بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين
 والصلاة والسلام على نبينا الأكرم محمد وآله الطيبين الطاهرين

الجزء الثامن

نور الإمام الحسين عليه السلام

صحيفة

 نور سيد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام

الجزء الثامن

سفينة نجاة

 شرح خطبة الشقيقة عقيلة بن هاشم زينب بنت علي بن أبي طالب عليه السلام    

 

الإشعاع السادس عشر :

العقيلة توعد أهل الكوفة وظالميهم أول النحل وآخر صاد :

فتقول العقيلة عليها السلام :

فترقبوا : أول النحل ، وآخر صاد .

فأول النحل قوله تعالى : { أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ

سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) } النحل .

 وآخر صاد : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ  (88) } ص.

فتذكر العقيلة عليها السلام : فترقبوا : أي ارتقبوا وانتظروا وتوقعوا يا أهل الكوفة حلول معنى وحقيقة ، آيتين كريمتين و تحقق بهما ما ذكرت من البيان السابق وتصدقه ، بأن الله سيأخذ الظالمين لآل محمد وعترته وكل ظالم ، في وقت قدره وقضاه ، وأجل حدده ورعاه ، وعذاب أعده لهم وسماه ، فيجازيهم بآثامهم وجرمهم وطغيانهم وجورهم ، فلا يستعجلوه لأنه آتي بعد حين ، ولا يطلبون استقدامه لأنه محقق آتي لهم بهوان وخزي وعذاب شديد ، حتى ينزل بساحتهم بعد مدة مهما طالت في الدنيا فهي قصيرة صغيرة ،  فيعلمونه علم اليقين ، ولا ينفع نفس معذرتها لم تكن أمنت من قبل ، بل ظلمت وجارت على أشرف وأكرم خلق الله ، وسارت على ضلال أولياء الشيطان .

ويا طيب : نذكر تفسير الآيتين وشرحهما ، لنتيقن كلام العقيلة بأنها كما قال حذلم بأنها تفرغ عن أمير المؤمنين بل تنطق بهدى القرآن وتشرح معارف رب العالمين ، وما يجب الاعتقاد به من كل السامعين وما يحل بالزمان من آتين ، ليعرفوا الحق والكلام الحسن وأهله فيتبعوه ، وغيرهم فيجتنبوهم إن استحبوا الهدى والإيمان واقعا وصدقا .

فأما قوله تعالى :

{ أَتَى أَمْرُ اللّهِ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (1) } النحل .

يا طيب : إن عند الله سبحانه وتعالى ولديه الماضي والحال والمستقبل كله عنده حاضر ، وهو عالم بكل شيء قبل كونه وبعده وحينه ، والوجود والكون والزمان والدهر والمكان ومحل الموجودات ، متساوي الحضور عند الله لخبرته بكل شيء .

ولكنه سبحانه : يقدم ما يشاء ويؤخر ما يشاء بما تقتضيه حكمته وخبرته بصلاح الوجود وما به خيره ، وليقيم أمره وقضائه وقدره بما فيه الصلاح لكل شيء خلقه ، وليتحقق الإتقان بما كون بما لا يمكن أن يكون أحسن منه ، ويوجد بأفضل ما يمكن أن يكون ، فيتحقق وجود كل شيء بما يستحقه ، وفي زمانه ومكانه المناسب ، ويكون محله بما فيه شأنه وما يستحقه من المرتبة والدرجة في الوجود ، ولا شيء خارج عن سلطان الله وقدرته ، ولا عن علمه وحكمته ، والكل محتاج إلى نور وجوده وما يعمل به من فيض إشراق أسمائه الحسنى ، ووفق شأنه واستعداده ، وأختصر المعنى حديث :

عن الإمام أبي عبد الله الصادق قال عليه السلام :

إذا أخبر الله النبي بشي‏ء إلى وقت ، فهو قوله :

{ أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } ، حتى أتى ذلك الوقت .

و قال عليه السلام : إن الله إذا أخبر ، أن شيئا كائن . فكأنه قد كان[24] .

فيا طيب : قول الله سبحانه : { أتي أمر الله فلا تستعجلوه } ، أو كما في مثل أمر القيامة في قوله تعالى: { أَزِفَتِ الآزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58)} النجم ، أو قوله سبحانه : { اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)} القمر ، أو قوله عز وجل : { اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ (1)} الأنبياء .

هو من باب : أن حصوله بالنسبة له تعالى محقق ومقضي ، وكل شيء يكون بما يريد وحسب ما قدر له ، وإن كل ما هو آت قريب ، فعبر بلفظ الماضي ليكون أبلغ في الموعظة ، وأشد في النصيحة ، وتأكيد حتمي في الوقوع ، وتحقق يقيني عند المؤمنين ، و إن شك فيه الكافر والمشرك والمنافق ، ولم يصدقه من هم في ركب الطغاة والظالمين .

 ويا طيب : إما شرح مختصر للآية الكريمة فهو :

{ أتى }  بمعنى قرب ودنا مجيء أمر الله تعالى .

{ أمر الله } : هو كل ما اقتضته من سنته وحكمته سبحانه فهو محقق ، مثل إثابة المؤمنين ونصرهم ، وتحصيل ما به صلاحهم وخيرهم ، وما فيه يعود بالبركة والرحمة عليهم  ، و إكرام المؤمنين وتشريفهم بعبوديته ورضاه وجنته .

أو من تعذيب الكافرين والمنافقين والمشركين : ودحرهم وإنزال نقمته عليهم ، وإن أمهلهم فهو استدراج لهم ، ولتحقق أشد ما فيه إهانة لهم وما به بالخسران والعقاب.

{ فلا تستعجلوه } : والفاء : للتفريع .

 والاستعجال : طلب تعجيل وحصول الشيء والأمر قبل مجيء وقته الذي يجب أن يكون فيه ، وتحري تحققه قبل أوانه ووقته اللائق به ، حتى قيل : العجلة من الشيطان  ، لأن المنهي عن الاستعجال يقتضى أن الأمر الذي استعجل حصوله يجب أن لا يحدث بعد ولا يصح تقديمه ، لأنه فاقد للمصلحة .

والفرق بين السرعة والعجلة :

 العجلة : التقدم بالشيء قبل وقته ،  التقدم فيما لا ينبغي أن يتقدم فيه ، وهي مذمومة ،  ويشهد له قوله تعالى : {  أتى أمر الله فلا تستعجلوه  } ،  ونقيض العجلة محمود وهو الاناة والتأني ، بإتيان الأمر في وقته ووفق ما به المصلحة ، وقد تأتي العجلة بمعنى السرعة إن كانت حسب ما يقتضيه الشيء من أمر السرعة فيكون مسامحة في الكلام أو مجاز للمناسبة .

والسرعة : تقديم الشيء في أقرب أوقاته ، والتقدم فيما ينبغي أن يتقدم فيه ، وهي محمودة ، ويشهد له قوله تعالى : { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض } ، ونقيض السرعة مذموم وهو الإبطاء ، وهو تأخير الشيء عن وقته .

وبين السرعة والعجلة : تضاد لا تناقض ، فيأتي نقيض أحدهما [25].

وقوله تعالى في تمام الآية : { سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ } .

جملة مستأنفة : قصد بها إبطال إشراكهم ، وزيادة توبيخهم وتهديدهم ، أي : تنزه الله تعالى وتعاظم بذاته وصفاته ، عن إشراك المشركين ، المؤدى بهم إلى الأقوال الفاسدة ، والأفعال السيئة ، والعاقبة الوخيمة ، والعذاب المهين .

 وفيها التفات : من الخطاب فى قوله { فلا تستعجلوه } إلى الغيبة في قوله :

 { سبحانه} تنزيها لعظمته ، وتحقيرا لشأن المشركين ، وحطا من درجتهم عن رتبة الخطاب ، وحكاية لشنائعهم التي يتبرأ منها العقلاء . وهي كلمة : تنزيه لله تعالى عما لا يليق به و بصفاته ، و تنزيه له من أن يكون له شريك في عبادته ، أي جل و تقدس و تنزه من أن يكون له شريك تعالى ، و تعظم و ارتفع من جميع صفات النقص .

ويا طيب : إن أمر الله سبحانه وتعالى محقق في حينه، واستشهاد العقيلة بالآيات ، يكون تحقيق لما عرفت من كلامها وأنه تعالى لا يخاف الفوت ، وأنه يأخذ أهل الكوفة في وقت يحدده ، وأنه أخذهم : بأن جعل بأسهم بينهم ، والآن في البرزخ ، وعند ظهور الحجة يرجعون فيقتص منهم ، وفي يوم القيامة ، فهم لهم عذاب في عذاب وهوان بعد هوان ، وخزي بعد خزي ، وأمر الله آتى لهم وآتي بما كسبوا وكانوا يأثمون .

وهذه الآية والآتية : تفسر بظهور الحجة كالآيات السابقة التي ذكرتها العقيلة عليه السلام وكأنها اختارت آيات ، عميقة المعنى متعدد حلول المواطن في عذاب الكافرين وإكرام المؤمنين ، وقد جاء عن أبي عبد الله عليه السلام في قول الله عز و جل : { أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ } ، قال عليه السلام : هو أمرنا يعني قيام قائمنا آل محمد عليه السلام ، أمرنا الله : أن لا نستعجل به ، فيؤيده إذا أتى ثلاثة جنود : الملائكة ، و المؤمنون ، و الرعب ... و معنى قوله : { أَتى‏ أَمْرُ اللَّهِ } يعني : أن أمره آت ، و كل آت قريب ، فكأنه قد أتى ، و جاز الإخبار عن الآتي بالماضي ، لصدق المخبر به ، فكأنه قد مضى .. [26]. وهو أتي بعد حين كما ذكرت العقيلة عليه السلام بقولها :

 

 

 

ثم قالت العقيلة عليه السلام :

وآخر صاد : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ  (88) } ص.

يا طيب : آيات أخر صاد ، تعرفنا حقائق عن معارف أمر الله سبحانه وحصول ما يحب في حينه المقدر والمقرر له ، وأنه يجب أن لا يستعجل أمره سبحانه ، لأنه أعلم بالمصلحة لجميع العباد ، سواء ابتلاء المؤمنين ، أو استدراج أو أمهال الظالمين ، لأنه حين حصوله يتحققه ويوقن به الكافرون فضلا عن المؤمنين .

