصيبكم العذاب الشديد وهو أخزى وأبقى وأدوم كما ذكرت عليه السلام سابقا .

وقد قال الله تعالى : { وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ   وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (11)

 إِنَّ لَدَيْنَا أَنكَالًا وَجَحِيمًا (12)  وَطَعَامًا ذَا غُصَّةٍ وَعَذَابًا أَلِيمًا (13) } المزمل .

{ إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (15) وَأَكِيدُ كَيْدًا (16)

فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدً (17)} الطارق .

وقال السيد الطباطبائي رحمه الله في تفسير الميزان : و أما عاقبة المفسدين ، فيكفي في التبصر بها ما نقل عن عواقب أحوال الأمم المستعلية المستكبرة الطاغية ، والتي ملأت القلوب رعبا ، و النفوس دهشة ، و خربت الديار ، و نهبت الأموال ، و سفكت الدماء ، و أفنت الجموع ، و استعبدت العباد ، و أذلت الرقاب .

مهلهم الله : في عتوهم و اعتدائهم ، حتى إذا بلغوا أوج قدرتهم ، و استووا على أريكة شوكتهم ، غرتهم الدنيا بزينتها ، و اجتذبتهم الشهوات إلى خلاعتها ، فألهتهم عن فضيلة التعقل ، و اشتغلوا بملاهي الحياة و العيش ، و اتخذوا إلههم هواهم ، و أضلهم الله على علم ، فسلبوا القدرة و الإرادة ، و حرموا النعمة فتفرقوا أيادي سبإ .

فكم في ذكر الدهر : من أسماء القياصرة و الفراعنة و الأكاسرة و الأباطرة و غيرهم ، لم يبق منهم إلا أسماء إن لم تنس ، و لم تثبت من هيمنتهم إلا أحاديث .

فمن السنة الإلهية الجارية في الكون : أن تبتنى حياة الإنسان على التعقل ، فإذا تعدى ذلك و أخذ في الفساد و الإفساد ، أبى طباع الكون ذلك ، و ضادته الأسباب بقواها ، و طحنته بجموعها ، و ضربت عليه بكل ذلة و مسكنة [14].

 ويا طيب : هذا عين ما قلته العقيلة عليه السلام في كلامها .

فالعقيلة عليها السلام : تعرف أهل الكوفة وإن كان ذنبكم عظيم فالله سبحانه حليم ، لا يحفزه ولا يستعجله شدة ذنبكم لأن يبادركم ، لأنه تعالى لا يخاف أن يفوته العقاب للمذنب لأنه كل شيء يقول إنا لله وإنا إليه راجعون ، فلذا عليها السلام قالت تعرفهم عدم أخذهم حين قتل الحسين عليه السلام ، لا لأنه لا حيف عليهم ولا عذاب لهم بل الله لم يخلق الناس عبثا ولا باطلا ويجازي المحسن بإحسانه ، والسيئ بسيئاته ، وأنتم سيئتكم عظيمة وذنبكم كبير وشركم شامل مستطير، ولكن مع ذلك فإنه تعالى:

 

 

 

فإنه : لا يحفزه البدار ، و لا يخاف عليه فوت الثار .

فإنه لا يحفزه البدار :

فإنه : أي إن الله سبحانه ، لا نفاية للحفز .

 والحَفْزُ : حَثُّك الشيء من خلفه سَوْقاً و غير سوق ، و الحَفْزُ : الحَثّ و الإِعْجال ، والرجل يحتفز في جلوسه يريد القيام والبطش بشيء ، وكأنه يريد أن يثور إلى القيام، والليل يحفز النهار يسوقه ، محتفز أي مستعجل مستوفز يريد القيام غير متمكن من الأرض ، حفزوا علينا الخيل والركاب : إذا صبوها ، وقوس حفوز : شديدة الحفز والدفع للسهم ، وحَفْزَهُ بالرُّمْح أي سارع بطَعَنَه بالرمح حين خافَ أن يفُوتَه ، والمحافز : متهيئ للخصومة ، متيقظ متنبه متوجه لما يرى .

والله سبحانه وتعالى : عالم يرى كل شيء ، وأهل الكوفة يستحقون كل عذاب ، ولكن سبحانه جعل لكل شيء قدرا وأجلا ، فلا يستعجله ولا يجعله ولا يثيره  شدة الذنب أن يبادرهم بالعقوبة ، فلذا قالت العقيلة  لا يحفزه :

البدار : بدر : أسرع ، واستعجل ، و تَبادَرَ القومُ : أَسرعوا ، و بَدَرَني الأَمرُ و بَدَرَ إِليَّ : عَجِلَ إِليَّ و استبق ، البادرة : ما يبدر من حدة الرجل عند الغضب‏ ، و البادِرَةُ : الحِدَّةُ ، و هو ما يَبْدُرُ من حِدَّةِ الرجل عند غضبه من قول أَو فعل .

يا طيب : كلام العقيلة عليه السلام تعليم دين ، وشرح هدى رب العالمين ، وبيان لعقائد الإسلام وما يجب أن يؤمن به الإنسان المؤمن ، وكلام إنسانة متيقنة لما تقول ، ومتوجه لحقائق علوم ما تنطق به ، فهي تربيت أمير المؤمنين وعاصرت سيد المرسلين وسيدة نساء العالمين ، وعنها في صغرها تروى خطبة فدك وغيرها ، ولكنها الآن هي تعرفنا حقائق نفيسة ومعارف كريمة ، تؤكدها في كل مرة لتبين عظمتها وأهمية معرفتها بجمل مترادفة قريبة المعنى ، تريد بها أن تعرفهم حقيقة عظيمة ومسألة جليلة ، يجب على كل إنسان أن يتوجه لها ، وهي أنه الله عالم لكنه حليم ، وحكيم جعل لكل شيئا أجلا ، ولهم أيام معدودة مقدرة وفق سنن محكمة ، فلا يغرنكم من الله طول حلول النعم وإبطاء موارد النقم ، فانه لو خشي الفوت عاجل بالعقوبة قبل الموت ، ولذا قالت العقيلة عليها السلام:

 

 

 

و لا يخاف عليه فوت الثار :

الواو : عاطفة على ما  سبق وتأكيد بما يأتي .

و لا : نافية ، مستنكره بما لا يمكن أن يكون .

 والخوف : هو الذعر و الفزع ، والخوف على المتوقع ، و الحزن على الواقع ، الخوف من الشيء : الحذر منه ، فالخوف : والجزع والفزع والرعب نظائر ، كلها من الضرر وموجبة للوجل وللاضطراب ، ويتحصل منها الحزن والهم والغم وهي نظائر و نقيضها السرور ، ونقيض الخوف : الأمن ، تقول : خافه يخافه خوفا وأخافه إخافة و تخوف تخوفا وخوفه تخويفا ، وطريق مخوف ، وطريق مخيف : تخيف الناس ، والتخوف: التنقص ، والخوف : يتعاظم في الشدة بحسب أسبابه .

ونفي الخوف عنه سبحانه معلوم : لأنه بكل شيء محيط ، ولا مهرب منه ولا يفوتوه أمر ، فهو يستدرج ويمهل ، ولكنه يأخذ حين يأخذ أخذه شديد وعقاب لا يبيد ، ولذا قالت عليه السلام بعد ولا يخاف عليه :

 

الفوت :

الفوت:  فاتَني كذا أَي سَبَقَني‏، وفاتَني الأَمرُ فَوْتاً و فَواتاً: ذهَب عني. الفوت ، و هو أن يفوت الشيء فيقع في الخلل، ومنه الدعاء إنما يعجل من يخاف الفوت‏، فالفوت: خروج وقت الشيء: كفوت الصلاة، وفوت وقت التوبة، وفوت عمل اليوم بانقضائه .