 ولذا في بيان : تمام ثلاث آيات من أخر صاد ، معارف كريمة توضح أمر من أمر التبليغ والولاية لنبينا الأكرم وآله ، وإن النبي الأكرم لم يطالب بأجر على تبليغ الرسالة ، وإن طالب في أجر فقد فسره الله سبحانه في آية المودة ، وأنه يجب أن يتبعوا بود وحب آله الكرم ، فحينها يتحقق للمؤمنين كرف الحسنات وأخذ مضاعفاتها ، والنبي الأكرم لم يجبر أحد على الإيمان به ، ولا أكره مسلم ولا غيره على وجوب الدخول في دينه ، لأن الإيمان مسألة قلبيه ، وما ينفع النطق بالشهادتين مع العزم على عدم الاعتراف بالدين ، إلا حقن الدم والتظاهر بالإسلام دون الإيمان ولا يقبل الله له عمل .

وأهل الكوفة : يتظاهرون بالبكاء والإسلام ، ولكنهم عملا يدا للطغاة ، وواقعهم جيش للظالمين ، وحقيقتهم حزب لأولياء الشيطان ، فوقع بما اكتسبوا شر أثم وأقبح فعل ، وهو قتل سيد شباب أهل الجنة وأسر آله وسبيهم والسير بهم في البلاد بأنهم خوارج عن دين الظالمين والطغاة .

ولذا العقيلة عليها السلام بعد أن قالت : أتى أمر الله فلا تستعجلوه ، قالت عليه السلام : ولتعلمن نبأه بعد حين ، وعرفت إن الآيات التي اختارتها في بيان حلم الله وإمهاله دون إهماله لمجازات العباد ، هي آيات تنطبق على حصولها للناس في عدة مراتب من مراتب الحياة الإنسانية ، منها ما يأتي بعد حين قصير وهو مثل ما جعل بأس أهل الكوفة بينهم ، ومثل البرزخ بعد الموت وهو بعد زمان قصير حتى يصيب الظالمين ، وعند ظهور الحجة الإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه ، ثم يوم القيامة والنار للظالمين .

 ويا طيب : جاءت روايات في هذا المعنى ، تفسر بعد حين من قول الله بما عرفت من المعنى ، فنذكر الآيات التي سبقت ولتعلمن نبأه بعد حين ، ثم نذكر معناها والروايات التي تعرف أمر الله ونبأه بعد حين ، فقد قال الله تعالى في آخر سورة ص :

{ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86)

إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (87)

وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) } ص .

والمعنى :

{ قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ (86) } .

الآية الأولى : خطاب من الله تعالى إلى النبي صلى لله عليه وآله وسلم :

فقال سبحانه : { قُلْ } يا محمد : { مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ } أي ليس أسألكم أجرا على دعائكم إلى الله ، { وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ } : أي ولست ممن يتعسف في طلب الأمر الذي لا يقتضيه العقل ، ولا أريد أطالبكم بأكثر مما أمرني ربي به ، ولا أزيد على ما أرسلت به ، ولا أبتغي زيادة على ما يوحى إلي ولا أنقص عليه .

وإن سألتكم من أجر : كما أدبنا الله سبحانه وعلمنا أجر رسوله في قوله تعالى :

{ ذَلِكَ الَّذِي يُبَشِّرُ اللَّهُ عِبَادَهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ

قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرً

إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى

 وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ شَكُورٌ (الشورى23) } .

فهو أجر نفعه لكم :كما قال سبحانه :

{ قُلْ مَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ فَهُوَ لَكُمْ

 إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (47) } سبأ .

فإن الله سبحانه : جعل أجر رسوله وكل عامل في سبيله عليه ، كما وإنه تعالى عرفنا شأن نبيه الأكرم وإخلاصه له ، ودعائه لهداه وجهاده وعبوديته لله كله طالبا به وجهه الكريم دون توقع أي أجر من أحد مهما كان .

لكنه سبحانه : أوجب لنبينا الأكرم أجرا عظيما عجيبا ، وهو  لمن يحب الإيمان والعمل الصالح ، ويبتغي الحسنات المضاعفة ، وغفران الله وشكره  لسعيه كما في الآية .

فأجر رسوله عليه : ونفعه لنا ، فمن يحب الإيمان والدين صادقا فعليه أن يود نبينا وآله ويتبعهم ويطيعهم وينتفع بهم في معرف عظمة الله وهداه والإخلاص له بهداهم ،  فنفي أجري عليك بل على الله وإن سألتكم أجرا فهو نفعه لكم ، لأنه يهديكم الصراط المستقيم وتكونوا من أهل النعيم ، ولذا حين سأل الأجر ، وهو أجر مناسب لشأن الرسالة وتعليم الدين وتعريف الهدى ، وأختصر الله ربنا سبحانه ليهدينا لكل نعيم وبالخصوص رضاه فجعل أجر نبيه بأنه هو محبة آله الكرام وعترته الطيبة :

ولكن أهل الكوفة : بدل ودهم وحبهم ونصره والأقتداء بهم والتوصل بهداه لعبودية الله وحبه ، فعلوا فعلتهم القبيحة بآل محمد ، فقتلوهم وقطعوا رؤوسهم ثم سحقوهم بالخيول ثم سبوا آل محمد صلى الله عليه وسلم ، وهم شرف القرآن ، لأنه تعالى قال :

{ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (43) } النحل .

 ولا يمكن : أن نسأل أهل الكتاب لأنهم يدعوننا لدينهم ، وقد سمى الله القرآن ذكرا في الآية بعدها في نفس السورة ، بقوله سبحانه : { بِالْبَيِّنَاتِ  وَالزُّبُرِ

وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (44) }النحل .

 ولذا جاء في آخر آيات سورة صاد :  قبل : { ولتعلمن نبأه بعد حين } .

 قوله تعالى :{ إِنْ هُوَ إِلا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ } ، أي ليس هذا القرآن إلا شرف للعالمين ، وذكر ينفع المؤمنين الذين يقتدون بأهل الذكر ويحبونهم ويتبعوهم لا أن يقتلوهم ، ولكن إن قتلوهم وعادوهم فلهم عذاب الله ولذا قال تعالى :

{ وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ (88) } ص :

أي ولتعلمن : خبر القرآن بعد حين بأنه حق ، وإن نبي الرحمة صادق ، وذلك حين ينتشر دينه ويظهره على الدين كله كافة ، كما قال سبحانه وتعالى :

{ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ

لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا (28) } الفتح .

وإلى الآن يا طيب : لم ينتشر الدين بحيث يظهر على كل دين سعة حتى يكون أكثر من أي دين ، بل يجب أن يغلب كل شرك وكفر ، وإن ظهر على كل دينه حجة وبيانا ، ويقر له كل المنصفين فضلا عن المسلمين .

نعم يظهر على الدين كله : وتعلوا وتعلم حقيقته ، حين ظهور الإمام المهدي الحجة بن الحسن عليه السلام ، ويوم القيامة يقر له كل العباد بما في ذلك الكفار والمنافقين والمشركين ، فيكون عندهم على نحو الحقيقة ، ويكون ما أخبر به القرآن من الوعد و الوعيد و ظهوره على الأديان و غير ذلك ، بعد حين ، أي بعد مرور زمان يكون الدين الإلهي حقيقة وعظمة الله ظاهرة للكل وعند الجميع عين اليقين .

ويا موالي : لمعرف حقيقة ما ذكرنا ، وبخصوص قوله تعالى :

{ ولتعلمن بنأه بعد حين } وهي آية أخر سورة ص ، وإن الله كل ما واعد الله به المؤمنين من خير فهو آتي لهم ، وإن كل ما أوعده الظالمين ينالهم ولو بعد حين .

وبتفاصيل أحاديث : جاءت عن آل محمد عليهم السلام ، نتدبر الروايات الآتية ، لنتعرف على أن العقيلة عليه السلام : بيانها هو عين الدين وحق حقيقته  وشرح لهداه ، وتنطق عن أبيها وأخيها ، فهم صلوات الله عليهم من ذرية الأنبياء بعضها من بعض :

عن سليمان بن خالد : عن أبي عبد الله عليه السلام قال: أربعة لا ترد لهم دعوة:

الإمام : العادل لرعيته ، و الأخ لأخيه بظهر الغيب يوكل الله به ملكا يقول له و لك مثل ما دعوت لأخيك ، و الوالد لولده .

 و المظلوم :  يقول الرب ، عز و جل :

و عزتي و جلالي : لانتقمن لك و لو بعد حين [27].

وهذا عين كلام العقيلة عليه السلام : باستشهادها بأخر صاد عليه السلام ، فأي مظلوم في الوجود أكثر منهم غصة وحزن وآلام ومصائب ، فإن أهل الكوفة وولاتهم وطغاتهم كانوا بحق شر الناس وأخبثهم ، فإنهم أوقعوا من الظلم على آل محمد عليهم السلام وعترته ما تنهد منه الجبال وتشيب به الشبان بل من أقل منهم عمرا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولكن الله أوعد أن يظهر دينه وينتقم من كل ظالم في الدنيا والآخرة ، ولذا جاء عَنْ الإمام أَبِي جَعْفَرٍ الباقر عليه السلام فِي قَوْلِهِ عَزَّ وَ جَلَّ :

 { قُلْ ما أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ

وَ ما أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ } .

قَالَ هُوَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عليه السلام : { وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ }ص .

 قَالَ عليه السلام : عِنْدَ خُرُوجِ الْقَائِمِ عليه السلام[28] .

فالله سبحانه : ينتقم من الظالمين ويجعلهم في عذابه دائما ، ينغص عليهم حياتهم في الدنيا في حين ظلمهم وبعد حين لهم أشد العذاب وأنواعه ، فلعنة الله على القوم الظالمين في أي زمان وحين ، وبالخصوص من ظلم آل محمد صلى الله عليهم وسلم :

 وبالإسناد عن محمد بن سيرين وغيره قال :

 سمعت غير واحد من مشيخة أهل البصرة يقولون : لما فرغ علي بن أبي طالب عليه السلام : من الجمل ، عرض له مرض ، و حضرت الجمعة ، فتأخر عنها .

 و قال عليه السلام : لابنه الحسن عليه السلام انطلق يا بني فجمع بالناس .

 فأقبل الحسن عليه السلام :  إلى المسجد ، فلما استقل على المنبر :

حمد الله: و أثنى عليه ، و تشهد، و صلى على رسول الله صلى الله عليه و آله.

 و قال عليه السلام : أيها الناس :

إن الله : اختارنا بالنبوة ، و اصطفانا على خلقه .

و أنزل علينا : كتابه ، و وحيه .

و أيم الله : لا ينتقصنا أحد من حقنا شيئا .

 إلا تنقصه الله في عاجل دنياه و آجل آخرته .

 و لا يكون : علينا دولة إلا كانت لنا العاقبة .

 { وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ  } .

 ثم جمع بالناس : و بلغ أباه كلامه ، فلما انصرف إلى أبيه عليه السلام نظر إليه ، و ما ملك عبرته أن سالت على خديه .

 ثم استدناه إليه : فقبل بين عينيه ، و قال : بأبي أنت و أمي .

{ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (34) } آل عمران [29].

نعم والله : بأبي أنتم وأمي يا آل بيت النبوة وموضع الرسالة ، وإنكم يا مواليي سادة أهل الوجود وأصطفاكم الله على علم على العالمين ، ولكم هدى الدين ، وإن من ينتقصكم بل من يهجركم يهجره الله وليس له من نعيمه ورضاه نصيب ، ولكن القوم من النواصب من الأوائل والأواخر أعماهم الله فأتبعوا أئمة الضلال والفجور على علم ، وتركوكم فتركوا الدين وهدى الله بكل يقين ، وإن المصائب التي صبت عليكم ممن يدعي الإسلام لم تصب أحدا من العالمين وقد صدق رسول الله حين قال :

ما أوذي نبيا مثل ما أوذيت ، بل كلم أوذيتم بالله ، وأجركم على الله ، ويبين حق ما أوذيتم

الخطبة الشقشقية لأمير المؤمنين ، وهذه خطبة الشقيقة .

وعلى كل منصف أن يتدبرها ليعرف ما أوذوا به وما ظلموهم به ، والله لهم بالمرصاد بعد حين .

ويا طيب : قال الإمام زين العابدي علي بن الحسين السجاد عليه السلام في حديث يعرفنا ما صب عليهم من الأذى ، ولكنه كظم غيظه قربة لله ويصبر لينال أجر الصابرين صلوات الله عليهم أجمعين .

عن الكابلي قال : قال علي بن الحسين عليه السلام :

 لوددت : أني تركت ، فكلمت الناس ثلاثا ، ثم قضى الله فيّ ، ما أحب.

 و لكن عزمة من الله :  أن نصبر ، ثم تلا هذه الآية :

{ وَ لَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ } .

 ثم تلا أيضا قوله تعالى : { لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ

وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَمِنَ  الَّذِينَ أَشْرَكُواْ

أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (186) } آل عمران [30].

 ولذا يا طيب : ترى أن الإمام عليه السلام بعد ما ذكرت العقيلة من خطبتها ما عرفت ، يا عمة : اسكتي ففي الباقي من الماضي اعتبار .

ويا طيب : في خلاصة المعارف التي مرت بخطبة العقيلة من تعريف أهل الكوفة وظلمهم لآل محمد عليهم السلام ، أنه تعالى ينتقم لهم ولو بعد حين ، ويظهر دينه ويصدقهم بكل ما عرفوا من الثواب والعقاب .

فلا يحق لأحد : مؤمنا كان أو مسلما فضلا عن الكفار ومشرك ومنافق  :

أن يستعجل أمر الله سبحانه : لأن  أمر الله  لآت لا ريب فيه ، ولكن في الوقت الذي يحدده الله تعالى ويشاؤه ووفق ما قدر له وقضاه .

والتعبير بالفعل الماضي : { أتى } للإِشعار بتحقق هذا الإِتيان ، وللتنويه بصدق المخبر به ، حتى لكئن ما هو واقع عن قريب ، قد صار في حكم الواقع فعلا ، وفي إبهام أمر الله ، إشارة إلى تهويله وتعظيمه ، لإِضافته إلى من لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء .

وأيضا : { فلا تستعجلوه } ، زيادة فى الإِنذار والتهديد ، أي : فلا جدوى من استعجالكم ، فإنه نازل بكم سواء استعجلتم أم لم تستعجلوا .

وإن الخطاب هنا للمشركين : لأنهم هم الذين كانوا يستعجلون قيام الساعة ، ويستعجلون نزول العذاب بهم ، وقد حكى القرآن عنهم ذلك في آيات :

منها قوله تعالى : { يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِهَ

وَالَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْهَا وَيَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ

أَلَا إِنَّ الَّذِينَ يُمَارُونَ فِي  السَّاعَةِ لَفِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ (18) } الشورى .

ومنه قوله سبحانه : { { وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ

 وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ (47)

وَكَأَيِّن  مِّن قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ (48) } الحج .

نعم الله : يأخذهم ولو بعد حين فماذا يستعجل المجرمون وما ينكر الضالون ، فالله سبحانه بالمرصاد لهم ولنا ، فإنه كل من يرى لا ضير في ظلم آل محمد عليهم السلام ، لماذا لم يؤخذ أهل الكوفة مع جرمهم الكبير وأثمهم العظيم ، فإن الله تعالى يجيبه ويقول :

{ وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (48)

 قُل لاَّ أَمْلِكُ  لِنَفْسِي ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ

لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ

 إِذَا جَاء أَجَلُهُمْ فَلاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ (49)

 قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُهُ بَيَاتًا أَوْ نَهَارًا

 مَّاذَا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ (50)

 أَثُمَّ إِذَا مَا  وَقَعَ آمَنْتُم بِهِ آلآنَ وَقَدْ كُنتُم بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ (51) ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ ذُوقُواْ عَذَابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ  إِلاَّ بِمَا كُنتُمْ تَكْسِبُونَ (52)

وَيَسْتَنبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنتُمْ بِمُعْجِزِينَ (53) }  يونس .

 ويا طيب : يختصر ما عرفت من البحث وكلام العقيلة عليه السلام  ، وإن لهم أجل وسيعلمون بنأه بعد حين فماذا يستعجلون ، كلام الله سبحانه وتعالى بقوله :

{ أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِمْ مَا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا

إِلَّا  بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى

وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاء رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ (8)

أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنظُرُوا  كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءتْهُمْ  رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (9)

ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاؤُوا  السُّوأَى أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِؤُون (10) اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (11) وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ (12) وَلَمْ يَكُن لَّهُم مِّن شُرَكَائِهِمْ شُفَعَاء وَكَانُوا  بِشُرَكَائِهِمْ كَافِرِينَ (13)

وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ (14)

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ (15)

وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاء الْآخِرَةِ فَأُوْلَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ (16) } الروم .

وخلاصة قول العقيلة عليها السلام هو قوله تعالى :

{ فَاصبرْ صبراً جَمِيلاً(5) إِنهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً(6) وَ نَرَاهُ قَرِيباً(7) } المعارج .

قال الطبرسي رحمه الله في تفسيره : { فاصبر } يا محمد على تكذيبهم إياك { صبرا جميل } لا جزع فيه و لا شكوى على ما تقاسيه { إنهم يرونه بعيدا و نراه قريب } أخبر سبحانه أنه يعلم مجيء يوم القيامة و حلول العقاب بالكفار قريبا .

و يظنه الكفار : بعيدا ، لأنهم لا يعتقدون صحته ، و كل ما هو آت ، فهو قريب دان فالرؤية الأولى بمعنى الظن و الثانية بمعنى العلم[31].

وأن المؤمنون : يرونه ويعتقدونه حقا وقريب ، وقال عنهم الله : { رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ  لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ (9) } آل عمران .

ويا طيب : كانت العبارات الأخيرة في خطبة العقيلة عليه السلام ، حيث جمعنا بينها بما عرفت ، مأخوذة من روايات ، أختصر بعض كتابها ، وفصل آخر ، فمنهم :

قال ابن طيفور في بلاغات النساء : ولعذاب الآخرة : أخزى ، وهم لا ينظرون .

مقتل الخوارزمي : فترقبوا أول النحل ، وآخر ص ، ونحن قد كتبنا الآيات .

و أبن طيفور بعد ذلك قال : ثم ولت عنهم . المفيد : أي كريمة أصبتم ، واللهوف : أبرزتم . ومقتل الخوارزمي : أي كبد لرسول الله فريتم ، وأي دم له سفكتم ، أي كريمة له أبرزتم ، وأي حريم له أصبتم  ، وأي حرمة له هتكتم .

والملهوف ومقتل الخورزمي : و لقد جئتم بها صلعاء عنقاء سواء فقماء ، و في بعضها : خرقاء شوهاء كطلاع الأرض أو ملاء السماء

والاحتجاج كانت عبارته : بليتم بعارها ، ومنيتم بشنارها ، ولن ترحضوها أبدا ، وأنى ترحضون قتل سليل خاتم النبوة ، ومعدن الرسالة ، وسيد شباب أهل الجنة ، وملاذ حربكم ، ومعاذ حزبكم ، ومقر سلمكم ، وآسي كلمكم ، ومفزع نازلتكم ، والمرجع إليه عند مقالتكم ، ومدره حججكم ، ومنار محجتكم ، ألا سآء ما قدمت لكم أنفسكم وساء ما تزرون ليوم بعثكم ، فتعسا تعسا ونكسا نكسا لقد خاب السعي ، وتبت الأيدي وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ، وضربت عليكم الذلة والمسكنة .

أتدرون ويلكم أي كبد لمحمد صلى الله عليه وآله فريتم ؟ وأي عهد نكثتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي حرمة له هتكتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ لقد جئتم شيئا إدا تكاد السماوات يتفطرن منه ،  وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا ، لقد جئتم بها شوهاء صلعاء عنقاء سواء فقماء خرقاء ، طلاع الأرض وملء السماء .

وفي اللهوف : و بعدا لكم و سحقا  يا أهل الكوفة .

وكلهم ذكر : ثم ولت عنهم ، إما بعد كلام الإمام ، والإمام قالها بعد أن ولت ، لأنه يكفي كلامها ، فلا ترجع تخاطبهم بعد أن أدارت وجهها عنهم و تنظر لإمامها وما يقول في حقها ويعرف من شأنها بعد أن دافعت عن آلها وبينت مصابهم .


 

 


 

 

 

الإشعاع السابع عشر :

العقيلة تصف حالهم وآهل الكوفة بشعر وتتوعدهم بمثل بعذاب أرم :

وفي الاحتجاج قال : بعد قوله : إن ربك لنا ولهم بالمرصاد .

ثم أنشأت تقول العقيلة عليه السلام

ماذا   تقولون   إذ   قال  النبي لكم     ماذا    صنعتم   و أنتم  آخر الأمم

بأهل   بيتي  و  أولادي  و  مكرمتي     منهم  أسارى و منهم  ضرجوا  بدم

ما كان ذاك جزائي إذ نصحت لكم     أن تخلفوني  بسوء في ذوي رحمي

 إني لأخشى عليكم : أن يحل بكم مثل العذاب الذي أودى على إرم .