 

الثار :

الثأر : الطلب بالدم ، ثأر فلان لقتيله ، أي قتل قاتله ، و الاسم : الثؤرة ، و أثأر فلان من فلان ، أي أدرك ثأره منه ، و الجمع أَثْآرٌ وآثارٌ ،  قيل : الثَّأْرُ قاتلُ حَمِيمكَ ، و الثَّائِرُ: الذي لا يبقى على شي‏ء حتى يُدْرِك ثَأَرَهُ ، و يا ثاراتِ فلان أَي يا قتلة فلان .

و الثأر و الثؤرة : الذحل ، يقال ثأرت القتيل ثأرا و ثؤرة أي قتلت قاتله .

و في مجمع البحرين : في مخاطبة الإمام حين الزيارة أشهد : أنك ثار الله و ابن ثاره ، و لعله مصحف من : يا ثار الله و ابن ثائره ، و الله أعلم.

ويا طيب : هذه زيارة للإمام الحسين عليه السلام فيها حقائق ذكرتها العقيلة في حق الإمام الحسين وكرامته على الله ، وبكاء كل شيء عليه وأنه ثار الله ، قال الإمام الصادق عليه السلام  ، فاستقبل : وجهك بوجهه ، و تجعل القبلة بين كتفيك ، ثم قل :

السلام عليك : يا حجة الله و ابن حجته .

السلام عليك : يا قتيل الله ، و ابن قتيله .

السلام عليك : يا ثار الله ، و ابن ثاره .

السلام عليك : يا وتر الله الموتور ، في السماوات و الأرض .

أشهد أن : دمك سكن في الخلد ، و اقشعرت له أظلة العرش .

و بكى له : جميع الخلائق ، و بكت له السماوات السبع و الأرضون السبع ، و ما فيهن و ما بينهن ، ومن يتقلب في الجنة والنار من خلق ربنا ، وما يرى و ما لا يرى .

 أشهد أنك : حجة الله و ابن حجته ، و أشهد أنك قتيل الله و ابن قتيله ، و أشهد أنك ثائر الله و ابن ثائره ، و أشهد أنك وتر الله الموتور في السماوات و الأرض .

و أشهد أنك : قد بلغت و نصحت ، و وفيت و أوفيت ، و جاهدت في سبيل الله ، و مضيت للذي كنت عليه شهيدا و مستشهدا ، و شاهدا و مشهودا .

أنا عبد الله : و مولاك ، و في طاعتك ، و الوافد إليك ، ألتمس كمال المنزلة عند الله ، و ثبات القدم في الهجرة إليك ، و السبيل الذي لا يختلج دونك . ..[15].

يا طيب : الزيارة تشرح نفسها بنفسها ، فإن الإمام الحسين خرج ليبلغ دين الله وجاهد في سبيل الله ، وأنه مضى شهيدا من أجل دين الله تعالى ، وقد قال الله تعالى :

{ وَمَن يَخْرُجْ مِن  بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللّهِ وَرَسُولِهِ

ثُمَّ  يُدْرِكْهُ  الْمَوْتُ فَقَدْ  وَقَعَ  أَجْرُهُ  عَلى  اللّهِ

 وَكَانَ اللّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا (100) } النساء .

فالإمام الحسين عليه السلام : يكون ثار الله وأبن ثاره ، وقتيل الله وابن قتيله ، لأن أبيه عليه السلام كان قد قتل شهيدا في محراب العبادة وهو ساجد يقيم عبودية الله .

فالحسين وأبيه علي بن أب طالب ، ثأر الله ، وثأر يأخذه الله ، سواء :

في الدنيا : الله سبحانه أخذ ثأر الحسين وآله منهم ، فعذبهم بما شاء ، وجعل بأسهم بينهم ، كما حدث في زمن ثورات التوابين والمختار والحجاج وابن الزبير ، وغيرهم ، وسيأتي بحوث مستقلة تعرف ثورات الأخذ بالثأر ، وكلها حدث بعد ثلاثة سنوات من شهادة الإمام الحسين عليه السلام .

أو حين ظهور الحجة : الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه .

أو في البرزخ وحين الموت : وهم في أشد العذاب كما عرفت .

أو يوم القيامة : فيحاسبون حسابا شديدا لقتلهم سيد أهل الجنة ، وسبط خاتم المرسلين ، وولي أمره في عباده في زمانه ، ومن ثم يدخلهم نار جنهم خالدين فيها .

والثار : كما عرفت إنه هو الطلب بدم القتيل ، ويا لثارات الله ، أي يا لثارات من أستشهد في سبيل الله ، وهو نصر لمبادئهم وعقائدهم التي هي طلب تطبيق هدى الله ، ، وهي إضافة تشريفية ، كما تقول بيت الله ، ورح الله ، ووجه الله ، ويد الله ، وتقصد أنهم مقدسون منتسبون بوجودهم إلى رضا الله وطاعته ، حتى كانت طاعتهم وحفظ حرمتهم هي طاعة الله وحفظ حرمة الله سبحانه وتعالى .

والله سبحانه : لا يخاف فوت الثأر ، لا يحفزه البدار ، مهما كانت الأحول في غير صالح أولياءه ، وبأي شكل صارت الأمور حتى لو كانت في قتل أولياءه بل حتى لو كانوا أنبياءه وأوصياءه ، ولكنه سبحانه عرفنا أنه آخذ بثأرهم ، وقد جعل لكل أمة أجلا مهما عصوا ، ولكل قوم أمد مهما عتوا وطغوا وتمردوا على طاعته ، وهذا ما تحققه وتعرف قصص القرآن المجيد في تأريخ الأنبياء وأحوالهم مع أممهم ، كم من فرعون ونمرود وأمثالهم مهله حتى حين، ثم أخذه أخذ عزيز مقتدر، وحينها ولات حين مناص، فقال سبحانه:

{ وَلَوْ تَرَى إِذْ فَزِعُوا

فَلَا فَوْتَ

وَأُخِذُوا مِن مَّكَانٍ قَرِيبٍ (51) 

 وَقَالُوا آمَنَّا بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّنَاوُشُ مِن مَكَانٍ بَعِيدٍ (52)

وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِن قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِن  مَّكَانٍ بَعِيدٍ (53) وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِم مِّن قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُّرِيبٍ  (54) } سبأ .

وهذه الآية الكريمة : تنطبق على أحوال الدنيا وعند ظهور الحجة ويوم القيامة .

 و في الحديث إذا خرج القائم عليه السلام : يطلب بدم الحسين عليه السلام ، و هو يقول : نحن أهل الدم طلاب الثرة ، أي الثار .

و مثله حديث وصف الأئمة : بكم يدرك الله ثرة كل مؤمن[16] .

 

وعن عبد الأعلى قال أبو جعفر الباقر عليه السلام في ذكر ظهور الحجة بن الحسن الإمام المهدي عليه السلام :و قال في موضع آخر :

{ وَلَئِنْ أَخَّرْنَا عَنْهُمُ الْعَذَابَ إِلَى أُمَّةٍ مَّعْدُودَةٍ (8) }  هود ، و هم و الله أصحاب القائم عليه السلام ،  يجتمعون و الله إليه في ساعة واحدة .

 فإذا جاء : إلى البيداء.

 يخرج إليه : جيش السفياني ، فيأمر الله الأرض فتأخذ أقدامهم .

و هو قوله تعالى : { وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا فَلا فَوْتَ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ } ، { وَ قالُوا آمَنَّا بِهِ } يعني بالقائم من آل محمد عليه السلام .[17].