شرح الشعر :

يا طيب : إن أبيات الشعر التي قالتها العقيلة عليه السلام ، لهي بيان كريم ، ومفصل بليغ ، وفيها معارف كثيرة مختصرة بجوامع الكلم ، وإنها عليه السلام اختصرت ما قلته بخطبتها كلها في هذه الأبيات ، وهي حجة على كل من يطلب هدى الدين ويحب أن يتبع المتقين والطيبين الطاهرين الصادقين المصطفين الأخيار من آل محمد عليهم السلام ، وكل ما أتوا به من الهدى عن رب العالمين ، فشروحه بكل وجودهم علما وعملا وسيرة وسلوكا ، وتوجب عليه إيمان بحق وبه يجب أن يرفض كل علم وعمل صدر من أئمة الضلال والكفر من أعداء آل محمد ، وأن يبتعد عن كل مخالف لهدى الحسين وآله صلى الله عليهم وسلم على طول التأريخ ، فضلا عمن قتلهم ورضا به في ذلك الزمان ، ويا ليت لو يحفظها المؤمنون ويعلموها لمن يحبون ، فإنها تميز الطيب من الخبيث.

فإنه في هذا الشعر : تفصيل الآيات السابقة و، كل كلام العقيلة للمتدبر فيه ، وقد عرفنا نسبهم الطاهر وولايتهم وكثير من المعارف التي تعرف شأنهم الكريم ، وإن في الآيات الأخيرة عرفنا أن الله يمهل ولا يهمل وإن الله بالمرصاد ، أو أنه أتى أمر الله فلا تستعجلوه ، وليعلمن نبأه بعد حين ، والآيات كلها تعرفنا أن الله سيجزي كل محسن بأعماله والمسيء بسيئاته مهما كان ، وإن الله سبحانه في يوم القيامة بالخصوص يسأل العباد عن كل شيء ، ويحاسب على كل شيء ، لأنه من يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل ذرة شرا يره ، وهم كانوا خير أمة أخرجت فنصرت النبي ثم صارت شر أمة تقتل آله الكرام ، وهم أخر أمة ينزل عليها وحي ، والمحافظ على هداه آل النبي الأكرم .

وإن الله يعلم كل شيء : ولكن يسألهم لكي يقروا على أنفسهم ، وليذعنوا بأن ما يجازيهم به هو بمثابة أعمالهم ردت إليهم ، وإن الله ليس بظلام للعبيد ، فيشهد عليهم كل شيء ، فضلا عن كتبهم وما دونه الملائكة الكرام الكاتبين في صحائفهم ، فحتى ما عملته أيديهم وما كسبته ، وأرجلهم وما مشت إليه ، وألسنتهم وما نطقت به ، وجلودهم وما مسته ، وأعينهم وما نظرت إليه ، بل حتى نيات قلوبهم وخطرات أنفسهم وما سعت إليه بواطن أفكارهم ، فكل شيء محضر عند مليك مقتدر ، فيحاسب عليه .

وإن في يوم القيامة مواقف كثيرة : زمان منه لا يؤذن لهم فينطقون بل سكوت الخلق كلهم أجمعون ، وزمان يعرفنا سبحانه شأن الكرام عنده وبالخصوص نبينا وآله الطيبين وما يحف بهم من الأنبياء والمرسلين وأوليائهم المخلصين فيرفعهم في مقام الكرامة ، وزمان من ذلك اليوم ينصب الحوض فيسقى من دخل ولايتهم ونصرهم وحب دينهم وعلمه منهم وعمل به مخلصا لله سبحانه ، وزمان لتطاير الكتب ، وزمان للحساب والسؤال عن كل شيء ، وزمان للمقاصة والمظالم ، وزمان للشفاعة ، وأزمنة كثيرة من ذلك اليوم الذي يعد بخمسين ألف سنة ، يكرم فيها الله أولياءه ويهين بها أعدائهم .

ويا طيب : الآيات والأحاديث في المسائلة من الله ورسله والناس لكثيرة ، وسواء لكل الخلق أو بالخصوص لفئة معينه ، وبالخصوص سؤال الله من النبي وشهادته على من تبعه حقا وممن أنقلب على عقبيه، ويعرفه الثابتين الصالحين الصادقين في تولي هداه وحب ما أحبه وما عرفه من وجوب وده، ويعرفه من غير وبدل وظلم وطغى وآثر الحياة الدنيا.

والعقلية عليها السلام : في هذا الشعر ذكرت خلاصة الحساب وكيف يصفى الله سبحانه العباد في ذلك اليوم ، ويميز أهل الجنة من غيرهم ، لأنه يسأل عن الثقلين : عن كتاب الله وعترة النبي ، وإنه قد يدعي ظالم ممن ظلم آل محمد أنه أتى ببعض الواجبات الدينية على ضلال أعداء النبي وآله ، وأنه صام وصلى وحج وزكى ، ولكنه لم يرعى حرمة النبي وآله ، فهنا يحبط عمله لا يقبل منه شيء ، ويجعله الله تعالى هباء منثورا لحبه للظالمين والضالين ، والعمل بما عرفوه له من باطل دينهم وفكرهم .

ولذا الآيات الكريمة : في السؤال يوم القيامة كلها تعرف تقريبا المرحلة الأهم من السؤال ، فإنه وإن جاء في الأحاديث أنه يسأل عن كل شيء ، لكنه في أهم أمر من أمور الله تتخلص وتتلخص المسألة ، وهي أمر حب أوليائه والعمل بما عرفهم من هداه وعلموه ، وهو أهم ما به تصلح الأعمال وتتم وتقبل ، وإلا  كل عمل ليس فيه هداهم فهو فكر وضلال أعدائهم وهو باطل ولمعرفة مختصر هذا المعنى نتدبر ، هذا المختصر :

فنحن نسأل الله سبحانه : ونقول له في كل يوم في سورة الفاتحة :

 { أهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ (6) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ  عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ (7) } الفاتحة ، وذلك بعدما نمجد الله سبحانه ونقر له بالملك التام في الدنيا وفي يوم الدين فإنه رب العالمين .

والمنعم عليهم : هم محمد وآل محمد عليهم السلام ، والسؤال عن هداهم والعمل به ، وإلا الكافر والمشرك لا يسأل ، وإن سؤل فهو لتقريعه ولتعريفه ضلاله .

 لأنه الله سبحانه وتعالى قال : {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (8) } التكاثر .

وقال للنبي الأكرم : { وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ (11)} الضحى .

ولما أعلن الله سبحانه: على لسان بنيه ولاية علي بن أبي طالب يوم الغدير أنزل:

{ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ

وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ  دِينًا (3) } المائدة .

فنعمة الولاية والهداية للدين : هي النعمة العظمى التي نسأل الله أن يوفقنا لها ويهدنا لصراطها المستقيم ، والله سبحانه يوم القيامة يسألنا عن العلم والعمل بها ومعرفتها بحقها وحفظ حرمتها ، ولذا أمرنا أن نطلبها منه في كل يوم في الصلاة عشرة مرات ، وهي تبعدنا عن الضلال و المغضوب عليهم من قتلت وأعداء أولي النعيم .

وهكذا باقي : آيات السؤال الكثيرة المورد في كتاب الله ، تعطينا معنى ما عرفت توضيحه ، فإنه  مثلا قد قال الله لنبيه الأكرم : { بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1)

 فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3) } الكوثر ..

فالأحاديث : التي تفسر الكوثر بالحوض ، أو بنهر في الجنة يصب فرع منه يوم القيامة في الحوض ، فهو نهر للنبي وآله : لأنه النبي الأكرم عرفنا بأن الحوض يرد عنه ويحلا ويمنع ويجلى ويختلج دونه كثير من صحبه ممن لم يرعى حرمة آله الكرام ، ولا يسقون منه مع صحبتهم له وعملها بكثير من تعاليمه ، لكنه يطردون ويصرفون وجوههم مسودة ، فضلا عن غيرهم ممن نصر أعداء آله الكرام وقتل ثقله النفيس الكريم وآذاهم ، كما عرفته العقيلة عليه السلام في الشعر أعلاه ، وجاء في الحديث عن معنى الكوثر :

عن علي بن مسهر عن المختار عن أنس قال :

بينا : رسول الله ذات يوم بين أظهرنا ، إذ أغفى إغفاءة ، ثم رفع رأسه متبسما .

فقلنا : ما أضحكك يا رسول الله ؟ قال : أنزلت علي آنفا سورة ، فقرأ :

{ إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر}.

ثم قال : أتدرون ما الكوثر ؟ فقلنا : الله ورسوله أعلم .

قال : فإنه نهر وعدنيه ربي عز و جل ، عليه خير كثير .

 و حوض : ترد عليه أمتي يوم القيامة ، آنيته عدد النجوم .

فيختلج : العبد منهم . فأقول : رب إنه من أمتي .

فيقول : ما تدري ما أحدثت بعدك ؟[32].

ويا طيب : سورة الكوثر مكية ، وعلى فرض نزولها مرة ثانية في المدينة فلا مانع منه ، فإن جبرائيل كثير ما كان يؤنس النبي الأكرم ويذكره فضائله وفضائل آله ومناقبهم ، وما له من الشأن الكريم فيزيده كرامة ، ويعرفه حب الله له ولآله وما أعد لهم ولمن يحبهم كل خير ، وهذا المعنى تجده في آيات أخرى ومواقف كثيرة من الأحاديث في المناقب وكثرتها وتكررها من جبرائيل مع رسول الله ، بل رسول الله يحكيها عن آله بعدت عبارات .

ويا طيب : لو فسرنا الكوثر بالخير الكثير فقط أو والذرية الطيبة والقربى للنبي الأكرم لأنه من الخير الكثير كما جاء في كثير من الروايات  ، لكان وضوحه أبين من الشمس وأوضح من القمر وأجلى من اللجين جدا ، ومعروف بالمفهوم والمنطوق لكل منصف من غير وجوب ذكر شرح ولا حديث ، لأنه يكون ذريته هم الكوثر ، ولا يكون خير كثير ويستحق المنة بأن يذكر في القرآن بأوضح وأقصر سورة فيه ، إلا وأن يكون فيه معنى الإمامة والولاية والخلافة له ، وإلا أي خير وتصرف عن آله منصب الإمامة وهو أشرف منصب في الوجود ، وتعطى الخلافة ممن يمنعهم أبسط حقوقهم ، ويسلط عليهم أعدائهم ويملكهم عليهم من بعده .