و في رواية أبي الجارود عن أبي جعفر عليه السلام :

في قوله تعالى : { وَ لَوْ تَرى‏ إِذْ فَزِعُوا  فَلا فَوْتَ } .

قال عليه السلام : من الصوت ، و ذلك الصوت من السماء .

{ وَ أُخِذُوا مِنْ مَكانٍ قَرِيبٍ } .

قال عليه السلام : من تحت أقدامهم ، خسف بهم [18].

قال السيد في الميزان :  فقوله تعالى :

 { و لو ترى إذ فزعوا } أي حين فزع هؤلاء المشركون عند الموت .

{ فلا فوت } أي لا يفوتون الله بهرب أو تحصن أو أي حائل آخر.

و قوله : { و أخذوا من مكان قريب } ، كناية عن عدم فصل بينهم و بين من يأخذهم ، و قد عبر بقوله : { أخذوا } مبنيا للمفعول ليستند الأخذ إليه سبحانه ، و قد وصف نفسه بأنه قريب .

و كشف عن معنى قربه بقوله : { و نحن أقرب إليه منكم و لكن لا تبصرون (85) } الواقعة ، و أزيد منه في قوله : { من حبل الوريد (16)} ق ، و أزيد منه في قوله : {إن الله يحول بين المرء و قلبه (24) } الأنفال ، فبين أنه أقرب إلى الإنسان من نفسه .

و هذا الموقف : هو المرصاد ، الذي ذكره في قوله :

 { إن ربك لبالمرصاد (14)} الفجر .

فكيف يتصور فوت الإنسان منه : و هو أقرب إليه من نفسه ؟ أو من ملائكته المكرمين الذين يأخذون الأمر منه تعالى ، من غير حاجب يحجبهم عنه ، أو واسط يتوسط بينه و بينهم[19].

ويا طيب : بعد الذي عرفت من البيان ، تعرف معنى قول العقيلة عليه السلام ، بعد كلامها بأن الله وإن لم يأخذهم فعلا ، فهو سبحانه لا يخاف فوت الثأر ، وما ذكرت العقيلة بعده عليه السلام من قوله :

 

كلا : إن ربك لنا ولهم لبالمرصاد :

كلَّا : تنفي شيئاً و توجب شيئاً غيره ، أو بمعنى حقا ، و لا : تَنْفِي فقط .

والعقيلة عليها السلام : حين تنفي خوف الفوت والأخذ بالثأر لأوليائه ، توجب لهم بأن الله سبحانه مترصد لهم مراقب لأحوالهم ، ينتظرهم ليجازيهم بما كسبوا من أسوء أثم في الوجود وشر فعل في التكوين ، فتحقق لهم ما يترقبهم من الجزاء والمكافئة من الله سبحانه ، فتقول لنا بما صبرنا فنعم عقب الدار ولن تشذ عن رسول الله لحمته كما عرفت من كلام الإمام الحسين عليه السلام ، ولكم يا أهل الكوفة النار وأشد العذاب .

ورصد : المرصد : موضع الرصد ، و الرصد : هم القوم الذين يرصدون كالحرس‏ ، و الراصِدُ بالشيء : المراقب له ، و التَّرَصُّدُ : الترقب ، وتَرَصَّدَه ترقبه ، و أَرصَدَ له الأَمر : أَعدّه ،   الإِرصاد : الإِعداد ، و الإِرصاد : الانتظار ، و أَرْصَدْتُ له العقوبة إِذا أَعددتها له ، والمرصاد : التَّرَصُّدُ : الترقب . والمرصاد : المكان الذي يُرْصَدُ فيه العدوّ . و الإِرصاد في المكافأَة : الخير بالخير ، أو في الشر بالشر .

و قوله تعالى : { إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14)} الفجر ، أي على طريق العباد، فلا يفوته شي‏ء من أعمالهم لأنه يسمع و يرى جميع أحوالهم و أفعالهم.