 

فكل آيات السؤال عن النعيم :

تدور على أهم مرحلة تدخل في الإيمان : وهي مرحلة الولاية لآل محمد عليهم السلام وجاءت آيات كثيرة في السؤال ، وبالخصوص في السؤال عن محبة آل محمد وأتباعهم والعمل بهداهم ، فلكي نتعرف على هذا المعنى الذي تعرفه أبيات الشعر التي قالتها العقيلة ، نذكر بعض آيات السؤال يوم القيامة ، ثم نذكر الأحاديث المفسرة لها ، كقول الله تعالى :

{ وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ شَهِيدًا عَلَيْهِم مِّنْ أَنفُسِهِمْ

وَجِئْنَا بِكَ شَهِيدًا عَلَى هَؤُلاء

 وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ  وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (89)

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ

وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى

وَيَنْهَى عَنِ  الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (90)

 وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ  الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ (91)

وَلاَ تَكُونُو كَالَّتِي  نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا

تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ  أَن تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ إِنَّمَا يَبْلُوكُمُ  اللّهُ بِهِ وَلَيُبَيِّنَنَّ لَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (92)

وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلكِن  يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء

وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (93) } النحل .

فيا طيب : الشهيد في نفس كل أمة وكل زمان معهم ، هو صاحب أمر الله وولايته وخلافة رسول الله ، وإمام الخلق بعده بحق ، وهو علي بن أبي طالب ومن بعده آله الكرام ، هم الشهداء من أنفسنا ومعنا في كل زمان إمام بعد إمام إلى يوم القيامة ، وهو عين معنى آية يوم ندعو كل أناس بإمامهم ، وسيأتي معنى شهادة الرسول في حديث فيه آية يتلوها النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ، يعرف شهادته في حياته .

وإن الله : يأمر بالعدل والإحسان ، وهو أن نتبع من عرفهم بالصدق في آية المباهلة وهم نبينا الأكرم وآله المصطفين الأخيار علي وفاطمة والحسن والحسين وهم أئمة الحق ، وعرفهم بالتطهير في آية التطهير ، والقربى في آية المودة ، وفي هذه الآية لأنهم يأمرون بالعدل والإحسان ، وينهى عن الفحشاء والمنكر ويأمر بالمعروف .

كما قال أبا عبد الله الحسين عليه السلام :

 وأني لم أخرج : أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما .

وإنما خرجت : لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله .

أريد : أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر .

وأسير : بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب .

فيجب على : من يؤمن بالله ويقبل الإسلام دينا أن يفي بعهد الله ويقبل من الحسين وآله وما طلبوه وعرفوه بكل وجودهم ويرفض كل مخالف لهم من أهل الغي والبغي عليهم ومن أنكر حقهم ومعارف الله التي ثاروا وانتفضوا ليطبقوها ، فيفي بعهد الله بطاعتهم لأنه عهدهم عهده ، ولا ينقض الإيمان بعد توكيدها ولا ينكث كالتي نقضت غزها بعد قوة أنكاث وغزل محكم ، والله فضل النبي وآله بكثير من الآيات والمكرمات والمقامات في الدنيا والآخرة ، فهم سادة الوجود كلهم وأئمتهم والشهداء عليهم .

وعن هذا النعيم : لأل محمد عليهم السلام ، يسألنا الله سبحانه ، ويطالبنا بالعلم والعمل به كما في آخر الآيات أعلاه .

والآيات المجموعة أعلاه : بمعانيها الكريمة ، صاغتها العقيلة عليه السلام بشعر كريم يعرف حكمة هدى الله وما يجازي به ، فتدبر أبياته .

ويا طيب : توجد آيات كثيرة تعرفنا أن الله سبحانه سيسألنا عن كل شيء .

فآيات جامعة وشاملة لكل البشر : وأنهم كلهم يسألون سواء كانوا أنبياء أو قومهم كقوله سبحانه : { فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ (92)} الحجر .

 وكقوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم  مَّسْئُولُونَ (24) } الصافات.

فمنهم يسأل تبكيتا كقوله سبحانه : { لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ }النحل56.

ونبينا وآله وقومه يسألون: {وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ}الزخرف44.

وسؤال لكل المرسلين : ولكل أقوامهم ، كقوله تعالى :

{ فَلَنَسْأَلَنَّ الذين أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ المرسلين } الأعراف6 .

 

 

روايات سؤال النبي لنا على الحوض :

ويا طيب : إن ما يهمنا ويخصنا هو سؤال الله سبحانه لأمة نبينا الأكرم وله ، وسؤال النبي الأكرم لنا ، وعن ماذا يسألنا كما في الشعر الذي قالته العقيلة عليه السلام ، ولنقدم بعض الأحاديث التي تعرفنا بأنه سيسأل عن حب أمته لآله والشفاعة لهم ، و أنه يسقيهم من حوضه، وإن أول سؤال وآخر سؤال في القيامة عن حبهم وإلا النار:

في صحيح مسلم والبخاري وغيره من الصحاح والكتب :

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس وغيره من الصحابة قالوا :

قام فينا : رسول الله خطيبا بموعظة ، فقال :

يا أيها الناس : إنكم تحشرون إلى الله حفاة عراة غرلا .

 { كَمَا بَدَأْنَا  أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ (104) } الأنبياء .

 ألا وإن : أول الخلائق يكسى يوم القيامة إبراهيم .

 ألا وإنه سيجاء : برجال من أمتي ، فيؤخذ بهم ذات الشمال .

فأقول : يا رب أصحابي .

فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

فأقول : كما قال العبد الصالح : { مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ

أَنِ  اعْبُدُواْ اللّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ     وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ

فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنتَ عَلَى  كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (117)

 إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (118) } المائدة .

قال : فيقال لي : إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم .

 وفي حديث وكيع ومعاذ فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [33].

 

ويا طيب : تعلم متى يأتي رجال للنبي في يوم القيامة ويؤخذ بهم ذات الشمال واليمين ، إنه أول سؤال للنبي لهم هو على الحوض في أول مواقف القيامة ، وكما عرفته في سورة الكوثر ، وأنظر معارفه من كتب القوم هنا :

عن شقيق عن عبدالله قال : : قال رسول الله :

أنا فرطكم : على الحوض ، ولأنازعن أقواما ، ثم لأغلبن عليهم .

فأقول : يا رب أصحابي أصحابي .

فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [34].

يا طيب : هل تعرف ما أحدثوا بعده فلم يسقوا من الحوض بسبب حدثهم المهم هذا ، فإنهم لم يعترفوا بالثقلين ، بل آذوهم وحاربوهم وقتلوهم وأقصوهم ومنعوا الناس معارفهم كما في حديث الثقلين الآتي فتابع البحث ، للحجب ثم أنظر حديث الثقلين .

 

وعن أبي الدرداء وغيره قال : قال رسول الله :

أنا فرطكم على الحوض :

وليرفعن إلي : رجالٌ منكم ، حتى إذا أهويت إليهم لأناولهم .

اختلجوا : دوني .

فأقول : أي رب أصحابي .

فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك [35].

يا طيب : اختلجوا : منعوا ولم يصلوا له ، ويغلب فلم يقدر أن ينقذهم .

وعن أبي حازم عن سهل بن سعد قال :

 سمعت النبي يقول :

أنا فرطكم على الحوض : من ورد شرب ، ومن شرب لم يظمأ أبداً .

وليردن : علي أقوامٌ .

أعرفهم : ويعرفونني .

ثم يحال بيني وبينهم .

قال أبو حازم : فسمع النعمان بن أبي عياش ، وأنا أحدثهم هذا الحديث .

 فقال : هكذا سمعت سهلاً يقول . قال فقلت : نعم .

وقال : وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد .

فيقول : إنهم مني .

فيقال : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

فأقول : سحقاً سحقاً لمن بدل بعدي [36].

ويا طيب الحديث أعلاه : رواه عدة من الصحابة ، وبإسناد متعدد ، أنظر تخرجيه عن الصحاح وغيرها ، تجده متواترا مقطوع الصدور صحيح .

والنبي الأكرم : لا ينقذهم ولا يشفع لهم ، بل يقول : سحقا سحقا لمن بدل بعده ، ولم يعمل بتعاليمه وما أوصى به من حفظ حرمته وآله الكرام .

 

 

ويا طيب : تعرف لماذا على الحوض يكون السؤال، لأنه وعد أوعده النبي لقومه في حديث الثقلين المتواتر و الكثير الصدور حتى لا ترى حديث أكثر منه يروى عن النبي الأكرم ، وروي بعدة أساليب وعبارات لعدة مواقف ، ونذكر حديثين تعرفنا تقارن كتاب الله وآل محمد حتى الحوض ، وإنهم هم آله وعترته وقرباه الأقربون علي وفاطمة وأبناءهم:

لأنه جاء عن أبو حيان حدثني يزيد بن حيان قال : انطلقت أنا وحصين بن سبرة ، وعمر بن مسلم ، إلى زيد بن أرقم ، فلما جلسنا إليه :

قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا ، رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وسمعت حديثه ، وغزوت معه ، وصليت خلفه ، لقد لقيت يا زيد خيرا كثيرا .

حدثنا يا زيد : ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه و سلم .

قال : يا ابن أخي ، والله لقد كبرت سني وقدم عهدي ، ونسيت بعض الذي كنت أعي من رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فما حدثتكم فاقبلوا ، وما لا فلا تكلفونيه .

ثم قال : قام رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما فينا خطيبا ، بماء يدعى خما بين مكة والمدينة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ووعظ وذكر . ثم قال :

أما بعد ،  ألا أيها الناس ، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب .

وأنا تارك فيكم ثقلين :  أولهما : كتاب الله ، فيه الهدى والنور ، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به ، فحث على كتاب الله ورغب فيه .

ثم قال : وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي . فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟

 قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده .

قال : وهم ؟  قال هم : آل علي ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عباس .

قال :  كل هؤلاء حرم الصدقة ؟ قال : نعم .

وقال الشارح : خم : اسم لغيضة على ثلاثة أميال من الجحفة غدير مشهور يضاف إلى الغيضة فيقال غدير خم ،  ثقلين : قال العلماء سميا ثقلين لعظمهما وكبير شأنهما وقيل لثقل العمل بها [37].

وأنهم آل محمد عليهم السلام وكتاب الله : يفسر أحدهم الآخر ولن يفترقا ، لأنه جاء عن في الراوي عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم قالا: قال رسول الله :

 إني تارك فيكم : ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي ، أحدهما أعظم من الآخر .

كتاب الله : حبل ممدود من السماء إلى الأرض .

 وعترتي : أهل بيتي .

ولن يتفرقا : حتى يردا علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما [38].