 وإرصاد الله : هو بإنصاف المظلوم من الظالم ، ومعناه لا يجوزه ظلم ظالم حتى ينصف المظلوم منه ، فهو راصد إذا راعى ما يكون منه ليقابله بما يقتضي .

ويا طيب : مر معنى المرصد ، بتحقيق كريم من السيد الطباطبائي رحمه الله بأحسن بيان قبل صفحة ، ولكن هنا نقرر ونحقق:

 ونصدق كلام العقيلة عليه السلام : بالأحاديث ، بالإضافة لما عرفت :

قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

إن الله تعالى : يمهل الظالم ، حتى يقول : أهملني ، ثم إذا أخذه أخذه أخذة رابية .

 إن الله : حمد نفسه عند هلاك الظالمين ، فقال :

{ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين (45) } الأنعام[20]‏.

 وعن الإمام عليه السلام : ولئن أمهل اللّه الظالم ، فلن يفوت أخذه .

 وهو له بالمرصاد : على مجاز طريقه ، وبموضع الشجى من مساغ ريقه [21].

فيعبر الإمام عليه السلام : عن ترقب الله لأعدائه ، ويأخذهم أخذ عزيز مقتدر ، وهم في نشوة السياحة واللهو والأكل والشرب  و الشجى ما ينبت في الحلق من عظم و نحوه فيغص به‏ ، ويكون أكثر إزعاج حين يكون الأكل مستساغ ورائق ، يسيل له لعاب الفم ويستمرئه الإنسان الملتهي ، فينغص عليه عيشه ويركسه في عذاب شديد ، وهذا هو حال يزيد وابن زياد ومن نصرهم ، لم يتم لهم ملكهم وبعدة فترة قليلة كانوا في أشد العذاب ولهم بئس المصير .

وقال الصدوق : فلو أن قائلا قال :

 لم يمهل الله : أعداءه ، و لا يبيدهم و هم يكفرون به و يشركون ؟

لكان جوابنا له : أن الله تعالى ذكره لا يخاف الفوت ، فيعاجلهم بالعقوبة [22].

وقال السيد الطباطبائي في بيان قوله تعالى : { إن ربك لبالمرصاد } .

 المرصاد : المكان الذي يرصد منه و يرقب ، و كونه تعالى على المرصاد ، استعارة تمثيلية : شبه فيها حفظه تعالى لأعمال عباده ، بمن يقعد على المرصاد يرقب من يراد رقوبه ، فيأخذه حين يمر به ، و هو لا يشعر ، فالله سبحانه : رقيب ، يرقب أعمال عباده ، حتى إذا طغوا و أكثروا الفساد ، أخذهم بأشد العذاب[23] .

وقد عرفت: تفسير كريم له لمعنى المرصاد ، والعقيلة تؤكد كلامها بذكر آيتين كريمتين تعرف رصد الله للعباد ، وقيام يوم لا يقوم له شيء إلا من عصم الله وتبع آل محمد :

فتابع الأشعة الآتية من نور بيان العقيلة لمن يظلم آل محمد وشيعتهم عليهم السلام ...

 

 

 



[35] الإرشاد ج1ص232 . دعائم ‏الإسلام ج1ص97 . بحار الأنوار ج2ص100ح59 .

[36] تفسير الإمام ‏العسكري ص34ح12 . بحار الأنوار ج23ص267ح12 .

[37] بحار الأنوار ج39ص265ب87 ح40 .كشف ‏الغمة ج1ص295.اليقين ص371ح131.

[38] المناقب ج4ص50. بحار الأنوار ج43ص254ب11 .

[39] الكافي ج2ص78ح13 . بحار الأنوار ج67ص302ب57ح12 .

[40] تفسير القمي ج1ص117 ، بحار الأنوار ج20ص55ب12 .

[41] كفاية الأثر ص226 .

[42] الأمالي ‏للصدوق ص466م71ح7 . الجعفريات ص183  .كشف‏ اليقين ص293م14 .بحار الأنوار ج27ص205ب8ح9 .