 

وعن أبي سعيد الخدري عن النبي قال : إني أوشك أن أدعى فأجيب .

وإني تارك فيكم الثقلين : كتاب الله عز وجل وعترتي .

 كتاب الله : حبل ممدود من السماء إلى الأرض .

وعترتي : أهل بيتي .

 وإن اللطيف الخبير : أخبرني ، أنهما لن يفترقا حتى يرد علي الحوض .

 فانظروني : بم تخلفوني فيهم [39].

يا طيب : لو تراجع الأحاديث قبل هذين الحديثين لعرفت معنى ما غير القوم ، وما بدلوا وكيف رجعوا القهقري ، وأنهم يحلون ويردون لا يسقون وتسود وجوههم ، لأنهم أقصوا آل محمد ولم يتمسكوا بهم فهجرت معرفة القرآن الحقة ، وسمعوا من كل من يعرف ويشرح حتى لو من بنات فكره وقياسه واستحسانه ، فهجروا الاثنين فلا يسقون ، بل تسود وجوههم كما عرفت ، وهذا سؤال الحوض وهو أول سؤال يوم القيامة وسترى تفصيلة من كتبنا، وإنه أخر سؤال من رب العالمين يوم القيامة يدخلهم النار، فتابع.

ويا طيب : عرفت الأحاديث الخجلى عند الجماعة التي يستحي أصحابها أن يذكروا نصها ، وهو بأنهم منعوا من الحوض لمخالفتهم آل محمد عليهم السلام ،  والتي قطعوا فيها مناسبة سؤال النبي على الحوض ووجوب حب آله الكرام ، واكتفوا بإشارة يفهمها المنصف ويقر لها المسلم ويذعن بها المؤمن ، وأن تغيرهم وتخلفهم هو كان عن العترة والكتاب تبعهم .

 فلذا يقول النبي الأكرم حين يختلجون دونه ويمنعون الوصول إليه : أصحابي .

فيقال له : إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك .

إنهم لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم .

كما مر بالأحاديث أعلاه .

 

ويا طيب لتعرف تفصيل : هذه الأحاديث عندنا فتدبر تفاصيل السؤال :

عن أبي الجارود قال : قال الإمام الباقر أبو جعفر عليه السلام ، قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

أنا : أول وافد على العزيز الجبار يوم القيامة ، وكتابه ، وأهل بيتي ، ثم أمتي.

ثم أسألهم : ما فعلتم بكتاب الله و بأهل بيتي  ؟[40]

وهذا هو قول العقيلة عليه السلام : إذ قال النبي لكم ماذا فعلتم ...

ولمعرفة بعض التفصيل : تدبر الحديث الآتي :

و أسند عباد بن يعقوب الرواجني : في كتاب المعرفة ، فيقول عباد قد حدثنا أبو عبد الرحمن المسعودي ، قال حدثنا الحارث بن حصيرة عن صخر بن الحكم الفزاري ، عن حنان بن الحارث الأزدي ، عن الربيع بن جميل الصيني ، عن مالك بن ضمرة الرواسي ، عن أبي ذر رضي الله عنه قال :

 لما أن سير أبو ذر رضي الله قال : اجتمع هو و علي أمير المؤمنين و المقداد بن الأسود الكندي ، قال : أ لستم تشهدون أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال :

أمتي ترد علي الحوض على خمس رايات :

راية : العجل ، و راية فرعون أمتي ، و راية فلان ، و راية المخدج .

و آخذ بيد : كل واحد ، فيسود وجهه ، و ترجف قدماه ، و تخفق أحشاؤه ، و كذلك أتباعه .

 فأقول : ما أخلفتموني في الثقلين ؟

فيقولون : كذبنا الأكبر ، و اضطهدنا الأصغر .

فأقول : اسلكوا ذات الشمال ، فينصرفوا ظامئين مسودين ، لا يذوقون منه قطرة .

ثم يرد أمير المؤمنين: وقائد الغر المحجلين فآخذ بيده، فيبيض وجهه، ووجه أتباعه.

فأقول : ما أخلفتموني في الثقلين ؟

فيقولون : تبعنا الأكبر ، و نصرنا الأصغر .

فيشربون : و ينصرفون و وجه إمامهم كالشمس و وجوههم كالبدر .

قال الحارث راوي الحديث : اشهدوا علي غدا عند الله ، أن صخر بن الحكم حدثني ، و قال صخر : اشهدوا علي غدا عند الله أن حيان حدثني ، و قال حيان : اشهدوا علي غدا عند الله أن الربيع حدثني ، و قال الربيع : اشهدوا علي عند الله أن مالكا حدثني ، و قال مالك : اشهدوا علي عند الله أن أبا ذر حدثني به ، و قال أبو ذر : اشهدوا علي عند الله أن رسول الله حدثني به ، و قال رسول الله اشهدوا علي جبرائيل حدثني به عن الله‏ [41].

ويا طيب : في الصراط المستقيم لمستحقي التقديم نقله مختصرا كما نقلناه أعلاه ، والسند ذكره في اليقين ، وأما بعض التفصيل الأجمل للحديث فتدبر الواقعة على الحوض:

عن مالك بن ضمرة : عن أبي ذر رحمة الله عليه قال : لما نزلت هذه الآية :

{ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ } .

 قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

يرد علي أمتي يوم القيامة على خمس رايات :

      فراية : مع عجل هذه الأمة ، فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟

فيقولون : أما الأكبر : فحرفناه و نبذناه وراء ظهورنا ، و أما الأصغر : فعاديناه و أبغضناه و ظلمناه . فأقول : ردوا النار ، ظمآء مظمئين ، مسودة وجوهكم .

      ثم يرد علي : راية مع فرعون هذه الأمة .

فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟

فيقولون: أما الأكبر: فحرفناه ومزقناه وخالفناه ، وأما الأصغر : فعاديناه و قاتلناه.

فأقول : ردوا النار ، ظمآء مظمئين ، مسودة وجوهكم .

      ثم ترد علي : راية مع سامري هذه الأمة .

 فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟

فيقولون : أما الأكبر : فعصيناه و تركناه ، و أما الأصغر : فخذلناه و ضيعناه ، و صنعنا به كل قبيح . فأقول : ردوا النار ، ظمآء مظمئين ، مسودة وجوهكم .

     ثم ترد علي : راية ذي الثدية مع أول الخوارج و آخرهم .

فأسألهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟

فيقولون: أما الأكبر: ففرقناه وفمزقناه وبرئنا منه ، وأما الأصغر : فقاتلناه و قتلناه.

 فأقول : ردوا النار ، ظمآء مظمئين ، مسودة وجوهكم .

      ثم ترد علي : راية مع إمام المتقين ، و سيد الوصيين ، و قائد الغر المحجلين ، و وصي رسول رب العالمين .

فأقول لهم : ما فعلتم بالثقلين من بعدي ؟.

فيقولون : أما الأكبر : فاتبعناه و أطعناه .

و أما الأصغر : فأحببناه وواليناه ، و وازرناه ونصرناه ، حتى أهرقت فيهم دماؤنا .

فأقول : ردوا الجنة ، رواء مرويين ، مبيضة وجوهكم .

 ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :

 { يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا

الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)

وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)}آل عمران[42].

يا طيب : لتتدبر معنى الآية ، وتعرف بعض حقائقها ، وإنها تبيض وجوه من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ، وهم الإمام الحسين وصحبه وآله من قبل وذريته ومحبهم والعاملين بهداهم ، وإن تسود وجوه من كان في زمانهم وبعده لكنه لم يتبعهم فضلا عمن قتلهم وحاربهم وتبع ضلال غيرهم حتى ولو كان في الزمان الآتي ، نذكر الآيات الحافة بالآية الواردة في الحديث لأنها تشرح المعنى فتدبرها ، قال الله تعالى :

{ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ

 وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ  وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ

وَأُوْلَئِكَ هُمُ  الْمُفْلِحُونَ (104) وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُوْلَئِكَ لَهُمْ  عَذَابٌ عَظِيمٌ (105)

 يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ  فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكْفَرْتُم بَعْدَ  إِيمَانِكُمْ فَذُوقُواْ الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ (106)

وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (107)

تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَمَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِّلْعَالَمِينَ (108) } آل  عمران .

وقال السيد الحميري [43]:

عجبت من قوم   أتوا  أحمدا            بخطه   ليس   لها    مدفع‏

قالوا  له لو   شئت  أخبرتنا            إلى من    الغاية   و  المفزع‏

إذا   توليت    و     فارقتنا            و منهم في الملك من يطمع‏

فقال لو  أخبرتكم    مفزعا            ما ذا عسيتم فيه أن تصنعوا

صنيع أهل العجل إذ  فارقوا            هارون    فالترك  له   أودع‏

فالناس  يوم البعث  راياتهم            خمس فمنها   هالك   أربع‏

قائدها  العجل و   فرعونها            و  سامري   الأمة   المفظع‏

و مخدع   من  دينه   مارق            أخدع   عبد   لكع   أوكع‏

و راية    قائدها   و  جهه            كأنه   الشمس  إذا  تطلع‏

 

ويا طيب : السؤال يوم القيامة عن كل شيء فيحاسب به العبد ، وقد عرفت الآيات العامة في السؤال عن كل شيء يوم القيامة ، وقال أمير المؤمنين عليه السلام :

إن الدنيا دار ، أولها عناء و آخرها فناء .

في حلالها : حساب ، و في حرامها عقاب .

 من استغنى فيها فتن ، و من افتقر فيها حزن [44].

ولكن يا طيب : السؤال الذي تقبل به الأعمال وينجي هو سؤال ، عن الولاية والإمامة لآل محمد ، لأنه من تبعهم تبع القرآن وتعاليمه وإلا فهو ضال ، ولذا : فقد روي  عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال :

في تفسير قوله تعالى : { وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ } الصافات .

إنه لا يجاوز قدما عبد حتى يسأل عن أربع :

عن شبابه فيما أبلاه .

 و عن عمره فيما أفناه .

 و عن ماله من أين جمعه و فيما أنفقه .

و عن حبنا أهل البيت[45] .

وذكر في المناقب وغيره : عن محمد بن إسحاق ، و الشعبي ، و الأعمش ، و سعيد بن جبير ، و ابن عباس ، و أبو نعيم الأصفهاني ، و الحاكم الحسكاني ، و النطنزي ، و جماعة أهل البيت عليهم السلام :

في قوله تعالى : { وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم  مَّسْئُولُونَ (24) } الصافات .

 عن ولاية : علي بن أبي طالب ، و حب : أهل البيت عليهم السلام [46].