[43] ثواب ‏الأعمال ص259 .الأمالي ‏للصدوق ص154م30 .رجال ‏الكشي ص113ح181 . 

[44] الخصال ج1ص120ح 109 . من ‏لا يحضره‏ الفقيه ج3ص559ح4921 .

[45] الأمالي‏ للطوسي ص164م6ح272-24 .العمدة ص52ف9ح49 . جامع ‏الأخبار ص160ف125 . بناء المقالة الفاطمية ص392 

[46] الخصال ج2ص624ح10 .تحف ‏العقول ص113 . بحار الأنوار ج10ص104ب7 .

[47]أمالي ‏الصدوق ص604م88ح5. الكافي ج1ص440ح4.بحار الأنوار ج23ص127ب7 57.

[48] الأمالي ‏للطوسي ص154م6ح256-8 .

[49] كشف ‏الغمة ج1ص360 . بحار الأنوار ج43ص130ب5ح32 .

[50] المناقب ج2ص387 . بحار الأنوار ج43ص284ب12 .

[51] الكافي ج2ص151ح7 . ومثله تفسير العياشي ج2ص208 .

[52] الكافي ج2ص156ح26 .

[53] عيون ‏أخبار الإمام الرضا ج2ص68ب31ح315 .بحار الأنوار ج27ص205ب8 ح12 .

[54] الأمالي ‏للطوسي ص703م40ح 1504-7 . كشف‏ الغمة ص1ج416 .

[55] الأمالي ‏للصدوق ص134م28ح2 .المناقب ج2ص209.بحار الأنوار ج27ص210ب9ح8 .

 

 

 

 

[1] غرر الحكم ج1ص53 ح1898 ، 1900 ، و1897 .

[2] الكافي ج4ص159ح10 . تهذيب‏ الأحكام ج3ص59ب4ح5 . بحار الأنوار ج28ص77 ب2ح36 .

[3] الطرائف ج1ص118ح183 . بحار الأنوار ج23ص111ب7ح19 .

[4] كتاب‏ سليم‏ بن‏ قيس ص686ح14 . بحار الأنوار ج30ص311ب20 .

[5] عيون‏ أخبار الرضا عليه السلام ج2ص62ب31ح252. بحار الأنوار ج26ص272ب6ح14.

[6] كمال ‏الدين ج1ص259ب24ح5 .بحار الأنوار ج36ص253ب41ح69 .إعلام‏ الورى  ص399ف2 .الصراط المستقيم ج2ص123ف4 .

[7] كامل ‏الزيارات ص88ب28ح2 .

[8] تفسير القمي ج2ص291 .بحار الأنوار ج14ص167ب15ح6 .

[9] تفسير مجمع البيان الطبرسي ج9ص97 .

[10] الأمالي‏للصدوق ص129م37 .

[11] كامل ‏الزيارات ص92 ب28ح20 .

[12] أنساب الأشراف ج1ص424 .

[13] المناقب ج4ص54 .

[14] تفسير الميزان - العلامة الطباطبائي ج8ص104.

[15]الكافي ج4ص575ح2. من‏ لا يحضره ‏الفقيه ج2ص594ح3199. كامل‏ الزيارات ص197.

[16]  مجمع‏ البحرين ج3ص234 ، بحار الأنوار ج51ص47ب5ح7 , تفسير القمي ج2ص84 .

[17] تفسير العياشي ج2ص56س8ح49.

[18] تفسير القمي ج2ص205. بحار الأنوار ج52ص185ب25ح1 .

[19] تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ج16ص207 .

[20] أعلام ‏الدين ص315 .بحار الأنوار  ج72ص322ب79ح51 .

[21] نهج البلاغة، الخطبة 97.

[22] كمال ‏الدين ج1ص87 .

[23] تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ج20ص158 .

 

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com