 

يا طيب : ولتعرف أخر سؤال يوم القيامة ، وعرفت الحال في أول سؤال ، و فيما بينهم من سواد وجه التارك للثقلين ولو كان يدعي أنه من أمة محمد ، تدبر تفصيل أخره :

في تفسير الإمام العسكر :  قال رسول الله صلى الله عليه وآله :

 أخبر الله تعالى : أن من لا يؤمن بالقرآن ، فما آمن بالتوراة ، لأن الله تعالى أخذ عليهم الإيمان بهما ، لا يقبل الإيمان بأحدهما إلا مع الإيمان بالآخر .

فكذلك فرض الله : الإيمان بولاية علي بن أبي طالب ، كما فرض الإيمان بمحمد .

فمن قال: آمنت بنبوة محمد، وكفرت بولاية علي ،  فما آمن بنبوة محمد .

 إن الله تعالى : إذا بعث الخلائق يوم القيامة .

 نادى منادي ربنا : نداء تعريف الخلائق‏ في إيمانهم و كفرهم .

فقال : الله أكبر ، الله أكبر .

و مناد آخر ينادي : معاشر الخلائق ساعدوه على هذه المقالة .

 فأم : الدهرية و المعطلة ، فيخرسون عن ذلك ، و لا تنطلق ألسنتهم .

 ويقولها: سائر الناس من الخلائق، فيمتاز الدهرية والمعطلة من سائر الناس بالخرس.

 ثم يقول المنادي : أشهد أن لا إله إلا الله ، فيقول الخلائق كلهم ذلك ، إلا من كان يشرك بالله تعالى من المجوس و النصارى و عبدة الأوثان ، فإنهم يخرسون ، فيبينون بذلك من سائر الخلائق .

 ثم يقول المنادي : أشهد أن محمدا رسول الله ، فيقولها المسلمون أجمعون ، و يخرس عنها اليهود و النصارى و سائر المشركين .

 ثم ينادي من آخر عرصات القيامة : ألا فسوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة ، فإذا النداء من قبل الله تعالى ل ، بل‏ { وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ } .

يقول الملائكة الذين قالوا : سوقوهم إلى الجنة لشهادتهم لمحمد بالنبوة ، لما ذا يوقفون يا ربنا . فإذا النداء من قبل الله تعالى :

 قفوهم‏ : إنهم مسئولون عن ولاية علي بن أبي طالب و آل محمد .

 يا عبادي و إمائي : إني أمرتهم مع الشهادة بمحمد بشهادة أخرى ، فإن جاءوا بها فعظموا ثوابهم و أكرموا مآبهم ، و إن لم يأتوا بها لم تنفعهم الشهادة لمحمد بالنبوة و لا لي بالربوبية ، فمن جاء بها فهو من الفائزين ، و من لم يأت بها فهو من الهالكين[47] .

يا طيب : هذه حقيقة حديث الثقلين وأمثاله من آيات وأحاديث الولاية و الإمامة وثواب المتمسك بهم ، وعقاب من لم يعرف إمام زمانه ولم يعتني بأمر آل محمد :

وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال :

إذا كان يوم القيامة : أمر الله مالكا أن يسعر النيران السبع ، و أمر رضوان أن يزخرف الجنان الثمانية ، و يقول : يا ميكائيل مد الصراط على متن جهنم ، و يقول : يا جبرائيل انصب الميزان تحت العرش ، و ناد يا محمد : قرب أمتك للحساب .

و يأمر الله تعالى : أن يعقد على الصراط سبع قناطر ، طول كل قنطرة سبعة عشر ألف فرسخ ، و على كل قنطرة سبعون ألف ملك قيام ، فيسألون هذه الأمة نساءهم و رجالهم على القنطرة الأولى : عن ولاية : علي بن أبي طالب ، و حب آل محمد .

فمن أتى به : جاز القنطرة الأولى كالبرق الخاطف ، و من لم يحب أهل بيت نبيه سقط على أم رأسه في قعر جهنم ، و لو كان له من أعمال البر عمل سبعين صديقا .

و على القنطرة الثانية : يسألون عن الصلاة ، و على الثالثة : يسألون عن الزكاة ، و على القنطرة الرابعة : عن الصيام ، و على الخامسة : عن الحج ، و على السادسة : عن العدل فمن أتى بشي‏ء من ذلك جاز كالبرق الخاطف ، و من لم يأت عذب .

و ذلك قوله : { وَ قِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ } ، يعني معاشر الملائكة ، { و قفوهم } يعني العباد على القنطرة الأولى : عن ولاية على و حب أهل البيت [48].

في تفسير العياشي‏ : عن إسماعيل بن همام قال : قال الرضا عليه السلام في قول الله : { يوم ندعوا كل أناس بإمامهم } .

قال عليه السلام : إذا كان يوم القيامة ، قال الله : أ ليس عدلا من ربكم أن نولي كل قوم من تولوا ، قالوا : بلى . قال : فيقول : تميزوا ، فيتميزون‏ [49].

ويا طيب : بعد أن عرفت بعض مواقف السؤال يوم القيامة ، وأهم سؤال ذكرته العقيلة عليها السلام ، وبه يهوى كثيرا ممن يدعي الإيمان والإسلام النار ، ويفوز المؤمنون.

 

 

 

 

فلنتدبر كلمة أخيرة : قالتها العقيلة عليه السلام ، وهي :

إني لأخشى عليكم : أن يحل بكم مثل العذاب الذي أودى على إرم.

فنعرف : حقيقة أخرى ، وهي عذاب دنيوي لمن ظلم آل محمد عليهم السلام ، فضلا عن العقاب الأخروي ، وقد عرفت قصاص المهدي المنتظر في أحاديث مرت ، والآن يأتي كلام عن زمان لأهل الكوفة بأيديهم فيقتلون أنفسهم حيث يقاتل بعضهم بعض ، فتقول العقيلة مثل العذاب الذي أودي على إرم .

ويا طيب : إرم ، وهم أصحاب هود وأهل عاد ، نجى منهم بقية مع هود عليهم السلام وأهلكت عاد الأولى بالريح ، ولكن البقية الناجية اختلفوا بعد نبيهم ، فتقاتلوا بينهم حتى فنوا ، ولنتدبر ، قصة الطرفين كما ذكرت في تفسير الميزان ، وكما جاءت في سورة الفجر ، والسورة التي جاء فيها إنه من يداوم قراءتها يحشر مع الإمام الحسين عليه السلام ، ولعله الحكمة فيها لأنها تذكر وتعرف ، من بقي بعد النبي وأختلف عن الحق فلم يرضى به كيف يهلك ، فتدبر .

{ بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (3) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (4) هَلْ فِي  ذَلِكَ قَسَمٌ لِّذِي حِجْرٍ (5)

أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ (6)

 إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ (7) الَّتِي  لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ (8)

وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ (9) وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ (10)

 الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ (11) فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ (12) فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ  عَذَابٍ (13)

 إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ (14) } الفجر .

يا طيب جاء في ثواب تلاوتها عن داود بن فرقد عن أبي عبد الله عليه السلام قال :

اقرءوا سورة الفجر في فرائضكم و نوافلكم .

فإنها سورة : للحسين بن علي عليه السلام .

 من قرأها : كان مع الحسين يوم القيامة في درجته من الجنة إن الله عزيز حكيم[50].

ويا طيب : في سورة الفجر حكاية عمن أختلف عن الإمام الحسين عليه السلام وهم أهل الكوفة ومن تبعهم في أي مكان، وهم مثل أهل إرم بعد نبيهم هود وهلاكهم .

 وفي السورة النفس المطمئنة : للإمام الحسين عليه السلام وصحبه ، فيرجع من يحبهم راضيا مرضيا لله ويدخل في جنة الله ، ويسقى من حوض خصه الله برسوله وآله ومن يحبهم ، ولنتعرف على شرح قصة إرم وقوم عاد ونبيهم هود وما بعده نتدبر ما :

قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان :

كلام في قصة هود :

1 - عاد قوم هود :

هؤلاء : قوم من العرب ، من بشر ما قبل التاريخ ، كانوا يسكنون الجزيرة ، انقطعت أخبارهم و انمحت آثارهم ، لا يحفظ التاريخ من حياتهم إلا أقاصيص لا يطمئن إليها ، و ليس في التوراة الموجودة منهم ذكر .

و الذي يذكره القرآن الكريم من قصتهم : هو أن عادا ، و ربما يسميهم عادا الأولى النجم آية 50 ، و فيه إشارة إلى أن هناك عادا ثانية ، كانوا قوما يسكنون الأحقاف من شبه جزيرة العرب ، الأحقاف: 21 بعد قوم نوح الأعراف : 69 . كانت لهم أجساد طويلة ، القمر أية20 ، الحاقة : 7 ، و كانوا ذوي بسطة في الخلق ، الأعراف الآية 69 ، أولي قوة و بطش شديد ، حم السجدة الآية 15، الشعراء الآية 130 ، و كان لهم تقدم و رقي في المدنية و الحضارة ، لهم بلاد عامرة و أراض خصبة ، ذات جنات و نخيل و زروع و مقام كريم ، كما في سورة الشعراء و غيرها، و ناهيك في رقيهم و عظيم مدنيتهم قوله تعالى في وصفهم :

{أ لم تر كيف فعل ربك بعاد

أرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد}.

لم يزل القوم : يتنعمون بنعمة الله حتى غيروا ما بأنفسهم ، فتعرقت فيهم الوثنية ، و بنوا بكل ريع آية يعبثون ، و اتخذوا مصانع لعلهم يخلدون ، و أطاعوا طغاتهم المستكبرين .

 فبعث الله إليهم : أخاهم هودا يدعوهم إلى الحق ، و يرشدهم إلى أن يعبدوا الله ، و يرفضوا الأوثان ، و يعملوا بالعدل و الرحمة ، الشعراء آية130 ، فبالغ في وعظهم و بث النصيحة فيهم ، و أنار الطريق و أوضح السبيل ، و قطع عليهم العذر .

فقابلوه : بالآباء و الامتناع، و واجهوه بالجحد و الإنكار ، و لم يؤمن به إلا شرذمة منهم قليلون ، و أصر جمهورهم على البغي و العناد ، و رموه بالسفه و الجنون ، و ألحوا عليه بأن ينزل عليهم العذاب الذي كان ينذرهم و يتوعدهم به ، قال :

{ إنما العلم عند الله و أبلغكم ما أرسلت به

و لكني أراكم قوما تجهلون (23)} الأحقاف.

فأنزل الله : عليهم العذاب ، و أرسل إليهم الريح العقيم ، ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم ، الذاريات آية42 ، ريحا صرصرا في أيام نحسات سبع ليال و ثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية ، الحاقة آية 7 ، و كانت تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر ، القمر الآية20.

و كانوا بادئ ما رأوه : عارضا مستقبل أوديتهم ، استبشروا ، و قالوا : عارض ممطرنا ، و قد أخطئوا ، بل كان هو الذي استعجلوا به ، ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم ، الأحقاف آية 25 .

 فأهلكهم الله عن آخرهم .

و أنجى هود

 و الذين آمنوا معه برحمة منه ، هود آية 58  .

 

2 - شخصية هود المعنوية :

و أما هود عليه السلام : فهو من قوم عاد ، و ثاني الأنبياء الذين انتهضوا للدفاع عن الحق و دحض الوثنية ممن ذكر الله قصته ، و ما قاساه من المحنة و الأذى في جنب الله سبحانه ، و أثنى عليه بما أثنى على رسله الكرام ، و أشركه بهم في جميل الذكر عليه سلام الله .

و قيل : المراد بإرم قوم عاد ، و هو في الأصل اسم أبيهم سموا باسم أبيهم كما يقال : قريش و يراد به القرشيون و يطلق إسرائيل و يراد به بنو إسرائيل ، و المراد بكونهم ذات عماد كونهم أولي قوة و سطوة .

و المعنى: أ لم تر كيف فعل ربك بقوم عاد الذين هم قوم إرم ذوو القوة و الشدة الذين لم يخلق مثلهم في بسطة الجسم و القوة و البطش في البلاد أو في أقطار الأرض و لا يخلو من بعد من ظاهر اللفظ.

قوله تعالى: { الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد } صفة للمذكورين من عاد و ثمود و فرعون، و المعنى ظاهر.

قوله تعالى: {فصب عليهم ربك سوط عذاب} صب الماء معروف و صب سوط العذاب كناية عن التعذيب المتتابع المتواتر الشديد ، و تنكير عذاب للتفخيم[51].

يا طيب : عرفت شرح قوله تعالى : { إن ربك بالمرصاد } ، في بحث مستقل حين الكلام أنفا في شرح خطبة العقيلة كما توعدتهم .

 

ويا طيب :

قوله تعالى : { وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى 50) } ( النجم .

و هو عاد بن إرم : و هم قوم هود .

أهلكهم الله بريح صرصر عاتية .

و كان لهم عقب : فكانوا عادا الأخرى :

 قال ابن إسحاق :

 أهلكوا ببغي بعضهم على بعض ، فتفانوا بالقتل [52].

وإنما قيل لعاد بن إرم : عاد الأولى ، لأن بني لُقَيم بن هزَّال بن هزل بن عَبِيل بن ضِدّ بن عاد الأكبر، كانوا أيام أرسل الله على عاد الأكبر عذابه سكانا بمكة مع إخوانهم من العمالقة ، ولد عمليق بن لاوذ بن سام بن نوح .

 ولم يكونوا مع قومهم من عاد بأرضهم ، فلم يصبهم من العذاب ما أصاب قومهم ، وهم عاد الآخرة ، ثم هلكوا بعد.

وكان هلاك عاد الآخرة : ببغي بعضهم على بعض ، فتفانوا بالقتل .

فيما حدثنا ابن حُميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق ، فيما ذكرنا قيل :

 لعاد الأكبر : الذي أهلك الله ذرّيته بالريح : عاد الأولى .

 لأنها أُهلكت قبل عاد الآخرة [53].

يا طيب : العقيلة عليه السلام ، توعدهم بما كانت للمسلمين من بقية بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام واختلافهم عنه ، وأنهم سيقتل بعضهم بعضا ، فكان كما قالت عليها السلام ، فكانت بعد فترة قصيرة حرب التوابين مع بني أمية وقتل فيها الآلف من أهل الكوفة وممن حاربهم من بني أمية ، ثم كانت بعدهم حرب المختار مع بني أمية وقتل فيها الآلف ، وقبلها وبعدها حرب المختار بجيش من أهل الكوفة مع ابن الزبير ، وبعدها جيش ابن الزبير من أهل الكوفة مع بني أمية ، ثم سلط عليهم الحجاج بن يوسف الثقفي فسامهم الويلات ، وهكذا ترى عقاب الله لهم في الدنيا لانتهاكهم حرمة رسول الله وآله ولم يرعوا حق البقية الباقية من آل محمد وأهل ولاية الله وأئمتهم فأعتبر ، ولهم البرزخ والظهور والقيامة والنار ، ولما بلغت العقيلة غايتها في الكلام قال الإمام :

يا طيب : تابع ما قال الإمام بأصدق كلام يعرفنا شأن عمته الكريمة العقيلة زينب بنت عليه عليها السلام :



[24] تفسير العياشي ج2ص254س16ح2.

[25] الفروق اللغوية ج1ص276ح1096 ، 1097 .

[26] تأويل‏ الآيات ‏الظاهرة  ص256 . الغيبة للنعماني ص198ب11ح9 .

[27] الأمالي‏ للطوسي ص150م5ح 248-61 .من ‏لا يحضره‏ الفقيه ج4ص352.

[28] الكافي ج8ص 287 ح432 .

[29] الأمالي‏ للطوسي  ص82م3ح121-30 . بحار الأنوار ج43ص355ب16 .

[30] الغيبة للنعماني ص198ب11 .

[31] تفسير مجمع البيان للطبرسي ج10ص106 .

[32] صحيح مسلم ج1ص300ح53- 400 ، مسند أحمد ج 24 ص 104ح 11558 . السنن الكبرى للبيهقي ج2ص43 .السنن الكبرى للنسائي ج1ص315ح977 وج6ص523ح11702 . مسند أبي يعلى الموصلي ج8ص474ح3845 .

[33] صحيح مسلم ص4ج2194ح58 -2860 ، صحيح البخارى ج15ص436ح4740، وقال المحقق أطرافه 3349 ، 3447 ، 4625 ، 4626 ، 6524 ، 6525 ، 6526 - تحفة 5622 . مسند أحمد ج5ص24ح1992 .السنن الكبرى للنسائي ج1ص668ح2213 . غرلا منزوعي اللباس من غير ثياب .

[34] صحيح مسلم ج4ص1796ح 32 - 2297 .مسند أحمد ج46ص351ح21803 عن سهل بن سعد ، وج5ص24ح1992 عن ابن عباس ، ج7ص492ح3457 عن عبد الله ، وج8ص156ح3621 عنه وذكر في أجزاء أخرى عدة روايات عنه ، وج9ص156ح4121عن عبد الله بن مسعود ، ج28ص27ح13480 عن أنس بن مالك ، ومسند أحمد ج41ص449 ح19590 عن أبي بكرة ، وج47ص271ح22202 عن حذيفة .

[35] الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم ج1ص124ح276 رقم 52.وفي دلائل النبوة للبيهقي ج7ص241 ح2699 والمعجم الأوسط للطبراني ج1ص403ح404عن أبي الدرداء ، وج 14 ص 364 ح6786 عن سمرة بن جندب ، ج1ص161ح393 عن حذيفة، واختلج: انتزع أو اقتطعوا .

[36] الجمع بين الصحيحين البخاري ومسلم ج1ص349ح923 رقم 28 .

[37] صحيح مسلم ج4ص1873ح 36-2408 ، المعجم الكبير ج5ص183ح5028 . مسند أحمد ج39ص264ح18464 .العمدة ص103ف14ح139 . الطرائف ج1ص114ح174 . بحار الأنوار ج35ص228ب5 .

[38] سنن الترمذي ج5ص663ح 3788 . جامع الأحاديث ج10ص131ح9256 . صحيح مسلم ج4ص1795ح29-2295 عن أم سلمة.

[39] مسند أحمد ج17ص211ح11131 . ، وج22ص252ح10707 . السنن الكبرى للنسائي ج5ص45ح8148 .المعرفة والتاريخ ج1ص537 .

[40] ‏الكافي ج2ص600ح4 كتاب فضل القرآن . وسائل ‏الشيعة ج6ص170ب2ح7653 ، بحار الأنوار ج7ص265ب11ح22 .

[41] الصراط المستقيم ج2ص103 . باختصاص مولانا أمير المؤمنين علي بإمرة المؤمنين للسيد بن طاووس  ص276ب96 . وقد فصل الحديث فيه ، ونقلناه مختصرا من الصراط المستقيم ، والمخدج هو صاحب الخوارج ذو الثدية وكان ناقص اليد ، والخدج النقص ، وأنا أقول أشهدوا أني نقلت الحديث عنهم من الكتب المذكورة .

[42]  تفسير القمي ج1ص109 ، تأويل‏ الآيات‏ الظاهرة ص125, اليقين ص210ب57 ، رواية أخرى ص329 ب124 و ص275ب96 ، بحار الأنوار ج37ص346ح3 .

[43] رجال ‏الكشي ص286 . بحار الأنوار ج47ص326 ج22 .

[44] غرر الحكم  ص127ح2161 . نهج البلاغة ص 107ح82 وآخره و من ساعاها فاتته و من قعد عنها واتته و من أبصر بها بصرته و من أبصر إليها أعمته ، وفي الكافي ج2ص459ح23 مثله وآخره  أنى لكم بالروح و لما تأسوا بسنة نبيكم تطلبون ما يطغيكم و لا ترضون ما يكفيكم . وكذا في كنز الفوائد ج1ص345 .

[45] فضائل ‏الشيعة ص7ح6 عن أمير المؤمنين , علل‏ الشرائع ج1ص218ب159 ، العمدة  ص57ف9عن بن عباس . عوالي ‏اللآلي ج1ص99ف6ح15 عن معاذ بن جبل .

[46] المناقب ج2ص152  .

[47] تفسير الإمام‏ العسكري ص405ح276 ، بحار الأنوار ج7ص186ب8ح47.

[48] المناقب ج2ص152 ، الْتأويل‏ الآيات‏ الظاهرة ص483 ، بحار الأنوار ج7ص331ب17ح12 .

[49] تفسير العياشي ج2ص304.  بحارالأنوار ج8 ص14ح 18 .

[50] ثواب ‏الأعمال ص12، وسائل‏ الشيعة ج6ص144ب64ح7569 ، تأويل ‏الآيات‏ ص769 .  

[51] تفسير الميزان للعلامة الطباطبائي ج10ص157.

[52] تفسير مجمع البيان للطبرسي ج9ص276.

[53] تفسير الطبري ج22ص552 .

 

 

خادم علوم آل محمد عليهم السلام

الشيخ حسن حردان الأنباري

موسوعة صحف الطيبين

http://www.msn313.com